الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: مَنْ ادَّعَى مَالاً, فَأَقَامَ عَلَيْهِ شَاهِدًا, أَوْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ مَالٌ فَكَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ نُظِرَ فِي قِيمَةِ الْمَالِ فَإِنْ كَانَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا, وَكَانَ الْحُكْمُ بِمَكَّةَ أَحْلَفَ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ عَلَى مَا يَدَّعِي وَيُدَّعَى عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ يَمِينٌ لاَ يَحْلِفُ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ فَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا حَلَفَ فِي الْحِجْرِ فَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ فِي الْحِجْرِ أَحْلَفَ عَنْ يَمِينِ الْمَقَامِ وَيَكُونُ أَقْرَبَ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْمَقَامِ, وَإِنْ كَانَ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا أَحْلَفَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا إذَا كَانَ يَحْلِفُ عَلَيْهِ مِنْ أَرْشِ جِنَايَةٍ, أَوْ غَيْرِهَا مِنْ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا, وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ بَيْنَ الْبَيْتِ, وَالْمَقَامِ وَإِنْ حَنِثَ كَمَا يُجْبَرُ عَلَى الْيَمِينِ لَوْ لَزِمَتْهُ وَعَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ لاَ يَحْلِفَ كَانَ مَذْهَبًا وَمَنْ كَانَ بِبَلَدٍ غَيْرِ مَكَّةَ, وَالْمَدِينَةِ أَحْلَفَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا, أَوْ عَلَى الْعَظِيمِ مِنْ الدَّمِ, وَالْجِرَاحِ بَعْدَ الْعَصْرِ فِي مَسْجِدِ ذَلِكَ الْبَلَدِ وَيُتْلَى عَلَيْهِ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَيَحْلِفُ عَلَى الطَّلاَقِ, وَالْحُدُودِ كُلِّهَا وَجِرَاحِ الْعَمْدِ صَغُرَتْ أَمْ كَبُرَتْ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ وَعَلَى جِرَاحِ الْخَطَإِ الَّتِي هِيَ أَمْوَالٌ إذَا بَلَغَ أَرْشُهَا عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ لَمْ يَحْلِفْ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ, وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ يَدَّعِي الْعِتْقَ إنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ عِشْرِينَ دِينَارًا حَلَفَ سَيِّدُهُ وَإِلَّا لَمْ يَحْلِفْ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ حُكَّامِ الْمَكِّيِّينَ وَمُفْتِيهمْ وَمِنْ حُجَّتِهِمْ فِيهِ إجْمَاعُهُمْ أَنَّ مُسْلِمَ بْنَ خَالِدٍ, وَالْقَدَّاحَ أَخْبَرَا عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ رَأَى قَوْمَهُ يَحْلِفُونَ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ فَقَالَ أَعَلَى دَمٍ؟ قَالُوا لاَ قَالَ أَفَعَلَى عَظِيمٍ مِنْ الْأَمْرِ؟ فَقَالُوا لاَ قَالَ لَقَدْ خَشِيت أَنْ يَتَهَاوَنَ النَّاسُ بِهَذَا الْمَقَامِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَذَهَبُوا إلَى أَنَّ الْعَظِيمَ مِنْ الْأَمْوَالِ مَا وُصِفَتْ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا وَقَالَ مَالِكٌ يَحْلِفُ عَلَى الْمِنْبَرِ عَلَى رُبْعِ دِينَارٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُؤَمَّلِ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ كَتَبْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ الطَّائِفِ فِي جَارِيَتَيْنِ ضَرَبَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلاَ شَاهِدَ عَلَيْهِمَا فَكَتَبَ إلَيَّ أَنْ أَحْبِسَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ, ثُمَّ أَقْرَأُ عَلَيْهِمَا: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَفَعَلْت فَاعْتَرَفْت. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَخْبَرَنَا مُطَرِّفُ بْنُ مَازِنٍ بِإِسْنَادٍ لاَ أَعْرِفُهُ أَنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَمَرَ بِأَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمُصْحَفِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَرَأَيْت مُطَرِّفًا بِصَنْعَاءَ يَحْلِفُ عَلَى الْمُصْحَفِ قَالَ وَيَحْلِفُ الذِّمِّيُّونَ فِي بَيْعَتِهِمْ وَحَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَعَلَى التَّوْرَاةِ, وَالْإِنْجِيلِ وَمَا عَظَّمُوا مِنْ كُتُبِهِمْ
(قَالَ) وَمَنْ أَحْلَفَ عَلَى حَدٍّ, أَوْ جِرَاحِ عَمْدٍ قَلَّ أَرْشُهَا, أَوْ كَثُرَ, أَوْ زَوْجٍ لاَعَنَ فَهَذَا أَعْظَمُ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ كَمَا وَصَفْنَا بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ وَفِي الْمَسَاجِدِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ وَبِمَا تُؤَكَّدُ بِهِ الْأَيْمَانُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَخْطَأَ الْحَاكِمُ فِي رَجُلٍ عَلَيْهِ يَمِينٌ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ, فَأَحْلَفَهُ وَلَمْ يُحَلِّفْهُ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ فَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا أَنَّهُ إذَا كَانَ مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ وَلاَ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ عِنْدَهُ حَاكِمٌ لاَ يُجْلَبُ إلَى الْمَدِينَةِ وَلاَ مَكَّةَ فَيَحْلِفُ بِبَلَدِهِ فَحَلَّفَهُ فِي حَرَمِ اللَّهِ وَفِي حَرَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْظَمُ مِنْ حَلِفِهِ فِي غَيْرِهِ وَلاَ تُعَادُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ, وَالْآخَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ يَحْلِفَ بَيْنَ الْمَقَامِ, وَالْبَيْتِ, أَوْ عَلَى الْمِنْبَرِ وَالنَّاسُ لِلْيَمِينِ بَيْنَ الْبَيْتِ, وَالْمَقَامِ وَعَلَى الْمِنْبَرِ أَهْيَبُ فَتُعَادُ الْيَمِينُ عَلَيْهِ حَتَّى يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ يُجْلَبُ أَحَدٌ مِنْ بَلَدٍ بِهِ حَاكِمٌ يَجُوزُ حُكْمُهُ فِي الْعَظِيمِ مِنْ الْأُمُورِ إلَى مَكَّةَ وَإِلَى الْمَدِينَةِ وَإِلَى مَوْضِعِ الْخَلِيفَةِ وَيَحْكُمُ عَلَيْهِ حَاكِمُ بَلَدِهِ بِالْيَمِينِ بِبَلَدِهِ فَإِنْ كَانَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ يَقْهَرُ حَاكِمَ بَلَدِهِ بِجُنْدٍ, أَوْ عِزٍّ فَسَأَلَ الطَّالِبُ الْخَلِيفَةَ رَفَعَهُ إلَيْهِ رَأَيْت رَفْعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ حَاكِمٌ يَقْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ يَقْوَى عَلَيْهِ حَاكِمٌ غَيْرُهُ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ رَأَيْت أَنْ يَرْفَعَ إلَى الَّذِي هُوَ أَقْرَبُ إلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى:, وَالْمُسْلِمُونَ الْبَالِغُونَ رِجَالُهُمْ وَنِسَاؤُهُمْ وَمَمَالِيكُهُمْ وَأَحْرَارُهُمْ سَوَاءٌ فِي الْأَيْمَانِ يَحْلِفُونَ كَمَا وَصَفْنَا, وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ, وَالْمُسْتَأْمَنُونَ فِي الْأَيْمَانِ كَمَا وَصَفْنَا يَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يُعَظِّمُ مِنْ الْكُتُبِ وَحَيْثُ يُعَظِّمُ مِنْ الْمَوَاضِعِ بِمَا يَعْرِفُ الْمُسْلِمُونَ مِمَّا يُعَظِّمُ الْمُسْتَحْلَفُ مِنْهُمْ مِثْلَ قَوْلِهِ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَبِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى " وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِمَّا يَعْرِفُهُ الْمُسْلِمُونَ وَإِنْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ شَيْئًا يَجْهَلُهُ الْمُسْلِمُونَ إمَّا يَجْهَلُونَ لِسَانَهُمْ فِيهِ وَإِمَّا يَشُكُّونَ فِي مَعْنَاهُ لَمْ يُحَلِّفُوهُمْ بِهِ وَلاَ يُحَلِّفُونَهُمْ أَبَدًا إلَّا بِمَا يَعْرِفُونَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ عَلَى الْبَتِّ وَفِيمَا عَلَيْهِ نَفْسُهُ عَلَى الْبَتِّ, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَصْلُ الْحَقِّ عَلَى الرَّجُلِ فَيَدَّعِي الرَّجُلُ مِنْهُ الْبَرَاءَةَ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنَّ هَذَا الْحَقَّ وَيُسَمِّيه لَثَابِتٌ عَلَيْهِ مَا اقْتَضَاهُ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ وَلاَ اقْتَضَاهُ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ لَهُ مُقْتَضٍ بِأَمْرِهِ وَلاَ أَحَالَ بِهِ وَلاَ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى أَحَدٍ وَلاَ أَبْرَأ فُلاَنًا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ مِنْهُ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ وَأَنَّهُ عَلَيْهِ لَثَابِتٌ إلَى يَوْمِ حَلَفْت هَذِهِ الْيَمِينَ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِأَبِيهِ عَلَيْهِ فَوَرِثَ أَبَاهُ أُحْلِفَ عَلَى الْبَتِّ فِي نَفْسِهِ كَمَا وَصَفْت وَعَلَى عِلْمِهِ فِي أَبِيهِ مَا عَلِمَ أَبَاهُ اقْتَضَاهُ وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ وَلاَ أَبْرَأهُ مِنْهُ وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ, ثُمَّ أَخَذَهُ فَإِنْ كَانَ شَهِدَ لَهُ عَلَيْهِ شَاهِدٌ قَالَ فِي الْيَمِينِ إنَّ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنٍ عَلَى فُلاَنِ ابْنِ فُلاَنٍ لَحَقٌّ ثَابِتٌ عَلَيْهِ عَلَى مَا شَهِدَ بِهِ, ثُمَّ يُنَسِّقُ الْيَمِينَ كَمَا وَصَفْت لَك وَيَتَحَفَّظُ الَّذِي يُحَلِّفُهُ فَيَقُولُ لَهُ قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ وَإِنْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ لِرَجُلٍ يَأْخُذُ بِهَا, أَوْ عَلَى أَحَدٍ يُبَرَّأُ بِهَا فَسَوَاءٌ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يَحْلِفُ فِيهِ وَإِنْ بَدَأَ الَّذِي لَهُ الْيَمِينُ, أَوْ الَّذِي هِيَ عَلَيْهِ فَحَلَفَ عِنْدَ الْحَاكِمِ, أَوْ فِي مَوْضِعِ الْيَمِينِ عَلَى مَا ادَّعَى وَادُّعِيَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ بِمَيْنِهِ وَلَكِنْ إذَا خَرَجَ لَهُ الْحُكْمُ بِالْيَمِينِ, أَوْ عَلَيْهِ أَحْلَفَهُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي ذَلِكَ؟ فَالْحُجَّةُ فِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنَ شَافِعٍ أَخْبَرَنَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ السَّائِبِ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرِ بْنِ عَبْدِ يَزِيدَ: {أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أَلْبَتَّةَ, ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إنِّي طَلَّقْت امْرَأَتِي أَلْبَتَّةَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً؟ فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْت إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ} قَالَ فَقَدْ حَلَفَ رُكَانَةُ قَبْلَ خُرُوجِ الْحُكْمِ فَلَمْ يَدَعْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَحْلَفَهُ بِمِثْلِ مَا حَلَفَ بِهِ فَكَانَ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ فَإِذَا كَانَتْ بَعْدَ خُرُوجِ الْحُكْمِ لَمْ تَعُدْ ثَانِيَةً عَلَى صَاحِبِهَا, وَإِذَا حَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رُكَانَةَ فِي الطَّلاَقِ فَهَذَا يَدُلُّ أَنَّ الْيَمِينَ فِي الطَّلاَقِ كَمَا هِيَ فِي غَيْرِهِ. وَإِذَا كَانَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْإِرْثِ, أَوْ لَهُ أَحْلَفَ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ عَلَى مَنْ بِلِسَانِهِ خَبَلٌ وَيُفْهَمُ بَعْضُ كَلاَمِهِ وَلاَ يُفْهَمُ بَعْضٌ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَخْرَسَ فَكَانَ يَفْهَمُ بِالْإِشَارَةِ وَيُفْهَمُ عَنْهُ بِهَا أُشِيرَ إلَيْهِ وَأَحْلَفَ لَهُ وَعَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ لاَ يَفْهَمُ وَلاَ يُفْهَمُ عَنْهُ, أَوْ كَانَ مَعْتُوهًا, أَوْ مَخْبُولاً فَكَانَتْ الْيَمِينُ لَهُ وَقَفْتُ لَهُ حَقَّهُ حَتَّى يُفِيقَ فَيَحْلِفَ, أَوْ يَمُوتَ فَيَحْلِفَ وَارِثُهُ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ قِيلَ: لِمُدَّعِيهَا انْتَظِرْ حَتَّى يُفِيقَ وَيَحْلِفَ فَإِنْ قَالَ, بَلْ أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي قِيلَ لَهُ: لَيْسَ ذَلِكَ لَك إنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لَك إذَا رَدَّ الْيَمِينَ وَهُوَ لَمْ يَرُدَّهَا وَإِنْ أَحْلَفَ الْوَالِي رَجُلاً فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ يَمِينِهِ اسْتَثْنَى فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَعَادَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ أَبَدًا حَتَّى لاَ يَسْتَثْنِيَ (قَالَ): وَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَسْتَحْلِفَ النَّاسَ فِيمَا بَيْنَ الْبَيْتِ, وَالْمَقَامِ وَعَلَى مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَ الْعَصْرِ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ} وَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ هِيَ صَلاَةُ الْعَصْرِ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ إنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ, وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ} فَاسْتَدْلَلْنَا بِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي تَعْظُمُ فِيهِ الْيَمِينُ بَعْدَ الصَّلاَةِ وَعَلَى الْحَالِفِ فِي اللِّعَانِ بِتَكْرِيرِ الْيَمِينِ وَقَوْلِهِ: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مِنْ الْكَاذِبِينَ} وَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الدَّمِ بِخَمْسِينَ يَمِينًا لِعِظَمِهِ وَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَفِعْلِ أَصْحَابِهِ وَأَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ حَلَفَ عَلَى مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَأَخْبَرَنَا عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ عُثْمَانَ الْحِزَامِيِّ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مساحق الْعَامِرِيِّ عَنْ الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ كَتَبَ إلَيَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ أَنْ ابْعَثْ إلَى نُفَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ فِي وَثَاقٍ, فَأَحْلِفْهُ خَمْسِينَ يَمِينًا عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا قَتَلَ ذَا دَوِيّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيُّ قَالَ اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مُطِيعٍ إلَى مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ فِي دَارٍ فَقَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ زَيْدٌ أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي فَقَالَ مَرْوَانُ لاَ وَاَللَّهِ إلَّا عِنْدَ مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ كَرِهَ زَيْدٌ صَبْرَ الْيَمِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه حَلَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي خُصُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَأَنَّ عُثْمَانَ رُدَّتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ فَاتَّقَاهَا وَافْتَدَى مِنْهَا وَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدْرَ بَلاَءٍ فَيُقَالُ بِيَمِينِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى:, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمِنْبَرِ مِمَّا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا فِي قَدِيمٍ وَلاَ حَدِيثٍ عَلِمْته.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَعَابَ عَلَيْنَا الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ بَعْضُ النَّاسِ فَقَالَ وَكَيْفَ تَخْتَلِفُ الْأَيْمَانُ فَيَحْلِفُ مَنْ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ وَمَنْ بِمَكَّةَ بَيْنَ الْبَيْتِ, وَالْمَقَامِ؟ فَكَيْفَ يَصْنَعُ مَنْ لَيْسَ بِمَكَّةَ وَلاَ الْمَدِينَةِ أَيُجْلَبُ إلَيْهِمَا أَمْ يَحْلِفُ عَلَى غَيْرِ مِنْبَرٍ وَلاَ قُرْبِ بَيْتِ اللَّهِ؟ قَالَ فَقُلْت لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ كَيْفَ أَحَلَفْت الْمُلاَعِنَ أَرْبَعَةَ أَيْمَانٍ وَخَامِسَةً وَهُوَ قَاذِفٌ لِامْرَأَتِهِ وَأَحْلَفْت الْقَاذِفَ لِغَيْرِ امْرَأَتِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً وَكَيْفَ أَحَلَفْت فِي الدَّمِ خَمْسِينَ وَأَحْلَفْت فِي الْحُقُوقِ غَيْرِهِ وَغَيْرِ اللِّعَانِ يَمِينًا وَاحِدَةً؟ وَكَيْفَ أَحَلَفْت الرَّجُلَ عَلَى فِعْلِهِ وَلَمْ تُحَلِّفْهُ عَلَى غَيْرِ فِعْلِهِ, ثُمَّ أَحَلَفْتَهُ فِي الْقَسَامَةِ عَلَى فِعْلِهِ وَمَا عَلِمَ فِعْلَ غَيْرِهِ؟ قَالَ اتَّبَعْنَا فِي بَعْضِ هَذَا كِتَابًا وَفِي بَعْضِهِ أَثَرًا وَفِي بَعْضِهِ قَوْلَ الْفُقَهَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَقُلْت لَهُ وَنَحْنُ اتَّبَعْنَا الْكِتَابَ وَسُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْآثَارَ عَنْ أَصْحَابِهِ وَاجْتِمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا فَكَيْفَ عِبْت عَلَيْنَا اتِّبَاعَ مَا هُوَ أَلْزَمُ مِنْ إحْلاَفِك فِي الْقَسَامَةِ مَا قَتَلْت وَلاَ عَلِمْت؟ قَالَ فَإِنَّ صَاحِبَنَا قَالَ إنَّمَا أَخَذَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ مَرْوَانَ وَخَالَفُوا زَيْدًا فَذَكَرْت لَهُ مَا كَتَبْت فِي كِتَابِي مِنْ قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله تعالى عنهم فَقَالَ لَمْ يَذْكُرْ صَاحِبُنَا هَذَا وَقَالَ إنَّ زَيْدًا أَنْكَرَ الْيَمِينَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقُلْت لَهُ فَصَاحِبُك إنْ كَانَ عَلِمَ سُنَّةً فَسَكَتَ عَنْهَا فَلَمْ يُنْصِفْ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَعْلَمْهَا فَقَدْ عَجَّلَ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ فَقُلْت لَهُ زَيْدٌ مِنْ أَكْرَمِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ عَلَى مَرْوَانَ وَأَحْرَاهُمْ أَنْ يَقُولَ لَهُ مَا أَرَادَ وَيَرْجِعُ مَرْوَانُ إلَى قَوْلِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ أَنَّ زَيْدًا دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَقَالَ أَيَحِلُّ بَيْعُ الرِّبَا؟ فَقَالَ مَرْوَانُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ قَالَ فَالنَّاسُ يَتَبَايَعُونَ الصُّكُوكَ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضُونَهَا فَبَعَثَ مَرْوَانُ حَرَسًا يَرُدُّونَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَلَوْ لَمْ يَعْرِفْ زَيْدٌ أَنَّ الْيَمِينَ عَلَيْهِ لَقَالَ لِمَرْوَانَ مَا هَذَا عَلَيَّ وَكَيْفَ تُشْهِرُ يَمِينِي عَلَى الْمِنْبَرِ وَلَكَانَ عِنْدَ مَرْوَانَ لِزَيْدٍ أَنْ لاَ يُمْضِي عَلَيْهِ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ لَوْ عَزَمَ عَلَى أَنْ يُمْضِيه لَقَالَ زَيْدٌ لَيْسَ هَذَا عَلَيَّ قَالَ فَلِمَ حَلَفَ زَيْدٌ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ؟ قُلْنَا, أَوْ مَا يَحْلِفُ الرَّجُلُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَحْلَفَ فَإِذَا شَهَرْت يَمِينَهُ كَرِهَ أَنْ تَصْبِرَ يَمِينُهُ وَتُشْهَرَ قَالَ بَلَى قُلْنَا, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى صَاحِبِك حُجَّةٌ إلَّا مَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ حَدِيثِ زَيْدٍ كَانَتْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ فَكَيْفَ وَهِيَ بِالسُّنَّةِ, وَالْخَبَرِ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي الله تعالى عنهم أَثْبَتُ؟ قَالَ فَكَيْفَ يَحْلِفُ مَنْ بِالْأَمْصَارِ عَلَى الْعَظِيمِ مِنْ الْأَمْرِ قُلْنَا بَعْدَ الْعَصْرِ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ} وَكَمَا أَمَرَ ابْنَ عَبَّاسٍ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ بِالطَّائِفِ أَنْ يَحْبِسَ الْجَارِيَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ, ثُمَّ يَقْرَأَ عَلَيْهَا: {إنْ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَفَعَلَ فَاعْتَرَفَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ ابْنُ مُؤَمَّلٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ. بَابُ رَدِّ الْيَمِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْلٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لاَ قَالَ فَتَحْلِفُ يَهُودُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ: {أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ الْأَنْصَارِيِّينَ فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا رَدَّ الْأَيْمَانَ عَلَى يَهُودَ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَأَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَجْرَى فَرَسًا فَوَطِئَ أُصْبُعَ رَجُلٍ مِنْ جُهَيْنَةَ فَنَزَى فِيهَا فَمَاتَ فَقَالَ عُمَرُ لِلَّذِينَ ادَّعَى عَلَيْهِمْ تَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا مَاتَ مِنْهَا؟ فَأَبَوْا وَتَحَرَّجُوا مِنْ الْأَيْمَانِ فَقَالَ لِلْآخَرِينَ احْلِفُوا أَنْتُمْ فَأَبَوْا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَدْ رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينَ عَلَى الْأَنْصَارِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا فَلَمَّا لَمْ يَحْلِفُوا حَوَّلَهَا عَلَى الْيَهُودِ يَبْرَءُونَ بِهَا وَرَأَى عُمَرُ عَلَى اللَّيْثِيِّينَ يَبْرَءُونَ بِهَا فَلَمَّا أَبَوْا حَوَّلَهَا عَلَى الْجُهَنِيِّينَ يَسْتَحِقُّونَ بِهَا فَكُلُّ هَذَا تَحْوِيلُ يَمِينٍ مِنْ مَوْضِعٍ قَدْ رُئِيَتْ فِيهِ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي يُخَالِفُهُ فَبِهَذَا وَمَا أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ قَبْلَنَا قُلْنَا فِي رَدِّ الْيَمِينِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الْأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ} فَهَذَا وَمَا أَدْرَكْنَا عَلَيْهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا يَحْكُونَهُ عَنْ مُفْتِيهمْ وَحُكَّامِهِمْ قَدِيمًا وَحَدِيثًا قُلْنَا بِرَدِّ الْيَمِينِ فَإِذَا كَانَتْ الدَّعْوَى دَمًا فَالسُّنَّةُ فِيهَا أَنْ يَبْدَأَ الْمُدَّعُونَ إذَا كَانَ مَا تَجِبُ بِهِ الْقَسَامَةُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْعُقُولِ فَإِنْ حَلَفُوا اسْتَحَقُّوا وَإِنْ أَبَوْا الْأَيْمَانَ قِيلَ يَحْلِفُ لَكُمْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا بَرِئُوا وَلاَ يَحْلِفُونَ وَيَغْرَمُونَ, وَالْقَسَامَةُ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ سَوَاءٌ يَبْدَأُ فِيهَا الْمُدَّعُونَ, وَإِنْ كَانَتْ الدَّعْوَى غَيْرَ دَمٍ وَكَانَتْ الدَّعْوَى مَالً أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قِيلَ لِلْمُدَّعِي لَيْسَ النُّكُولُ بِإِقْرَارٍ فَتَأْخُذُ مِنْهُ حَقَّك كَمَا تَأْخُذُهُ بِالْإِقْرَارِ وَلاَ بَيِّنَةَ فَتَأْخُذُ بِهَا حَقَّك بِغَيْرِ يَمِينٍ فَاحْلِفْ وَخُذْ حَقَّك فَإِنْ أَبَيْت أَنْ تَحْلِفَ سَأَلْنَاك عَنْ إبَائِك فَإِنْ ذَكَرْت أَنَّك تَأْتِي بِبَيِّنَةٍ, أَوْ تَذْكُرُ مُعَامَلَةً بَيْنَك وَبَيْنَهُ تَرَكْنَاك فَمَتَى جِئْت بِشَيْءٍ تَسْتَحِقُّ بِهِ أَعْطَيْنَاك وَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِهِ حَلَفْت فَإِنْ قُلْت لاَ أُؤَخِّرُ ذَلِكَ لِشَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لاَ أَحْلِفُ أَبْطَلْت يَمِينَك فَإِنْ طَلَبْتهَا بَعْدُ لَمْ نُعْطِك بِهَا شَيْئًا, وَإِنْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَبَرِئَ, أَوْ لَمْ يَحْلِفْ فَنَكَلَ الْمُدَّعِي فَأَبْطَلْنَا يَمِينَهُ, ثُمَّ جَاءَ بِشَاهِدَيْنِ أَخَذْنَا لَهُ بِحَقِّهِ, وَالْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ, وَقَدْ قِيلَ: إنَّ بَعْضَ أَصْحَابِنَا لاَ يَأْخُذُ لَهُ بِالشُّهُودِ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَقُولُ قَدْ مَضَى الْحُكْمُ بِإِبْطَالِ الْحَقِّ عَنْهُ فَلاَ آخُذُهُ بَعْدَ أَنْ بَطَلَ, وَلَوْ أَبَى الْمُدَّعِي الْيَمِينَ, فَأَبْطَلْت أَنْ أُعْطِيه بِيَمِينِهِ, ثُمَّ جَاءَ بِشَاهِدٍ فَقَالَ أَحْلِفُ مَعَهُ لَمْ أَرَ أَنْ يَحْلِفَ لِأَنِّي قَدْ حَكَمْت أَنْ لاَ يَحْلِفَ فِي هَذَا الْحَقِّ, وَلَوْ ادَّعَى عَلَيْهِ حَقًّا فَقُلْت لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ احْلِفْ, فَأَبَى وَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَقُلْت لِلْمُدَّعِي احْلِفْ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ, بَلْ أَنَا أَحْلِفُ لَمْ أَجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ لِأَنِّي قَدْ أَبْطَلْت أَنْ يَحْلِفَ وَحَوَّلْت الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ اسْتَحَقَّ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ أَبْطَلْت حَقَّهُ بِلاَ يَمِينٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَلَوْ تَدَاعَى رَجُلاَنِ شَيْئًا فِي أَيْدِيهِمَا, وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَدَّعِي كُلَّهُ أَحَلَفْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ فَإِنْ حَلَفَا مَعًا فَالشَّيْءُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ كَمَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يَحْلِفَ قِيلَ: لِلْحَالِفِ إنَّمَا أَحَلَفْنَاك عَلَى النِّصْفِ الَّذِي فِي يَدِك فَلَمَّا حَلَفْت جَعَلْنَاهُ لَك وَقَطَعْنَا دَعْوَى الْمُدَّعِي عَلَيْك وَأَنْتَ تَدَّعِي نِصْفًا فِي يَدِهِ, فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ فَاحْلِفْ أَنَّهُ لَك كَمَا ادَّعَيْت فَإِنْ حَلَفَ فَهُوَ لَهُ وَإِنْ أَبَى فَهُوَ لِلَّذِي فِي يَدَيْهِ, وَلَوْ كَانَتْ دَارٌ فِي يَدَيْ رَجُلٍ فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهَا دَارُهُ يَمْلِكُهَا بِوَجْهٍ مِنْ وُجُوهِ الْمِلْكِ وَسَأَلَ يَمِينَ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ, أَوْ سَأَلَ أَنْ تَكُونَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهَا وَمَا وَهَبْت لِي فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ الَّذِي الدَّارُ فِي يَدَيْهِ أَحَلَفْنَاهُ بِاَللَّهِ كَمَا يَحْلِفُ مَا لِهَذَا الْمُدَّعِي يُسَمِّيه بِاسْمِهِ فِي هَذِهِ الدَّارِ حَقٌّ بِمِلْكٍ وَلاَ غَيْرِهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا, ثُمَّ تَخْرُجُ مِنْ يَدَيْهِ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ فَتَخْرُجُ أَيْضًا مِنْ يَدَيْهِ وَتُوهَبُ لَهُ وَلاَ يَقْبِضُهَا فَإِذَا أَحَلَفْنَاهُ كَمَا وَصَفْت فَقَدْ احْتَطْنَا لَهُ وَعَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَخَالَفَنَا فِي رَدِّ الْيَمِينِ بَعْضُ النَّاسِ وَقَالَ مِنْ أَيْنَ أَخَذْتُمُوهَا؟ فَحَكَيْت لَهُ مَا كَتَبْت مِنْ السُّنَّةِ, وَالْأَثَرِ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِمَّا كَتَبْت وَقُلْت لَهُ كَيْفَ لَمْ تَصِرْ إلَى الْقَوْلِ بِهَا مَعَ ثُبُوتِ الْحُجَجِ عَلَيْك فِيهَا؟ قَالَ فَإِنِّي إنَّمَا رَدَدْتهَا; لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى, وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ} وَقَالَهُ عُمَرُ فَقُلْت لَهُ وَهَذَا عَلَى مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَهُوَ عَلَى خَاصٍّ فِيمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ فَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ أُعْطَى بِهَا الْمُدَّعِي, وَإِذَا لَمْ تَكُنْ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَيْسَ فِيمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ أُخِذَ مِنْهُ الْحَقَّ قَالَ فَإِنِّي أَقُولُ هَذَا عَامٌّ وَلاَ أُعْطِي مُدَّعِيًا إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَلاَ أُبَرِّئُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ يَمِينٍ فَإِذَا لَمْ يَحْلِفْ لَزِمَهُ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ, وَإِذَا حَلَفَ بَرِئَ فَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت مَوْلًى لِي وَجَدْته قَتِيلاً فِي مَحَلَّةٍ فَحَضَرْتُك أَنَا وَأَهْلُ الْمَحَلَّةِ فَقَالُوا لَك أَيَدَّعِي هَذَا بِبَيِّنَةٍ؟ فَقُلْت لاَ بَيِّنَةَ لِي فَقُلْت فَاحْلِفُوا وَاغْرَمُوا فَقَالُوا لَك قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} وَهَذَا لاَ يَدَّعِي عَلَيْنَا قَالَ كَأَنَّكُمْ مُدَّعًى عَلَيْكُمْ قُلْنَا وَقَالُوا فَإِذَا حَكَمْت بِكَأَنَّ وَكَأَنَّ مِمَّا لاَ يَجُوزُ عِنْدَك هِيَ فِيمَا كَأَنَّ فِيهِ لَيْسَ كَانَ أَفَعَلَيْنَا كُلُّنَا, أَوْ عَلَى بَعْضِنَا؟ قَالَ, بَلْ عَلَى كُلِّكُمْ قُلْت فَقَالُوا, فَأَحْلِفْ كُلَّنَا وَإِلَّا, فَأَنْتَ تَظْلِمُهُ إذَا اقْتَصَرْت بِالْأَيْمَانِ عَلَى الْخَمْسِينَ وَهُوَ يَدَّعِي عَلَى مِائَةٍ وَأَكْثَرَ وَهُوَ عِنْدَك لَوْ ادَّعَى دِرْهَمًا عَلَى مِائَةٍ أَحَلَفْتهمْ كُلَّهُمْ وَظَلَمْتنَا إذْ أَحَلَفْتنَا فَلَمْ تُبَرِّئْنَا, وَالْيَمِينُ عِنْدَك مَوْضِعُ بَرَاءَةٍ, وَإِذَا أَعْطَيْته بِلاَ بَيِّنَةٍ فَخَرَجْت مِنْ جَمِيعِ مَا احْتَجَجْت بِهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ هَذَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ خَاصَّةً قُلْت فَإِنْ كَانَ عَنْ عُمَرَ خَاصًّا فَلاَ نُبْطِلُهُ بِالْخَبَرِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ وَنُمْضِي الْخَبَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ فِي غَيْرِ مَا جَاءَ فِيهِ نَصُّ خَبَرٍ عَنْ عُمَرَ؟ قَالَ نَعَمْ قُلْنَا وَلاَ يَخْتَلِفَانِ عِنْدَك؟ قَالَ لاَ قُلْنَا وَيَدُلُّك خُصُوصُهُ حُكْمًا يَخْرُجُ مِنْ جُمْلَةِ قَوْلِهِ أَنَّ جُمْلَةَ قَوْلِهِ لَيْسَتْ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ وَقُلْت لَهُ فَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنْ عُمَرَ فِي نَقْلِ الْأَيْمَانِ عَنْ مَوَاضِعِهَا الَّتِي اُبْتُدِئَتْ فِيهَا أَثْبَتُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} وَاَلَّذِي احْتَجَجْت بِهِ عَنْ عُمَرَ أَثْبَتُ عَنْهُ مِنْ قَوْلِك فِي الْقَسَامَةِ عَنْهُ فَكَيْفَ جَعَلْت الرِّوَايَةَ الضَّعِيفَةَ عَنْ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى مَا زَعَمْت مِنْ عُمُومِ السُّنَّةِ الَّتِي تُخَالِفُهُ وَمِنْ عُمُومِ قَوْلِهِ الَّذِي يُخَالِفُهُ وَعِبْت عَلَيَّ أَنْ قُلْتُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ وَاسْتَدْلَلْت بِهَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} خَاصٌّ, فَأَمْضَيْت سُنَّتَهُ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى مَا جَاءَتْ فِيهِ وَسُنَّتُهُ فِي الْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ} بَيَانٌ أَنَّ النُّكُولَ كَالْإِقْرَارِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ النُّكُولِ شَيْءٌ يُصَدِّقُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَهُوَ يُخَالِفُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي, وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِكَثِيرٍ قَدْ كَتَبْنَا ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَكِتَابِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَاتِ وَاكْتَفَيْنَا بِاَلَّذِي حَكَيْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ, وَقُلْت لَهُ فَكَيْفَ تَزْعُمُ أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَإِنْ ادَّعَيْت حَقًّا عَلَى رَجُلٍ كَثِيرًا وَقُلْت فَقَأَ عَيْنَ غُلاَمِي, أَوْ قَطَعَ يَدَهُ, أَوْ رِجْلَهُ فَلَمْ يَحْلِفْ قَضَيْت عَلَيْهِ بِالْحَقِّ وَالْجِرَاحِ كُلِّهَا فَإِنْ ادَّعَيْت أَنَّهُ قَتَلَهُ قُلْت الْقِيَاسُ إذَا لَمْ يَحْلِفْ أَنْ يَقْتُلَ وَلَكِنْ أَسْتَحْسِنُ, فَأَحْبِسُهُ حَتَّى يُقِرَّ فَيُقْتَلَ, أَوْ يَحْلِفَ فَيَبْرَأَ وَقَالَ صَاحِبُك, بَلْ أَجْعَلُ عَلَيْهِ الدِّيَةَ وَلاَ أَحْبِسُهُ وَأَحَلْتُمَا جَمِيعًا فِي الْعَمْدِ وَهُوَ عِنْدَكُمَا لاَ دِيَةَ فِيهِ فَقَالَ أَحَدُكُمَا هُوَ حُكْمُ الْخَطَإِ وَقَالَ الْآخَرُ أَحْبِسُهُ وَخَالَفْتُمَا أَصْلَ قَوْلِكُمَا أَنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الْإِقْرَارِ فَكَيْفَ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ إنْ لاَعَنْتُمْ بَيْنَ زَوْجَيْنِ فَالْتَعَنَ الزَّوْجُ وَأَبَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَعِنَ حَبَسْتُمُوهَا وَلَمْ تَحُدُّوهَا, وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى إيجَابِ الْحَدِّ عَلَيْهَا; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} فَبَيَّنَ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنَّ الْعَذَابَ لاَزِمٌ لَهَا إذَا الْتَعَنَ الزَّوْجُ إلَّا أَنْ تَشْهَدَ وَنَحْنُ نَقُولُ تُحَدُّ إنْ لَمْ تَلْتَعِنْ وَخَالَفْتُمْ أَصْلَ مَذْهَبِكُمْ فِيهِ فَقَالَ فَكَيْفَ لَمْ تَجْعَلُوا النُّكُولَ يُحِقُّ الْحَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَعَلْتُمْ يَمِينَ الْمُدَّعِي يَحِقُّهُ عَلَيْهِ؟ فَقُلْت لَهُ حَكَمَ اللَّهُ فِيمَنْ رَمَى امْرَأَةً بِزِنَا أَنْ يَأْتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ, أَوْ يُحَدَّ فَجَعَلَ شُهُودَ الزِّنَا أَرْبَعَةً وَحَكَمَ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ أَنْ يَلْتَعِنَ الزَّوْجُ, ثُمَّ يَبْرَأُ مِنْ الْحَدِّ وَيَلْزَمُ الْمَرْأَةَ الْحَدُّ إلَّا بِأَنْ تَحْلِفَ فَإِنْ حَلَفَتْ بَرِئَتْ وَإِنْ نَكَلَتْ لَزِمَهَا مَا نَكَلَتْ عَنْهُ وَلَيْسَ بِنُكُولِهَا فَقَطْ لَزِمَهَا وَلَكِنْ بِنُكُولِهَا مَعَ يَمِينِهِ فَلَمَّا اجْتَمَعَ النُّكُولُ وَيَمِينُ الزَّوْجِ لَزِمَهَا الْحَدُّ, وَوَجَدْنَا السُّنَّةَ وَالْخَبَرَ بِرَدِّ الْيَمِينَ فَقُلْنَا إذَا لَمْ يَحْلِفْ مَنْ عَلَيْهِ مُبْتَدَأُ الْيَمِينِ رَدَدْنَاهَا عَلَى الَّذِي يُخَالِفُهُ فَإِنْ حَلَفَ فَاجْتَمَعَ أَنْ نَكَلَ مَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ وَحَلَفَ هُوَ أَخَذَ حَقَّهُ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ لَمْ يَأْخُذْ حَقَّهُ; لِأَنَّ النُّكُولَ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ وَلَمْ نَجِدْ السُّنَّةَ وَلاَ الْأَثَرَ بِالنُّكُولِ فَقَطْ إقْرَارًا وَوَجَدْنَا حُكْمَ الْقُرْآنِ كَمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ إذَا نَكَلَتْ وَحَلَفَ الزَّوْجُ لاَ إذَا نَكَلَتْ فَقَطْ اتِّبَاعًا وَقِيَاسًا, بَلْ وَجَدْتهَا لاَ يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي أَنْ لاَ حَدَّ عَلَيْهَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ, أَوْ اعْتِرَافٍ وَأَنْ لَوْ عُرِضَتْ عَلَيْهَا الْيَمِينُ فَلَمْ تَلْتَعِنْ لَمْ تُحَدَّ بِتَرْكِ الْيَمِينِ, وَإِذَا حَلَفَ الزَّوْجُ قَبْلَهَا, ثُمَّ لَمْ تَحْلِفْ فَاجْتَمَعَتْ يَمِينُ الزَّوْجِ الْمُدَافِعِ عَنْ نَفْسِهِ الْحَدَّ وَالْوَلَدُ الَّذِي هُوَ خَصْمٌ يَلْزَمُهُ دُونَ الْأَجْنَبِيِّ وَنُكُولُهَا عَمَّا أَلْزَمَهَا الْتِعَانُهُ وَهُوَ يَمِينُهُ حُدَّتْ بِالدَّلاَلَةِ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ, فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ, فَمَنْ قَضَيْت لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذَنَّهُ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَبِهَذَا نَقُولُ وَفِي هَذَا الْبَيَانِ الَّذِي لاَ إشْكَالَ مَعَهُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعْمَتِهِ عَلَى عَالِمٍ فَنَقُولُ وَلِيُّ السَّرَائِرِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَالْحَلاَلُ, وَالْحَرَامُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى, وَالْحُكْمُ عَلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَافَقَ ذَلِكَ السَّرَائِرَ, أَوْ خَالَفَهَا فَلَوْ أَنَّ رَجُلاً زَوَّرَ بَيِّنَةً عَلَى آخَرَ فَشَهِدُوا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ مِائَةَ دِينَارٍ فَقَضَى بِهَا الْقَاضِي لَمْ يَحِلَّ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهَا إذَا عَلِمَهَا بَاطِلاً وَلاَ يُحِيلُ حُكْمُ الْقَاضِي عِلْمَ الْمَقْضِيِّ لَهُ, وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ وَلاَ يَجْعَلُ الْحَلاَلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَرَامًا وَلاَ الْحَرَامَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا حَلاَلاً فَلَوْ كَانَ حُكْمٌ أَبَدًا يُزِيلُ عِلْمَ الْمَقْضِيِّ لَهُ وَعَلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ مَا عَلِمَهُ أَحَدُهُمَا مُحَرَّمًا عَلَيْهِ, فَأَبَاحَهُ لَهُ الْقَاضِي, أَوْ عَلِمَهُ حَلاَلاً فَحَرَّمَهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي بِالظَّاهِرِ عِنْدَهُ حَائِلاً بِحُكْمِ الْقَاضِي عَنْ عِلْمِ الْخَصْمَيْنِ كَانَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى الْأَحْكَامِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا فَقَدْ أَعْلَمَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالظَّاهِرِ وَأَنَّ حُكْمَهُ لاَ يُحِلُّ لَهُمْ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ, فَأَصْلُ هَذَا مَا وَصَفْت لَك مِنْ أَنْ تَنْظُرَ مَا حَلَّ لَك فَإِنْ حُكِمَ لَك بِهِ أَخَذْته وَمَا حُرِّمَ عَلَيْك فَحُكِمَ لَك بِهِ لَمْ تَأْخُذْهُ, وَلَوْ طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا, ثُمَّ جَحَدَ, فَأَحْلَفَهُ الْحَاكِمُ, ثُمَّ قَضَى لَهُ بِحَبْسِهَا. لَمْ يَحِلَّ لَهُ إصَابَتُهَا وَلاَ لَهَا أَنْ تَدَعَهُ يُصِيبُهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مَا تَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَسَعُهَا إذَا أَرَادَهَا ضَرَبَهُ وَإِنْ أَتَى الضَّرْبُ عَلَى نَفْسِهِ, وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَا زُورٍ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا لَمْ يَحِلَّ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ أَبَدًا إذَا عَلِمَتْ أَنَّ مَا شَهِدَا بِهِ بَاطِلٌ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلاَ أَرْبَعًا سِوَاهَا, وَكَانَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا حَيْثُ قَدَرَ عَلَيْهَا إلَّا أَنَّا نَكْرَهُ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ خَوْفًا أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا فَيُحَدَّ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَمْتَنِعَ مِنْهُ, وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إنْ مَاتَ صَاحِبُهُ قَبْلَهُ أَنْ يَرِثَهُ وَلَمْ يَكُنْ لِوَرَثَتِهِ أَنْ يَدْفَعُوهُ عَنْ حَقِّهِ فِي مِيرَاثِهِ إذَا عَلِمُوا أَنَّ الشُّهُودَ كَاذِبُونَ وَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ الْمَيِّتَ فَعَلَى الْمَرْأَةِ الْعِدَّةُ مِنْهُ, وَالْبُيُوعُ مُجَامِعَةٌ مَا وَصَفْنَا مِنْ الطَّلاَقِ فِي الْأَصْلِ, وَقَدْ تَخْتَلِفُ هِيَ وَهِيَ فِي التَّصْرِيفِ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُمَا لاَ يَفْتَرِقَانِ لِلِاجْتِمَاعِ فِي الْأَصْلِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَفْتَرِقَانِ وَنَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى التَّوْفِيقَ بِقُدْرَتِهِ وَلَوْ بَاعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ جَارِيَةً فَجَحَدَهُ الْبَيْعَ فَحَلَفَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ الْيَمِينِ إنْ كُنْت اشْتَرَيْتَ مِنْهُ, فَأَشْهِدْ أَنَّك قَدْ فَسَخْت الْبَيْعَ وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ أَشْهِدْ أَنَّك قَدْ قَبِلْت الْفَسْخَ لِيَحِلَّ لِلْبَائِعِ فَرْجُهَا بِانْفِسَاخِ الْبَيْعِ, فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَفِيهَا أَقَاوِيلُ أَحَدُهَا لاَ يَحِلُّ فَرْجُهَا لِلْبَائِعِ; لِأَنَّهَا فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَهَذَا قِيَاسُ الطَّلاَقِ, وَلَوْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ جَحْدَهُ الْبَيْعَ وَحَلِفَهُ يُحِلُّهَا لِلْبَائِعِ وَيَقْطَعُ عَنْهَا مِلْكَ الْمُشْتَرِي وَأَنْ يَقُولَ هَذَا رَدُّ بَيْعٍ إنْ شَاءَ الْبَائِعُ حَلَّتْ لَهُ بِأَنْ يَقْبَلَ الرَّدَّ كَانَ مَذْهَبًا, وَلَوْ ذَهَبَ مَذْهَبًا آخَرَ ثَالِثًا وَقَالَ وَجَدْت السُّنَّةَ إذَا أَفْلَسَ بِثَمَنِهَا كَانَ الْبَائِعُ أَحَقَّ بِهَا مِنْ الْغُرَمَاءِ فَلَمَّا كَانَتْ الْبُيُوعُ تُمْلَكُ بِأَخْذِ الْعِوَضِ فَبَطَلَ الْعِوَضُ عَنْ صَاحِبِ الْجَارِيَةِ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْمِلْكِ الْأَوَّلِ كَانَ مَذْهَبًا أَيْضًا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْبُيُوعِ كُلِّهَا يَنْبَغِي بِالِاحْتِيَاطِ لِلْقَاضِي إنْ أَحْلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ أَنْ يَقُولَ لَهُ أَشْهِدْ أَنَّهُ إنْ كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَهُ بَيْعٌ فَقَدْ فَسَخْته وَيَقُولُ لِلْبَائِعِ اقْبَلْ الْفَسْخَ حَتَّى يَعُودَ مِلْكُهُ إلَيْهِ بِحَالِهِ الْأُولَى, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَيَنْبَغِي لِلْبَائِعِ أَنْ يَقْبَلَ فَسْخَ الْبَيْعِ حَتَّى يُفْسَخَ فِي قَوْلِ مَنْ رَأَى الْجُحُودَ لِلشِّرَاءِ فَسْخَ الْبَيْعِ وَقَوْلِ مَنْ لَمْ يَرَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَتْ امْرَأَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ نَكَحَهَا بِشُهُودٍ وَغَابُوا, أَوْ مَاتُوا فَجَحَدَ وَحَلَفَ كَانَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يُبْطِلَ دَعْوَاهَا وَيَقُولَ لَهُ أَشْهِدْ أَنَّك إنْ كُنْت نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ إنْ كَانَ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا وَإِنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا أَعْطَاهُ شَيْئًا قَلِيلاً عَلَى أَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً وَلاَ يَمْلِكُ رَجَعْتهَا. وَإِنْ تَرَكَ ذَلِكَ الْقَاضِي وَلَمْ يَقْبَلْ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ النِّكَاحَ, وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ يَعْلَمَانِ أَنَّ دَعْوَاهَا حَقٌّ فَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ وَلاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ أُخْتِهَا حَتَّى يُحْدِثَ لَهَا طَلاَقًا قَالَ وَهُمَا زَوْجَانِ غَيْرَ أَنَّا نَكْرَهُ لَهُ إصَابَتَهَا خَوْفًا مِنْ أَنْ يُعَدَّ زَانِيًا يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَلَهَا هِيَ مَنْعُهُ نَفْسَهَا لِتَرْكِهِ إعْطَاءَهَا الصَّدَاقَ وَالنَّفَقَةَ فَإِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ إلَيْهَا وَمَنَعَتْهُ نَفْسَهَا حَتَّى يُقِرَّ لَهَا بِالنِّكَاحِ خَوْفَ الْحَبَلِ وَأَنْ تُعَدَّ زَانِيَةً كَانَ لَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; لِأَنَّ حَالَهَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفَةٌ هُوَ إذَا سَتَرَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ فِي الْحَالِ الَّتِي يُصِيبُهَا فِيهَا لَمْ يَخَفْ وَهِيَ تَخَافُ الْحَمْلَ أَنْ تُعَدَّ بِإِصَابَتِهِ, أَوْ بِإِصَابَةِ غَيْرِهِ زَانِيَةً تُحَدُّ وَحَالُهَا مُخَالِفَةٌ حَالَ الَّذِي يَقُولُ لَمْ أُطَلِّقْ, وَقَدْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِزُورٍ, وَالْقَوْلُ فِي الْبَعِيرِ يُبَاعُ فَيَجْحَدُ الْبَيْعَ وَالدَّارِ فَيَجْحَدُ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ وَيَحْلِفُ كَالْقَوْلِ فِي الْجَارِيَةِ وَأُحِبُّ لِلْوَالِي أَنْ يَقُولَ لَهُ افْسَخْ الْبَيْعَ وَلِلْبَائِعِ اقْبَلْ الْفَسْخَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلِلْبَائِعِ فِي ذَلِكَ الْقَوْلِ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ وَلَمْ يَعْمَلْ بِالْوَجْهِ الْآخَرِ مِنْ أَنَّهُ كَالْمُفْلِسِ فَلَهُ إجَارَةُ الدَّارِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ ثَمَنَهَا, ثُمَّ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهَا إلَيْهِ, أَوْ إلَى وَارِثِهِ, وَكَذَلِكَ يَصْنَعُ بِالْبَعِيرِ, وَإِنْ وَجَدَ ثَمَنَ الدَّارِ, أَوْ الْبَعِيرِ مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي كَانَ لَهُ أَخْذُهُ وَعَلَيْهِ تَسْلِيمُ مَا بَاعَهُ إلَيْهِ إذَا أَخَذَ ثَمَنَهُ فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابِ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ فِي النِّكَاحِ, وَالْبَيْعِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا, وَكَانَ الرَّجُلُ يَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ وَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يُصِيبَهَا إذَا قَدَرَ وَإِنْ كَانَتْ تَعْلَمُ أَنَّهُمَا كَاذِبَانِ لَمْ يَسَعْهَا الِامْتِنَاعُ مِنْهُ وَتَسْتَتِرُ بِجَهْدِهَا لِئَلَّا تُعَدَّ زَانِيَةً وَإِنْ كَانَتْ تَشُكُّ وَلاَ تَدْرِي أَصَدَقَا أَمْ كَذَبَا لَمْ يَسَعْهَا تَرْكُ الزَّوْجِ الَّذِي شَهِدَا عَلَيْهِ أَنْ يُصِيبَهَا وَأَحْبَبْتُ لَهَا الْوُقُوفَ عَنْ النِّكَاحِ وَإِنْ صَدَّقَتْهُمَا جَازَ لَهَا أَنْ تَنْكِحَ وَاَللَّهُ وَلِيُّهُمَا الْعَالِمُ بِصِدْقِهِمَا وَكَذِبِهِمَا, وَلَوْ اخْتَصَمَ رَجُلاَنِ فِي شَيْءٍ فَحَكَمَ الْقَاضِي لِأَحَدِهِمَا فَكَانَ يَعْلَمُ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ لَمْ يَسَعْهُ أَخْذُ مَا حَكَمَ بِهِ لَهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِخَطَئِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُشْكِلُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحْبَبْتُ أَنْ يَقِفَ حَتَّى يَسْأَلَ فَإِنْ رَآهُ أَصَابَ أَخَذَهُ وَإِنْ كَانَ الْأَمْرُ مُشْكِلاً فِي قَضَائِهِ فَالْوَرَعُ أَنْ يَقِفَ; لِأَنَّ تَرْكَهُ وَهُوَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ أَخْذِهِ وَلَيْسَ لَهُ, وَالْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ بِمَالٍ لِلْمَقْضِيِّ لَهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عَلَيْهِ وَسِعَهُ حَبْسُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ لاَ يَحْبِسَهُ وَلاَ يَسَعَهُ حَبْسُهُ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ الْقَاضِيَ أَخْطَأَ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ وَقِيَاسُهُ وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَشْهَدَ رَجُلاَنِ أَنَّ فُلاَنًا تُوُفِّيَ وَأَوْصَى لَهُ بِأَلْفٍ وَيَجْحَدُ الْوَارِثُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَخْذُهَا وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يَسَعْهُ أَخْذُهَا وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت لَهُ الْوُقُوفَ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُ رَجُلاَنِ أَنَّ فُلاَنًا قَذَفَهُ فَإِنْ صَدَّقَهُمَا وَسِعَهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ كَذَّبَهُمَا لَمْ يَسَعْهُ أَنْ يَحُدَّهُ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَقِفَ وَحَالُهُ فِيمَا غَابَ عَنْهُ مِنْ كُلِّ مَا شَهِدَ لَهُ بِهِ هَكَذَا, وَلَوْ أَقَرَّ لَهُ رَجُلٌ بِحَقٍّ لاَ يَعْرِفُهُ, ثُمَّ قَالَ مَزَحْت فَإِنْ صَدَّقَهُ بِأَنَّهُ مِزَاحٌ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَخْذُهُ. وَإِنْ كَذَّبَهُ وَكَانَ صَادِقًا بِالْإِقْرَارِ الْأَوَّلِ عِنْدَهُ وَسِعَهُ وَأَخَذَ مَا أَقَرَّ لَهُ بِهِ وَإِنْ شَكَّ أَحْبَبْت لَهُ الْوُقُوفَ فِيهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَخَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِي قَضَاءِ الْقَاضِي فَقَالَ قَضَاؤُهُ يُحِيلُ الْأُمُورَ عَمَّا هِيَ عَلَيْهِ فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ عَمَدَا أَنْ يَشْهَدَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا يَعْلَمَانِ أَنَّهُمَا شَهِدَا بِزُورٍ فَفَرَّقَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسَعَ أَحَدُهُمَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ أَنْ يَنْكِحَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَيَدْخُلُ عَلَيْهِ أَنْ لَوْ شَهِدَ لَهُ رَجُلاَنِ بِزُورٍ أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَ ابْنَهُ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّ ابْنَهُ لَمْ يُقْتَلْ, أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ فَحَكَمَ لَهُ الْقَاضِي بِالْقَوَدِ أَنْ يَقْتُلَهُ, وَلَوْ شَهِدَ لَهُ عَلَى امْرَأَةٍ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِوَلِيٍّ وَدَفَعَ إلَيْهَا الْمَهْرَ وَأَشْهَدَ عَلَى النِّكَاحِ أَنْ يُصِيبَهَا, وَلَوْ وَلَدَتْ لَهُ جَارِيَتُهُ جَارِيَةً فَجَحَدَهَا, فَأَحْلَفَهُ الْقَاضِي وَقَضَى بِابْنَتِهِ جَارِيَةً لَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يُصِيبَهَا, وَلَوْ شَهِدَ لَهُ عَلَى مَالِ رَجُلٍ وَدَمِهِ بِبَاطِلٍ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهُ وَيَقْتُلَهُ, وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ أَشْنَعَ مِنْ هَذَا وَأَكْثَرَ فَقَالَ فِيهِ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: ثُمَّ حَكَى لَنَا عَنْهُ أَنَّهُ يَقُولُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ خِلاَفَ هَذَا الْقَوْلِ يَقُولُ لَوْ عَلِمَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَجَحَدَهَا وَحَلَفَ وَقَضَى الْقَاضِي بِأَنْ تَقَرَّ عِنْدَهُ لَمْ يَسَعْهَا أَنْ يُصِيبَهَا, وَكَانَ لَهَا إذَا أَرَادَ إصَابَتَهَا قَتْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَعِيدٌ عَنْ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ, وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ خِلاَفُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْعِلْمِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ (قَالَ): فَخَالَفَهُ صَاحِبُهُ فِي الزَّوْجَةِ يَشْهَدُ الرَّجُلاَنِ بِزُورٍ أَنَّ زَوْجَهَا طَلَّقَهَا فَفَرَّقَ الْحَاكِمُ بَيْنَهُمَا فَقَالَ لاَ يَحِلُّ لِأَحَدِ الشَّاهِدَيْنِ أَنْ يَنْكِحَهَا وَلاَ يَحِلُّ الْقَضَاءُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ (قَالَ): ثُمَّ عَادَ فَقَالَ وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ أَنْ يُصِيبَهَا فَقِيلَ: أَتَكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ لِئَلَّا يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ فَنَحْنُ نَكْرَهُهُ أَمْ لِغَيْرِ ذَلِكَ؟ قَالَ لِذَلِكَ وَلِغَيْرِهِ قُلْنَا أَيُّ غَيْرٍ؟ قَالَ قَدْ حَكَمَ الْقَاضِي فَهُوَ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجَهَا, وَإِذَا حَلَّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا حَرُمَ عَلَيْهِ هُوَ إصَابَتُهَا فَقِيلَ لَهُ: أَوْ لِبَعْضِ مَنْ يَقُولُ قَوْلَهُ أَرَأَيْت قَوْلَهُ يُحِلُّ لِغَيْرِهِ تَزْوِيجُهَا يَعْنِي مَنْ جَهِلَ أَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي إنَّمَا كَانَ بِشَهَادَةِ زُورٍ فَرَأَى أَنَّ حُكْمَهُ بِحَقٍّ يُحِلُّ لَهُ نِكَاحَهَا فَهُوَ لاَ يَحْرُمُ هَذَا عَلَيْهِ عَلَى الظَّاهِرِ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ إنْ عَلِمَ بِمِثْلِ مَا عَلِمَ الزَّوْجُ, وَكَذَلِكَ لاَ يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي الظَّاهِرِ لَوْ نَكَحَ امْرَأَةً فِي عِدَّتِهَا, وَقَدْ قَالَتْ لَهُ لَيْسَتْ عَلَيَّ عِدَّةٌ أَمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ عَلِمَ مَا عَلِمَ الزَّوْجُ وَالْمَرْأَةُ أَنَّ الشَّاهِدَيْنِ شَهِدَا بِبَاطِلٍ حَلَّ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا فَهَذَا الَّذِي عِبْت عَلَى صَاحِبِك خِلاَفُ السُّنَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ أَحْفَظُ عَنْهُ فِي هَذَا جَوَابًا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَصَفْت.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تَعَالَى: الَّذِي أَحْفَظُ مِنْ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَقِيَاسِهِ أَنَّهُمْ لاَ يَنْظُرُونَ فِيمَا بَيْنَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ يَكْشِفُونَهُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَأَنَّهُمْ لاَ يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنْ يَتَدَارَءُوا هُمْ وَالْمُسْلِمُونَ فَإِنْ فَعَلُوا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ لِمُسْلِمٍ وَلاَ عَلَيْهِ إلَّا مُسْلِمٌ فَهَذَا الْمَوْضِعُ الَّذِي يُلْزِمُونَ أَنْفُسَهُمْ النَّظَرَ بَيْنَهُمْ فِيهِ فَإِذَا نَظَرُوا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مُسْلِمٍ حَكَمُوا بِحُكْمِ الْمُسْلِمِينَ لاَ خِلاَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ بِحَالٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ تَدَارَءُوا هُمْ وَمُسْتَأْمَنٌ لاَ يَرْضَى حُكْمَهُمْ, أَوْ أَهْلُ مِلَّةٍ وَمِلَّةٌ أُخْرَى لاَ تَرْضَى حُكْمَهُمْ وَإِنْ تَدَاعَوْا إلَى حُكَّامِنَا فَجَاءَ الْمُتَنَازِعُونَ مَعًا مُتَرَاضِينَ فَالْحَاكِمُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ وَأَحَبُّ إلَيْنَا أَنْ لاَ يَحْكُمَ فَإِنْ أَرَادَ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ قَالَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ إنِّي إنَّمَا أَحْكُمُ بَيْنَكُمْ بِحُكْمِي بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ أُجِيزَ بَيْنَكُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ وَأُحَرِّمُ بَيْنَكُمْ مَا يَحْرُمُ فِي الْإِسْلاَمِ مِنْ الرِّبَا وَثَمَنِ الْخَمْرِ, وَالْخِنْزِيرِ. وَإِذَا حَكَمْت فِي الْجِنَايَاتِ حَكَمْت بِهَا عَلَى عَوَاقِلِكُمْ, وَإِذَا كَانَتْ جِنَايَةٌ تَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لَمْ يَحْكُمْ بِهَا إلَّا بِرِضَا الْعَاقِلَةِ فَإِنْ رَضُوا بِهَذَا حَكَمَ بِهِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا لَمْ يَحْكُمْ فَإِنْ رَضِيَ بَعْضُهُمْ وَامْتَنَعَ بَعْضٌ مِنْ الرِّضَا لَمْ يَحْكُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقَالَ لِي قَائِلٌ مَا الْحُجَّةُ فِي أَنْ لاَ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ الْحَاكِمُ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى الرِّضَا, ثُمَّ يَكُونُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَكَمَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَحْكُمْ؟ فَقُلْت لَهُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ: {فَإِنْ جَاءُوك فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الآيَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِنْ جَاءُوك وَجَاءُوك كَأَنَّهَا عَلَى الْمُتَنَازِعَيْنِ لاَ عَلَى بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ وَجَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَقَالَ : {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} قَالَ فَإِنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الْخِيَارَ مَنْسُوخٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} قُلْت لَهُ فَاقْرَأْ الْآيَةَ: {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوك عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إلَيْك فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى عِلْمَهُ يَقُولُ وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ إنْ حَكَمْت عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَتِلْكَ مُفَسَّرَةٌ وَهَذِهِ جُمْلَةٌ وَفِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ تَوَلَّوْا} دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ إنْ تَوَلَّوْا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ, وَلَوْ كَانَ قَوْلُهُ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ} إلْزَامًا مِنْهُ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ أَلْزَمَهُمْ الْحُكْمَ مُتَوَلِّينَ; لِأَنَّهُمْ إنَّمَا تَوَلَّوْا بَعْدَ الْإِتْيَانِ, فَأَمَّا مَا لَمْ يَأْتُوا فَلاَ يُقَالُ لَهُمْ تَوَلَّوْا وَهُمْ وَالْمُسْلِمُونَ إذَا لَمْ يَأْتُوا يَتَحَاكَمُونَ لَمْ يَحْكُمْ بَيْنَهُمْ إلَّا أَنَّهُ يَتَفَقَّدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا أَقَامُوا عَلَيْهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَيُغَيِّرُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الذِّمَّةِ دَخَلُوا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ} فِي مَعْنَى الْمُسْلِمِينَ انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَتَفَقَّدَ مِنْهُمْ مَا أَقَامُوا عَلَيْهِ مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ تَوَلَّى عَنْهُ زَوْجَانِ عَلَى حَرَامٍ رَدَّهُمَا حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا كَمَا يَرُدُّ زَوْجَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَوْ تَوَلَّيَا عَنْهُ وَهُمَا عَلَى حَرَامٍ حَتَّى يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَالدَّلاَلَةُ عَلَى مَا قَالَ أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ وَبِهَا يَهُودُ وَبِخَيْبَرِ وَفَدَكَ وَوَادِي الْقُرَى وَبِالْيَمَنِ كَانُوا, وَكَذَلِكَ فِي زَمَانِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ حَتَّى أَجْلاَهُمْ وَكَانُوا بِالشَّامِ, وَالْعِرَاقِ, وَالْيَمَنِ وِلاَيَة عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ رضي الله تعالى عنهم وَلَمْ يَسْمَعْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ بِحُكْمٍ إلَّا رَجْمُهُ يَهُودِيَّيْنِ مُوَادِعَيْنِ تَرَاضَيَا بِحُكْمِهِ بَيْنَهُمْ وَلاَ لِأَبِي بَكْرٍ وَلاَ عُمَرَ وَلاَ عُثْمَانَ وَلاَ عَلِيٍّ وَهُمْ بَشَرٌ يَتَظَالَمُونَ وَيَتَدَارَءُونَ وَيَخْتَلِفُونَ وَيُحْدِثُونَ فَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ لُزُومَ الْحُكْمِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ تَفَقَّدَ مِنْهُمْ مَا يَتَفَقَّدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَلَوْ لَزِمَ الْحُكْمُ إذَا جَاءَ الطَّالِبُ لَكَانَ الطَّالِبُ إذَا كَانَ لَهُ فِي حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ مَا لَيْسَ لَهُ فِي حُكْمِ حُكَّامِهِ لَجَأَ وَلَجَأَ الْمَطْلُوبُ إذَا رَجَا الْفَرَجَ عِنْدَ الْمُسْلِمِينَ وَلَجَئُوا فِي بَعْضِ الْحَالاَتِ مُجْتَمِعِينَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَلَوْ حَكَمَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَئِمَّةِ الْهُدَى بَعْدَهُ لَحُفِظَ بَعْضَ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُحْفَظْ كُلَّهُ فَالدَّلاَلَةُ عَلَى أَنْ لَمْ يَحْكُمُوا بِمَا وَصَفْت بَيِّنَةٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقُلْت لَهُ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا تَقُولُ فَكَانَتْ إحْدَى الْآيَتَيْنِ نَاسِخَةً لِلْأُخْرَى وَلَمْ تَكُنْ دَلاَلَةً مِنْ خَبَرٍ وَلاَ فِي الآيَةِ جَازَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} نَاسِخًا لِقَوْلِهِ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ}, وَكَانَتْ عَلَيْهَا دَلاَلَةٌ بِمَا وَصَفْنَا فِي التَّنْزِيلِ قَالَ فَمَا حُجَّتُك فِي أَنْ لاَ تُجِيزَ بَيْنَهُمْ إلَّا شَهَادَةَ الْمُسْلِمِينَ قُلْت قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ حَكَمْت فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}, وَالْقِسْطُ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ وَقَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَاَلَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ حُكْمُ الْإِسْلاَمِ فَحُكْمُ الْإِسْلاَمِ لاَ يَجُوزُ إلَّا بِشَهَادَةِ الْعُدُولِ الْمُسْلِمِينَ, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ}. وَقَالَ تَعَالَى: {حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} فَلَمْ يَخْتَلِفْ الْمُسْلِمُونَ أَنَّ شَرْطَ اللَّهِ فِي الشُّهُودِ الْمُسْلِمِينَ الْأَحْرَارِ الْعُدُولِ إذَا كَانَتْ الْمَعَانِي فِي الْخُصُومَاتِ الَّتِي يَتَنَازَعُ فِيهَا الْآدَمِيُّونَ مُعَيَّنَةً, وَكَانَ فِيمَا تَدَاعَوْا الدِّمَاءُ, وَالْأَمْوَالُ وَغَيْرُ ذَلِكَ لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يُبَاحَ ذَلِكَ إلَّا بِمَنْ شَرَطَ اللَّهُ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَشَرَطَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ, أَوْ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إجْمَاعٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يَسْتَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِمْنَاهُ وَلاَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَمْ يُجْمِعْ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ بَيْنَهُمْ وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْت الْكَذَّابَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتُجِيزُ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِمْ؟ قَالَ لاَ وَلاَ أُجِيزُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إلَّا شَهَادَةَ الْعُدُولِ الَّتِي تَجُوزُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَقُلْت لَهُ فَقَدْ أَخْبَرَنَا اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُمْ بَدَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ وَكَتَبُوا الْكُتُبَ بِأَيْدِيهِمْ وَقَالُوا: {هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} قَالَ فَالْكَذَّابُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْآدَمِيِّينَ أَخَفُّ فِي الْكَذِبِ ذَنْبًا مِنْ الْعَاقِدِ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ بِلاَ شُبْهَةِ تَأْوِيلٍ وَأَدْنَى الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَكَيْفَ تَرُدُّ عَنْهُمْ شَهَادَةَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُمْ بِكَذِبٍ وَتَقْبَلُهُمْ وَهُمْ شَرٌّ بِكَذِبٍ أَعْظَمَ مِنْهُ؟ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(أَخْبَرَ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: قَالَ: قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {لَوْلاَ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّه هُمْ الْكَاذِبُونَ} وَقَالَ: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ} وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: {أَنَّ سَعْدًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ وَجَدْت مَعَ امْرَأَتِي رَجُلاً أُمْهِلُهُ حَتَّى آتِيَ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَعَمْ} قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تَعَالَى: فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الزِّنَا أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ, وَالْكِتَابُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ شَهَادَةُ غَيْرِ عَدْلٍ (قَالَ): وَالْإِجْمَاعُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ إلَّا شَهَادَةُ عَدْلٍ حُرٍّ بَالِغٍ عَاقِلٍ لِمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ. (قَالَ): وَسَوَاءٌ أَيُّ زِنَا مَا كَانَ زِنَا حُرَّيْنِ, أَوْ عَبْدَيْنِ, أَوْ مُشْرِكَيْنِ; لِأَنَّ كُلَّهُ زِنَا, وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا, أَوْ عَلَى رَجُلٍ, أَوْ عَلَيْهِمَا مَعًا لَمْ يَنْبَغِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْبَلَ الشَّهَادَةَ; لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَا قَدْ يَقَعُ عَلَى مَا دُونَ الْجِمَاعِ حَتَّى يَصِفَ الشُّهُودُ الْأَرْبَعَةُ الزِّنَا فَإِذَا قَالُوا رَأَيْنَا ذَلِكَ مِنْهُ يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا دُخُولَ الْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ, فَأَثْبَتُوهُ حَتَّى تَغِيبَ الْحَشَفَةُ فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ مَا كَانَ الْحَدُّ رَجْمًا, أَوْ جَلْدًا وَإِنْ قَالُوا رَأَيْنَا فَرْجَهُ عَلَى فَرْجِهَا وَلَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ فَلاَ حَدَّ وَيُعَزَّرُ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ ذَلِكَ دَخَلَ فِي دُبُرِهَا فَقَدْ وَجَبَ الْحَدُّ كَوُجُوبِهِ فِي الْقُبُلِ فَإِنْ شَهِدُوا عَلَى امْرَأَةٍ, فَأَنْكَرَتْ وَقَالَتْ أَنَا عَذْرَاءُ, أَوْ رَتْقَاءُ أُرِيهَا النِّسَاءُ فَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ حَرَائِرُ عُدُولٌ عَلَى أَنَّهَا عَذْرَاءُ, أَوْ رَتْقَاءُ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهَا; لِأَنَّهَا لَمْ يَزْنِ بِهَا إذَا كَانَتْ هَكَذَا الزِّنَا الَّذِي يُوجِبُ الْحَدَّ وَلاَ حَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّا وَإِنْ قَبِلْنَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِيمَا يَرَيْنَ عَلَى مَا يُجَزْنَ عَلَيْهِ فَإِنَّا لاَ نَحُدُّهُمْ بِشَهَادَةِ النِّسَاءِ, وَقَدْ يَكُونُ الزِّنَا فِيمَا دُونَ هَذَا فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ فَقَدْ قَالَ عُمَرُ ذَلِكَ فِيمَا بَلَغَنَا وَقَالَ مَا ذَنْبُهُنَّ إنْ جَاءَ الْعَجْزُ مِنْ قِبَلِكُمْ فَأَخْبَرَ أَنَّ الصَّدَاقَ يَجِبُ بِالْمَسِيسِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَرْخَى سِتْرًا وَيَجِبُ بِإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَسِيسٌ وَذَهَبَ إلَى أَنَّهَا إذَا خَلَّتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَقَدْ وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ وَجَعَلَ ذَلِكَ كَالْقَبْضِ فِي الْبُيُوعِ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الثَّمَنُ وَهُوَ لَوْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا بَابًا وَأَرْخَى سِتْرًا وَأَقَامَ مَعَهَا حَتَّى تَبْلَى ثِيَابُهَا وَتَلْبَثَ سَنَةً وَلَمْ يُقِرَّ بِالْإِصَابَةِ وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ بِهَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حَدٌّ عِنْدَ أَحَدٍ, وَالْحَدُّ لَيْسَ مِنْ الصَّدَاقِ بِسَبِيلِ الصَّدَاقُ يَجِبُ بِالْعُقْدَةِ فَلَوْ عَقَدَ رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ عُقْدَةَ نِكَاحٍ, ثُمَّ مَاتَ, أَوْ مَاتَتْ كَانَ لَهَا الصَّدَاقُ كَامِلاً وَإِنْ لَمْ يَرَهَا وَلَيْسَ مَعْنَى الصَّدَاقِ مِنْ مَعْنَى الْحُدُودِ بِسَبِيلٍ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى مُحْصَنٍ أَنَّهُ زَنَى بِذِمِّيَّةٍ حُدَّ الْمُسْلِمُ وَدُفِعَتْ الذِّمِّيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِمْ إلَّا أَنْ يَرْضَوْا, فَأَمَّا مَنْ قَالَ نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ رَضُوا, أَوْ لَمْ يَرْضَوْا فَيَحُدُّهَا حَدَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَمِائَةٌ وَنَفْيُ عَامٍ وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا فَالرَّجْمُ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَطِئَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ فَقَالَ هِيَ امْرَأَتِي وَقَالَتْ ذَلِكَ, أَوْ قَالَ هِيَ جَارِيَتِي فَالْقَوْلُ قَوْلُهُمَا وَلاَ يَكْشِفَانِ فِي ذَلِكَ وَلاَ يَحْلِفَانِ فِيهِ إلَّا أَنْ يَحْضُرَهُمَا مَنْ يَعْلَمُ غَيْرَ مَا قَالاَ وَتَثْبُت عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ, أَوْ يُقِرَّانِ بَعْدُ بِخِلاَفِ مَا ادَّعَيَا فَلاَ يَجُوزُ إلَّا مَا وَصَفْت مِنْ قِبَلِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَنْكِحُ الْمَرْأَةَ بِبِلاَدِ غُرْبَةٍ وَيَنْتَقِلُ بِهَا إلَى غَيْرِهَا وَيَنْكِحُهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالثَّلاَثَةِ فَيَغِيبُونَ وَيَمُوتُونَ وَيَشْتَرِي الْجَارِيَةَ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَبِبَيِّنَةٍ فَيَغِيبُونَ فَتَكُونُ النَّاسُ أُمَنَاءَ عَلَى هَذَا لاَ يَحُدُّونَ وَهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ أَتَوْا مَا أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى لَهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُهُمْ كَاذِبِينَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ نَقُولَ يُحَدُّ كُلُّ مَنْ وَجَدْنَاهُ يُجَامِعُ إلَّا أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً عَلَى نِكَاحٍ, أَوْ شِرَاءِ, وَقَدْ يَأْخُذُ الْفَاسِقُ الْفَاسِقَةَ فَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتِي وَهَذِهِ جَارِيَتِي فَإِنْ كُنْتُ أَدْرَأُ عَنْ الْفَاسِقِ بِأَنْ يَقُولَ جِيرَانُهُ رَأَيْنَاهُ يَدَّعِي أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَتُقِرُّ بِذَلِكَ وَلاَ يَعْلَمُونَ أَصْلَ نِكَاحٍ دَرَأْت عَنْ الصَّالِحِ الْفَاضِلِ يَقُولُ هَذِهِ جَارِيَتِي; لِأَنَّهُ قَدْ يَشْتَرِيهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَيَقُولُ هَذِهِ امْرَأَتِي عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ, ثُمَّ كَانَ أَوْلَى أَنْ يُقْبَلَ قَوْلُهُ مِنْ الْفَاسِقِ وَكُلٌّ لاَ يُحَدُّ إذَا ادَّعَى مَا وَصَفْت وَالنَّاسُ لاَ يَحُدُّونَ إلَّا بِإِقْرَارِهِمْ, أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ بِالْفِعْلِ وَأَنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ, فَأَمَّا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلاَ نَحُدُّ (قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ وَجَدْت حَامِلاً فَادَّعَتْ تَزْوِيجًا, أَوْ إكْرَاهًا لَمْ تُحَدَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ فِي الْحَامِلِ خَاصَّةً إلَى أَنْ يَقُولَ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ الرَّجْمُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَا إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ, أَوْ كَانَ الْحَبَلُ, أَوْ الِاعْتِرَافُ فَإِنَّ مَذْهَبَ عُمَرَ فِيهِ بِالْبَيَانِ عَنْهُ بِالْخَبَرِ أَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْحَبَلِ إذَا كَانَ مَعَ الْحَبَلِ إقْرَارٌ بِالزِّنَا, أَوْ غَيْرُ ادِّعَاءِ نِكَاحٍ, أَوْ شُبْهَةٌ يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ وَفِي جَمِيعِ الْمَعَاصِي إذَا تَابُوا, فَأَمَّا مَنْ أَتَى مُحَرَّمًا حُدَّ فِيهِ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إلَّا بِمُدَّةِ أَشْهُرٍ يُخْتَبَرُ فِيهَا بِالِانْتِقَالِ مِنْ الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الْحَالِ الْحَسَنَةِ, وَالْعَفَافِ عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي أَتَى, وَأَمَّا مَنْ قَذَفَ مُحْصَنَةً عَلَى مَوْضِعِ الشَّتْمِ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ مَوَاضِعِ الشَّهَادَاتِ فَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ حَتَّى يُخْتَبَرَ هَذِهِ الْمُدَّةَ فِي الِانْتِقَالِ إلَى أَحْسَنِ الْحَالِ, وَالْكَفِّ عَنْ الْقَذْفِ, وَأَمَّا مَنْ حُدَّ فِي أَنَّهُ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَلَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَإِنْ كَانَ عَدْلاً يَوْمَ شَهِدَ فَسَاعَةَ يَقُولُ قَدْ تُبْت وَكَذَّبَ نَفْسَهُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ; لِأَنَّا وَإِنْ حَدَدْنَاهُ حَدَّ الْقَاذِفِ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَعَانِي الْقَذْفَةِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا أَرْبَعَةً لَمْ نَحُدَّهُمْ, وَلَوْ كَانُوا أَرْبَعَةً شَاتِمِينَ حَدَدْنَاهُمْ, وَالْحُجَّةُ فِي قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ بِضَرْبِهِ وَأَمَرَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا, ثُمَّ اسْتَثْنَى لَهُ إلَّا أَنْ يَتُوبَ وَالِاسْتِثْنَاءُ فِي سِيَاقِ الْكَلاَمِ عَلَى أَوَّلِ الْكَلاَمِ وَآخِرِهِ فِي جَمِيعِ مَا يَذْهَبُ إلَيْهِ أَهْلُ الْفِقْهِ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ خَبَرٌ وَلَيْسَ عِنْدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَأَنَّ الثُّنْيَا لَهُ إنَّمَا هِيَ عَلَى طَرْحِ اسْمِ الْفِسْقِ عَنْهُ خَبَرٌ إلَّا عَنْ شُرَيْحٍ وَهُمْ يُخَالِفُونَ شُرَيْحًا لِرَأْيِ أَنْفُسِهِمْ, وَقَدْ كَلَّمَنِي بَعْضُهُمْ فَكَانَ مِنْ حُجَّتِهِ أَنْ قَالَ إنَّ أَبَا بَكْرَةَ قَالَ لِرَجُلٍ أَرَادَ أَنْ يَسْتَشْهِدَهُ اسْتَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي فَقُلْت لَهُ لَوْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْك حُجَّةٌ إلَّا هَذِهِ كُنْت قَدْ أَحْسَنْت الِاحْتِجَاجَ عَلَى نَفْسِك قَالَ وَكَيْفَ؟ قُلْت أَرَأَيْت أَبَا بَكْرَةَ هَلْ تَابَ مِنْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي حُدَّ بِهَا قَالَ فَإِنْ قُلْت نَعَمْ؟ قُلْت فَلَمْ يَطْرَحْ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ اسْمَ الْفِسْقِ, فَأَيُّ شَيْءٍ اسْتَثْنَى لَهُ بِالتَّوْبَةِ؟ قَالَ فَإِنْ قُلْنَا لَمْ يَتُبْ قُلْت فَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُك فِي أَنَّ مَنْ لَمْ يَتُبْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ قَالَ فَمَا تَوْبَتُهُ إذَا كَانَ حَسَنَ الْحَالِ قُلْت إكْذَابُهُ لِنَفْسِهِ كَمَا قَالَ صَاحِبُكُمْ الشَّعْبِيُّ قَالَ فَهَلْ فِي هَذَا خَبْرٌ؟ قُلْت مَا نَحْتَاجُ مَعَ الْقُرْآنِ إلَى خَبْرٍ وَلاَ مَعَ الْقِيَاسِ إذَا كُنْت تَقْبَلُ شَهَادَةَ الزَّانِي, وَالْقَاتِلِ, وَالْمَحْدُودِ فِي الْخَمْرِ إذَا تَابَ وَشَهَادَةَ الزِّنْدِيقِ إذَا تَابَ, وَالْمُشْرِكِ إذَا أَسْلَمَ وَقَاطِعِ الطَّرِيقِ, وَالْمَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ إذَا تَابَ لاَ تَقْبَلُ شَهَادَةُ شَاهِدٍ بِالزِّنَا فَلَمْ تَتِمَّ بِهِ الشَّهَادَةُ فَجُعِلَ قَاذِفًا قَالَ فَهَلْ عِنْدَك أَثَرٌ؟ قُلْت نَعَمْ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ زَعَمَ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَنَّ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ لاَ تَجُوزُ وَأَشْهَدُ لاََخْبَرَنِي, ثُمَّ سَمَّى الَّذِي أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه قَالَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ تُقْبَلْ شَهَادَتُك, أَوْ إنْ تُبْت قُبِلَتْ شَهَادَتُك قَالَ سُفْيَانُ فَذَهَبَ عَلَى حِفْظِي الَّذِي سَمَّاهُ الزُّهْرِيُّ فَسَأَلْت مَنْ حَضَرَنِي فَقَالَ لِي عُمَرُ بْنُ قَيْسٍ هُوَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَقُلْت لِسُفْيَانَ فَهُوَ سَعِيدٌ؟ قَالَ نَعَمْ إلَّا أَنِّي شَكَكْت فِيهِ فَلَمَّا أَخْبَرَنِي لَمْ أَشُكَّ وَلَمْ أُثْبِتْهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ حِفْظًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَبَلَغَنِي عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ إذَا تَابَ وَسُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَنْ الْقَاذِفِ فَقَالَ أَيَقْبَلُ اللَّهُ تَوْبَتَهُ وَلاَ تَقْبَلُونَ شَهَادَتَهُ؟ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ فِي الْقَاذِفِ إذَا تَابَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَقَالَ كُلُّنَا يَقُولُهُ عَطَاءٌ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَالْقَاذِفُ قَبْلَ أَنْ يُحَدَّ مِثْلُهُ حِينَ يُحَدُّ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتِهِ حَتَّى يَتُوبَ كَمَا وَصَفْت, بَلْ هُوَ قَبْلُ أَنْ يُحَدَّ شَرُّ حَالاً مِنْهُ حِينَ يُحَدُّ; لِأَنَّ الْحُدُودَ كَفَّارَاتٌ لِلذُّنُوبِ فَهُوَ بَعْدَ مَا يُكَفَّرُ عَنْهُ الذَّنْبُ خَيْرٌ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُكَفَّرَ عَنْهُ فَلاَ أَرُدُّ شَهَادَتَهُ فِي خَيْرِ حَالَيْهِ وَأُجِيزُهَا فِي شَرِّ حَالَيْهِ وَإِنَّمَا رَدَدْتهَا بِإِعْلاَنِهِ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ فَلاَ أَقْبَلُهَا حَتَّى يَنْتَقِلَ عَنْهَا وَهَذَا الْقَاذِفُ, فَأَمَّا الشَّاهِدُ بِالزِّنَا عِنْدَ الْحَاكِمِ فَلاَ يَحُدُّهُ الْحَاكِمُ لِمُحَابَاةٍ, أَوْ شُبْهَةٍ فَإِذَا كَانَ عَدْلاً يَوْمَ شَهِدَ, ثُمَّ أَكْذَبَ نَفْسَهُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ مَكَانَهُ; لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعَانِي الْقَذْفَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا رَأَى الرَّجُلُ فَأَثْبَتَ وَهُوَ بَصِيرٌ, ثُمَّ شَهِدَ وَهُوَ أَعْمَى قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا وَقَعَتْ وَهُوَ بَصِيرٌ إلَّا أَنَّهُ بَيَّنَ وَهُوَ أَعْمَى عَنْ شَيْءٍ وَهُوَ بَصِيرٌ وَلاَ عِلَّةَ فِي رَدِّ شَهَادَتِهِ فَإِذَا شَهِدَ وَهُوَ أَعْمَى عَلَى شَيْءٍ قَالَ أُثْبِتُهُ كَمَا أُثْبِتُ كُلَّ شَيْءٍ بِالصَّوْتِ, أَوْ الْحِسِّ فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ; لِأَنَّ الصَّوْتَ يُشْبِهُ الصَّوْتَ, وَالْحِسَّ يُشْبِهُ الْحِسَّ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَالْأَعْمَى يُلاَعِنُ امْرَأَتَهُ فَأَجَلْ إنَّمَا حَدَّ اللَّهُ فِي الْقَذْفِ غَيْرَ الْأَزْوَاجِ إذَا لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذَا جَاءُوا بِهِمْ خَرَجُوا مِنْ الْحَدِّ وَحَدَّ الْأَزْوَاجِ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجُوا بِالِالْتِعَانِ فَفَرَّقَ بَيْنَ الْأَزْوَاجِ وَالْأَجْنَبِيِّينَ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَجَمَعَ بَيْنَهُمْ فِي أَنْ يُحَدُّوا مَعًا إذَا لَمْ يَأْتِ هَؤُلاَءِ بِبَيِّنَةٍ وَهَؤُلاَءِ بِالِالْتِعَانِ, أَوْ بَيِّنَةٍ وَسَوَاءٌ قَالَ الزَّوْجُ رَأَيْت امْرَأَتِي تَزْنِي, أَوْ لَمْ يَقُلْهُ كَمَا سَوَاءٌ أَنْ يَقُولَ الْأَجْنَبِيُّونَ رَأَيْنَاهَا تَزْنِي, أَوْ هِيَ زَانِيَةٌ لاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ, فَأَمَّا إصَابَةُ الْأَعْمَى أَهْلَهُ وَجَارِيَتَهُ فَذَلِكَ أَمْرٌ لاَ يُشْبِهُ الشَّهَادَاتِ; لِأَنَّ الْأَعْمَى وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ امْرَأَتَهُ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ فَقَدْ يَعْرِفُهَا مَعْرِفَةً يَكْتَفِي بِهَا وَتَعْرِفُهُ هِيَ مَعْرِفَةَ الْبَصِيرِ, وَقَدْ يُصِيبُ الْبَصِيرُ امْرَأَتَهُ فِي الظُّلْمَةِ عَلَى مَعْنَى مَعْرِفَةِ مَضْجَعِهَا وَمَجَسَّتِهَا وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى أَحَدٍ فِي الظُّلْمَةِ عَلَى مَعْرِفَةِ الْمَجَسَّةِ, وَالْمَضْجَعِ, وَقَدْ يُوجَدُ مِنْ شَهَادَةِ الْأَعْمَى بُدٌّ; لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ غَيْرُ عُمْيٍ فَإِذَا أَبْطَلْنَا شَهَادَتَهُ فِي نَفْسِهِ فَنَحْنُ لَمْ نُدْخِلْ عَلَيْهِ ضَرَرًا وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ ضَرُورَةُ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَرُورَةُ نَفْسِهِ فَهُوَ مُضْطَرٌّ إلَى الْجِمَاعِ الَّذِي يَحِلُّ; لِأَنَّهُ لاَ يُحَدُّ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَلاَ يُبْصِرُ أَبَدًا وَلَيْسَ بِمُضْطَرٍّ إلَى الشَّهَادَةِ وَلاَ غَيْرُهُ مُضْطَرٍّ إلَى شَهَادَتِهِ وَهُوَ يَحِلُّ لَهُ فِي ضَرُورَتِهِ لِنَفْسِهِ مَا لاَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ فِي ضَرُورَتِهِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ فِي ضَرُورَتِهِ الْمَيْتَةُ, وَلَوْ صَحِبَهُ مَنْ لاَ ضَرُورَةَ بِهِ كَضَرُورَتِهِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ الْمَيْتَةُ أَوَلاَ تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ اجْتِهَادُهُ فِي نَفْسِهِ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ اجْتِهَادُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ زَمَانِهِ, فَأَمَّا عَائِشَةُ وَمَنْ رَوَى عَنْهَا الْحَدِيثَ فَالْحَدِيثُ إنَّمَا قُبِلَ عَلَى صِدْقِ الْمُخْبِرِ وَعَلَى الْأَغْلَبِ عَلَى الْقَلْبِ وَلَيْسَ مِنْ الشَّهَادَاتِ بِسَبِيلٍ, أَلاَ تَرَى أَنَّا نَقْبَلُ فِي الْحَدِيثَ حَدَّثَنِي فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ وَلاَ نَقْبَلُ فِي الشَّهَادَةِ حَدَّثَنِي فُلاَنٌ عَنْ فُلاَنٍ حَتَّى يَقُولَ أَشْهَدُ لَسَمِعْت فُلاَنًا وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْمَرْأَةِ حَتَّى نُحِلَّ بِهَا وَنُحَرِّمَ وَحْدَهَا وَلاَ نَقْبَلُ شَهَادَتَهَا وَحْدَهَا عَلَى شَيْءٍ وَنَقْبَلُ حَدِيثَ الْعَبْدِ الصَّادِقِ وَلاَ نَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَنَرُدُّ حَدِيثَ الْعَدْلِ إذَا لَمْ يَضْبِطْ الْحَدِيثَ وَنَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا يَعْرِفُ فَالْحَدِيثُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلاَ لِبَنِي بَنِيهِ وَلاَ لِبَنِي بَنَاتِهِ وَإِنْ تَسَفَّلُوا وَلاَ لِآبَائِهِ وَإِنْ بَعُدُوا; لِأَنَّهُ مِنْ آبَائِهِ وَإِنَّمَا شَهِدَ لِشَيْءٍ هُوَ مِنْهُ وَأَنَّ بَنِيهِ مِنْهُ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِبَعْضِهِ وَهَذَا مِمَّا لاَ أَعْرِفُ فِيهِ خِلاَفًا وَيَجُوزُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ لِكُلِّ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ مِنْ أَخٍ وَذِي رَحِمٍ وَزَوْجَةٍ لِأَنِّي لاَ أَجِدُ فِي الزَّوْجَةِ وَلاَ فِي الْأَخِ عِلَّةً أَرُدُّ بِهَا شَهَادَتَهُ خَبَرًا وَلاَ قِيَاسًا وَلاَ مَعْقُولاً وَإِنِّي لَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِزَوْجَتِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُهَا وَتَرِثُهُ فِي حَالٍ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِمَوْلاَهُ مِنْ أَسْفَلِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُهُ فِي حَالٍ وَرَدَدْت شَهَادَتَهُ لِعَصَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِائَةُ أَبٍ وَلَسْت أَجِدُهُ يَمْلِكُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَلاَ تَمْلِكُ مَالَهُ فَيَكُونُ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ بِشَهَادَتِهِ وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهَا وَهَكَذَا أَجِدُهُ فِي أَخِيهِ, وَلَوْ رَدَدْت شَهَادَتَهُ لِأَخِيهِ بِالْقَرَابَةِ رَدَدْتهَا لِابْنِ عَمِّهِ; لِأَنَّهُ ابْنُ جَدِّهِ الْأَدْنَى وَرَدَدْتهَا لِابْنِ جَدِّهِ الَّذِي يَلِيه وَرَدَدْتهَا لِأَبِي الْجَدِّ الَّذِي فَوْقَ ذَلِكَ حَتَّى أَرُدَّهَا عَلَى مِائَةِ أَبٍ, أَوْ أَكْثَرَ قَالَ, وَلَوْ شَهِدَ أَخَوَانِ لِأَخٍ بِحَقٍّ, أَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ أَحَدٌ بِحَقٍّ فَجَرَّحَاهُ قَبِلْتُ شَهَادَتَهُمَا, وَلَوْ رَدَدْتهَا فِي إحْدَى الْحَالَيْنِ لَرَدَدْتُهَا فِي الْأُخْرَى (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا لَهُ وَهُوَ مَمْلُوكٌ أَنَّهُ أُعْتِقَ, وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحُوا شَاهِدَيْنِ شَهِدَا عَلَيْهِ بِحَدٍّ قَبِلْتُ شَهَادَتُهُمَا; لِأَنَّ أَصْلَ الشَّهَادَةِ أَنْ تَكُونَ مَقْبُولَةً, أَوْ مَرْدُودَةً فَإِذَا كَانَتْ مَقْبُولَةً لِلْأَخِ قُبِلَتْ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَقَدْ يَجُرُّونَ إلَى أَنْفُسِهِمْ الْمِيرَاثَ إذَا صَارَ حُرًّا قِيلَ لَهُ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ أَحْرَارٌ, أَوْ رَأَيْتَ إنْ كَانَ ابْنُ عَمٍّ بَعِيدُ النَّسَبِ قَدْ يَرِثُونَهُ إنْ مَاتَ وَلاَ وَلَدَ لَهُ أَوَرَأَيْتَ إنْ كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَشِيرَةِ مُتَرَاخِيَ النَّسَبِ أَتَرُدُّ شَهَادَتَهُمْ لَهُ فِي الْحَدِّ يَدْفَعُونَهُ بِجُرْحِ مَنْ شَهِدُوا عَلَى جُرْحِهِ مِمَّنْ شَهِدَ عَلَيْهِ, أَوْ بِعِتْقِهِ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قِيلَ: أَفَرَأَيْت إنْ كَانُوا حُلَفَاءَ فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ حَلِيفَهُمْ, أَوْ كَانُوا أَصْهَارًا فَكَانُوا يُعَيَّرُونَ بِمَا أَصَابَ صِهْرَهُمْ وَإِنْ بَعُدَ صِهْرُهُ, وَكَانَ مِنْ عَشِيرَةِ صِهْرِهِمْ الْأَدْنَى, أَوْ رَأَيْت إنْ كَانُوا أَهْلَ صِنَاعَةٍ وَاحِدَةٍ يُعَابُونَ مَعًا وَيُمْدَحُونَ مَعًا مِنْ عِلْمٍ, أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لَمْ يَخْلُ النَّاسُ مِنْ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِيهِمْ وَإِنْ أَجَازَهَا فِي هَذَا فَقَدْ أَجَازَهَا وَفِيهَا الْعِلَّةُ الَّتِي أَبْطَلَهَا بِهَا (قَالَ): وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدٍ غَيْرِ الْأَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ الْبَالِغِينَ الْعُدُولِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ الْغُلاَمُ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ, وَالْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُعْتَقَ, وَالْكَافِرُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لِرَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُجِيزَهَا وَلاَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْمَعَهَا وَسَمَاعُهَا مِنْهُ تَكَلُّفٌ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَتَقَ الْعَبْدُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَكَانُوا عُدُولاً فَشَهِدُوا بِهَا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ; لِأَنَّا لَمْ نَرُدَّهَا فِي الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ بِعِلَّةِ سَخَطٍ فِي أَعْمَالِهِمَا وَلاَ كَذِبِهِمَا وَلاَ بِحَالٍ سَيِّئَةٍ فِي أَنْفُسِهِمَا لَوْ انْتَقَلاَ عَنْهَا وَهُمَا بِحَالِهِمَا قَبِلْنَاهُمَا إنَّمَا رَدَدْنَاهَا; لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ شَرْطِ الشُّهُودِ الَّذِينَ أُمِرْنَا بِإِجَازَةِ شَهَادَتِهِمْ, أَلاَ تَرَى أَنَّ شَهَادَتَهُمَا وَسُكَاتَهُمَا فِي مَالِهِمَا تِلْكَ سَوَاءٌ وَأَنَّا لاَ نَسْأَلُ عَنْ عَدْلِهِمَا, وَلَوْ عَرَفْنَا عَدْلَهُمَا كَانَ مِثْلَ جَرْحِهِمَا فِي أَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُمَا فِي أَنَّ هَذَا لَمْ يَبْلُغْ وَأَنَّ هَذَا مَمْلُوكٌ وَفِي الْكَافِرِ وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الشَّرْطِ الَّذِي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ فَإِذَا صَارُوا إلَى الشَّرْطِ الَّذِي أُمِرْنَا بِقَبُولِهِ قَبِلْنَاهُمْ مَعًا وَكَانُوا كَمَنْ لَمْ يَشْهَدْ إلَّا فِي تِلْكَ الْحَالِ, فَأَمَّا الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْبَالِغُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ فِي الشَّيْءِ, ثُمَّ تَحْسُنُ حَالُهُ فَيَشْهَدُ بِهَا فَلاَ نَقْبَلُهَا; لِأَنَّا قَدْ حَكَمْنَا بِإِبْطَالِهَا; لِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَنَا حِينَ شَهِدَ فِي مَعَانِي الشُّهُودِ الَّذِينَ يُقْطَعُ بِشَهَادَتِهِمْ حَتَّى اخْتَبَرْنَا أَنَّهُ مَجْرُوحٌ فِيهَا بِعَمَلِ شَيْءٍ, أَوْ كَذِبٍ فَاخْتُبِرَ فَرَدَدْنَا شَهَادَتَهُ فَلاَ نُجِيزُهَا وَلَيْسَ هَكَذَا الْعَبْدُ وَلاَ الصَّبِيُّ وَلاَ الْكَافِرُ أُولَئِكَ كَانُوا عُدُولاً, أَوْ غَيْرَ عُدُولٍ فَفِيهِمْ عِلَّةٌ أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الشَّرْطِ وَهَذَا مِنْ الشَّرْطِ إلَّا بِأَنْ يُخْتَبَرَ عَمَلُهُ, أَوْ قَوْلُهُ, وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ فِي مَالٍ يَجِبُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَلاَ يَجُوزُ مِنْ شَهَادَتِهِنَّ شَيْءٌ وَإِنْ كَثُرْنَ إلَّا وَمَعَهُنَّ رَجُلٌ شَاهِدٌ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ مِنْ اثْنَتَيْنِ مَعَ الرَّجُلِ فَصَاعِدًا وَلاَ نُجِيزُ اثْنَتَيْنِ وَيَحْلِفُ مَعَهُمَا; لِأَنَّ شَرْطَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي أَجَازَهُمَا فِيهِ مَعَ شَاهِدٍ يَشْهَدُ بِمِثْلِ شَهَادَتِهِمَا لِغَيْرِهِ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}, فَأَمَّا رَجُلٌ يَحْلِفُ لِنَفْسِهِ فَيَأْخُذُ فَلاَ يَجُوزُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ, وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي حَيْثُ لاَ يَرَى الرَّجُلُ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ فَإِنَّهُنَّ يُجَزْنَ فِيهِ مُنْفَرِدَاتٍ وَلاَ يَجُوزُ مِنْهُنَّ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعٍ إذَا انْفَرَدْنَ قِيَاسًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِنَّ; لِأَنَّهُ جَعَلَ اثْنَتَيْنِ تَقُومَانِ مَعَ رَجُلٍ مَقَامَ رَجُلٍ وَجَعَلَ الشَّهَادَةَ شَاهِدَيْنِ, أَوْ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ فَإِنْ انْفَرَدْنَ فَمَقَامُ شَاهِدَيْنِ أَرْبَعٌ وَهَكَذَا كَانَ عَطَاءٌ يَقُولُ أَخْبَرَنَا مُسْلِمٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى وَلاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْحُدُودِ وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْوَكَالاَتِ وَلاَ الْوَصِيَّةِ وَلاَ مَا عَدَا مَا وَصَفْتُ مِنْ الْمَالِ وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ أَقَلُّ مِنْ شَاهِدَيْنِ وَلاَ يَجُوزُ فِي الْعِتْقِ, وَالْوَلاَءِ وَيَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الطَّلاَقِ, وَالْحُدُودِ, وَالْعَتَاقِ وَكُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ شَاهِدٍ وَبِشَاهِدٍ فَإِنْ نَكَلَ رَدَدْتُ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي وَأَخَذْتُ لَهُ بِحَقِّهِ وَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ الْمُدَّعِي لَمْ آخُذْ لَهُ شَيْئًا وَلاَ أُفَرِّقُ بَيْنَ حُكْمِ هَذَا وَبَيْنَ حُكْمِ الْأَمْوَالِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إذَا كَانَ الْقَاضِي عَدْلاً فَأَقَرَّ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ بِشَيْءٍ كَانَ الْإِقْرَارُ عِنْدَهُ أَثْبَتَ مِنْ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ كُلُّ مَنْ يَشْهَدُ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَشْهَدُوا عِنْدَهُ بِزُورٍ, وَالْإِقْرَارُ عِنْدَهُ لَيْسَ فِيهِ شَكٌّ. وَأَمَّا الْقُضَاةُ الْيَوْمَ فَلاَ أُحِبُّ أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهَذَا كَرَاهِيَةَ أَنْ أَجْعَلَ لَهُمْ سَبِيلاً إلَى أَنْ يَجُورُوا عَلَى النَّاسِ, وَاَللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يُلْزِمُ الْإِمَامُ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا إلَّا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ فَأَكْثَرَ, وَكَذَلِكَ لاَ يُفْطِرُونَ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ; لِأَنَّهُمْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي الصِّيَامِ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَدَّوْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَجَوْت أَنْ يُؤْجَرُوا بِهِ وَلاَ أُحِبُّ لَهُمْ هَذَا فِي الْفِطْرِ; لِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلُ بِرٍّ, وَالْفِطْرَ تَرْكُ عَمَلٍ. أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُمِّهِ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ رضي الله تعالى عنها أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رحمه الله تعالى عَلَى رُؤْيَةِ هِلاَلِ شَهْرِ رَمَضَانَ فَصَامَ أَحْسِبُهُ قَالَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصِّيَامِ وَقَالَ أَصُومُ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ. أَحْسِبُهُ " شَكُّ الشَّافِعِيِّ " قَالَ الرَّبِيعُ رَجَعَ الشَّافِعِيُّ بَعْدُ فَقَالَ: لاَ يُصَامُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: إنْ كَانَ عَلِيٌّ رحمه الله تعالى: أَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَعَلَى مَعْنَى الْمَشُورَةِ لاَ عَلَى مَعْنَى الْإِلْزَامِ, وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي حَالٍ مِنْ الْأَحْوَالِ; لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ نَرْضَى مِنْ الشُّهَدَاءِ وَإِنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ مَنْ نَرْضَى وَمَنْ قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ قَبِلْنَاهَا حِينَ يَشْهَدُ بِهَا فِي الْمَوْقِفِ الَّذِي يَشْهَدُ بِهَا فِيهِ وَبَعْدَهُ وَفِي كُلِّ حَالٍ وَلاَ أَعْرِفُ مَكَانَ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ وَيُجَرِّبَ وَيُفَارِقَ مَوْقِفَهُ إذَا عَلِمْنَا أَنَّ عَقْلَ الشَّاهِدِ هَكَذَا, فَمَنْ أَجَازَ لَنَا أَنْ نَقْبَلَ شَهَادَةَ مَنْ لاَ يَدْرِي مَا لِلَّهِ - تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ - عَلَيْهِ فِي الشَّهَادَةِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فَرْضٌ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ ابْنَ الزُّبَيْرِ قَبِلَهَا قِيلَ: فَابْنُ عَبَّاسٍ رَدَّهَا, وَالْقُرْآنُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِمَّنْ يُرْضَى أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُمَرَ, وَعَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: تَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَلاَ الْمَرْأَةِ حَيْثُ تَجُوزُ إلَّا رَجُلاَنِ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِسَاءٌ مَعَ رَجُلٍ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالٍ لِأَنَّهُنَّ لاَ يَشْهَدْنَ عَلَى أَصْلِ الْمَالِ إنَّمَا يَشْهَدْنَ عَلَى تَثْبِيتِ شَهَادَةِ رَجُلٍ, أَوْ امْرَأَةٍ, وَإِذَا كَانَ أَصْلُ مَذْهَبِنَا أَنَّا لاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ النِّسَاءِ إلَّا فِي مَالٍ, أَوْ فِيمَا لاَ يَرَاهُ الرِّجَالُ لَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نُجِيزَ شَهَادَتَيْنِ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَلاَ امْرَأَةٍ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى إذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدًا عَلَى جُرْحٍ خَطَأً, أَوْ عَمْدًا مِمَّا لاَ قِصَاصَ فِيهِ حَالَ حَلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ يَمِينًا وَاحِدَةً, وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا فِيهِ قِصَاصٌ بِحَالِ لَمْ يَحْلِفْ وَلَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا شَاهِدَانِ, وَلَوْ أَجَزْنَا الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْقِصَاصِ أَجَزْنَاهَا فِي الْقَتْلِ وَأَجَزْنَاهَا فِي الْحُدُودِ وَوَضَعْنَاهَا الْمَوْضِعَ الَّذِي لَمْ تُوضَعْ فِيهِ وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ فِي عَبْدٍ قَتَلَهُ حُرٌّ, أَوْ نَصْرَانِيٍّ قَتَلَهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ, أَوْ جَرَحَ قَالَ وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا كَانَ خَطَأً مِنْ الْجِرَاحِ وَفِيمَا كَانَ عَمْدًا لاَ قِصَاصَ فِيهِ بِحَالٍ جَائِزَةٌ مَعَ رَجُلٍ وَلاَ يُجَزْنَ إذَا انْفَرَدْنَ وَلاَ يَمِينَ لِطَالِبِ الْحَقِّ مَعَهُنَّ وَحْدَهُنَّ فَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إلَى أَنْ يَقُولَ: إنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَاهِدٍ فِي النَّفْسِ فَيَقْتُلُ وَلِيُّ الدَّمِ فَالْقَسَامَةُ تَجِبُ عِنْدَهُ بِدَعْوَى الْمَقْتُولِ, أَوْ الْفَوْتِ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إلَّا أَنْ يَزْعُمَ أَنَّ الْجُرْحَ الَّذِي فِيهِ الْقَوَدُ مِثْلُ النَّفْسِ فَيَقْضِيَ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ وَيَجْعَلَهَا خَمْسِينَ يَمِينًا وَلاَ يُفَرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقَسَامَةِ فِي النَّفْسِ بِحَالٍ, أَوْ يَزْعُمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ لاَ تَكُونُ إلَّا فِي النَّفْسِ, فَأَصْلُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الشَّهَادَةِ شَاهِدَانِ, أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ فِي الْمَالِ وَأَصْلُ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا أَنَّهُ حَكَمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي الْأَمْوَالِ, وَالْقِصَاصُ لَيْسَ بِمَالٍ قَالَ فَلاَ يَنْبَغِي إلَّا أَنْ لاَ يُجَازَ عَلَى الْقِصَاصِ إلَّا شَاهِدَانِ إلَّا أَنْ يَقُولَ قَائِلٌ فِي الْجِرَاحِ أَنَّ فِيهَا قَسَامَةً مِثْلُ النَّفْسِ فَإِذَا أَبَى مَنْ يَقُولُ هَذَا أَنْ يَقْبَلَ شَاهِدًا وَامْرَأَتَيْنِ, ثُمَّ يَقْتَصَّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لاََنْ يَقْبَلَ يَمِينًا وَشَاهِدًا أَشَدَّ إبَاءً.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى فَإِذَا شَهِدَ وَارِثٌ وَهُوَ عَدْلٌ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ, أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَجَاءَ آخَرُ بِشَاهِدَيْنِ يَشْهَدَانِ لَهُ أَنَّ أَبَاهُ, أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَهُوَ مِثْلُ الرَّجُلَيْنِ يُقِيمُ أَحَدُهُمَا شَاهِدَيْنِ عَلَى الدَّارِ بِأَنَّهُمَا لَهُ وَيُقِيمُ الْآخَرُ شَاهِدًا أَنَّهَا لَهُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمَا, فَمَنْ رَأَى أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ شَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِي هَذَا وَبَيْنَ شَاهِدَيْنِ أَحْلَفَ هَذَا مَعَ شَاهِدِهِ وَجَعَلَ الثُّلُثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَمَنْ لَمْ يَرَ ذَلِكَ; لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَمْ تَتِمَّ حَتَّى يَكُونَ الْمَشْهُودُ لَهُ مُسْتَغْنِيًا عَنْ أَنْ يَحْلِفَ جَعَلَ الثُّلُثَ لِصَاحِبِ الشَّاهِدَيْنِ وَأَبْطَلَ شَهَادَةَ الْوَارِثِ إذَا كَانَ وَحْدَهُ, وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ, أَوْ أَجْنَبِيٌّ كَانَ الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فِي الْقَوْلَيْنِ مَعًا قَالَ, وَلَوْ أَنَّ الْوَارِثَ شَهِدَ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ عَنْ وَصِيَّتِهِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ وَصَيَّرَهُ إلَى هَذَا الْآخَرِ حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ, وَكَانَ الثُّلُثُ لَهُ وَهَذَا يُخَالِفُ الْمَسْأَلَةَ الْأُولَى لِأَنَّهُمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مُخْتَلِفَانِ وَهَذَا يُثْبِتُ مَا ثَبَتَا وَيُثْبِتُ أَنَّ أَبَاهُ رَجَعَ فِيهِ قَالَ, وَلَوْ مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ بَنِينَ عَدَدًا فَاقْتَسَمُوا, أَوْ لَمْ يَقْتَسِمُوا, ثُمَّ شَهِدَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لِرَجُلٍ أَنَّ أَبَاهُ, أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ عَدْلاً حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ وَأَخَذَ الثُّلُثَ مِنْ أَيْدِيهِمْ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَ غَيْرَ عَدْلٍ أَخَذَ ثُلُثَ مَا فِي يَدَيْهِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْآخَرِينَ شَيْئًا وَأُحْلِفُوا لَهُ, وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الشَّاهِدُ امْرَأَتَيْنِ مِنْ الْوَرَثَةِ, أَوْ عَشْرًا مِنْ الْوَرَثَةِ لاَ رَجُلَ مَعَهُنَّ أَخَذَ ثُلُثَ مَا فِي أَيْدِيهِنَّ وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُنَّ عَلَى غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ لَمْ يُقِرَّ وَلَمْ يَحْلِفْ الْمَشْهُودُ لَهُ مَعَ شَهَادَتِهِنَّ قَالَ, وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ أَلْفًا نَقْدًا وَأَلْفًا دَيْنًا عَلَى أَحَدِ الْوَارِثَيْنِ فَشَهِدَ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لِرَجُلٍ أَنَّهُ, أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَإِنْ كَانَ عَدْلاً أَعْطَاهُ ثُلُثَ الْأَلْفِ الَّتِي عَلَيْهِ; لِأَنَّهَا مِنْ مِيرَاثِ الْمَيِّتِ وَأَعْطَى الْآخَرَ ثُلُثَ الْأَلْفِ الَّتِي أَخَذَ إذَا حَلَفَ وَإِنْ كَانَ مُفْلِسًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَإِذَا أَقَرَّ الْوَارِثُ بِدَيْنٍ عَلَى أَبِيهِ, ثُمَّ أَقَرَّ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ الْإِقْرَارُ الْأَوَّلُ, وَالْإِقْرَارُ الْآخَرُ; لِأَنَّ الْوَارِثَ لاَ يَعْدُو أَنْ يَكُونَ إقْرَارُهُ عَلَى أَبِيهِ يَلْزَمُهُ فِيمَا صَارَ فِي يَدَيْهِ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ كَمَا يَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ أَقَرَّ الْيَوْمَ لِرَجُلٍ عَلَيْهِ بِدَيْنٍ وَغَدًا لِآخَرَ لَزِمَهُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَيَتَحَاصَّانِ فِي مَالِهِ, أَوْ يَكُونَ إقْرَارُهُ سَاقِطًا; لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَلْزَمُهُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا وَهَذَا مِمَّا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ عَلِمْته, بَلْ هُمَا لاَزِمَانِ مَعًا, وَلَوْ كَانَ مَعَهُ وَارِثٌ, وَكَانَ عَدْلاً حَلَفَا مَعَ شَاهِدِهِمَا, وَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِيمَا فِي يَدَيْهِ دُونَ مَا فِي يَدَيْ غَيْرِهِ قَالَ, وَإِذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ وَارِثًا, أَوْ وَرَثَةً, فَأَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ فِي عَبْدٍ تَرَكَهُ الْمَيِّتُ أَنَّهُ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ, ثُمَّ عَادَ بَعْدُ فَقَالَ, بَلْ هُوَ لِهَذَا الْآخَرِ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ فِيهِ شَيْءٌ وَلاَ غُرْمَ عَلَى الْوَارِثِ قَالَ, وَكَذَلِكَ لَوْ وَصَلَ الْكَلاَمَ فَقَالَ هُوَ لِهَذَا, بَلْ هُوَ لِهَذَا كَانَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا, وَذَلِكَ أَنَّهُ حِينَئِذٍ كَالْمُقِرِّ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَلاَ يُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ إقْرَارٍ قَدْ قَطَعَهُ لِآخَرَ بِأَنْ يُخْرِجَهُ إلَى آخَرَ, وَلَيْسَ فِي مَعْنَى الشَّاهِدِ الَّذِي شَهِدَ بِمَا لاَ يَمْلِكُ لِرَجُلٍ, ثُمَّ يَرْجِعُ قَبْلَ الْحُكْمِ فَيَشْهَدُ بِهِ لِآخَرَ قَالَ, وَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِدَيْنٍ فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ الدَّيْنَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ مِمَّا فِي يَدَيْ الْوَارِثَيْنِ جَمِيعًا إذَا حَلَفَ الْمَشْهُودُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ أَخَذَ مِنْ يَدَيْ الشَّاهِدِ لَهُ مِنْ دَيْنِهِ بِقَدْرِ مَا كَانَ يَأْخُذُ مِنْهُ لَوْ جَازَتْ شَهَادَتُهُ; لِأَنَّ مَوْجُودًا فِي شَهَادَتِهِ أَنَّهُ إنَّمَا لَهُ فِي يَدَيْ الْمُقِرِّ حَقٌّ وَفِي يَدَيْ الْجَاحِدِ حَقٌّ, فَأَعْطَيْتُهُ مِنْ الْمُقِرِّ وَلَمْ أُعْطِهِ مِنْ الْجَاحِدِ شَيْئًا وَلَيْسَ هَذَا كَمَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ ذَاكَ كَمَا لَمْ يَتْرُكْ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ أَلْفَيْنِ فَهَلَكَتْ إحْدَاهُمَا وَثَبَتَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَلْفٌ أُخِذَتْ الْأَلْفُ, وَكَذَلِكَ لَوْ ثَبَتَ لِرَجُلٍ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ أَخَذَ ثُلُثَ الْأَلْفِ, وَكَانَتْ الْهَالِكَةُ كَمَا لَمْ يَتْرُكْ, وَلَوْ قَسَّمَ الْوَرَثَةُ مَالَهُ اتَّبَعَ أَهْلُ الدَّيْنِ وَأَهْلُ الْوَصِيَّةِ كُلَّ وَارِثٍ بِمَا صَارَ فِي يَدَيْهِ حَتَّى يَأْخُذُوا مِنْ يَدَيْهِ بِقَدْرِ مَا صَارَ لَهُمْ, وَلَوْ أَفْلَسُوا, فَأُعْطِيَ أَهْلُ الدَّيْنِ دَيْنَهُمْ مِنْ يَدَيْ مَنْ لَمْ يُفْلِسْ رَجَعَ بِهِ عَلَى مَنْ أَفْلَسَ وَهَذَا الشَّاهِدُ لاَ يَرْجِعُ أَبَدًا عَلَى أَخِيهِ بِشَيْءٍ إنَّمَا هُوَ أَقَرَّ بِهِ قَالَ, وَلَوْ تَرَكَ الْمَيِّتُ رَجُلاً وَارِثًا وَاحِدًا, فَأَقَرَّ لِرَجُلٍ أَنَّ لَهُ هَذَا الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ, ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ بَعْدُ لِهَذَا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ وَلاَ يَضْمَنُ لِلْآخَرِ شَيْئًا وَسَوَاءٌ دَفَعَ الْعَبْدَ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلِ, أَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُمَا, وَلَوْ زَعَمْت أَنَّهُ إذَا دَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ, ثُمَّ أَقَرَّ بِهِ لِلْآخَرِ ضَمِنَ لِلْآخَرِ قِيمَةَ الْعَبْدِ; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الْأَوَّلِ قُلْت كَذَلِكَ لَوْ لَمْ يَدْفَعْهُ مِنْ قِبَلِ أَنِّي إذَا أَجَزْت إقْرَارَهُ الْأَوَّلِ, ثُمَّ أَرَدْت أَنْ أُخْرِجَ ذَلِكَ مِنْ يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الْآخَرِ بِإِقْرَارٍ كُنْت أَقْرَرْت فِي مَالِ غَيْرِي فَلاَ أَكُونُ ضَامِنًا لِذَلِكَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْوَارِثُ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا بِالْمِيرَاثِ مِمَّنْ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ, أَوْ لاَ تَجُوزُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قِبَلِ أَنْ لاَ أَقْبَلَ شَهَادَتَهُ فِي شَيْءٍ قَدْ أَقَرَّ بِهِ لِرَجُلٍ وَخَرَجَ مِنْ مِلْكِهِ إلَيْهِ قَالَ وَهَكَذَا لَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ, أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ, ثُمَّ قَالَ, بَلْ, أَوْصَى بِهِ لِهَذَا لَمْ أَقْبَلْ قَوْلَهُ مِنْ قِبَلِ أَنِّي قَدْ أَلْزَمْته أَنْ أُخْرِجَ مِنْ يَدَيْهِ ثُلُثَ مَالِ أَبِيهِ إلَيْهِ فَإِذَا أَرَادَ إخْرَاجَهُ إلَى غَيْرِهِ جَعَلْته خَصْمًا لِلَّذِي اسْتَحَقَّهُ أَوَّلاً بِإِقْرَارِهِ فَلاَ أَقْبَلُ شَهَادَتَهُ فِيمَا هُوَ فِيهِ خَصْمٌ لَهُ, قَالَ, وَلَوْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ, ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ, أَوْ وَصِيَّةٌ بِشَهَادَةِ وَارِثٍ, أَوْ غَيْرِ وَارِثٍ فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ إنْ تَطَوَّعْتُمْ أَنْ تُؤَدُّوا عَلَى هَذَا دَيْنَهُ وَتَثْبُتُونَ عَلَى الْقَسْمِ فَذَلِكَ وَإِنْ أَبَيْتُمْ بِعْنَا لِهَذَا فِي أَحْضَرَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ وَنَقَضْنَا الْقَسْمَ بَيْنَكُمْ وَلَمْ نَبِعْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَلاَ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ دَارًا وَأَرْضًا وَرَقِيقًا وَثِيَابًا وَدَرَاهِمَ وَتَرَكَ دَيْنًا أَعْطَيْنَا صَاحِبَ الدَّيْنِ مِنْ الدَّرَاهِمِ الْحَاضِرَةِ وَلَمْ نَحْبِسْهُ عَلَى غَائِبٍ يُبَاعُ وَلَمْ نَبِعْ لَهُ مَالَ الْمَيِّتِ كُلَّهُ وَبِعْنَا لَهُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِقَدْرِ دَيْنِهِ, أَوْ وَصِيَّتِهِ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَتَجُوزُ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ وَكِتَابِ الْقَاضِي فِي كُلِّ حَقٍّ لِلْآدَمِيِّينَ مِنْ مَالٍ, أَوْ حَدٍّ, أَوْ قِصَاصٍ وَفِي كُلِّ حَدٍّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا تَجُوزُ, وَالْآخَرُ لاَ تَجُوزُ مِنْ قِبَلِ دَرْءِ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ, فَمَنْ قَالَ تَجُوزُ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَأَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ آخَرَيْنِ بِالزِّنَا لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ حَتَّى يَصِفُوا زِنًا وَاحِدًا وَفِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَيَثْبُتَ الشَّاهِدَانِ عَلَى رُؤْيَةِ الزِّنَا وَتَغَيُّبِ الْفَرْجِ فِي الْفَرْجِ وَتَثْبُتَ الشُّهُودُ عَلَى الشَّاهِدَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ, ثُمَّ يُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ (قَالَ): وَهَكَذَا كُلُّ شَهَادَةِ زِنًا لاَ يَقْبَلُهَا الْحَاكِمُ فَيَحُدُّ بِهَا حَتَّى يَشْهَدُوا بِهَا عَلَى زِنًا وَاحِدٍ فَإِنْ شَهِدُوا, فَأَبْهَمُوا وَلَمْ يَصِفُوا أَنَّهَا رُؤْيَةٌ وَاحِدَةٌ, ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمْ, أَوْ مَاتُوا, أَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ, أَوْ غَابُوا لَمْ يَحْدُدْهُ وَلَمْ يَحْدُدْهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا عَلَيْهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْحَدَّ (قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ ثَمَانِيَةٌ عَلَى أَرْبَعَةٍ فِي هَذَا الْقَوْلِ أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ (قَالَ): وَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلاَنِ الرَّجُلَ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَقُلْ لَهُمَا اشْهَدَا فَلَيْسَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَقُومَا بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ فَإِنْ قَامَا بِهَا فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَرْعِهِمْ الشَّهَادَةَ فَيَكُونُ إنَّمَا شَهِدَ بِحَقٍّ ثَابِتٍ عِنْدَهُ, وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَيْهِ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَعَدَهُ إيَّاهَا, أَوْ مِنْ وَجْهٍ لاَ يَجِبُ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهَا فَإِذَا كَانَ مُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي, أَوْ يَسْتَرْعِي مَنْ يُؤَدِّيهَا إلَى الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ لِيَفْعَلَ إلَّا وَهِيَ عِنْدَهُ وَاجِبَةٌ وَأُحِبُّ لِلْقَاضِي أَنْ لاَ يَقْبَلَ هَذَا مِنْهُ, وَإِنْ كَانَ عَلَى الصِّحَّةِ حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيْنَ هِيَ لَهُ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ بِإِقْرَارٍ مِنْهُ, أَوْ بِبَيْعٍ حَضَرْته, أَوْ سَلَفٍ أَجَازَهُ فَإِنْ قَالَ هَذَا وَلَمْ يَسْأَلْهُ الْقَاضِي كَانَ مُوضِعٌ سَغَبًا وَرَأَيْته جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا شَهِدَ بِهَا عَلَى الصِّحَّةِ (قَالَ): وَإِنْ أُشْهِدَ شَاهِدٌ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهَا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ غَيْرُهُ (قَالَ): وَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ يُقِرُّ لِرَجُلٍ بِمَالٍ وَصَفَ ذَلِكَ مِنْ غَصْبٍ, أَوْ بَيْعٍ, أَوْ لَمْ يَصِفْ وَلَمْ يَشْهَدْهُ الْمُقِرُّ فَلاَزِمٌ لَهُ أَنْ يُؤَدِّيَهَا وَعَلَى الْقَاضِي أَنْ يَقْبَلَهُ, وَذَلِكَ أَنَّ إقْرَارَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَصْدَقُ الْأُمُورِ عَلَيْهِ (قَالَ): وَإِذَا سَمِعَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّ لِفُلاَنٍ عَلَى فُلاَنٍ حَقًّا لَمْ يَلْزَمْ فُلاَنًا لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِهِ وَإِقْرَارُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ لاَ يَلْزَمُهُ وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِهَا عِنْدَ الْحَاكِمِ, أَوْ يَسْتَرْعِيَهَا شَاهِدًا, فَأَمَّا أَنْ يَنْطِقَ بِهَا وَهِيَ عِنْدَهُ كَالْمِزَاحِ فَيَسْمَعُ مِنْهُ وَلاَ يَسْتَرْعِيهَا فَهَذَا بَيَّنَ أَنَّ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلاَ يَلْزَمُ غَيْرَهُ إقْرَارُهُ وَلَمْ يَكُنْ شَاهِدًا بِهِ فَيَلْزَمُ غَيْرَهُ شَهَادَتُهُ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَدْ سَرَقَ مَالاً لِرَجُلٍ فَوَصَفَا الْمَالَ وَلَمْ يَصِفَا مِنْ حَيْثُ سَرَقَهُ, أَوْ وَصَفَا مِنْ حَيْثُ سَرَقَهُ وَلَمْ يَصِفَا الْمَالَ فَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ سَارِقًا لاَ قَطْعَ عَلَيْهِ, وَذَلِكَ أَنْ يَخْتَلِسَ, أَوْ يَسْرِقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ, أَوْ يَسْرِقَ أَقَلَّ مِنْ رُبُعِ دِينَارٍ فَإِنْ مَاتَ الشَّاهِدَانِ, أَوْ غَابَا لَمْ يُقْطَعْ, وَإِذَا مَاتَا خُلِّيَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ فَإِذَا غَابَا حُبِسَ حَتَّى يَحْضُرَا وَيَكْتُبُ إلَى قَاضِي الْبَلَدِ الَّذِي هُمَا فِيهِ فَيَقِفُهُمَا, ثُمَّ يَقْبَلُ ذَلِكَ مَنْ قَبِلَ كِتَابَ الْقَاضِي فِي السَّرِقَةِ وَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ كِتَابَ الْقَاضِي فِي السَّرِقَةِ لَمْ يَكْتُبْ, وَإِنْ كَانَا وَصَفَا السَّرِقَةَ وَلَمْ يَصِفَا الْحِرْزَ أُغْرِمَهَا السَّارِقُ وَلَمْ يُقْطَعْ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ شُهُودُ الزِّنَا عَلَى الزِّنَا لَمْ يُقَمْ الْحَدُّ حَتَّى يَصِفُوا الزِّنَا كَمَا وَصَفْت فَإِنْ فَعَلُوا أُقِيمَ الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلُوا حَتَّى غَابُوا, أَوْ مَاتُوا, أَوْ غَابَ أَحَدُهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَصِفَهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمْ خَلَّى سَبِيلَهُ وَلاَ يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهِ أَبَدًا حَتَّى يَجْتَمِعَ أَرْبَعَةٌ يَصِفُونَ زِنًا وَاحِدًا فَيَجِبُ بِمِثْلِهِ الْحَدُّ, أَوْ يُحَلِّفُهُ وَيُخْلِيهِ وَيَكُونُ فِيمَا يَسْأَلُ الْإِمَامُ الشُّهُودَ عَلَيْهِ أَزَنَى بِامْرَأَةٍ لِأَنَّهُمْ قَدْ يَعُدُّونَ الزِّنَا وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ وَلَعَلَّهُمْ أَنْ يَعُدُّوا الِاسْتِمْنَاءَ زِنًا فَلاَ نَحُدُّهُ أَبَدًا حَتَّى يُثْبِتُوا الشَّهَادَةَ وَيُبَيِّنُوهَا لَهُ فِيمَا يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزِّنَا (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا, فَأَثْبَتُوهُ فَقَالَ الرَّابِعُ رَأَيْته نَالَ مِنْهَا وَلاَ أَدْرِي أَغَابَ ذَلِكَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ مِنْهَا؟ فَمَذْهَبُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدَّ الثَّلاَثَةُ وَلاَ يُحَدَّ الرَّابِعُ, وَلَوْ كَانَ الرَّابِعُ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ زَانٍ, ثُمَّ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ انْبَغَى أَنْ يُحَدَّ فِي قَوْلِهِمْ; لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لَمْ يُثْبِتْ الزِّنَا الَّذِي فِي مِثْلِهِ الْحَدُّ وَلَمْ يُحَدُّوا, وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ فَقَالُوا رَأَيْنَاهُ عَلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَلَمْ يُثْبِتُوا لَمْ يُحَدَّ وَلَمْ يُحَدُّوا, وَلَوْ قَالُوا زَنَى بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ, ثُمَّ لَمْ يُثْبِتُوا حُدُّوا بِالْقَذْفِ; لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ لَمْ يَخْرُجُوا بِالشَّهَادَةِ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَهُ الْحُجَّةَ, وَذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ جَحَدَ قُطِعَ وَلَكِنْ لَوْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ السَّرِقَةَ وَلَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَكَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَهَالَةِ بِالْحَدِّ إمَّا بِأَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا بِحَضْرَةِ سَرِقَتِهِ جَاءَ مِنْ بِلاَدِ حَرْبٍ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ جَافِيًا بِبَادِيَةِ أَهْلِ جَفَاءٍ لَمْ أَرَ بَأْسًا بِأَنْ يُعَرِّضَ لَهُ بِأَنْ يَقُولَ لَعَلَّهُ لَمْ يَسْرِقْ, فَأَمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ اجْحَدْ فَلاَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى سَرِقَةٍ فَاخْتَلَفَا فِي الشَّهَادَةِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ كَبْشًا لِفُلاَنٍ وَقَالَ الْآخَرُ, بَلْ سَرَقَهُ مِنْ هَذِهِ الدَّارِ, أَوْ شَهِدَا بِالرُّؤْيَةِ مَعًا وَقَالاَ مَعًا سَرَقَهُ مِنْ هَذَا الْبَيْتِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا بُكْرَةً وَقَالَ الْآخَرُ عَشِيَّةً, أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ الْكَبْشَ وَهُوَ أَبْيَضُ وَقَالَ الْآخَرُ سَرَقَهُ وَهُوَ أَسْوَدُ, أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَ الَّذِي سُرِقَ أَقْرَنَ وَقَالَ الْآخَرُ أَجَمَّ غَيْرَ أَقْرَنَ, أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا كَانَ كَبْشًا وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ نَعْجَةً فَهَذَا اخْتِلاَفٌ لاَ يُقْطَعُ بِهِ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ يَجِبُ فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ وَيُقَالُ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ فَادَّعِ شَهَادَةَ أَيِّهِمَا شِئْت وَاحْلِفْ مَعَ شَاهِدِك فَإِنْ قَالَ أَحَدُهُمَا سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ بُكْرَةً وَقَالَ الْآخَرُ سَرَقَ كَبْشًا وَوَصَفَهُ عَشِيَّةً فَلَمْ يَدَّعِ الْمَسْرُوقُ إلَّا كَبْشًا حَلَفَ عَلَى أَيِّ الْكَبْشَيْنِ شَاءَ وَأَخَذَهُ, أَوْ ثَمَنَهُ إنْ فَاتَ, وَإِنْ ادَّعَى كَبْشَيْنِ حَلَفَ مَعَ شَهَادَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَأَخَذَ كَبْشَيْنِ إذَا لَمْ يَكُونَا وَصَفَا أَنَّ السَّرِقَةَ وَاحِدَةٌ وَاخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِمَا فَهَذِهِ سَرِقَتَانِ يَحْلِفُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَيَأْخُذُهُ (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا الْيَوْمَ وَشَاهِدٌ آخَرُ أَنَّهُ شَرِبَ خَمْرًا أَمْسِ لَمْ يُحَدَّ مِنْ قِبَلِ أَنَّ أَمْسِ غَيْرُ الْيَوْمِ, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ أَنَّهُ زَنَى بِفُلاَنَةَ فِي بَيْتِ كَذَا وَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ زَنَى بِهَا فِي بَيْتٍ غَيْرِهِ فَلاَ حَدَّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَمَنْ حَدَّ الشُّهُودَ إذَا لَمْ يُتِمُّوا أَرْبَعَةً حَدَّهُمْ, وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ رَجُلاً الْيَوْمَ وَشَهِدَ آخَرُ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَذَفَهُ أَمْسِ فَلاَ يُحَدُّ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ اثْنَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى قَذْفٍ وَاحِدٍ, وَهَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَيْهِ بِالطَّلاَقِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَمْسِ أَنْتِ طَالِقٌ وَقَالَ الْآخَرُ قَالَ لَهَا الْيَوْمَ أَنْتِ طَالِقٌ فَلاَ طَلاَقَ مِنْ قِبَلِ أَنَّ طَلاَقَ أَمْسِ غَيْرُ طَلاَقِ الْيَوْمِ وَشَهَادَتَهُمَا عَلَى ابْتِدَاءِ الْقَوْلِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْآنَ الْحَدُّ, أَوْ الطَّلاَقُ, أَوْ الْعِتْقُ كَشَهَادَتِهِمَا عَلَى الْفِعْلِ وَلَيْسَ هَذَا كَمَا يَشْهَدَانِ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ أَقَرَّ بِشَيْءٍ مَضَى مِنْهُ (قَالَ): وَيَحْلِفُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا إذَا أَبْطَلْت عَنْهُ الشَّهَادَةَ اسْتَحْلَفْته وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ (قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَدَخَلَهَا وَقَالَ الْآخَرُ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إنْ رَكِبْت الدَّابَّةَ فَرَكِبَتْهَا لَمْ تَطْلُقْ امْرَأَتُهُ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِطَلاَقٍ غَيْرِ طَلاَقِ الْآخَرِ (قَالَ): وَإِذَا سَرَقَ السَّارِقُ السَّرِقَةَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ فَشَهِدَ اثْنَانِ أَنَّهُ ثَوْبُ كَذَا وَقِيمَتُهُ كَذَا وَشَهِدَ الْآخَرَانِ أَنَّهُ ذَلِكَ الثَّوْبُ بِعَيْنِهِ وَقِيمَتُهُ كَذَا فَكَانَتْ إحْدَى الشَّهَادَتَيْنِ يَجِبُ فِيهَا الْقَطْعُ, وَالْأُخْرَى لاَ يَجِبُ بِهَا الْقَطْعُ فَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نَدْرَأُ الْحُدُودَ بِالشُّبْهَةِ وَهَذَا أَقْوَى مَا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ وَنَأْخُذُهُ بِالْأَقَلِّ مِنْ الْقِيمَتَيْنِ فِي الْغُرْمِ لِصَاحِبِ السَّرِقَةِ وَلَيْسَ هَذَا كَاَلَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ رَجُلٌ بِأَلْفٍ, وَالْآخَرُ بِأَلْفَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِذَلِكَ أَلْفٌ مِنْ وَجْهٍ وَأَلْفَانِ مِنْ وَجْهٍ وَهَذَا لاَ يَكُونُ لَهُ إلَّا ثَمَنُ ذَلِكَ الثَّوْبِ الَّذِي اجْتَمَعُوا عَلَيْهِ وَلَيْسَ شُهُودُ الزِّيَادَةِ بِأَوْلَى مِنْ شُهُودِ النَّقْصِ وَأُحَلِّفُهُ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ عَلَى الْقِيمَةِ إذَا ادَّعَى شَهَادَةَ اللَّذَيْنِ شَهِدَا عَلَى أَكْثَرِ الْقِيمَتَيْنِ (قَالَ): وَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِغَيْرِ الزِّنَا فَلَمْ تَتِمَّ الشَّهَادَةُ فَلاَ حَدَّ عَلَى الشَّاهِدِ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ الْقَاضِي بَيْنَ الشُّهُودِ إذَا خَشِيَ عَبَثَهُمْ, أَوْ جَهْلَهُمْ بِمَا يَشْهَدُونَ عَلَيْهِ, ثُمَّ يُوقِفَهُمْ عَلَى مَا شَهِدُوا عَلَيْهِ وَعَلَى السَّاعَةِ الَّتِي يَشْهَدُونَ فِيهَا وَعَلَى الْفِعْلِ, وَالْقَوْلِ كَيْفَ كَانَ وَعَلَى مَنْ حَضَرَ ذَلِكَ مَعَهُمْ وَعَلَى مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ شَهَادَتِهِمْ وَشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ مَعَهُمْ (قَالَ): وَهَكَذَا إذَا اتَّهَمَهُمْ بِالتَّحَامُلِ, أَوْ الْحَيْفِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ وَالتَّحَامُلِ لِمَنْ يَشْهَدُونَ لَهُ, أَوْ الْجَنَفَ لَهُ فَإِنْ صَحَّحُوا الشَّهَادَةَ قَبِلَهَا, وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِيهَا اخْتِلاَفًا يُفْسِدُ الشَّهَادَةَ أَلْغَاهَا (قَالَ): وَإِذَا أَثْبَتَ الشُّهُودُ الشَّهَادَةَ عَلَى أَيِّ حَدٍّ مَا كَانَ, ثُمَّ غَابُوا, أَوْ مَاتُوا قَبْلَ أَنْ يُعَدَّلُوا, ثُمَّ عُدِّلُوا أُقِيمَ عَلَيْهِ الْحَدُّ, وَهَكَذَا لَوْ كَانُوا عُدُولاً, ثُمَّ غَابُوا قَبْلَ أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ أُقِيمَ وَهَكَذَا لَوْ خَرِسُوا, أَوْ عَمُوا (قَالَ): وَإِذَا كَانَ الشُّهُودُ عُدُولاً, أَوْ عُدِّلُوا عِنْدَ الْحَاكِمِ أَطْرَدَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ جَرْحَتَهُمْ وَقَبِلَهَا مِنْهُ عَلَى مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ لاَ فَرْقَ بَيْنَ النَّاسِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا نَرُدُّ شَهَادَةَ أَفْضَلِ النَّاسِ بِالْعَدَاوَةِ, وَالْجَرِّ إلَى نَفْسِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهَا, وَلاَ تَقْبَلْ الْجَرْحَ مِنْ الْجَارِحِ إلَّا بِتَفْسِيرِ مَا يَجْرَحُ بِهِ الْجَارِحُ الْمَجْرُوحَ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ يَجْرَحُونَ بِالِاخْتِلاَفِ, وَالْأَهْوَاءِ وَيُكَفِّرُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيُضَلِّلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَجْرَحُونَ بِالتَّأْوِيلِ فَلاَ يُقْبَلُ الْجَرْحُ إلَّا بِنَصِّ مَا يَرَى هُوَ مِثْلَهُ يَجْرَحُ كَانَ الْجَارِحُ فَقِيهًا, أَوْ غَيْرَ فَقِيهٍ; لِمَا وَصَفْت مِنْ التَّأْوِيلِ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ مَا كَانَ, أَوْ حَقٍّ مَا كَانَ فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ هُمْ عَبِيدٌ, أَوْ لَمْ يَقُلْهُ فَحَقٌّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ لاَ يَقْبَلَ شَهَادَةَ أَحَدٍ مِنْهُمْ حَتَّى يَثْبُتَ عِنْدَهُ بِخِبْرَةٍ مِنْهُ بِهِمْ, أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ بَالِغُونَ مُسْلِمُونَ عُدُولٌ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا عِنْدَهُ أَخْبَرَ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ, ثُمَّ أَطْرَدَهُ جَرْحَتَهُمْ فَإِنْ جَاءَ بِهَا قَبِلَهَا مِنْهُ, وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِهَا أَنْفَذَ عَلَيْهِ مَا شَهِدُوا بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَيْسَ مِنْ النَّاسِ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَلِيلاً يَمْحَضُ الطَّاعَةَ, وَالْمُرُوءَةَ حَتَّى لاَ يَخْلِطَهُمَا بِشَيْءٍ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَلاَ تَرْكِ مُرُوءَةٍ وَلاَ يَمْحَضُ الْمَعْصِيَةَ وَيَتْرُكُ الْمُرُوءَةَ حَتَّى لاَ يَخْلِطَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّاعَةِ وَالْمُرُوءَةِ. فَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ عَلَى الرَّجُلِ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ, وَالْمُرُوءَةَ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ, وَإِذَا كَانَ الْأَغْلَبُ الْأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ وَخِلاَفَ الْمُرُوءَةِ رَدَدْت شَهَادَتَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُقِيمًا عَلَى مَعْصِيَةٍ فِيهَا حَدٌّ وَأُخِذَ فَلاَ نُجِيزُ شَهَادَتَهُ وَكُلُّ مَنْ كَانَ مُنْكَشِفَ الْكَذِبِ مُظْهِرَهُ غَيْرَ مُسْتَتِرٍ بِهِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَنْ جُرِّبَ بِشَهَادَةِ زُورٍ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ كَذَّابٍ فِي الشَّهَادَاتِ وَمَنْ كَانَ إنَّمَا يُظَنُّ بِهِ الْكَذِبُ وَلَهُ مَخْرَجٌ مِنْهُ لَمْ يَلْزَمْهُ اسْمُ كَذَّابٍ وَكُلُّ مَنْ تَأَوَّلَ, فَأَتَى شَيْئًا مُسْتَحِلًّا كَانَ فِيهِ حَدٌّ, أَوْ لَمْ يَكُنْ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ أَلاَ تَرَى أَنَّ مِمَّنْ حُمِلَ عَنْهُ الدِّينُ وَنُصِبَ عَلَمًا فِي الْبُلْدَانِ مَنْ قَدْ يَسْتَحِلُّ الْمُتْعَةَ فَيُفْتِيَ بِأَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ أَيَّامًا بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ, وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَحِلُّ الدِّينَارَ بِعَشَرَةِ دَنَانِيرَ يَدًا بِيَدٍ, وَذَلِكَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ غَيْرِنَا مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ مُحَرَّمٌ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَدْ تَأَوَّلَ فَاسْتَحَلَّ سَفْكَ الدِّمَاءِ وَلاَ نَعْلَمُ شَيْئًا أَعْظَمَ مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ فَشَرِبَ كُلَّ مُسْكِرٍ غَيْرَ الْخَمْرِ وَعَابَ عَلَى مَنْ حَرَّمَهُ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ. وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَلَّ إتْيَانَ النِّسَاءِ فِي أَدْبَارِهِنَّ وَغَيْرُهُ يُحَرِّمُهُ, وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَلَّ بُيُوعًا مُحَرَّمَةً عِنْدَ غَيْرِهِ فَإِذَا كَانَ هَؤُلاَءِ مَعَ مَا وَصَفْت وَمَا أَشْبَهَهُ أَهْلَ ثِقَةٍ فِي دِينِهِمْ وَقَنَاعَةٍ عِنْدَ مَنْ عَرَفَهُمْ, وَقَدْ تَرَكَ عَلَيْهِمْ مَا تَأَوَّلُوا, فَأَخْطَئُوا فِيهِ وَلَمْ يُجْرَحُوا بِعَظِيمِ الْخَطَإِ إذَا كَانَ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْلاَلِ كَانَ جَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ فِي هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ فَإِذَا كَانُوا هَكَذَا فَاللَّاعِبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا لَهُ وَبِالْحَمَامِ وَإِنْ كَرِهْنَاهَا لَهُ أَخَفُّ حَالاً مِنْ هَؤُلاَءِ بِمَا لاَ يُحْصَى وَلاَ يُقَدَّرُ, فَأَمَّا إنْ قَامَ رَجُلٌ بِالْحَمَامِ, أَوْ بِالشِّطْرَنْجِ رَدَدْنَا بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَرَ بِغَيْرِهِ فَقَامَرَ عَلَى أَنْ يُعَادِيَ إنْسَانًا, أَوْ يُسَابِقَهُ, أَوْ يُنَاضِلَهُ, وَذَلِكَ أَنَّا لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ اسْتَحَلَّ الْقِمَارَ وَلاَ تَأَوَّلَهُ وَلَكِنَّهُ لَوْ جَعَلَ فِيهَا سَبْقًا مُتَأَوَّلاً كَالسَّبْقِ فِي الرَّمْيِ وَفِي الْخَيْلِ قِيلَ لَهُ قَدْ أَخْطَأْت خَطَأً فَاحِشًا وَلاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ حَتَّى يُقِيمَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا يُبَيَّنُ لَهُ, وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ غَفْلَةَ فِي هَذَا عَلَى أَحَدٍ وَأَنَّ الْعَامَّةَ مُجْتَمِعَةٌ عَلَى أَنَّ هَذَا مُحَرَّمٌ قَالَ وَبَائِعُ الْخَمْرِ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ بَيْعَهَا مُحَرَّمٌ, فَأَمَّا مَنْ عَصَرَ عِنَبًا فَبَاعَهُ عَصِيرًا فَهُوَ فِي الْحَالِ الَّتِي بَاعَهُ فِيهَا حَلاَلٌ كَالْعِنَبِ يَشْتَرِيهِ كَمَا يَأْكُلُ الْعِنَبَ وَأَحَبُّ إلَيَّ لَهُ أَنْ يُحْسِنَ التَّوَقِّيَ فَلاَ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَرَاهُ يَتَّخِذُهُ خَمْرًا فَإِنْ فَعَلَ لَمْ أَفْسَخْ الْبَيْعَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ بَاعَهُ حَلاَلاً وَنِيَّةُ صَاحِبِهِ فِي إحْدَاثِ الْمُحَرَّمِ فِيهِ لاَ تُحَرِّمُ الْحَلاَلَ وَلاَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَعْقِدُ رُبًّا وَيَتَّخِذُ خَلًّا فَإِذَا كَانَتْ الْحَالُ الَّتِي بَاعَهُ فِيهَا حَلاَلاً يَحِلُّ فِيهَا بَيْعُهُ, وَكَانَ قَدْ يُتَّخَذُ حَلاَلاً وَحَرَامًا فَلَيْسَ الْحَرَامُ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْحَلاَلِ, بَلْ الْحَلاَلُ أَوْلَى بِهِ مِنْ الْحَرَامِ وَبِكُلِّ مُسْلِمٍ (قَالَ):, وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ بِشَيْءٍ فَلَمْ يَحْكُمْ بِهِ الْحَاكِمُ حَتَّى يَحْدُثَ لِلشُّهُودِ حَالٌ تُرَدُّ بِهَا شَهَادَتُهُمْ لَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ, وَلاَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَكُونُوا عُدُولاً يَوْمَ يَحْكُمُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ لَوْ حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمْ وَهُمْ عُدُولٌ, ثُمَّ تَغَيَّرَتْ حَالُهُمْ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَرُدَّ الْحُكْمَ; لِأَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى عَدْلِهِمْ يَوْمَ يَقْطَعُ الْحُكْمَ بِهِمْ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ فَادَّعَى جَرْحَتَهُمْ أَجَّلَ فِي جَرْحَتِهِمْ بِالْمِصْرِ الَّذِي هُوَ بِهِ وَمَا يُقَارِبُهُ فَإِنْ جَاءَ بِهَا وَإِلَّا أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْحُكْمَ, ثُمَّ إنْ جَرَحَهُمْ بَعْدُ لَمْ يَرُدَّ عَنْهُ الْحُكْمَ وَإِنْ جَاءَ بِبَعْضِ مَا يَجْرَحُهُمْ مِثْلِ أَنْ يَأْتِيَ بِشَاهِدٍ وَاسْتَأْجَلَ فِي آخَرَ رَأَيْت أَنْ يَضْرِبَ لَهُ أَجَلاً يُوَسِّعُ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَجْرَحَهُمْ, أَوْ يُعْوِزَهُ ذَلِكَ فَيَحْكُمَ عَلَيْهِ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ بِشَهَادَةٍ, ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْحَاكِمِ فَشَكَّ فِيهَا, أَوْ قَالَ قَدْ بَانَ لِي أَنِّي قَدْ غَلِطْت فِيهَا لَمْ يَكُنْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يُنْفِذَهَا وَلاَ يَنَالَهُ بِعُقُوبَةٍ; لِأَنَّ الْخَطَأَ مَوْضُوعٌ عَنْ بَنِي آدَمَ فِيمَا هُوَ أَعْظَمُ مَنْ هَذَا وَقَالَ لَهُ لَقَدْ كُنْت أُحِبُّ أَنْ تَتَثَبَّتَ فِي الشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ تَثْبُتَ عَلَيْهَا فَإِنْ قَالَ قَدْ غَلِطْت عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ وَهُوَ هَذَا الْآخَرُ طَرَحْتهَا عَنْ الْأَوَّلِ وَلَمْ أُجِزْهَا عَلَى الْآخَرِ لِأَنَّهُ قَدْ أَطْلَعَنِي عَلَى أَنَّهُ قَدْ شَهِدَ فَغَلِطَ وَلَكِنْ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَمْضِيَ الْحُكْمُ بِهَا, ثُمَّ يَرْجِعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْحُكْمِ لَمْ أَرُدَّ الْحُكْمَ, وَقَدْ مَضَى وَأُغْرِمْهُمَا إنْ كَانَا شَاهِدَيْنِ عَلَى قَطْعِ دِيَةِ يَدِ الْمَقْطُوعِ فِي أَمْوَالِهِمَا حَالَّةً; لِأَنَّهُمَا قَدْ أَخْطَآ عَلَيْهِ, وَإِنْ قَالَ عَمَدْنَا أَنْ نَشْهَدَ عَلَيْهِ لِيُقْطَعَ, وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّهُ سَيُقْطَعُ إذَا شَهِدْنَا عَلَيْهِ جَعَلْنَا لِلْمَقْطُوعِ الْخِيَارَ إنْ شَاءَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَيْهِمَا قِصَاصًا, وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمَا دِيَةَ يَدِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه (قَالَ): وَإِذَا كَانَ الرَّاجِعُ شَاهِدًا وَاحِدًا بَعْدَ مُضِيِّ الْحُكْمِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْأَوَّلِ يَضْمَنُ نِصْفَ دِيَةِ يَدِهِ وَإِنْ عَمَدَ قُطِعَتْ يَدُهُ هُوَ, فَأَمَّا إذَا أَقَرَّا بِعَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ فِي شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ قِصَاصٌ فَإِنِّي أُعَاقِبُهُمَا دُونَ الْحَدِّ وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا عَلَى شَيْءٍ بَعْدُ حَتَّى يُخْتَبَرَا وَيُجْعَلَ هَذَا حَادِثًا مِنْهُمَا يُحْتَاجُ إلَى اخْتِبَارِهِمَا بَعْدَهُ إذَا بَيَّنَّا أَنَّهُمَا أَخْطَآ عَلَى مَنْ شَهِدَا عَلَيْهِ, فَأَمَّا لَوْ شَهِدَا, ثُمَّ قَالاَ لاَ تُنْفِذْ شَهَادَتَنَا فَإِنَّا قَدْ شَكَكْنَا فِيهَا لَمْ يُنْفِذْهَا, وَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِذَ شَهَادَتَهُمَا فِي غَيْرِهَا; لِأَنَّ قَوْلَهُمَا قَدْ شَكَكْنَا لَيْسَ هُوَ قَوْلُهُمَا أَخْطَأْنَا (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ لِرَجُلِ بِحَقٍّ فِي قِصَاصٍ, أَوْ قَذْفٍ, أَوْ مَالٍ, أَوْ غَيْرِهِ فَأَكْذَبَ الشُّهُودَ الْمَشْهُودُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَعْدَ إكْذَابِهِمْ مَرَّةً أَنْ يَأْخُذَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِهِ وَهُوَ أَوْلَى بِحَقِّ نَفْسِهِ وَأَحْرَى أَنْ يُبْطَلَ الْحُكْمُ بِهِ إذَا أَكْذَبَ الشُّهُودَ وَإِنَّمَا لَهُ شَهِدُوا وَهُوَ عَلَى نَفْسِهِ أَصْدَقُ, وَلَوْ لَمْ يُكْذِبْ الشُّهُودَ وَلَكِنَّهُمْ رَجَعُوا, وَقَدْ شَهِدُوا لَهُ بِقَذْفٍ, أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُقْضَ لَهُ بِشَيْءٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى الرُّجُوعُ عَنْ الشَّهَادَاتِ ضَرْبَانِ فَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ, أَوْ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ يُتْلَفُ مِنْ بَدَنِهِ, أَوْ يُنَالُ مِثْلِ قَطْعٍ, أَوْ جَلْدٍ, أَوْ قِصَاصٍ فِي قَتْلٍ, أَوْ جَرْحٍ وَفُعِلَ ذَلِكَ بِهِ, ثُمَّ رَجَعُوا فَقَالُوا عَمَدْنَا أَنْ يُنَالَ ذَلِكَ مِنْهُ بِشَهَادَتِنَا فَهِيَ كَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قِصَاصٌ خُيِّرَ بَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ, أَوْ يَأْخُذَ الْعَقْلَ وَمَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ قِصَاصٌ أَخَذَ فِيهِ الْعَقْلَ وَعُزِّرُوا دُونَ الْحَدِّ, وَلَوْ قَالُوا عَمَدْنَا الْبَاطِلَ وَلَمْ نَعْلَمْ أَنَّ هَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُزِّرُوا وَأُخِذَ مِنْهُمْ الْعَقْلُ, وَكَانَ هَذَا عَمْدًا يُشْبِهُ الْخَطَأَ فِيمَا يُقْتَصُّ مِنْهُ وَمَا لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ, وَلَوْ قَالاَ أَخْطَأْنَا, أَوْ شَكَكْنَا لَمْ يَكُنْ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا عُقُوبَةٌ وَلاَ قِصَاصٌ, وَكَانَ عَلَيْهِمْ فِيهِ الْأَرْشُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا الْحَاكِمُ, ثُمَّ رَجَعُوا أَغْرَمَهُمْ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا إنْ كَانَ دَخَلَ بِهَا, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا غَرَّمَهُمْ نِصْفَ صَدَاقِ مِثْلِهَا لِأَنَّهُمْ حَرَّمُوهَا عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهَا قِيمَةٌ إلَّا مَهْرَ مِثْلِهَا وَلاَ أَلْتَفِتُ إلَى مَا أَعْطَاهَا قَلَّ, أَوْ كَثُرَ إنَّمَا أَلْتَفِتُ إلَى مَا أَتْلَفُوا عَلَيْهِ فَأَجْعَلُ لَهُ قِيمَتَهُ (قَالَ): وَإِذَا كَانُوا إنَّمَا شَهِدُوا عَلَى الرَّجُلِ بِمَالٍ يَمْلِكُ, فَأَخْرَجُوهُ مِنْ يَدَيْهِ بِشَهَادَتِهِمْ إلَى غَيْرِهِ عَاقَبْتُهُمْ عَلَى عَمْدِ شَهَادَةِ الزُّورِ وَلَمْ أُعَاقِبْهُمْ عَلَى الْخَطَإِ وَلَمْ أُغْرِمْهُمْ مِنْ قِبَلِ أَنِّي لَوْ قَبِلْت قَوْلَهُمْ الْآخَرَ وَكَانُوا شَهِدُوا عَلَى دَارٍ قَائِمَةٍ أُخْرِجَتْ فَرَدَدْتهَا إلَيْهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أُغْرِمَهُمْ شَيْئًا قَائِمًا بِعَيْنِهِ قَدْ أَخْرَجْتُهُ مِنْ مِلْكِ مَالِكِهِ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ إنَّهُ يُنْقَضُ الْحُكْمُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَتُرَدُّ الدَّارُ إلَى الَّذِي أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْهِ أَوَّلاً وَإِنَّمَا مَنَعَنَا مِنْ هَذَا أَنَّا إنْ جَعَلْنَاهُ عَدْلاً بِالْأَوَّلِ فَأَمْضَيْنَا بِهِ الْحُكْمَ وَلَمْ يَرْجِعْ قَبْلَ مُضِيِّهِ أَنَّا إنْ نَقَضْنَاهُ جَعَلْنَا لِلْآخَرِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ عَدَالَةً فَنُجِيزُ شَهَادَتَهُ عَلَى الرُّجُوعِ وَلَمْ يَكُنْ أَتْلَفَ شَيْئًا لاَ يُوجَدُ إنَّمَا أَخْرَجَ مِنْ يَدَيْ رَجُلٍ شَيْئًا فَكَانَ الْحُكْمُ أَنَّ ذَلِكَ حَقٌّ فِي الظَّاهِرِ فَلَمَّا رَجَعَ كَانَ كَمُبْتَدِئٍ شَهَادَةً لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَهُوَ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا لِنَفْسِهِ فَانْتَزَعَهُ مِنْ يَدَيْهِ وَلَمْ يُفِتْ شَيْئًا لاَ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ أَفَاتَهُ وَإِنَّمَا شَهِدَ بِشَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ غَيْرُهُ فَلَمْ أُغْرِمْهُ مَا أَقَرَّ بِيَدَيْ غَيْرِهِ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلُ, أَوْ الِاثْنَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَعْتَقَ عَبْدَهُ, أَوْ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ حُرُّ الْأَصْلِ فَرَدَدْت شَهَادَتَهُمَا, ثُمَّ مَلَكَاهُ, أَوْ أَحَدُهُمَا عَتَقَ عَلَيْهِمَا, أَوْ عَلَى الْمَالِكِ لَهُ مِنْهُمَا; لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ لاَ يَحِلُّ لِأَحَدٍ مِلْكُهُ, وَلاَ أَقْبَلُ مِنْهُ أَنْ يَقُولَ شَهِدْت أَوَّلاً بِبَاطِلٍ (قَالَ): وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لِعَبْدٍ لِأَبِيهِ قَدْ أَعْتَقَهُ أَبِي فِي وَصِيَّةٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ, ثُمَّ قَالَ كَذَبْت لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَمْلِكَ مِنْهُ شَيْئًا; لِأَنَّهُ قَدْ أَقَرَّ لَهُ بِالْحُرِّيَّةِ (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ الرَّجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ بِشَهَادَةٍ فَأَجَازَهَا الْقَاضِي, ثُمَّ عَلِمَ بَعْدُ أَنَّهُمَا عَبْدَانِ, أَوْ مُشْرِكَانِ, أَوْ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ رَدُّ الْحُكْمِ, ثُمَّ يَقْضِي بِيَمِينٍ وَشَاهِدَانِ كَانَ أَحَدُهُمَا عَدْلاً, وَكَانَ مِمَّا يَجُوزُ فِيهِ الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَهَكَذَا لَوْ عَلِمَ أَنَّهُمَا يَوْمَ شَهِدَا كَانَا غَيْرَ عَدْلَيْنِ مِنْ جُرْحٍ بَيِّنٍ فِي أَبْدَانِهِمَا, أَوْ فِي أَدْيَانِهِمَا لاَ أَجِدُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ فَرْقًا فِي أَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا شَهَادَةٌ فِي هَذِهِ الْحَالِ فَإِذَا كَانُوا بِشَيْءٍ ثَابِتٍ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ فِسْقٍ, أَوْ عُبُودِيَّةٍ, أَوْ كُفْرٍ لاَ يَحِلُّ ابْتِدَاءً الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِمْ فَقَضَى بِهَا كَانَ الْقَضَاءُ نَفْسُهُ خَطَأً بَيِّنًا عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ يَنْبَغِي أَنْ يَرُدَّهُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ وَيَرُدَّهُ عَلَى غَيْرِهِ, بَلْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ أَبْيَنُ خَطَأً مِنْ الْقَاضِي بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ, وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَلَيْسَ الْفَاسِقُ وَاحِدًا مِنْ هَذَيْنِ, فَمَنْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ فَقَدْ خَالَفَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَلَيْهِ رَدُّ قَضَائِهِ وَرَدُّ شَهَادَةِ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ تَأْوِيلٌ لَيْسَ بِبَيِّنٍ وَاتِّبَاعُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَلَوْ كَانَا شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِقِصَاصٍ, أَوْ قَطْعٍ فَأَنْفَذَهُ الْقَاضِي, ثُمَّ بَانَ لَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمَا شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا صَادِقَانِ فِي الظَّاهِرِ, وَكَانَ عَلَى الْقَاضِي أَنْ لاَ يَقْبَلَ شَهَادَتَهُمَا فَهَذَا خَطَأٌ مِنْ الْقَاضِي تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ فَيَكُونُ لِلْمَقْضِيِّ عَلَيْهِ بِالْقِصَاصِ, أَوْ الْقَطْعِ أَرْشُ يَدِهِ إذَا كَانَ جَاءَ ذَلِكَ بِخَطَإٍ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ جَاءَ ذَلِكَ عَمْدًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ فَعَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِيمَا فِيهِ قِصَاصٌ وَهُوَ غَيْرُ مَحْمُودٍ (قَالَ): وَإِذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَارِثًا لاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الْأَلْفَ الدِّرْهَمَ لِهَذَا الرَّجُلِ وَهِيَ ثُلُثُ مَالِ أَبِيهِ, أَوْ أَكْثَرُ دَفَعْنَا إلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: الْحَدُّ حَدَّانِ حَدٌّ لِلَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِمَا أَرَادَ مِنْ تَنْكِيلِ مَنْ غَشِيَهُ عَنْهُ وَمَا أَرَادَ مِنْ تَطْهِيرِهِ بِهِ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ وَلَيْسَ لِلْآدَمِيِّينَ فِي هَذَا حَقٌّ وَحَدٌّ, أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ أَتَاهُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ فَذَلِكَ إلَيْهِمْ وَلَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى اسْمُهُ أَصْلٌ, فَأَمَّا أَصْلُ حَدِّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ فَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} إلَى قَوْلِهِ: {رَحِيمٌ} فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ بِمَا عَلَيْهِمْ مِنْ الْحَدِّ إلَّا أَنْ يَتُوبُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِمْ, ثُمَّ ذَكَرَ حَدَّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِيمَا اسْتَثْنَى فَاحْتَمَلَ ذَلِكَ أَنْ لاَ يَكُونَ الِاسْتِثْنَاءُ إلَّا حَيْثُ جُعِلَ فِي الْمُحَارِبِ خَاصَّةً وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ حَدٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَابَ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ كَمَا احْتَمَلَ حِينَ: {قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا فِي مَاعِزٍ أَلاَ تَرَكْتُمُوهُ} أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ السَّارِقُ إذَا اعْتَرَفَ بِالسَّرِقَةِ وَالشَّارِبُ إذَا اعْتَرَفَ بِالشُّرْبِ, ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ سَقَطَ عَنْهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ هَذَا فِي كُلِّ حَدٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَتَابَ صَاحِبُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَدُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَأُخِذَ بِحُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَاحْتَجَّ بِالْمُرْتَدِّ يَرْتَدُّ عَنْ الْإِسْلاَمِ, ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى الْإِسْلاَمِ فَيَسْقُطُ عَنْهُ الْقَتْلُ فَيَبْطُلُ الْقَطْعُ عَنْ السَّارِقِ وَيَلْزَمُهُ الْمَالُ لِأَنَّهُ قَدْ اعْتَرَفَ بِشَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَالْآخَرُ لِلْآدَمِيِّينَ فَأَخَذْنَاهُ بِمَا لِلْآدَمِيِّينَ وَأَسْقَطْنَا عَنْهُ مَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ لَيْسَ إلَّا حَيْثُ هُوَ جَعَلَ الْحَدَّ عَلَى مَنْ أَتَى حَدَّ اللَّهِ مَتَى قُدِرَ عَلَيْهِ, وَإِنْ تَقَادَمَ, فَأَمَّا حُدُودُ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْقَذْفِ وَغَيْرِهِ فَتُقَامُ أَبَدًا لاَ تَسْقُطُ قَالَ الرَّبِيعُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ رحمه الله تعالى الِاسْتِثْنَاءُ فِي التَّوْبَةِ لِلْمُحَارِبِ وَحْدَهُ الَّذِي أَظُنُّ أَنَّهُ يَذْهَبُ إلَيْهِ قَالَ الرَّبِيعُ, وَالْحُجَّةُ عِنْدِي فِي أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ لاَ يَكُونُ إلَّا فِي الْمُحَارِبِ خَاصَّةً حَدِيثُ مَاعِزٍ حِينَ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَرَّ الزِّنَا, فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِهِ وَلاَ نَشُكُّ أَنَّ مَاعِزًا لَمْ يَأْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُخْبِرَهُ إلَّا تَائِبًا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَلَمَّا أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ فِي الْمُحَارِبِ خَاصَّةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ الشَّاهِدَانِ عَلَى السَّرِقَةِ وَشَهِدَا أَنَّ هَذَا سَرَقَ لِهَذَا كَذَا, وَكَذَا قُطِعَ السَّارِقُ إذَا ادَّعَى الْمَسْرُوقُ الْمَتَاعَ; لِأَنَّهُ قَدْ قَامَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِأَنَّهُ سَرَقَ مَتَاعَ غَيْرِهِ, وَلَوْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى أَنْ قَالاَ هَذَا سَرَقَ مِنْ بَيْتِ هَذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً إذَا ادَّعَى أَنَّهُ لَهُ قَطَعْت السَّارِقَ لِأَنِّي أَجْعَلُ لَهُ مَا فِي يَدَيْهِ وَمَا فِي بَيْتِهِ مِمَّا فِي يَدَيْهِ (قَالَ): وَلَوْ ادَّعَى فِي الْحَالَيْنِ مَعًا أَنَّ الْمَتَاعَ مَتَاعُهُ غَلَبَهُ عَلَيْهِ هَذَا, أَوْ بَاعَهُ إيَّاهُ, أَوْ وَهَبَهُ لَهُ وَأَذِنَ لَهُ فِي أَخْذِهِ لَمْ أَقْطَعْهُ لِأَنِّي أَجْعَلُهُ خَصْمًا لَهُ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ أَحَلَفْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالسَّرِقَةِ وَدَفَعْته إلَيْهِ, وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً دَفَعْته إلَيْهِ, وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى, فَأَقَامَ الْمَسْرُوقُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَتَاعُهُ جَعَلْت الْمَتَاعَ لِلَّذِي الْمَتَاعُ فِي يَدَيْهِ وَأَبْطَلْت الْحَدَّ عَنْ السَّارِقِ; لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ لَهُ فَلاَ أَقْطَعُهُ فِيمَا قَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُ, وَإِنْ لَمْ أَقْضِ بِهِ لَهُ وَأَنَا أَدْرَأُ الْحَدَّ بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا, وَلَوْ أَقَرَّ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ بَعْدَمَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى السَّارِقِ أَنَّهُ نَقَبَ بَيْتَهُ وَأَخْرَجَ مَتَاعَهُ أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَنْقُبَ بَيْتَهُ وَيَأْخُذَهُ وَأَنَّهُ مَتَاعٌ لَهُ لَمْ أَقْطَعْهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ لَهُ شُهُودٌ فَأُكَذِّبُ الشُّهُودَ إذَا سَقَطَ أَنْ أُضَمِّنَهُ الْمَتَاعَ بِإِقْرَارِ رَبِّ الْمَتَاعِ لَهُ لَمْ أَقْطَعْهُ فِي شَيْءٍ أَنَا أَقْضِي بِهِ لَهُ وَلاَ أُخْرِجْهُ مِنْ يَدَيْهِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى اللِّوَاطِ وَإِتْيَانِ الْبَهَائِمِ أَرْبَعَةٌ لاَ يُقْبَلُ فِيهَا أَقَلُّ مِنْهُمْ; لِأَنَّ كُلًّا جِمَاعٌ
(قَالَ الشَّافِعِيُّ) رحمه الله تعالى: وَمَنْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ, أَوْ قِصَاصٍ, أَوْ غَيْرِهِ فَلَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ بِمَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي إمَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ غَيْرُهُ وَإِمَّا بِأَنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلاً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَلاَ عُقُوبَةَ إلَّا شُهُودَ الزِّنَا الَّذِينَ يَقْذِفُونَ بِالزِّنَا فَإِذَا لَمْ يُتِمُّوا فَالْأَثَرُ عَنْ عُمَرَ وَقَوْلُ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ أَنْ يُحَدُّوا, وَالْفَرْقُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ فِي الْحُدُودِ وَبَيْنَ الْمُشَاتَمَةِ الَّتِي يُعَزَّرُ فِيهَا مَنْ ادَّعَى الشَّهَادَةَ, أَوْ يُحَدُّ أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ إنَّمَا يَتَكَلَّمُ بِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي يُقِيمُ الْحُدُودَ, أَوْ عِنْدَ شُهُودٍ يُشْهِدُهُمْ عَلَى شَهَادَتِهِ, أَوْ عِنْدَ مُفْتٍ يَسْأَلُهُ مَا تُلْزِمُهُ الشَّهَادَةُ لَوْ حَكَاهَا لاَ عَلَى مَعْنَى الشَّتْمِ وَلَكِنْ عَلَى مَعْنَى الْإِشْهَادِ عَلَيْهَا, فَأَمَّا إذَا قَالَهَا عَلَى مَعْنَى الشَّتْمِ, ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَشْهَدَ بِهَا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ وَأُقِيمَ عَلَيْهِ فِيهَا الْحَدُّ إنْ كَانَ حَدًّا, أَوْ التَّعْزِيرُ إنْ كَانَ تَعْزِيرًا (قَالَ): وَلاَ يَجُوزُ كِتَابُ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ بِالْكِتَابِ بَعْدَمَا يَقْرَؤُهُ الْقَاضِي عَلَيْهِمَا وَيَعْرِفَانِهِ وَكِتَابُهُ إلَيْهِ كَالصُّكُوكِ لِلنَّاسِ عَلَى النَّاسِ لاَ أَقْبَلُهَا مَخْتُومَةً وَإِنْ شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ مَا فِيهَا حَقٌّ, وَكَذَلِكَ إنْ شَهِدَ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي دَفَعَهُ إلَيْنَا وَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلاَنٍ لَمْ أَقْبَلْهُ حَتَّى يَقْرَأَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَسْمَعُهُ وَيُقِرُّ بِهِ, ثُمَّ لاَ أُبَالِي كَانَ عَلَيْهِ خَاتَمٌ, أَوْ لَمْ يَكُنْ فَأَقْبَلُهُ (قَالَ): وَقَدْ حَضَرْت قَاضِيًا أَتَاهُ كِتَابٌ مِنْ قَاضٍ وَشُهُودٌ عَدَدٌ عُدُولٌ فَقَالَ الشُّهُودُ نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا كِتَابُ الْقَاضِي فُلاَنٍ دَفَعَهُ إلَيْنَا وَقَالَ اشْهَدُوا أَنَّ هَذَا كِتَابِي إلَى فُلاَنٍ فَقَبِلَهُ وَفَتَحَهُ فَأَنْكَرَ الْمَكْتُوبُ عَلَيْهِ مَا فِيهِ وَجَاءَ بِكِتَابٍ مَعَهُ يُخَالِفُهُ فَوَقَفَ الْقَاضِي عَنْهُ وَكَتَبَ إلَيْهِ بِنُسْخَتِهِمَا فَكَتَبَ إلَيْهِ يُخْبِرُهُ أَنَّ أَحَدَهُمَا صَحِيحٌ وَأَنَّ الْآخَرَ وُضِعَ فِي مَكَانِ كِتَابٍ صَحِيحٍ فَدَفَعَهُ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ إيَّاهُ وَذَكَرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ بَعْضِ كُتَّابِهِ, أَوْ أَعْوَانِهِ فَإِذَا أَمْكَنَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَنْبَغِ أَنْ يَكُونَ مَقْبُولاً حَتَّى يَشْهَدَ الشُّهُودُ عَلَى مَا فِيهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ يُقْبَلُ إلَّا كِتَابُ قَاضٍ عَدْلٍ, وَإِذَا كَتَبَ الْكِتَابَ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ, ثُمَّ مَاتَ, أَوْ عُزِلَ انْبَغَى لِلْمَكْتُوبِ إلَيْهِ أَنْ يَقْبَلَهُ (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ انْبَغَى لِلْقَاضِي الْوَالِي بَعْدَهُ أَنْ يَقْبَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى أَصْلُ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ أَنَّا لاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ خَصْمٍ عَلَى خَصْمِهِ; لِأَنَّ الْخُصُومَةَ مَوْضِعُ عَدَاوَةٍ سِيَّمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ يَطْلُبُهُ بِشَتْمٍ (قَالَ): وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً قَذَفَ رَجُلاً, أَوْ جَمَاعَةً فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا, أَوْ بِحَدٍّ غَيْرِهِ لَمْ أُجِزْ شَهَادَةَ الْمَقْذُوفِ; لِأَنَّهُ خَصْمٌ لَهُ فِي طَلَبِ الْقَذْفِ وَحَدَدْت الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ بِالْقَذْفِ بِشَهَادَةِ غَيْرِ مَنْ قَذَفَهُ, وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَذْفِ, ثُمَّ قَذَفَهُمْ كَانَتْ الشَّهَادَةُ مَا كَانَتْ أَنْفَذْتهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا لَهُ خُصَمَاءَ وَلَكِنَّهُمْ لَوْ زَادُوا عَلَيْهِ فِيهَا بَعْدَ الْقَذْفِ لَمْ أَقْبَلْ الزِّيَادَةَ لِأَنَّهَا كَانَتْ بَعْدَ أَنْ كَانُوا لَهُ خُصَمَاءَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَذَفَ رَجُلٌ رَجُلاً, وَكَانَ الْمَقْذُوفُ عَبْدًا, فَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ أَنَّ سَيِّدَهُ أَعْتَقَهُ قَبْلَ قَذْفِ هَذَا بِسَاعَةٍ, أَوْ أَكْثَرَ حُدَّ قَاذِفُهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى عَلَيْهِ, أَوْ جَنَى هُوَ كَانَتْ جِنَايَتُهُ, وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ جِنَايَةَ حُرٍّ (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ هُوَ حَدًّا كَانَ حَدُّهُ حَدَّ حُرٍّ وَطَلاَقُهُ طَلاَقَ حُرٍّ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى الْعِتْقِ يَوْمَ يَكُونُ الْكَلاَمُ وَلاَ أَنْظُرُ إلَيْهِ يَوْمَ يَقَعُ بِهِ الْحُكْمُ, وَلَوْ جَحَدَهُ سَيِّدُهُ الْعِتْقَ سَنَةً, أُعْتِقُهُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ السَّيِّدُ وَحَكَمْت لَهُ بِأَحْكَامِ الْحُرِّ يَوْمَئِذٍ وَرَدَدْته عَلَى السَّيِّدِ بِإِجَارَةِ مِثْلِهِ بِمَا اسْتَخْدَمَهُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الطَّلاَقِ إذَا جَحَدَهُ الزَّوْجُ وَقَامَتْ بِهِ بَيِّنَةُ الطَّلاَقِ مِنْ يَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ لاَ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الْحُكْمُ وَهَكَذَا نَقُولُ فِي الْقُرْعَةِ, وَقِيَمُ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ يَقَعُ الْعِتْقُ, وَهَكَذَا نَقُولُ فِيمَنْ عَتَقَ مِنْ الثُّلُثِ قِيمَتُهُمْ يَوْمَ مَاتَ الْمُعْتِقُ; لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ وَقَعَ الْعِتْقُ وَلاَ أَلْتَفِتُ إلَى وُقُوعِ الْحُكْمِ, فَأَمَّا أَنْ يَتَحَكَّمَ مُتَحَكِّمٌ فَيَزْعُمُ مَرَّةً أَنَّهُ إنَّمَا يَنْظُرُ إلَى يَوْمِ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ لاَ يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ, وَمَرَّةً إلَى يَوْمِ يَقَعُ الْحُكْمُ فَلَوْ شَاءَ قَائِلٌ أَنْ يَقُولَ لَهُ بِخِلاَفِ قَوْلِهِ فَيَجْعَلَ مَا جُعِلَ يَوْمَ كَانَتْ الْبَيِّنَةُ, أَوْ كَانَ الْعِتْقُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ حُجَّةٌ وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا مَا قُلْنَاهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ مِنْ يَوْمِ وَقَعَ الْعِتْقُ وَيَوْمِ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ (قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ شَاهِدًا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً وَشَاهِدًا أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا فَهَذِهِ شَهَادَةٌ مُخْتَلِفَةٌ وَيَحْلِفُ مَعَ أَحَدِ شَاهِدَيْهِ وَيَأْخُذُهَا (قَالَ): وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَهُ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهُ إيَّاهَا (قَالَ): وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَ رَجُلاً جَارِيَةً, وَقَدْ وَطِئَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا فَلَهُ الْجَارِيَةُ وَمَا نَقَصَ ثَمَنُهَا وَمَهْرُهَا وَأَوْلاَدُهُ رَقِيقٌ فَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا وَوَطِئَهَا حُدَّ وَلاَ يُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ, وَإِنْ زَعَمَ أَنَّهَا لَهُ وَأَنَّ الشُّهُودَ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِبَاطِلٍ فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ وَيُقَوَّمُونَ وَلَيْسَ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ فِي الْجَارِيَةِ أَنَّهُ غَصَبَهَا مُسْلِمَةً فِي الْحَدِّ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا عَلَيْهِ بِزِنًا إنَّمَا شَهِدُوا عَلَيْهِ بِغَصْبٍ, وَإِذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ غَصَبَهُ جَارِيَةً لاَ يَعْرِفُونَ قِيمَتَهَا, وَقَدْ هَلَكَتْ الْجَارِيَةُ لَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ صِفَةٍ حَتَّى يُثْبِتُوا عَلَى قِيمَتِهَا وَيُقَالُ لَهُمْ اشْهَدُوا إنْ أَثْبَتُّمْ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهَا دِينَارٌ, أَوْ أَكْثَرُ فَلاَ تَأْثَمُوا إذَا شَهِدْتُمْ بِمَا أَحَطْتُمْ بِهِ عِلْمًا وَوَقَفْتُمْ عَمَّا لاَ تُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا فَإِنْ مَاتُوا وَلَمْ يُثْبِتُوا قِيلَ لِلْغَاصِبِ قُلْ مَا شِئْت فِي قِيمَتِهَا مِمَّا يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ثَمَنَ شَرِّ مَا يَكُونُ مِنْ الْجَوَارِي وَأَقَلَّهُ ثَمَنًا وَاحْلِفْ عَلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْك أَكْثَرُ مِنْهُ فَإِنْ قَالَ لاَ قِيلَ لِلْمَغْصُوبِ ادَّعِ وَاحْلِفْ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ لَهُ, وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ شَيْءَ لَهُ (قَالَ): وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ يَدِهِ جَارِيَةً وَلَمْ يَقُولُوا هِيَ لَهُ قَضَيْنَا عَلَيْهِ بِرَدِّهَا إلَيْهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا أَخَذَ مِنْ يَدَيْهِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِرَدِّهِ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ أَوْلَى بِمَا فِي يَدَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ (قَالَ): وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ بِغَصْبٍ بِعَيْنِهِ وَقَامَ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ حَيًّا وَمَيِّتًا فَالسِّلْعَةُ الَّتِي شَهِدُوا بِهَا بِعَيْنِهَا لِلْمَغْصُوبِ لَهُ مَا كَانَ عَبْدًا, أَوْ ثَوْبًا, أَوْ دَنَانِيرَ, أَوْ دَرَاهِمَ (قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ عَلَى دَابَّةٍ أَنَّهَا لَهُ زَادُوا وَلاَ يَعْلَمُونَهُ بَاعَ وَلاَ وَهَبَ أَوَّلاً قَضَيْت لَهُ بِهَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْهَدُوا أَنَّهَا لَهُ إلَّا وَهُوَ لَمْ يَبِعْ وَلَمْ يَهَبْ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْ مِلْكِهِ وَلَكِنَّهُ إنْ دَفَعَهُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ عَنْهَا أَحَلَفْتَهُ لَهُ أَنَّهَا لَفِي مِلْكِهِ مَا خَرَجَتْ مِنْهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ (قَالَ): وَإِذَا أَقَامَ رَجُلٌ شَاهِدَيْنِ أَنَّ هَذَا الْمَيِّتَ مَوْلًى لَهُ أَعْتَقَهُ وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ قُضِيَ لَهُ بِمِيرَاثِهِ وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ قُضِيَ لَهُ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ لَهُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ كَفِيلٌ إنَّمَا الْكَفِيلُ فِي شَيْءٍ ذَهَبَ إلَيْهِ بَعْضُ الْحُكَّامِ يَسْأَلُهُ الْمَقْضِيَّ لَهُ فَيَتَطَوَّعُ بِهِ احْتِيَاطًا لِشَيْءٍ إنْ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَأْتِ بِكَفِيلٍ قَضَى لَهُ بِهِ (قَالَ), وَلَوْ أَقَامَ رَجُلٌ بَعْدَ هَذَا بَيِّنَةً عَلَى أَنَّهُ مَوْلاَهُ أَعْتَقَهُ هُوَ, وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ شَاهِدَيْنِ وَأَكْثَرَ فَسَوَاءٌ إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمَا هُمَا وَمَنْ هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُمَا وَأَعْدَلُ لِأَنِّي أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ هَذَيْنِ كَمَا أَحْكُمُ بِشَهَادَةِ الْجَمَاعَةِ الَّتِي هِيَ أَعْدَلُ وَأَكْثَرُ وَهَذَا مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عِتْقَ بَتَاتٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَهُوَ حُرٌّ كَانَ الشَّاهِدَانِ وَارِثَيْنِ, أَوْ غَيْرَ وَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ (قَالَ): وَلَوْ جَاءَ أَجْنَبِيَّانِ فَشَهِدَا لِآخَرَ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِتْقَ بَتَاتٍ سُئِلاَ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي أَعْتَقَهُ فِيهِ وَالشَّاهِدَانِ الْآخَرَانِ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي أَعْتَقَ الْعَبْدَ فِيهِ, فَأَيُّ الْعِتْقَيْنِ كَانَ أَوَّلاً قُدِّمَ وَأُبْطِلَ الْآخَرُ, وَإِنْ كَانَا سَوَاءً, أَوْ كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ أَيَّ ذَلِكَ كَانَ أَوَّلاً أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا, وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عِتْقَ بَتَاتٍ, وَالْآخَرُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ كَانَ الْبَتَاتُ أَوْلَى فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا عِتْقَ وَصِيَّةٍ, أَوْ عِتْقَ تَدْبِيرٍ فَكُلُّهُ سَوَاءٌ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ وَهُوَ الثُّلُثُ فِي الْوَصِيَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي وَصِيَّةٍ وَهُوَ الثُّلُثُ فَسَوَاءٌ الْأَجْنَبِيَّانِ, وَالْوَارِثَانِ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى مَا يَسْتَوْظِفُ الثُّلُثَ فَلَيْسَ هَا هُنَا فِي الثُّلُثِ مَوْضِعٌ فِي أَنْ يُوَفِّرَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَيَعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصْفُهُ (قَالَ الرَّبِيعُ) قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْعَبْدَيْنِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا عَتَقَ أَوَّلاً فَاسْتَوْظَفَ بِهِ الثُّلُثَ أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا, فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ أَعْتَقْنَاهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ أَنَّهُمَا شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ عِتْقِ الْأَوَّلِ وَأَعْتَقَ الْآخَرَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا إذَا كَانَ الثُّلُثُ وَإِنَّمَا أَرُدُّ شَهَادَتَهُمَا فِيمَا جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا التَّوْفِيرَ, فَأَمَّا إذَا لَمْ يَجُرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا فَلاَ (قَالَ): وَلَوْ شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ, أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ, أَوْ بِعَبْدٍ هُوَ الثُّلُثُ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ لِهَذَا الْمَشْهُودِ لَهُ وَأَوْصَى بِهَا لِغَيْرِهِ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ, أَوْ أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا لِأَنَّهُمَا مُخْرِجَانِ الثُّلُثَ مِنْ أَيْدِيهِمَا فَإِذَا لَمْ يُخْرِجَاهُ لِشَيْءٍ يَعُودُ عَلَيْهِمَا مِنْهُ مَا يَمْلِكَانِ مِلْكَ الْأَمْوَالِ لَمْ أَرُدَّ شَهَادَتَهُمَا, فَأَمَّا الْوَلاَءُ فَلاَ يُمْلَكُ مِلْكَ الْأَمْوَالِ, وَقَدْ لاَ يَصِيرُ فِي أَيْدِيهِمَا مِنْ الْوَلاَءِ شَيْءٌ, وَلَوْ كُنَّا نُبْطِلُهَا بِأَنَّهُمَا قَدْ يَرِثَانِ الْمَوْلَى يَوْمًا إنْ مَاتَ وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُمَا أَبْطَلْنَاهَا لِذَوِي أَرْحَامِهِمَا وَعَصَبَتِهِمَا وَلَكِنَّهَا لاَ تَبْطُلُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَالشَّهَادَةُ فِي الْوَصِيَّةِ مِثْلُهَا فِي الْعِتْقِ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ فِيهَا كَمَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فَإِنْ شَهِدَ الْأَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ الْوَارِثَانِ لِرَجُلٍ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ كَانَ بَيْنَهُمَا سَوَاءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَإِذَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي وَصِيَّةٍ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي وَصِيَّةٍ وَرَجَعَ عَنْ الْعِتْقِ الْآخَرِ وَكِلاَهُمَا الثُّلُثُ فَشَهَادَةُ الْوَارِثَيْنِ جَائِزَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ بِأَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الثُّلُثُ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ, أَوْصَى بِذَلِكَ الْعَبْدِ بِعَيْنِهِ لِآخَرَ وَرَجَعَ فِي وَصِيَّتِهِ الْأُولَى فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ, وَالْوَصِيَّةُ لِمَنْ شَهِدَا لَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدَا بِعَبْدٍ آخَرَ غَيْرَهُ قِيمَتُهُ مِثْلُ قِيمَتِهِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا, وَلَوْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ رَدَدْت شَهَادَتَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ مَا بَيْنَ قِيمَةِ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ, أَوْصَى بِهِ وَقِيمَةُ مَنْ شَهِدَا أَنَّهُ رَجَعَ عَنْ الْوَصِيَّةِ بِهِ فَلاَ أَرُدُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا إلَّا مَا رَدَّ عَلَيْهِمَا الْفَضْلَ, وَلَوْ كَانَتْ لَهُ مَعَ هَذَا وَصَايَا بِغَيْرِ هَذَيْنِ تَسْتَغْرِقُ الثُّلُثَ أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الثُّلُثَ خَارِجٌ لاَ مَحَالَةَ فَلَيْسَا يَرُدَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا مِنْ فَضْلِ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِمَا شَيْئًا; لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِغَيْرِهِمَا مَنَّ الْوَصِيُّ لَهُمْ بِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِعَبْدٍ أَنَّ مَوْلاَهُ أَعْتَقَهُ مِنْ الثُّلُثِ فِي وَصِيَّتِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِعَبْدٍ آخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ فِي عِتْقِ هَذَا الْمَشْهُودِ لَهُ وَأَعْتَقَ هَذَا الْآخَرَ وَهُوَ سُدُسُ مَالِ الْمَيِّتِ أَبْطَلْت شَهَادَتَهُمَا عَنْ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا فَضْلَ قِيمَةِ مَا بَيْنَهُمَا وَأَعْتَقْت الْأَوَّلَ بِغَيْرِ قُرْعَةٍ وَأَبْطَلْت حَقَّهُمَا مِنْ هَذَا الْآخَرِ لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لَهُ أَنَّهُ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ, وَلَوْ لَمْ يَزِيدَا عَلَى أَنْ يَقُولاَ نَشْهَدُ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ هَذَا أَجَزْت شَهَادَتَهُمَا وَأَقْرَعْت بَيْنَهُمَا حَتَّى اسْتَوْظَفَ الثُّلُثَ, وَإِذَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ حَيٍّ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَعْتَقَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ عَبِيدِهِ عِتْقَ بَتَاتٍ فِي مَرَضِهِ فَعِتْقُ الْبَتَاتِ يُبَدَّأُ عَلَى الْوَصِيَّةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَارِثِينَ وَلَيْسَ فِي هَذَا شَيْءٌ تُرَدُّ بِهِ شَهَادَةُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إذَا كَانُوا عُدُولاً, وَلَوْ كَانَ الْعِتْقُ عِتْقَ وَصِيَّةٍ, فَمَنْ بَدَّأَ الْعِتْقَ عَلَى الْوَصِيَّةِ بَدَّأَ هَذَا الْعَبْدَ, ثُمَّ إنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أَعْطَى صَاحِبَ الثُّلُثِ وَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ مِنْهُ شَيْءٌ فَلاَ شَيْءَ لَهُ وَمَنْ جَعَلَ الْوَصَايَا, وَالْعِتْقَ سَوَاءً أَعْتَقَ مِنْ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ وَأَعْطَى الْمُوصَى لَهُ الثُّلُثَ بِقَدْرِ مَا يُصِيبُهُ وَشَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَشَهَادَةُ غَيْرِهِمْ فِيمَا أَوْصَى بِهِ الْمَيِّتُ إذَا كَانُوا عُدُولاً سَوَاءٌ مَا لَمْ يَجُرُّوا إلَى أَنْفُسِهِمْ بِشَهَادَتِهِمْ, أَوْ يَدْفَعُوا عَنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ مِنْ الْوَرَثَةِ لِآخَرَ غَيْرِهِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَشَهَادَتُهُمْ سَوَاءٌ وَيَقْتَسِمَانِ الثُّلُثَ نِصْفَيْنِ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُفْتِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ شَهِدَ وَارِثٌ لِوَاحِدٍ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِآخَرَ أَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ كَانَ حُكْمُ الشَّاهِدَيْنِ أَنَّ الْمَشْهُودَ لَهُ يَأْخُذُ بِهِمَا بِغَيْرِ يَمِينٍ وَالشَّاهِدُ أَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ إلَّا بِيَمِينٍ, وَكَانَا حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ, وَالْقِيَاسُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ أَقْوَى سَبَبًا مِنْ صَاحِبِ الشَّاهِدِ, وَالْيَمِينِ, وَذَلِكَ أَنَّهُ يُعْطِي بِلاَ يَمِينٍ, وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ إذَا أَعْطَيْت بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ كَمَا تُعْطِي بِشَاهِدَيْنِ فَاجْعَلْ الشَّاهِدَ, وَالْيَمِينَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فِيمَا يُعْطَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ, فَأَمَّا أَرْبَعَةُ شُهُودٍ وَشَاهِدَانِ وَأَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَشَاهِدَانِ وَأَعْدَلُ فَسَوَاءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّا نُعْطِي بِهَا عَطَاءً وَاحِدًا بِلاَ يَمِينٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ لِآخَرَ أَنَّهُ رَجَعَ فِي الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ لِفُلاَنٍ وَجَعَلَهُ لِفُلاَنٍ فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ وَالثُّلُثُ لِلْآخَرِ وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَارِثَيْنِ إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ مِثْلُ شَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ فِيمَا لاَ يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَلاَ يَدْفَعَانِ بِهِ عَنْهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ وَارِثَانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَوْصَى بِهِ لِلْآخَرِ وَشَهِدَ أَجْنَبِيَّانِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْوَارِثَانِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ غَيْرِهِمَا جَعَلْت الْأَوَّلَ الْمُنْتَزَعَ مِنْهُ لاَ شَيْءَ لَهُ بِشَهَادَةِ الْوَارِثَيْنِ أَنَّهُ رَجَعَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْأَوَّلِ, ثُمَّ انْتَزَعَهُ أَيْضًا مِنْ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْوَارِثَانِ بِشَهَادَةِ الْأَجْنَبِيَّيْنِ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْ الَّذِي أَوْصَى لَهُ بِهِ وَأَوْصَى بِهِ لِآخَرَ, ثُمَّ هَكَذَا كُلَّمَا ثَبَتَتْ الشَّهَادَةُ لِوَاحِدٍ فَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ انْتَزَعَهُ مِنْهُ وَأَعْطَاهُ آخَرَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِرَجُلٍ أَنَّ مَيِّتًا أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ الْمَيِّتَ رَجَعَ عَنْ أَحَدِهِمَا وَلاَ يَدْرِي مَنْ هُوَ فَشَهَادَتُهُمَا بَاطِلَةٌ وَهُوَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ قَالَ, وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّ فُلاَنًا قَالَ إنْ قَتَلْت فَغُلاَمِي فُلاَنٌ حُرٌّ وَشَهِدَ رَجُلاَنِ عَلَى قَتْلِهِ وَآخَرُ أَنَّ عَلَيَّ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ مَوْتًا بِغَيْرِ قَتْلٍ فَفِي قِيَاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ قَاتِلُهُ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لِلْعَبْدِ وَيُقْتَلُ الْقَاتِلُ وَهَذَا قِيَاسٌ يَقُولُ بِهِ أَكْثَرُ الْمُفْتِينَ وَمَنْ قَالَ لاَ أَجْعَلُ الَّذِينَ أَثْبَتُوا لَهُ الْقَتْلَ أَوْلَى مِنْ الَّذِينَ طَرَحُوا الْقَتْلَ عَنْ الْقَاتِلِ وَلاَ آخُذُ الْقَاتِلَ بِقَتْلِهِ; لِأَنَّ هَا هُنَا مَنْ يُبَرِّئُهُ مِنْ قَتْلِهِ وَأَجْعَلُ الْبَيِّنَتَيْنِ تَهَاتُرًا لاَ يَعْتِقُ الْعَبْدَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا قَالَ رَجُلٌ إنْ مِتُّ فِي سَفَرِي هَذَا, أَوْ فِي مَرَضِي هَذَا, أَوْ سَنَتِي هَذِهِ, أَوْ بَلَدِ كَذَا, وَكَذَا فَحَضَرَنِي الْمَوْتُ فِي وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ, أَوْ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَغُلاَمِي فُلاَنٌ حُرٌّ فَلَمْ يَمُتْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلاَ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ وَمَاتَ بَعْدُ قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ وَصِيَّةً وَلاَ رَجْعَةً فِي هَذَا الْعِتْقِ فَلاَ يَعْتِقُ هَذَا الْعَبْدُ; لِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ عَلَى شَرْطٍ فَلَمْ يَكُنْ الشَّرْطُ فَلاَ يَعْتِقُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى, وَإِذَا شَهِدَ رَجُلاَنِ أَنَّ رَجُلاً قَالَ إنْ مِتُّ فِي رَمَضَانَ فَفُلاَنٌ حُرٌّ, وَإِنْ مِتُّ فِي شَوَّالٍ فَفُلاَنٌ غَيْرُهُ حُرٌّ فَشَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ مَاتَ فِي رَمَضَانَ وَآخَرَانِ أَنَّهُ مَاتَ فِي شَوَّالٍ فَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ تَثْبُتُ الشَّهَادَةُ لِلْأَوَّلِ وَتَبْطُلُ لِلْآخَرِ; لِأَنَّهُ إذَا ثَبَتَ الْمَوْتُ أَوَّلاً لَمْ يَمُتْ ثَانِيًا, وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ أَجْعَلُهَا تَهَاتُرًا فَنُبْطِلُ الشَّهَادَتَيْنِ مَعًا وَلاَ يَثْبُتُ الْحَقُّ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَدَاعَى عَبْدَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا قَالَ مَالِكِي إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ وَقَالَ الْآخَرُ قَالَ إنْ بَرِئْت مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ وَالثَّانِي أَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ بُرْئِهِ فَالشَّهَادَةُ مُتَضَادَّةٌ شَهَادَةُ الْوَرَثَةِ وَغَيْرِهِمْ سَوَاءٌ إنْ كَانُوا عُدُولاً فَإِنْ شَهِدُوا لِوَاحِدٍ بِدَعْوَاهُ عَتَقَ وَرَقَّ الْآخَرُ قَالَ, وَإِنْ شَهِدَ الْوَرَثَةُ لِوَاحِدٍ وَشَهِدَ الْأَجْنَبِيُّونَ لِوَاحِدٍ فَالْقِيَاسُ عَلَى مَا وَصَفْت أَوَّلاً إلَّا أَنَّ الَّذِي شَهِدَ لَهُ الْوَارِثُ, يُعْتَقُ نَصِيبُ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْعِتْقِ مِنْهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ; لِأَنَّهُ يُقِرُّ أَنْ لاَ رِقَّ لَهُ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ لِعَبْدٍ أَنَّ سَيِّدَهُ قَالَ إنْ مِتُّ مِنْ مَرَضِي هَذَا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَالَ الْعَبْدُ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ وَقَالَ الْوَارِثُ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْوَارِثِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْعَبْدُ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ.
|