الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»
.تفسير الآية رقم (25): {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}{والله يَدْعُواْ إِلَى دَارُ السلام} ترغيب للناس في الحياة الأخروية الباقية إثر ترغيبهم عن الحياة الدنيوية الفانية أي يدعو الناس جميعًا إلى الجنة حيث يأمرهم بما يفضي إليها، وسميت الجنة بذلك لسلامة أهلها عن كل ألم وآفة أو لأن الله تعالى يسلم عليهم أو لأن خزنتها يقولون لهم سلام عليكم طبتم أو لأن بعضهم يسلم فيها على بعض.فالسلام إما عنى السلامة أو عنى التسليم، أو لأن السلام من أسمائه تعالى ومعناه هو الذي منه وبه السلامة أو ذو السلامة عن جميع النقائص فأضيفت إليه سبحانه للتشريف كما في بيت الله تعالى للكعبة ولأنه لا ملك لغيره جل شأنه فيها ظاهرًا وباطنًا وللتنبيه على أن من فيها سالم عما مر للنظر إلى معنى السلامة في أصله، ويدل على قصده تخصيصه بالإضافة إليه دون غيره من أسمائه تعالى: {وَيَهْدِى مَن يَشَاء} هدايته {إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} موصل إلى تلك الدار وهو الدين الحق، وفي الآية دلالة على أن الهداية غير الدعوة إلى ذلك وعلى أن الأمر مغاير للإرادة حيث عمم سبحانه الدعوة إذ حذف مفعولها وخص الهداية بالمشيئة المساوية للإرادة على المشهور إذ قيدها بها وهو الذي ذهب إليه الجماعة، وقال المعتزلة: إن المراد بالهداية التوفيق والإلطاف ومغايرة الدعوة والأمر لذلك ظاهرة فإن الكافر مأمور وليس وفق وأن من يشاء هو من علم سبحانه أن اللطف ينفع فيه لأن مشيئته تعالى شأنه تابعة للحكمة فمن علم أنه لا ينفع فيه اللطف لم يوفقه ولم يلطف به إذ التوفيق لمن علم الله تعالى أنه لا ينفعه عبث والحكمة منافية للعبث فهو جل وعلا يهدي من ينفعه اللطف وإن أراد اهتداء الكل..تفسير الآية رقم (26): {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}{لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} أي العمل بأن فعلوا المأمور به واجتنبوا المنهي عنه، وفسر رسول الله صلى الله عليه وسلم الإحسان بقوله عليه الصلاة والسلام: «أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» {الحسنى} أي المنزلة الحسنى وهي الجنة {وَزِيَادَةٌ} وهي النظر إلى وجه ربهم الكريم جل جلاله وهو التفسير المأثور عن أبي بكر. وعلي كرم الله تعالى وجهه. وابن عباس. وحذيفة. وابن مسعود. وأبي موسى الأشعري. وخلق آخرين، وروى مرفوعًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من طرق شتى، وقد أخرج الطيالسي. وأحمد. ومسلم. والترمذي. وابن ماجه. وابن جرير. وابن المنذر. وابن أبي حاتم. وابن خزيمة. وابن حبان. وأبو الشيخ. والدارقطني في الرؤية. وابن مردويه. والبيهقي في الأسماء والصفات عن صهيب «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تلا هذه الآية للذين أحسنوا إلخ فقال إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار نادى مناد يا أهل الجنة أن لكم عند الله تعالى موعدًا يريد أن ينجزكموه فيقولون: وما هو؟ ألم يثقل موازيننا ويبيض وجوهنا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار؟ قال: فيكشف لهم الحجاب فينظرون إليه سبحانه فوالله ما أعطاهم الله تعالى شيئًا أحب إليهم من النظر إليه ولا أقر لأعينهم» فحكاية هذا التفسير بقيل: كما فعل البيضاوي عفا الله تعالى عنه مما لا ينبغي، وقول الزمخشري عامله الله تعالى بعدله: إن الحديث مرقوع بالقاف أي مفترى لا يصدر إلا عن رقيع فإنه متفق على صحته وقد أخرجه حفاظ ليس فيهم ما يقال.