الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***
وهو جائز بغير خلاف لما روى جرير رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه متفق عليه قال إبراهيم: فكان يعجبهم هذا لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة ولأن الحاجة تدعو إلى لبسه وتلحق المشقة بنزعه فجاز المسح عليه كالجبائر ويختص جوازه في الوضوء دون الغسل لما روى صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا مسافرين أو سفر أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ولأن الغسل يقل فلا تدعو الحاجة إلى المسح على الخف فيه بخلاف الوضوء ولجواز المسح عليه شروط أربعة: أحدها: أن تكون ساترا لمحل الفرض من القدم كله فإن ظهر منه شيء لم يجز المسح لأن حكم ما استتر المسح وحكم ما ظهر الغسل ولا سبيل إلى الجمع بينهما فغلب الغسل كما لو ظهرت إحدى الرجلين فإن تخرقت البطانة دون الظهارة أو الظهارة دون البطانة جاز المسح لأن القدم مستور به وإن كان فيه شق مستطيل ينضم لا يظهر منه القدم جاز المسح عليه لذلك وإن كان الخف رقيقا يصف لم يجز المسح عليه لأنه غير ساتر وإن كان ذي شرج في موضع القدم وكان مشدودا لا يظهر شيئا من القدم إذا مشى جاز المسح عليه لأنه كالمخيط.
الثاني: أن يمكن متابعة المشي فيه فإن كان يسقط من القدم لسعته أو ثقله لم يجز المسح عليه لأن الذي تدعو الحاجة إليه هو الذي يمكن متابعة لمشي فيه وسواء في ذلك الجلود والخرق والجوارب لما روى المغيرة (رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم: مسح على الجوربين النعلين أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حديث حسن صحيح قال الإمام أحمد: يذكر المسح على الجوربين عن سبعة أو ثمانية من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأنه ملبوس ساتر للقدم يمكن متابعة المشي فيه أشبه الخف فإن شد على رجليه لفائف لم يجز المسح عليها لأنها لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها.
الثالث: أن يكون مباح فلا يجوز المسح على المغصوب والحرير لأن لبسه معصية فلا تستباح به الرخصة كسفر المعصية.
الرابع: أن تلبسهما على طهارة كاملة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه قال: [دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما] متفق عليه فإن تيمم ثم لبس الخف لم يجز المسح عليه لأن طهارته لا ترفع الحدث وإن لبست المستحاضة ومن به سلس البول خفا على طهارتهما فلهما المسح لأنها صارت ناقصة في حقها فأشبهت التيمم. وإن غسل إحدى رجليه فأدخلها الخف ثم غسل الأخرى فأدخلها لم يجز المسح لأنه لبس الأول قبل كمال الطهارة. وعنه: يجوز لأنه أحدث بعد كمال الطهارة واللبس فأشبه ما لو نزع الأول ثم لبسه بعد أن غسل الأخرى. وإن تطهر ولبس خفيه فأحدث قبل بلوغ الرجل قدم الخف لم يجز المسح لأن الرجل حصلت على مقرها وهو محدث فأشبه من بدأ اللبس محدثا وإن لبس خفا على طهارة ثم لبس فوقه آخر أو جرموقا قبل أن يحدث جاز المسح على الفوقاني سواء كان التحتاني صحيحا أو مخرقا لأنه خف صحيح يمكن متابعة المشي فيه لبسه على طهارة كاملة أشبه المنفرد وإن لبس الثاني بعد الحدث لم يجز المسح عليه لأنه لبسه على غير طهارة وإن مسح الأول ثم لبس الثاني لم يجز المسح عليه لأن المسح لم يزل الحدث عن الرجل فلم تكمل الطهارة. وإن كان التحتاني صحيحا والفوقاني مخرقا فالمنصوص جواز المسح لأن القدم مستور بخف صحيح وقال بعض أصحابنا: لا يجوز لأن الحكم تعلق بالفوقاني فاعتبرت صحته بالمنفرد وإن لبس المخرق فوق لفافة لم يجز المسح عليه لأن القدم لم يستتر بخف صحيح وإن لبس مخرقا فوق مخرق فاستتر القدم بهما احتمل أن لا يجوز المسح لذلك واحتمل أن يجوز لأن القدم استتر بهما فصارا كالخف الواحد.
ويتوقت المسح بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليهن للمسافر لما روى عوف بن. مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: [أمر بالمسح على الخفين في غزوة تبوك ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم] قال الإمام أحمد: هذا أجود حديث في المسح على الخفين لأنه في غزوة تبوك آخر غزاة غزاها النبي صلى الله عليه وسلم وهو آخر فعله. وسفر المعصية كالحضر لأن ما زاد يستفاد بالسفر وهو معصية فلم يجز أن يستفاد به الرخصة. ويعتبر ابتداء المدة من حين الحدث بعد اللبس في إحدى الروايتين لأنهما عبادة مؤقتة فاعتبر أول وقتها من حين جواز فعلها كالصلاة والآخر من حين المسح لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح ثلاثة أيام فاقتضى أن تكون الثلاثة كلها يمسح فيها. وإن أحدث من الحضر ثم سافر قبل المسح أتم مسح مسافر لأنه بدأ العبادة في السفر. وإن مسح في الحضر ثم سافر أو مسح في السفر ثم أقام أتم مسح مقيم لأنها عبادة يختلف حكمها بالحضر والسفر فإن وجد أحد طرفيها في الحضر غلب حكم كالصلاة وإن مسح المسافر أكثر من يوم وليلة ثم أقام انقضت مدته في الحال وإن شك هل بدء المسح في الحضر أو في السفر بنى على مسح الحضر لأن الأصل الغسل والمسح رخصة فإذا شككنا في شرطها رجعنا إلى الأصل وإن لبس وأحدث وصلى الظهر ثم شك هل مسح قبل الظهر أو بعدها وقلنا: ابتداء المدة من حين المسح بنى الأمر في المسح على أنه قبل الظهر وفي الصلاة على أنه مسح بعدها لأن الأصل بقاء الصلاة في ذمته ووجوب غسل الرجل فرددنا كل واحد منهما إلى أصله.
