الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: القول المفيد على كتاب التوحيد **
هذه الترجمة أتى بها المؤلف بصيغة النفي، وهو محتمل للكراهة والتحريم، لكن استدلاله بالحديث يقتضي أنه للتحريم وهو كذلك. والسلام له عدة معان: 1. التحية، كما قال: سلم على فلان، أي: حياة بالسلام. 2. السلامة من النقص والآفات، كقولنا: " السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ". 3. السلام: اسم من أسماء الله تعالى، قال تعالى: ( الملك القدوس السلام ( [الحشر: 23]. قوله: " لا يقال السلام على الله ". أي: لا تقل: السلام عليكم يا رب، لما يلي: أ) أن مثل هذا الدعاء يُوهم النقص في حقه، فتدعو الله أن يسلم نفسه من ذلك، إذ لا يدعي لشيء بالسلام من شيء إلا إذا كان قابلًا أن يتصف به، والله سبحانه منزه عن صفات النقص. ب) إذا دعوت الله أن يسلم نفسه، فقد خالفت الحقيقة، لأن الله يدعى ولا يدعى له، فهو غني عنا، لكن يثني عليه بصفات الكمال مثل غفور، سميع، عليم ... ومناسبة الباب لتوحيد الصفات ظاهرة، لأن صفاته عليا كاملة كما أن أسماءه حسنى، والدليل على أن صفاته عليا قوله تعالى: {للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى} [النحل: 60] وقوله تعالى: {وله المثل الأعلى في السماوات والأرض} [الروم: 27]. والمثل الأعلى: الوصف الأكمل، فإذا قلنا: السلام على الله أوهم ذلك أن الله سبحانه قد يلحقة النقص، وهذا ينافي كمال صفاته. ومناسبة هذا الباب لما قبله ظاهرة، لأن موضوع الباب الذي قبله إثبات الأسماء الحسنى لله المتضمنة لصفاته، وموضوع هذا الباب سلامة صفاته من كل نقص، وهذا يتضمن كمالها، إذ لا يتم الكمال إلا بإثبات صفات الكمال ونفي ما يضادها، فإنك لو قلت: زيد فاضل أثبت له الفضل، وجاز أن يلحقه نقص، وإذا قلت: زيد فاضل ولم يسلك شيئًا من طرق السفول، فالآن أثبت له الفضل المطلق في هذه الصفة. والرب سبحانه وتعالى ينصف بصفات الكمال، ولكنه إذا ذكر ما يضاد تلك الصفة صار ذلك أكمل، ولهذا أعقب المؤلف رحمه الله الباب السابق بهذا الباب إشارة إلى أن الأسماء الحسنى والصفات العلى لا يلحقها نقص. والسلام اسم ثبوتي سلبي. فسلبي: أي أنه يراد به نفي كل نقص أو عيب يتصوره الذهن أو يتخيله العقل، فلا يلحقه نقص في ذاته أو صفاته أو أفعاله أو أحكامه. وثبوتي: أي يراد به ثبوت هذا الاسم له، والصفة التي تضمنها وهي السلامة. في الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه، قال: كنا إذا كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلاة، قلنا: السلام على الله من عباده، السلام على فلان وفلان. فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام) . قول: " في الصحيح ". هذا أعم من أن يكون ثابتًا في " الصحيحين "، أو أحدهما، أو غيرها، وأنظر: (ص 146) باب تفسير التوحيد وشهادة أن لا إله إلا الله، وهذا الحديث المذكور في " الصحيحين ". قوله: (كنا مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلاة ). الغالب أن المعية مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الصلاة " لا تكون إلا في الفرائض، لأنها هي التي يشرع لها صلاة الجماعة، ومشروعية صلاة الجماعة في غير الفرائض قليلة، كالاستسقاء. قوله: " قلنا: السلام على الله من عباده ". أي: يطلبون السلامة لله من الآفات، يسألون الله أن يسلم نفسه من الآفات، أو أن اسم السلام على الله من عباده، لأن قول الإنسان السلام عليكم خبر بمعني الدعاء، وله معنيان: 1. اسم السلام عليك، أي: عليك بركاته باسمه. 2. السلامة من الله عليك، فهو سلام بمعني تسليم، ككلام بمعني تكليم. قوله: " السلام على فلان وفلان ". أي: جبريل وميكائيل، وكلمة فلان يكني بها عن الشخص، وهي مصروفة، لأنها ليست علمًا ولا صفة، كصفوان في قوله تعالى: وقد جاء في لفظ آخر: (السلام على جبريل و ميكال) كانوا يقولون هكذا في السلام. فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (لا تقولوا: السلام على الله، فإن الله هو السلام). وهذا نهي تحريم، والسلام لا يحتاج إلى سلام، هو نفسه عز وجل سلام سالم من كل نقص ومن كل عيب. وفيه دليل على جواز السلام على الملائكة، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم ينه عنه، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما أخبر عائشة أن جبريل يسلم عليها قالت: " عليه السلام " . * فيه مسائل: الأولى: تفسير السلام. الثانية: أنه تحية. الثالثة: أنها لا تصلح لله. الرابعة: العلة في ذلك. الخامسة: تعليمهم التحية التي تصلح لله. * الأولى: تفسير السلام: فبالنسبة كونه اسمًا من أسماء معناه السالم من كل نقص وعيب، وبالنسبة لكونه تحية له معنيان: * الأول: تقدير مضاف، أي، اسم السلام عليك، أي: اسم الله الذي هو السلام عليك. * الثاني: أن السلام بمعني التسليم اسم مصدر كالكلام بمعني التكليم، أي: تخبر خبرًا يراد به الدعاء، أي: أسأل الله أن يسلمك تسليمًا. * الثانية: أنه تحية. وسبق ذلك. * الثالثة: أنها لا تصلح لله. وإذا كانت لا تصلح له كانت حرامًا. * الرابعة: العلة في ذلك. وهي أن الله هو السلام، وقد سبق بيانها. * الخامسة: تعليمهم التحية التي تصلح لله. وتؤخذ من تكملة الحديث: (فإذا صلى أحدكم، فليقل: التحيات لله.. )، وفيه حسن تعليم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من وجهين الأول: أنه حينما نهاهم علل النهي. وفي ذلك فوائد: 1. طمأنينة الإنسان إلى الحكم إذا قرن بالعلة. 2. بيان سمو الشريعة الإسلامية وأن أوامرها ونواهيها مقرونة بالحكمة، لأن العلة حكمة. 3. القياس على ما شارك الحكم المعلل بتلك العلة. الثاني: أنه حين نهاهم عن ذلك بين لهم ما يباح لهم، فيؤخذ منه أنه المتكلم إذا ذكر ما ينهي عنه فليذكر ما يقوم مقامه مما هو مباح، ولهذا شواهد كثيرة من القرآن والسنة سبق شيء منها. ويستفاد من الحديث: أنه لايجوز الإقرار على المحرم، لقوله: (لا تقولوا: السلام على الله)، وهذا واجب على كل مسلم، ويجب على العلماء بيان الأمور الشرعية لئلا يستمر الناس فيما لا يجوز ويرون أنه جائز، قال تعالى:
|