الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
وخروج العساكر إلى ناحية بحري مستمر وأفصح الباشا وذكر في كلامه في مجالسه وبين السر في إخراجهم من المدينة بأن العساكر قد كثروا وفي إقامتهم بالبلدة مع كثرتهم وإفساد وضيق على الرعية مع عدم الحاجة إليهم داخل البلدة الأولى والأحوط أن يكونوا خارجها وحولها مرابطين لحفظ الثغور من طارق على حين غفلة أو حادث خارجي وليس لهم إلا رواتبهم وعلائفهم تأتيهم في أماكنهم ومراكزهم والسر الخفي إخراج الذين قصدوا غدره وخيانته ووقع بسبب حركتهم ما وقع من لنهب والإزعاج على أواخر شعبان من السنة الماضية وكان قد بدأ بإخراج أولاده وخواصه من تحيله واحدًا بعد واحد وأسر إلى أولاده بما في ضميره وأصحب مع ولده طوسون باشا شخصًا من خواصه يسمى أحمد آغا البخورجي المدللي وأخذ طوسون باشا في تدبير الإيقاع مع من يريد به فبدأ بمحو بك وهو أعظمهم وأكثرهم جندًا فأخذ في تأليف عساكره حتى لم يبق معه إلا القليل ثم أرسل في وقت بطلب محو بك عنده في مشورة فذهب إليه أحمد آغا المدللي المذكور وأسر إليه ما يراد به وأشار إليه بعدم الذهاب فركب محو بك في الحال وذهب عند الدلاة فأرسلوا إلى مصطفى بك وهو كبير على طائفة من الدلاة وأخو زوجة الباشا وقريبه وإلى إسماعيل باشا ابن الباشا ليتوسطا في صلح محو بك مع الباشا وليعفوه ويذهب إلى بلاده فأرسلا إلى الباشا بالخبر وبما نقله أحمد آغا المدللي إلى محو بك فسفه رأيه في تصديق المقالة وفي هروبه عند الدلاة ثم يقول لولا أن في نفسه خيانة لما فعل ما فعل من التصديق والهروب وكان طوسون باشا لما جرى من أحمد آغا ما جرى من نقل الخبر لمحو بك عوقه وأرسل إلى أبيه يعلمه بذلك فطلبه للحضور إليه بمصر فلما مثل بين يديه وبخه وعزره بالكلام وقال له ترمي الفتن بين أولادي وكبار العسكر ثم أمر بقتله فنزلوا به إلى باب وزيلة وقطعوا رأسه هناك وتركوه مرميًا طول النهار ثم رفعوه إلى داره وعملوا له في صبحها مشهدًا ودفنوه. وفيه حضر إسماعيل باشا ومصطفى بك إلى مصر. وفي أواخره حضر شخص يسمى سليم كاشف من الأجناد المصرية مرسلًا من عند بقاياهم من الأمراء وأتباعهم الذين رماهم الزمان بكلكله وأقصاهم وأبعدهم عن أوطانهم واستوطنهم دنقلة من بلاد السودان يتقوتون مما يزرعونه بأيديهم من الدخن وبينهم وبين أقصى الصعيد مسافة طويلة نحو من أربعين يومًا وقد طال عليهم الأمد ومات أكثرهم ومعظم رؤساهم مثل عثمان بك حسن وسليم آغا وأحمد آغا شويكار وغيرهم ممن لا علم لنا بخبرة أخبارهم لبعد المسافة حتى على أهل منازلهم وبقي ممن لم يمت منهم إبراهيم بك الكبير وعبد الرحمن بك تابع عثمان بك المرادي وعثمان بك يوسف وأحمد بك الألافي زوج عديلة ابنة إبراهيم بك الكبير وعلي بك أيوب وبواقي الصغار الأمراء والمماليك على ظن خيانتهم وقد كبر سن إبراهيم بك الكبير وعجزت قواه ووهن جسمه فلما طالت عليهم الغربة أرسلوا هذا المرسل بمكاتبة إلى الباشا يستعطفونه ويسألون فضله ويرجون مراحمه بأن ينعم عليهم بالأمان على نفوسهم ويأذن لهم بالانتقال من دنقلة إلى جهة من أراضي مصر يقيمون بها أيضًا ويتعيشون فيها بأقل العيش تحت أمانه ويدفعون ما يجب عليهم من الخراج الذي يقرر عليهم ولا يتعدون مراسمه وأوامره فلما حضر وقابل الباشا وتكلم معه وسأله عن حالهم وشأنهم ومن مات ومن لم يمت منهم وهو يخبره خبرهم ثم أمره بالانصراف إلى محله الذي نزل فيه إلى أن يرد عليه الجواب وأنعم عليه بخمسة أكياس فأقام أيامًا حتى كتب له جواب رسالته مضمونه أنه أعطاهم الأمان على أنفسهم بشروط شرطها عليهم إن خالفوا منها شرطًا واحدًا كان أمانهم منقوضًا وعهدهم منكرثًا ويحل بهم ما حل بمن تقدم منهم فأول الشروط أنهم إذا عزموا على الانتقال من المحل الذي هم فيه يرسلون أمامهم نجابًا يخبره بخبرهم وحركتهم وانتقالهم ليأتيهم من أعينه لملاقاتهم الثاني إذا حلوا بأرض الصعيد لا يأخذون من أهل النواحي كلفة ولا دجاجة ولا رغيفًا واحدًا وإنما الذي يتعين لملاقاتهم يقوم لهم بما يحتاجون إليه من مؤونة وعليق ومصرف الثالث أني لا أقطعهم شيئًا من الأراضي والنواحي ولا إقامة في جهة من جهات أراضي مصر بل يأتون عندي وينزلون على حكمي ولهم ما يليق بكل واحد منهم من المسكن والتعيين والمصرف ومن كان ذا قوة قلدته منصبًا أو خدمة تليق به أو ضمته إلى بعض الأكابر من رؤساء العسكر وإن كان ضعيفًا أو هرمًا أجريت عليه نفقة لنفسه وعياله الربع أنهم إذا حصلوا بمصر على هذه الشروط وطلبوا شيئًا من إقطاع أو رزقة أو قنطرة أو أقل مما كان في تصرفهم في الزمن الماضي أو نحو ذلك انتقض معي عهدهم وبطل أماني لهم بمخالفة شرط واحد من هذه الشروط وهي سبعة غاب عن ذهني باقيها فسبحان المعز المذل مقلب الأحوال ومغير الشؤون. فمن المعبر أنه لما حضر المصريون ودخلوا إلى مصر بعد مقتل طاهر باشا وتأمروا وتحكموا فكانت عساكر الأتراك في خدمتهم ومن أرذل طوائفهم وعلائفهم تصرف عليهم من أيدي كتابهم وأتباعهم وإبراهيم بك هو الأمير الكبير وراتب محمد علي باشا هذا من الخبز اللحم والأرز والسمن الذي عينه له من كباره نعوذ بالله من سوء المنقلب ورجع سليم كاشف المرسل إليهم بالجواب المشتمل على ما فيه من الشروط. وفيه أمر الباشا بحبس أحمد أفندي المعايرجي بدار الضرب وحبس أيضا عبد الله بكتاش ناظر الضربخانة واحتج عليهما باختلاسات يختلسانها واستمر أيامًا حتى قرر عليهما نحو السبعمائة كيس وعلى الحاج سالم الجواهرجي وهو الذي يتعاطى