والسنة أن يمسح أعلى الخف دون أسفله وعقبه فيضع يديه مفرجتي الأصابع على أصابع قدميه ثم يجرهما على ساقيه لما روى المغيرة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على الخفين على ظاهرهما حديث حسن صحيح وعن علي رضي الله عنه قال: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه رواه بن داود. فإن اقتصر على مسح الأكثر من أعلاه أجزأه وإن اقتصر على مسح أسفله لم يجزه لأنه ليس محلا للمسح أشبه الساق.
إذا انقضت مدة المسح أو خلع خفيه أو أحدهما بعد المسح بطلت طهارته في أشهر الروايتين ولزمه خلعهما لأن المسح أقيم مقام الغسل فإذا زال بطلت الطهارة في القدمين فتبطل في جميعها لكونها لا تتبعض. والثانية يجزئه غسل قدميه لأنه زال بدل غسلهما فأجزأه المبدل كالمتيمم يجد الماء وإن أخرج قدمه إلى ساق الخف بطل المسح لأن استباحة المسح تعلقت باستقرارهما فبطلت بزواله كاللبس. وإن مسح على الخف الفوقاني ثم نزعه بطل مسحه ولزمه نزع التحتاني لأنه زال الممسوح عليه فأشبه المنفرد.
في المسح على العمامة: ويجوز المسح على العمامة لما روى المغيرة رضي الله عنه قال: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسح على الخفين والعمامة حديث [حسن] صحيح وعن عمر بن أمية رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على عمامته وخفيه رواه البخاري وروى الخلال بإسناده عن عمر رضي الله عنه قال: من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله ولأن الرأس عضو سقط فرضه في التيمم فجاز المسح على حائله كالقدمين ويشترط أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه لأنه جرت العادة بكشفه في العمائم فعفي عنه بخلاف بعض القدم ويشترط أن بكون لها ذؤابة أو تكون تحت الحنك لأن ما لا ذؤابة لها ولا حنك تشبه عمائم أهل الذمة وقد نهي عن التشبه بهم فلم تستبح بها الرخصة كالخف المغصوب فإن كانت ذات حنك جاز المسح عليها وإن لم يكن لها ذؤابة لأنها تفارق عمائم أهل الذمة. وإن أرخى لها ذؤابة ولم يتحنك ففيه وجهان: أحدهما: يجوز المسح عليها لذلك. والثاني: لا يجوز لأنه يروى أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتلحي ونهى عن الاقتعاط قال أبو عبيدة: الاقتعاط أن لا يكون تحت الحنك منها شيء.
وحكمها في التوقيت واشترط تقديم الطهارة وبطلان الطهارة بخلعها كحكم الخف لأنها أحد الممسوحين على سبيل البدل وفيما يجزئه مسحه منها؟ روايتان: إحداهما: مسح أكثرها لما ذكرنا. والثاني: يلزمه استيعابها لأنها بدل من جنس المبدل فاعتبر كونه مثله كما لو عجز عن قراءة الفاتحة وقدر على قراءة غيرها اعتبر أن يكون بقدرها ولو عجز عن القراءة فأبدلها بالتسبيح لم يعتبر كونه بقدرها وإن خلع العمامة بعد مسحها وقلنا لا يبطل الخلع الطهارة لزمه مسح رأسه وغسل قدميه ليأتي بالترتيب. وإن قلنا بوجوب استيعاب مسح الرأس فظهرت ناصية ففيه وجهان: أحدهما: يلزمه مسحها معه لأن المغيرة رضي الله عنه روى أن النبي صلى الله عليه وسلم: توضأ فمسح بناصيته وعلى العمامة والخفين ولأنه جزء من الرأس ظاهر فلزم مسحه كما لو ظهر سائر رأسه. والثاني: لا يلزمه لأن الفرض تعلق بالعمامة فلم يجب مسح غيرها كما لو ظهر أدناه. وإن انتقض من العمامة كور ففيه روايتان: أحدهما: يبطل المسح لزوال الممسوح عليه. والأخرى: لا يبطل لأن العمامة باقية أشبه كشط الخف مع بقاء البطانة.
ولا يجوز المسح على الكلوتة ولا وقاية المرأة لأنها لا تستر جميع الرأس ولا يشق نزعها فأما القلانس المبطنات كدنيات القضاة والنوميات وخمار المرأة ففيهما روايتان: إحداهما: يجوز المسح عليها لأن أنسا رضي الله عنه مسح على قلنسوته وعن عمر رضي الله عنه: إن شاء حسر عن رأسه وإن شاء مسح على قلنسوته وعمامته وكانت أم سلمة تمسح على الخمار وقال الخلال: قد روي المسح على القلنسوة من رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد صحاح واختاره لأنه ملبوس للرأس معتاد أشبه العمامة. والثاني: لا يجوز لأنه لا يشق نزع القلنسوة ولا يشق على المرأة المسح من تحت خمارها فأشبه الكلوتة والوقاية.
ويجوز المسح على الجبائر الموضوعة على الكسر لأنه يروى عن علي رضي الله عنه أنه قال: انكسرت إحدى زندي فأمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمسح عليها رواه ابن ماجه ولأنه ملبوس يشق نزعه فجاز المسح عليه كالخف ولا إعادة على الماسح كما ذكرنا. ويشترط أن لا يتجاوز بالشد موضع الحاجة لأن المسح عليها إنما جاز للضرورة فوجب أن يتقيد الجواز بموضع الضرورة. وتفارق الجبيرة الخف بثلاثة أشياء: أحدها: يجب مسح جميعها لأنه مسح للضرورة أشبه التيمم ولأن استيعابها بالمسح لا يضر بخلاف الخف. الثاني: أن مسحها لا يتوقف لأنه جاز لأجل الضرورة فيبقى ببقائه. الثالث: أنه يجوز في الطهارة الكبرى لأنه مسح أجيز للضرورة أشبه التيمم. وفي تقدم الطهارة روايتان: إحداهما: يشترط لأنه حائل منفصل يمسح عليه أشبه الخف فإن لبسها على غير طهارة أو تجاوز بشدها موضع الحاجة وخاف الضرر بنزعها تيمم لها كالجريح العاجز عن غسل جرحه. والثانية: لا يشترط لأنه مسح أجيز للضرورة فلم يشترط تقدم الطهارة له كالتيمم.
ولا فرق بين الجبيرة على الكسر أو جرح يخاف الضرر بغسله لأنه موضع يحتاج إلى الشد عليه فأشبه الكسر ولو وضع على الجرح دواء وخاف الضرر بنزعه مسح عليه نص عليه وقد روى الأثرم بإسناده عن ابن عمر أنه خرجت بإبهامه قرحة فألقمها مرارة فكان يتوضأ عليها.
وهي ثمانية: الخارج من السبيلين وهو نوعان: معتاد فينقض بلا خلاف لقول الله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: [ولكن من غائط وبول ونوم] وقوله: [فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا] وقال في المذي: [يغسل ذكره ويتوضأ] متفق عليه. النوع الثاني: نادر كالحصى والدود والشعر والدم فينقض أيضا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمستحاضة: [تتوضأ عند كل صلاة] رواه أبو داود ودمها غير معتاد ولأنه خارج من السبيل أشبه المعتاد ولا فرق بين القليل والكثير.
الثاني: خروج النجاسة من سائر البدن وهو نوعان: غائط وبول فينقض قليل وكثيره لدخوله في النصوص المذكورة. الثاني: دم وقيح وصديد وغيره فينقض كثيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت أبي حبيش: [إن دم عرق فتوضئي لكل صلاة] رواه الترمذي فعلل بكونه دم عرق وهذا كذلك ولأنها نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل ولا ينقض يسيره لقول ابن عباس في الدم: إن كان فاحشا فعليه الإعادة قال الإمام أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه ابن عمر عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وابن أبي أوفى عصر دملا وذكر غيرهما ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعا. وظاهر مذهب أحمد أنه لا حد للكثير إلا ما فحش لقول ابن عباس. وقال ابن عقيل: إنما يعتبر الفاحش في نفوس أوساط الناس لا المتبذلين ولا الموسوسين كما رجعنا في يسير اللقطة الذي لا يجب تعريفه إلى ما لا تتبعه نفوس الأوساط. وعن أحمد: أن الكثير شبر في كثير. وعنه: قدر الكف فاحش. وعنه: قدر عشر أصابع كثير وما يرفعه بإصبعه الخمس يسير. وقال الخلال: والذي استقر عليه قوله: إن الفاحش ما يستفحشه كل إنسان في نفسه.
وهو نوعان: أحدهما: النوم فينقض لقول النبي صلى الله عليه وسلم [ولكن من غائط وبول ونوم] وعنه عليه السلام أنه قال: [العين وكاء السه فمن نام فليتوضأ] رواه أبو داود ولأن النوم مظنة الحدث فقام مقامه كسائر المظان ولا يخلو من أربع أحوال: أحدها: أن يكون مضجعا أو متكئا أو معتمدا على شيء فينقض الوضوء قليله وكثيره لما رويناه. والثاني: أن يكون جالسا غير معتمد على شيء فلا ينقض قليله لما روى أنس أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا ينتظرون العشاء فينامون قعودا ثم يصلون ولا يتوضئون رواه مسلم بمعناه ولأن النوم إنما نقض لأنه مظنة لخروج الريح من غير علمه ولا يحصل ذلك ههنا لأنه يشق التحرز منه لكثرة وجوده من منتظري الصلاة فعفي عنه وإن كثر واستثقل نقض لأنه لا يعلم بالخارج مع استثقاله ويمكن التحرز منه. الحال الثالث: القائم ففيه روايتان: إحداهما: إلحاقه بحالة الجلوس لأنه في معناه. والثانية: ينقض يسيره لأنه لا يحتفظ حفاظ الجالس. الرابع: الراكع والساجد وفيه روايتان: أولهما: أنه كالمضجطع لأنه ينفرج محل الحدث فلا يتحفظ فأشبه المضطجع. والثانية: أنه كالجالس لأنه على حال من أحوال الصلاة أشبه الجالس. والمرجع في اليسير والكثير إلى العرب ما عد كثيرا فهو كثير وما لا فلا لأنه لا حد له في الشرع فيرجع فيه إلى العرف كالقبض والإحراز وإن تغير عن هيئته انتقض وضوءه لأنه دليل على كثرته استثقال فيه. النوع الثاني: زوال العقل بجنون أو إغماء أو سكر ينقض الوضوء لأنه لما نص على نقضه بالنوم نبه على نقضه بهذه الأشياء لأنها أبلغ في إزالة العقل ولا فرق بين الجالس وغيره والقليل والكثير لأن صاحب هذه الأمور لا يحس بحال بخلاف النائم فإنه إذا نبه انتبه وإن خرج منه شيء قبل استثقاله في نومه أحس به.
فينقض الوضوء لما روى جابر بن سمرة أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: [إن شئت توضأ وإن شئت فلا تتوضأ] قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: [نعم توضأ من لحوم الإبل] رواه مسلم قال أبو عبد الله: فيه حديثان صحيحان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث البراء بن عازب وجابر بن سمرة ولا فرق بين قليله وكثيره ونيئه ومطبوخه لعموم الحديث. وعنه في من أكل وصلى ولم يتوضأ: إن كان يعلم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوضوء منه فعليه الإعادة وإن كان جاهلا فلا إعادة عليه. وفي اللبن روايتان: إحداهما: لا ينقض لأنه ليس بلحم. والثانية: ينقض لما روى أسيد بن حضير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [توضئوا من لحوم الإبل وألبانها] رواه أحمد في المسند. وفي الكبد والطحال وما لا يسمى لحما وجهان: أحدهما: لا ينقض لأنه ليس بلحم. والثاني: ينقض لأنه من جملته فأشبه اللحم وقد نص الله على تحريم لحم الخنزير فدخل فيه سائر أجزائه. ولا ينقض الوضوء مأكول غير احم الإبل ولا ما غيرت الناس لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحم الغنم: [وإن شئت فلا توضأ] ويروى أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ترك الوضوء مما غيرت النار رواه أبو داود.
فيه ثلاث روايات: إحداهن: لا ينقض [الوضوء] لما روى قيس بن طلق [عن أبيه] أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يمس ذكره وهو في الصلاة قال: [هل هو إلا بضعة منك] رواه أبو داود ولأنه جزء من جسده أشبه يده. والثانية: ينقض وهي أصح لما روت بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من مسه ذكره فليتوضأ] قال أحمد رضي الله عنه: هو حديث صحيح وروى أبو هريرة نحوه وهو متأخر عن حديث طلق لأن في حديث طلق أنه قدم وهم يؤسسون المسجد وأبو هريرة قدم حين فتحت خبير فيكون ناسخا له. والثالثة: إن قصد إلي مسه نقض ولا ينقض من غير قصد لأنه لمس فلم ينقض بغير قصد كلمس النساء. وفي لمس حلقة الدبر ومس المرأة فرجها روايتان: إحداهما: لا ينقض لأن تخصيص الذكر بالنقض دليل على عدمه من غيره. والثانية: ينقض لأن أبا أيوب وأم حبيبة قالا: سمعنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [من مس فرجه فليتوضأ] قال أحمد حديث أم حبيبة صحيح وهذا عام ولأنه سبيل فأشبه الذكر. وحكم لمسه فرج غيره حكم لمس فرج نفسه صغيرا كان أو كبيرا لأن نصه على نقض الوضوء بمس ذكر نفسه ولم يهتك به حرمة وهذا تنبيه على نقضه بمس من غيره. وفي مس الذكر المقطوع وجهان: أحدهما: لا ينقض كمس يد المرأة المقطوعة. والآخر: ينقض لأنه مس ذكر وإن انسد المخرج وانفتح غيره لم ينقض مسه لأنه ليس بفرج ولا ينقض مس فرج البهيمة لأنه لا حرمة لها ولا مس ذكر الأنثى المشكل ولا قبله لأنه لا يتحقق كونه فرجا وإن مسهما معا نقض لأن أحدهما فرج وإن مس رجل ذكره لشهوة نقض لأنه إن كان ذكرا فقد مس ذكره وإن كانت امرأة فقد مسها لشهوة وإن مست امرأة قبله لشهوة لما ذكرنا واللمس الذي ينقض هو اللمس بيده إلى الكوع ولا فرق بين ظهر الكف وبطنه لأن أبا هريرة روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ليس بينهما شيء فليتوضأ] من المسند ورواه الدار قطني بمعناه واليد المطلقة تتناول اليد إلى الكوع لما نذكره في التيمم. ولا ينقض غير الفرج كالعانة والأنثين وغيرهما لأن تخصيص الفرج به دليل على عدمه فيما سواه.
وهو أن تمس بشرته بشرة أنثى وفيه ثلاث روايات: إحداهن: ينقض بكل حال لقوله تعالى: {أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا}. والثانية: لا ينقض لما روي: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل عائشة ثم صلى ولم يتوضأ رواه أبو داود وعن عائشة رضي الله عنها قالت: فقدت النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت أطلبه فوقعت يدي على قدميه وهما منصوبتان وهو ساجد رواه النسائي ومسلم ولو بطل وضوءه لفسدت صلاته. والثالثة: هي ظاهر المذهب أنه ينقض إذا كان لشهوة ولا ينقض لغيرها جمعا بين الآية والأخبار ولأن اللمس ليس بحدث وإنما هو داع إلى الحدث فاعتبرت فيه الحالة التي تدعوا فيها إلى الحدث كالنوم. ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة وذوات المحارم وغيرهن لعموم الأدلة فيه. وإن لمست امرأة رجلا ففيه روايتان: إحداهما: أنها كالرجل لأنها ملامسة توجب طهارة فاستوى فيها الرجل والمرأة كالجماع. والثانية: لا ينقض وضوءها لأن النص لم يرد فيها ولا يصح قياسها على المنصوص لأن اللمس منه أدعى إلى الخروج. وهل ينقض وضوء الملموس؟ فيه روايتان. وإن لمس سن امرأة أو شعرها أو ظفرها لم ينقض وضوءه لأنه لا يقع عليها الطلاق بإيقاعه عليه وإن لمس عضوا مقطوعا لم ينقض وضوءه لأنه لا يقع عليه اسم امرأة وإن مس غلاما أو بهيمة أو مست امرأة امرأة لم ينقض الوضوء لأنه ليس محلا لشهوة الآخر شرعا.
وهو أن ينطق بكلمة الكفر أو يعتقدها أو يشك شكا يخرجه عن الإسلام فينتقض وضوءه لقول الله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك} ولأن الردة حدث لقول ابن عباس: الحدث حدثان وأشدهما حدث اللسان فيدخل في عموم قوله عليه السلام: [لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ] متفق عليه ولأنها طهارة من حدث فأبطلتها الردة كالتيمم.
عده أصحابنا من نواقض الوضوء لأن ابن عمر وابن عباس كانا يأمران غاسل الميت بالوضوء وقال أبو هريرة: أقل ما فيه الوضوء لأنه مظنة لمس الفرج فأقيم مقامه كالنوم مع الحدث ولا فرق بين الميت المسلم والكافر والصغير والكبير في ذلك لعموم الأمر والمعنى. وكلام أحمد يدل على أنه مستحب غير واجب فإنه قال: أحب إلي أن يتوضأ وعلل نفي وجوب الغسل من غسل الميت بكون الحديث موقوفا على أبي هريرة والوضوء كذلك ولأنه ليس بمنصوص عليه ولا هو في معنى المنصوص والأصل عدم وجوبه فيبقى عليه وما عدا هذا لا ينقض بحال.
ومن تيقن الطهارة وشك هل أحدث أم لا فهو على طهارته لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه هل خرج شيء أو لم يخرج؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا] رواه مسلم والبخاري ولأن اليقين لا يزال بالشك. وإن تيقن الحدث شك في الطهارة فهو محدث لذلك. وإن تيقنهما وشك في السابق منهما نظر في حاله قبلهما فإن كان متطهرا فهو محدث الآن لأنه تيقن زوال تلك الطهارة بحدث وشك هل زال أم لا فلم يزل يقين الحدث بشك الطهارة وإن كان قبلهما محدثا فهو الآن متطهر لما ذكرنا في التي قبلها.
