الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» **
ومات أبنه الأمير إبراهيم بك تولى الإمارة بعد أبيه وطلع أميرًا على الحج سنة ثلاث ومائة وألف وتحارب مع العرب تلك السنة في مضيق الشرفة فكانت معركة عظيمة وامتنع العرب من حمل غلال الحرمين فركب عليهم هو ودرويش بك وكبس عليهم آخر الليل عند الجبل الأحمر وساقوا منهم نحو ألف بعير ونهب بيوتهم وأحضر الجمال إلى قراميدان وأحضر أيضًا بدنة أخرى شالوا معهم الغلال والقافلة. وولى من طرفه إبراهيم آغا الصعيدي زعيم مصر أخاف الناس وصار له سمعة وهيبة وطلع بالحج بعد ذلك ثلاث مرار في أمن وأمان. وتاقت نفسه الرئاسة ولا يتم له ذلك إلا بملك باب مستحفظان وكان بيد القاسمية فأعمل حيلة بمعضدة حسن آغا بلغيه وإغراء علي باشا والي مصر حين ذاك فقلد رجب كتخدا مستحفظان وسليم أفندي صناجق ثم عملوا دعوة على سليم بك المذكور انحط فيها الأمر على حبسه وقتله. فلما رأى رجب بك ذلك ذهب إلى إبراهيم بك واستعفى من الإمارة فقلده سردار جداوي وسافر من القلزم وتوفي بمكة وخلف ولد اسمه باكير حضر إلى مصر بعد ذلك ولما قتل سليم بك المذكور لا عن وارث ضبط مخلفاته الباشا لبيت المال وأخذوا جميع ما في بيته الذي بالأزبكية المجاور لبيت الدادة أبي قاسم الشرايبي وهو الذي اشتراه القاضي مواهب أبو مدين جربجي عزبان في سنة أربع ومائة وألف. وقتلوا أيضًا خليل كتخدا المعروف بالجلب وقلدوا كجك محمد باشا أوده باشا وصار له كلمة وسمعة ونفى مصطفى كتخدا القازدغلي إلى أرض الحجاز. وصفا الوقت لإبراهيم بك وكجك محمد من طرفة في باب مستحفظان فعزم على قطع بيت القاسمية فأخرج ايواظ بك إلى إقليم البحيرة وقاسم بك إلى جهة بني سويف وأحمد بك إلى المنوفية. وخلا له الجو وانفرد بالكلمة في مصر وصار منزله بدرب الجماميز مفتوحًا ليلًا ونهارًا لقضاء الحوايج مع مشاركة الأمير حسن آغا بلغيه ثم أنه عزم على قتل إبراهيم بك أبي شنب واتفق مع الباشا على ذلك بحجة المال والغلال التي عليه فلم يتم ذلك ولم يزل المترجم أميرًا على الحج إلى أن مات في فصل الشحاتين سنة ستع ومائة وألف وطلع بالحج خمس مرات. ومات الأمير اسمعيل بك الكبير الفقاري تابع حسن بك الفقاري وصهر حسن آغا بلغيه تولى الدفتردارية ثلاث سنين وسبعة أشهر ثم عزل وسافر أميرًا على عسكر السفر إلى الروم ورجع إلى مصر وأعيد إلى الدفتردارية ثانيًا ولم يزل حتى مات سنة تسع عشرة ومائة وألف فجأة ليلة السبت تاسع عشري المحرم وكانت جنازته حافلة وخلف ولده محمد بك تولى بعده الإمارة وطلع بالحج سنة سبع وثلاثين ومائة وألف. ومات الأمير حسن آغا بلغيه الفقاري آغات ككللويان وأصله رومي الجنس تابع محمد جاويش فياله تولى أغاوية العزب سنة خمس وثمانين وألف ثم عمل متفرقة باشا سنة تسع وثمانين وألف ثم عزل عنها وتقلد أغات ككللويان سنة ثلاث وتسعين وألف وكان أميرًا جليلًا ذا دهاء ورأي وكلمة مسموعة نافذة بأرض مصر صاحب سطوة وشهامة وحسن تدبير ولا يكاد يتم أمر من الأمور الكلية والجزئية إلا بعد مراجعته ومشورته وكل من انفرد بالكلمة في مصر يكون مشاركًا له وتزوج بابنة اسمعيل بك الكبير المذكورآنفًا وولد له منها ابنه محمد بك الآتي ذكره الذي تولى إمارة الحج في سنة سبع وثلاثين ومائة وألف ومصطفى كتخدا القازدغلي جد القازدغلية كان أصله سراجًا عنده وهو الذي رقاه حتى صار إلى ما صار إليه. وتفرعت عنه شجرة القازدغلية وغالب أمراء مصر وحكامها يرجعون في النسبة إلى أحد البيتين وهم بيت بلغيه وبيت رضوان بك صاحب العمارة المتوفى سنة خمس وستين وألف. ولم يترك أولادًا بل ترك حسن بك أمير الحاج المتقدم ذكره ولاجين بك حاكم الغربية وهو صاحب السويقة المنسوبة إليه وأحمد بك أباظه وشعبان بك أبا سنة وقيطاس بك جركس وقانصوه بك وعلي بك الصغير وحمزة بك هؤلاء قتلوا بعده في فتنه القاسمية بالطرانة. وأما أمراؤه الذين يقتلوا واستمروا أمراء بمصر مدة طويلة فهم محمد بك حاكم جرجا وذو الفقار بك الماحي الكبير وكان رضوان بك هذا وافر الحرمة مسموع الكلمة تولى إمارة الحج عدة سنين وكان رجلًا صالحًا ملازمًا للصوم والعبادة والذكر وهو الذي عمر القصبة المعروفة به خارج باب زويلة عند بيته ووقف وقفًا على عتقائه وعلى جهات بر وخيرات وكان من الفقارية. وأما رضوان بك أبو الشوارب القاسمي وهو سيد ايواظ بك فظهر بعد موت رضوان بك المذكور وانفرد بالكلمة بمصر مع مشاركة قاسم بك جركس وأحمد بك بشناق الذي كان بقناش السباع وهو قاتل الفقارية بالطراثة وهو أيضًا