إيراد الذهب والفضة إلى شغل الضربخانة مثلها ثم أطلق المذكوران ليحصلا ما تقرر عليهما وكذلك أطلق الحاج سالم وشرعوا في التحصيل بالبيع والاستدانة واشتد القهر بالحاج سالم ومات على حين غفلة وقيل أنه ابتلع فص الماس وكان عليه ديون باقية من التي استدانها في المرة الأولى والغرامة السابقة. أنه لما مات إبراهيم بك المداد بالضربخانة قبل تاريخه تزوج بزوجته أحمد أفندي المعايرجي المذكور فلما عوق أحمد أفندي خافت زوجته المذكورة أن يدهمها أمر مثل الختم على الدار أو نحو ذلك فجمعت مصاغها وما تخاف عليه مما خف حمله وثقل ثمنه وربطته في صرة وأودعتها عند امرأة من معارفها فسطا على بيت تلك المرأة شخص حرامي وأخذ تلك الصرة وذهب بها إلى دار امرأة من أقاربه بالقرب من جامع مسكة وقال لها احفظي عندك هذه الصرة حتى أرجع ونزل إلى أسفل الدار فنادته المرأة اصبر حتى آتيك بشيء تأكله فقال نعم فإني جيعان وجلس أسفل الدار ينتظر إتيانها له بما يأكله وصادف مجيء زوج المرأة تلك الساعة فوجده فرحب به وهو يعلم بحاله ويكره مجيئه إلى داره وطلع إلى زوجته فوجد بين يديها تلك الصرة فسألها عنها فأخبرته أن قريبها المذكور أتى بها إليها حتى يعود لأخذها فجسها فوجدها ثقيلة فنزل في الحال ودخل على محمد أفندي سليم من أعيان جيران الخطة فأخبره فأحضر محمد أفندي أنفارًا من الجيران أيضًا وفيهم الخجا المنسوب إلى أحمد آغا لاظ المقتول ودخل الجميع إلى الدار وذلك الحرامي جالس ومشتغل بالأكل فوكلوا به الخدم وأحضروا تلك الصرة وفتحوها فوجدوا بها مضآغا وكيسًا بداخله أنصاف فضة عددية ذكروا أن عدتها أربعون ألفًا ولكنها من غير ختم وبدون نقش السكة فأخذوا ذلك وتوجهوا لكتخدا بك وصحبتهم الحرامي فسألوه وهددوه فأقر وأخبر عن المكان الذي اختلسها منه فأحضروا صاحبة المكان فقالت هو وديعة عندي لزوجة أحمد أفندي المعايرجي فثبت لديهم خيانته واختلاسه وسئل أحمد أفندي فحلف لأنه لا يعلم بشيء من ذلك وأن زوجته كانت زوجًا لإبراهيم المداد فلعل ذلك عندها من أيامه وسئلت هي أيضًا عن تحقيق ذلك فقالت الصحيح أن إبراهيم المداد كان اشترى هذه الدراهم من شخص مغربي عندما نهب عسكر المغاربة الضربخانة في وقت حادثة الأمراء المصرين وخروجهم من مصر عندما قامت عليهم عسكر الأتراك فلم يزيلوا الشبهة عن أحمد أفندي بل زادت وكانت هذه النادرة من عجائب الاتفاق فقدروا أثمانها وخصموها من المطلوب منه. وفي يوم الخميس عشرينه حصلت جمعية ببيت البكري وحضر المشايخ وخلافهم وذلك بأمر باطني من صاحب الدولة وتذاكروا ما يفعله قاضي العسكر من الجور والطمع في أخذ أموال الناس والمحاصيل وذلك أن القضاة الذين يأتون من باب السلطنة كانت لهم عوائد وقوانين قديمة لا يتعدونها في أيام الأمراء المصريين فلما استولت هؤلاء الأروام على الممالك والقاضي منهم فحش أمرهم وزاد طمعهم وابتدعوا بدعًا وابتكروا حيلًا لسلب أموال الناس والأيتام والأرامل وكلما ورد قاض ورأى ما ابتكره الذي كان قبله أحدث هو الآخر أشياء يمتاز بها عن سلفه حتى فحش الأمر وتعدى ذلك لقضايا أكابر الدولة وكتخدا بك بل والباشا وصارت ذريعة وأمرًا محتمًا لا يحتشمون منه ولا يراعون خليلًا ولا كبيرًا ولا جليلًا وكان المعتاد القديم أنه إذا ورد القاضي في أول السنة التوتية التزم بالقسمة بعض المميزين من رجال المحكمة بقدر معلوم يقوم بدفعه للقاضي وكذلك تقرير الوظائف كانت بالفراغ أو المحلول وله شهريات على باقي المحاكم الخارجة كالصالحية وباب سعادة والخرق وباب الشعرية وباب زويلة وباب الفتوح وطيلون وقناطر السباع وبولاق ومصر القديمة ونحو ذلك ولع عوائد وإطلاقات وغلال من الميري وليس له غير ذلك إلا معلوم الإمضاء وهو خمسة أنصاف فضة فإذا احتاج الناس في قضاياهم ومواريثهم أحضروا شاهدًا من المحكمة القريبة منهم فيقضي فيها ما يقضيه ويعطونه أجرته وهو يكتب التوثيق أو حجة المبايعة أو التوريث ويجمع العدة من الأوراق في كل جمعة أو شهر ثم يضيها من القاضي ويدفع له معلوم الإمضاء لا غير وأما القضايا لمثل العلماء والأمراء فبالمسامحة والإكرام وكان القضاة يخشون صولة الفقهاء وقت كونهم يصدعون بالحق ولا يداهنون فيه فلما تغيرت الأحوال وتحكمت الأتراك وقضاتها ابتدعوا بدعًا شتى. منها إبطال نواب المحاكم وإبطال القضاة الثلاثة خلاف مذهب الحنفي وأن تكون جميع الدعاوي بين يديه وبعد الانفصال يأمرهم بالذهاب إلى كتخداه ليدفع المحصول فيطلب منهم المقادير الخارجة عن المعقول وذلك خلاف الرشوات الخفية والمصالحات السرية وأضاف التقرير والقسمة لنفسه ولا يلتزم بها أحد من الشهود كما كان في السابق وإذا دعى بعض الشهود لكتابة توثيق أو مبايعة أو تركة فلا يذهب لا بعد أن يأذن له القاضي أو يصحبه بجوخدار ليباشر القضية وله نصيب أيضًا وزاد طمع هؤلاء الجوخدارية حتى لا يرضون بالقليل كما كانوا في أول الأمر وتخلف منهم أشخاص بمصر عن مخاديمهم وصاروا عند المتولي لما انفتح لهم هذا الباب وإذا ضبط تركة من التركات وبلغت مقدارًا أخرجوا للقاضي العشر من ذلك ومعلوم الكاتب والجوخدار والرسول ثم التجهيز والتكفير والمصرف والديون وما بقي بعد ذلك يقسم بين الورثة فيتفق أن الوارث واليتيم لا يبقى له شيء ويأخذ من أرباب الديون عشر ديونهم أيضًا ويأخذ من محاليل وظائف التقارير معلوم سنتين أو ثلاثة وقد كان يصالح عليها بأدنى شيء وإلا إكرامًا وابتدع بعضها الفحص عن وظائف القبانية والموازين وطلب تقاريرهم القديمة ومن أين تلقوها وتعلل