الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ ظُفُرَ رَجُلٍ عَمْدًا فَإِنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ فِيهِ الْقِصَاصُ اُقْتُصَّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْهُ الْقِصَاصَ فَفِيهِ حُكُومَةٌ فَإِنْ نَبَتَ صَحِيحًا غَيْرَ مَشِينٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ نَبَتَ مَشِينًا فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ فِيهِ إذَا نَبَتَ غَيْرُ نَاقِصٍ وَلاَ مَشِينٍ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ فَفِيهِ حُكُومَةٌ أَكْثَرُ مِنْ الْحُكُومَةِ قَبْلَهُ وَلاَ يَبْلُغُ بِالْحُكُومَةِ دِيَةُ أُنْمُلَةٍ وَلاَ دِيَةٌ قَدْرُ مَا تَحْتَ الظُّفُرِ مِنْ الْأُنْمُلَةِ; لِأَنَّ الظُّفُرَ لاَ يَسْتَوْظِفُ الْأُنْمُلَةَ فَلاَ يَبْلُغُ بِحُكُومَتِهِ أَرْشَهُ لَوْ قَطَعَ مَا تَحْتَهُ مَا تَحْتَهُ مِنْ الْأُنْمُلَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَلَوْ خَنَقَ رَجُلٌ رَجُلاً أَوْ غَمَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَهُ وَلاَ أَثَرَ بِهِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فِيهِ غُرْمٌ وَعُزِّرَ وَلَوْ حَبَسَهُ فَقَطَعَ بِهِ فِي ضِيقَتِهِ وَلَمْ يَنَلْهُ فِي يَدَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَمْنَعْهُ طَعَامًا وَلاَ شَرَابًا فَقَدْ أَثِمَ وَيُعَزَّرُ وَلاَ غُرْمَ عَلَيْهِ, وَكُلُّ مَا نَالَهُ مِنْ خَدْشٍ أَوْ أَثَرٍ فِي يَدَيْهِ يَبْقَى فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ أَثَرًا يَذْهَبُ, مِثْلُ الْخَضِرَةِ مِنْ اللَّطْمَةِ فَلاَ حُكُومَةَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: الْجِنَايَاتُ الَّتِي فِيهَا الْحُكُومَةُ كُلُّ جِنَايَةٍ كَانَ لَهَا أَثَرٌ بَاقٍ: جُرْحٌ أَوْ خَدْشٌ أَوْ كَسْرُ عَظْمٍ أَوْ وَرَمٌ بَاقٍ أَوْ لَوْنٌ بَاقٍ فَأَمَّا كُلُّ ضَرْبٍ وَرِمَ أَوْ لَمْ يُورَمْ فَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ فَلاَ حُكُومَةَ فِيهِ, وَكُلُّ مَا قُلْت فِيهِ حُكُومَةٌ فَالْحُكُومَةُ فِيهِ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا أَنْ يَجْرَحَهُ فِي رَأْسِهِ أَوْ فِي وَجْهِهِ جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ فَيَبْرَأُ كَلْمُ الْمَجْرُوحِ فَأُقَدِّرُهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ, ثُمَّ أَنْظُرُ كَمْ قَدْرُ الْجُرْحِ الَّذِي فِيهِ الْحُكُومَةُ مِنْ الْمُوضِحَةِ, فَإِنْ قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ: جُرْحُهُ قَدْرُ نِصْفِ مُوضِحَةٍ جُعِلَ فِيهِ مَا فِي نِصْفِ مُوضِحَةٍ فَإِنْ قَالُوا: أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ جُعِلَ فِيهِ بِقَدْرِ مَا قَالُوا إنَّهُ مَوْقِعُهُ مِنْ الْمُوضِحَةِ فِي الْأَلَمِ وَبُطْءِ الْبُرْءِ وَمَا أَشْبَهَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَالُوا لاَ نَدْرِي لِمَغِيبِ الْعَظْمِ وَأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ دُونَهُ لَحْمٌ كَثِيرٌ وَقَلِيلٌ كَمْ قَدْرُهَا مِنْ الْمُوضِحَةِ قِيلَ: احْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهَا نِصْفُ مُوضِحَةٍ وَقَدْ نَشُكُّ فِي أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ; لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذَلِكَ قِيلَ: فَهِيَ النِّصْفُ الَّذِي لاَ تَشُكُّونَ فِيهِ وَلاَ يُعْطَى مِنْهُ بِالشَّكِّ شَيْءٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا شَانَ الْوَجْهَ أَوْ الرَّأْسَ جُرْحٌ نُظِرَ فِي الْجُرْحِ كَمَا وَصَفْت وَنُظِرَ فِي الشَّيْنِ مَعَ الْجُرْحِ فَإِنْ كَانَ الشَّيْنُ أَكْثَرَ أَرْشًا مِنْ الْجُرْحِ أُخِذَ بِالشَّيْنِ وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ أَكْثَرَ أَرْشًا مِنْ الشَّيْنِ أُخِذَ بِالْجُرْحِ وَلَمْ يُزَدْ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ وَإِنْ قِيلَ: الشَّيْنُ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ نَقَصَ مِنْ مُوضِحَةٍ شَيْئًا مَا كَانَ الشَّيْنُ وَإِنَّمَا مَنَعَنِي أَنْ أَبْلُغَ بِهِ مُوضِحَةً أَنَّ الْمُوضِحَةَ لَوْ كَانَتْ فَشَانَتْ لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْشِ مُوضِحَةٍ, إذَا كَانَ الشَّيْنُ مَعَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ مُوضِحَةٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَبْلُغَ الشَّيْنُ مَعَ الْجُرْحِ دُونَ مُوضِحَةٍ أَرْشَ مُوضِحَةٍ, وَإِنْ كَانَ الضَّرْبُ لَمْ يَجْرَحْ وَبَقِيَ مِنْهُ شَيْنٌ فَهَكَذَا أَوَّلاً يُؤْخَذُ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْنٌ لاَ يَذْهَبُ بِحَالٍ أَوْ يَنَالُ اللَّحْمَ بِمَا يُحَشِّفُهُ أَوْ يُفَجِّرُ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ يَجْرَحُهُ فَإِنْ جَرَحَهُ فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ جُرْحًا دُونَ الْمُوضِحَةِ قِيلَ لِأَهْلِ الْبَصَرِ بِذَلِكَ قَدِّرُوا لِذَلِكَ بِقَدْرِهِ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَاحْتَاطُوا فَإِنْ قُلْتُمْ لاَ نَشُكُّ فِي أَنَّهَا نِصْفُ مُوضِحَةٍ وَقَدْ نَشُكُّ فِي أَنْ تَكُونَ ثُلُثَيْنِ; لِأَنَّهَا تُشْبِهُ ذَلِكَ قِيلَ فَهِيَ النِّصْفُ الَّذِي لاَ تَشُكُّونَ فِيهِ وَلاَ يُعْطَى مِنْهُ بِالشَّكِّ شَيْءٌ وَإِذَا كَانَ هَكَذَا أُخِذَ لَهُ أَرْشٌ وَإِنْ سَوَّدَ اللَّوْنَ أَوْ خَضَّرَهُ سَوَادًا يَبْقَى أَوْ خُضْرَةً كَذَلِكَ فَشَانَ الْوَجْهَ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا: صَارَ إلَى هَذَا بِمَوْتٍ مِنْ اللَّحْمِ أُخِذَ لِلشَّيْنِ فِيهِ أَرْشٌ وَإِنْ قَالُوا هَذَا مُشْكِلٌ وَإِنْ بَلَغَ مُدَّةَ كَذَا وَلَمْ يَذْهَبْ أَبَدًا تُرِكَ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَإِنْ لَمْ يَذْهَبْ أُخِذَ لَهُ أَرْشٌ وَمَتَى أُخِذَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا وَصَفْت غَيْرُ أَثَرِ الْجُرْحِ الَّذِي يُعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَذْهَبُ أَرْشًا, ثُمَّ ذَهَبَ رَدَّ الْأَرْشَ الَّذِي أُخِذَ لَهُ وَمَا قُلْت مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي لاَ قَدْرَ فِيهَا وَكَسْرِ الْعِظَامِ وَالشَّيْنِ سَوَاءٌ فِي الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ وَالْمَمْلُوكِ وَالْمَمْلُوكَةِ وَالذِّمِّيِّ وَالذِّمِّيَّةِ يَقُومُ فِي دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا يَقُومُ فِي ثَمَنِ الْمَمْلُوكِ وَيُحَدُّ فِي دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَحْرَارِ بِقَدْرِهَا, فَيُحَدُّ فِي دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ بِقَدْرِ الْمُوضِحَةِ وَفِي دِيَةِ الْمَرْأَةِ بِقَدْرِ مُوضِحَتِهَا, وَكَذَلِكَ النَّصْرَانِيُّ وَالْيَهُودِيُّ, وَكَذَلِكَ الْحُرُّ فَيَكُونُ فِي مُوضِحَتِهِ وَمَا دُونَ مُوضِحَتِهِ بِقَدْرِ دِيَتِهِ كَانَ دِيَتُهُ ثَمَنًا لَهُ كَمَا تَكُونُ قِيمَةُ الْمَمْلُوكِ ثَمَنًا لَهُ, وَإِذَا كَانَ الْجُرْحُ فِي غَيْرِ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ فِي عُضْوٍ فِيهِ أَرْشٌ مَعْلُومٌ فَلَيْسَ فِي جُرْحِهِ إذَا الْتَأَمَ إلَّا قَدْرُ الشَّيْنِ الْبَاقِي بَعْدَ الْتِئَامِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِرَاحِ الْجَسَدِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ إلَّا الْجَائِفَةَ لِخَوْفِ تَلَفِهَا وَإِذَا بَلَغَ شَيْنُ الْجُرْحِ الَّذِي فِي الْعُضْوِ الَّذِي فِيهِ قَدْرٌ مَعْلُومٌ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ نَقَصَتْ الْحُكُومَةُ عَلَى قَدْرِهِ, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يُجْرَحَ فِي أُنْمُلَةٍ مِنْ أَطْرَافِ أَصَابِعِ يَدَيْهِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ يَنْزِعُ لَهُ ظُفُرًا فَيَكُونُ أَرْشُ الشَّيْنِ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ دِيَةِ الْأُنْمُلَةِ فَلاَ يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ أُنْمُلَةٍ; لِأَنَّهُ لَوْ قُطِعَتْ أُنْمُلَتُهُ وَشَانَتْهُ لَمْ يَزِدْ عَلَى قَدْرِهَا فَلاَ يَبْلُغُ بِمَا هُوَ دُونَهَا مِنْ شَيْنِهَا قَدْرَهَا وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ فِي وَسَطِ الْأَنَامِلِ أَوْ أَسَافِلِهَا وَكَانَ قَدْرُ شَيْنِهِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ أُنْمُلَةٍ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ كَمَا وَصَفْت وَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ فِي الْكَفِّ أَوْ الْقَدَمِ فَشَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ أَرْشِ الْكَفِّ أَوْ الْقَدَمِ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ أَرْشَ كَفٍّ وَلاَ قَدَمٍ; لِأَنَّهُمَا لَوْ قُطِعَتَا فَشَانَتَا لَمْ يَزِدْ عَلَى أَرْشِهِمَا بِالشَّيْنِ شَيْئًا فَلاَ يَبْلُغُ بِمَا دُونَ قَطْعِهِمَا مِنْ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا أَرْشَ قَطْعِهِمَا وَلاَ شَلَلِهِمَا وَهَكَذَا إنْ كَانَ فِي الذِّرَاعِ أَوْ الْعَضُدِ أَوْ السَّاقِ أَوْ الْقَدَمِ لَمْ يَبْلُغْ بِشَيْنِهِ قَدْرَ دِيَةِ يَدٍ تَامَّةٍ وَلاَ رِجْلٍ تَامَّةٍ وَلَوْ كَانَ الْجُرْحُ وَالشَّيْنُ أَوْ أَحَدُهُمَا فِي جَمِيعِ الْبَدَنِ كُلِّهِ كَانَ فِيهِ مَا شَانَ الْمَجْرُوحَ لاَ يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ الْمَجْرُوحِ لِلشَّيْنِ إنْ كَانَ حُرًّا لاَ قِيمَتَهُ إنْ كَانَ عَبْدًا; لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْيَدَيْنِ الدِّيَةَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ حَدَّدْت فِي الشَّيْنِ الَّذِي تُوَارِيهِ الثِّيَابُ فَقُلْت يَبْلُغُ بِهِ مَا دُونَ الدِّيَةِ فَجَعَلْته فِي الْوَجْهِ الَّذِي يَبْدُو الشَّيْنُ فِيهِ أَقْبَحَ مَحْدُودًا بِمُوضِحَةٍ وَهِيَ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ؟ قُلْت: لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ شَيْنٌ لاَ جُرْحَ فِيهِ أَرْشَ جُرْحٍ فِي مَوْضِعٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ لاَ يَبْلُغُ بِمُوضِحَةٍ مَا أَبْلُغُ فِيهِ شَيْنَ مُوضِحَةٍ وَهِيَ أَكْثَرُ مِمَّا دُونَهَا فَحَدَّدْت لَوْ كَانَ فِي مَوْضِعِهَا أَقَلَّ مِنْهَا بِأَنْ لاَ أَبْلُغَ بِهِ قَدْرَهَا; لِأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِهَا مَا لَمْ يَبْلُغْهَا مِنْ الشَّيْنِ, وَكَذَلِكَ قُلْت فِي كُلِّ جُرْحٍ وَشَيْنٍ بِعُضْوٍ لَهُ قَدْرٌ وَلَمْ أَحُدُّ الدِّيَاتِ عَلَى شَيْنِ مُوضِحَةٍ وَلاَ أَلَمٍ, أَلاَ تَرَى أَنَّ فِي الْأُذُنِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَفِي الْيَدِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَيْسَتْ مَنْفَعَةُ الْأُذُنِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا قَرِيبًا مِنْ مَنْفَعَةِ الْيَدِ وَالشَّيْنُ ذَهَابُهَا, أَلاَ تَرَى أَنَّ فِي الْأُنْمُلَةِ ثَلاَثًا مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثًا وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عَشْرٌ وَذَهَابُ الْأُنْمُلَةِ أَشْيَن وَأَضَرُّ مِنْ مُوضِحَةٍ وَهَاشِمَةٍ ومواضح وهواشم وَلَوْلاَ مَا وَصَفْت كَانَ فِي الشَّيْنِ أَبَدًا مَا نَقَصَ الشَّيْنُ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي مَتَاعٍ جَنَى عَلَيْهِ فَنَقَصَ بِهِ بِعَيْبٍ دَخَلَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كُسِرَ عَظْمٌ مِنْ الْعِظَامِ, ثُمَّ جُبِرَ عَلَى غَيْرِ عَتَمٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ بِقَدْرِ أَلَمٍ أَوْ جُرْحٍ أَوْ ضَعْفٍ إنْ كَانَ فِيهِ وَإِنْ جُبِرَ عَلَى عَثْمٍ أَوْ شَيْنٍ غَيْرِ الْعَثْمِ فَفِيهِ حُكُومَةٌ عَلَى مَا وَصَفْت لاَ يَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ الْعَظْمِ لَوْ قُطِعَ, كَانَ بِكَسْرِ أُنْمُلَةٍ أَوْ بِكَسْرِ ذِرَاعٍ وَلاَ يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ شَيْنِ الْأُنْمُلَةِ أَرْشَ أُنْمُلَةٍ وَلاَ بِحُكُومَةٍ لِلذِّرَاعِ أَرْشَ يَدٍ وَهَذَا هَكَذَا فِي الْفَخِذِ وَالسَّاقِ وَالْقَدَمِ وَالْأَنْفِ وَالْفَخِذِ, فَأَمَّا الضِّلَعُ إذَا كُسِرَ وَجُبِرَ فَلاَ يَبْلُغُ بِهِ دِيَةَ جَائِفَةٍ; لِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِيهِ أَنْ يَصِيرَ مِنْهُ الْجَائِفَةُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا اصْطَدَمَ الرَّاكِبَانِ عَلَى أَيِّ دَابَّةٍ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَمَاتَا مَعًا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ صَاحِبِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ وَعَلَى غَيْرِهِ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ وَصَدْمَةِ غَيْرِهِ فَتَبْطُلُ جِنَايَتُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَيُؤْخَذُ لَهُ جِنَايَةُ غَيْرِهِ كَمَا لَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ وَجَرَحَهُ غَيْرُهُ كَانَ عَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَجِنَايَةِ غَيْرِهِ وَهَكَذَا الْقَوْمُ يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ مَعًا فَيَرْجِعُ الْحَجَرُ عَلَيْهِمْ فَيَقْتُلُ مِنْهُمْ رَجُلاً فَإِنْ كَانُوا عَشْرَةً فَقَدْ مَاتَ مِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَجِنَايَةِ التِّسْعَةِ مَعَ نَفْسِهِ عَلَيْهِ فَتُرْفَعُ حِصَّتُهُ مِنْ جِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَتُؤْخَذُ لَهُ جِنَايَةُ غَيْرِهِ عَلَيْهِ فَيُؤْخَذُ لِوَرَثَتِهِ تِسْعَةُ أَعْشَارِ دِيَتِهِ مِنْ الَّذِينَ رَمَوْا بِالْمَنْجَنِيقِ مَعَهُ مِنْ عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرُ دِيَتِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَحَدُ الرَّاكِبَيْنِ عَلَى فِيلٍ وَالْآخَرُ عَلَى كَبْشٍ أَوْ كَانَا عَلَى دَابَّتَيْنِ سَوَاءٌ وَمُتَفَاوِتَيْنِ وَإِنْ مَاتَتْ دَابَّتَاهُمَا ضَمِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ نِصْفَ قِيمَةِ دَابَّةِ صَاحِبِهِ وَلَوْ اصْطَدَمَ الْفَارِسُ وَالرَّاجِلُ كَانَا كَالْفَارِسَيْنِ يَصْطَدِمَانِ. وَكَذَلِكَ الرَّاجِلاَنِ يَصْطَدِمَانِ وَسَوَاءٌ كَانَا أَعْمَيَيْنِ أَوْ صَحِيحَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا أَعْمَى وَالْآخَرُ صَحِيحٌ يَضْمَنُ الْأَعْمَى مِنْ جِنَايَتِهِ مَا يَضْمَنُ الْبَصِيرُ وَسَوَاءٌ غَلَبَتْهُمَا دَابَّتَاهُمَا أَوْ غَلَبَتْ إحْدَاهُمَا أَوْ لَمْ تَغْلِبْهُمَا وَلاَ وَاحِدًا مِنْهُمَا, وَكَذَلِكَ لَوْ تَقَهْقَرَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَرَجَّعَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى عَقِبَيْهَا فَاصْطَدَمَا فَمَاتَا, أَوْ فَعَلَتْ هَذَا دَابَّةُ أَحَدِهِمَا وَكَانَ الْآخَرُ مُقْبِلاً عَلَى دَابَّتِهِ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا وَالْآخَرُ حُرًّا ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْحُرِّ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَبْدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَكَانَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ فِي نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَضْلٌ عَنْ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ دُفِعَ إلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ وَفَاءٌ فَهُوَ قِصَاصٌ وَلاَ شَيْءَ لِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصٌ أُقِصَّ بِقَدْرِهِ وَلاَ شَيْءَ عَلَى سَيِّدِ الْعَبْدِ (قَالَ الرَّبِيعُ) إذَا كَانَا حَيَّيْنِ فَأَمَّا إذَا مَاتَ الْعَبْدُ فَإِنَّ الْجِنَايَةَ فِي رَقَبَتِهِ وَلاَ شَيْءَ عَلَى سَيِّدِهِ وَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ تُؤْخَذُ مِنْ عَاقِلَةِ الْحُرِّ وَتُرَدُّ عَلَى وَرَثَةِ الْحُرِّ إنْ كَانَ مِثْلَ نِصْفِ دِيَتِهِ أَوْ أَقَلَّ; لِأَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ تَقُومُ مَقَامَ بَدَنِهِ لَوْ كَانَ حَيًّا فَيُتْبَعُ بِالْجِنَايَةِ فَأَمَّا إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى نِصْفِ قِيمَةِ الْحُرِّ فَهُوَ رَدٌّ عَلَى سَيِّدِهِ وَمَتَى أُخِذَ مِنْ نِصْفِ قِيمَةِ الْعَبْدِ رَجَعَ وَرَثَةُ الْحُرِّ وَأَخَذُوا نِصْفَ دِيَةِ قَتِيلِهِمْ فَإِنْ عَجَزَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ فَلاَ شَيْءَ لَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ عَبْدَيْنِ كَانَ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي عُنُقِ صَاحِبِهِ وَبَطَلَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجَانِيَيْنِ جَمِيعًا قَدْ مَاتَا وَلاَ يَضْمَنُ عَنْهُمَا عَاقِلَةٌ وَلاَ مَالَ لَهُمَا وَسَوَاءٌ فِي الِاصْطِدَامِ الْفَارِسَانِ اللَّذَانِ يَعْقِلاَنِ وَالْمَعْتُوهَانِ والأعميان وَالْبَصِيرَانِ وَأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مَعْتُوهًا وَالْآخَرُ عَاقِلاً أَوْ أَحَدُهُمَا صَبِيًّا وَالْآخَرُ بَالِغًا إذَا كَانَا رَاكِبَيْ الدَّابَّتَيْنِ بِأَنْفُسِهِمَا أَوْ حَمَلَهُمَا عَلَيْهِمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ وَلِيَّاهُمَا فِي النَّسَبِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا أَبٌ فَإِنْ كَانَ حَمَلَهُمَا أَجْنَبِيَّانِ, وَمِثْلُهُمَا لاَ يَضْبِطُ الدَّابَّةَ فَدِيَةُ مَنْ أَصَابَا عَلَى عَاقِلَةِ الَّذِي حَمَلَهُمَا; لِأَنَّ حَمْلَهُمَا عُدْوَانٌ عَلَيْهِمَا فَيَضْمَنُ مَا أَصَابَا فِي حَمْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاصْطِدَامُ الرَّجُلَيْنِ عَمْدًا وَخَطَأً سَوَاءٌ إلَّا فِي الْمَأْثَمِ وَلاَ قَوَدَ فِي الصَّدْمَةِ وَهِيَ خَطَأُ عَمْدٍ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ, وَالدِّيَةُ فِيهَا إذَا كَانَا مُقْبِلَيْنِ مُغَلَّظَةٌ وَإِذَا كَانَا مُدْبِرَيْنِ وَحَرَنَتْ بِهِمَا دَابَّتَاهُمَا فَاصْطَدَمَا مُدْبِرَيْنِ غَيْرَ مُقْبِلَيْنِ عَامِدَيْ الصَّدْمَةَ فَنِصْفُ دِيَةٍ مُغَلَّظَةٍ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُقْبِلاً فَنِصْفُ دِيَةِ الَّذِي أَقْبَلَ مُغَلَّظَةٌ وَنِصْفُ دِيَتِهِ إذَا كَانَ مَاتَ مِنْ صَدْمَتِهِ, وَصَدْمُهُ مُدْبِرٌ غَيْرُ مُغَلَّظَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَ الْفَارِسُ أَوْ الرَّاجِلُ وَاقِفًا فِي مِلْكِهِ أَوْ غَيْرِ مِلْكِهِ أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ رَاقِدًا فَصَدَمَهُ رَجُلٌ فَقَتَلَهُ وَالْمَصْدُومُ يُبْصِرُ وَيَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْحَرِفَ أَوْ لاَ يُبْصِرُ وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَنْحَرِفَ أَوْ أَعْمَى لاَ يُبْصِرُ فَسَوَاءٌ وَدِيَةُ الْمَصْدُومِ مُغَلَّظَةٌ عَلَى عَاقِلَةِ الصَّادِمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كَانَتْ دِيَتُهُ هَدَرًا; لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ أَنَّ الْوَاقِفَ انْحَرَفَ عَنْ مَوْضِعِهِ فَالْتَقَى هُوَ وَآخَرُ مُقْبِلَيْنِ فَصَدَمَهُ فَمَاتَا مُصْطَدِمَيْنِ فَنِصْفُ دِيَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى عَاقِلَةِ صَادِمِهِ; لِأَنَّ لَهُ فِعْلاً فِي التَّحَرُّفِ وَلَوْ كَانَ تَحَرُّفُهُ مُوَلِّيًا عَنْهُ فَكَانَ الْفَارِسُ أَوْ الرَّاجِلُ الصَّادِمُ لَهُ كَانَ كَهُوَ لَوْ كَانَ وَاقِفًا فَتَضْمَنُ عَاقِلَةُ الصَّادِمِ دِيَتَهُ, وَلَوْ مَاتَ الصَّادِمُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا لِأَنَّهُ جَنَى عَلَى نَفْسِهِ, وَإِذَا مَاتَتْ الدَّابَّتَانِ مِنْ الِاصْطِدَامِ فَنِصْفُ ثَمَنِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا عَلَى الصَّادِمِ; لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لاَ تَضْمَنُ ثَمَنَ دَابَّةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا اصْطَدَمَ السَّفِينَتَانِ فَكَسَرَتْ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَمَاتَ مَنْ فِيهِمَا وَتَلِفَتْ حُمُولَتُهُمَا أَوْ مَا تَلِفَ مِنْهُمَا أَوْ مِمَّا فِيهِمَا أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ: إمَّا أَنْ يَضْمَنَ الْقَائِمُ فِي حَالِهِ تِلْكَ بِأَمْرِ السَّفِينَةِ نِصْفَ كُلِّ مَا أَصَابَتْ سَفِينَتُهُ لِغَيْرِهِ أَوْ لاَ يَضْمَنُ بِحَالٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَقْدِرُ أَنْ يَصْرِفَهَا بِنَفْسِهِ وَمِنْ يُطِيعُهُ فَلاَ يَصْرِفُهَا, فَأَمَّا إذَا غَلَبَتْهُ فَلاَ يَضْمَنُ وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ الَّذِي يَصْرِفُهَا فِي أَنَّهَا غَلَبَتْهُ وَلَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصْرِفَهَا أَوْ غَلَبَتْهَا رِيحٌ أَوْ مَوْجٌ وَإِذَا ضَمِنَ ضَمِنَ غَيْرَ النَّفْسِ فِي مَالِهِ وَضَمِنَتْ النُّفُوسَ عَاقِلَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَيَكُونَ ذَلِكَ فِي عُنُقِهِ, وَسَوَاءٌ كَانَ الَّذِي يَلِي تَصْرِيفَهَا مَالِكًا لَهَا أَوْ مُوَكَّلاً فِيهَا أَوْ مُتَعَدِّيًا فِي ضَمَانِ مَا أَصَابَتْ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهَا ضَمِنَ مَا أَصَابَهَا هِيَ وَأَصَابَتْ. وَهَكَذَا إنْ صَدَمَتْ وَلَمْ تُصْدَمْ أَوْ صَدَمَتْ وَصُدِمَتْ فَأَصَابَتْ وَأُصِيبَتْ فَسَوَاءٌ مِنْ ضِمْنِ رَاكِبِهَا بِكُلِّ حَالٍ ضَمِنَهَا وَإِنْ غُلِبَ أَوْ غُلِبَا وَمَنْ لَمْ يَضْمَنْ إلَّا مَنْ قَدَرَ عَلَى تَصْرِيفِهَا فَتَرَكَهَا ضَمِنَ الَّذِي لَمْ يُغْلَبْ عَلَى تَصْرِيفِهَا وَجَعَلَهُ كَعَامِدِ الصَّدْمِ وَلَمْ يَضْمَنْ الْمَغْلُوبُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا صُدِمَتْ سَفِينَةٌ بِغَيْرِ أَنْ يَعْمِدَ بِهَا الصَّدْمَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا مِمَّا فِي سَفِينَتِهِ بِحَالٍ; لِأَنَّ الَّذِينَ فِيهَا دَخَلُوا غَيْرَ مُتَعَدَّى عَلَيْهِمْ وَلاَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَإِذَا عَرَضَ لِرَاكِبِي السَّفِينَةِ مَا يَخَافُونَ بِهِ التَّلَفَ عَلَيْهَا وَعَلَى مَنْ فِيهَا وَمَا فِيهَا أَوْ بَعْضُ ذَلِكَ فَأَلْقَى أَحَدُهُمْ بَعْضَ مَا فِيهَا رَجَاءَ أَنْ تَخِفَّ فَتَسْلَمَ فَإِنْ كَانَ مَا أَلْقَى لِنَفْسِهِ فَمَالَهُ أَتْلَفَ فَلاَ يَعُودُ بِشَيْءٍ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ مَا أَلْقَى لِغَيْرِهِ ضَمِنَ مَا أَلْقَى لِغَيْرِهِ دُونَ أَهْلِ السَّفِينَةِ فَإِنْ قَالَ بَعْضُ أَهْلِ السَّفِينَةِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: أَلْقِ مَتَاعَكَ فَأَلْقَاهُ لَمْ يَضْمَنْ لَهُ شَيْئًا; لِأَنَّهُ هُوَ أَلْقَاهُ وَإِنْ قَالَ أَلْقِهِ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ فَأَذِنَ لَهُ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ. وَإِنْ قَالَ: أَلْقِهِ عَلَى أَنْ أَضْمَنَهُ وَرُكَّابُ السَّفِينَةِ فَأَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ فَأَلْقَاهُ ضَمِنَهُ لَهُ دُونَ رُكَّابِ السَّفِينَةِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعُوا بِضَمَانِهِ مَعَهُ فَإِنْ خَرَقَ رَجُلٌ مِنْ السَّفِينَةِ شَيْئًا أَوْ ضَرَبَهُ فَانْخَرَقَ أَوْ انْشَقَّ فَغَرَقَ أَهْلُ السَّفِينَةِ وَمَا فِيهَا ضَمِنَ مَا فِيهَا فِي مَالِهِ وَضَمِنَ دِيَاتِ رُكْبَانِهَا عَاقِلَتُهُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْفَاعِلُ هَذَا بِهَا مَالِكًا لِلسَّفِينَةِ أَوْ الْقَائِمَ بِأَمْرِهَا أَوْ رَاكِبًا لَهَا أَوْ أَجْنَبِيًّا مَرَّ بِهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَقَامَ السُّلْطَانُ حَدًّا مِنْ قَطْعٍ أَوْ حَدَّ قَذْفٍ أَوْ حَدَّ زِنًا لَيْسَ بِرَجْمٍ عَلَى رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَبْدٍ أَوْ حُرٍّ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ; لِأَنَّهُ فَعَلَ بِهِ مَا لَزِمَهُ وَكَذَلِكَ إنْ اقْتَصَّ مِنْهُ فِي جُرْحٍ يُقْتَصُّ مِنْهُ مِنْ مِثْلِهِ وَإِذَا ضَرَبَ فِي خَمْرٍ أَوْ سُكْرٍ مِنْ شَرَابٍ بِنَعْلَيْنِ أَوْ طَرَفِ ثَوْبٍ أَوْ يَدٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ ضَرْبًا يُحِيطُ بِهِ الْعِلْمُ أَنَّهُ لاَ يَبْلُغُ أَرْبَعِينَ أَوْ يَبْلُغُهَا وَلاَ يُجَاوِزُهَا فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَالْحَقُّ قَتَلَهُ وَمَا قُلْت الْحَقَّ قَتَلَهُ فَلاَ عَقْلَ فِيهِ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ عَلَى الْإِمَامِ وَلاَ عَلَى الَّذِي يَلِي ذَلِكَ مِنْ الْمَضْرُوبِ, وَلَوْ ضَرَبَهُ بِمَا وَصَفْت أَرْبَعِينَ أَوْ نَحْوَهُ لَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ شَيْئًا فَكَذَلِكَ وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ سَأَلَ مَنْ حَضَرَ ضَرْبَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ أَوْ نَحْوَهَا فَإِنْ ضَرَبَهُ أَرْبَعِينَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا بِسَوْطٍ أَوْ ضَرَبَهُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ بِالنِّعَالِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ فَمَاتَ فَدِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ دُونَ بَيْتِ الْمَالِ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَحْيَى عَنْ الْحَسَنِ أَنْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ مَا أَحَدٌ يَمُوتُ فِي حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ فَأَجِدُ فِي نَفْسِي مِنْهُ شَيْئًا إلَّا الَّذِي يَمُوتُ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ أَحْدَثْنَاهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُ فَدِيَتُهُ إمَّا قَالَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَإِمَّا عَلَى عَاقِلَةِ الْإِمَامِ الشَّكُّ مِنْ الشَّافِعِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ إلَى امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ فَأَجْهَضَتْ ذَا بَطْنِهَا فَاسْتَشَارَ عَلِيًّا رضي الله عنهما فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِدِيَةٍ وَأَمَرَ عُمَرُ عَلِيًّا فَقَالَ عَزَمْت عَلَيْكَ لِتُقَسِّمَنَّهَا فِي قَوْمِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ عَلَى الرَّجُلِ حَدٌّ فَضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَهُوَ مَرِيضٌ أَوْ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ أَوْ حَرٍّ شَدِيدٍ كَرِهْت ذَلِكَ, وَإِنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الضَّرْبِ فَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَلاَ كَفَّارَةَ وَلَوْ كَانَتْ الْمَحْدُودَةُ امْرَأَةً كَانَتْ هَكَذَا إلَّا أَنَّهَا إنْ كَانَتْ حَامِلاً لَمْ يَكُنْ لَهُ حَدُّهَا لِمَا فِي بَطْنِهَا فَإِنْ حَدَّهَا فَأَجْهَضَتْ ضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ مَاتَتْ فَأَجْهَضَتْ لَمْ يَضْمَنْهَا وَضَمِنَ مَا فِي بَطْنِهَا; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهَا وَإِنَّمَا قُلْت لَيْسَ لَهُ أَنْ يَحُدَّهَا لِلَّذِي فِي بَطْنِهَا فَضَمَّنْته