عم إبراهيم بك بشيناق المعروف بأبي شنب سيد محمد جركس الآتي ذكره. ومات قاسم بك هذا سنة اثنتين وسبعين وألف وهو دفتردار بعد عزله من إمارة الحج وانفرد بعد رضوان بك أبي الشوارب أحمد بك. ثم مات رضوان بك عن ولده أزبك بك وانفرد أحمد بك بشناق بإمارة مصر نحو سبعة أشهر فطلع يوم عرفه يهني شيطان إبراهيم باشا باليد فغدره وقتلوه بالخناجر أواخر سنة اثنتين وسبعين وألف ولم يزل حسن آغا لغيه المترجم حتى توفي سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه وعمره نحو تسعين سنة. ولما مات حسن آغا انفرد بالكلمة بعده صهره اسمعيل بك وخضعت له الرقاب مشاركة إبراهيم بك أبي شنب بضعف. ومات الأمير مصطفى كتخدا القازدغلي تابع الأمير حسن آغا بلغيه أصله رومي الجنس حضر إلى مصر وخدم عند حسن أغا المذكور ورقاه ولم يزل حتى تقلد كتخدا مستحفظان فلما حصل ما تقدم وتقلد كجك محمد باش أوده باشا بالباب خمل ذكر مصطفى كتخدا وخمدت شهرته ثم نفاه كجك محمد إلى الحجاز فأقام سنتين إلى أن ترجى حسن آغا عند إبراهيم بك أمير الحاج وكجك محمد في رجوعه فردوه إلى مصر فأقام مع كجك محمد خاملًا فأغرى به رجلًا سجماني كان عنده بناحية طلخا يضرب نشابًا فضرب كجك محمد من شباك الجامع بالمحجر فأصابه وملك مصطفى كتخدا باب مستحفظان ذلك اليوم ونفى وقتل وفرق من يخشى طرفه وصفا له الوقت إلى أن مات على فراشه سنة خمس عشرة ومائة وألف. ومات كجك محمد المذكور باش أوده باشا وكان له سمعة وشهرة وحسن سياسة. ولما قصر مد النيل في سنة ست ومائة وألف وشرقت البلاد وكان القمح بستين نصفًا فضة الاردب فزاد سعره وبيع باثنتين وسبعين فضة نزل كجك محمد إلى بولاق وجلس بالتكية وأحضر الأمناء ومنعهم من الزيادة عن الستين وخوفهم وحذرهم وأجلس بالحملة اثنين من القابجية ويرسل حماره كل يومين أو ثلاثة مع الحمار يمشي به جهة الساحل ويرجع فيظنون أن كجك محمد ببولاق فلا يمكنهم زيادة في ثمن الغلة. فلما قتل كما ذكر بيع القمح في ذلك اليوم بمائة نصف فضة ولم يزل يزيد حتى بلغ ستمائة نصف فضة. ومما اتفق له أن بعض التجار بسوق الصاغة أراد الحج فجمع ما عنده من الذهبيات والفضيات واللؤلؤ والجواهر ومصاغ حريمه ووضعه في صندوق وأودعه عند صاحب له بسوق مرجوس يسمى الخواجا علي الفيومي بموجب قائمة أخذها معه مع مفتاح الصندوق وسافر إلى الحجاز وجاور هناك سنة ورجع مع الحجاج وحضر إليه أحبابه وأصحابه للسلام عليه. وانتظر صاحبه الحاج علي الفيومي فلم يأته فسأل عنه فقيل له أنه طيب بخير فأخذ شيئًا من التمر واللبان والليف ووضعه في منديل وذهب إليه ودخل عليه ووضع بين يديه ذلك المنديل فقال له: من أنت فإني لا أعرفك قبل اليوم حتى تهاديني. فقال له: أنا فلان صاحب الصندوق الأمانة فجحد معرفته وأنكر ذلك بالكلية ولم يكن بينه وبينه بينة تشهد بذلك فطار عقل الجوهري وتحير في أمره وضاق صدره فأخبر بعض أصحابه فقال له: اذهب إلى كجك محمد أوده باشه. فذهب إليه وأخبره بالفضة فأمره أن يدخل إلى المكان الداخل ولا يأتي إليه حتى يطلبه وأرسل إلى علي الفيومي. فلما حضر إليه بش في وجهه ورحب به وآنسه بالكلام الحلو ورأى في يده سبحة مرجان فأخذها من يده يقلبها ويلعب بها ثم قام كأنه يزيل ضرورة وأعطاها لخادمه وقال له: خذ خادم الخواجا صحبتك واترك دابته هنا عند بعض الخدم واذهب صحبة الخادم إلى بيته وقف عند باب الحريم وأعطهم السبحة إمارة وقل لهم أنه اعترف بالصندوق والأمانة. كلما رأوا الإمارة والخادم لم يشكوا في صحة ذلك وعندما رجع كجك محمد إلى مجلسه قال للخواجا: بلغني أن رجلًا جواهرجي أودع عندك صندوقًا أمانة ثم طلبه فأنكرته. فقال: لا وحياة رأسك ليس له أصل وكأني اشتبهت عليه أو أنه خرفان وذهلان ولا أعرفه قبل ذلك ولا يعرفني. ثم سكتوا وإذا بتابع الأوده والخادم داخلين بالصندوق على حمار فوضعوه بين أيديهما فامتقع وجه الفيومي وأسفر لونه فطلب الأوده باشه صاحب الصندوق فحضر فقال له: هذا صندوقك قال له: نعم. قال له: عندك قائمة بما فيه قال: معي. وأخرجها من جيبه مع المفتاح فتناولها الكاتب وفتحوا الصندوق وقابلوا ما فيه على موجب القائمة فوجده بالتمام. فقال به: خذ متاعك واذهب. فأخذه وذهب إلى داره وهو يدعو له ثم التفت إلى الخواجا علي الفيومي وهو ميت في جلده ينتظر ما يفعل به فقال له صاحبالأمانة: أخذها وأيش جلوسك فقام وهو ينفض غبار الموت وذهب. واتفق أن أحمد البغدادي أقام مدة يرصد المترجم يمر من عطفة النقيب ليضربه ويقتله إلى أن صادفه فضربه بالبندقية