الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: منحة الخالق على البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
(قوله ولو قال وهبتك منافع هذه الدار شهرا بكذا يجوز وتكون إجارة) قال الرملي سيأتي قريبا أنه لو أضيف العقد إلى المنافع لا يجوز ا هـ. فتأمله. ا هـ. قلت وسيأتي عن المحشي نقل قولين في المسألة فلعل ما هنا على أحدهما (قوله ولهذا لو أضاف العقد إلى المنافع لا يجوز) قال الرملي ذكر في البزازية وكثير من الكتب قولين في المسألة (قوله فهي فاسدة) قال الرملي إنما كانت فاسدة لأنه شرط فيها بيع عين حتى لو وقعت على نفس العين كانت باطلة لا فاسدة بما صرحوا به من أنها لو وقعت على إتلاف الأعيان قصدا لا تنعقد فتأمل وقوله لأنها ليست أي الإجارة (قوله وعندهما ليس بشرط) قال الرملي وقدم في السلم أنه يتعين عندهما مكان الدار ومكان تسليم الدابة وفي الجوهرة وعندهما لا يشترط ويسلمه عند الأرض المستأجرة (قوله ولا يحتاج إلى بيان الأجل فإن بين جاز وثبت) قال الرملي قال في الجوهرة ولا يحتاج إلى بيان الأجل فإن الأجر صار مؤجلا كالثمن في البيع ا هـ. يعني ببيان المدة كما لو قال بعتك بكذا إلى شهر مثلا تأمل قول المصنف ولا تزاد في الأوقاف على ثلاث سنين) قال الرملي وفي الجوهرة وعلى هذا أرض اليتيم وقد أفتى صاحب البحر بإلحاق عقار اليتيم بالوقف وكذا تلميذه الشيخ العلامة الغزي وأكثر كلامهم في المسألة يدل على أنه المختار وأنه المفتى به وعلته أنه كما يصان الوقف يصان مال اليتيم عن دعوى الملك بطول المدة بل مال اليتيم أولى للنصوص الموجبة له المصرحة بالنهي عن قربانه فليكن عليه المعول وأقول: أيضا ومثل عقار اليتيم عقار بيت المال فتأمل (قوله فأفاد أنه لو كان الخبز في بيت المستأجر فاحترق إلخ) أقول: في الجامع الصغير وشروحه أطلقوا الجواب بعدم الضمان ولم يذكروا الخلاف فعن هذا قالوا الجواب مجرى على عمومه فعنده لا ضمان من صنعه وأما عندهما فلأنه هلك بعد التسليم وإنما ذكر الخلاف القدوري برواية ابن سماعة عن محمد قال وإذا أخرجه من التنور فوضعه وهو يخبز في بيت المستأجر وقد فرغ فإن احترق من غير جناية فله الأجر ولا ضمان عليه في قول أبي حنيفة كذا في غاية البيان فالكلام في الخبز في بيت المستأجر لا في غير بيته تأمل (قوله وينبغي ترجيح المنع) قال الرملي قدم هذا الشارح في القضاء أن الحبس في اللغة المنع فلعله وينبغي ترجيح عدم المنع أي عدم الحبس للعين فسقط من خط الكاتب ذلك أو معناه ترجيح منع الحبس لها شرعا والألف واللام بدل عن الإضافة تأمل ا هـ. قلت لا يخفى بعد المعنى الأول هنا بل المراد المتبادر المنع المفهوم من قوله ليس له حق الحبس باب ما يجوز من الإجارة وما يكون خلافا فيها) (قوله أما رحى اليد إلخ) فيه سقط والذي في الخلاصة لا يمنع من رحى اليد إن كان لا يضر وإن كان يضر يمنع وعليه الفتوى (قوله ليلبن فيها) قال الرملي صوابه منها كما في الخانية قائلا لوقوع الإجارة على العين (قوله ولا يجوز لمستأجر السبيل) قال الرملي تقدم في كتاب الوقف أن السبيل هو الوقف على العامة (قوله وفي القنية استأجر أرضا وقفا وغرس فيها أو بنى إلخ) قال الرملي ذكرها بعد أن رمز (سم) (قع) لإسماعيل المتكلم أو هو بالمعجمة لشرف الأئمة المكي والقاضي عبد الجبار وقال فيها قيل لهما فلو أبى الموقوف عليهم إلا القلع هل لهم ذلك قال لا وقد قالوا لا تعويل ولا التفات إلى كل ما قاله صاحب القنية مخالفا للقواعد ما لم يعضده نقل من غيره وقد عضد بما في أوقاف الخصاف ووجهه إمكان رعاية الجانبين من غير ضرر فعليه إذا مات أحدهما فللمستأجر أو ورثته الاستبقاء فيكون مخصصا لكلام المتون ووجهه أيضا عدم الفائدة في القلع إذ لو قلع لا تؤجر بأكثر منه حتى لو حصل ضرر ما من أنواع الضرر بأن كان المستأجر أو وارثه مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا يخشى على الوقف منه أو غير ذلك من أنواع الضرر يجب أن لا يجبر الموقوف عليهم تأمل ا هـ. كلام الرملي والحاصل أن المتبادر من عبارة المتن كغيره من المتون أنه يلزم المستأجر بعد انتهاء مدة الإجارة تسليم الأرض للمؤجر فارغة سواء كانت الأرض ملكا أو وقفا فليس للمستأجر أن يجبر المؤجر على أن يؤجرها منه مدة ثانية بدون رضاه واستثنى في القنية أرض الوقف إذا بنى فيها أو غرس فله استبقاؤها بيده مدة أخرى بأجر المثل لما فيه من حصول المقصود من أرض الوقف وهو إيجارها بأجر المثل لأن أرض الوقف لا يمكن المتولي تعطيلها فحيث كان لا بد له من إيجارها بأجر المثل ورضي الباني والغارس بذلك كان أحق من غيره لحصول المقصود مع دفع الضرر عنه وقد اضطرب كلام الخبر الرملي في فتاويه فتارة أفتى بهذا وقال بعدما نقل ما ذكره المؤلف عن القنية والخصاف ما نصه وأنت على علم أن الشرع يأبى الضرر خصوصا والناس على هذا وفي القلع ضرر عليهم وفي الحديث الشريف عن النبي المختار «لا ضرر ولا ضرار» ا هـ. وتارة أفتى بما هو إطلاق المتون من لزوم القلع وقال في موضع آخر يكلف قلع الأشجار إن لم يضر بأرض الوقف فإذا ضر يتملكه الناظر بقيمته مستحق القلع للوقف هذا هو المختار كما نص عليه الأئمة الأخيار وعليه أصحاب المتون وقد صرح في القنية بأن له أن يستبقيها بأجرة المثل وإن أبى الموقوف عليهم وبمثله صرح الخصاف وهو خلاف ما في المتون والله أعلم. ا هـ. وقد تكرر منه الإفتاء بذلك في مواضع من كتاب الإجارة ومبناه على أن ما في القنية والخصاف لا يعارض إطلاق المتون أقول: وبهذا تعلم قطعا أنه لو لم يكن له فيها بناء ولا غراس ولا غير ذلك وأراد استئجارها مدة أخرى ليس له ذلك بدون رضا المؤجر وأنه لا وجه لما اشتهر في زماننا من أن المستأجر الأول أحق ويسمونه ذا اليد حتى إذا فرغت مدة إيجاره وأراد المتكلم على الأرض إيجارها لغيره لكون المستأجر الأول مفلسا أو سيئ المعاملة أو متغلبا أو نحو ذلك يفتونه بأنه ليس له ذلك ويقولون إن ذا اليد أحق حتى تبقى الأرض بيده سنين عديدة ويتحكم بالمؤجر بما أراد وربما امتنع عن دفع أجرة المثل بسبب ذلك بل ربما استولى على الأرض وادعى ملكيتها بسبب طول استيلائه عليها. وقد صرحوا بأنه لو كان يخشى على الأرض من المستأجر فللمتولي فسخ الإجارة ونزعها من يده فكيف إذا مضت المدة نعم قالوا إذا زادت أجرة المثل في أثناء المدة ففي رواية ليس له فسخها لأن العبرة لأول العقد وقد كان ابتداؤه بأجر المثل فلا يفسخ وفي رواية شرح الطحاوي تفسخ لأن الإجارة تنعقد شيئا فشيئا وعلى هذه الرواية فرعوا أن المستأجر إذا رضي بدفع الزيادة فهو أحق ولا يخفى ظهور وجهه وهو أن مدته باقية وأن علة الفسخ هي زيادة الأجرة فإذا رضي بدفع الزيادة زالت علة الفسخ فيكون أحق بإبقائها بيده إتماما لمدة عقده أما بعد تمام مدة عقده فلم يبق له حق فما وجه كونه أولى وأحق بإيجارها ثانيا منه جبرا على المؤجر وإن رضي بدفع الزيادة فقياس هذا على ما إذا كانت المدة باقية قياس مع الفارق والقياس لا يصح إلا بعد كونه من أهله مع استيفاء شرائطه ولي في أهل هذا الزمان أحد من أهل القياس إذا استوفى شرائطه فكيف مع كونه غير مستوف لشرائطه. (قوله وبهذا يعلم) قال الرملي أي بقوله استأجر أرضا وقفا إلخ وقوله وهي منقولة أي مسألة الاستيفاء تأمل (قول المصنف إلا أن يغرم له المؤجر قيمته مقلوعا ويتملكه إلى قوله أو يرضى بتركه) قال الرملي قال في شرح القدوري المسمى بمجمع الرواية قال الزاهدي لأن الحق له فله أن لا يستوفيه لأن الأرض تصير عارية في يده بهذا قلت وفي هذا إشارة إلى أنه يبقى بغير أجر بخلاف الزرع ولهما أن يؤاجراها من أجنبي وذكر ما نقله عن الأقطع وأقول: الذي يتضح أن الجواب متحد في حق البناء والغرس في الغصب والعارية والإجارة وهو وجوب القلع وتسليم الأرض فارغة حيث لا يضر بالأرض وإن أضر بها يتملكه صاحب الأرض بأقل القيمتين منزوعا وغير منزوع ولا فرق بين أرض الوقف والملك فقوله في جامع الفصولين في الوقف ولو اصطلحوا على أن يجعل ذلك للوقف بثمن لا يجاوز أقل القيمتين منزوعا أو مبنيا فيه صح إما بيان للأفضل فلا ينافي الجبر عند عدم الاصطلاح أو هي رواية ضعيفة. (قوله وهذا الاستثناء راجع إلى لزوم القلع إلخ) قال الرملي لا يخفى أن ظاهر قوله ويتملكه الإطلاق فدخل فيه الجبر والرضا مطلقا في حالتي الضرر وعدمه وليس كذلك فلذلك قيده الشراح بقولهم وهذا إذا كانت الأرض تنقص بالقلع ففي قوله لا حاجة إلى حمل كلام المصنف على ما إذا كانت الأرض تنقص ا هـ. نظر فتأمل. (قوله وإن حملاه معا وجب النصف على المستأجر) نقل بعده في المنح عن الخلاصة أنه يضمن ربع القيمة لأن النصف مأذون فيه والنصف الآخر بغير إذن وبحمله يضمن نصف هذا النصف ونقله الشرنبلالي عن تتمة الفتاوى قال بعض الفضلاء ونقله في حاشية الشلبي على الزيلعي عنهما أيضا وفي حاشية سري الدين عن الخلاصة والمبسوط ا هـ. قلت ومثله في التتارخانية عن الذخيرة فليراجع المحيط فلعل ما هنا محرف أو المراد نصف الزائد يؤيده ما في البزازية وأن يحمل عشرة فجعل عشرين وحملا معا ضمن نصف القيمة لأن النصف مأذون والنصف لا فينتصف هذا النصف ومثله ما مر عن الخلاصة (قوله وقيده) أي كلام المتن (قوله إذا هلك) أي إذا هلك الحيوان المستأجر (قوله أو نزع الإكاف فأسرجه بما لا يسرج مثله) قال الرملي قال في السراج الوهاج ولو اكترى حمارا بإكاف فأسرجه ونزع الإكاف فلا ضمان عليه لأن ضرر السرج أقل من ضرر الإكاف وينبغي حمله على ما إذا أسرجه بسرج يسرج بمثله الحمر أما إذا كان لا يسرج بمثله الحمر فإنه يضمن كما هنا فلا مخالفة بينهما فتأمل (قوله وكذا إذا أبدله لأن الحمار إلخ) أي وكذا لا يضمن وعبارة غاية البيان وقال الكرخي في مختصره إن لم يكن عليه لجام فألجمه فلا ضمان عليه إذا كان مثله يلجم بذلك اللجام وكذلك إن أبدله وذلك لأن الحمار لا يختلف باللجام وغيره ولا يتلف به فلم يضمن بإلجامه والله سبحانه وتعالى أعلم وهو الموفق والمعين قال أستاذنا مؤلف هذه الحواشي رحمه الله تعالى وأعاد علينا وعلى المسلمين من صالح دعواته وحشرنا في زمرته تحت لواء سيد المرسلين صلى الله عليه وعليهم أجمعين الحمد لله تعالى قد انتهى هذا السفر المبارك والسفران اللذان قبله قراءة ومقابلة وتصحيحا وكتابة على الهامش بحسب الطاقة مع قراءة الدر المختار للشيخ علاء الدين الحصفكي وحاشيته للشيخ إبراهيم الحلبي المداري وكتابة على هامشهما