الْجَنِينَ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِ فِعْلِهِ وَلَمْ أُضَمِّنْهُ إيَّاهَا; لِأَنَّ الْحَقَّ قَتَلَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا حَدَّ الْإِمَامُ رَجُلاً بِشَهَادَةِ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدٍ وَحُرٍّ أَوْ ذِمِّيٍّ وَمُسْلِمٍ أَوْ شَهَادَةِ غَيْرِ عَدْلَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمَا أَوْ غَيْرِ عَدْلَيْنِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ حِينَ شَهِدَا فَمَاتَ ضَمِنَتْهُ عَاقِلَتُهُ; لِأَنَّ هَذَا كُلَّهُ خَطَأٌ فِي الْحُكْمِ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ عِنْدَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَعْتُوهٌ بِحَدٍّ فَحَدَّهُ ضَمِنَهُمَا إنْ مَاتَا وَمَنْ قُلْت يَضْمَنُهُ إنْ مَاتَ ضَمِنَ الْحُكُومَةَ فِي جَلْدِهِ أَوْ أَثَرٍ إنْ بَقِيَ بِهِ وَعَاشَ, وَكَذَلِكَ يَضْمَنُ دِيَةَ يَدِهِ إنْ قَطَعَهُ, وَكُلُّ مَا قُلْت يَضْمَنُهُ مِنْ خَطَئِهِ فَالدِّيَةُ فِيهِ عَلَى عَاقِلَتِهِ, وَإِذَا أَمَرَ الْجَالِدَ بِجَلْدِ الرَّجُلِ وَلَمْ يُوَقِّتْ لَهُ ضَرْبًا فَضَرَبَهُ الْجَالِدُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَدِّ فَمَاتَ ضَمِنَ الْإِمَامُ دُونَ الْجَالِدِ فَإِنْ كَانَ حَدُّهُ ثَمَانِينَ فَزَادَ سَوْطًا فَمَاتَ فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا إلَّا وَاحِدٌ مِنْ قَوْلَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنْ يَضْمَنَ الْإِمَامُ نِصْفَ دِيَتِهِ كَمَا لَوْ جَنَى رَجُلاَنِ عَلَى رَجُلٍ أَحَدُهُمَا ضَرْبَةً وَالْآخَرُ ثَمَانِينَ ضَرْبَةً أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ ضَمِنَا الدِّيَةَ نِصْفَيْنِ, أَوْ يَضْمَنُ سَهْمًا مِنْ أَحَدٍ وَثَمَانِينَ سَهْمًا مِنْ دِيَتِهِ وَيَكُونُ كَوَاحِدٍ وَثَمَانِينَ قَتَلُوهُ فَيَغْرَمُ حِصَّتَهُ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: اضْرِبْهُ ثَمَانِينَ فَأَخْطَأَ الْجَالِدُ فَزَادَهُ وَاحِدَةً ضَمِنَ الْجَالِدُ دُونَ الْإِمَامِ, وَلَوْ قَالَ لَهُ اجْلِدْهُ مَا شِئْت أَوْ مَا رَأَيْت أَوْ مَا أَحْبَبْت أَوْ مَا لَزِمَهُ عِنْدَكَ فَتَعَدَّى عَلَيْهِ ضَمِنَ الْجَالِدُ الْعُدْوَانَ وَلَيْسَ كَاَلَّذِي يَأْمُرُهُ بِأَنْ يَضْرِبَهُ أَمَامَهُ وَلاَ يُسَمِّي لَهُ عَدَدًا وَهُوَ يُحْصِي عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ لِلْمَضْرُوبِ ظَالِمًا ضَمِنَ مَا أَصَابَهُ مِنْ الضَّرْبِ بِأَمْرِهِ وَلَمْ يَضْمَنْهُ الْجَالِدُ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ الْجَالِدُ أَنَّ الْإِمَامَ ظَالِمٌ بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ: أَنَا أَضْرِبُ هَذَا ظَالِمًا أَوْ يَقُولَ الْجَالِدُ: قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ يَضْرِبُهُ ظَالِمًا بِلاَ شُبْهَةٍ فَيَضْمَنُ الْجَالِدُ وَالْإِمَامُ مَعًا, وَلَوْ قَالَ الْجَالِدُ: ضَرَبْته وَأَنَا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا عَلَيْهِ وَعَلِمْت أَنَّ ذَلِكَ رَأْيَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ الْجَالِدُ وَلَيْسَ لِلضَّارِبِ أَنْ يَضْرِبَ إلَّا أَنْ يَرَى أَنَّ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْإِمَامُ حَقٌّ أَوْ مُغَيَّبٌ عَنْهُ سَبَبُ ضَرْبِهِ أَوْ يَأْمُرُهُ بِضَرْبِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَهُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ إلَّا بِمَا لَزِمَ الْمَضْرُوبَ, وَإِذَا ضَرَبَ الْإِمَامُ فِيمَا دُونَ الْحَدِّ تَعْزِيرًا فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ ضَمِنَتْ عَاقِلَةُ الْإِمَامِ دِيَتَهُ, وَهَكَذَا إنْ خَافَ الرَّجُلُ نُشُوزَ امْرَأَتِهِ فَضَرَبَهَا فَمَاتَتْ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهَا خَطَأً ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ نَفْسَهَا وَعَيْنَهَا, فَإِنْ قِيلَ: فَمِنْ أَيْنَ؟ قُلْت لَهُ: أَنْ يُعَزِّرَ وَلِمَ زَعَمْت أَنَّهُ إنْ مَاتَ مِمَّا جَعَلْت لَهُ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الدِّيَةُ؟. قُلْت: إنِّي قُلْت لَهُ أَنْ يَفْعَلَ إبَاحَةً مِنْ جِهَةِ الرَّأْيِ وَكَانَ لَهُ فِي بَعْضِ التَّعْزِيرِ أَنْ يَتْرُكَ وَعَلَيْهِ فِي الْحَدِّ أَنْ يُقِيمَهُ وَلَيْسَ لَهُ تَرْكُهُ بِحَالٍ وَإِذَا بَعَثَ السُّلْطَانُ إلَى امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عِنْدَ امْرَأَةٍ فَفَزِعَتْ الْمَرْأَةُ لِدُخُولِ الرُّسُلِ أَوْ غَلَبَتِهِمْ أَوْ انْتِهَارِهِمْ أَوْ الذُّعْرِ مِنْ السُّلْطَانِ فَأَجْهَضَتْ فَعَلَى عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ دِيَةُ جَنِينِهَا إذَا كَانَ مَا أَحْدَثَهُ الرُّسُلُ بِأَمْرِهِ فَإِنْ كَانَ الرُّسُلُ أَحْدَثُوا شَيْئًا بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ فَذَلِكَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ دُونَ عَاقِلَةِ السُّلْطَانِ; لِأَنَّ مَعْرُوفًا أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسْقِطُ مِنْ الْفَزَعِ وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً أَوْ رَجُلاً بَعَثَ إلَيْهِ السُّلْطَانُ فَمَاتَ فَزَعًا لَمْ تَضْمَنْ عَاقِلَةُ السُّلْطَانِ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ أَحَدًا لاَ يَمُوتُ مِنْ فَزَعِ رَسُولِ السُّلْطَانِ وَلَوْ سَجَنَ السُّلْطَانُ رَجُلاً فَمَنَعَهُ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَوْ أَحَدَهُمَا فَمَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فَقْدِ مَا مَنَعَهُ. وَإِنْ حَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ فِيهَا مَنْ حَبَسَهَا عَطَشًا أَوْ جُوعًا فَمَاتَ ضَمِنَهُ إذَا ادَّعَى وَرَثَتُهُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ فَقْدِ مَا مَنَعَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ أَخَذَهُ فَذَكَرَ جُوعًا أَوْ عَطَشًا فَحَبَسَهُ مُدَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ مَنْ أَتَتْ عَلَيْهِ فِيهَا مَنْ ذَكَرَ مِثْلَ جُوعِهِ أَوْ عَطَشِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ حَبَسَهُ فَجَرَّدَهُ وَمَنَعَهُ الأدفية فِي بَرْدٍ أَوْ حَرٍّ فَإِنْ كَانَ الْبَرْدُ وَالْحَرُّ مِمَّا يَقْتُلُ مِثْلُهُ فَمَاتَ ضَمِنَهُ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يَقْتُلُ مِثْلُهُ لَمْ يَضْمَنْهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ فَجْأَةً مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ يُعْرَفُ وَلاَ يَضْمَنُهُ حَتَّى يَكُونَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَاتَ بِمَنْعِهِ إيَّاهُ مُدَّةً يَمُوتُ مَنْ مُنِعَ مِثْلَ مَا مَنَعَهُ فِيهَا. فَإِذَا كَانَ لِرَجُلٍ سَلْعَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِهَا أَوْ أَكِلَةٌ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِقَطْعِ عُضْوِهِ الَّذِي هِيَ فِيهِ, وَاَلَّذِي هِيَ بِهِ لاَ يَعْقِلُ إمَّا صَبِيٌّ وَإِمَّا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ عَاقِلٌ فَأَكْرَهَهُ عَلَى ذَلِكَ فَمَاتَ فَعَلَى السُّلْطَانِ الْقَوَدُ فِي الْمُكْرَهِ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ أَنْ يَأْخُذُوا الدِّيَةَ وَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الَّذِي لاَ يَعْقِلُ, وَقِيلَ: لاَ قَوَدَ عَلَى السُّلْطَانِ فِي الَّذِي لاَ يَعْقِلُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ. (قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ) وَالصَّبِيُّ مِثْلُ الْمَعْتُوهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَأَمَّا غَيْرُ السُّلْطَانِ يَفْعَلُ هَذَا فَيُقَادُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ أَبَا صَبِيٍّ أَوْ مَعْتُوهٍ لاَ يَعْقِلُ أَوْ وَلِيَّهُ فَيَضْمَنُ الدِّيَةَ وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْقَوَدُ بِالشُّبْهَةِ, وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ أَغْلَفُ أَوْ امْرَأَةٌ لَمْ تُخْفَضْ فَأَمَرَ السُّلْطَانُ بِهِمَا فَعُذِرَا فَمَاتَا لَمْ يَضْمَنْ السُّلْطَانُ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَفْعَلاَ إلَّا أَنْ يُعْذِرَهُمَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ أَوْ بَرْدٍ شَدِيدٍ يَكُونُ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ لاَ يَسْلَمُ مَنْ عُذِرَ فِي مِثْلِهِ فَيَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ دِيَتَهُمَا, وَلَوْ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ رَجُلاً عَلَى أَنْ يَرْقَى نَخْلَةً أَوْ يَنْزِلَ فِي بِئْرٍ فَرَقَى أَوْ نَزَلَ فَسَقَطَ فَمَاتَ ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ وَعَقَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَلَّفَهُ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا قَدْ يَتْلَفُ مَنْ فَعَلَ مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ كَلَّفَهُ أَنْ يَمْشِيَ قَلِيلاً فِي أَمْرٍ يَسْتَعِينُ السُّلْطَانُ فِي مِثْلِهِ فَمَشَى فَمَاتَ لَمْ يَضْمَنْ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ هَذَا لاَ يُمَاتُ مِنْ مِثْلِهِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ السُّلْطَانُ بِأَنَّهُ مَاتَ مِنْهُ فَيَضْمَنُهُ فِي مَالِهِ أَوْ يَكُونُ مَعْلُومًا أَنَّهُ إذَا فَعَلَ مِثْلَ مَا كَلَّفَهُ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّ ذَلِكَ يُتْلِفُهُ. وَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا ضَمِنَهُ السُّلْطَانُ وَقَدْ قِيلَ: يَضْمَنُ السُّلْطَانُ مِنْ هَذَا مَا يَضْمَنُ مَنْ اسْتَعْمَلَ عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَمَّا كُلُّ أَمْرٍ لَيْسَ مِنْ صَلاَحِ الْمُسْلِمِينَ أَكْرَهَ السُّلْطَانُ عَلَيْهِ رَجُلاً فَمَاتَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْأَمْرِ فَالسُّلْطَانُ ضَامِنٌ لَدَيْهِ مَنْ مَاتَ فِيهِ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله تعالى عنه كَانَ يَقُولُ: الدِّيَةُ لِلْعَاقِلَةِ وَلاَ تَرِثُ الْمَرْأَةُ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا شَيْئًا حَتَّى أَخْبَرَهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُفْيَانَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَيْهِ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَةِ زَوْجِهَا فَرَجَعَ إلَيْهِ عُمَرُ. (أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: {أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ سُفْيَانَ أَنْ يُوَرِّثَ امْرَأَةَ أَشْيَمَ الضَّبَابِيِّ مِنْ دِيَتِهِ} قَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ أَشْيَمُ قُتِلَ خَطَأً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنْ يَرِثَ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مَنْ وَرِثَ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ; لِأَنَّهَا تَمْلِكُ عَنْ الْمَيِّتِ. وَبِهَذَا نَأْخُذُ فَنُوَرِّثُ الدِّيَةَ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ مَنْ وَرِثَ مَا سِوَاهَا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَإِذَا مَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ وَقَدْ وَجَبَتْ دِيَتُهُ فَمَنْ مَاتَ مِنْ وَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ كَانَتْ لَهُ حِصَّتُهُ مِنْ دِيَتِهِ كَأَنَّ رَجُلاً جَنَى عَلَيْهِ فِي صَدْرِ النَّهَارِ فَمَاتَ وَمَاتَ ابْنٌ لَهُ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ فَأُخِذَتْ دِيَةُ أَبِيهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ فَمِيرَاثُ الِابْنِ الَّذِي عَاشَ بَعْدَهُ سَاعَةً قَائِمٌ فِي دِيَتِهِ كَمَا يَثْبُتُ فِي دَيْنٍ لَوْ كَانَ لِأَبِيهِ. وَكَذَلِكَ امْرَأَتُهُ وَغَيْرُهَا مِمَّنْ يَرِثُهُ إذَا مَاتَ, وَلَوْ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِقَلِيلٍ لَمْ يَرِثْ مِنْهُ شَيْئًا; لِأَنَّ أَبَاهُ مَاتَ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ لَهُ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَعَتَقَ أَوْ كَانَتْ امْرَأَتُهُ كَذَلِكَ وَلَوْ نَكَحَ بَعْدَ الْجِنَايَةِ, ثُمَّ مَاتَ وَرِثَتْهُ امْرَأَتُهُ.
(أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ) قَالَ (أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ) قَالَ: إذَا جَنَى الرَّجُلُ جِنَايَةً خَطَأً فَعَفَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ فَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجِنَايَةِ فَالْعَفْوُ جَائِزٌ وَإِنْ مَاتَ فَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ تَجُوزُ مِنْ الثُّلُثِ وَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ لِأَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا مِمَّنْ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ كَانَ الْعَفْوُ جَائِزًا; لِأَنَّهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ, وَلَوْ كَانَ الْجَانِي نَصْرَانِيًّا أَوْ يَهُودِيًّا مِنْ أَهْلِ الْجِزْيَةِ كَانَ الْعَفْوُ جَائِزًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ كَانَ الْجَانِي ذِمِّيًّا لاَ يَجْرِي عَلَى عَاقِلَتِهِ الْحُكْمُ أَوْ مُسْلِمًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ خَطَأٍ فَالدِّيَةُ فِي أَمْوَالِهِمَا مَعًا وَالْعَفْوُ بَاطِلٌ; لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ لِقَاتِلٍ وَلِلْوَرَثَةِ أَخْذُهُمَا بِهَا, وَلَوْ كَانَ الْجَانِي عَبْدًا فَعَفَا عَنْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ, ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْعَفْوُ مِنْ الثُّلُثِ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِوَصِيَّةٍ لِلْعَبْدِ إنَّمَا هِيَ وَصِيَّةٌ لِمَوْلاَهُ. وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ خَطَأً فَقَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْ الْجَانِي الْقِصَاصَ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَنْ الْمَالِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهُ أَرَادَ بِعَفْوِهِ الْجِنَايَةَ الْعَفْوَ عَنْ الْمَالِ; لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى أَنَّ لَهُ قِصَاصًا, وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ الْجِنَايَةَ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا وَعَلَيْهِ الْيَمِينُ إنْ كَانَ حَيًّا مَا عَفَا الْمَالَ الَّذِي يَلْزَمُ بِالْجِنَايَةِ وَعَلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا الْيَمِينُ هَكَذَا عَلَى عِلْمِهِمْ, وَلَوْ قَالَ: قَدْ عَفَوْت عَنْهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَرْشِ وَالْجِنَايَةِ كَانَ عَفْوًا عَنْ الْكَافِرِ; لِأَنَّهُ لَيْسَتْ لَهُ عَاقِلَةٌ يَجْرِي عَلَيْهَا الْحُكْمُ وَعَمَّنْ أَقَرَّ بِالْجِنَايَةِ خَطَأً وَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا عَنْ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ قَدْ عَفَوْت عَنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ أَوْ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَرْشٍ قَدْ عَفَوْت ذَلِكَ عَنْ عَاقِلَتِهِ. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ شَيْءٌ فَإِذَا عَفَا مَا لاَ يَلْزَمُهُ لَمْ يَكُنْ عَفْوًا وَلاَ يَكُونُ عَفْوًا فِي هَذَا خَاصَّةً إلَّا بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَقُولَ قَدْ عَفَوْت مَا يَلْزَمُ لِي عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي أَرْشِ جِنَايَتِي أَوْ مَا يَلْزَمُ مِنْ أَرْشِ جِنَايَتِي إنْ كَانَ مِمَّنْ لاَ تَعْقِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ جُرْحًا فَعَفَا أَرْشَهُ عَفْوًا صَحِيحًا ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَجُوزُ الْعَفْوُ فِي أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَلاَ يَجُوزُ فِيمَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الْجُرْحِ بِالْمَوْتِ عَلَى أَرْشِ الْجُرْحِ كَأَنَّ الْجُرْحَ كَانَ يَدًا فَعَفَا أَرْشَهَا, ثُمَّ مَاتَ فَيَجُوزُ الْعَفْوُ فِي نِصْفِ الدِّيَةِ مِنْ الثُّلُثِ وَيُؤْخَذُ نِصْفُهَا. وَالثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ الْعَقْلُ يَلْزَمُ الْقَاتِلَ; لِأَنَّ الْهِبَةَ الْبَتَاتَ فِي مَعَانِي الْوَصَايَا فَلاَ تَجُوزُ لِقَاتِلٍ فَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحُ خَطَأً تَبْلُغُ دِيَةَ نَفْسٍ أَوْ أَكْثَرَ فَعَفَا أَرْشَهَا, ثُمَّ مَاتَ جَازَ الْعَفْوُ مِنْ الثُّلُثِ; لِأَنَّهُ قَدْ عَفَا الَّذِي وَجَبَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ. (قَالَ) وَإِذَا جُرِحَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ بَالِغًا أَوْ مَعْتُوهًا أَوْ صَبِيًّا فَعَفَا أَرْشَ الْجُرْحِ فِي الْخَطَأِ لَمْ يَجُزْ عَفْوُهُ, وَكَذَلِكَ فِي الْعَمْدِ الَّذِي لاَ يَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ وَإِنْ عَفَا الْقَوَدَ جَازَ عَفْوُهُ فِيهِ فَإِنْ عَفَا دِيَتَهُ فِي الْخَطَأِ عَنْ عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ فَهِيَ وَصِيَّةٌ لِغَيْرِ قَاتِلٍ فَمَنْ أَجَازَ وَصِيَّتَهُ أَجَازَ هَذَا الْعَفْوَ فِي وَصِيَّتِهِ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهَا لَمْ يُجِزْ هَذَا الْعَفْوَ بِحَالٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ رِجَالٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ: {أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ وَمُحَيِّصَةَ خَرَجَا إلَى خَيْبَرَ مِنْ جَهْدٍ أَصَابَهُمَا فَتَفَرَّقَا فِي حَوَائِجِهِمَا فَأَتَى مُحَيِّصَةُ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ قَدْ قُتِلَ وَطُرِحَ فِي فَقِيرٍ أَوْ عَيْنٍ فَأَتَى يَهُودَ فَقَالَ أَنْتُمْ وَاَللَّهِ قَتَلْتُمُوهُ. فَقَالُوا: وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَأَقْبَلَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى قَوْمِهِ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُمْ فَأَقْبَلَ هُوَ وَأَخُوهُ حُوَيِّصَةُ وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سَهْلٍ أَخُو الْمَقْتُولِ فَذَهَبَ مُحَيِّصَةُ يَتَكَلَّمُ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِخَيْبَرَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمُحَيَّصَةَ كَبِّرْ كَبِّرْ يُرِيدُ السِّنَّ فَتَكَلَّمَ حُوَيِّصَةُ. ثُمَّ تَكَلَّمَ مُحَيِّصَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إمَّا أَنْ يَدُوا صَاحِبَكُمْ وَإِمَّا أَنْ يُؤْذَنُوا بِحَرْبٍ فَكَتَبَ إلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ فَكَتَبُوا إلَيْهِ إنَّا وَاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحُوَيِّصَةَ وَمُحَيِّصَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَتَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ قَالُوا لاَ قَالَ فَتَحْلِفُ يَهُودُ قَالُوا لَيْسُوا بِمُسْلِمِينَ فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عِنْدِهِ فَبَعَثَ إلَيْهِمْ بِمِائَةِ نَاقَةٍ حَتَّى أُدْخِلَتْ عَلَيْهِمْ الدَّارَ قَالَ سَهْلٌ لَقَدْ رَكَضَتْنِي مِنْهَا نَاقَةٌ حَمْرَاءُ} قَالَ الشَّافِعِيُّ أَخْبَرَنَا الثَّقَفِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَأَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَ مَعْنَى حَدِيثِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّ ابْنَ عُيَيْنَةَ كَانَ لاَ يُثْبِت أَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَنْصَارِيِّينَ فِي الْأَيْمَانِ أَمْ يَهُودَ؟ فَيُقَالُ فِي الْحَدِيثِ إنَّهُ قَدَّمَ الْأَنْصَارِيِّينَ فَنَقُولُ فَهُوَ ذَاكَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا نَقُولُ فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا السَّبَبِ الَّذِي حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِالْقَسَامَةِ حَكَمْنَا بِهَا وَجَعَلْنَا فِيهَا الدِّيَةَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلُ ذَلِكَ السَّبَبِ لَمْ نَحْكُمْ بِهَا, فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: وَمَا مِثْلُ السَّبَبِ الَّذِي حَكَمَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قِيلَ كَانَتْ خَيْبَرُ دَارَ يَهُودَ الَّتِي قُتِلَ فِيهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ مَحْضَةً لاَ يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانَتْ الْعَدَاوَةُ بَيْن الْأَنْصَارِ وَالْيَهُودِ ظَاهِرَةً وَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ بَعْدَ الْعَصْرِ وَوُجِدَ قَتِيلاً قَبْلَ اللَّيْلِ فَكَادَ أَنْ يَغْلِبَ عَلَى مَنْ عَلِمَ هَذَا أَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ إلَّا بَعْضُ يَهُودَ وَإِذَا كَانَتْ دَارُ قَوْمٍ مُجْتَمِعَةً لاَ يَخْلِطُهُمْ غَيْرُهُمْ وَكَانُوا أَعْدَاءً لِلْمَقْتُولِ أَوْ قَبِيلَتِهِ وَوُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ قَتْلَهُ فِيهِمْ فَلَهُمْ الْقَسَامَةُ, وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا الْمَعْنَى مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا يَدَّعِي الْمُدَّعِي عَلَى جَمَاعَةٍ أَوْ وَاحِدٍ. وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَدْخُلَ نَفَرٌ بَيْتًا فَلاَ يَخْرُجُونَ مِنْهُ إلَّا وَبَيْنَهُمْ قَتِيلٌ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانُوا فِي دَارٍ وَحْدَهُمْ أَوْ فِي صَحْرَاءَ وَحْدَهُمْ; لِأَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ أَوْ بَعْضُهُمْ, وَكَذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ بِصَحْرَاءَ أَوْ نَاحِيَةٍ لَيْسَ إلَى جَنْبِهِ عَيْنٌ وَلاَ أَثَرٌ إلَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ مُخْتَضِبٌ بِدَمِهِ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ أَوْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فَتَأْتِيَ بَيِّنَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ نَوَاحٍ لَمْ يَجْتَمِعُوا فَيُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى الِانْفِرَادِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَتَتَوَاطَأُ شَهَادَتُهُمْ وَلَمْ يَسْمَعْ بَعْضُهُمْ شَهَادَةَ بَعْضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ يَعْدِلُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْ يَشْهَدَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ; لِأَنَّ كُلَّ سَبَبٍ مِنْ هَذَا يَغْلِبُ عَلَى عَقْلِ الْحَاكِمِ أَنَّهُ كَمَا ادَّعَى وَلِيُّ الدَّمِ أَوْ شَهِدَ مَنْ وَصَفْت وَادَّعَى وَلِيُّ الدَّمِ, وَلَهُمْ إذَا كَانَ مَا يُوجِبُ الْقَسَامَةَ عَلَى أَهْلِ الْبَيْتِ أَوْ الْقَرْيَةِ أَوْ الْجَمَاعَةِ أَنْ يَحْلِفُوا عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَ. فَإِذَا أَمْكَنَ فِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَةِ الْقَتَلَةِ جَازَ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَعَلَى غَيْرِهِ مِمَّنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ فِي جُمْلَتِهِمْ مَعَهُ دَعْوَى إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا وَصَفْت لاَ يَجِبُ بِهَا الْقَسَامَةُ, وَكَذَلِكَ لاَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِي أَنْ يُوجَدَ قَتِيلٌ فِي قَرْيَةٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ يَمُرُّ بِهِمْ الْمَارَّةُ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يَقْتُلَهُ بَعْضُ مَنْ يَمُرُّ وَيُلْقِيَهُ: وَإِذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فَلِأَهْلِ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمُوا وَإِنْ كَانُوا غُيَّبًا عَنْ مَوْضِعِ الْقَتِيلِ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمُوا ذَلِكَ بِاعْتِرَافِ الْقَاتِلِ أَوْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ عِنْدَهُمْ لاَ يَقْبَلُ الْحَاكِمُ مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْعِلْمِ الَّتِي لاَ تَكُونُ شَهَادَةٌ بِقَطْعٍ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ اتَّقُوا اللَّهَ وَلاَ تَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِثْبَاتِ. وَيَقْبَلُ أَيْمَانَهُمْ مَتَى حَلَفُوا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ الْوَارِثُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا عَدْلاً أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَمَحْجُورًا عَلَيْهِ. وَالْقَسَامَةُ فِي الْمُسْلِمِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ فَمَا بَيْنَهُمْ مِثْلُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ لاَ تَخْتَلِفُ; لِأَنَّ كُلًّا وَلِيُّ دَمِهِ وَوَارِثُ دِيَةِ الْمَقْتُولِ وَمَالِهِ إلَّا أَنَّا لاَ نَقْبَلُ شَهَادَةَ مُشْرِكٍ عَلَى مُسْلِمٍ وَلاَ نَسْتَدِلُّ بِقَوْلِهِ بِحَالٍ; لِأَنَّ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ إبْطَالُ أَخْذِ الْحُقُوقِ بِشَهَادَةِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَسَامَةُ فِي الْعَبْدِ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لَهُ عَلَى الْأَحْرَارِ أَوْ عَبِيدِهِمْ غَيْرَ أَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْأَحْرَارِ فِي أَمْوَالِهِمْ وَعَوَاقِلِهِمْ, وَالدِّيَاتِ فِي رِقَابِ الْعَبِيدِ وَدِيَةُ الْعَبْدِ ثَمَنُهُ مَا كَانَ, وَإِذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ فِي عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي التِّجَارَةِ أَوْ غَيْرِ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهَا سَوَاءٌ, وَالْقَسَامَةُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ قَسَامَةٌ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالِكٍ, وَكَذَلِكَ الْمُدَبَّرُ وَالْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ; لِأَنَّ كُلَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَمْلِكُ; وَالْقَسَامَةُ لِسَادَاتِهِمْ دُونَهُمْ. وَإِنْ كَانَ لِلْمَكَاتِبِ عَبْدٌ فَوَجَبَتْ لَهُ قَسَامَةٌ أَقْسَمَ; لِأَنَّهُ مَالِكٌ فَإِنْ لَمْ يُقْسِمْ حَتَّى يَعْجِزَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَكَانَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يُقْسِمَ وَعَجْزُهُ كَمَوْتِهِ, وَيَصِيرُ الْعَبْدُ الَّذِي يُقْسَمُ فِيهِ لِسَيِّدِهِ بِالْمِيرَاثِ فَحَالُهُ كَحَالِ رَجُلٍ فِي هَذَا وَجَبَتْ لَهُ فِي عَبْدٍ لَهُ أَوْ ابْنٍ أَوْ غَيْرِهِ قَسَامَةٌ فَلَمْ يُقْسِمْ حَتَّى مَاتَ فَتُقْسِمُ وَرَثَتُهُ وَيَسْتَحِقُّونَ الدِّيَةَ; لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ وَيَمْلِكُونَ مَا مَلَكَ, وَمَنْ قَتَلَ عَبْدًا لِأُمِّ وَلَدٍ فَلَمْ يُقْسِمْ سَيِّدُهَا حَتَّى مَاتَ وَأَوْصَى