من الشباك فلم تصبه وكسرت زاوية حجر وأخبروه أنها من يد البغدادلي فأعرض عن ذلك وقال: الرصاص مرصود والحي ماله قاتل. وتقلد باش أوده باشه سنة خمس وثمانين وألف فتحركت عليه طائفته وأرادوا قتله فخرج من وجاقه إلى وجاق آخر وعمل شغله في قتل كبار المتعصبين عليه وهم ذو الفقار كتخدا وشريف أحمد باشجاويش باتفاق مع عابدي باشا المتولي إذ ذاك خفية فقتل الباشا الشريف أحمد جاويش في يوم الخميس خامس الحجة سنة تسع وثمانين وألف وهرب ذو الفقار إلى طندتا فأرسلوا خلفه فرمانًا خطابًا لاسمعيل كاشف الغربية بقتله فركب إلى طندتا وقتله وأرسل دماغه وذلك بعد موت أحمد جاويش بعشرة أيام ورجع كجك محمد إلى مكانه كما كان واستمر مسموع الكلمة ببابه إلى أن ملك الباب جربجي سليمان كتخدا مستحفظان في سنة أربع وتسعين وألف. ونفى كجك محمد إلى بلاد الروم ثم رجع في سنة خمس وتسعين وألف بسعاية بعض أكابر البلكات بشرط أن يرجع إلى لبس الضلمة ولا يقارش في شيء فاستمر خامل الذكر إلى أن مات جربجي سليمان على فراشه فعند ذلك ظهر أمر المترجم وعمل باش أوده باشا كما كان ولم يزل إلى سنة سبع وتسعين وألف فاستوحش من سليم أفندي كاتب كبير مستحفظان ورجب كتخدا فانتقل إلى وجاق جمليان وعمل جربجي وسافر هجان باشا ثم رجع إلى بابه سنة تسع وتسعين وألف كما كان بمعاضدة إبراهيم بك الفقاري واتفق معه على هلاك سليم أفندي ورجب كتخدا فولوهما الصنجقية وقتلوهما كما ذكر. وكان سليم أفندي المذكور قاسمي النسبة واستمر كجك محمد مسموع الكلمة نافذ الحرمة إلى أن قتل غيلة كما ذكر في طريق المحجر في يوم الخميس سابع المحرم سنة ست ومائة وألف. ومات الأمير عبد الله بك بشناق الدفتردار تولى الدفتردارية سنة ثلاث ومائة وألف ثم عزل عنها بعد خمسة أشهر وعشرين يومًا وسافر أميرًا على العسكر إلى الروم ورجع إلى مصر وتولى قائمقام عندما عزل حسن باشا السلحدار في سنة اثنتين وذلك قبل سفره وحضر أحمد باشا ثم عزل بعد ذلك المترجم من الدفتردارية واستمر أميرًا إلى أن مات سنة خمس عشرة ومائة وألف على فراشه. ومات الأمير سليمان بك الأرمني المعروف ببارم ذيله تولى الصنجقية سنة اثنتين ومائة وألف وكان وجيهًا ذا مال وخدم ومماليك وتولى كشوفيات المنوفية والغربية مرارًا عديدة ولم يزل في إمارته إلى أن توفي على فراشه سنة إحدى وعشرين ومائة وألف وخلف ولدًا يسمى عثمان جلبي تقلد إمارة والده بعده وكان جميلًا وجيهًا حاذقًا يحب مطالعة الكتب ونشد الأشعار وتقلد كشوفية المنوفية والغربية والبحيرة وكان فارسًا شجاعًا ولم يزل حتى هرب مع من هرب في واقعة محمد بك قطامش سنة ستع وعشرين ومائة وألف فاختفى بمصر ونهب بيته واستمر مخفيًا إلى أن مات بالطاعون سنة ثلاثين ومائة وألف وخرجوا بمشهده جهارًا ومات وعمره سبع وثلاثون سنة. ومات الأمير حمزة بك تابع يوسف بك جلب القرد تأمر بعد سيده سنة عشرة ومائة وألف فمكث خمس سنوات أميرًا ثم سافر بالخزينة ومات بالطريق سنة ست عشرة ومائة وألف. ومات قبله سيده الأمير يوسف بك القرد تولى الصنجقية سنة ثلاث وسبعين وألف وتولى إمارة ومات الأمير رمضان بك تولى الإمارة سنة سبع وسبعين وألف وعمل قائمقام عندما عزل أحمد باشا الدفتردار وسبب ذلك أنه لما ورد أحمد باشا المذكور واليًا على مصر في سنة ست وثمانين وألف وأشيع عنه بأن قصده إحداث مظالم على البيوت والدكاكين والطواحين مثل الشام ويفتش على الجوامك وغيرها فاجتمع العسكر في خامس الحجة بالرميلة وقاموا قومة واحدة وقطعوا عبد الفتاح أفندي الشعراوي كاتب مقاطعة الغلال وهو نازل من الديوان. وكان قبل تاريخه ذهب إلى الديار الرومية وحضر صحبته أحمد باشا فاتهموه بأنه هو الذي أغرى الباشا على ذلك. ولما نزل الأمراء وأرباب الديوان قام عليهم العسكر والعامة وقالوا لهم: لابد من نزول الباشا وإلا طلعنا إليه وقطعناه قطعًا قطعًا. فطلعوا إلى الباشا فعرضوا عليه ذلك فامتنع وتكرر مراجعته والعسكر والناس يزيد اجتماعهم إلى قريب العصر فلم يسعه إلا النزول بالقهر عنه إلى بيت حاجي باشا بالصليبية وولوا رمضان بك هذا قائمقام. فلم يزل حتى ورد عبد الرحمن باشا سادس جمادى الآخرة من سنة سبع وثلاثين وألف ولم يزل المترجم أميرًا حتى مرض ومات سنة ثلاث عشرة ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك الفلاح تولى الإمارة سنة خمس وتسعين وألف ومات سنة ثمان ومائة وألف. ومات الأمير درويش بك جركس الفقاري وهو سيد أيوب بك تولى الإمارة سنة ثمان وتسعين وألف ومات سنة خمس ومائة وألف. ومات