عليهم بعدم صلاحية المقرر وفيها من هو باسم النساء وليسوا أهلًا لذلك وجمع من هذا النوع مقدارًا عظيمًا من المال ثم محاسبات نظار الأوقاف والعزل والتولية فيهم والمصالحات على ذلك وقرر على نصارى الأقباط والأروام قدرًا عظيمًا في كل سنة بحجة المحاسبة على الديور والكنائس ومما هو زائد الشناعة أيضًا أنه إذا ادعى مبطل على إنسان دعوى لا أصل لها بأن قال أدعي عليه بكذا وكذا من المال وغيره كتب المقيد ذلك القول حقًا كان أو باطلًا معقولًا أو غير معقول ثم يظهر بطلان الدعوى أو صحة بعضها فيطالب الخصم بمحصول القدر الذي ادعاه المدعي وسطره الكاتب يدفعه عليه للقاضي على دور النصف الواحد أو خلاف ما يؤخذ من الخصم الآخر وحصل نظيرها لبعض من هو ملتجئ لكتخدا بك فحبس على المحصول فأرسل الكتخدا يترجى في إطلاقه والمصالحة عن بعضه فأبى فعند ذلك حنق الكتخدا وأرسل من أعوانه من استخرجه من الحبس ومن الزيادات في نغمة الطنبور كتابة الإعلامات وهو أنه إذا حضر عند القاضي دعوى بقاصد من عند الكتخدا أو الباشا ليقضي فيها وقضى فيها لأحد الخصمين طلب المقضي له إعلامًا بذلك إلى الكتخدا أو الباشا يرجع به مع القاصد تقييدًا وإثباتًا فعند ذلك لا يكتب له الإعلام إلا بما عسى لا يرضيه إلا أن يسلخ من جلده طاقًا أو طاقين وقد حكمت عليه الصورة وتابع الباشا أو الكتخدا ملازم له ويستعجله ويساعد كتخدا القاضي عليه ويسليه على ذلك الظفر والنصرة على الخصم مع أن الفرنساوية الذين كانوا لا يتدينون بدين لما قلدوا الشيخ أحمد العريشي القضاء بين المسلمين بالمحكمة حددوا له حدًا في أخذ المحاصيل لا يتعداه بأن يأخذ على المائة اثنين فقط له منها جزء والكتاب جزء فلما زاد الحال وتعدى إلى أهل الدولة رتبوا هذه الجمعية فلما تكاملوا بمجلس بيت البكري كتبوا عرضًا محضرًا ذكروا فيه بعض هذه لإحداثات والتمسوا من ولي الأمر رفعها ويرجون من المراحم أن يجري القاضي ويسلك في الناس طريقًا من إحدى الطرق الثلاث أما الطريقة التي كان عليها القضاة في زمن الأمراء المصريين وأما الطريقة التي كانت في زمن الفرنساوية أو الطريقة التي كانت أيام مجيء الوزير وهي الأقرب والأوفق وقد اخترناها ورضيناها بالنسبة لما هم عليه الآن من الجور وتمموا العرض محضرًا وأطلعوا عليه الباشا فأرسله إلى القاضي فامتثل الأمر وسجل بالسجل على مضض منه ولم تسعه المخالفة. واستهل شهر جمادى الثانية سنة 1231 في منتصفه ورد الخبر بموت مصطفى بك دالي باشا بناحية الاسكندرية وهو قريب الباشا وأخو زوجته. واستهل شهر رجب الأصم بيوم الثلاثاء سنة 1231 في ثالثه يوم الخميس قبل الغروب حصل في الناس انزعاج ولغط ونقل أصحاب الحوانيت بضائعهم منها مثل سوق الغورية ومرجوش وخان الحمزاوي وخان الخليلي وغيرهم ولم يظهر لذلك سبب من الأسباب وأصبح الناس مبهوتين ولغطوا بموت الباشا وحضر آغات الينكجرية وآغات التبديل إلى الغورية وأقاما بطول النهار وهما يأمران الناس بالسكون وفتح الدكاكين وكذلك علي آغا الوالي بباب زويلة وأصبح يوم السبت فركب الباشا وخرج إلى قبة العزب وعمل رماحة وملعبًا ورجع إلى شبرا وحضر كتخدا بك إلى سوق الغورية وجلس بالمدفن وأمر بضرب شيخ الغورية فبطحوه على الأرض في وسط السوق وهو مرشوش بالماء وضربه الأتراك بعصيهم ثم رفعوه إلى داره ثم أمر الكتخدا بكتاية أصحاب الدكاكين الذين نقلوا متاعهم فشرعوا في ذلك وهرب الكثير منهم وحبسهم في داره ثم ركب الكتخدا ومر في كريقه على خان الحزاوي وطلب البواب فلما مثل بين يديه أمر بضربه كذلك وضرب أيضًا شيخ مرجوش وأما طائفة خان الخليلي ونصارى الحزاوي فلم يتعرض لهم. واستهل شهر شعبان بيوم الخميس سنة 1231 فيه من الحوادث أن بعض العيارين من السراق تعدوا على قهوة الباشا بشبرا وسرقوا جميع ما بالنصبة من الأواني والبكارج والفناجين والظروف فأحضر الباشا بعض أرباب الدرك بتلك الناحية وألزمه بإحضار السراق والمسروق ولا يبقبل له عذرًا في التأخير ولو يصالح على نفسه بخزينة أو أكثر من المال ولا يكون غير ذلك أبدًا وإلا نكل به نكالًا عظيمًا وهو المأخوذ بذلك فترجى في طلب المهلة فأمهله أيامًا وحضر بخمسة أشخاص أحضروا المسروق بتمامه لم ينقص منه شيء وأمر بالسراق فخوزقوهم في نواحي متفرقين بعد أن قرروهم على أمثالهم وعرفوا عن أماكنهم وجمع منهم زيادة على الخمسين وشنق الجميع في نواح متفرقة بالأقاليم مثل القليوبية والغربية والمنوفية. وفي منتصفه يوم الجمعة الموافق لرابع مسرى القبطي أوفى النيل أذرعه وفتح سد الخليج يوم السبت. وفيه وقع من النوادر أن امرأة ولدت مولودًا برأسين وأربعة أيد وله وجهان متقابلان والوجهان بكتفيهما مفروقان من حد الرأس وقيل لحد الصدر والبطن واحدة وثلاثة أرجل وإحدى الأرجل لها عشرة أصابع فيقال أنه قام يومًا وليلة حيًا ومات وشاهده خلق كثير وطلعوا به إلى القلعة ورآه كتخدا بك وكل من كان حاضرًا بديوانه فسبحان الخلاق العظيم. واستهل شهر رمضان بيوم الجمعة سنة 1231 حصل فيه من النوادر أن في تاسع عشره علق شخص عسكري غلامًا من أولاد البلد وصار يتبعه في الطرقات إلى أن صادفه ليلة بالقرب من جامع ألماس بالشارع فقبض عليه وأراد الفعل به في الطريق فخدعه الغلام وقال له إن كان ولا بد فادخل بنا في مكان لا يرانا فيه أحد من الناس فدخل معه درب حلب المعروف الآن بدرب الحمام خير بك حديد وهناك دور الأمراء التي صارت خرائب فحل العسكري سراويله فقال له الغلام أرني بتاعك فلعله يكون عظيمًا لا أتحمله