ولا تشترط الطهارتان معا إلا لثلاثة أشياء: الصلاة: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى يتوضأ]. والطواف: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [الطواف في البيت صلاة إلا أن الله أباح فيه الكلام] رواه الشافعي في مسنده. ومس المصحف: لقول الله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمر بن حازم: [لا تمس القرآن إلا وأنت طاهر] رواه الأثرم ولا بأس بحمله في كمه أو بعلاقته وتصحفه بعود لأنه ليس بمسه له ولذلك لو فعله بامرأة لم ينتقض وضوءه. وإن مس المحدث كتاب فقه أو رسالة فيها آي من القرآن جازه لأنه لا يسمى مصحفا والقصد منه غير القرآن ولذلك كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في رسالته: {يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم} الآية متفق عليه وكذلك إن مس ثوبا مطرزا بآية من القرآن. وإن مس درهما مكتوبا عليه آية فكذلك في أحد الوجهين لما ذكرنا. والثاني: لا يجوز لأنه معظم ما فيه من القرآن. وفي مس الصبيان ألواحهم وحملها على غير طهارة وجهان: أحدهما: لا يجوز لأنهم محدثون فأشبهوا البالغين. والثاني: يجوز لأن حاجتهم ماسة إلى ذلك ولا تتحفظ طهارتهم فأشبه الردهم. ومن كان طاهرا وبعض أعضائه نجس فمس المصحف بالعضو الطاهر جاز لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها بخلاف الحدث.
ويستحب تجديد الطهارة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة طلبا للفضل رواه البخاري. [وصلى يوم الفتح الصلوات الخمس بوضوء واحد] ليبين الجواز رواه مسلم.
يستحب لمن أراد قضاء الحاجة أن يقول: بسم الله لما روى علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ستر ما بين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول: بسم الله] رواه بن ماجة والترمذي ويقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال ذلك متفق عليه. فإذا خرج قال: غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني لما روت عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج من الخلاء قال: [غفرانك] حديث حسن وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الخلاء قال: [الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني] رواه ابن ماجة ويقدم رجله اليسرى في الدخول ورجله اليمنى في الخروج لأن اليسرى للأذى واليمنى لما سواه ويضع ما فيه ذكر الله أو قرآن صيانة له فإذا كان ذلك دراهم فقال أحمد رضي الله عنه: أرجو أن لا يكون به بأس قال: والخاتم فيه اسم الله يجعله في بطن كفه ويدخل الخلاء.
وإن كان في الفضاء أبعد لما روى جابر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز انطلق حتى لا يراه أحد. ويستتر عن العيون لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [من أتى الغائط فليستتر فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيبا من رمل فليستدبره]. ويرتاد لبوله مكانا رخوا لئلا يترشش عليه ولا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض لما روء عن النبي صلى الله عليه وسلم [أنه كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض] أخرج هذه الأحاديث الثلاثة أبو داود. ويبول قاعدا لأنه أستر له وأبعد من أن يترشش عليه.
ولا يجوز استقبال القبلة في الفضاء بغائط ولا بول لما روى أبو أيوب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا] قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله متفق عليه. وفي استدبارها روايتان: إحداهما: لا يجوز لهذا الحديث. والأخرى: يجوز لما روى ابن عمر قال رقيت يوما على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم جالسا على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة متفق عليه. وفي استدبارها في البنيان روايتان: إحداهما: لا يجوز لعموم النهي. والثانية: يجوز لما روى عراك بن مالك عن عائشة رضي الله عنها قالت: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم أن قوما يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال: [أو قد فعلوا؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة] رواه الإمام أحمد وابن ماجه قال أحمد: أحسن حديث يروى في الرخصة حديث عراك وإن كان مرسلا فإن مخرجه حسن سماه مرسلا لأن عراكا لم يسمع من عائشة وعن مروان الأصفر أنه قال: أناخ ابن عمر بعيره مستقبل القبلة ثم جلس يبول إليه فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى إنما نهي عن هذا في الفضاء أما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس رواه أبو داود. ويكره أن يستقبل الشمس والقمر تكريما لهما وأن يستقبل الريح لئلا ترد البول عليه.
ويكره أن يبول في شق أو ثقب لما روى عبد الله بن سرجس أن النبي صلى الله عليه وسلم: [نهى أن يبال في الجحر] رواه أبو داود ولأنه لا يأمن أن يكون مسكنا للجن أو يكون فيه دابة تلسعه ويكره البول في طريق أو ظل ينتفع به أو مورد ماء لما روى معاذ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل] رواه أبو داود ويكره البول في موضع تقع فيه الثمرة لئلا تتنجس به والبول في المغتسل لما روى عبد الله بن مغفل قال: [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبول الرجل في مغتسله] رواه بن ماجة قال أحمد رضي الله عنه: إن صب عليه الماء فجرى في البالوعة فذهب فلا بأس.
يكره أن يتكلم على البول أو يسلم أو يذكر الله تعالى بلسانه لأن النبي صلى الله عليه وسلم سلم عليه رجل وهو يبول فلم يرد عليه حتى توضأ ثم قال: [كرهت أن أذكر الله إلا على طهر] رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة ويكره الإطالة أكثر من الحاجة لأنه يقال: إن ذلك يدمي الكبد ويأخذ منه الباسور ويتوكأ في جلوسه على الرجل اليسرى لما روى سراقة بن مالك قال: علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتينا الخلاء أن نتوكأ على اليسرى وننصب اليمنى رواه الطبراني في معجمه ولأنه أسهل لخروج الخارج ويتنحنح ليخرج ما تم ثم يسلت من أصل ذكره فيما بين المخرجين ثم ينتره برفق ثلاثا فإذا أراد الاستنجاء تحول من موضعه لئلا يرش على نفسه.
والاستنجاء واجب من كل خارج من السبيل معتادا كان أو نادرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المذي: [يغسل ذكره ويتوضأ] وقال: [إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فإنها تجزئ عنه] رواه أبو داود عن ابن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم والنسائي وأحمد والدار قطني وقال: إسناد حسن صحيح ولأن المعتاد نجاسة لا مشقة في إزالتها فلم تصح الصلاة معها كالكثير والنادر لا يخلو من رطوبة تصحبه غالبا ولا يجب من الريح لأنها ليست نجسة ولا يصحبها نجاسة وقد روي: [من استنجى من الريح فليس منا] رواه الطبراني في المعجم الصغير.