وضبطهما وتصحيحهما على جناب شيخنا فقيه عصره السيد محمد سعيد الحلبي أطال الله بقاءه وأناله ما أمله وتمناه وقلت شعرا. ركبنا جواد الفكر في مهمه البر وخضنا بفلك العمر في لجج البحر وغصنا بصافي اللب تيار عمقه إلى أن تحلينا من الكنز بالدر وعدنا وقد أوفى لنا الدهر وعده وزاحت سحاب الهم عن أفق الصدر إلى أن بدا البر المنير لنا وقد ملأنا نواحي البر بالرفد والبر فشكرا لرب قد تعاظم فضله علينا وحمدا فائق العد والحصر وسقيا لزين الدين رائد فلكه ختام ذوي التحقيق منشئ ذا السفر فلله ما أبدى ولله دره ولله ما أهدى جزى أعظم الأجر فقد أودعت أفكاره غررا بها يقر جميع الحاسدين على القسر ورعيا لشيخ العصر سيدنا الذي رقى ذروة التحقيق أوحد ذا العصر وفاق على أهل الفضائل كلهم بخفض جناح النفس مع رفعة القدر وحل بفكر ثاقب كل مشكل وحلى بعذب اللفظ ما مر في الدهر وحلى بدر الفضل عاطل نحرنا ففقنا على الحسناء في حلية النحر فلا زال فينا مشرق الوجه ذا سنا يلوح على الأكوان أشرق من بدر مدى الدهر ما غنى الهزار مرنما ما جددت أفراحنا ختمة البحر وذلك في أوائل ربيع الثاني سنة ألف ومائتين وثلاثين وأنا الفقير إليه تعالى أقل عبيده وأحوجهم إلى تأييده وتسديده محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز بن أحمد الشهير بابن عابدين عفى الله عنه آمين وله أجر مثله لا يجاوز به المسمى. قال رحمه الله: (وإن أوصى بثلث دراهمه أو غنمه، وهلك ثلثاه له ما بقي) أي إذا أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه، وهلك ثلثا ذلك، وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي من الدراهم والغنم، وقال زفر له ثلث ما بقي من ذلك النوع لأن كل واحد منهما شركة بينهما، والمال المشترك يهلك ما هلك منه على الشركة، ويبقى الباقي كذلك فصار كما إذا أوصى به أجناسا مختلفة، ولنا أن حق بعضهم يمكن جمعه في البعض الباقي فصار كما إذا أوصى بدرهم أو بعشرة دراهم أو بعشرة رءوس من الغنم فهلك ذلك الجنس كله إلا القدر المسمى فإنه يأخذه إذا كان يخرج من ثلث بقية ماله بخلاف الأجناس المختلفة فإنه لا يمكن الجمع فيها جبرا فكذا تقديما، والمال المشترك إنما يهلك الهالك منه على الشركة أن لو استوى الحقان أما إذا كان أحدهما مقدما على الآخر فالهالك يصرف إلى المؤخر كما إذا كان في التركة ديون ووصايا وورثة ثم هلك بعض التركة فإن الهالك يصرف إلى المؤخر، وهو الوصية والإرث لأن الدين مقدم عليهما، وهنا الوصية مقدمة على الإرث لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} فيصرف الهلاك إلى الإرث تقديما للوصية على وجه لا ينقص حق الورثة على الثلثين من جميع التركة لأنه لا يسلم للموصى له شيء حتى يسلم للورثة ضعف ذلك، وكذا إذا هلك البعض في المضاربة يصرف الهلاك للربح لأن رأس المال مقدم على ما عرف في موضعه الأصل في هذا الباب أن يحتاج إلى معرفة الوصية المقيدة والمطلقة والعين والدين كما سبكه المؤلف وأنواع الوصية بهما وأحكامها. قال أبو يوسف العين الدراهم والدنانير دون التبر والحلي والعروض والثياب، والدين كل شيء يكون واجبا في الذمة من ذهب أو فضة أو حنطة، ونحو ذلك لأن العين عند الإطلاق ينصرف للذهب والفضية المضروبين، وأما غيرهما فيسمى في اللغة عروضا وسلعة وحليا وصياغة، وأما أنواع الوصية بهما فالوصية نوعان مرسلة ومقيدة فالمرسلة أن يوصي بجزء شائع من ماله نحو أن يوصي بثلث ماله وربعه، والمقيدة أن يوصي بثلث مال بعينه بأن يوصي بثلث دراهمه أو دنانيره أو بثلث الغنم فالوصية المقيدة حكمها أن يكون حقه مقدما على حق الورثة، وعلى حق الوصية المرسلة، ولو هلك شيء منها قبل القسمة يصرف الهلاك إلى الورثة لا إلى الموصى له حيث كانت الوصايا تخرج من ثلث مال الميت بأن كان له مال آخر يعطى للموصى له كل الموصى به لأنه قيدها بنوع من المال فتقيد بذلك النوع، ولهذا لا يزداد حقه بزيادة مال الميت، وكذا لا ينقص بنقصانه لأن حقه لم يثبت شائعا في جميع التركة فكان حقه مقدما على حق الورثة لقوله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين} فصار الهلاك مصروفا إلى المؤخر حقه لا إلى المقدم لأنه ما لم يفضل عن الوصية لا يصير حقا للورثة. وإنما حكم الوصية المرسلة فهو أن صاحبها بمنزلة واحد من الورثة لأن حقه ثبت شائعا في جميع التركة حتى يزاد حقه بزيادة المال، وينقص بنقصانه كحق الورثة فصارت التركة كالمشتركة بينه وبين الورثة فما توى من شيء من التركة يتوى على الشركة وما بقي يبقى على الشركة فكان وارثا حكما ومعنى وموصى له اسما، والعبرة للحكم والمعنى، ولهذا لو اجتمع في التركة وصية مقيدة، ووصية مرسلة تقدم الوصية المقيدة ثم تقاسم الوصية المرسلة مع الورثة على قدر حقوقهم، وأما ما يتعلق بمسائل الهلاك والاستحقاق فلو أوصى لرجل بثلث ماله فما هلك أو استحق فهو على الحقين لأن الوصية مطلقة مرسلة لأنه أضاف الوصية إلى جميع ماله على العموم والشيوع فيكون له ثلث كل شيء من ماله فكان شريكا في التركة بمنزلة أحد الورثة فما هلك يهلك على الشركة فإن أوصى بثلث الدراهم وثلث الدنانير ثم هلك عشرون دينارا بعد موت الموصي أو قبل موته كان له ثلث ما بقي نصفه من الدراهم ونصفه من الدنانير لأن هذه وصية مقدمة لأنه أوصى له بثلث دراهمه ودنانيره فقد قيد الوصية بنوع مال مخصوص، ولم يضفها إلى مال مرسل فكانت وصية مقيدة فتعلق بذلك المال بقاء وبطلانا، ولو كان أوصى بسدس الدراهم وسدس الدنانير أخذ السدس كله من الباقي لأن الهلاك مصروف إلى حق الورثة فيبقى حق الموصى له في سدس جميع المال، وذلك خمسة دنانير كما كان قبل الهلاك فكان له خمسة دنانير من العشرة الباقية إذ أصله ثلاثون وخمسون درهما من الدنانير، وكذلك الإبل والبقر على هذا. وإذا مات عن ألف وعبد قيمته ألف، وأوصى أن يعتق عبده، ولرجل بثلث ماله، ولآخر بسدس ماله فالثلث بينهم على أحد عشر للعبد ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولآخر واحد ففي هذه المسألة يقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة بالإجماع لأن المنازعة لا تتحقق هاهنا لأنه لا يجتمع في رقبة العبد وصيتان لأن حق الموصى له بالثلث في السعاية لا في الرقبة لأن الموصى له بثلث مال مطلقة بمنزلة أحد الورثة، وحق الورثة في السعاية إذا كان العبد موصى بعتقه لأنهم لا يملكون العبد الموصى بعتقه، وإن كان لا يخرج من الثلث لأنه معتق البعض، ومعتق البعض لا يملك، وكذلك الموصى له بالثلث مرسلا، وإذا لم يثبت حقه في رقبة العبد فلا تنازع في العبد فيقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة، والوجه فيه أن يحتاج إلى فريضة لها نصف وثلث وسدس لأن العبد موصى له بنصف ماله لأن ماله ألفان ألف وعبد قيمته ألف، ولآخر ثلث ماله، ولآخر سدس ماله، وأقل حساب يخرج منه هذه السهام اثنا عشر فنصفه ستة وثلثه أربعة، وسدسه سهم فيكون كله أحد عشر فإذا صار الثلث على أحد عشر فصار الجميع ثلاثة وثلاثين فللعبد من ثلث المال ستة، والعبد من جميع المال نصفه، وذلك ستة عشر ونصف فيعتق منه ستة أجزاء، ويسعى في عشرة ونصف سهم، وللموصى له سدس جزء واحد من أحد عشر من الثلث. ويبقى اثنان وعشرون ضعف ذلك للورثة فقد استقام الثلث والثلثان، ولو استحق نصف العبد، وضاع نصف الألف فالثلث على ستة ثلاثة للعبد وسهمان لصاحب الثلث وسهم لصاحب السدس لأنه لما استحق نصف العبد انتقصت نصف وصية العبد فبقي وصيته في ثلاثة أسهم، ولما ضاع نصف الألف انتقص نصف وصية الموصى له بالثلث، وهو سهمان لأنها ضاعت عليه، وعلى الورثة لأنه بمنزلة أحد الورثة، ووصية صاحب السدس باقية على حالها في سهم واحد لأن وصيته مقيدة بألف فصار الهلاك مصروفا إلى الورثة لأن وصيته تخرج من ثلث ماله إذا كان سدس الألف بعينها فلما ضاع نصفها انقلب ثلثه سدس ما بقي لأن سدس الكل ثلث النصف، وإذا صار ثلث المال ستة صار الجميع ثمانية عشر ونصفه تسعة فيعتق من العبد ثلاثة أجزاء من تسعة، ويسعى في ستة فيضم ذلك إلى النصف الآخر فيصير كله خمسة عشر للموصى له بالسدس سهم من تسعة من الخمسمائة الباقية يبقى أربعة عشر فيبقى المال على أربعة عشر سهمان لصاحب الثلث، واثنا عشر للورثة، وخرجه محمد على سبعة لأن بين نصيب صاحب الثلث وبين الورثة موافقة بالنصف فإن نصيب صاحب الثلث سهمان ونصيب الورثة اثنا عشر وبين العبد والدين موافقة بالنصف فاختصر نصيب كل واحد على نصفه فصار سبعة. قال رحمه الله: (ولو رقيقا أو ثيابا أو دورا له ثلث ما بقي) أي إذا أوصى بثلث رقيقه أو ثيابه أو بثلث دوره فهلك ثلثا ذلك، وبقي الثلث، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله كان له ثلث الباقي كما قال زفر لأن الجنس مختلف فلا يمكن جمعه بخلاف الأول على ما بينا قالوا هذا إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، وإن كانت من جنس واحد فهي بمنزلة الدراهم، وكذا كل مكيل أو موزون كالدراهم لما بينا، وقيل هذا قول أبي حنيفة في الرقيق والدور لأنه لا يرى الجبر على المقاسمة فيهما، وقيل هذا قول الكل لأن الجميع إنما يتحقق بقضاء القاضي عن اجتهاد عندهما ولا يتحقق بدون القضاء بل يتعذر ولا قضاء هنا فلم يتحقق الجمع إجماعا، والأشبه أن يكون على الخلاف لأن كل ما أمكن جمعه بدون القضاء أمكن جمعه تقديرا، وهذا هو الفقه في هذا الباب ألا ترى أنه أمكن الجمع بدون القضاء عندهما فيما إذا كانت الوصية بثلث الدراهم أو الغنم على ما بينا. قال رحمه الله: (وبألف، وله عين ودين فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إليه) أي إذا أوصى بألف درهم، وله عين، ودين فإن خرج من ثلث العين دفع إليه لأن إيفاء حق كل واحد ممكن من غير بخس بأحد قال في المبسوط أصل المسألة متى كانت التركة بعضها قائم، وبعضها غير قائم تقسم القائمة بين الورثة، والموصى له على السهام التي تقسم لو كانت كلها قائمة اعتبارا للبعض بالكل ثم ما أصاب المديون من العين القائمة من التركة جعل قصاصا بما عليه إذا كان ما عليه مثل حقه في العين أو أكثر فإن كان أقل فبقدره، وهذا إذا كانت التركة من جنس الدين، وإن كانت من خلاف جنسه بأن كانت عروضا، والدين دراهم أو دنانير فعن رواية الوصايا أنه يجعل نصيبه قصاصا بما عليه، وهو القياس، وفي رواية هذا الكتاب يحتبس عنه من العين حتى يوفي ما عليه استحسانا فإن لم يوف وطلب صاحب