جميعه وقبض عليه وكان بيده موسى مخفية في يده الأخرى فقطع ذكره بتلك الموسى سريعًا وسقط العسكري مغشيًا عليه وتركه الغلام وذهب في طريقه وحضر رفقاء ذلك العسكري وحملوه وأحضروا له سليمًا الجرائحي فقطع ما بقي من مذاكيره وأخذ في معالجته ومداواته ولم يمت العسكري. واستهل شهر شوال بيوم السبت سنة 1231 وكان حقه يوم الأحد وذلك أن أواخر رمضان حضر جماعة من دمنهور البحيرة وأخبروا عن أهل دمنهور أنهم صاموا يوم الخميس فطلب الباشا حضور من رأى الهلال تلك الليلة فحضر اثنان من العسكر وشهدا برؤيته ليلة الخميس فأثبتوا بذلك هلال رمضان ويكوت تمامه يوم الجمعة وأخبر جماعة أيضًا أنهم رأوا هلال شوال ليلة السبت وكان قوسه في حساب قواعد الأهلة تلك الليلة قليلًا جدًا ولم ير في ثاني ليلة منه إلا بعسر وإنما اشتبه على الرائين لأن المريخ كان مقارنًا للزهرة في برج الشمس من خلفها وبينهما وبين الشمس رؤيا بعدها في شعاع الشمس شبه الهلال فظن الراؤن أنه الهلال فلينتبه لذلك فإن ذلك من الدقائق التي تخفى على أهل الفطانة فضلًا عن غيرهم من العوام الذين يسارعون إلى إفساد العبادات حسبة بالظنون الكاذبة لأجل أن يقال شهد فلان ونحو ذلك. وفي أواخره قلد الباشا شخصًا من أقاربه يسمى شريف آغا على دواوين المبتدعات وضم إليه جماعة من الكتبة أيضًا المسلمين والأقباط وجعلوا ديوانهم ببيت أبي الشوارب وهمروه عمارة عظيمة وواظبوا الجلوس فيه كل يوم التحرير المبتدعات ودفاتر المكوس. واستهل شهر ذي القعدة سنة 1231 فيه انهدم جانب من السواقي التي أنشأها الباشا بشبرا على حين غفلة وقد قوي عليها النيل فتهدمت وتكسرت أخشابها وسقط معها أشخاص كانوا حولها فنجا منهم من نجا وغرق منهم من غرق وكان الباشا بقصر شبرا مقيمًا به وهو يرى ذلك وانقضت السنة وأخبار بعض حوادثها واستمرار ما تجدد فيها من المبتدعات التي لا حصر لها. ومنها الحجر على االمزارع التي يزرعها الفلاحون في الأراضي التي يدفعون خراجها من الكتاب والسمسم والعصفر والنيلة والقطن والقرطم وإذا بدا صلاحه لا يبيعون منه شيئًا كعادتهم وإنما يشتريه الباشا بالثمن الذي يفرضه ويقدره على يد أمناء النواحي والكشاف ويحملونه إلى المحل الذي يؤمرون بحمله إليه ويعطى لهم الثمن أو يحسب لهم من أصل المال فإن احتاجوا الشيء من ذلك اشتروه بالثمن الزائد المفروض وكذلك القمح والفول والشعير لا يبيعون منه شيئًا لغير طرف الباشا بالثمن المفروض والكيل الوافي. ومنها الأمر لكشاف الأقاليم بالمناداة العامة بالمنع لمن يأخذ أو يأكل من الفول الأخضر والحمص والحلبة وأن المعينين في الخدم والمباشرين وكشاف النواحي لا يأخذون شيئًا من الفلاحين كعادتهم من غير ثمن فمن عثر عليه يأخذ شيء واو رغيفًا أو تبنًا أو من جميع البهائم حصل له مزيد الضرر ولو كان من الأعاظم وكذلك الأمر بتكميم أفواه المواشي التي تسرح للمرعي حوالي الجسور والغيطان. ومنها أن نصرانيًا من الأرمن التزم بقلم الأبزار التي تأتي من بلاد الصعيد مثل الحبة السوداء والشمر والأنيسون والكمون والكراويا ونحو ذلك بقدر كبير من الأكياس ويتولى هو شراءها دون غيره ويبيعها بالثمن الذي يفرضه ومقدار ما التزم بدفعه من الأكياس للخزينة على ما بلغنا خمسمائة كيس وكانت في أيام الأمراء المصريين عشرة أكياس لا غير فلما تولى على وكالة دار السعادة صالح بك المحمدي زادها عشرة أكياس وكانت وكالة الأبزار والقطن وقفًا لمصطفى آغا السعادة سابقًا على خيرات الحرمين وخلافهما فلما كانت هذه الدولة تولاها شخص على مائتي كيس وعند ذلك سعر الأبزار أضعاف الثمن الأصلي ومن داخل الأبزار الثمر الإبريمي والسلطاني والخوص والمقاطف والسلب والليف وبلغ سعر المقطف الذي يسع الكيلة من البر خمسة وعشرين نصفًا وكان يباع بنصف أو نصفين إن كان جيدًا وفي الجملة أقل من ذلك. ومنها أن كرابيت معلم ديوان الكمرك ببولا فالتزم بمشيخة الحمامية وأحدث عليها وعلى توابعها حوادث وعلى النساء البلانات في كل جمعة قدرًا من الدراهم وجعل لنفسه يومًا في كل جمعة يأخذ إيراده من كل حمام. ومنها ما حصل في هذه السنة من شحة السابون وعدم وجوده بالأسواق ومع السراحين وهو شيء لا يستغني عنه الغني ولا الفقير وذلك أن تجارة بوكالة الصابون زادوا في ثمنه محتجين بما عليهم من المغارم والرواتب لأهل الدولة فأمر الكتخدا فيه بأمر ويسعر بثمن فيدعون الخسران وعدم الربح وتكرر الحال فيه المرة بعد المرة ويتشكون من قلة المجلوب إلى أن سعر رطله بستة وثلاثين نصفًا فلم يرتضوا ذلك وبالغوا في التشكي فطلب قوائمهم وعمل حسابهم وزادهم خمسة أنصاف في كل رطل وحلف أن لا يزيد على ذلك وهم مصممون على دعوى الخسران فأرسل من أتباعه شخصًا تركيًا لمباشرة البيع وعدم الزيادة فيأتي إلى الخان في كل يوم يباشر البيع على من يشتري بذلك الثمن لأربابه ويمكث مقدار ساعتين من النهار ويغلق الحواصل ويرفع البيع لثاني يوم وفي ظرف هاتين الساعتين تزدحم العسكر على الشراء ولا يتمكن خلافهم من أهل البلد من أخذ شيء وتخرج العسكر فيبيعون من الذي اشتروه على الناس بزيادة فاحشة فيأخذ الرطل بقرش ويبيعه على غيره بقرشين ورفع التشكي إلى كتخدا فأمر ببيعه عند باب زويلة في السبلين المواجه أحدهما للباب والبيل الذي أنشأته الست نفيسة المرادية عند الخان تجاه الجامع المؤيدي ليسهل على العامة تحصيله وشراؤه فلم يزداد الحال إلا عسرًا وذلك أن البائع يجلس داخل السبيل ويغلق عليه بابه ويتناول من خروق الشبابيك من المشتري