وإن تعدت النجاسة المخرج بم لم تجر العادة به كالصفحتين ومعظم الحشفة لم يجزئه إلا الماء لأن ذلك نادر فلم يجز فيه المسح كيده وإن لم يتجاوز قدر العادة جاز بالماء والحجر نادرا كان أو معتادا لحديث ابن أبي أوفى ولأن النادر خارج يوجب الاستنجاء أشبه المعتاد والأفضل الجمع بين الماء والحجر يبدأ بالحجر لأن عائشة رضي الله عنها قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني أستحييهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعله حديث صحيح ولأنه أبلغ في الإنقاء وأنظف ولأن الحجر يزيل عين النجاسة فلا تباشرها يده فإن اقتصر على أحدهما جاز والماء أفضل لأن أنسا قال: [كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خرج لحاجة أجيء أنا وغلام معنا إداوة من ماء يعني: يستنجي به] متفق عليه ولأنه يزيل عين النجاسة وأثرها ويطهر المحل. وإن اقتصر على الحجر أجزأ بشرطين: أحدهما: الإنقاء وهو أن لا يبقى إلا أثر لا يزيله إلا الماء بحيث يخرج الآخر نقيا. والثاني: استيفاء ثلاثة أحجار لقول سلمان رضي الله عنه: لقد نهانا- يعني النبي صلى الله عليه وسلم- أن نستنجي باليمين وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار وأن نستنجي برجيع أو عظم رواه مسلم فإن كان الحجر كبيرا فمسح بجوانبه ثلاث مسحات أجزأه ذكره الخرقي لأن المقصود عدد المسحات دون عدد الأحجار بدليل أنا لم نقتصر على الأحجار بل عديناه إلى ما في معناه من الخشب والخرق. وقال أبو بكر لا يجزئه اتباعا للفظ الحديث وقال: لا يجزئه الاستجمار بغير الأحجار لأن الأمر ورد بها على الخصوص ولا يصح لأن في سياقه [وإن نستنجي برجيع أو عظم] فيدل على أنه أراد الحجر وما في معناه ولولا ذلك لم يخص هذين بالنهي وروى طاوس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [فليستطب بثلاثة أحجار أو ثلاثة أعواد أو ثلاثة حثيات من تراب] رواه الدارقطني ولأنه نص على الأحجار لمعنى معقول فيتعداه الحكم كنصه على الغضب في منع القضاء.
ويجوز الاستجمار بكل جامد طاهر منق غير مطعوم لا حرمة له ولا متصل بحيوان فيدخل فيه الحجر وما قام مقامه من الخشب والخرق والتراب ويخرج منه المائع لأنه يتنجس بإصابة النجاسة فيزيد المحل تنجسا ويخرج منه النجس لأن النبي صلى الله عليه وسلم ألقى الروثة وقال: [إنها ركس] رواه البخاري ولأنه يكسب المحل نجاسة فإن استجمر به والمحل رطب لم يجزه الاستجمار بعده لأن المحل صار نجسا بنجاسة واردة عليه فلزم غسله كما لو تنجس بذلك في حال طهارته ويخرج ما لا ينقي كالزجاج والفحم الرخو لأن الإنقاء شرط ولا يحصل به ويخرج المطعومات والروث والرمة وإن كانا ظاهرين لما روى ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا تنجسوا بالروث ولا بالعظام فأن زاد إخوانكم من الجن] رواه مسلم علل النهي بكونه زادا للجن فزادنا أولى ويخرج ما له حرمة كالورق المكتوب لأن له حرمة أشبه المطعوم ويخرج منه ما يتصل بحيوان كيده وذنب بهيمة وصوفها المتصل بها لأنه ذو حرمة فأشبه سائر أعضاءها وإن استجمر بما نهى عنه لم يصح لأن الاستجمار رخصة فلا تستباح بالمحرم كسائر الرخص.
ولا يستجمر بيمينه ولا يستعين بها فيه لحديث سلمان وروى أبو قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لا يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول ولا يتمسح من الخلاء بيمينه] متفق عليه فيأخذ ذكره بيساره ويمسح به الحجر أو الأرض فإن كان الحجر صغيرا أمسكه بعقبيه أو بإبهامي قدميه فمسح عليه فإن لم يمكنه أخذ الحجر بيمينه والذكر بيساره فمسحه على الحجر. ولا يكره الاستعانة باليمنى في الماء لأن الحاجة داعية إليه فإذا استجمر بيمينه أجزأه لأن الاستجمار بالحجر لا باليد فلم يقع النهي على ما يستنجي به.
وكيف حصل الإنقاء في الاستجمار أجزأه إلا أن المستحب أن يمر حجرا من مقدم صفحته اليمنى إلى مؤخرها ثم يمره على صفحته اليسرى حتى يرجع به إلى الموضع الذي بدأ منه ثم يمر الثاني من مقدم صفحته اليسرى كذلك ثم يمر الثالث على المسربة والصفحتين لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [أو لا يجد أحدكم حجرين للصفحتين وحجرا للمسربة] رواه الدارقطني وقال إسناد حسن ويبدأ بالقبل لينظفه لئلا تتنجس يده به عند الاستجمار في الدبر والمرأة مخيرة في البداءة بأيهما شاءت لعدم ذلك فيها.
فإن توضأ قبل الاستنجاء ففيه روايتان: إحداهما: لا يجزئه لأنها طهارة يبطلها الحدث فاشترط تقديم الاستنجاء عليها كالتيمم. والثانية: يصح لأنها نجاسة فلم يشترط تقديم إزالتها كالتي على ساقه فعلى هذه الرواية إن قدم التيمم على الاستجمار ففيه وجهان: أحدهما: يصح قياسا على الوضوء. والثاني: لا يصح لأنه لا يرفع الحدث وإنما تستباح به الصلاة فلا تباح مع قيام المانع وإن تيمم وعلى بدنه نجاسة في غير الفرج ففيه وجهان: أحدهما: لا يصح قياسا على نجاسة الفرج. والثاني: يصح لأنها نجاسة لم توجب التيمم فلم تمنع صحته كالتي على ثوبه.
الموجب له في حق الرجل ثلاث أشياء: الأول: إنزال المني وهو الماء الدافق تشتد الشهوة عند خروجه ويفتر البدن بعده وماء الرجل أبيض ثخين وماء المرأة أصفر رقيق قال النبي صلى الله عليه وسلم: [إن ماء الرجل غليظ أبيض وماء المرأة رقيق أصفر] رواه مسلم فيجب الغسل بخروجه في النوم واليقظة لأن أم سليم قالت: يا رسول الله إن الله لا يستحيي من الحق هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [نعم إذا رأت الماء] متفق عليه فإن خرج لمرض من غير شهوة لم يوجب لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف المني الموجب بأنه غليظ أبيض ولا يخرج في المرض إلا رقيقا فإن احتلم فلم يرى بللا فلا غسل عليه لحديث أم سليم وإن رأى منيا ولم يذكر احتلاما فعليه الغسل لما روت عائشة قالت: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما فقال: [يغتسل] وسئل عن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل فقال: [لا غسل عليه] رواه أبو داود فإن وجد منيا في ثوب ينام فيه هو وغيره فلا غسل عليه لأن الأصل عدم وجوبه فلا يجب بالشك. وإن لم يكن ينام فيه غيره وهو ممن يمكن أن يحتلم كابن اثني عشر سنة فعليه الغسل. وإعادة الصلاة من أحدث نومة نامها لأن عمر رضي الله عنه رأى في ثوبه منيا بعد أن صلى فاغتسل وأعاد الصلاة.