الدين من القاضي أن يبيع نصيبه يبيع القاضي، ويقضي من ثمنه دينا ثم المسائل مشتملة على فصول: فصل في الوصية بالسهام في العين والدين، وفصل في الوصية بالدراهم والسهام معينة، وفصل بالوصية بالدراهم والعروض رجل مات وترك ابنين، ومائة درهم عينا ومائة دينار على أحد ابنيه، وأوصى لرجل بالثلث كان له نصف العين، والنصف لغير المدين لأن العين تقسم بينهم أثلاثا ثلثه للموصى له وثلثه لمن لا دين عليه وثلثه للدين إلا أن المدين لا يعطيه نصيبه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فيحسب ما له قصاصا بما عليه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فإن ما يخص الابن المدين ذهب بحصته مما عليه ستة وستون وثلثان، ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا بين الابن غير المدين، والموصى له نصفين لأن حقهما سيان، ولو أوصى بربع العين، والدين كان له نصف العين لأن جميع مال الميت مائتا درهم للموصى له ربعه. وذلك خمسون يبقى مائة وخمسون لكل ابن خمسة وسبعون إلا أنه لا يعطى للمدين شيء من العين بل يطرح عنه نصيبه من الدين لأنه لا فائدة في ذلك فيطرح مما عليه نصيبه، وذلك خمسة وسبعون، ويؤدي ما بقي عليه، وهو خمسة وعشرون، ويقسم ذلك مع المائة العين بين الموصى له وبين غير المدين على خمسة أسهم سهمان للموصى له، وذلك خمسة، وثلاثة أخماسه للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ المدين عن مثلها فرق بين الوصية بخمس مطلق وبين الوصية بخمس مقيد، والفرق أن الوصية بالعين والدين وصية مقيدة، والموصى له المقيد يضرب بجميع وصيته يوم الموت إذا كانت وصيته تخرج من ثلث ماله لما بينا، وهذا وصيته تخرج من ثلث ماله لأن وصيته من العين والدين أربعون درهما منهما، وقد خرج من العين قدر وصيته، وزيادة فيأخذ وصيته من العين، وذلك أربعون، وأما الموصى له المطلق يضرب في المال بقدر عشر ماله في العين يوم القسمة لأن حقه في العين المطلق المرسل لا في العين فيكون له خمس المال المرسل، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث من العين، ولو أوصى لرجل بربع ماله، ولآخر بثلث ماله كان نصف العين بينهما على ثمانية لصاحب الربع أربعة، وأربعة لصاحب الثلث لأن أصل الفريضة من ثلاثة إذا لم تجز الورثة سهم الموصى له بقي سهمان بين الاثنين نصفين لكل واحد سهم لأن ما يصيب المدين من العين يطرح لأن ما عليه أكثر مما له. واقسم المائة العين بين الابن غير المدين وبين الموصى لهما نصفين لكل واحد خمسون، ويحسب للابن المدين ما عليه خمسون مثل ما حصل للابن غير الابن فصار العين من مال الميت حقيقة وحكما مائة وخمسين مائة عين حقيقة وخمسون عين حكما، وهو قدر ما استوفاه الابن المدين، وبقي على المدين خمسون ناويا ما دام معتبرا فلا بد من مال الميت ثم ما أصاب الموصى له من نصف العين يقسم بينهما على سبعة لأن أقل حساب له ثلث وربع اثنا عشر فحق الموصى له بالثلث في أربعة، وحق الموصى له بالربع في ثلاثة فصار جميع ذلك سبعة فاقسم الثلث على سبعة أربعة لصاحب الثلث وثلاثة لصاحب الربع فإن أيسر الابن المدين، وقدر على الأداء اعتبر المال كله فيكون بين الورثة، والموصى لهما أثلاثا ثم مال الموصى لهما بينهما على سبعة لأنه لما أيسر ظهر أن مال الميت كان مائتين فيكون ثلث ماله ستة وستين وثلاثين فيقسم دين الموصى لهما على سبعة كما وصفنا، وإذا كان له مائة درهم عينا ودينا على امرأته ثم مات، وترك امرأته وابنه، وأوصى بثلث ماله لرجل قسم العين بين الابن، والموصى له على أحد عشر للموصى له أربعة فإن قدرت المرأة على الأداء كان للموصى له ثلث كل المال ستة وستون وثلثان، وللمرأة ثمن الباقي ستة عشر وثلثان تؤدي الفضل فإذا أدت قسم بين الابن والموصى له على أحد عشر قال رحمه الله: (وإلا فثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين له ثلثه حتى يستوفي الألف) أي إن لم يخرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له ثلث العين ثم كلما أخرج شيء من الدين دفع إليه ثلثه حتى يستوفي حقه. وهو الألف لأن الموصى له شريك الوارث في الحقيقة ألا ترى أنه لا يسلم له شيء حتى يسلم للورثة ضعفه، وفي تخصيصه بالعين بخس في الورثة لأن العين مقدمة على الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، ولهذا لو حلف أنه لا مال له، وله دين على الناس لا يحنث، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، وباعتباره تتناوله الوصية فيعتدل النظر بقسمة كل واحد منهما من الدين والعين أثلاثا هذا إذا أوصى لواحد فلو أوصى لاثنين قال في الأصل في الوصية بالدين والعين والثياب والمتاع والسلاح والذهب والفضة والحديد وما أشبه ذلك ذكر في فتاوى الفضل إذا كان رجل أوصى بثلث ماله الدين لرجل، والآخر بثلث ماله العين والعين والدين مائة اقتسما ثلث مائة العين نصفين فإن خرج من الدين خمسون ضم إلى العين، وكان ثلثه جميع ذلك بينهما على خمسة أسهم، ولو أوصى بثلث العين لرجل، وبثلث العين لرجل آخر، والدين لآخر، ولم يخرج من الدين شيء من الدين اقتسما ثلث ذلك خمسون درهما بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف ومحمد، وأما على قول أبي حنيفة الثلث بينهما في هذه المسألة على خمسة أيضا، وإذا كان لرجل مائة درهم عينا، ومائة درهم دينا على أجنبي فأوصى الرجل بثلث ماله لرجل فإنه يأخذ ثلث العين ذكر في فتاوى الفضل أن من أوصى بدين له على رجل أن يصرف على وجوه البر تعلقت الوصية بالدين. فإن وهب بعض الدين لمديونه بعد ذلك تبطل الوصية بقدر ما وهب كأنه رجوع عن وصيته بذلك القدر قال البقالي، وتدخل الحنطة في الدين قال هو، ويدخل في الوصية بالعين الدراهم والدنانير. قال رحمه الله: (وبثلثه لزيد وعمرو، وهو ميت فلزيد كله) أي إذا أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله، وعمرو ميت فالثلث كله لزيد لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يشارك الحي الذي هو أهل كما إذا أوصى لزيد بجدار وعن أبي يوسف أنه إذا لم يعلم بموته كان له نصف الثلث لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يوص للحي إلا بنصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأن الوصية لعمرو لم تصح فكان راضيا بكل الثلث للحي هذا إذا كان المزاحم معدوما من الأصل أما إذا خرج المزاحم بعد صحة الإيجاب يخرج بحصته ولا يسلم للآخر كل الثلث لأن الوصية صحت لهما، وتثبت الشركة بينهما فبطلان حق أحدهما بعد ذلك لا يوجب زيادة حق الآخر، مثاله إذا قال ثلث مالي لفلان ولفلان ابن عبد الله إن مت، وهو فقير فمات الموصي، وفلان ابن عبد الله غني كان لفلان نصف الثلث، وكذا لو قال ثلث مالي لفلان إن كان عبد الله في البيت، ولم يكن عبد الله في البيت كان لفلان نصف الثلث لأن بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب الزيادة في حق الآخر، ومتى لم يدخل في الوصية لفقد الأهلية كان الكل للآخر، وقد قدمناه في بعض هذه المسائل. وفي الزيادات أصله أن الوصية متى أضيفت إلى شخصين معينين إن كانا أهلا للاستحقاق كان الثلث بينهما لأن الإيجاب لهما قد صح لوجود الأهلية فيهما عند الإيجاب، وإن انعدمت أهلية أحدهما عند الاستحقاق بالموت فتثبت المزاحمة في الإيجاب بسبب إيجاب النصف لكل واحد منهما كما لو أوصى بالثلث لأجنبي، ولوارثه لم يكن للأجنبي إلا نصف الثلث، وإن لم يثبت الاستحقاق لصحة الإيجاب لهما لوجود الأهلية فيهما، وإن لم يكن أحدهما أهلا للاستحقاق عند الإيجاب كان الثلث كله للأهل كما لو أوصى بالثلث لفلان ولحائط ولو قال أوصيت بثلث مالي بين فلان وفلان، وأحدهما ميت فنصف الثلث للآخر، وكذلك لو قال بين فلان وبين هذا، وأشار إلى حائط ونحوه لأن كلمة بين تقتضي الاشتراك أو التنصيف ألا ترى أنه لو قال ثلث مالي بين فلان وفلان، وسكت لم يكن له إلا نصف الثلث، وكلمة بين ملفوظ سواء كانا حيين أو أحدهما حي، والآخر ميت فكان الاشتراك بموجب اللفظ لا بحكم المزاحمة في المحل بخلاف ما لو قال ثلث مالي لفلان وفلان، وأحدهما ميت لأن الاشتراك والتنصيف هنا بحكم المزاحمة لا بموجب اللفظ لأن اللفظ يقتضي الإفراد بالكل لما بينا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولعقبه ثم مات الموصي فالثلث كله لفلان والوصية لعقبه باطلة لأنه جمع بين الموجود والمعدوم في الإيجاب لأن عقب فلان من يخلفه بعد موته فلا يتصور له عقب في حياته. واستحقاقه الوصية حال حياة الموصى له، والعقب معدوم، والإيجاب للمعدوم لا يصح، ولو قال لفلان، ولولد عبد الله فالثلث كله لفلان لأن الوصية لولد عبد الله إنما تتناول ولده عند موت الموصي لا عند الإيصاء لأنه أرسل الموصى له، ولو أرسل الموصى به فقال ثلث مالي لفلان فينصرف إلى ثلث ماله يوم موت الموصي لا يوم الوصية فكذلك الموصى له ولا ولد لعبد الله يوم موت الموصي فلا يصح إيجاب الوصية له فصار كأنه أوصى لفلان لا غير، وتحقيقه أن العين تعرف بالإشارة إليها لا بالصفة فلم يشترط الوصف لتناول الإيجاب وغيره، والدين إنما يعرف بصفته، وإنما يتناول الإيجاب إذا وجد فيه تلك الصفة عند موت الموصي فلم توجد الصفة فلم يتناوله الإيجاب فكان الثلث للآخر، وكذلك لو قال ثلث مالي لفلان إن مت، وهو حر، ولفلان بن فلان فإن مات، وهو حر فالثلث بينهما، وإن مات قبل موته كان للثاني النصف لا غير لما قلنا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولمن افتقر من ولد فلان ثم مات الموصي، وولد فلان كلهم أغنياء فالثلث كله لفلان لأنه ضم إلى فلان شخصا موصوفا بأنه فقير وما أشار إلى العين فيكون مرسلا لا معينا فتتعين فيه حال الموت لا وقت الإيصاء، وقوله لمن افتقر يتناول من احتاج بعد أن كان غنيا دون من كان فقيرا من الأصل لأن هذا اللفظ إنما يستعمل فيمن احتاج بعد الغناء. وفي المبرة معه زيادة ثواب، وقد ندب الشرع إليه لقوله عليه الصلاة والسلام: «أكرموا ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما بين جهال» فيجوز أن يكون للموصي قصد بالتخصيص هذه الزيادة، ولو أوصى لامرأته بأحد العبدين، وللأجنبي بالآخر كان للأجنبي ثلثا عبده يبدأ به أربعة من ستة فصار كل عبد على ستة، وكلاهما اثنا عشر، وللمرأة ربع ما بقي من العبدين سهمان من ثمانية بالميراث سهم ونصف من عبدهما ونصف سهم من الأجنبي يبقى لهما