نعم جاء في تفسير ذلك غير ما ذكر لكن ليس في هذه الدرجة من الصحة ولا رفع فيه صريحًا، فقد أخرج ابن جرير. عن مجاهد قال: الزيادة المغفرة والرضوان، وأخرج عن الحسن أنها تضعيف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، وأخرج عن ابن زيد أنها أن لا يحاسبهم على ما أعطاهم في الدنيا، وأخرج عن الحكم بن عتيبة عن علي كرم الله تعالى وجهه أنها غرفة من لؤلؤة واحدة لها أربعة أبواب. وتعقبه ابن الجوزي بأنه لا يصح، وقيل: الزيادة أن تمر السحابة بهم فتقول: ما تريدون أنا أمطركم فلا يريدون شيئًا إلا أمطرتهم.وجمع بعضهم بين الروايات بأنه لا مانع من أن يمن الله تعالى عليهم بكل ما ذكر ويصدق عليه أنه زيادة على ما من به عليهم من الجنة، وأيد ذلك بما أخرجه سعيد بن منصور. وابن المنذر. والبيهقي. عن سفيان أنه قال: ليس في تفسيرالقرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا، والذي حمل الزمخشري على عدم الاعتماد على الروايات الناطقة بحمل الزيادة على رؤية الله تعالى زعمه الفاسد كأصحابه أن الله تعالى لا يرى وقد علمت منشأ ذلك الزعم وقد رده أهل السنة بوجوه {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} أي لا يغشاها غبرة ما فيها سواد ولا أثر هوان ما وكسوف بال، والمعنى لا يعرض عليهم ما يعرض لأهل النار أو لا يعرض لهم ما يوجب ذلك من الحزن وسوء الحال، والكلام على الأول حقيقة وعلى الثاني كناية لأن عدم غشيان ذلك لازم لعدم غشيان ما يوجبهما فذكر اللازم لينتقل منه إلى الملزوم، ورجح هذا بأنه أمدح، والمقصود بيان خلوص نعيمهم من شوائب المكاره إثر بيان ما من سبحانه به عليهم من النعيم، وقيل: إن ذكر ذلك لتذكيرهم بما ينقذهم منه فإنهم إذا ذكروا ذلك زاد ابتهاجهم ومسرتهم كما أن أهل النار فإن الإنسان متى علم أن عدوه في الهوان وسوء الحال ازداد سرورًا، وقد شاهدنا من يكتفي ضرة عدوه عن حصول المنفعة له بل من يسره ضرر عدوه وإن تضرر هو، وتقديم المفعول على الفاعل للاهتمام ببيان أن المصون من الرهق أشرف أعضائهم وللتشويق إلى المؤخر ولأن في الفاعل ضرب تفصيل {أولئك} أي المذكورون باعتبار اتصافهم بما تقدم {أصحاب الجنة هُمْ فِيهَا خالدون} دائمون بلا زوال ويلزم ذلك عدم زوال نعيمها..تفسير الآية رقم (27): {وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ ثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (27)}{والذين كَسَبُواْ السيئات} أي الشرك والمعاصي، وهو مبتدأ بتقدير المضاف خبره قوله سبحانه: {جَزَاء سَيّئَةٍ ثْلِهَا} والباء متعلقة بجزاء وهو مصدر المبني للمفعول لا اسم للعوض كما في بعض الأوجه الآتية على ما قيل أي جزاء الذين كسبوا السيئات أن تجازي سيئة واحدة بسيئة مثلها على معنى عدم الزيادة قتضى العدل وإلا فلا مانع عن العفو قتضى الكرم لكن ذلك في غير الشرك ويجوز أن يكون جزاء سيئة ثلها جملة من مبتدأ وخبر هي خبر المبتدأ وحينئذٍ لا حاجة إلى تقدير المضاف لكن العائد محذوف أي جزاء سيئة منهم ثلها على حد السمن منوان بدرهم.وأجاز أبو الفتح أن يكون جزاء مبتدأ محذوف الخبر أي لهم جزاء سيئة ثلها وحذف لهم لقرينة {لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ} [يونس: 26] والجملة خبر {الذين كَسَبُواْ} وحينئذٍ لا حاجة إلى تقدير عائد كما لا حاجة إلى تقدير مضاف، وجوز غير واحد أن يكون {الذين} عطفا على {الذين} [يونس: 26] المجرور الذي هو مع جاره خبر وجزاء سيئة معطوف على {الحسنى} [يونس: 26] الذي هو المبتدأ، وفي ذلك العطف على معمولي عاملين مختلفين وفيه مذاهب المنع مطلقًا وهو مذهب سيبويه والجواز مطلقًا وهو مذهب الفراء والتفصيل بين أن يتقدم المجرور نحو في الدار زيد والحجرة عمرو فيجوز أو لا فيمتنع، والمانعون يحملون نحو هذا المثال على إضمار الجار