الثمن ويناوله الصابون فازدحمت طوائف العسكر على الشراء ويتعلقون بأيديهم وأرجلهم على شبابيك السبيلين والعامة أسفلهم لا يتمكنون من أخذ شيء ويمنعون من يزاحمهم فيكون على السبيلين ضجة وصياح من الفريقين فلا يسع ابن البلد الفقير المضطر إلا أن يشتري من العسكري بما أحب وإلا رجع إلى منزله من غير شيء واستمر الحال على هذا المنوال أيامًا وفي بعض الأحايين يكثر وجود الصابون بين أيدي الباعة بوسط السوق ولا تجد عليه مزاحمة وأمام البائع كوم عظيم وهو ينتظر من يشتري وذلك في غالب الأسواق مثل الغورية والأشرفية وباب زويلة والبندقانيين والجهات الخارجة ثم يصبحون فلا يوجد منه شيء ويرجع الازدحام على السبيلين كالأول. ومنها أن الباشا أطلق المناداة في البلدة وندب جماعة من المهندسين والمباشرين للكشف على الدور والمساكن فإن وجدوا به أو ببعضه خللًا أمروا صاحبه بهدمه وتعميره فإن كان يعجز عن ذلك فيؤمر بالخروج منها وإخلائها ويعاد بناؤها على طرف الميري وتصير من حقوق الدولة وسبب هذه النكتة أنه بلغ الباشا سقوط دار ببعض الجهات ومات تحت ردمها ثلاثة أشخاص من سكانها فأمر بالمناداة وأرسل المهندسين والأمر بما ذكر فنزل بأهالي البلد من الكرب أمر عزيم مع ما هم فيه من الإفلاس وقطع الإيراد وغلو الأسعار على أن من كان له نوع مقدرة على الهدم والبناء لا يجد من أدواته شيئًا بحسب التحجير الواقع على أرباب الأشغال واستعمال الجميع في عمائر الباشا وأكابر الدولة حتى أن الإنسان إذا احتاج لبناء كانون لا يجد من يبنيه ولا يقدر على تحصيل صانع أو فاعل أو أخذ شيء من رماد الحمام إلا بفرمان ومن حصل شيئًا من ذلك على طريق السرقة في غفلة وعثر عليه نكلوا به وبرئيس الحمام وحمير الباشا وهي أزيد من ألفي حمار تنقل بالمزابل والسرقانيات طول النهار ما يوجد بالحمامات من الرماد وتنقل أيضًا الطوب والدبش والأتربة وأنقاض البيوت المنهدمة لمحل العمائر بالقلعة وغيرها فترى الأسواق والعطف مزدحمة بقطارات الحمير الذاهبة والراجعة وإذا هدم إنسان داره التي أمروه بهدمها وصل إليه في الحال قطار من الحمير لأخذ الطوب الذي يتساقط إلا أن يكون من أهل القدرة على منعهم وربما كانت هذه الأوامر حيلة على أخذ الأنقاض وأما الأتربة فتبقى بحالها حتى في طرق المارة للعجز عن نقلها فترى غالب الطرق والنواحي مردومة بالأتربة وأما الهدم ونقل الأنقاض من البيوت الكبار والدور الواسعة التي كانت مساكن الأمراء المصريين بكل ناحية وخصوصًا بركة الفيل وجهة الحبانية فهو مستمر حتى بقيت خرابًا ودعائم قائمة وكيمان هائلة واختلطت بها الطرق وأصبحت موحشة ولا ماري بها حتى لليوم بعد أن كانت مراتع غزلان فكنت كلما رأيتها أتذكر قول القائل: هذي منازل أقوام عهدتهم في خفض عيش نعيم ما له خطر صاحت بهم نوب الأيام فارتحلوا إلى القبور فلا عين ولا أثر وكذلك بولاق كانت نتزه الرفاق فإنه تسلط عليها سليمان آغا السلحدار وإسماعيل باشا في الهدم وأخذ أنقاض الأبنية ببر أنبابة والجزيرة الوسطى بين أنبابة وبولاق فإن سليمان آغا أنشأ بستانًا كبيرًا بين أنبابة وسوره وبنى به قصرًا وسواقي وأخذ يهدم أبنية بولاق من الوكائل والدور وينقل أحجارها وأنقاضها في المراكب ليلًا ونهارًا إلى البر الآخر وإسماعيل باشا كذلك أنشأ بستانًا وقصرًا بالجزيرة وشرع أيضًا في اتساع سرايته ومحل سكنه ببولاق وأخذ الدور والمساكن والوكائل من حد الشؤن القديم إلى آخر وكالة الأبزار العظيمة طولًا فيهدمون الدور وغيرها من غير مانع ولا شافع وينقلون الأنقاض إلى محل البناء وكذلك ولي خوجه شرع في بناء قصر بالروضة ببستان فهو الآخر يهدم ما يهدمه من مصر القديمة وينقل أنقاضه لبنائه وهلك قبل إتمامه وأما نصارى الأرمن وما أدراك ما الأرمن الذين هم أخصاء الدولة الآن فإنهم أنشؤا دورًا وقصورًا وبساتين بمصر القديمة لكنهم فهم يهدمون أيضًا وينقلون لأبنيتهم ما شاؤا ولا حرج عليهم وإنما الحرج والمنع والحجر والهدم على المسلمين من أهل البلدة فقط. ومنها أن الباشا أمر ببناء مساكن للعسكر الذين أخرجهم من مصر بالأقاليم يسمونها القشلات بكل جهة من أقاليم الأرياف لسكن العساكر المقيمين بالنواحي لتضررهم من الإقامة الطويلة بالخيام في الحر والبرد واحتياج الخيام في ما حين إلى تجديد وترقيع وكثير خدمة وهي جمع قشلة بكسر القاف وسكون الشين وهي في اللغة التركية المكان الشتوي لأن الشتاء في لغتهم يسمى قش بكسر القاف وسكون الشين فكتب مراسيم إلى النواحي بسائر القرى بالأمر لهم بعمل الطوب اللبن ثم حرقه وحمله إلى محل البناء وفرضوا على كل بلد وقرية فرضًا وعددًا معينًا فيفرض على القرية مثلًا خمسمائة ألف لبنة وأكثر بحسب كبر القرية وصغرها فيجمع كاشف الناحية مشايخ القرى ثم يفرض على كل شيخ قدرًا وعددًا من اللبن عشرين ألفًا أو ثلاثين ألفًا أو أكثر أو أقل ويلزم بضربها وحرقها ورفعها وأجلهم مدة ثلاثين يومًا وفرضوا على كل قرية أيضًا مقادير من أفلاق النخل ومقادير من الجريد ثم فرضوا عليهم أيضًا أشخاصًا من الرجال لمحل الأشغال والعمائر يستعملونهم في فعالة نقل أدوات لعمارة في النواحي حتى الاسكندرية وخلافها ولهم أجرة أعمالهم في كل يوم لكل شخص سبعة أنصاف فضة لا غير ولمن يعمل اللبن أجرة أيضًا ولثمن الأفلاق والجريد قدر معلوم لكنه قليل. ومنها أنه توجه الأمر لكشاف النواحي عند انكشاف الماء عن الأراضي بأن يتقدموا إلى الفلاحين بأن من كان زراعًا في العام الماضي فداني كنان أو حمص أو سمسم أو قطن فليزرع في هذه السنة أربعة أفدنة ضعف ما تقدم لأن المزارعين عزموا على عدم زراعة هذه الأشياء لما حصل لهم من أخذ ثمرات متاعهم وزراعاتهم التي دفعوا خراجها الزائد بدون القيمة التي كانوا يبيعون بها مع قلة الخراج الذي كانوا يماطلون فيه الملتزمين السابقين مع التظلم والتشكي فيزرع الزارع ما يزرعه من هذه الأشياء من التقاوى المتروكة في مخزنه ثم يبيع الفدان من الكتان الأخضر في غيطه إن كان مستعجلًا بالثمن الكثير وإلا أبقاه إلى تمام صلاحه فيجمعه ويدقه ويبيع ما يبيعه من البزر خاصة بأغلى ثمن ثم يتمم خدمته من التعطين والنشر والتمحير إلى أن يصفى وينظف من أدرانه وخشوناته وينصلح للغزل والنسج فيباع حينئذ بالأوقية والرطل وكذا القطن والنيلة والعصفر فلما وقع عليهم التحجير وحرموا من المكاسب التي كانوا يتوسعون بها في معايشهم باقتناء المواشي والحلي للنساء قالوا ما عدنا نزرع هذه الأشياء وظنوا أن يتركوا على هواهم ونسوا مكر أوليائهم فنزل عليهم الأمر والإلزام بزرع الضعف فضجوا وترجوا واستشفعوا ورضوا بمقدار العام الماضي فمنهم من سومح ومنهم من لم يسامح وهو ذو المقدرة وبعد إتمامه وكمال صلحه يؤخذ بالثمن المفروض على طرف الميري ويباع لمن يشتري من أربابه أو خلافهم بالثمن المقدر وربح زيادته لطرف حضرة الباشا مع التضييق والحجر البليغ والفحص عن الاختلاس فمن عثروا عليه باختلاس شيء ولو قليلًا عوقب عقابًا شديدًا ليرتدع خلافه والكتبة والموظفون لتحرير كل صنف ووزنه وضبطه في تنقلات أطواره وعند تسليم الصناع ونتج من ذلك وأثمر عزة الأشياء وغلو الأسعار على الناس منها أن المقطع القماش الذي كان ثمنه ثلاثين نصفًا بلغ سعره عشرة قروش مع عزة وجدانه بالأسواق المعدة لبيعه مثل سوق مجوش وخلافه خلا الطوافين به والثوب البطانة الذي كان ثمنه قرشين بلغ ثمنه شبعة قروش وأدركناه في الأزمان السابقة يباع بعشرين نصفًا وبلغ ثمن الثوب من البفتة المحلاوي أربعة عشر قرشًا وكان يباع فيما أدركنا بدكان التاجر بستين نصفًا وقس على ذلك وبسبب التحجير على النيلة غلا صبغ ثياب الفقراء حتى بلغ صبغ الذراع الواحد نصف قرش والله يلطف بحال خلقه وما دام توزون له امرأة مطاعة فالميل في الجمر. ومنها استمر التحجير على الأرز ومزارعه على مثل هذا النسق حيث أن الزراعين له التعبانين فيه لا يمكنون من أخذ حبة منه فيؤخذ بأجمعه لطرف الباشا بما قدره من الثمن ثم يخدم ويبيض في المداوير والمدقات والمناشر بأجرة العمال على طرفه ثم يباع بالثمن المفروض واتفق أن شخصًا من أبناء البلد يسمى حسين جلبي عجوة ابتكر بفكره صورة دائرة وهي التي يدقون بها الأرز وعمل لها مثالًا من الصفيح تدور بأسهل طريقة وقدم ذلك المثال إلى الباشا فأعجبه وأنعم عليه بدراهم وأمره بالمسير إلى دمياط ويبني بها دائرة ويهندسها برأيه ومعرفته وأعطاه مرسومًا بما يحتاجه من الأخشاب والحديد والمصرف ففعل وصح قوله ثم فعل أخرى برشيد وراج أمره بسبب ذلك. ومنها أن الباشا لما رأى هذه النكتة من حسين شلبي هذا قال أن في أولاد مصر نجابة وقابلية للمعارف فأمر ببناء مكتب بحوش السراية ويرتب فيه جملة من أولاد البلد ومماليك الباشا وجعل معلمهم حسن أفندي المعروف بالدرويش الموصلي يقرر لهم قواعد الحساب والهندسة وعلم المقادير والقياسات والارتفاعات واستخراج المجهولات مع مشاركة شخص رومي يقال له روح الدين أفندي بل وأشخاص من الإفرنج وأحضر لهم آلات هندسية متنوعة من أشغال الإنكليز يأخذون بها الأبعاد والإرتفاعات والمساحة ورتب لهم شهريات وكساوي في السنة واستمروا على الاجتماع بهذا المكتب وسموه مهندس خانه في كل يوم من الصباح إلى بعد الظهيرة يم ينزلون إلى بيوتهم ويخرجون في بعض الأيام إلى الخلاء لتعليم مساحات الأراضي وقياساتها وهو الغرض المقصود للباشا. ومنها استمرارا الإنشاء في السفن الكبار والصغار لنقل الغلال من قبلي وبحري لناحية الإسكندرية لتباع على الإفرنج من سائر أصناف الحبوب فيشحنون السفن من سواحل البلاد القبلية وتأتي إلى ساحل بولاق ومصر القديمة فيصبونها كيمانًا هائلة عظيمة صاعدة في الهواء فتصل المراكب البحرية لنقلها فتصبح ولا يبقى شيء منها ويأتي غيرها وتعود كما كانت بالأمس ومثل ذلك بساحل رشيد وأما الحبوب البحرية فإنها لا تأتي إلى هذه السواحل بل تذهب من سواحلها إلى حيث هي برشيد ثم إلى الإسكندرية ولما بطل البغاز جمعوا الحمير الكثيرة والجمال ينقلون عليها على طريق البر بالأجرة القليلة فكانت تموت من قلة العلف ومشقة الطريق وتوثق بها السفن الواصلة بالطلب إلى بلاد الإفرنج بالثمن عن كل أردب من البر ستة آلاف فضة وأما الفول والشعير والحلبة والذرة وغيرها من الحبوب والأدهان فأسعارها مختلفة ويعوض بالبضائع والنقود من الفرانسة معبأة في صناديق صغيرة تحمل الثلاثة منها على بعير إلى الخزينة وهي مصفحة بالحديد يمرون بها قطارات إلى القلعة وعند قلة الغلال ومضي وقت الحصاد يتقدم إلى كشاف النواحي القبلية والبحرية بفرض مقادير من الغلال على البلدان والقرى فيلزمون مشايخ البلدان بما تقرر على كل بلد م القمح والفول والذرة ليجمعوه ويحصلوه من الفلاحين وهم أيضًا يعملون بفلاحي بلادهم ما يعملون بجورهم وأغراضهم ويأخذون الأقوات المدخرة للعيال وذلك بالثمن عن كل أردب من البر ثمانية ريالات يعطى له نصفها ويبقى له النصف الثاني ليحسب له من أصل المال الذي سيطالب به في العام القابل. ومنها أن الباشا سنح له أن ينشئ بالمحل المعروف برأس الوادي