من وصيتها أربعة ونصف، ويبقى للأجنبي من وصيته اثنان فيضرب كل واحد بذلك في الستة الباقية فإذا أردت تصحيح الفريضة جعلت كل عبد مائة وستة وخمسين سهما لأن الباقي للمرأة أربعة، وللأجنبي سهمان فيكون ستة ونصفا فانكسر بالنصف فأضعف ليزول الكسر فصار ثلاثة عشر فإذا صار نصف المال على ثلاثة عشر صار الكل ستة وعشرين فاضرب أصل الحساب، وذلك اثنا عشر في ستة وعشرين فيصير ثلاثمائة وخمسين يأخذ الموصى له مائة وأربعة، والباقي للمرأة بوصيتها وميراثها لأن الأجنبي يأخذ أولا ثلثي عبده، وذلك مائة وأربعة أسهم، وتأخذ المرأة ربع ما بقي، وذلك اثنان وخمسون بقي مائة وخمسة وستون سهما يقسم بينهم على ثلاثة [ ] سهما تسعة أسهم من ذلك، وذلك ثلاثمائة وثمانية، وأربعون للأجنبي من عبده الموصى به له فإذا ضممت ذلك إلى مائة، وأربعة صار كل مائتين واثنين وخمسين. أصله أن الوصية للقاتل بمنزلة الوصية للوارث حتى لا تجوز إلا بإجازة الورثة عند أبي حنيفة، وعندهما لا تجوز أصلا لما يأتي في بابه، وإذا أوصى بماله كله لقاتله ولا وارث له، وبكله لأجنبي قيل للأجنبي ثلث المال، والثلث للقاتل لأن ثلثي المال صار مستحقا للأجنبي بوصية قوية، والمستحق بالوصية القوية تبطل فيه الوصية الضعيفة ضربا، واستحقاقا يبقى ثلث المال استوت وصيتهما فيه لأن وصيتهما فيما زاد على الثلث ضعيفة حتى لا تنفذا بإجازة الوارث فإذا تساويا في الوصية تساويا في القسمة، وإذا ماتت امرأة، وتركت زوجها، وأوصت لأجنبي بثلث مالها، ولقاتلها بمالها للزوج ثلثاه، والثلث الباقي بين الأجنبي والقاتل أثلاثا عند محمد للقاتل منه سهمان، ويكون المال كله من تسعة للأجنبي أولا ثلاثة، وللزوج ثلاثة للأجنبي سهم، وللقاتل سهمان، وعند محمد الباقي بينهما نصفين لأن عنده القاتل لا يضرب بما صار مستحقا للزوج بالميراث، وإنما يضرب بما بقي، وهو الثلث، وللأجنبي كذلك فصار الثلث بينهما نصفين، والقسمة من ستة للأجنبي النصف ثلاثة، وللزوج سهمان، وللقاتل سهم، وعند أبي يوسف لا تجوز الوصية للقاتل أبدا، وإن لم يكن وارث، وتبين أنها إذا لم يكن لها وارث غير الزوج جاز إقرارها لأن المانع من صحة إقرار المريض لوارثه حق سائر الورثة حتى لو صدقوه كان الإقرار صحيحا، وقد فقد المانع هذا لانعدام الوارث لها فصح إقرارها. وإذا قتلها زوجها وأجنبي عمدا ثم عفت عنهما فأوصت للأجنبي بنصف مالها جازت الوصية ولا ميراث للزوج لأنه قاتلها، والقتل العمد يحرم من الميراث فقد التحقت بمن لا وارث لها أصلا فجازت الوصية للقاتل لأن المانع من جواز الوصية وجود الوارث ولا وارث لها ففقد المانع. قال رحمه الله: (ولو قال بين زيد وعمرو لزيد نصفه) أي إذا قال ثلث مالي بين زيد وعمرو، وعمرو ميت كان لزيد نصف الثلث لأن كلمة بين توجب التنصيف فلا يتكامل لعدم المزاحمة بخلاف ما إذا قال لفلان وفلان فبان أحدهما ميتا حيث يكون للحي كل الثلث لأن الجملة الأولى كلام يقتضي الاختصاص بالحكم لأن العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور، والمذكور وصية بكل الثلث، والتنصيف بكل المزاحمة فإن زالت المزاحمة تكامل، ألا ترى أن من قال ثلث مالي لفلان، وسكت كان له جميع الثلث، ولو قال ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث كله بل نصفه ألا ترى إلى قوله تعالى: {ونبئهم أن الماء قسمة بينهم} اقتضى أن يكون النصف بدليل قوله تعالى: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} قال رحمه الله: (وبثلثه له ولا مال له له ثلث ما يملكه عند الموت) لأن الوصية عقد الاستخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت سواء اكتسبه بعد الوصية أو قبلها بعد أن لم يكن الموصى به عينا أو عينا معينا، وأما إذا أوصى بعين أو بنوع من ماله كثلث غنمه فهلكت قبل موته فتبطل الوصية لأنها تعلقت بالعين فتبطل بفواتها قبل الموت حتى لو اكتسب غنما أخرى أو عينا أخرى بعد ذلك لا يتعلق حق الموصى له بذلك. ولم يكن له غنم عند الوصية فاستفادها ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح لأنها لو كانت بلفظ المال تصح فكذا إذا كانت بلفظ نوعه لأن المعتبر وجوده عند الموت لا غير، ولو قال له شاة من مالي، وليس له غنم يعطى له قيمة شاة لأنه لما أضاف الشاة إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام: «في خمس من الإبل السائمة شاة»، وعين الشاة لم توجد في الإبل، وإنما توجد في ماليتها، ولو أوصى بشاة، ولم يضفها إلى ماله ولا غنم قيل لا تصح لأن المصحح إضافتها إلى المال، وبدون الإضافة إلى المال تعتبر صورة الشاة، ومعناها، وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة، وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية، ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة لأنه لما أضافها إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم بخلاف ما إذا أضافها إلى المال، وعلى هذا خرج كل نوع من أنواع المال كالبقر والثوب، ونحوها اعلم أنه وقع في عبارة الوقاية ولا شاة له موضع ولا غنم له الواقع في عبارة الهداية في وضع هذه المسألة فقال صدر الشريعة في شرحه للوقاية، واعلم أنه قال في الهداية ولا غنم له، وقال في المتن ولا شاة له وبينهما فرق لأن الشاة فرد من الغنم. وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم لكن إذا لم يكن له غنم لا يلزم أن لا يكون له شاة لاحتمال أن يكون له واحدة لا كثير فعبارة الهداية تتناول صورتين ما إذا لم يكن له شاة أصلا وما يكون له شاة لا غنم له في الصورتين تبطل الوصية، وعبارة المتن لم تتناول إلا الصورة الأولى، ولم يعلم منها الحكم في الصورة الثانية فعبارة الهداية أشمل، وأحوط ا هـ. كلامه. ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في شرحه إنما قال ولا شاة، ولم يقل ولا غنم له كما قال صاحب الهداية لأن الشاة فرد من الغنم، وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم بدون العكس، والشرط عدم الجنس لا عدم الجمع حتى لو وجد الفرد تصح الوصية يفصح عن ذلك قول الحاكم الشهيد في الكافي، ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي فإن الحنطة اسم جنس لا اسم جمع. ا هـ. وقال في حاشيته أخطأ هذا صدر الشريعة حيث قال تبطل الوصية في الصورتين. ا هـ. وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه بعدما نقل كلام صدر الشريعة، واعترض عليه بعض الأفاضل بما حاصله أن عبارة الوقاية هي الصواب، وأن الحكم في وجود الفرد صحة الوصية، وزعم أن الشرط عدم الجنس لا عدم الجمع قلت بعد تسليم إن الغنم جمع أو اسم جمع لا اسم جنس، وإن بقي الغنم كما وقع في عبارة الهداية وعامة الكتب هو الصواب، وأنه لا تصح الوصية بوجود شاة واحدة لأن الشرط عدم الجمع لا عدم الجنس كما زعمه المعترض لأنه أوصى بشاة من غنمه فإذا لم يكن له غنم بل فرد لم يتحقق شاة من غنمه فتبطل الوصية فهذا هو السر في تعميم الغنم دون الشاة إلى هنا كلامه. قال رحمه الله: (وبثلثه لأمهات أولاده، وهن ثلاث وللفقراء والمساكين وأمهات أولاده ثلاث يقسم الثلث أخماسا فلهن ثلاثة أسهم، ولكل طائفة من المساكين والفقراء سهم) وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يقسم أسباعا لأن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان قال الله تعالى: {فإن كان له إخوة فلأمه السدس} وقال: {فإن كن نساء فوق اثنتين} الآية، والمراد بالاثنتين اثنان فكان من كل طائفة اثنان، وأمهات الأولاد ثلاثة فكان المجموع سبعة فيقسم أسباعا قلنا اسم الجنس المحلى بالألف واللام يتناول الأدنى مع احتمال الكل كالمفرد المحلى بهما لأنه يراد بهما الجنس إذا لم يكن ثم معهود قال الله تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد} وقال الله تعالى: {وجعلنا من الماء كل شيء حي} ولا يحتمل ما بينهما فتعين الأدنى لتعذر إرادة الكل، ولهذا لو حلف لا يشتري العبد يحنث بواحد فيتناول من كل فريق واحدا، وأمهات الأولاد ثلاثة فتبلغ السهام خمسة، وليس فيما تلى زيادة على ما ذكر لأن المذكور في الاثنين نكرة، وكلامنا في المعرفة حتى لو كان فيما نحن فيه منكرا قلنا كما لو قال ثم هذه الوصية تكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن بموته دون اللاتي عتقن في حياته من أمهات الأولاد لأن الاسم لهن في العرف واللاتي عتقن حال حياته موال لا أمهات أولاده. وإنما تصرف إليهن الوصية عند عدم أولئك لعدم من يكون أولى منهن بهذا الاسم ولا يقال إن الوصية لمملوكه بما له لا تجوز لأن العبد لا يملك شيئا، وإنما يجوز له الوصية بالعتق أو برقبته لكونه عتقا فوجب أن يكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن حال حياته لأنا نقول القياس أن لا تجوز الوصية لهن لأنها لو جازت لهن لكنه حال نزول العتق بهن لكون العتق والتمليك معلقا بالموت، والتعليق يقع عليهن، وهن إماء فكذا تملكهن يقع، وهن إماء، وهو لا يجوز إلا أنا جوزناه استحسانا لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقهن لا حال حلول العتق بهن بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حاله أن يقصد بإيصائه وصية صحيحة لا باطلة، والصحيحة هي المضافة إلى ما بعد عتقهن كذا في عامة الشروح، وعزاه جماعة من الشراح إلى الذخيرة، وسئل الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي عن هذا فقالا أما جواز الوصية لأمهات أولاده فلأن أوان ثبوت الوصية وعملها بعد الموت، وهن حرائر بعد الموت فتجوز الوصية لهن كما ذكره صاحب النهاية نقلا عنهما ثم قال في العناية فإن قيل الوصية بثلث المال لعبده جائزة ولا يعتق بعد موته، وأم الولد ليست أقل حالا منه فكيف لم تصح لها الوصية قياسا، وأجيب بأن الوصية بثلث المال للعبد إنما جازت لتناوله ثلث رقبته فكانت وصية برقبة إعتاقا. وهو يصح منجزا ومضافا بخلاف أم الولد فإن الوصية ليست إعتاقا لأنها تعتق بموت المولى، وإن لم يكن ثمة وصية أصلا، ولقائل أن يقول الوصية بثلث المال أما إن صادفتها بعد موت المولى وهي حرة أو أمة فإن كان الأول فلا وجه لنفي القياس، وإن كان الثاني فكذلك لأنها كالعبد الموصى له بثلث المال، والجواب أنها ليست كالعبد لأن عتقها لا بد وأن يكون بموت المولى فلو كان بالوصية أيضا توارد علتان مستقلتان على معلول واحد بالشخص، وهو ثلث رقبتها، وذلك باطل إلى هنا لفظ العناية، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف، ولو أوصى لأمهات أولاده بألف ولمواليه بألف، وله أمهات أولاد عتقن في حياته، ومواليات اعتبر كل فريق على حدة، ولو أوصى بثلث ماله لمواليه، ولم يذكر أمهات الأولاد دخلت أمهات الأولاد في الوصية، وظاهر قوله وهن ثلاثة أنهن لو كن ثنتين يقسم المال على أربعة لهن، ولو أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلوية والشيعة ومحب أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقهاء والعلماء أصحاب الحديث سئل الفقيه أبو جعفر عن رجل أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو نصر بن يحيى كان يقول الوصية لأولاد الحسن والحسين ولا يكون لغيرهما فأما العلوية فهل يدخلون في هذه الوصية لأنه كان للحسن رضي الله عنه بنت زوجت من ولد عمر رضي الله عنهم وإذا أوصى للعلوية فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه لا يجوز لأنهم لا يحصون. وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر والحاجة، ولو أوصى لفقهاء العلوية يجوز، وعلى هذه الوصية للفقهاء لا تجوز، ولو أوصى لفقرائهم تجوز، وقد حكي عن بعض مشايخنا أن الوقف على معلم في المسجد يعلم الصبيان فيه يجوز لأن عامتهم الفقراء، والفقراء فيهم الغالب فصار الحكم لغلبة الفقر كالمشروط، وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني كان القاضي الإمام يقول على هذا القياس إذا أوصى لطلبة علم كورة أو لطلبة علم كذا يجوز، ولو أعطى الوصي واحدا من فقراء الطلبة أو من فقراء العلوية جاز عند أبي يوسف، وعند محمد لا يجوز إلا إذا صرف إلى اثنين منهم فصاعدا، وإذا أوصى للشيعة ومحبي آل محمد المقيمين ببلدة كذا فاعلم بأن في الحقيقة كل مسلم شيعة ومحب لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح في ديانتهم إلا ذلك، وأما ما وقع عليه ممن أراد به الموصي فمراده الذين ينصرفون بالميل إليهم، وصاروا موسومين بذلك دون غيرهم فقد قيل الوصية باطلة فأما إذا كانوا لا يحصون فيكون للفقراء استحسانا على قياس مسألة اليتامى، وقال الفقيه أبو جعفر ولم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير أبي بكر الأعمش شيخنا، وقد اختار أبو بكر الفارسي، وبذل مالا كثيرا لطلبة العلم حتى نادوه في مجلس أيها الفقيه، وإذا أوصى لأهل العلم ببلدة كذا فإنه يدخل فيه أهل الفقه وأهل الحديث ولا يدخل فيه من يتعلم الحكمة. وفي الخانية وهل يدخل فيه من يتعلم الحكم، وهل يدخل فيه المتكلمون لا ذكر فيه، وعن أبي القاسم فعلى قياس هذه المسألة لا يدخل في الوصية المتكلمون، وإذا أوصى بثلث ماله لفقراء طلبة العلم من أصحاب الحديث الذين يختلفون إلى مدرسة منسوبة في كورة كذا لا يدخل متعلمو الفقه إذا لم يكونوا من جملة أصحاب الحديث، ويتناول من يقرأ الأحاديث، ويسمع، ويكون في طلب ذلك سواء كان شافعي المذهب أو حنفي المذهب أو غير ذلك، ومن كان شافعي المذهب إلا أنه لا يقرأ الأحاديث ولا يسمع ولا يكون في طلب ذلك لا يتناوله اسم أصحاب الحديث. قال رحمه الله: (وبثلثه لزيد وللمساكين لزيد نصفه ولهم نصفه) أي إذا أوصى بثلث ماله لزيد والمساكين كان لزيد النصف وللمساكين النصف، وهذا عندهما، وعند محمد ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، وقد بينا مأخذ كل واحد من الفريقين. قال رحمه الله: (وبمائة لرجل، وبمائة لآخر فقال لآخر أشركتك معهما) له ثلث ما لكل منهما، وبأربعمائة له، وبمائتين لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له نصف ما لكل واحد منهما يعني إذا أوصى لرجل بمائة درهم، ولآخر بمائة ثم قال لآخر قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة، ولو أوصى لرجل بأربعمائة درهم، ولآخر بمائتين ثم قال لآخر قد أشركتك معهما كان له نصف ما لكل واحد منهما لأن الشركة للمساواة لغة، ولهذا حمل قوله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} على المساواة. وقد أمكن إثبات المساواة بين الكل في الأول لاستواء المالين فيأخذ هو من كل واحد منهما ثلث المائة فتم له ثلثا المائة، ويأخذ من كل واحد منهما ثلثي المائة ولا يمكن المساواة بين الكل في الثانية لتفاوت المالين فحملناه على مساواة الثالث مع كل واحد منهما بما سماه له فيأخذ النصف من كل واحد من المالين، ولو أوصى لرجل بجارية، ولآخر بجارية أخرى ثم قال لآخر أشركتك معهما فإن كانت قيمة الجاريتين متفاوتة له نصف كل واحدة منهما بالإجماع، وإن كانت قيمتهما على السواء فله ثلث كل واحدة منهما عندهما، وعند أبي حنيفة له نصف كل واحدة منهما بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق فيكونان كجنسين مختلفين، وهما يريانها فصار كالدراهم المتساوية، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال لآخر أشركتك أو أدخلتك أو جعلتك معه فالثلث بينهما لما ذكرنا قال صاحب العناية وما ذكره المؤلف استحسان، والقياس له نصف كل مائة لأن لفظ الاشتراك يقتضي التسوية عند الإطلاق قال الله تعالى: {فهم شركاء في الثلث} وقد أشرك الثالث فيما أوصى به لكل واحد منهما في استحقاق المائة، وذلك يوجب أن يكون له نصف كل مائة وجه الاستحسان أنه أثبت الشركة بينهم، وهي تقتضي المساواة، وإنما ثبتت المساواة إذا لم يؤخذ من كل واحد منهما نصف المائة فعلم بهذا أنه شركة معهما جملة واحدة فلا يعتبر بإشراكه إياه مع كل واحد منهما متفرقا ا هـ. قال رحمه الله: (وإن قال لورثته لفلان علي دين فصدقوه فإنه يصدق إلى الثلث) وهذا استحسان، والقياس أن لا يصدق لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله فصدقوه مخالف للشرع لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر جعله إقرارا مطلقا فلا يعتبر فصار كمن قال كل من ادعى علي شيئا فأعطوه فإنه باطل لكونه مخالفا للشرع إلا أن يقول إن رأى الموصي أن يعطيه فحينئذ يجوز من الثلث وجه الاستحسان أنا نعلم قصده تقديمه على الورثة، وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره فيسعى في تفريغ ذمته فيجعل وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كأنه قال لهم إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء فهذه معتبرة فكذا هذا فيصدق إلى الثلث قال رحمه الله: (فإن) (أوصى بوصايا) أي مع ذلك (عزل الثلث لأصحاب الوصايا، والثلثان للورثة، وقيل لكل صدقوه فيما شئتم وما بقي من الثلث فللوصايا) أي لأصحاب الوصايا لا يشاركهم فيه صاحب الدين، وإنما عزل الثلث والثلثان لأن الوصايا حقوق معلومة في الثلث، والميراث معلوم في الثلثين، وهذا ليس بدين معلوم ولا وصية معلومة فلا يزاحم المعلوم، وقدمنا عزل المعلوم، وفي الإقرار فائدة أخرى، وهي أن أحد الفريقين قد يكون أعرف بمقدار هذا الحق وما يتعلق به، وربما يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم فإذا أقر فقد علمنا أن في التركة دينا شائعا في جميع التركة فيؤمر أصحاب الوصايا والورثة ببيانه فإذا بينوا شيئا أخذ أصحاب الوصايا بثلث ما أقروا به، والورثة بثلثي ما أقروا به لأن إقرار كل فريق نافذ في حق نفسه فتلزمه بحصته، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك حلف كل فريق على نفي العلم لأنه تحليف على فعل الغير. قال الشارح قال العبد الضعيف الراجي عفو ربه الكريم: هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لأن أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق الثلث كله، ولم يبق في أيديهم من الثلث شيء فوجب أن لا يلزمهم تصديقه قال صاحب العناية حاصله أنه تصرف يشبه الإقرار لفظا، ويشبه الوصية تنفيذا فباعتبار شبه الوصية لا يصدق في الزيادة على الثلث، وباعتبار شبه الإقرار يجعل شائعا في الأثلاث ولا يخصص بالثلث الذي لأصحاب الوصايا عملا بالشبهين، وقد سبقه تاج الشريعة إلى بيان حاصل هذا المقام بهذا الوجه أقول: فيه كلام، وهو أن العمل بمجموع الشبهين إن كان أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا كما هو الظاهر المعروف فما بالهم لم يعملوا بشبه الإقرار في هذا التصرف إذا لم يوص بوصايا غير ذلك كما تقدم بل جعلوه وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كما إذا قال إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ولم يعتبر، وأشبه الإقرار قط حيث لم يجعلوا له حكما أصلا في تلك الصورة، وإن لم يكن ذلك أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا لجواب هذه المسألة في هذه الصورة، واعترض عليه بعض الفضلاء بوجه آخر حيث قال فيه بحثا فإنه لا يؤخذ بقوله في هذه الصورة لا في الثلث ولا في أقل منه بل يؤخذ بقول الورثة وأصحاب الوصايا فتأمل ا هـ. وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه فقال في الحاشية بعد نقل ذلك قلت بعد تسليم ذلك إن عدم التصديق في الزيادة على الثلث لا يوجب التصديق في الثلث فالمعنى لا يصدق في صورة دعوى الزيادة بل يؤخذ بقولهم فلا اعتبار فتأمل ا هـ. قال رحمه الله: (ولأجنبي ووارثه له نصف الوصية، وبطل وصيته للوارث) أي إذا أوصى لأجنبي ووارثه كان للأجنبي نصف الوصية، وبطلت للوارث لأنه أوصى بما يملك وبما لا يملك فصح فيما يملك، وبطل في الآخر بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت حيث يكون الكل للحي لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا تصح، وبخلاف الوارث فإنه من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا، وعلى هذا إذا أوصى للقاتل والأجنبي وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه، ولأجنبي حيث لا تصح في حق الأجنبي أيضا لأن الوصية إنشاء تصرف، وهو تمليك مبتدأ لهما، والشركة تثبت حكما للتمليك فتصح في حق من يستحقه دون الآخر لأن بطلان التمليك لأحدهما لا يوجب بطلان التمليك من الآخر أما الإقرار بها إخبارا عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات هذا الوصف لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه فيه فيبطل في ذلك القدر فلا يكون مفيدا قال في النهاية قال التمرتاشي: هذا إذا تصادقا أما إذا أنكر الأجنبي شركة الوارث أو أنكر الوارث شركة الأجنبي فإنه يصح إقراره في صحة الأجنبي عند محمد لأن الوارث مقر ببطلان