والمذي: ماء رقيق يخرج بعد الشهوة متسببا لا يحس بخروجه فلا غسل فيه ويجب منه الوضوء لما روى سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: كنت ألقى من المذي شدة وعناء فكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسألته عنه فقال: [يجزيك من ذلك الوضوء] حديث صحيح وهل يوجب غسل الذكر والأنثيين؟ على روايتين: إحداهما: لا يوجب لحديث سهل. والثانية: يوجب لما روى علي رضي الله عنه قال: كنت رجلا مذاء فاستحييت أن أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكان ابنته فأمرت المقداد فسأله فقال: [يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ] رواه أبو داود. والودي: ماء أبيض يخرج عقب البول فليس فيه إلا الوضوء لأن الشرع لم يرد فيه بزيادة عليه. فإن خرج منه شيء ولم يدر أمني هو أو غيره؟ في يقظة فلا غسل فيه لأن المني الموجب الغسل يخرج دفقا بشهوة فلا يشتبه بغيره وإن كان في نوم وكان نومه عقيب شهوة بملاعبة أهله أو تذكر فهو مذي لأن ذلك سبب المذي والظاهر أنه مذي وإن لم يكن كذلك اغتسل لحديث عائشة في الذي جد البلل ولأن خروج المني في النوم معتاد وغيره نادر فحمل الأمر على المعتاد.
وإن أحس بانتقال المني من ظهره فأمسك ذكره فلم يخرج ففيه روايتان: إحداهما: لا غسل عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا رأت الماء]. والثانية: يجب لأنه خرج من مقره أشبه ما لو ظهر. فإن اغتسل فخرج بعد ذلك وجب الغسل على الرواية الأولى لأن الواجب متعلق بخروجه ولم يجب على الثانية لأنه تعلق بانتقاله وقد اغتسل له. وعنه: إن خرج قبل البول وجب الغسل لأنا نعلم أنه المني المنتقل فإن خرج بعده لم يجب لأنه يحتمل أنه غيره وهو خارج لغير شهوة وفي فضلة المني الخارج بعد الغسل الروايات الثلاث.
والثاني: التقاء الختانين وهو تغيب الحشفة في الفرج يوجب الغسل وإن عري عن الإنزال لقول النبي صلى الله عليه وسلم: [إذا جلس بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل] رواه مسلم وختان الرجل: الجلدة التي تبقى بعد الختان وختان المرأة جلدة كعرف الديك في أعلى الفرج يقطع منها في الختان فإذا غابت الحفشة في الفرج تحاذى ختاناهما فيقال: التقيا وإن لم يتماسا. ويجب الغسل في الإيلاج في كل فرج قبل أو دبر من آدمي أو بهيمة حي أو ميت لأنه فرج أشبه قبل المرأة. فإن أولج من قبل الخنثى المشكل فلا غسل عليهما لأنه لا يتيقن كونه فرجا فلا يجب الغسل بالشك.
والثالث: إسلام الكافر وفيه روايتان: إحداهما: يوجب الغسل اختارها الخرقي لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ثمامة بن أثال وقيس بن عاصم أن يغتسلا حين أسلما ولأن الكافر لا يسلم من حدث لا يرتفع حكمه باغتساله فقامت مظنة ذلك مقامه ولا يلزمه أن يغتسل للجنابة لأن الحكم تعلق بالمظنة فسقط حكم المظنة كالمشقة في السفر. والثانية: لا غسل عليه اختارها أبو بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: [إنك تأتي قوما أهل كتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله فأن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات] متفق عليه ولم يأمرهم بالغسل ولو كان أول الفروض لأمر به ولأنه أسلم العدد الكثير والجم الغفير فلو أمروا بالغسل لنقل نقلا متواترا. فإن أجنب في حال كفره احتمل أنه لا يجب الغسل عليه لما ذكرناه واحتمل أنه يجب وهو قول أبي بكر لأن حكم الحدث باق.
أما المرأة فيجب من حقها الأغسال المذكورة وتزيد بالغسل من الحيض والنفاس ونذكره في بابه. ولا يجب الغسل في الولادة العارية من الدم لأن الإيجاب من الشرع ولم يوجب لها ولا هي في معنى المنصوص عليه. وعنه يجب بها لأنها لا تكاد تعرى من نفاس موجب فكانت مظنة له فأقيمت مقامه كاتقاء الختانين مع الإنزال.
ولا يجب الغسل بغير ذلك من غسل ميت أو إفاقة مجنون أو مغمى عليه لما ذكرناه.
ومن لزمه الغسل حرم عليه ما حرم على المحدث ويحرم عليه قراءة آية فصاعدا لقول علي رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من الخلاء فيقرئنا القرآن ويأكل معنا اللحم ولم يكن يحجبه أو قال: يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة رواه أبو داود وفي بعض آية روايتان: إحداهما: يحرم قراءته لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [لا تقرأ الحائض والجنب شيئا من القرآن] رواه أبو داود. والأخرى: يجوز لأن الجنب لا يمنع من قول: بسم الله والحمد لله وذلك بعض آية.
ويحرم عليه اللبث في المسجد لقوله تعالى: {ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا} يعني مواضع الصلاة وقال النبي صلى الله عليه وسلم: [لا أحل المسجد لحائض ولا جنب] رواه أبو داود ولا يحرم العبور عفي المسجد لقوله تعالى: {إلا عابري سبيل} ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: [ناوليني الخمرة من المسجد] قالت: إني حائض قال: [إن حيضك ليست في يدك]. قال بعض أصحابنا: إذا توضأ الجنب حل له اللبث في المسجد لأن الصحابة رضي الله عنهم كان أحدهم إذا أراد أن يتحدث في المسجد وهو جنب توضأ ثم دخل فجلس فيه ولأن الوضوء يخفف بعض حدثه فيزول بعض ما منعه.