الأمير محمد كتخدا عزبان البيرقداري وكان صاحب صولة وعز في بابه وكلمة وشهرة مع مشاركة محمد كتخدا البيقلي وكان المترجم شهير الذكر وبيته مفتوح وتسعى إليه الأمراء والأعيان ويقضي حوائج الناس ويسعى في أشغالهم. وظهر في أيامه أحمد أوده باشه القيومجي وظالم علي جاويش عزبان. مات المترجم ثالث عشري رمضان سنة سبع ومائة وألف على فراشه بمنزله ناحية المظفر. ومات أيضًا محمد كتخدا البيقلي في ثالث عشري رمضان سنة خمس ومائة وألف بمنزله بسوق السلاح وعمره ولده بعد موته وهو يوسف كتخدا عزبان وكالة سنة ست عشرة ومائة وألف. ومات الأمير أحمد جربجي عزبان المعروف بالقيومجي وسبب تسميته بالقيومجي أن سيده حسن جربجي كان أصله صائغًا ويقال له باللغة التركية قيومجي فاشتهر بذلك وكان سيده في باب مستحفظان وأحمد هذا عزبان وكان المشارك لأحمد جربجي في الكلمة علي جاويش المعروف بظالم علي إلى أن لبس ظالم علي كتخدا الباب سنة ثمان ومائة وألف ومضى عليه نحو سبعة أشهر فانتبذ أحمد جربجي وملك الباب على حين غفلة وأنزل علي كتخدا إلى الكشيدة فخاف على نفسه ظالم علي فالتجأ إلى وجاق تفكجيان فسعى إليه جماعة منهم ومن أعيان مستحفظان وردوه إلى بابه بأن يكون اختياريًا وضمنوه فيما يحدث منه فاستمر مع أحمد كتخدا معززًا إلى أن مات ظالم علي على فراشه بمنزله بالجبانية الملاصق للحمام سنة خمس عشرة ومائة وألف وانفرد بالكلمة أحمد كتخدا ولم يزل إلى أن مات على فراشه بمنزله ببولاق سنة عشرين ومائة وألف وكان سخيًا يضرب بكرمه المثل وكان به بعض عرج بفخذه الأيسر بسبب سقطة سقطها من على الحمار وهو أوده باشه. ومات
الأمير الكبير المقدام أيواظ بك والد الأمير اسمعيل بك وأصل اسمه عوض فحرفت باعوجاج التركية إلى ايواظ فإن اللغة التركية ليس فيها الضاد فأبدلت وحرفت بما سهل على لسانهم حتى صارت ايواظ وهو جركس الجنس قاسمي تابع مراد بك الدفتردار القاسمي الشهيد بالغزاة ومراد بك تابع أزبك بك أمير الحاج سابقًا ابن رضوان بك أبي الشوارب المشهور المتقدم ذكره تولى الإمارة عوضًا عن سيده مراد بك الشهيد بالغزاة في سنة سبع ومائة وألف وفي سنة عشر ومائة وألف. ورد مرسوم من الدولة خطابًا لحسين باشا والي مصر إذ ذاك بالأمر بالركوب على المتغلب عبد الله وافي المغربي بجهة قبلي ومن معه من العربان وإجلائهم عن البلاد وحضرت جماعة من الملتزمين والفلاحين يشكون ويتظلمون من المذكورين فجمع حسين باشا الأمراء والأغوات وأمرهم بالتهيؤ للسفر صحبته فقالوا نحن نتوجه جميعًا وأما أنت فتقيم بالقلعة لأجل تحصيل الأموال السلطانية. ثم وقع الاتفاق على إخراج تجريدة وأميرها ايواظ بك وصحبته ألف نفر من الوجاقات ويقرروا له على كل بلد كبيرة ثلاثة آلاف نصف فضة والصغيرة ألف وخمسمائة فأجابهم إلى ذلك وجعلوا لكل نفر ثلاثة آلاف فضة وللأمير عشرة أكياس وخلع عليه الباشا قفطانًا وخرج في يوم السبت سابع عشر جمادى الآخرة بموكب عظيم ونزل بدير الطين. فبات به وأصبح متوجهًا إلى قبلي ثم ورد منه في حادي عشر رجب يذكر كثرة الجموع ويطلب الإمداد فعمل الباشا ديوانًا وجمع الأمراء واتفقوا على إرسال خمسة من الأمراء الصناجق وهم أيوب بك أمير الحاج حالًا واسمعيل بك الدفتردار وإبراهيم بك أبو شنب وسليمان بك قيطاس وأحمد بك ياقوت زاده وآغوات الاسباهية الثلاثة وأتباعهم وأنفارهم. فتهيئوا وسافروا ونزلوا بالجيزة وأقاموا بها أيامًا فورد الخبر أن ايواظ بك تحارب مع العربان وهزمهم وقروا إلى الوجه البحري من طريق الجبل ورجع الأمراء إلىمصر. وفي شوال نزلت جماعة من العربان بكرداسة فكبسهم ذو الفقار كاشف الجيزة وقتل منهم أربعة وسبعين رجلًا وطلع برؤوسهم إلى الديوان ثم ورد الخبر بأن جمع أبي زيد بن وافي نزل بوادي الطرانة فاحتاط به قائمقام البحيرة وقتل من معه من الرجال واحتاط بالأموال والمواشي ولما بلغ بقية العربان ما حصل لأبي زيد ضاقت بهم الأرض ففروا إلى الواحات وأقاموا بها مدة حتى أخربوها وأغلوها وانقطعت السيارة فألجأتهم الضرورة إلى أن هبطوا في صعيد مصر بمحاجر الجعافرة بالقرب من أسنا وصحبتهم علي أبو شاهين شيخ النجمة. وحصل منهم الضرر فلما بلغ ذلك عبد الرحمن بك أغرى بهم عربان هوارة فاحتاطوا بهم ونهبوهم وأخذوا منهم جملة كبيرة من الجمال وغيرها ففروا فتبعهم خيل هوارة إلى حاجر منفلوط فتبعهم عبد الرحمن بك ومن معه من الكشاف فأثخنوهم قتلًا ونهبًا وأخذوا منهم ألفا وسبعمائة جمل بأحمالها. وهرب من بقي. وما زالوا كلما هبطوا أرضًا قاتلهم أهلها