حقه، وبطلان حق شريكه فيبطل في حقه ولا يبطل في حق الآخر. وعندهما يبطل في الكل لأن حق الوارث لم يتميز عن حق الأجنبي، وإنما أوجبه مشتركا بينهما كما بينا، وفي المبسوط مسائله على فصول أحدها في الوصية لأجنبي ولوارثه، والثاني في الوصية للأجنبي مع أحد الزوجين، والثالث في الوصية للأجنبي وللقاتل، والرابع في الوصية بالبيع من الوارث أو من الأجنبي رجل أوصى لأجنبي، ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية لأن الإيصاء ابتداء إيجاب، وقد أضيف إلى ما يملكه، وإلى ما لا يملكه فيصح فيما يملكه، ويبطل فيما لا يملكه، ولم يبطل هذا ببطلان الآخر لأن الشركة بينهما في حكم الإيجاب، وببطلان بعض الحكم لا يبطل الإيجاب بخلاف ما لو أقر المريض لأجنبي، ولوارثه في كلام واحد حيث يبطل الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الاشتراك هناك يخبر عنه لأن الإقرار إخبار عن كائن سابق، والخبر بناء على المخبر به فكان المخبر به بمنزلة العلة، والخبر بمنزلة الحكم للعلة فإذا لم يثبت المخبر عنه، وهو الاشتراك لم يثبت حكمه، وهو الخبر أصله أن الوارث إذا كان بحال لا يجوز جميع الميراث فالوصية بمقدار الثلث للأجنبي مقدمة في التنفيذ في حق هذا الوارث، وفيما زاد على الثلث مؤخرة فإن الوصية بالثلث تقع نافذة من غير إجازة فكانت وصية قوية مستحكمة فتكون في التنفيذ مقدمة. والوصية بما زاد على الثلث واهية ضعيفة لأنها لا تجوز إلا بالإجازة لتعلق حق الورثة به فكانت مؤخرة عن حق الورثة لأن حقهم متأكد فإذا وصل إلى الوارث حقه صار كمن لا وارث له فتنفذ وصيته فيه، والثاني أن من لا وارث له تصح وصيته بجميع المال الموجود المطلق، وهي مالكيته، وأهليته امرأة ماتت عن زوج، وأوصت بنصف مالها لأجنبي جاز، وللزوج الثلث، وهو نصف الثلثين، وللموصى له النصف يبقى سدس لبيت المال لأن وصية الأجنبي بقدر الثلث وصية مؤكدة فكانت في التنفيذ مقدمة فصار الثلث مستحقا بالوصية فيبطل الإرث فيه فيبقى تركتها ثلثي المال فللزوج نصف ذلك، وهو ثلث الكل يبقى ثلث آخر، وليس له مستحق بالميراث فتنفذ فيه الوصية في ثلثه، وذلك سدس فوصل إلى الموصى له نصف المال، وبقي سدس لا وصية ولا وارث فيه فيصرف إلى بيت المال، وكذلك لو مات الرجل عن امرأته، وأوصى بماله كله لأجنبي، ولم تجز الوصية فللمرأة السدس وخمسة أسداسه للموصى له لأن الثلث صار مستحقا بالوصية بقيت التركة بثلثي المال فللمرأة ربع ذلك، والباقي للموصى له لأن الوصية مقدمة على بيت المال، ولو ماتت عن زوج، وأوصت لقاتلها بالنصف يأخذ الزوج النصف أولا، وللقاتل النصف الآخر، وهي وصية ضعيفة لأنه بمنزلة الوارث فيقدم الميراث عليها فيستحق الزوج أولا نصف المال بالإرث، والنصف الباقي فارغ عن حق الورثة فتنفذ الوصية فيه للقاتل. كما تنفذ الوصية للقاتل في تركة من لا وارث له، ولو تركت عبدين قيمتهما سواء، وأوصت بأحدهما لزوجها فله العبدان بالإرث والوصية لأنه مستحق لما فضل عن فرضه فيكون عاريا عن حق الغير فصحت الوصية لفقد المانع أصله أن الوصية للوارث بالثلث بمنزلة الوصية للأجنبي بما زاد على الثلث حتى لا تنفذ كل واحدة منهما إلا بإجازة الورثة لأنها صادفت محلا تعلق به حق بعض الورثة فيتوقف على إجازتهم. قال رحمه الله: (وبثياب متفاوتة لثلاثة فضاع ثوب، ولم يدر أي والوارث يقول لكل هلك حقك بطلت) أي إذا أوصى بثلاثة ثياب متفاوتة، وهي جيد ووسط ورديء لثلاثة أنفار لكل واحد منهم بثوب فضاع منها ثوب ولا يدري أيهم، والوارث يجحد ذلك بأن يقول لكل واحد منهم هلك حقك أو حق أحدكم ولا يدري من هو الهالك فلا أدفع إليكم شيئا بطلت الوصية لأن المستحق مجهول، وجهالته تمنع صحة القضاء، وتحصيل غرض الموصي فيبطل كما إذا أوصى لأحد الرجلين، وقول المؤلف والوارث يقول إلى آخره، ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهما الثوب الذي هو حقك قد هلك أقول: في ظاهر تعبير المؤلف هاهنا فساد لأن هلاك كل واحد منهم إنما يتصور فيما إذا ضاعت الأثواب الثلاثة معا، والغرض في وضع المسألة أن ضياع ثوب واحد منها غير معلوم بخصوصه فكيف يصح أن يقول الوارث لكل واحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك فإنه كذب ظاهر لا ينبغي أن يسمع أصلا فضلا عن أن يترتب عليه حكم شرعي. بل قوله لواحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك يقتضي الاعتراف بكون الثوبين الباقيين لصاحبه، والأولى في التعبير ما ذكر في الجامع الصغير سيما للصدر الشهيد والإمام قاضي خان، وهو أن المراد بجحود الوارث أن يقول حق واحد منكم بطل ولا ندري من بطل حقه، ومن بقي حقه فلا نسلم إليكم شيئا، والذي يمكن في توجيه كلام المصنف أن يكون مراده معنى جحوده أن يقول الوارث لكل واحد بعينه الثوب الذي قد هلك يحتمل أن يكون حقك فكأنه سامح في العبارة بناء على ظهور المراد، ووافقه صاحب الكافي في هذه العبارة مع ظهور كمالها قال رحمه الله: (إلا أن يسلموا ما بقي) أي إلا أن يسلم الورثة ما بقي من الثياب فحينئذ تصح الوصية لأنها كانت صحيحة في الأصل، وإنما بطلت بجهالة طارئة مانعة من التسليم فإذا سلموا الباقي زال المانع فعادت صحيحة كما كانت فتقسم بينهم قال رحمه الله: (فلذي الجيد ثلثاه ولذي الرديء ثلثاه، ولذي الوسط ثلث كل) أي لصاحب الجيد ثلثا الثوب الجيد، ولصاحب الرديء يعطى ثلثا الثوب الرديء، ولصاحب الوسط ثلث كل واحد منهما فيصيب كل واحد منهم ثلثا ثوب لأن الاثنين إذا قسما على ثلاثة أصاب كل واحد منهما الثلثان، وإنما أعطي لصاحب الوسط ثلث كل واحد منهم، وللآخرين الثلثين من ثوب واحد لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين لأنه إنما يكون هو الرديء أو الوسط ولا حق له فيهما. واحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان الهالك هو الجيد أو الوسط، واحتمل أن لا يكون له فيه حق بأن يكون الهالك أجود، ويحتمل أن يكون في الرديء بأن يكون الهالك أردأ، ويحتمل أن يكون له فيهما حق بأن كان الهالك هو الوسط فإذا كان كذلك أعطى كل واحد منهم حقه من محل يحتمل أن يكون هو له لأن التسوية بإبطال حق كل واحد منهم إليه، وهم في احتمال بقاء حقه وبطلانه سواء، وفيما قلنا إيصال حق كل واحد منهم بقدر الإمكان، وتحصيل غرض الموصي من التفضيل فكان متعينا، وفي العيون إذا أوصى لرجل بثياب جيدة فله ما يلبس من الجباب والقمص والأردية والطيلسان والسراويلات والأكسية ولا يكون له شيء من القلانس والخفاف والجوارب، وفي الخانية فإن ذلك ليس من الثياب، وفي فتاوى الفضلي قال بالفارسية حامه من هروشيد وبدر ويشان وهيد فهذا في عرفنا يقع على جميع ثياب بدنه إلا الخف فإنه يبعد أن يراد بهذا اللفظ في عرفنا الخف، ويدخل في الوصية بالثوب الديباج وغيره مما يلبس عادة من كساء أو فرو هكذا ذكر في السير ولا يدخل فيه البساط والستر، وكذا العمامة، والقلنسوة لا تدخل ذكره في السير، وقد قيل إذا كانت العمامة طويلة يجيء منها ثوب كامل تدخل تحت الوصية، وفي فتاوى أهل سمرقند إذا أوصى بمتاع بدنه يدخل تحت الوصية القلنسوة، والخف، واللحاف، والدثار، والفراش لأنه يصون بهذه الأشياء بدنه عن الحر، والبرد، والأذى. وفي السير أن اسم المتاع في العادة يقع على ما يلبسه الناس، ويبسط، وعلى هذا يدخل في الوصية بالمتاع الثياب والفراش والقمص، والستر هل يدخل فيها أو لا ؟ فقد اختلف المشايخ أشار محمد في السير إلى أنه يدخل، وإذا أوصى لرجل بفرس بسلاحه سئل أبو يوسف أهو على سلاح الرجل أو على سلاح الفرس قال على سلاح الرجل قال البقالي في فتاويه وأدنى ما يكون من السلاح سيف وترس ورمح وقرص، ولو أوصى له بذهب أو فضة، وللموصي سيف محلى بذهب أو فضة كانت الحلية له، وبعد هذا ينظر إن لم يكن في نزع الحلية ضرر فاحش ينزع الحلية من السيف، وتعطى للموصى له، وإن كان في نزعها ضرر فاحش ينظر إلى قيمة الحلية، وإلى قيمة السيف فإن كانت قيمة السيف أكثر تخير الورثة إن شاءوا أعطوا الموصى له قيمة الحلية مصوغا من خلاف جنسها، وصار السيف مع الحلية لهم، وإن كانت قيمة الحلية أكثر يخير الموصى له إن شاء أعطى، وأخذ السيف، وإن شاء أخذ القيمة. وإن كانت قيمتهما على السواء كان الخيار للورثة، ولو أوصى لرجل بفرو، وللموصي جبة بطانتها ثوب فرو وظهارتها ثوب فرو كان للموصى له الثوب، والآخر للورثة، ولو أوصى بجبة حرير، وله جبة، وبطانتها حرير دخلت تحت الوصية إن كانت الظهارة حريرا والبطانة حريرا كذلك الجواب، وإن كانت البطانة حريرا فلا شيء له، ولو أوصى له بحلي يدخل كل ما يطلق عليه اسم الحلي سواء كان مفصصا بزمرد وياقوت أو لم يكن. ويكون جميع ذلك للموصى له، ولو أوصى له بذهب، وله ثوب ديباج منسوج من ذهب فإن كان الذهب مثل الثوب مثل الغزل فليس له شيء إن كان الذهب فيه شيء جرى كان ذلك للموصى له وما وراء ذلك للورثة فيباع الثوب، ويقسم الثمن على قيمة الذهب وما سواه فما أصاب الذهب فهو للموصى له، ولو أوصى له بحلي دخل تحتها الخاتم من الذهب، وهل يدخل تحتها الخاتم من الفضة فإن كان من الخواتم التي تستعملها الرجال دون النساء لا يدخل، وهل يدخل فيه اللؤلؤ والياقوت والزبرجد فإن كان مركبا في شيء من الذهب والفضة يدخل بالاتفاق، وإن لم يكن مركبا فعلى قول أبي حنيفة لا يدخل لأنه ليس بحلي، وعلى قولهما يدخل أصل المسألة إذا حلفت المرأة لا تلبس حليا، ولبست عقد اللؤلؤ لا يخالطه ذهب ولا فضة لا تحنث في يمينها عند أبي حنيفة، وعندهما تحنث، ولو لبست عقد لؤلؤ مركب من ذهب وفضة تحنث في يمينها بالإجماع، ولو أوصى له بحديد، وله سرج ركاباه من حديد نزع الركابان، وأعطيا للموصى له، والباقي للورثة، وفي المنتقى إذا أعتق عبدا له، وقال كسوته له فله خفاه وقلنسوته وقميصه وسراويله وإزاره ولا يدخل فيه منطقته ولا سيفه، وإن قال له متاعه دخل السيف، والمنطقة أيضا، وهي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه. قال رحمه الله: (وببيت عين من دار مشتركة، وقسم، ووقع في حظه فهو للموصى له، وإلا مثل ذرعه) معناه إذا كانت الدار مشتركة بين اثنين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإن الدار تقسم فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد رحمه الله له نصف البيت إن وقع في نصيب الموصي، وإن وقع في نصيب الآخر كان له مثل ذرع نصف البيت لأنه أوصى بملكه، وبملك غيره لأن الدار