ويجعلونه مطردًا كقوله:وقيل: هو مبتدأ والخبر جملة {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أو {كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ} أو {أُوْلَئِكَ أصحاب النار} وما في البين اعتراض، وفي تعدد الاعتراض خلاف بين النحويين و{جَزَاء سَيّئَةٍ} حينئذٍ مبتدأ و{ثْلِهَا} متعلق به والخبر محذوف أي واقع أو {ثْلِهَا} هو الخبر على أن الباء زائدة أو الجار والمجرور في موضع الخبر على أن الباء غير زائدة، والأولى تقدير المتعلق خاصًا كمقدر ويصح تقديره عامًا، والقول بأنه لا معنى له حاصل وهم ظاهر، وأيًا ما كان لا دلالة في الآية على أن الزيادة هي الفضل دون الرؤية وقد علمت أن تفسيرها بذلك هو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم وجملة من السلف الصالح فلا ينبغي العدول عنه لما يتراءى منه خلافه لاسيما وقد أتى الإمام وغيره بدلائل جمة على أن المراد بها ذلك ولم يؤت بالآيتين على أسلوب واحد لمراعاة ما بين الفريقين من كمال التنائي والتباين، وإيراد الكسب للإيذان بأن ذلك إنما هو بسوء صنيعهم وجنايتهم على أنفسهم {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} أي هوان عظيم، فالتنوين هنا للتفخيم على عكس التنوين فيما قبل كما أشرنا إليه، وفي إسناد الرهق إلى أنفسهم دون وجوههم إيذان بأنها محيطة بهم غاشية لهم.وقرئ {يرهقهم} بالباء التحتانية لكون الفاعل ظاهرًا وتأنيثه غير حقيقي، وقيل: التذكير باعتبار أن المراد من الذلة سببها مجازًا، ولا يحتاج إليه كما لا يخفى لأن التذكير في مجازي التأنيث لاسيما المفصول كثير جدًا.والواو على ما قال غير واحد للعطف وما بعده معطوف على {ا كَسَبُواْ} وضعفه أبو البقاء بأن المستقبل لا يعطف على الماضي. وأجيب بالمنع، وفي العطف هاهنا ما لا يخفى من المبالغة حيث أخرج نسبة الرهق إليهم يوم القيامة مخرج المعلوم حيث جعل ذلك بواسطة العطف صلة الموصول، وقيل: إنه عطف على ما قبله بحسب المعنى كأنه قيل: والذين كسبوا السيئات تجازي سيئتهم ثلها وترهقهم ذلة ولعله أولى من الأول، وأما جعل الواو حالية والجملة في موضع الحال من ضمير {كَسَبُواْ} فلا يخفى حاله {مَّا لَهُمْ مّنَ الله مِنْ عَاصِمٍ} أي ما لهم أحد يعصمهم ويمنعهم من سخط الله تعالى وعذابه فمن الأولى متعلقة بعاصم والكلام على حذف مضاف و{مِنْ} الثانية زائدة لتعميم النفي، أو ما لهم من جهته وعنده تعالى من يعصمهم كما يكون للمؤمنين فمن الأولى متعلقة حذوف وقع حالًا من {عَاصِمَ} وقيل متعلقة بالاستقرار المفهوم من الظرف وليس في الكلام مضاف محذوف، و{مِنْ} الثانية على حالها والجملة مستأنفة أو حال من ضمير {تَرْهَقُهُمْ} وفي نفي العاصم من المبالغة في نفي العصمة ما لا يخفى {والذين كَسَبُواْ السيئات جَزَاء سَيّئَةٍ ثْلِهَا} أي كأنما ألبست ذلك لفرط سوادها وظلمتها، والجار والمجرور صفة {قِطَعًا} وقوله سبحانه: {مُظْلِمًا} حال من {اليل} والعامل فيه متعلق الجار والمجرور فعلًا كان أو اسمًا.وجوز أبو البقاء كونه حالا من {قِطَعًا} أو صفة له، وكان الواجب الجمع لأن {قِطَعًا} جمع قطعة إلا أنه أفردت حاله أو صفته لتأويل ذلك بكثير ولا يخفى أنه تكلف مستغنى عنه، والظاهر أن {من} للتبعيض، وقال بعض المحققين: لليل معنيان زمان تخفى فيه الشمس قليلًا أو كثيرًا كما يقال دخل الليل والآن ليل وما بين غروب الشمس إلى طلوعها أو قربها من الطلوع، فمن إما تبعيضية على الأول وبيانية على الثاني، وجوز الزمخشري أن يكون العامل في الحال {أُغْشِيَتْ} من قبل أن {مِّنَ اليل وَمَا لَكُمْ مّن دُونِ الله مِنْ أَوْلِيَاء ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ وَأَقِمِ الصلاة طَرَفَىِ النهار وَزُلَفًا مِّنَ اليل} ليس صلة أغشيت حتى يكون عاملًا في المجرور بل التقدير أنه صفة فيكون العامل فيه الاستقرار، وأيضًا الصفة {مِّنَ اليل} وذو الحال هو الليل فلا يكون {أُغْشِيَتْ} عاملًا في ذي الحال مع أنه المقصود وقد يقال: إن {مِنْ} للتبيين والتقدير كائنة من الليل فاغشيت عامل في الصفة وهي كائنة فكأنه عامل في {اليل} وهو مبني على أن العامل في العامل في الشيء عامل فيه وهو فاسد فالوجه أن يقال: إن {مِنْ} للتبعيض أي بعض الليل ويكون بدلًا من {قِطَعًا} ويجعل {مُظْلِمًا} حالا من البعض لا {مِّنَ اليل} فيكون العامل في ذي الحال {أُغْشِيَتْ} ولا يخفى أنه وجه أغشى قطعًا من ليل التكلف والتعسف مظلمًا.وأجاب الإمام أمين الدين بأنه نسبة {أُغْشِيَتْ} إلى {قِطَعًا} إنما هي باعتبار ذاتها المبهمة المفسرة بالليل لا باعتبار مفهوم القطع في نفسها وإنما ذكرت لبيان مقدار ما أغشيت به وجوههم وهو الليل مظلمًا فافضاء الفعل إلى {قِطَعًا} باعتبار ما لا يتم معناها المراد إلا به كافضاء الفعل إليه كما إذا قيل: اشتريت أرطالًا من الزيت صافيًا فإن المشتري فيه الزيت والارطال مبينة لمقدار ما اشترى صافيًا فالعامل في الحال إنما هو العامل اللفظي ولا يلاحظ معنى الفعل في الجار والمجرور من جهة العمل لغلبة العامل اللفظي عليه بالظهور ولا يخفى ما فيه. وقال في الكشف: إن الزمخشري ذهب إلى أن {أُغْشِيَتْ} له اتصال بقوله تعالى: {مِّنَ اليل} من قبل أن الصفة والموصوف متحدان لاسيما والقطع بعض الليل فجاز أن يكون عاملًا في الصفة بذلك الاعتبار وكأنه قيل أغشيت الليل مظلمًا وهذا كما جوز في نحو {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَانًا} [الحجر: 47] أن يكون حالًا من الضمير باعتبار اتحاده بالمضاف وكأنه قيل: ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا وكما جوز في {مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا} [البقرة: 135] لأن الملة كالجزء كأنه قيل: اتبعوا إبراهيم حنيفا وهذا الذي ذهب إليه الزمخشري وهو سر هذا الموضع لا ما طوله كثيرون لاسيما حمل {مِنْ} على التجريد فإنه مع أن المعنى على التبعيض لا البيان وليس كل بيان تجريدًا لا يتم مقصوده انتهى.وقد عرض في ذلك بشيخه العلامة الطيبي فإنه عليه الرحمة قد تكلف ما تكلف والانصاف أن ما جوزه الزمخشري هنا مما لا ينبغي والسعي في إصلاحه مع وجود الوجه الواضح الذي لا ترهقه قترة يقرب من أن يكون عبثًا. وقرأ ابن كثير. والكسائي. ويعقوب. وسهل {قِطَعًا} بسكون الطاء وهو اسم مفرد معناه طائفة من الليل أو ظلمة آخره أو اسم جنس لقطعة وأنشدوا. وعلى هذا يجوز أن يكون {مُظْلِمًا} صفة له أو حالًا منه بلا تكلف تأويل. وقرئ. {كَأَنَّمَا يغشى *وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مّنَ الله مِنْ} والكلام فيه ظاهر، والجملة كالتي قبلها مستأنفة أو حال من ضمير {تَرْهَقُهُمْ} {أولئك} أي الموصوفون بما ذكر من الصفات الذميمة {أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} لا يخرجون منها أبدًا واحتجت الوعيدية بهذه الآية على قولهم الفاسد بخلود أهل الكبائر. وأجيب بأن السيآت شاملة للكفر وسائر المعاصي وقد قامت الأدلة على أنه لا خلود لأصحاب المعاصي فخصصت الآية بمن عداهم، وأيضًا قد يقال انهم داخلون في الذين أحسنوا بناء على ما أخرج ابن جرير. وابن المنذر. وغيرهما عن ابن عباس وأبو الشيخ عن قتادة أنهم الذين شهدوا أن لا إله إلا الله أي المؤمنون مطلقًا فلا يدخلون في القسم الآخر لتنافي الحكمين، وقيل: إن أل في السيئات للاستغراق فالمراد من عمل جميع ذلك؛ والقول بخلوده في النار مجمع عليه وليس بذاك.
|