إلى أن نزلوا الفيوم بالغرق وأفترق منهم أبو شاهين بطائفة إلى ولاية الجيزة فعين لهم الباشا تجريدة ذهبوا خلفهم إلى الجسر الأسود فوجدوهم عدوا إلى المنوفية وأما ايواظ بك فإنه منحين نزوله إلى الصعيد وهو يجاهد ويحارب في العربان حتى شتت شملهم وفرق جمعهم فتلقاهم عبد الرحمن بك فأذاقهم أضعاف ذلك وحضر ايواظ بك إلى مصر ودخل في موكب عظيم والرؤوس محمولة معه وطلعوا إلى القلعة وخلع عليه الباشا وعلى السدادرة الخلع السنية ونزلوا إلى منازلهم في أبهة عظيمة وتولى كشوفية الأقاليم الثلاثة على ثلاث سنوات ورجع إلى مصر. وحضر مرسوم بسفر عسكر إلى البلادالحجازية وعزل الشريف سعد وتولية الشريف عبد الله وأميرها ايواظ بك فخلع عليه الباشا وشهل له جميع احتياجاته وبرز إلى العادلية وصحبته السدادرة وسار برًا في غير أوان الحج ولما وصل إلى مكة جمع السدادرة القدم والجد وحاربوا الشريف سعدا هزموه وملك دار السعادة وأجلس الشريف عبد الله عوضه وقتل في الحرابة رضوان آغا ولده وكان خازنداره وأقام بمكة إلى أيام الحج أتى إليه مرسوم بأنه يكون حاكم جدة وكانت إمارة جدة لأمراء مصر أقام بجدة وحاز منها شيئًا كثيرًا. وكان الوكيل عنه بمصر يوسف جربجي الجزار عزبان ويرسل له الذخيرة وما يحتاجه من مصر. وتولى المترجم إمارة الحج سنة اثنتين وعشرين وقتل في تلك السنة وذلك أنه اشتدت الفتنية بين العرب والينكجرية وحضر محمد بك حاكم الصعيد معينا للينكجرية وصحبته السواد الأعظم من العسكر والعرب والمغاربة والهوارة فنزل بالبساتين ثم دخل إلى مصر بجموعه نزل ببيت آقباي وحار المتترسين بجامع السلطان حسن وكان به محمد بك الصغير وهو تابع قيطاس بك مع من أنضم إليه من أتباع إبراهيم بك وايواظ بك ومماليكه فكانت النصرة لمحمد بك الصغير بعد أمور وحروب. وأنتقل محمد بك جرجا إلى جهة الصليبة ووقعت أمور يطول شرحها مشهورة من قتل ونهب وخراب أماكن. وطال الأمر ثم أن الأمراء اجتمعوا بجامع بشتاك وحضر معهم طائفة من العلماء والأشراف واتفقوا على عزل خليل باشا وإقامة قانصوه بك قائمقام وولوا مناصب وآغوت ووالي. ووصل الخبر إلى الباشا ومن معه فحرض الينكجرية وفيهم إفرنج أحمد ومحمد بك جرجا ومن معه على الحرب. ووقعت حروب عظيمة بين الفريقين عدة أيام وصار قانصوه بك يرسل بيورلديات وتنابيه وأرسل إلى محمد بك جرجا يأمره بالتوجه إلى ولايته ويجتهد في تحصيل المال والغلال السلطانية فعندما وصل إليه البيورلدي قام وقعد واحتد وأشتد بينهم الجلاد والقتال. واجتمع الأمراء الصناجق والآغوات عند قائمقام ورتبوا أمورهم وذهبت طائفة لمحاربة منزل أيوب بك إلى أن ملكوه بعد وقائع ونهبوه وخرج أيوب بك هاربًا وكذلك منزل أحمد آغا التفكجية بعد قتله. وخرج أيضًا محمد آغا الشاطر وعلي جلبي الترجمان وعبد الله الوالي ولحقوا بأيوب بك وفروا إلى جهة الشام وخرج محمد بك الكبير إلى جهة قبلي وانتهبت جميع بيوت الخارجين وبيت محمد بك الكبير وأحمد جرجي القنيلي وأحرقوا بيت أيوب بك وما لاصقه من البيوت والحوانيت والرباع. وفي أثناء ذلك قبل خروج من ذكر أيام اشتداد الحرب خرج محمد بك بمن معه إلى جهة قصر العيني فوصل الخبر إلى ايواظ بك فركب مع من معه ورفع القوس المزراق إمام الصنجق فانشبك في سكفة الباب وانكسر فقالوا للصنجق: كسر المزراق. قال: وتطيروا من ذلك. فقال: لعل بموتي ينصلح الحال. وطلب مزراقًا آخر وسار إلى جهة القبر الطويل فظهر محمد بك والهوارة فتحاربوا معهم فانهزم رجال محمد بك وفر هو ومن معه إلى السواق فطمع فيهم ايواظ بك ورمح خلفهم وكان محمد بك أجلس جماعة سجمانية على السواقي لمنع من يطرد خلفهم عند الانهزام فرموا عليهم رصاصا فأصيب ايواظ بك وسقط من على جواده. وحصل بعد ذلك ما حصل من الحروب ونصرة القاسمية والعزب وهروب المذكورين وعزل الباشا ودفن ايواظ بك بتربة أبي الشوارب وكان أميرًا خيرًا شهمًا حزن عليه كثير من الناس. وخلف ولده السعيد الشهيد اسمعيل بك الشهير السابق ذكره والآتي ترجمته وما وقع له ولأخيه محمد بك المعروف بالمجنون ومصطفى بك وخلف عدة من المماليك والأمراء ومنهم يوسف بك الجزار غيره. ومات الأمير أيوب بك تابع درويش بك وهو كان ممن تسبب في إثارة الفتنة المذكورة وتولى كبرها مع إفرنج أحمد وأرسل إلى محمد بك جرجا فحضر إليه معينًا ومعه من ذكر من أخلاط العالم وحصل ما حصل وأصله جركس الجنس ومن الفقارية تولى إمارة الحج بعد موت إبراهيم بك ذك الفقار سنة سبع ومائة وألف وطلع بالحج عشر مرات وعزل سنة سبع عشرة ومائة وألف