كلها مشتركة فتنفذ في ملكه، ويتوقف الباقي على إجازة صاحبه ثم إذا ملكه بعد ذلك فالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السابقة كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه ثم أصابه بالقسمة عين البيت كان للموصى له نصفه لأنه عين ما أوصى به، وإن وقع في نصيب صاحبه كان مثل نصف البيت لأنه يجب تنفيذها في البدل عند تعذر تنفيذها في عين الموصى به كالجارية الموصى بها إذا قتلت تنفذ الوصية في بدلها بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بينا في مسائل الرجوع عن الوصية ولا تبطل بالقسمة، ولهما أنه إذا أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة لأنه يقصد الإيصاء بما يمكن الانتفاع به على الكمال ظاهرا، وذلك يكون بالقسمة لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه، ومعنى المبادلة في القسمة تابع. وإنما المقصود الإقرار تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه قال صاحب النهاية في بحث، وهو أنه قال في كتاب القسمة، والإقرار هو الظاهر في المكيلات، والموزونات، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض وما نحن فيه من العروض فكيف كانت المبادلة فيه تابعة، وأجيب بأنه قال هناك بعد قوله ومعنى المبادلة هو الظاهر في العروض إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء وما نحن فيه كذلك فكان معنى المبادلة فيه تابعا كما ذكر هاهنا لأن الجبر لا يجري في المبادلة، ويكون معنى قوله هناك، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض إذا لم تكن من جنس واحد، وإلى هذا أشار بقوله وإنما الإقرار تكميلا ولا تبطل الوصية إذا وقع البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة لبطلت كما لو باع الموصى به فعلى اعتبار الإقرار صار كأن البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة كله ملكه من الابتداء، وإذا وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان البيت جميعه من الذي وقع في نصيب الموصي لأنه عوضه، ومراد الموصي من ذكر البيت تقديره به غير أنا نقول يتعين البيت إذا وقع البيت في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك، وإذا وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير أو نقول أنه أراد التقدير على اعتبار وقوع البيت في نصيب شريكه، وأراد التمليك على اعتبار وقوعه في نصيبه ولا يبعد أن يكون لكلام واحد جهتان باعتبارين ألا ترى أن لكلام واحد جهتين فيمن علق بأول ولد تلده أمته طلاق امرأته وعتق ذلك الولد فيتقيد في حق العتق بالولد الحي لا في حق الطلاق ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي. والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع يقسم نصيب الموصي بين الموصى له والورثة على عشرة أسهم عند محمد تسعة للورثة، وسهم للموصى له فيضرب الموصى له بنصف البيت، وهو خمسة أذرع، وهم بنصف الدار إلا نصف البيت الذي صار له، وهم خمسة وأربعون ذراعا، ونصيب البيت من الدار خمسون ذراعا فيجعل كل خمسة منها سهما فصار عشرة أسهم، وعندهما تقسم على خمسة أسهم لأن الموصى له يضرب بجميع البيت، وهو عشرة أذرع، وهم بنصف كله إلا البيت الموصى به، وهو أربعون ذراعا فيجعل كل عشرة أذرع سهما فصار المجموع خمسة أسهم سهم للموصى له وأربعة لهم قال رحمه الله: (والإقرار مثلها) أي الإقرار ببيت معين من دار مشتركة مثل الوصية به حيث يؤمر بتسليم كله إن وقع البيت في نصيب المقر عندهما، وإن وقع في نصيب الآخر يؤمر بتسليم مثله، وعند محمد يؤمر بتسليم النصف أو قدر النصف، وقيل محمد معهما في الإقرار، والفرق له على هذه الرواية أن الإقرار بملك الغير صحيح حتى أن من أقر بملك الغير لغيره ثم تملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكت بوجه من الوجوه ثم مات لا تنفذ فيه الوصية قال في الأصل الإقرار بالوصية من الوارث، والشهادة عليها، وإقرار الوارث بالدين الوديعة والشركة قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت الشهود أنه أوصى بالثلث لآخر كان الثلث كله للمشهود له ولا يكون للذي أقر له الوارث من الثلث شيء ولا يضمن الوارث للمقر له شيئا إذا هلك المال في يده قبل الدفع أو دفع إلى المشهود له بقضاء قاض أو بغير قضاء قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان ثم قال بعد ذلك بل أوصى به لفلان أو قال أوصى به لفلان لا بل لفلان فإنه يكون للأول في الوجهين جميعا ولا يضمن الوارث شيئا للثاني إذا هلكت التركة في يده قبل الدفع للأول بقضاء، وإن دفع للأول بغير قضاء قاض صار ضامنا للثاني ثم إن محمدا فرق بين هذا وبين الإقرار الوديعة قال إذا أقر الرجل أن هذا العبد وديعة لفلان ثم قال لا بل لفلان، ودفع العبد إلى الأول بقضاء قاض أو بغير قضاء فإنه يضمن للثاني قيمة العبد في الحالين، ومنها لو دفع الوارث الثلث إلى الأول بقضاء قاض فإنه لا يضمن للثاني عندهم جميعا، وهذا الذي ذكرنا كله إذا كان الإقرار للثاني منفصلا عن الأول فأما إذا كان متصلا كان الثلث بينهما نصفين، ونظير هذا الإقرار الوديعة لو أقر أن هذا العبد عنده وديعة لفلان، وفلان أو قال وديعة عنده لفلان آخر متصلا كان العبد بينهما نصفين كأنه قال هذا العبد وديعة عندي لفلان ثم قال لا بل لفلان فإن العبد كله للأول فكذا هذا قال وإذا أقر الوارث بوصية ألف درهم بعينها ثم أقر ذلك بعد بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول. وكان الجواب فيه كالجواب فيما إذا أقر بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول ثم إذا أقر بعد ذلك للثاني فإن الثلث كله يدفع للأول ولا يكون للثاني فيه شيء كذلك هذا الجواب فيما لو أقر بوصية بغير عينها. والجواب فيما لو أقر بألف بعينها لأن الوصايا تنفذ من الثلث فصار الثلث كله مستحقا للأول بالإقرار الأول، وكان الجواب فيما لو أقر بألف قال محمد في الجامع في الرجل يموت ويترك وارثين، وألفي درهم فيأخذ كل واحد منهما ألفا فغاب أحدهما وأقر الحاضر لرجل أن الميت أوصى له بثلث أخذ المقر له من الحاضر ثلث ما في يده فرق بين هذا وبين ما إذا أقر الحاضر بدين له فإنه يأخذ كل ذلك من نصيبه، وإن أقر أحدهما بوديعة بعينها، وذلك في نصيبه، وكذبه الآخر فإنه يؤخذ ذلك كله من المقر، وإن أقر بوديعة مجهولة يستوفي الكل من نصيبه، ولو أقر أحدهما بشركة بينه وبين الآخر، وكذبه الآخر صح في نصيبه، ويقسم ما في يده بين المقر والمقر له ولا يأخذ المقر له من الجاحد شيئا لأن إقرار كل مقر يصح في حقه ولا يصح في حق غيره، ونظير هذا ما قالوا في رجل مات وترك بنتين، وأقرت إحدى البنتين بأخ مجهول، وكذبتها البنت الأخرى فإن الأخ المقر له يأخذ من نصيب البنت المقرة، وفي الكافي ابنان اقتسما تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فالمقر يعطيه ثلث ما في يده استحسانا. وقال زفر يعطيه نصف ما في يده قياسا، ولو كان البنون ثلاثة، والتركة ثلاثة آلاف فاقتسموها فجاء رجل وادعى أن الميت أوصى له بثلث ماله، وصدقه واحد منهم فإنه يعطيه عند زفر ثلاثة أخماس ما في يده، وعندنا يعطيه ثلث ما في يده. قال رحمه الله: (وبألف عين من مال آخر فأجاز رب المال بعد موت الموصي، ودفعه صح، وله المنع بعد الإجازة) أي إذا أوصى لرجل بألف درهم بعينها من مال غيره فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، ودفع إليه جاز، وله الامتناع من التسليم بعد الإجازة لأنه تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازة صاحبه فإن أجاز كان منه هذا ابتداء تبرع فله أن يمتنع من التسليم كسائر التبرعات بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث أو للقاتل أو للوارث فأجازتها الورثة حيث لا يكون لهم أن يمنعوا من التسليم لأن الوصية في نفسها صحيحة لمصادفتها ملكه، وإنما امتنع لحق الورثة فإذا أجازوها سقط حقهم فتنفذ من جهة الموصي على ما بيناه من قبل كذا ذكر الشارح. قال رحمه الله: (وصح إقرار أحد الابنين بعد القسمة بوصية أبيه في ثلث نصيبه) معناه إذا قسم الابنان تركة أبيهما، وهي ألف درهم مثلا ثم أقر أحدهما لرجل أن أباه أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده، وهذا استحسان، والقياس يعطيه نصف ما في يده. وهو قول زفر لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه، والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف فصار كما إذا أقر أحدهما بأخ ثالث لهما، وهذا لأن ما أخذه المنكر كالهالك فيهلك عليهما وجه الاستحسان أنه أقر له بثلث شائع في جميع التركة، وهي في أيديهما فيكون مقرا له بثلث ما في يده وبثلث ما في يد أخيه فيقبل إقراره في حق نفسه ولا يقبل في حق أخيه لعدم الولاية عليه فيعطيه ثلث ما في يده، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده أدى إلى محظور، وهو أن الابن الآخر ربما يقر به فيأخذ نصف ما في يده فيأخذ نصف التركة فيزداد نصيبه على الثلث، وهو خلف، وقيدنا بالوصية ليحترز عن الدين قال بخلاف ما إذا أقر أحدهما بالدين على أبيهما حيث يأخذ صاحب الدين المقر له جميع ما في يد المقر حتى يستوفي دينه ولا شيء للمقر إن لم يفضل منه شيء لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقدمه عليه فيقدم عليه ولا كذلك الوصية لأن الموصى له شريك للورثة فلا يأخذ شيئا إلا إذا سلم للوارث ضعف ذلك ولا نسلم أنه أقر له بالمساواة بل أقر له بثلث التركة، وإنما حصلت المساواة باتفاق الحال، ولهذا لو لم يكن له أخ فأقر له بالوصية لا يزيد حقه على الثلث، ولو كان مقرا له بالمساواة لمساواة حالة الانفراد أيضا بخلاف ما إذا أقر بأخ ثالث، وكذبه أخوه حيث يكون ما في يد المقر بينهما نصفين لأنه أقر له بالمساواة فيساويه مطلقا. ولهذا لو كان وحده أيضا ساواه فيكون ما أخذه المنكر هالكا عليهما ا هـ. كلام الشارح. وهذا حيث لا بينة، وأما إذا كان إقرار وبينة قال في المبسوط أقر أن فلانا أوصى لفلان بالثلث، وقامت البينة لآخر يدفع إليه ولا يضمن الوارث شيئا لأن الشهادة حجة على الكافة، والإقرار حجة قاصرة على المقر، وليس بحجة في حق المشهود له فثبتت وصية المشهود له في حق المقر له، ولم تثبت وصية المقر له في حق المشهود له فيكون هو أولى باستحقاق الثلث من المقر له كما لو أقر ذو اليد بالدار لرجل، وأقام الآخر البينة على أنها ملكه يقضى بها للمشهود له فكذا هذا. قال رحمه الله: (وبأمة فولدت بعد موته، وخرجا من ثلثه فهما له، وإلا أخذ منها ثم منه) أي إذا أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من جميع الثلث فهما للموصى له لأن الأم دخلت في الوصية أصالة، والولد تابع حين كان متصلا بها، وعبارته صادقة بما إذا ولدت قبل القبول والقسمة فلو قال فولدت بعدهما إلى آخره لكان أولى لأنها إذا ولدت قبل القسمة، والتركة مبقاة على ملك الميت قبلها حتى يقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه دخل ولدها في الوصية فيكونان للموصى له، وإن لم يخرجا من الثلث ضرب الموصى له بالثلث، وأخذ ما يخصه من الأم أولا فإن فضل شيء أخذه من الولد، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما يعطي له الثلث منهما بالحصص قال الشارح وعبارة المؤلف صادقة بما إذا حدثت قبل القبول أو بعده. قال في المبسوط أصله أن التركة قبل القسمة مبقاة على حكم الميت حتى أن الزيادة الحادثة قبل القسمة تعد من مال الميت حتى يقضى دينه، وتنفذ وصاياه لأن الموصى له والورثة تتملك والوصية من جهة الميت فيعتبر بما لو ملك المال من غيره بالبيع أو بالنكاح، والزوائد الحادثة من المبيع والمهر قبل القبض حادثة على ملك المالك حتى يصير لها حصة من الثمن بالقبض لأن ما يملك يكون مبقى على ملك المملك فكذا هذا، وظاهر قوله قبل القسمة أنها بعد القسمة ليست بمبقاة فتكون الزوائد للموصى له ثم السائل على فصلين أحدهما في الزيادة، والثاني في النقصان، والزيادة الحادثة من الموصى به كالولد والغلة والكسب والأرش بعد موت الموصي قبل قبول الموصى له الوصية يصير موصى بها حتى تعتبر من الثلث لأنها حدثت بعد انعقاد سبب الملك للموصى له في الأصل فإذا حدثت بسبب الملك فيه إلى وقت الموت تدخل تحت الوصية كالمبيعة إذا ولدت في مدة الخيار، واختار من له الخيار البيع فتصير الزيادة مبيعة حتى تصير لها حصة من الثمن فأما إذا حدثت قبل الموصى له قبل القسمة هل يصير موصى بها لم يذكره محمد، وذكر القدوري أنه لا يصير موصى بها حتى كانت للموصى له من جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة لأن الزيادة حدثت بعد ملك الموصى له، وبعد تأكد ملكه لأنه ملك الرقبة وتصرف فيه جميعا فصار كالزيادة الحادثة من المبيعة بعد القبض. وقال مشايخنا يصير موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث لأنها حدثت بعد الملك قبل تأكد الملك في الأصل لأن ملكه لم يتأكد، ولم يتقرر بعد لأنه لو هلك ثلث التركة وصارت الحادثة بحيث لا تخرج من ثلث ماله تكون من الحادثة بقدر ثلث الباقي فصار كالزيادة الممهورة الحادثة قبل القبض تصير مهرا حتى تسقط بالطلاق قبل الدخول، وقد ملكت الرقبة والتصرف جميعا لأن ملكها غير متأكد قبل القبض حتى لو هلك هلك على الزوج لا عليها ثم ألحق الكسب بالولد في الوصية، وفي البيع لم يلحقه بالولد لأن الكسب بدل المنفعة، والمنفعة يجوز أن تملك بالوصية مقصودا فكذلك بدلها أيضا بخلاف البيع فلم يمكن أن يجعل الكسب مبيعا مقصودا بحكم الوارد بالبيع لأن القبض يرد عليه مقصودا لهما أن الزيادة متى حدثت قبل القبض تصير موصى بها حكما ولأبي حنيفة أن الحادث قبل القبض صار مقصودا لكنه تبعا لا أصلا، وهذا البيان أنها كانت باقية على ملك الميت فلو تصرف فيه الوارث صح قال فيه أيضا رجل له أمة قيمتها ثلاثمائة درهم ولا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له فولدت في يد المشتري ولدا قيمته ثلثمائة درهم ثم جاء الموصى له فلم يجز الموصى له البيع سلم للمشتري ثلثي الجارية وثلثي الولد، وللموصى له ثلث الجارية وثلث الولد لأن الجارية مشتركة بين الورثة وبين الموصى له، وبيع أحد الشريكين لا ينفذ إلا في نصيبه فنفذ البيع في حصة الورثة، وهو ثلث الجارية، ولم ينفذ في حصة الموصى له. وهو ثلثها فسلم له ثلث الجارية، والزيادة حدثت بعد نفاذ التصرف الذي حكم القسمة، والقبض فيكون ثلثا الولد بعد نفاذ البيع نفذ على ملك المشتري فلا يعد من مال الميت وثلثه حدث على ملك الميت فيكون ذلك من مال الميت فصار مال الميت يوم القسمة ثلثي الجارية قيمتها مائتا درهم، ولو كانت ازدادت في مدتها فصارت قيمتها ستمائة فثلثاها سالم للمشتري وثلثها للموصى له وثلث ثلثها للورثة لأن مال الميت أربعمائة لأن البيع نافذ في ثلثي الجارية فحدثت ثلثا الزيادة على ملك المشتري فبقي مال الميت قيمتها ثلاثمائة وثلث الزيادة قيمته مائة فصار مال الميت قيمته أربعمائة فيكون ثلثها للموصى له، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وثلثمائة من أصل الجارية وثلاثة وثلاثون من الزيادة لأن قيمة ثلثي الجارية مائتان فيكون ثلثها مائة وثلاثة وثلاثين وثلث ثلثها للورثة ستة وثلاثون وثلث، ولو أن الجارية نقصت حتى صارت تساوي مائة أخذ الموصى له ثلثها، ويرجع على الورثة من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم تمام ثلث المال لأن الجارية مشتركة بين المشتري والموصى له ثلثاها للمشتري وثلثها للموصى له فما ضاع ضاع على الحصتين وما بقي بقي على الحصتين فللموصى له ثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث لأن المال، وحق الموصى له يعتبر يوم القسمة. وقد انتقص من قيمة الجارية ثلثاها فذهب ثلثا حقه، وقيمتها في حق الورثة تعتبر يوم البيع لأنه استهلكها الوارث بالبيع فتعتبر قيمتها يوم الاستهلاك، ويوم البيع كانت قيمة ثلثي الجارية مائتي درهم فصار مال الميت مائتين وثلاثة وثلاثين وثلثا فللموصى له ثلث ذلك، وهو سبعة وسبعون وسبعة أتساع درهم قبل الورثة، ولم يجعل للموصي أن ينقض البيع فيما بقي من حقه لأنه يؤدي إلى الدور لأن ما نقص فيه كأنه لم يبعه الورثة، وإذا هلك شيء منه هلك من مال الميت فيحتاج إلى أن ينقص وصيته عن ذلك، وإذا انتقصت بعد البيع بقدر ما انتقصت وصيته فإذا نفذ البيع عاد حق الموصى له، واحتجت إلى النقص فيؤدي إلى ما لا يتناهى، وسهم الدور ساقط فلم يكن حق البعض في الابتداء كي لا يؤدي إلى الدور رجل أوصى لرجل بشاة من غنمه، وقد لحقت الأولاد بالأمهات بعد موته فللورثة أن يعطوه شاة بدون ولدها، وإن قال شاة من غنمي سلموا معها ولدها وما جلب من لبنها، وجزءا من صوفها إن كان قائما وما كان مستهلكا من ذلك فلا يضمونه لأن الوصية تناولت شاة من قطيع معين فتدخل زوائدها تحت الوصية، ولذلك لو أوصى بنخلة، ولم يقل من نخلي هذه يعطونه نخلة دون ثمرتها، وإن قال من نخلي هذه، وقد أثمرت بعد موته تبعها الثمر، هذا إذا أوصى بمعين فلو أوصى بأحدهما قال فيه أيضا. ولو أوصى بإحدى هاتين الأمتين فولدت إحداهما أعطاه الورثة أيتهما شاءوا فلو أعطوا التي ولدت تبعها ولدها، ولو قال قد أوصيت بجارية من جواري هؤلاء أو قال بشاة من غنمي هذه فولدت في حياة الموصي فأراد الورثة بعد موته أن يعطوه من الأولاد لم يكن لهم ذلك، وإن أعطوه جارية أو شاة أو نخلة تبعها ثمرها ولا يتبعها أولادها، وثمرتها الحادثة قبل موت الموصي لأنه إنما وجب له ذلك بالوصية بعد الموت، وبعد الموت الإيجاب لا يتناول الزوائد الحادثة قبل الموت فإن هلكت الأمهات إلا واحدة بعد موت الموصي كان حقه في هذه الواحدة، وإن لم يبق شيء من الأمهات دفعوا إليه الأموال. قال رحمه الله: (ولابنه الكافر أو الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو أعتق قبل موت الأب ثم مات بطل كالهبة وإقراره) أي إذا أوصى لابنه الكافر أو لابنه الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو عتق قبل موت الأب ثم مات من ذلك المرض بطلت الوصية له كما تبطل الهبة له، والإقرار له بالدين أما الوصية فلأن المعتبر فيها حالة الموت، وهو وارث فيها فلا تجوز له، والهبة حكمها مثل الوصية لما عرف في موضعه، وأما الإقرار فإن كان الابن كافرا فلا إشكال فيه لأن الإقرار وقع لنفسه، وهو وارث بسبب كان ثابتا عند الإقرار، وهو البنوة فيمتنع لما فيه من تهمة إيثار البعض فكان كالوصية فصار كما إذا كان له ابن، وأقر لأخيه في مرضه ثم مات الابن قبل أبيه، وورثه أخوه المقر له فإن كان الإقرار له يكون باطلا لما ذكرنا كذا هذا. بخلاف ما إذا أقر لامرأة في مرضه ثم تزوجها حيث لا يبطل الإقرار لها لأنها صارت وارثة بسبب حادث، والإقرار يلزمه بنفسه، وهي أجنبية حال صدوره فيلزم لعدم المانع من ذلك، ويعتبر من جميع المال بخلاف الوصية لها لأنها إيجاب عند الموت، وهي وارثة فلهذا اتحد الحكم فيهما في الوصية، وافترقا في الإقرار حتى كانت الزوجة قائمة عند الإقرار، وهي غير وارثة فإن كانت نصرانية أو أمة ثم أسلمت قبل موته أو أعتقت لا يصح الإقرار لها لقيام السبب حال صدوره، وإن كان الابن عبدا فإن كان عليه دين لا يصح إقراره لأن الإقرار وقع له، وهو وارث عند الموت فتبطل كالوصية، وإن لم يكن عليه دين صح الإقرار لأنه وقع للمولى إذ العبد لا يملك، وقيل الهبة له جائزة لأنها تمليك في الحال، وهو لا يملك فيقع للمولى، وهو أجنبي فيجوز بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت، وهو وارث عنده فيمتنع، وفي عامة الروايات هي في المرض كالوصية فيه لأنها، وإن كانت منجزة صورة فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق ولا تجوز بما زاد على الثلث، والمكاتب كالحر لأن الإقرار والهبة يقع له، وهو وارث عند الموت فلا يجوز كالوصية كذا ذكر الشارح. قال رحمه الله: (والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إن تطاول ذلك، ولم يخف منه الموت فهبته من كل المال) لأنه إذا تقادم العهد صار من طبعه كالعمى والعرج، وهذا لأن المانع من التصرف مرض الموت، ومرض الموت لا يكون سببا للموت غالبا، وإنما يكون سببا للموت إذا كان بحيث يزداد حالا فحالا إلى أن يكون آخره الموت، وأما إذا استحكم وصار بحيث لا يزداد ولا يخاف منه الموت لا يكون سببا آخره الموت كالعمى ونحوه، ولهذا لا يستقل بالتداوي قال رحمه الله: (وإلا فمن الثلث) أي إن لم يتطاول يعتبر تصرفه من الثلث إذا كان صاحب فراش ومات منه في أيامه لأنه من ابتدائه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون من مرض الموت، وإن صار صاحب فراش بعد التطاول فهو كمرض حادث به حتى تعتبر تبرعاته من الثلث كذا ذكر الشارح، والله تعالى أعلم.
|