بشرقية بلبيس سواقي وعمارات ومزارع وأشجار توت وزيتون فذهب هناك وكشف عن أراضيه فوجدها متسعة وخالية من المزارع وهي أراضي رمال وأودية فوكل أناسًا لإصلاحها وتمهيدها وأن يحفروا بها جملة من السواقي تزيد عن الألف ساقية ويبنوا أبنية ومساكن ويزرعوا أشجار التوت لتربية دود القز وأشجارًا كثيرة من الزيتون لعمل الصابون وشرعوا في العمل والحفر والبناء وفي إنشاء توابيت خشب للسواقي تصنع ببيت الجبجي بالتبانة وتحمل على الجمال إلى رأس الوادي شيئًا بعد شيء وأمر أيضًا ببناء جامع الظاهر بيبرس خارج الحسينية وأن يعمل مصبنة لصناعة الصابون وطبخه مثل الذي يصنع ببلاد الشام وتوكل بذلك السيد أحمد بن يوسف فخر الدين وعمل به أحواضًا كبيرة للزيت والقلي. ومن المتجددات أيضًا محل بخطة تحت الربع يعمل به وتسبك أوان ودسوت من النحاس في غاية الكبر والعظم. ومنها شغل البارود وصناعته بالمكان والصناع المعدة لذلك بجزيرة الروضة بالقرب من المقياس بعد أن يستخرجوه من كيمان السباخ في أحواض مبنية ومخففة ثم يكررونه بالطبخ حتى يكون ملحه غاية في البياض والحدة كالذي يجلب من بلاد الإنكليز والمتقيد كبيرًا على صناعة شخص أفرنكي ولهم معاليم تصرف في كل شهر ومكان أيضًا بالقلعة عند باب الينكجرية لسبك المدافع وعملها وقياساتها وهندستها والبنبات وارتفاعها ومقاديرها وسمى ذلك المكان بالطبخانة وعليه رئيس وكتبة وصناع ولهم شهريات. ومنها شدة رغبة الباشا في تحصيل الأموال والزيادة من ذلك من أي طريق بعد استيلائه على البلاد والإقطاعات والرزق الأحباسية وإبطال الفراغ والبيع والشراء والمحلول عن الموتى من ذلك والعلوفات وغلال الأنبار ونحو ذلك فكل من مات عن حصته أو رزقته أو مرتب انحل بموته ما كان على اسمه وضبطه وأضيف إلى ديوانه ولو له أولادًا وكان هو كتبه باسم أولاده وماتت أولاده قبله انحل عنه وأصبح هو وأولاده من غير شيء فإن عرض حاله على الباشا أمر بالكشف عن إيراده فإن وجدوا بالدفاتر جهة أو وظيفة أخرى قيل له هذه تكفيك وإن لم يوجد في حوزه خلافها أمر له بشيء يستغله من أقلام المكوس إما قرش أو نصف قرش في كل يوم أو نحو هذا مع التفاته ورغبته في أنواع النجارات والشركات وإنشاء السفن ببحر الروم والقلزم وأقام له وكلاء بسائر الأساكل حتى ببلاد فرانسة والإنكليز ومالطة وإزمير وتونس والنابلطان والونديك والبنادقة واليمن والهند وأعطى أناسًا جملًا عظيمة من أموال يسافرون بها ويجلبون البضائع وجعل لهم الثلث في الربح في نظير شفرهم وخدمتهم فمن ذلك أنه أعطى للرئيس حسن المحروقي خمسمائة ألف فرانسة يسافر بها إلى الهند ويشتري البضائع الهندية ويأتي بها إلى مصر ولشخص نصراني أيضًا ستمائة ألف فرانسة وكذلك لمن يذهب إلى بيروت وبلاد الشام لمشترى القز والحرير وغير ذلك وعمل بمصر أماكن ومصانع لنسج القطاني التي يتخذها الناس في ملابسهم من القطن والحرير وكذلك الجنفس والصندل واحتكر ذلك بأجمعه وأبطل دواليب الصناع لذلك ومعلميهم وأقامهم يشتغلون وينسجون في المناسج التي أحدثها بالأجرة وأبطل مكاسبهم أيضًا وطرائقهم التي كانوا عليها فيأخذ من ذلك ما يحتاجه في اليلكات والكساوى وما زاد يرميه على التجار وهم يبيعونه على الناس بأغلى ثمن وبلغ ثمن الدرهم من الحرير خمسة وعشرين نصفًا بعد أن كان يباع بنصفين. ومنها أنه أبطل ديوان المنجرة وهي عبارة عما يؤخذ من المعاشات وهي المراكب التي تغدو وتروح لموارد الأرياف مثل شيبين الكوم وسمنود والبلاد البحرية وعليها ضرائب وفرائض للملتزم بذلك وهو شخص يسمى عليا الجزار وسبب ذلك أن معظم المراكب التي تصعد ببحر النيل وتنحدر من إنشاء الباشا ولم يبق لغيره إلا القليل جدًا والعمل والإنشاء بالترسخانة مستمر على الداوم والرؤساء والملاحون يخدمون فيها بالأجرة وعمارة خللها وأحبالها وجميع احتياجاتها على طرف الترسخانة ولذلك مباشرون وكتاب وأمناء يكتبون ويقيدون الصادر والوارد وهذه الترسخانة بساحل بولاق بها الأخشاب الكثيرة والمتنوعة وما يصلح للعمائر والمراكب ويأتي إليها المجلوب من البلاد الرومية والشامية فإذا ورد شيء من أنواع الأخشاب سمحوا للخشابة بشيء يسير منها بالثمن الزائد ورفع الباقي إلى الترسخانة وجميع الأخشاب الواردة والأحطاب جميعها في متاجر الباشا وليس لتجارها إلا ما كان من داخل متاجره وهو القليل. ومن النوادر أنه وصل إلى بلاد الإنكليز سواقي بآلات الحديد تدور بالماء فلم يستقم لها دوران على بحر النيل. ومنها أنه أنشأ جسرًا ممتدًا من ناحية قنطرة الليمون على يمنة السالك إلى طريق بولاق متصلًا إلى شبرا على خط مستقيم وزرعوا بحافتية أشجار التوت وعلى هذا النسق جسور بطرق الأرياف والأقاليم. ومنها أن اللحم قل وجوده من أول شهر رجب إلى غاية السنة وغلا سعره مع رداءته وهزاله حتى بيع الرطل بعشرين نصفًا وأزيد وأقل مع ما فيه من العظام وأجزاء السقط والشغت وسبب ذلك رواتب الدولة وأخذها بالثمن القليل فيستعوض الجزارون خسارتهم من الناس وكان البعض من العسكر يشتري الأغنام ويذبحها ويبيعها بالثمن الغالي وينقص الوزن ولا يقدر ابن البلد على مراجعته. ومنها أن إبراهيم آغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا قلده الباشا كشوفية المنوفية فمن أفاعيله أنه يطلب مشايخ البلدة أو القرية فيسأل الشخص منهم على من شيخه فيقول أستاذ البلدة فيقول له في أي وقت فيقول سنة كذا فيقول وما الذي قدمته له في سياختك ويهدده أو يحبسه على الإنكار أو يخبر من بادئ الأمر ويقول