وتولى الدفتردارية ثم عزل عنها ثم وقعت الفتنة وقهر فيها وخرج من مصر هاربًا مع من هرب إلى جهة الشام وذهب إلى اسلامبول ولم يزل بها حتى مات سنة أربع وعشرين ومائة وألف طريدًا غريبًا وحيدًا بعد الذي رآه من العز والجاه بمصر وخلف من الأولاد الذكور والإناث اثني عشر لم ينتج منهم أحد عاشوا وماتوا فقراء لأن ماله انتهب في الفتنة. ومات الأمير قيطاس بك وهو مملوك إبراهيم بك ذي الفقار كردلي الجنس تولى إمارة الحج سنة عشرة ومائة وألف واستمر فيها إلى سنة إحدى وعشرين ومائة وألف طلع بالحج خمس مرات ثم عزل وتولى الدفتردارية وأستمر فيها إلى سنة أربع وعشرين ومائة وألف ثم عزل عنها وتولى إمارة الحج سنة تاريخه ثم عزل وتلبس بالدفتردارية واستمر فيها إلى أن قتل في سنة ست وعشرين ومائة وألف قتله عابدي باشا وذلك أنه لم حضر عابدي باشا إلى مصر وقدم له الأمراء التقادم وقدم له اسمعيل بك ابن ايواظ تقدمة عظيمة وكان إذ ذاك أمين السماط فأحبه الباشا وسأل عمن تسبب في قتل أبيه فقالوا هذه قضية ليس لأحد فيها جنية وأنما قيطاس بك وايوب بك من بيت واحد وكان أيوب بك أعظم فالتجأ قيطاس بك إلى المرحوم ايواظ بك إلى أن قتل بسببه وقتل أيضًا كثير من رجاله. وبعدما بلغ مراده سعى في هلاكنا وأراد قتلنا عند أم أخنان وسلط ابن حبيب على خيولنا في المربع وجم أذنابها. فقال الباشا: يكون خيرًا. ولما استقر الباشا وتقلد اسمعيل بك إمارة الحج وقلدوا مناصب الأقاليم للقاسمية وتقلد عبد الله بك خازندار ايواظ بك الصنجقية وأرسلوا بقتل الأمير حسن كاشف اخميم. ثم أن قيطاس بك أرسل كور عبد الله سرًا إلى الباشا وكلمه في إدارة الكشوفيات على الفقارية وعمل رشوة فقال له: هذه السنة مضت وفي العام القابل نعطيكم جميع الكشوفيات فاطمأن بذلك وشرع في عمل عزومة للباشا بقصر العيني فأجاب لذلك وذهب مع القاضي وإبراهيم بك الدفتردار وأرباب الخدم وقدم لهم تقادم وخلع عليه الباشا فروة سمور وركبوا أواخر النهار وذهبوا إلى منازلهم. ومضى على ذلك أيام وكان محمد بك قطامش تابع قيطاس بك في الخفر بسبيل علام فخضر في بعض الأيام إلى الديوان لحاجة ودخل عند الباشا فقال له: أين كنت ولم تحضر معنا عزومة سيدك. فقال: أنا في خفر بسبيل علام. فقال الباشا: وسبيل علام هذا بلد والقلعة فعرفه أنه مثل القلعة وحوله قصور لنزول الأمراء. فقال الباشا: أحب أن أرى ذلك. فقال: حبًا وكرامة تشرفونا يوم السبت. فقال: كذلك شهل روحك ونأتي صحبة سيدك والقاضي من غير زيادة وأدع أنت من شئت. وقال الباشا لقيطاس بك: تنزل في صبح يوم السبت إلى قراميدان فتأتيني هناك ونركب صحبة. فقال: كذلك. فأرسل إبراهيم أبو شنب تلك الليلة تذكرة لقيطاس بك: اقبل النصيحة ولا تذهب إلى قراميدان. فلما قرأ التذكرة وأعرضها على كتخدا محمد آغا الكور فقال هذا: عدو فلا تأخذ منه نصيحة فإنه لا يحب قربك من الباشا. وفي الصباح ركب في قلة وذهب إلى قراميدان فوجد الباشا نزل وجلس بالكشك وأوقف أتباعه وعسكره. فلما حضر قيطاس بك قال له الباشا من الشباك: أطلع حتى يأتي القاضي ونركب سوية وخل الطوائف راكبين. فنزل وطلع وجلس فهجم عليه أتباع الباشا وقتلوه بالخناجر وقطعوا رأسه ورموه لطائفته من الشباك. وركب الباشا في الحال وطلع إلى القلعة. فشاله أتباعه وذهبوا إلى بيته وذهبت طائفة إلى سبيل علام أخبروا محمد بك بقتل سيده فركب من ساعته وصحبته عثمان بك فأتوا صيوان قيطاس بك الأعور وكان طالعًا بالخزينة فعرفوه أن سيده قتله القاسمية بيد الباشا وطلبوه يركب معهم يأخذون بثأره فأتى وقال أنه قتل بأمر سلطاني والخزنة في تسليمي وأنتم فيكم البركة فساروا إلى بيت أستاذهم فوجدوا هناك حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وكور عبد الله جاويش وأخضروا رأس الصنجق مسلوخة وغسلوه وكفنوه وصلوا عليه بسبيل المؤمن ودفنوه بالقرافة وكرنك محمد بك قطامش تابعه هو وو عثمان بك بن سليمان بك بارم ذيله ولم يتم له أمر وهرب محمد بك إلى بلاد الروم وسيأتي خبره في ترجمته واختفى عثمان بك في بيت رجل مغربي حتى مات وكان إبراهيم بك أبو شنب يعرف مكانه ويرسل له مصروفًا وثارت فتنة عظيمة بعد قيطاس بك بين الينكجرية والعزب وهو أن حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا وكور عبد الله جاويش أغراض قيطاس بك ملكوا باب مستحفظان في ذلك اليوم في شهر رجب وقتلوا كتخدا الوقت شريف حسين إبراهيم باش أوده باشه المعروف بكدك وكانوا يتهمونه في قتل قيطاس بك. ثم في أواخر رمضان ملك باب مستحفظان