ويستحب للجنب إذا أراد أن ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة لما روى ابن عمر أن عمر قال: يا رسول الله أيرقد أحدنا وهو جنب؟ قال: [نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد] متفق عليه ويستحب له الوضوء إذا أراد أن يأكل أو يعود للجماع ويغسل فرجه فأما الحائض فلا يستحب لها شيء من ذلك لأن الوضوء لا يؤثر في حدثها ولا يصح منها.
وهي على ضربين: كامل ومجزئ. الضرب الأول: الكامل يأتي فيه بتسعة أشياء: النية وهو أن ينوي الغسل للجنابة أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل كقراءة القرآن واللبث في المسجد ثم يسمي ثم يغسل يديه ثلاثا قبل إدخالهما الإناء ثم يغسل ما به من الأذى ويغسل فرجه وما يليه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يحثي على رأسه ثلاث حثيات يروي بها أصول شعره ويخلله بيده ثم يفيض الماء على سائر جسده ثم يدلك بدنه بيده وإن توضأ إلا غسل رجليه ثم غسل قدميه آخرا فحسن قال أحمد رضي الله عنه: الغسل من الجنابة على حديث عائشة يعني قولها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة غسل يديه وتوضأ وضوءه للصلاة ثم يخلل شعره بيديه حتى إذا ظن أنه قد أروى بشرته أفاض عليه الماء ثلاث مرات ثم غسل سائر جسده. وقالت ميمونة: وضع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وضوء الجنابة فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم تمضمض واستنشق وغسل وجهه وذراعيه ثم أفاض على رأسه ثم غسل جسده فأتيته بالمنديل فلم يردها وجعل ينفض الماء بيده متفق عليهما. الضرب الثاني: المجزئ وهو ينوي ويعم بدنه وشعره بالغسل والتسمية ههنا كالتسمية في الوضوء فيما ذكرنا ويجب إيصال الماء إلى البشرة التي تحت الشعر وإن كان كثيفا لحديث عائشة ولا يجب نقضه إن كان مضفورا لما روت أم سلمة قالت: قلت: يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: [لا إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين] رواه مسلم ولا ترتيب الغسل لأن الله تعالى قال: {وإن كنتم جنبا فاطهروا} ولم يقدم بعض البدن على بعض لكن يستحب البداءة بما ذكرناه والبداءة بغسل الشق الأيمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في طهوره ولا موالاة فيه لأنه طهارة لا ترتيب فيها فلم يكن فيها موالاة كغسل النجاسة.
فأما غسل الحيض فهو كغسل الجنابة سواء إلا أنه يستحب لها أن تأخذ شيئا من المسك أو طيب أو غيره فتتبع به أثر الدم ليزيل [زفورته] لما روت عائشة رضي الله عنها: أن امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله عن الغسل من الحيض فقال: [خذي فرصة من مسك فتطهري بها] فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقالت عائشة: قلت: تتبعي بها أثر الدم رواه مسلم فإن لم تجد مسكا فغيره من الطيب فإن لم تجد فالماء كاف. وهل عليها نقض شعرها للغسل منه؟ فيه روايتان: إحداهما: لا يجب لأنه غسل واجب أشبه الجنابة. والثانية: يجب ليتيقن وصول الماء إلى ما تحته وإنما عفي عنه في الجنابة لأنه يتكرر فيشق النقض فيه بخلاف الحيض.
والأفضل تقديم الوضوء على الغسل للخبر الوارد فإن اقتصر على الغسل ونواهما أجزأه عنهما لقول الله تعالى: {إن كنتم جنبا فاطهروا} ولم يأمر بالوضوء معه، ولأنهما عبادتان من جنس: صغرى وكبرى فدخلت الصغرى في الكبرى في الأفعال دون النية كالحج والعمرة. وعنه: لا يجزئه عن الحدث الأصغر حتى يتوضأ لأنهما نوعان يجبان بسببين فلم يدخل إحداهما في الآخر كالحدود وإن نوى إحداهما دون الآخر فليس له غيرها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [وإنما لكل امرئ ما نوى].
ويجوز للرجل والمرأة أن يغتسلا ويتوضآ من إناء واحد لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وزوجته من إناء واحد يغرفان منه جميعا متفق عليه وقال ابن عمر كان الرجال والنساء يتوضئون في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد رواه أبو داود ويجوز للمرأة التطهر بفضل طهور الرجل وفضل طهور المرأة وللرجل التطهر بفضل طهور الرل وفضل طهور المرأة ما لم تخل به. فإن خلت به ففيه وجهان: إحداهما: يجوز أيضا لما روت ميمونة رضي الله عنها قالت: أجنبت فاغتسلت من جفنة ففضلت فيها فضلة فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليغتسل منها فقلت: إني اغتسلت منه فقال: [إن الماء ليس عليه جنابة] رواه أبو داود ولأنه ماء لم ينجس ولم يزل عن إطلاقه فأشبه فضله الرجل. والثانية: لا يجوز للرجل التطهر به لما روى الحكم بن عمرو قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة حديث حسن قال أحمد رحمه الله: جماعة من الصحابة كرهوه ذكر منهم ابن عمر وعبد الله بن سرجس وخص ما خلت به لقول عبد الله بن سرجس: توضأ أنت ههنا وهي ههنا فأما إذا خلت به فلا تقربنه. ومعنى الخلوة: أن لا يشاهدها إنسان تخرج بحضوره عن الخلوة في النكاح. وذكر القاضي أنها لا تخرج عن الخلوة ما لم يشاهدها رجل. وإنما تؤثر خلوته في الماء اليسير لأن النجاسة لا تؤثر في الكثير فهذا أولى. ولا يخرج الماء الذي خلت به المرأة عن إطلاقه بل يجوز للنساء التطهر به من الحدث والنجاسة. وللرجل إزالة النجاسة به لأن منع الرجل من الوضوء به تعبد فوجب قصره على مورده. وذكر القاضي أنه لا يزيل النجاسة لأن ما لا يرفع الحدث لا يزيل النجس كالخل. وهذا لا يمكن القول بموجبه فإن هذا يرفع حدث المرأة بخلاف الخل.
|