أعطيته كذا وكذا إما دراهم أو أغنامًا فيأمر الكاتب بتقييده وتحريره وضبطه على الملتزم وسطر بذلك دفترًا وأرسله إلى الديوان ليخصم على الملتزمين من فائظهم المحرر لهم بالديوان فيتفق أن المحرر عليه يزيد على القدر المطلوب له فيطالب الباقي أو يخصم عليه من السنة القابلة. ومنها التحجير على القصب الفارسي فلا يتمكن أحد من شراء شيء منه ولو قصبة واحدة إلا بمرسوم من كتخدا بك فمن احتاج منه في عمارة أو شباك أو لدوارات الحرير أو أقصاب الدخان أخذ فرمانًا بقدر احتياجه واحتاج إلى وسائط ومعالجات واحتجاجات حتى يظفر بمطلوبه. ومنها وهي من محاسن الأفعال أن الباشا أعمل همته في إعادة السد الأعظم الممتد الموصل إلى الإسكندرية وقد كان اتسع أمره وتخرب من مدة سنين وزحف منه ماء البحر المالح وأتلف أراضي كثيرة وخربت منه قرى ومزارع وتكلت بسببه الطرق والمسالك وعجزت الدول في أمره ولم يزل يتزايد في التهور وزحف المياه المالحة على الأراضي حتى وصلت إلى خليج الأشرفية التي يمتلئ منها صهاريج الثغر فكانوا يجسرون عليه بالأتربة والطين فلما اعتنى الباشا بتعمير الإسكندرية وتشييد أركانها وأبراجها وتحصينها ولم تزل بها العمارات اعتنى أيضًا بأمر الجسر وأرسل إليه المباشرين والقومة والرجال والفعلة والنجارين والبنائين والمسامير وآلات الحديد والأحجار والمؤن والأخشاب العظيمة والسهوم والبراطيم حتى تممه وكان له مندوحة لم تكن لغيره من ملوك هذه الأزمان فلو وفقه الله لشيء من العدالة على ما فيه من العزم والرياسة والشهامة والتدبير والمطاولة لكان أعجوبة زمانه وفريد أوانه وأما أمر المعاملة فلم يزل حالها في التزايد حتى وصل صرف الريال الفرانسة إلى تسعة قروش وهو أربعة أمثال الريال المتعارف ولما بطل ضرب القروش من العام الماضي ضربوا بدلها أنصاف قروش وأرباعها وأثمانها وتصرف بالفرط والأنصاف العددية لا وجود لها بأديد الناس إلا ما قل جدًا فإذا أراد إنسان منها دفع في إبدالها عشرة قروش عنها أربعمائة نصف فضة زيادة على المبدل إن كان ذهبًا أو فرانسة أو قروشًا ووصل صرف البندقي إلى ثمانمائة نصف والمجر ثمانية عشر قرشًا والمحبوب المصري إلى أربعمائة والإسلامبولي إلى أربعمائة وثمانين كل ذلك أسماء لا مسميات لانعدام الأنصاف مع أنه يضرب منها المقادير والقناطير يأخذها التجار الشاميون والروميون بالفرط ثم يرسلونها متاجر بدلًا عن البضائع لأن الريال في تلك البلاد صرفه ثلاثمائة نصف فقط فيكون فيه الربح ستون نصفًا في كل ريال ولما علم الباشا ذلك جعل يرسل لوكلائه بالشام في كل شهر ألف كيس من الفضة العددية ويأتيه بدلها فرانسة فيضيف عليها ثلاثة أمثالها نحاسًا ويضربها فضة عددية فيربح فيها ربحًا بدون حاء عظيمًا وهكذا من هذا الباب فقط. ومن حوادث السنة الآفاقية واقعة الإنكليز مع أهل الجزائر وهو أن لأهل الجزائر صولة واستعدادًا وغزوات في البحر ويغزون مراكب الإفرنج ويغتنمون منها غنائم ويأخذون منهم أسرى وتحت أيديهم من أسارى الإنكليز وغيرهم شيء كثير ومينتهم حصينة يدور بها سور خارج في البحر كنصف الدائرة في غاية الضخامة والمتانة ذو أبراج مشحونة بالمدافع والقنابر والمرابطين والمحاربين ومراكبهم من داخله فوصل إليهم بعض مراكب الإنكليز ومعهم مرسوم من السلطان العثماني ليفتدوا أساراهم بمال فأعطوهم ما يزيد عن الألف أسير ودفعوا عن ك رأس أسير مائة وخمسين فرانسًا ورجعوا من حيث أتوا وبعد مدة وصل منهم بعض سافئن إلى خارج المينا رافعين أعلام السلم والصلح فعبروا داخل المينا من غير ممانع ونزل منهم أنفار في فلوكة وبيدهم مرسوم بطلب باقي الأسرى فامتنع حاكمهم من ذلك وترددوا في المخاطبات وفي أثناء ذلك وصلت عدة مراكب من مراكبهم وشلنبات وهي المراكب الصغار لمعدة للحرب وعبروا مع مساعدة الريح إلى المينا وأثاروا الحرب والضراب بطرائقهم المستحدثة فأحرقوا مراكب أهل الجزائر مع المضاربة أيضًا من أهل المدينة مع تأخر استعدادهم وسرعة استعداد الخصم ومدافع الأبراج الداخلة لا تصيب الشلنبات الصغيرة المتسفلة وهم لا يخطؤون ثم هم في شدة الغارة والحرب إذ قيل للحاكم بأن عساكره الأتراك تركوا المحاربة واشتغلوا بنهب البلدة وإحراق الدور فقط في يده واحتار في أمره ما بين قتال العدو الواصل أو قتال عسكره ومنعهم وكفهم عن النهب والإحراق والفساد وهذا شأنهم فلم يسعه إلا خفض الأعلام وطلب الأمان من الإنكليز فعند ذلك أبطلوا الحرب وكفوا عن الضراب وترددوا في الصلح على شرائطهم التي منها تسليم بواقي الأسرى واسترداد المال الذي سلموه في الفداء السابق حالًا من غير مهلة فكان ذلك وتسلموا الأسرى وفيهم من كان صغيرًا وأسلم وقرأ القرآن واتفقوا على المتاركة والمهلة زمنًا مقداره ستة أشهر ورجعوا إلى بلادهم بالظفر والأسرى والأمر لله وحده ثم أن الجزائرلية اجتهدوا في تعمير ما تهدم وتخرب من السور والأبراج والجامع في الحرب وكذلك ما أخربه عساكرهم الذين هم أعدى من الأعداء وأضر ما يكون على الإسلام وأهله وصارت الأخبار بذلك في الآفاق وأمدهم سلطان المغرب مولاي سليمان وبعث إليهم مراكب عوضًا عن الذي تلف من مراكبهم فأرسل إليهم معمرين وأدوات ولوازم عمارات وكذلك حاكم تونس وغيرها ومن السلطان العثماني أيضًا ولم يتفق فيما نعلم لأهل الجزائر مثل هذه الحادثة الهائلة ولا أشنع منها وكانت هذه الواقعة غرة شهر شوال من السنة وهو يوم عيد الفطر وكان عيدًا في غاية الشناعة ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وأما
|