محمد كتخدا كدك على حين غفلة ليأخذ ثار أخيه حسين وقتل حسن كتخدا النجدلي وناصف كتخدا القازدغلي وأنزلوا رممهما في صبحها إلى بيوتهم وهرب كور عبد الله ثم قبضوا عليه بعد ستة أيام وأحضروه وهو راكب على حصان وفي عنقه جنزير وعلى رأسه ملاءة فطلع به محمد بك جركس إلى الباشا فأمر به إلى محمد كدك بالباب فقتله وأرسل رمته إلى بيته بسوق السلاح وذلك في غاية رمضان سنة سبع وعشرين ومائة وألف. ومات الأمير عبد الرحمن بك وكان أصله كاشف الشرقية وكان مشهورًا بالفروسية والشجاعة قلده الإمارة اسمعيل باشا والي مصر سنة سبع ومائة وألف هو ويوسف بك المسلماني. فإنه لما وقع الفصل في تلك السنة وغنم الباشا أموالًا عظيمة من حلوان المحاليل والمصالحات فلما انقضى الفصل عمل عرسًا عظيمًا لختان أولاده في سنة ثمان ومائة وألف وهادنه الأعيان والأمراء والتجار بالهدايا والتقادم وكان مهمًا عظيمًا أستمر عدة أيام لم يتفق نظيره لأحد من ولاة مصر نصبوا في ديوان الغوري وقاتباي الأحمال والقناديل وفرشوهما بالفرش الفاخرة والوسائد والطنافس وأنواع الزينة ونصبوا الخيام على حوش الديوان وحوش السراية وعلقوا التعاليق بها وخيام تركية وأتصل ذلك بأبواب القلعة التحتانية إلى الرميلة والمحجر ووقف أرباب العكاكيز وكتخدا الجاوشية وآغات المتفرقة والأمراء وباشجاويش الينكجرية والعزب والآغا الوالي والمحتسب الجميع ملازمون للخدمة وملاقاة المدعوين وفي أوسلعهم الحازم الزردخان وأبو اليسر الجنكي ملازم بديوان الغوري ليلًا ونهارًا وجنك اليهود بديوتن قايتباي وأرباب الملاعيب والبهلوانيين والخيالة بالحيشان وأبواب القلعة مفتوحة ليلًا ونهارًا وأصناف الناس على اختلاف طبقاتهم وأجناسهم أمراء وأعيان وتجار وأولاد بلد طالعين نازلين للفرجة ليلًا ونهارًا. وختن مع أولاده عند انقضاء المهم مائتي غلام من وأولاد الفقراء ورسم لكل غلام بكسوة ودراهم ودعوا في أول يوم المشايخ والعلماء وثاني يوم أرباب السجاجيد والرق وثالث يوم الأمراء والصناجق ثم الآغوات والوجاقلية والاختيارية والجربجية وواجب رعايات الأبواب كل طائفة يوم مخصوص بهم ثم التجار وخواجات الشرب والغورية ثم القاقجية والعقادين والقوافين ومغاربة طيلون وأرباب الحرف ومجاوري الأزهر والعميان بوسط حوش الديوان غدوا وعشيًا. ثم خلع الخلع والفراوي وأنعم بحصص وعتامنة على أرباب الديوان والخدم وكذلك كساوي للجنك وأرباب الملاهي والبهلوانيين والطباخين والمزينين وإنعامات وبقاشيش. ولما تم وانقضى المهم قال الباشا لإبراهيم بك وحسن أفندي وكانا خصيصين به: أريد أقلد إمارة صنجقين لشخصين يكونان إشراقين ويكونان شجاعين قادرين. فوقع الاتفاق على يوسف آغا المسلماني وعبد الرحمن آغا كاشف الشرقية. هذا وكان ضرب هلباسو يد قبل تاريخه وأشتهر بالشجاعة فخلع عليهما في يوم واحد وعملوا لهما رنك وسعاة ونزلت لهما الأطواغ والبيارق والتوبة وحضرت لهما التقادم والهدايا ولبسا الخلع. ثم أن الباشا أنشأ له تكية في قراميدان ووقف سبع بلاد من التي أخذها من المحاليل في إقليم البحيرة وهي أمانة البدرشين وناحية الشنباب وناحية سقارة وناحية مائة رهينة أبي صبر الصدر وناحية شبرامنت بالجيزة وناحية ترسا وجعلها للتكية وسحابة بطريق الحجاز وجعل الناظر على ذلك خازنداره وأرخى لحيته وأعطاه قائظ وعتامنة في دفتر العزب وقلده جربجي تحت نظر أحمد كتخدا القيومجي وأرسل كتخداه قرا محمد آغا إلى اسلامبول لتنفيذ ذلك وسافر على الفور. وعندما وصل إلى اسلامبول أرسل مقررًا لمخدومه على سنة تسع ومائة وألف صحبة أمير أخور فوصل إلى بولاق ونزلت له الملاقية وحضر إلى الديوان. وبعد انفضاض الديوان دخل الأمراء الكبار وهم إبراهيم بك أبو شنب وايواظ بك وقانصوه بك واسمعيل بك الدفتردار للتهنئة ولم يدخل حسن آغا بلغيه والآغوات وعبد الرحمن بك ويوسف بك وسليمان بارم ذيله وقيطاس بك وحسين بك أبو يدك وكامل الفقارية فسأل الباشا عنهم فرآهم نزلوا فانقبض خاطره من الفقارية وقال لإبراهيم بك: أنا أكثر عتابي على إشراقي عبد الرحمن بك ويوسف بك وحيث أنهما فعلا ذلك أنا أطلب منهما حلوان الصنجقية ثمانية وأربعين كيسًا. فلاطفه إبراهيم بك وحسن أفندي فلم يرجع وأمر بكتابه فرمانين وأرسلهما إلى الأميرين المذكورين بطلب أربعة وعشرين كيسا من كل أمير. فقال عبد الرحمن بك: أنا لم أطلب هذه البلية حتى يأخذ مني عليها هذا القدر. ولما حضر الآغا المعين ليوسف بك تركه في منزله وركب إلى عبد الرحمن بك معًا إلى حسن آغا بلغيه وعملوا شغلهم وعزلوا الباشا. وكانوا تخيلوا منه الغدر بهم ونزل إلى بيت كان أشراه من عتقي عثمان جربجي مطل على بركة الفيل بحدرة طولون بجوار حمام السكران ثم باع المنزل والبلاد التي وقفها على التكية والسحابة وغلق الذي تأخر في طرفه من المال والغلال لحسين باشا المتولي بعده. وخرج إلى العادلية وسافر إلى بغداد. وتولى عبد الرحمن بك على ولاية جرجا وحصل له أمور مع عربان هوارة ذكر بعضه في ترجمة ايواظ بك. وانفصل عبد الرحمن بك من ولاية الصعيد وحضر إلى مصر ونزل عند الآثار وأرسل إلى الباشا المتولي تقادم وعبيدا وآغوات ونزل الباشا في ثاني يوم إلى قراميدان وحضر عبد الرحمن بك بأتباعه ومماليكه وخلفه النوبة التركي فسلم على الباشا وخلع عليه فروة سمور وركب إلى البيت الذي نزل فيه وهو بيت رضوان بك بالقصبة المعروفة بالقوافين. وكان ذلك الباشا هو قرا محمد كتخدا اسمعيل باشا المنفصل المتقدم ذكره وفي نفسه من المترجم ما فيها بسبب مخدومه فإنه هو الذي سعى في عزله وأبطال وقفه وأنسلخ من القارية وتنافس معهم وصار يقول: أنا قاسمي. فحقدوا عليه وذلك وسعوا في عزله من جرجا ولما حضر إلى مصر تعصبوا عليه ووافق ذلك غرض الباشا لكراهته له بسبب أستاذه. ولما استقر عبد الرحمن بك بمنزله حضرت إليه الأمراء للسلام عليه ما عدا حسن آغا بلغيه ومصطفى كتخدا القازدغلي. ثم بعد انقضاء ذلك ورجوع الهوارة إلى بلادهم وعمارهم كتبوا قوائم بما ذهب لهم من غلال ونحاس وثمنوها بثلثمائة كيس وجعلوا الآخذ لذلك جميعه عبد الرحمن بك وأرسلوا القوائم إلى ابن الحصري ووكلوا وجاق الينكجرية في خلاص ذلك من عبد الرحمن بك فعرض ذلك ابن الحصري على أستاذه الغازدغلي وحسن آغا بلغيه وكتبوا بذلك عرضحال وقدموه للباشا بعدما وضبوا ما أرادوا من الرابطة والتعصيب فأرسل إليه الباشا يطلبه فامتنع من الطلوع وقال للآغا المعين: سلم على حضرة الباشا وسوف أطلع بعد الديوان أقابله. فنزل إليه كتخدا الجاويشية وآغات المتفرقة وتكلموا معه بسبب ما تقدم فقال: أنا لم أكن وحدي كان معي غزسيمانية وعرب هوارة بحري وكشاف الأمير حسن الاخميمي لموم كثيرة وكل من طال شيئًا أخذه وسوف أتوجه للدولة بالخزينة وأعرفهم بفعل أيوب بك وحسن أغا بلغية والقازدغلي وأضمن لهم فتوح مصر وقطع الجبابرة فلا عفوه وعالجوه على الطلوع فامتنع من الطلوع مع الجمهور وقال: أروح معهم إلى بيت القاضي ويقيموا بينتهم وإثباتهم وأنا قادر ومليء وما أنا محتاج ولا مفلس. فرجعوا وعرفوا الجمع بما قاله بالحرف الواحد. فقال الباشا للقاضي: أكتب له مراسلة بالحضور والمرافعة. فكتب له وأرسلها القاضي صحبة جوخدار من طرفه. فلما وصل إليه قال: أنا لست بعاصي الشرع ولا أترافع معهم إلا في بيت القاضي ولا أطلع في الجمهور فرجع الجوخدار بالجواب وكان فرغ النهار فعند ذلك بيتوا أمرهم واتفقوا على محاربته. وأجتمع عند عبد الرحمن بك أغراضه وأحمد أوده باشا البغدادلي ووصله الخبر بركوبهم عليه فضاق صدره وخرج من منزله ماشيًا وأراد أن يذهب إلى الجامع الأزهر يقع على العلماء فلما وصل إلى باب زويلة لحقه أحمد البغدادلي وحسن الخازندار فرداه وقالا: له اجلس في بيتك ونحاربهم وعندنا العدة والعدد. وعند الصباح احتاطوا بداره ونزلت البيارق والمدافع والعسكر من كل جانب ورموا عليه من جميع الجهات ودخلت طائفة من العسكر إلى الجامع المواجه للبيت وصعدوا إلى المنارة ورموا بالرصاص فأصيب أحمد البغدادلي وحسن الخازندار وماتا وكان الصنجق والطائفة عند النقيب بالإسطبل فأخبروه بموت حسن الخازندار وكان يحبه فطلع إلى المقعد فأصيب أيضًا ومات. فعند ذلك انحلت عزائم الطائفة وأولاد الخزنة فخرجوا من البيت مشاة بما عليهم من الثياب ظنوهم من طوائف الصناجق. ولما رأى الذين في النقب بطلان الرمي جخلوا وطلعوا إلى المقعد فوجدوا الصنجق ميتًا فأخذوا رأسه ورأس البغدادلي وطلعوا بهم للباشا وعبرت العساكر إلى البيت نهبوه وأخذوا منه أموالا وذخائر عظيمة وسبوا الحريم وأخذوا كامل ما في الحريم من الجواري البيض والسود ومن جملتهم بنت الصنجق يظنوها جارية فخرجت أمها تصرخ من خلفها فخلصها مصطفى جاويش القيصرلي وطلع بها إلى الباشا فأنعم عليه بخمسة وثلاثين عثماني ومائتين ذهب أخذها وأمها مصطفى جاويش وزوجها لبعض مماليك أبيها وكان قتل عبد الرحمن بك في ثاني عشر ربينع الأول سنة ثلاث عشرة ومائة وألف وأما يوسف بك فإنه توفي بالسفر ببلاد الروم. ومات الأمير علي آغا مستحفظان المشهور تولى آغاوية مستحفظان في سنة ثمان ومائة وألف وفي
|