بِثَمَنِ الْعَبْدِ لَهَا لَمْ تُقْسِمْ وَأَقْسَمَ وَرَثَتُهُ وَكَانَ لَهَا ثَمَنُ الْعَبْدِ وَإِنْ لَمْ تُقْسِمْ الْوَرَثَةُ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلاَ لَهُمْ شَيْءٌ إلَّا أَيْمَانُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلَوْ وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لِرَجُلٍ فِي عَبْدٍ لَهُ فَلَمْ يُقْسِمْ حَتَّى ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَكَفَّ الْحَاكِمُ عَنْ أَمْرِهِ بِالْقَسَامَةِ فَإِنْ تَابَ أَقْسَمَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ; لِأَنَّهُ لاَ وَارِثَ لَهُ إنَّمَا يُؤْخَذُ مَالُهُ فَيْئًا. وَلَوْ أَمَرَهُ مُرْتَدًّا فَأَقْسَمَ اسْتَحَقَّ الدِّيَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ كَانَتْ لَهُ وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْإِسْلاَمِ قُبِضَتْ فَيْئًا عَنْهُ: وَلَوْ كَانَتْ الْقَسَامَةُ وَجَبَتْ لَهُ فِي ابْنِهِ, ثُمَّ ارْتَدَّ قَبْلَ أَنْ يُقْسِمَ كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا كَالْجَوَابِ فِي الْعَبْدِ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَهُ يُقْسِمَ وَتَثْبُتُ الدِّيَةُ فَإِنْ تَابَ دَفَعَهَا إلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ قَبَضَهَا فَيْئًا عَنْهُ, وَلَوْ كَانَ ابْنُهُ جُرِحَ فَلَمْ يَمُتْ حَتَّى ارْتَدَّ أَبُوهُ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ بَعْدَ رِدَّةِ الْأَبِ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ لَهُ وَارِثًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ وَأَقْسَمَ وَرَثَةُ الِابْنِ سِوَى الْأَبِ, وَلَوْ رَجَعَ الْأَبُ إلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ مِيرَاثِ الِابْنِ شَيْءٌ, وَلَوْ جُرِحَ رَجُلٌ ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ مُرْتَدًّا وَوَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ بَطَلَتْ الْقَسَامَةُ; لِأَنَّهُ وَارِثٌ لَهُ, وَلَوْ جُرِحَ ثُمَّ ارْتَدَّ, ثُمَّ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ, ثُمَّ مَاتَ كَانَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ; لِأَنَّهُ مَوْرُوثٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جُرِحَ عَبْدٌ فَأُعْتِقَ, ثُمَّ مَاتَ حُرًّا وَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لِوَرَثَتِهِ الْأَحْرَارِ وَسَيِّدِهِ الْمُعْتِقِ بِقَدْرِ مَا يَمْلِكُ سَيِّدُهُ الْمُعْتِقُ مِمَّا وَجَبَ فِي جِرَاحِهِ وَقَدْرَ مَا يَمْلِكُ الْوَرَثَةُ سُهْمَانَهُمْ مِنْ مِيرَاثِهِ كَأَنَّ سَيِّدَهُ مَلَكَ بِجِرَاحِهِ ثُلُثَ دِيَةِ حُرٍّ فَيَحْلِفُ ثُلُثَ الْأَيْمَانِ وَالْوَرَثَةُ ثُلُثَيْهَا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فِيهَا وَلاَ تَجِبُ الْقَسَامَةُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ, وَإِذَا أُصِيبَ رَجُلٌ بِمَوْضِعٍ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ فَمَاتَ مَكَانَهُ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ, وَإِنْ أُصِيبَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ بِجُرْحٍ, ثُمَّ عَاشَ بَعْدَ الْجُرْحِ مُدَّةً طَوِيلَةً أَوْ قَصِيرَةً صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ فَفِيهِ الْقَسَامَةُ وَإِنْ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَإِنْ لَمْ يَلْتَئِمْ الْجُرْحُ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَسَامَةٌ وَإِنْ مَاتَ وَقَالَ وَرَثَتُهُ لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ وَقَالَ الَّذِي يُقْسِمُ بَلْ كَانَ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ وَرَثَتِهِ وَلَهُمْ الْقَسَامَةُ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْجَانِي بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ قَدْ كَانَ يُقْبِلُ وَيُدْبِرُ بَعْدَ الْجُرْحِ فَتَسْقُطُ الْقَسَامَةُ, وَإِنَّمَا جَعَلْت الْقَوْلَ قَوْلَ الْوَرَثَةِ فِي أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ فِرَاشٍ وَذَلِكَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بُدٌّ مِنْ الْقَسَامَةِ عَلَى النَّفْسِ إنْ فُلاَنًا قَتَلَهَا إذَا كَانَ لَهَا سَبَبٌ يُوجِبُ الْقَسَامَةَ وَلَوْ قَالَ وَرَثَةُ الْمَيِّتِ لَمْ يَزَلْ مَرِيضًا مِنْ الْجُرْحِ حَتَّى مَاتَ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ الْجُرْحِ أَوْ قَالُوا ذَلِكَ فِي رَجُلٍ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ اعْتِرَافٍ رَجُلٍ بِأَنَّهُ جَرَحَهُ جُرْحًا عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَقَامَتْ لَهُمْ بَيِّنَةٌ فِي هَذَا بِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ صَاحِبَ فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ جَعَلَتْ عَلَيْهِمْ الْأَيْمَانُ فِي الْأَوَّلِ وَالْآخَرِ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَجَعَلْت لَهُمْ فِي الْقَسَامَةِ الدِّيَةَ وَفِي الْجِنَايَةِ الْعَمْدِ الَّتِي قَامَتْ بِهَا الْبَيِّنَةُ أَوْ أَقَرَّ بِهَا الْجَانِي الْقَوَدَ إذَا أَقْسَمُوا لَمَاتَ مِنْهَا وَمَنْ أَوْجَبْت لَهُ دِيَةَ نَفْسٍ بِيَمِينٍ أَوْ أَوْجَبْت لَهُ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ نَفْسٍ بِيَمِينٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ هَذَا وَلَمْ يَبْرَأْ مِنْ هَذَا بِأَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَالْأَيْمَانُ فِي الدِّمَاءِ خِلاَفُ الْأَيْمَانِ فِي الْحُقُوقِ وَهِيَ فِي جَمِيعِ الْحُقُوقِ يَمِينٌ يَمِينٌ, وَفِي الدِّمَاءِ خَمْسُونَ يَمِينًا بِمَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقَسَامَةِ فَلَمْ تَجُزْ فِي يَمِينِ دَمٍ يَبْرَأُ بِهَا الْمُحَلَّفُ وَلاَ يَأْخُذُ بِهَا الْمُدَّعِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُتِلَ الرَّجُلُ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْقَسَامَةُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَارِثًا كَأَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ تَمْلِكُ النَّفْسُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا دِيَةَ الْمَقْتُولِ وَلاَ يَمْلِكُ دِيَةَ الْمَقْتُولِ إلَّا وَارِثٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْسِمَ عَلَى مَا لاَ يَسْتَحِقُّهُ إلَّا مَنْ لَهُ الْمَالُ بِنَفْسِهِ أَوْ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْمَالَ مِنْ الْوَرَثَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ وَجَبَتْ فِي رَجُلٍ قَسَامَةٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَهُ وَصَايَا فَامْتَنَعَ الْوَرَثَةُ مِنْ الْقَسَامَةِ فَسَأَلَ أَهْلَ الدَّيْنِ أَوْ الْمُوصَى لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَيْسُوا الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ الَّذِي وَجَبَ لَهُ عَلَى الْجَانِينَ الْمَالُ وَلاَ الْوَرَثَةُ الَّذِينَ أَقَامَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مَقَامَ الْمَيِّتِ فِي مَالِهِ بِقَدْرِ مَا فُرِضَ لَهُ مِنْهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ تَرَكَ الْقَتِيلُ وَارِثَيْنِ فَأَقْسَمَ أَحَدُهُمَا فَاسْتَحَقَّ بِهِ نِصْفَ الدِّيَةِ أَخَذَهَا الْغُرَمَاءُ مِنْ يَدِهِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهَا فَضْلٌ أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا ثُلُثَهَا مِنْ يَدِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا وَيَأْخُذُوا النِّصْفَ الْآخَرَ فَإِنْ أَقْسَمَ الْوَارِثُ الْآخَرُ أَخَذَ الْغُرَمَاءُ مِنْ يَدِهِ مَا فِي يَدِهِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا دُيُونَهُمْ وَإِنْ اسْتَوْفُوهَا أَخَذَ أَهْلُ الْوَصَايَا الثُّلُثَ مِمَّا فِي يَدِهِ وَإِنْ كَانَ لِلْغُرَمَاءِ مِائَةُ دِينَارٍ فَاسْتَوْفُوهَا مِنْ نِصْفِ الدِّيَةِ الَّذِي وَجَبَ لِلَّذِي أَقْسَمَ أَوَّلاً, ثُمَّ أَقْسَمَ الْآخَرُ رَجَعَ الْأَوَّلُ عَلَى الْآخَرِ بِخَمْسِينَ دِينَارًا وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ فِي الْوَصَايَا; لِأَنَّ أَهْلَ الْوَصَايَا إنَّمَا يَأْخُذُونَ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ لاَ كُلَّهُ كَمَا يَأْخُذُهُ الْغُرَمَاءُ وَلاَ يُقْسِمُ ذُو قَرَابَةٍ لَيْسَ بِوَارِثٍ وَلاَ وَلِيُّ يَتِيمٍ مِنْ وَلَدِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَبْلُغَ الْيَتِيمُ فَإِنْ مَاتَ الْيَتِيمُ قَامَ وَرَثَتُهُ فِي ذَلِكَ مَقَامَهُ وَإِنْ طَلَبَ ذُو قَرَابَةٍ وَهُوَ غَيْرُ وَارِثٍ الْقَتِيلَ أَنْ يُقْسِمَ جَمِيعَ الْقَسَامَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ فَإِنْ مَاتَ ابْنُ الْقَتِيلِ أَوْ زَوْجَةٌ لَهُ أَوْ أُمٌّ أَوْ جَدَّةٌ فَوَرِثَهُ ذُو الْقَرَابَةِ كَانَ لَهُ أَنْ يُقْسِمَ; لِأَنَّهُ صَارَ وَارِثًا وَمَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْقَسَامَةُ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَخْبُولٌ أَوْ صَبِيٌّ فَلَمْ يَحْضُرْ الْغَائِبُ أَوْ حَضَرَ فَلَمْ يُقْسِمْ وَلَمْ يَبْلُغْ الصَّبِيُّ وَلَمْ يُفِقْ الْمَعْتُوهُ أَوْ بَلَغَ هَذَا وَأَفَاقَ هَذَا فَلَمْ يُقْسِمُوا وَلَمْ يُبْطِلُوا حُقُوقَهُمْ فِي الْقَسَامَةِ حَتَّى مَاتُوا قَامَ وَرَثَتُهُمْ مَقَامَهُمْ فِي أَنْ يُقْسِمُوا بِقَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ مِنْهُمْ وَذَلِكَ أَنْ يَرِثَ ابْنٌ عُشْرَ مَالِ أَبِيهِ, ثُمَّ يَمُوتَ فَيَرِثُهُ عَشْرَةٌ فَيَكُونَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ لَهُ عُشْرَ الْعَشْرِ مِنْ مِيرَاثِ الْقَتِيلِ, وَعُشْرُ الْعُشْرِ وَاحِدٌ وَهَكَذَا هَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْوَرَثَةِ يُقْسِمُونَ عَلَى قَدْرِ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ذِكْرُ أَخِي الْمَقْتُولِ وَرَجُلَيْنِ مَعَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ تَحْلِفُونَ وَتَسْتَحِقُّونَ فَكَيْفَ لاَ يَحْلِفُ إلَّا وَارِثٌ؟ قُلْت قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ لِوَارِثِ الْمَقْتُولِ هُوَ وَغَيْرُهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَالَ ذَلِكَ لِوَارِثِهِ وَحْدَهُ تَحْلِفُونَ لِوَاحِدٍ أَوْ قَالَ ذَلِكَ لِجَمَاعَتِهِمْ يَعْنِي بِهِ يَحْلِفُ الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ مَعَ أَخِيهِ الَّذِي حَكَى أَنَّهُ حَضَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَارِثٌ غَيْرُهُ أَوْ كَانَ أَخُوهُ غَيْرَ وَارِثٍ لَهُ وَهُوَ يَعْنِي بِذَلِكَ الْوَرَثَةَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الدَّلاَلَةُ عَلَى هَذَا؟ فَإِنَّ جَمِيعَ حُكْمِ اللَّهِ وَسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سِوَى الْقَسَامَةِ أَنَّ يَمِينَ الْمَرْءِ لاَ تَكُونُ إلَّا فِيمَا يَدْفَعُ بِهَا الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ كَمَا يَدْفَعُ قَاذِفُ امْرَأَتِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيَنْفِي بِهَا الْوَلَدَ وَكَمَا يَدْفَعُ بِهَا الْحَقَّ عَنْ نَفْسِهِ وَالْحَدَّ وَغَيْرَهُ وَفِيمَا يَأْخُذُ بِهَا الرَّجُلُ مَعَ شَاهِدٍ وَيَدَّعِي الْمَالَ فَيَنْكُلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَتُرَدُّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَأْخُذُ بِيَمِينِهِ وَنُكُولُ صَاحِبِهِ مَا ادَّعَى عَلَيْهِ لاَ أَنَّ الرَّجُلَ يَحْلِفُ فَيَبْرَأُ غَيْرُهُ وَلاَ يَحْلِفُ فَيَمْلِكُ غَيْرُهُ بِيَمِينِهِ شَيْئًا فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ بَيَانٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِهَا لِغَيْرِ وَارِثٍ وَيَسْتَحِقُّ بِهَا الْوَارِثُ لَمْ يَجُزْ فِيهَا - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا أَنْ تَكُونَ فِي مَعَانِي مَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ, ثُمَّ رَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ الْقَسَامَةُ مَنْ صَاحِبُكَ؟ فَإِذَا قَالَ: فُلاَنٌ, قَالَ: فُلاَنٌ وَحْدَهُ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟ فَإِنْ قَالَ عَمْدًا سَأَلَهُ مَا الْعَمْدُ؟ فَإِنْ وَصَفَ مَا يَجِبُ بِمِثْلِهِ قِصَاصٌ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ أَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ وَصَفَ مِنْ الْعَمْدِ مَا لاَ يَجِبُ فِيهِ قِصَاصٌ وَإِنَّمَا يَكُونُ فِيهِ الْعَقْلُ أَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ إثْبَاتِهِ وَإِنْ قَالَ قَتَلَهُ فُلاَنٌ وَنَفَرٌ مَعَهُ لَمْ يُحْلِفْهُ حَتَّى يُسَمِّيَ النَّفَرَ فَإِنْ قَالَ لاَ أَعْرِفُهُمْ وَأَنَا أَحْلِفُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ فِيمَنْ قَتَلَهُ لَمْ يُحْلِفْهُ حَتَّى يُسَمِّيَ عَدَدَ النَّفَرِ مَعَهُ فَإِنْ كَانُوا ثَلاَثَةً أَحْلَفَهُ عَلَى الَّذِي أَثْبَتَهُ وَكَانَ لَهُ عَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِنْ كَانُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعُهَا وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ عَدَدَهُمْ لَمْ يَحْلِفْ; لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ يَلْزَمُ هَذَا الَّذِي يَثْبُتُ وَلاَ عَاقِلَتُهُ مِنْ الدِّيَةِ لَوْ حَلَفَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ عَنْ هَذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ إذَا أَثْبَتَ كَمْ عَدَدُ مَنْ قَتَلَ مَعَهُ وَلَوْ عَجَّلَ الْحَاكِمُ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِ فُلاَنٍ فُلاَنًا وَلَمْ يَقُلْ عَمْدًا وَلاَ خَطَأً أَعَادَ عَلَيْهِ عَدَدَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ; لِأَنَّ حُكْمَ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ أَنَّهَا فِي مَالِهِ وَفِي الْخَطَأِ أَنَّهَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَوْ عَجَّلَ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ عَمْدًا وَلَمْ يَقُلْ قَتَلَهُ وَحْدَهُ أَعَادَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ لِقَتْلِهِ وَحْدَهُ وَلَوْ عَجَّلَ فَأَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُسَمِّ عَدَدَ الَّذِينَ قَتَلُوهُ مَعَهُ أَعَادَ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ إذَا عَرَفَ الْعَدَدَ وَلَوْ أَحْلَفَهُ لِقَتْلِهِ وَثَلاَثَةٍ مَعَهُ لَمْ يُسَمِّهِمْ قَضَى عَلَيْهِ بِرُبُعِ الدِّيَةِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ جَاءَ بِوَاحِدٍ مِنْ الثَّلاَثَةِ فَقَالَ قَدْ أَثْبَتَ هَذَا أَحْلَفَهُ أَيْضًا عَلَيْهِ عِدَّةَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْوَارِثُ وَحْدَهُ أَحْلَفَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا لِقَتْلِهِ مَعَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ فَإِنْ كَانَ يَرِثُ النِّصْفَ فَنِصْفُ الْأَيْمَانِ وَلَمْ تُعَدَّ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ الْأُولَى, ثُمَّ كُلَّمَا أَثْبَتَ وَاحِدًا مَعَهُ أَعَادَ عَلَيْهِ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ كَمَا يَبْتَدِئُ اسْتِحْلاَفَهُ عَلَى وَاحِدٍ لَوْ كَانَتْ دَعْوَاهُ عَلَيْهِ مُنْفَرِدَةً وَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثَانِ فَأَغْفَلَ الْحَاكِمُ بَعْضَ مَا وَصَفْت أَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُحْلِفَهُ عَلَيْهِ أَوْ أَحْلَفَهُ مُغْفِلاً خَمْسِينَ يَمِينًا, ثُمَّ جَاءَ الْوَارِثُ الْآخَرُ فَحَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا أَعَادَ عَلَى الْأَوَّلِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا; لِأَنَّهُ هِيَ الَّتِي تَلْزَمُهُ مَعَ الْوَارِثِ مَعَهُ وَإِنَّمَا أَحْلَفَهُ أَوَّلاً خَمْسِينَ يَمِينًا; لِأَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ إلَّا بِهَا إذَا لَمْ تَتِمَّ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ مَعَهُ خَمْسِينَ يَمِينًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلاَ يَجِبُ عَلَى أَحَدٍ حَقٌّ فِي الْقَسَامَةِ حَتَّى تَكْمُلَ أَيْمَانُ الْوَرَثَةِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَسَوَاءٌ كَثُرَ الْوَرَثَةُ أَوْ قَلُّوا وَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ وَتَرَكَ وَارِثًا وَاحِدًا أَقْسَمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقَّ الدِّيَةَ وَإِنْ تَرَكَ وَارِثَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَكَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا أَوْ غَائِبًا أَوْ مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ أَوْ حَاضِرًا بَالِغًا فَلَمْ يَحْلِفْ فَأَرَادَ أَحَدُهُمَا الْيَمِينَ لَمْ يُحْبَسْ عَلَى غَائِبٍ وَلاَ صَغِيرٍ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّهُ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ دَمِهِ بِامْتِنَاعِ غَيْرِهِ مِنْ الْيَمِينِ وَلاَ إكْذَابِهِ دَعْوَى أَخِيهِ وَلاَ صِغَرِهِ وَقِيلَ لِلَّذِي يُرِيدُ الْيَمِينَ: أَنْتَ لاَ تَسْتَوْجِبُ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَلاَ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ شِئْت أَنْ تُعَجِّلَ فَتَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَتَأْخُذُ نُصِيبَكَ مِنْ الْمِيرَاثِ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ قَبِلْت مِنْكَ وَإِنْ امْتَنَعْت فَدَعْ هَذَا حَتَّى يَحْضُرَ مَعَكَ وَارِثٌ تُقْبَلُ يَمِينُهُ فَتَحْلِفَانِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَوْ وَرَثَتُهُ فَتَكْمُلَ أَيْمَانُكُمْ خَمْسِينَ يَمِينًا كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ بِقَدْرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ مِنْ الْأَيْمَانِ أَوْ أَكْثَرَ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ عَلَى وَارِثٍ فِي الْأَيْمَانِ عَلَى قَدْرِ حِصَّتِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا وَصَفْت مِنْ أَنْ يَغِيبَ وَارِثٌ أَوْ يَصْغُرَ أَوْ يَنْكُلَ فَيُرِيدُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ الْيَمِينَ فَلاَ يَأْخُذُ حَقَّهُ إلَّا بِكَمَالِ خَمْسِينَ يَمِينًا فَيُزَادُ عَلَيْهِ فِي الْأَيْمَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى الْأَيْمَانِ أَوْ يَدَعَ الْمَيِّتُ ثَلاَثَ بَنِينَ فَتَكُونُ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا إلَّا ثُلُثَ يَمِينٍ فَلاَ يَجُوزُ فِي الْيَمِينِ كَسْرٌ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْلِفَ وَاحِدٌ سِتَّةَ عَشَرَ يَمِينًا وَعَلَيْهِ ثُلُثَا يَمِينٍ وَيَحْلِفُ آخَرُ سَبْعَةَ عَشَرَ وَلاَ سَبْعَةَ عَشَرَ وَزِيَادَةً وَيَحْلِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا فَيَكُونُ عَلَيْهِمْ زِيَادَةُ يَمِينٍ بَيْنَهُمْ, وَهَكَذَا مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ أَوْ لَهُ كَسْرُ يَمِينٍ جَبَرَهَا وَإِنْ لَمْ يَدَعْ الْقَتِيلُ وَارِثًا إلَّا ابْنَهُ أَوْ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ أَجْزَأَهُ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا; لِأَنَّهُ مَالِكٌ الْمَالَ كُلَّهُ وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ شَيْئًا حَلَفَ عَلَيْهِ وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَدَعْ إلَّا ابْنَتَهُ وَهِيَ مَوْلاَتُهُ حَلَفَتْ خَمْسِينَ يَمِينًا وَأَخَذَتْ الْكُلَّ: النِّصْفَ بِالنَّسَبِ وَالنِّصْفَ بِالْوَلاَءِ, وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَدَعْ إلَّا زَوْجَةً وَهِيَ مَوْلاَتُه وَإِذَا تَرَكَ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ وَارِثًا سَوَاءٌ فِي مِيرَاثِهِ كَأَنَّهُمْ بَنُونَ مَعًا أَوْ إخْوَةٌ مَعًا أَوْ عُصْبَةٌ فِي الْقُعْدَدِ إلَيْهِ سَوَاءٌ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَإِنْ جَازُوا خَمْسِينَ أَضْعَافًا; لِأَنَّهُ لاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ مَالاً بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ وَلاَ إقْرَارٍ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِلاَ يَمِينٍ مِنْهُ وَلاَ يَمْلِكُ أَحَدٌ بِيَمِينِ غَيْرِهِ شَيْئًا وَلَوْ كَانَتْ فِيهِمْ زَوْجَةٌ فَوَرِثَتْ الرُّبُعَ أَوْ الثُّمُنَ حَلَفَتْ رُبُعَ الْأَيْمَانِ ثَلاَثَةَ عَشَرَ يَمِينًا يُزَادُ عَلَيْهَا كَسْرُ يَمِينٍ أَوْ ثُمُنَ الْأَيْمَانِ سَبْعَةَ أَيْمَانٍ يُزَادُ عَلَيْهَا كَسْرُ يَمِينٍ; لِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَلَى وَارِثٍ كَسْرُ يَمِينٍ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِيَمِينٍ تَامَّةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: فَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ وَارِثَانِ فَامْتَنَعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَسَامَةِ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ الْآخَرَ مِنْ أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْوَرَثَةُ عَدَدًا كَثِيرًا فَنَكَلُوا إلَّا وَاحِدًا, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ عَدْلاً وَالْمُقْسِمُ غَيْرُ عَدْلٍ قُبِلَتْ قَسَامَتُهُ; لِأَنَّهُ حَقٌّ يَأْخُذُهُ بِيَمِينِهِ فَالْعَدْلُ وَغَيْرُ الْعَدْلِ سَوَاءٌ كَمَا يَكُونُ لِلرَّجُلَيْنِ شَاهِدٌ وَلِلرِّجَالِ شَاهِدٌ فَيَمْتَنِعُ أَحَدُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ مِنْ الْيَمِينِ وَيَحْلِفُ غَيْرُهُ مِنْهُمْ فَيَكُونُ لِلْحَالِفِ أَخْذُ حَقِّهِ, كَمَا يُدَّعَى عَلَى الرِّجَالِ حَقٌّ فَيُقِرُّ بِهِ بَعْضُهُمْ وَيُنْكِرُ بَعْضٌ فَيَحْلِفُ الْمُنْكِرُ وَيَبْرَأُ وَيُؤْخَذُ مِنْ الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ بِهِ فَإِذَا كَانَتْ عَلَى الرَّجُلِ فِي الْقَسَامَةِ أَيْمَانٌ فَلَمْ يُكْمِلْهَا حَتَّى مَاتَ كَانَ عَلَى الْوَرَثَةِ أَنْ يَبْتَدِئُوا الْأَيْمَانَ الَّتِي كَانَتْ عَلَى أَبِيهِمْ وَلاَ يُحَاسَبُونَ بِأَيْمَانِهِ; لِأَنَّ أَيْمَانَهُ غَيْرُ أَيْمَانِهِمْ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ بِأَيْمَانِهِ شَيْئًا حَتَّى يُكْمِلَ مَا عَلَيْهِ فِيهِ وَلَوْ كَانَ لَمْ يَمُتْ, وَلَكِنَّهُ لَمْ يُكْمِلْ أَيْمَانَهُ حَتَّى غُلِبَ عَلَى عَقْلِهِ فَإِذَا أَفَاقَ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ أَيْمَانِهِ وَلَمْ يَسْقُطْ مِنْ أَيْمَانِهِ الْمَاضِيَةِ شَيْءٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ عَلَيْهِ عَدَدَ شَيْءٍ فَإِذَا أَتَى بِهِ مَجْمُوعًا أَوْ مُفَرَّقًا عِنْدَ حَاكِمٍ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَلَوْ جَاءَ بِهِ عِنْدَ حَاكِمَيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يُثْبِتَ لَهُ عَدَدَ مَا حَلَفَ عِنْدَهُ قَبْلَ يَغْلِبَ عَلَى عَقْلِهِ وَمَا حَلَفَ عِنْدَ غَيْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ عَلَى بَعْضِ الْأَيْمَانِ, ثُمَّ سَأَلَ الْحَاكِمَ أَنْ يُنْظَرَ أَنْظَرَهُ فَإِذَا جَاءَ لِيَسْتَكْمِلَ الْأَيْمَانَ حُسِبَتْ لَهُ مَا مَضَى مِنْهَا عِنْدَهُ وَإِذَا كَانَ لِلْقَتِيلِ تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَارِثَانِ فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَأَبْرَأَهُ صَاحِبُهُ بِأَنْ قَالَ مَا قَتَلَهُ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لِوَلِيِّ الدَّمِ الْمُدَّعِي الَّذِي لَمْ يُبْرِئْ أَنْ يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَسْتَحِقَّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ إنْ كَانَ عَمْدًا فِي مَالِهِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ إنْ كَانَ خَطَأً وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ لَوْ كَانَ عَدْلاً فَشَهِدَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ وَهُمْ يَتَصَادَقُونَ عَلَى الْوَقْتِ غَائِبًا بِبَلَدٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَصِلَ مِنْهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَلاَ فِي يَوْمٍ إلَى مَوْضِعِ الْقَتِيلِ لَمْ يُبَرَّأْ; لِأَنَّهُ وَاحِدٌ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ وَلُوكَانِ الْوَارِثَانِ اثْنَيْنِ عَدْلَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِهَذَا أَوْ شَهِدَا عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَتَلَهُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُمَا وَلَمْ نَجْعَلْ فِيهِ قَسَامَةٌ وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى رَجُلٍ يُبَرِّئُهُ أَحَدُهُمْ إذَا كَانَ الَّذِي يُبَرِّئُهُ يَعْقِلُ فَإِنْ أَبْرَأَهُ مِنْهُمْ مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِهِ أَوْ صَبِيٌّ لَمْ يَبْلُغْ كَانَ لِلْبَاقِينَ مِنْهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اخْتَلَفَ الْوَارِثَانِ فِيمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْقَسَامَةُ فَكَانَتْ دَعْوَاهُمَا مَعًا مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُصَدَّقَا فِيهِ بِحَالٍ لَمْ يَسْقُطْ حَقُّهُمَا فِي الْقَسَامَةِ وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَقُولَ: هَذَا قَتَلَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ وَرَجُلٍ لاَ أَعْرِفُهُ وَيَقُولُ الْآخَرُ: قَتَلَ أَبِي زَيْدٍ بْنِ عَامِرٍ وَرَجُلٍ لاَ أَعْرِفُهُ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ زَيْدُ بْنُ عَامِرٍ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي عَرَفَهُ الَّذِي جَهِلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَالِدٍ وَأَنْ يَكُونَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَالِدٍ هُوَ الرَّجُلُ الَّذِي جَهِلَهُ الَّذِي عَرَفَ زَيْدَ بْنَ عَامِرٍ وَلَوْ قَالَ الَّذِي ادَّعَى عَلَى عَبْدِ اللَّهِ قَدْ عَرَفْت زَيْدًا وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَقَالَ الَّذِي عَرَفَ زَيْدًا قَدْ عَرَفْت عَبْدَ اللَّهِ وَلَيْسَ بِاَلَّذِي قَتَلَ مَعَ زَيْدٍ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ عَلَى الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ وَيَأْخُذَ مِنْهُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ حَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ حَقِّ صَاحِبِهِ كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَأَبْرَأَهُ أَحَدُهُمَا بِإِكْذَابِ الْبَيِّنَةِ; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ فِي كُلِّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمَا الْقَتْلُ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَارِثِينَ وَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْوَهْمُ أَوْ يُثْبِتُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ مَعَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ قَاتِلاً غَيْرَهُ وَإِنْ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِ الَّذِي أَبْرَأَهُ أَنَّهُ قَاتِلٌ مَعَ الَّذِي ثَبَتَ عَلَيْهِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ حَتَّى تَجْتَمِعَ دَعْوَاهُمَا عَلَى وَاحِدٍ فَيُقْسِمَانِ عَلَيْهِ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ هَذَانِ لَيْسَا كَرَجُلَيْنِ لَهُمَا حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَأَكْذَبَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَتَهُ فَبَطَلَ حَقُّهُ وَصَدَّقَ الْآخَرُ بَيِّنَتَهُ فَأَخَذَ حَقَّهُ; لِأَنَّ هَذَا الْحَقَّ أُخِذَ بِغَيْرِ قَوْلِ الْمُدَّعِي وَحْدَهُ وَأَخَذَهُ بِشَهَادَةٍ أَمْرُ الْمُسْلِمِينَ مَقْبُولٌ مِثْلُهَا وَالْقَسَامَةُ حَقٌّ أُخِذَ بِدَلاَلَةٍ, وَأَيْمَانُهُمَا بِهَا; لِأَنَّهُمَا وَارِثَانِ لَهُ وَلاَ يَأْخُذَانِهِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يُكَذِّبُ صَاحِبَهُ وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ: لَوْ أَنَّ وَارِثِينَ وَجَبَتْ لَهُمَا الْقَسَامَةُ ادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُقْسِمَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ الَّذِي اُدُّعِيَا عَلَيْهِ وَلاَ عَلَى غَيْرِهِ; لِأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَ غَيْرَهُ بِدَعْوَاهُ عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ فِيهِمَا أَنْ يَكُونَا صَادِقَيْنِ بِحَالٍ وَلاَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَالْآخَرُ قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ لَهُ مَعَهُمَا وَارِثٌ ثَالِثٌ فَادَّعَى عَلَى الَّذِي ادَّعَيَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَوْ مَعَهُ غَيْرُهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَلَوْ وَجَبَتْ لَهُمَا فَادَّعَى أَحَدُهُمَا عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ وَقَالَ الْآخَرُ: لاَ أَعْرِفُهُ وَامْتَنَعَ مِنْ الْقَسَامَةِ كَانَ لِلَّذِي أَثْبَتَ الْقَسَامَةَ عَلَيْهِ أَنْ يُقْسِمَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَأْخُذَ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ; لِأَنَّ امْتِنَاعَ أَخِيهِ مِنْ الْيَمِينِ لَيْسَ بِإِكْذَابٍ لَهُ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ إكْذَابًا لَهُ فَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ بِكُلِّ حَالٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى وَارِثَانِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمَا فَقَالَ أَحَدُهُمَا: قَتَلَهُ وَحْدَهُ وَقَالَ الْآخَرُ: قَتَلَهُ وَآخَرُ مَعَهُ كَانَ لِلَّذِي أَفْرَدَ الدَّعْوَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ أَنْ يَحْلِفَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ رُبُعَ الدِّيَةِ وَالْآخَرُ يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ رُبُعَ الدِّيَةِ; لِأَنَّهُمَا اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّ عَلَيْهِ نِصْفَ الدِّيَةِ وَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِأَنَّهَا عَلَيْهِ كُلَّهَا وَلاَ يُؤْخَذُ فِي هَذَا الْقَوْلِ إلَّا بِمَا اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَلاَ يَكُونُ لِلَّذِي ادَّعَى عَلَى الْبَاقِي أَنْ يَحْلِفَ; لِأَنَّ أَخَاهُ يُكَذِّبُهُ أَنْ يَكُونَ قَاتِلاً فَعَلَى هَذَا, هَذَا الْبَابُ كُلُّهُ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ: إذَا وَجَبَتْ الْقَسَامَةُ لَمْ أُحَلِّفْ الْوَرَثَةَ حَتَّى أَسْأَلَهُمْ أَعَمْدًا قَتَلَ صَاحِبُهُمْ أَوْ خَطَأً؟ فَإِنْ قَالُوا عَمْدًا أَحْلَفْتُهُمْ عَلَى الْعَمْدِ وَجَعَلْت لَهُمْ الدِّيَةَ فِي مَالِ الْقَاتِلِ حَالَّةً مُغَلَّظَةً كَدِيَةِ الْعَمْدِ وَإِنْ قَالُوا خَطَأً أَحْلَفْتُهُمْ لِقَتْلِهِ خَطَأً, ثُمَّ جَعَلْت الدِّيَةَ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ فِي مُضِيِّ ثَلاَثِ سِنِينَ كَدِيَةِ الْخَطَأِ وَهَكَذَا إذَا كَانَتْ لِمُسْلِمِينَ عَلَى مُشْرِكِينَ أَوْ لِمُشْرِكِينَ عَلَى مُسْلِمِينَ أَوْ لِمُشْرِكِينَ عَلَى مُشْرِكِينَ أَحْرَارٍ لاَ تَخْتَلِفُ فَإِذَا كَانَتْ الْقَسَامَةُ عَلَى عَبْدٍ أَوْ قَوْمٍ فِيهِمْ عَبْدٌ كَانَتْ الدِّيَةُ فِي الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ فِي عُنُقِ الْعَبْدِ دُونَ مَالِ سَيِّدِهِ وَعَاقِلَتِهِ وَلاَ تَكُونُ الْقَسَامَةُ إلَّا عِنْدَ حَاكِمٍ وَإِذَا أَقْسَمُوا أَبِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ؟ أَعَادَ عَلَيْهِمْ الْحَاكِمُ الْأَيْمَانَ وَلَمْ يَحْسِبْ لَهُمْ مِنْ أَيْمَانِهِمْ قَبْلَ اسْتِحْلاَفِهِ لَهُمْ شَيْئًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا حَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ لَهُمْ قَتِيلاً وَحْدَهُ وَأَخَذُوا مِنْهُ الدِّيَةَ أَوْ مِنْ عَاقِلَتِهِ, ثُمَّ جَاءَ شَاهِدَانِ بِمَا فِيهِ الْبَرَاءَةُ لِلَّذِي أَقْسَمُوا عَلَيْهِ مِنْ قَتْلِ قَتِيلِهِمْ رَدَّ وُلاَةُ الْقَتِيلِ مَا أَخَذُوا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى مَنْ أَخَذُوهَا مِنْهُ وَذَلِكَ أَنْ يَشْهَدَ شَاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الَّذِي أَقْسَمُوا عَلَيْهِ كَانَ يَوْمَ كَذَا مِنْ شَهْرِ كَذَا وَذَلِكَ الْقَاتِلُ بِمَكَّةَ وَالْقَتِيلُ بِالْمَدِينَةِ أَوْ كَانَ بِبَلَدٍ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ مَوْضِعَ الْقَتِيلِ فِي يَوْمٍ وَلاَ أَكْثَرَ أَوْ يَشْهَدُونَ عَلَى أَنَّ فُلاَنًا الَّذِي أَقْسَمُوا عَلَيْهِ كَانَ مَعَهُمْ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَإِنَّمَا قُتِلَ الْقَتِيلُ فِي هَذَا الْوَقْتِ أَوْ مَا فِي مَعْنَى هَذَا مِمَّا يُثْبِتُ الشَّاهِدَانِ أَنَّ هَذَا الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ بَرِيءٌ مِنْ قَتْلِ صَاحِبِهِمْ فَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ فُلاَنًا رَجُلاً آخَرَ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ لَمْ تُخْرَجْ الدِّيَةُ حَتَّى يُنْظَرَ فَإِنْ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ عَلَى فُلاَنٍ أُخْرِجَتْ الدِّيَةُ الَّتِي أُخِذَتْ بِالْقَسَامَةِ فَرُدَّتْ إلَى مَنْ أُخِذَتْ مِنْهُ وَإِنْ رُدَّتْ عَنْ فُلاَنٍ لَمْ تُخْرَجْ الَّتِي أُخِذَتْ بِالْقَسَامَةِ بِشَهَادَةِ مَنْ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى رَجُلٍ بِعَدَاوَةٍ وَلاَ بِأَنْ يَعْدِلَهُمْ مَنْ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ أَوْ يَدْفَعُ عَنْهَا وَلاَ يُقْبَلُ شَاهِدَانِ مِنْ عَاقِلَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً أَنْ يَبْتَدِئُوهَا بِمَا يُبَرِّئُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي الْخَطَأِ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ بَرَاءَةً لَهُمْ مِمَّا يَلْزَمُهُمْ مِنْ الدِّيَةِ. وَقَدْ قِيلَ: إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا لَمْ يُقْبَلْ ذَلِكَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ; لِأَنَّ ذَلِكَ إبْرَاءٌ لَهُ مِنْ اسْمِ الْقَتْلِ وَلاَ إنْ كَانَ الشَّاهِدَانِ يَكُونَانِ إذَا شَهِدَا أَبْرَآ أَنْفُسَهُمَا مِنْ شَيْءٍ مِنْ الدِّيَةِ أَوْ جَرَّا إلَى أَنْفُسِهِمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَقْطَعُوا الشَّهَادَةَ بِمَا يُبَيِّنُ بَرَاءَتَهُ لَمْ يَكُنْ بَرِيئًا, وَذَلِكَ مِثْلُ أَنْ يَكُونَ الْقَتِيلُ بِبَلَدٍ فَيُقْتَلُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لاَ يُدْرَى أَيُّ وَقْتٍ قُتِلَ فِيهِ فَيَشْهَدُ هَؤُلاَءِ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كَانَ مَعَهُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ طُولَ النَّهَارِ أَوْ فِي بَعْضِ النَّهَارِ دُونَ بَعْضٍ أَوْ فِي حَبْسٍ وَحَدِيدٍ أَوْ مَرِيضًا; لِأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْتُلَهُ فِي وَقْتٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ فِيهِ وَيَنْفَلِتُ مِنْ السِّجْنِ وَالْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ فِي الْحَدِيدِ وَيَقْتُلُهُ وَهُوَ مَرِيضٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ شَهِدُوا عَلَى الْوَرَثَةِ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا أَنَّ هَذَا الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُمْ أَوْ أَنَّهُ كَانَ غَيْرُ حَاضِرٍ قَتْلَ أَبِيهِمْ أَوْ أَنَّهُ فِي الْيَوْمِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَبُوهُمْ كَانَ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَ حَيْثُ قُتِلَ أَبُوهُمْ أَوْ أَنَّهُمْ أَقْسَمُوا عَلَيْهِ عَارِفِينَ بِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ أُخِذَتْ الدِّيَةُ مِنْهُمْ وَلِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ, وَلَوْ كَانُوا شَهِدُوا عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا إنْ كُنَّا لَغُيَّبًا عَنْ قَتْلِهِ قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا لَمْ يَرُدُّوا شَيْئًا; لِأَنِّي أَحْلَفْتُهُمْ وَأَنَا أَعْلَمُهُمْ غُيَّبًا, وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا قَبْلَ الْقَسَامَةِ وَبَعْدَهَا أَنَّهُمْ قَالُوا مَا نَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ قَتْلِهِ كَانَ لَهُمْ أَنْ يُقْسِمُوا; لِأَنَّهُمْ قَدْ يُصَدِّقُونَ الشُّهُودَ بِمَا لاَ يَسْتَيْقِنُونَ وَإِنَّمَا الْيَقِينُ الْعِيَانُ لاَ الشَّهَادَةُ وَلَوْ شَهِدُوا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ قَالُوا قَدْ أَخَذْنَا مِنْهُ الدِّيَةَ أَوْ مِنْ عَاقِلَتِهِ الدِّيَةَ بِظُلْمٍ سُئِلُوا فَإِنْ قَالُوا: قُلْنَاهُ; لِأَنَّ الْقَسَامَةَ لاَ تُوجِبُ لَنَا دِيَةً حَلَفُوا بِاَللَّهِ مَا أَرَادُوا غَيْرَ هَذَا وَقِيلَ لَهُمْ: لَيْسَ هَذَا بِظُلْمٍ وَإِنْ سَمَّيْتُمُوهُ ظُلْمًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِفُوا عَلَى هَذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَا قَتَلَ صَاحِبَهُمْ وَرَدُّوا الدِّيَةَ فَإِنْ قَالُوا: أَرَدْنَا بِقَوْلِنَا أَخَذْنَا الدِّيَةَ بِظُلْمٍ بِأَنَّا كَذَبْنَا عَلَيْهِ رَدُّوا الدِّيَةَ وَعُزِّرُوا وَلَوْ أَقْسَمَ الْوَرَثَةُ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ وَحْدَهُ وَشَهِدَ شَاهِدَانِ عَلَى رَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ عَلَى الْقَاتِلِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ دَمَ أَبِيهِمْ وَسَأَلُوا الْقَوَدَ بِهِ أَوْ الدِّيَةَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ; لِأَنَّهُمْ قَدْ زَعَمُوا أَنَّ قَاتِلَ أَبِيهِمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَأَبْرَءُوا مِنْهُ غَيْرَهُ وَرَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ الدِّيَةِ بِالْقَسَامَةِ; لِأَنَّهُ قَدْ شُهِدَ لِمَنْ أَخَذُوا مِنْهُ الدِّيَةَ بِالْبَرَاءَةِ وَأَبْرَءُوهُ بِدَعْوَاهُمْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَوْ ثَبَتُوا أَيْضًا عَلَى دَعْوَاهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ وَكَذَّبُوا الْبَيِّنَةَ لَمْ يَأْخُذُوا مِنْ الْآخَرِ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا; لِأَنَّهُمْ أَبْرَءُوهُ وَرَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ الْأَوَّلِ; لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ قَدْ شَهِدَا لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَلَوْ أَنَّ شَاهِدَيْنِ شَهِدَا لِرَجُلٍ بِمَا يُبَرِّئُهُ مِنْ دَمِ رَجُلٍ كَمَا وَصَفْت, ثُمَّ أَقَرَّ الْمَشْهُودُ لَهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً لَزِمَهُ الدَّمُ كَمَا أَقَرَّ بِهِ. وَإِذَا أَقَرَّ بِهِ خَطَأً لَزِمَهُ فِي مَالِهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ دُونَ عَاقِلَتِهِ وَلَوْ أَنَّ وُلاَةَ الدَّمِ أَقَرُّوا أَنَّ رَجُلاً لَمْ يَقْتُلْ أَبَاهُمْ وَادَّعُوهُ عَلَى غَيْرِهِ وَأَقَرَّ الَّذِي أَبْرَءُوهُ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُمْ مُنْفَرِدًا فَقَدْ قِيلَ: يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ وَيَكُونُ أَصْدَقُ عَلَيْهِ مِنْ إبْرَائِهِمْ لَهُ كَشَهَادَةِ مَنْ شَهِدَ لَهُ بِالْبَرَاءَةِ وَقِيلَ: لاَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّ وُلاَةَ الدَّمِ قَدْ أَبْرَءُوهُ مِنْ دَمِهِ وَسَوَاءٌ ادَّعَوْا الْوَهْمَ فِي إبْرَائِهِ, ثُمَّ قَالُوا أَثْبَتْنَا أَنَّكَ قَتَلْته أَوْ لَمْ يَدَّعُوهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى أَنَّ رَجُلاً قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا بِمَا فِيهِ الْقَوَدُ وَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ خَطَأً فَالْقَتْلُ خَطَأٌ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ مَا قَتَلَهُ إلَّا خَطَأً فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي لِقَتْلِهِ عَمْدًا وَكَانَ لَهُ الْقَوَدُ وَهَكَذَا إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ قَتَلَهُ عَمْدًا بِالشَّيْءِ الَّذِي إذَا قَتَلَهُ بِهِ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ وَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ وَحْدَهُ خَطَأً فَأَقَرَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ قَتَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ مَعَهُ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ مَعَ يَمِينِهِ وَلَمْ يَغْرَمْ إلَّا نِصْفَ الدِّيَةِ وَلاَ يَصْدُقُ عَلَى الَّذِي زَعَمَ أَنَّهُ قَتَلَهُ مَعَهُ. وَلَوْ قَالَ قَتَلْته وَحْدِي عَمْدًا وَأَنَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِي بِمَرَضٍ فَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَرِيضًا مَغْلُوبًا عَلَى عَقْلِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ وَلِيُّ الدَّمِ لَقَتَلَهُ غَيْرُ مَغْلُوبٍ عَلَى عَقْلِهِ وَهَكَذَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ قَتَلَهُ فَقَالَ: قَتَلْته وَأَنَا مَغْلُوبٌ عَلَى عَقْلِي قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ يَخْتَلِطُ بِهِمْ غَيْرُهُمْ أَوْ صَحْرَاءَ أَوْ مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَوْضِعِ مَسِيرٍ إلَى دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَلاَ قَسَامَةَ فِيهِ فَإِنْ ادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لَمْ يَحْلِفْ لَهُمْ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ أَثْبَتُوا بِعَيْنِهِ فَقَالُوا نَحْنُ نَدَّعِي أَنَّهُ قَتَلَهُ فَإِنْ أَثْبَتُوهُمْ كُلَّهُمْ وَادَّعَوْا عَلَيْهِمْ وَهُمْ مِائَةٌ أَوْ أَكْثَرُ وَفِيهِمْ نِسَاءٌ وَرِجَالٌ وَعَبِيدٌ مُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ أَوْ مُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ أَوْ فِيهِمْ مُسْلِمٌ وَمُشْرِكٌ أُحْلِفُوا كُلُّهُمْ يَمِينًا يَمِينًا; لِأَنَّهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى خَمْسِينَ وَإِنْ كَانُوا أَقَلَّ مِنْ خَمْسِينَ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَيْهِمْ فَإِنْ كَانُوا خَمْسَةً وَعِشْرِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ وَإِنْ كَانُوا ثَلاَثِينَ حَلَفُوا يَمِينَيْنِ يَمِينَيْنِ; لِأَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَمِينًا وَكَسْرَ يَمِينٍ وَمَنْ كَانَتْ عَلَيْهِ كَسْرُ يَمِينٍ حَلَفَ يَمِينًا تَامَّةً وَلَيْسَ الْأَحْرَارُ الْمُسْلِمُونَ بِأَحَقَّ بِالْأَيْمَانِ مِنْ الْعَبِيدِ وَلاَ الْعَبِيدُ مِنْ الْأَحْرَارِ وَلاَ الرِّجَالُ مِنْ النِّسَاءِ وَلاَ النِّسَاءُ مِنْ الرِّجَالِ كُلُّ بَالِغٍ فِيهَا سَوَاءٌ. وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَبِيٌّ ادَّعَوْا عَلَيْهِ لَمْ يَحْلِفْ وَإِذَا بَلَغَ حَلَفَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْبُلُوغِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلاَ يَحْلِفُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا وَاحِدًا ادَّعَوْا عَلَيْهِ بِنَفْسِهِ فَإِذَا حَلَفُوا بَرِئُوا وَإِذَا نَكَلُوا عَنْ الْأَيْمَانِ حَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ خَمْسِينَ يَمِينًا وَاسْتَحَقُّوا الدِّيَةَ إنْ كَانَتْ عَمْدًا فَفِي أَمْوَالِهِمْ وَرِقَابِ الْعَبِيدِ مِنْهُمْ بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ خَطَأً فَعَلَى عَوَاقِلِهِمْ وَإِنْ كَانَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ ادَّعَى عَلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ فَحَلَفَ أَحَدُهُمَا وَامْتَنَعَ الْآخَرُ مِنْ الْيَمِينِ بَرِيءَ الَّذِي حَلَفَ وَحَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ عَلَى الَّذِي نَكَلَ, ثُمَّ لَزِمَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إنْ كَانَ عَمْدًا وَعَلَى عَاقِلَتِهِ إنْ كَانَ خَطَأً; لِأَنَّهُمْ إنَّمَا ادَّعَوْا أَنَّهُ قَاتِلٌ مَعَ غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ فِي النُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ مِنْهُمْ وَاحِدٌ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ سَوَاءٌ فِي الْإِقْرَارِ إذَا أَقَرَّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ وَغَيْرُ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ لَزِمَهُ مِنْهَا مَا يَلْزَمُ غَيْرَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ وَالْجِنَايَةُ خِلاَفُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَقَدْ قِيلَ: لاَ يَلْزَمُهُ إلَّا بِجِنَايَةِ الْعَمْدِ فِي الْإِقْرَارِ وَالنُّكُولِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ سَوَاءٌ فِي الْإِقْرَارِ بِالْجِنَايَةِ وَالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ فِيهَا إلَّا فِي خَصْلَةٍ بِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ لاَ قِصَاصَ فِيهَا لَمْ يُتْبَعْ فِيهَا وَأُشْهِدَ الْحَاكِمُ بِإِقْرَارِهِ بِهَا فَمَتَى عَتَقَ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا; لِأَنَّهُ حِينَ أَقَرَّ أَقَرَّ بِمَالٍ لِغَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ إقْرَارُهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَإِذَا صَارَ لَهُ مَالٌ كَانَ إقْرَارُهُ فِيهِ وَإِذَا ادَّعَوْا عَلَى عَشَرَةٍ فِيهِمْ صَبِيٌّ رُفِعَتْ حِصَّةُ الصَّبِيِّ عَنْهُمْ مِنْ الدِّيَةِ إنْ اُسْتُحِقَّتْ وَإِنْ نَكَلُوا حَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ وَأَخَذُوا مِنْهُمْ تِسْعَةَ أَعْشَارِ الدِّيَةِ فَإِذَا بَلَغَ الصَّبِيُّ حَلَفَ فَبَرِيءَ أَوْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْوَلِيُّ وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشْرَ إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ادَّعَوْا عَلَى جَمَاعَةٍ فِيهِمْ مَعْتُوهٌ فَهُوَ كَالصَّبِيِّ لاَ يَحْلِفُ وَذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ الْعَتَهِ أُحْلِفَ, وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ بَعْدَ مَسْأَلَتِهِ عَمَّا ادَّعَوْا عَلَيْهِ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ وُلاَةُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ وَإِنْ ادَّعَوْا عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ سَكْرَانُ لَمْ يَحْلِفْ السَّكْرَانُ حَتَّى يُفِيقَ, ثُمَّ يَحْلِفُ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الدَّمِ وَاسْتَحَقُّوا عَلَيْهِ حِصَّتَهُ مِنْ الدِّيَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا وُجِدَ الْقَتِيلُ فِي دَارِ رَجُلٍ وَحْدَهُ فَقَدْ قِيلَ: لاَ يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا إذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ الْقَتْلُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا كَانَتْ الْجَمَاعَةُ فِي مَسْجِدٍ أَوْ مَجْمَعٍ غَيْرِ الْمَسْجِدِ فَازْدَحَمُوا فَمَاتَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فِي الزِّحَامِ قِيلَ لِوَلِيِّهِ: ادَّعِ عَلَى مَنْ شِئْت مِنْهُمْ فَإِنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةٍ كَانَتْ فِي الْمَجْمَعِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ أَوْ جَمَاعَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ قَاتِلَتَهُ بِزِحَامٍ قُبِلَتْ دَعْوَاهُ وَحَلَفَ وَاسْتَحَقَّ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ الدِّيَةَ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ. وَإِنْ ادَّعَاهُ عَلَى مَنْ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَحَمَهُ بِالْكَثْرَةِ كَأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَلْفٌ فَيَدَّعِيهِ عَلَيْهِمْ فَلاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ; لِأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُمْ زَحَمَهُ فَإِنْ لَمْ يَدَّعِ عَلَى أَحَدٍ بِعَيْنِهِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ زَحَمَهُ لَمْ يُعَرَّضْ لَهُمْ فِيهِ وَلَمْ نَجْعَلْ فِيهِ عَقْلاً وَلاَ قَوَدًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إنْ قُتِلَ بَيْنَ صَفَّيْنِ لاَ يُدْرَى مَنْ قَتَلَهُ, وَهَكَذَا قَتْلُ الْجَمَاعَاتِ فِي هَذَا كُلِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ كَانَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْقَتِيلُ لَمْ يُقْسِمْ وَلِيُّ الدَّمِ عَلَيْهِ حَتَّى تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ كَانَ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِذَا أَقَرَّ أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ بِذَلِكَ فَلِوَلِيِّ الْقَتِيلِ أَنْ يُقْسِمَ عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الْقَسَامَةُ كَانَ بِالْمَيِّتِ أَثَرُ سِلاَحٍ أَوْ خَنْقٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَكُنْ; لِأَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لاَ أَثَرَ لَهُ. فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ: إنَّمَا مَاتَ مَيِّتُكَ مِنْ مَرَضٍ كَانَ بِهِ أَوْ مَاتَ فَجْأَةً أَوْ بِصَاعِقَةٍ أَوْ مِيتَةٌ مَا كَانَتْ كَانَ لِوَلِيِّ الْقَتِيلِ الْقَسَامَةُ بِمَا وَصَفْت مِنْ أَنَّهُ قَدْ يُقْتَلُ بِمَا لاَ أَثَرَ لَهُ وَلَوْ دَفَعْت الْقَسَامَةَ بِهَذَا دَفَعْتهَا بِأَنْ يَقُولَ: جَاءَنَا جَرِيحًا فَمَاتَ مِنْ جِرَاحِهِ عِنْدَنَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا لَمْ أَجْعَلْ لِوُلاَةِ الدَّمِ الْأَيْمَانَ فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَاهُ عَمْدًا أُحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا مَا قَتَلَهُ فَإِذَا حَلَفَ بَرِيءَ مِنْ دَمِهِ وَلاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ, وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ قُتِلَ بِهِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْوَارِثُ الْعَقْلَ وَيَأْخُذَهُ مِنْ مَالِهِ أَوْ الْعَفْوَ عَنْ الْعَقْلِ وَالْقَوَدِ وَإِنْ لَمْ يُقِرَّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ قِيلَ لِلْوَارِثِ احْلِفْ خَمْسِينَ يَمِينًا لَقَتَلَهُ وَلَكَ الْقَوَدُ كَهُوَ بِإِقْرَارِهِ, وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ مَعْتُوهًا أَوْ صَبِيًّا لَمْ يَحْلِفْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا; لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ فِي حَالِهِ تِلْكَ لَمْ أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ فَإِنْ أَفَاقَ الْمَعْتُوهُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ أَحَلَفْتَهُ عَلَى دَعْوَى وَلِيِّ الدَّمِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ أَقَرَّ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَكَانَتْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ حَالَّةً إنْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا وَإِنْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً فِي ثَلاَثِ سِنِينَ وَلاَ تَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ بِإِقْرَارِهِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الدَّمَ عَنْ الْيَمِينِ وَامْتَنَعَ الْوَارِثُ مِنْ الْيَمِينِ فَلاَ شَيْءَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَكَذَا الدَّعْوَى فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مِنْ جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ لاَ تَخْتَلِفُ, وَلَوْ كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى رَجُلَيْنِ أَنَّهُمَا قَتَلاَهُ خَطَأً حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الْآخَرُ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْوَلِيُّ خَمْسِينَ يَمِينًا عَلَى النَّاكِلِ وَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الدِّيَةِ عَلَيْهِ وَلاَ يَسْتَحِقُّ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَيُرَدِّدُ الْأَيْمَانَ عَلَى الَّذِي حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا حَتَّى يَتِمَّ عَلَيْهِ خَمْسُونَ يَمِينًا; لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ مَعَهُ تَمَامَ خَمْسِينَ يَمِينًا, وَقَدْ قِيلَ: لاَ يَبْرَأُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لَوْ حَلَفَا مَعًا إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا وَلاَ يُحْسَبُ لَهُ يَمِينُ غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ فَلَمْ يَنْكُلْ وَلَمْ يَحْلِفْ أَوْ حَلَفَ فَلَمْ يُتِمَّ الْأَيْمَانَ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا حَتَّى يَمُوتَ لَمْ يَكُنْ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الدَّمَ وَلَوْ نَكَلَ فِي حَيَاتِهِ عَنْ الْيَمِينِ كَانَ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَنْ يَحْلِفَ وَيَسْتَحِقَّ عَلَيْهِ الدَّمَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً وَحْدَهُ أَوْ قَتَلَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ عَمْدًا فَقَدْ قِيلَ: لاَ يَبْرَأُ إلَّا بِخَمْسِينَ يَمِينًا. وَقِيلَ: يَبْرَأُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْأَيْمَانِ وَهِيَ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ يَمِينًا إذَا حَلَفَ مَعَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. وَإِذَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ جُرْحٌ أَوْ جِرَاحٌ دُونَ النَّفْسِ فَقَدْ قِيلَ يَلْزَمُهُ مِنْ الْأَيْمَانِ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ فَلَوْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ يَدٌ حَلَفَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ يَمِينًا وَلَوْ اُدُّعِيَتْ عَلَيْهِ مُوضِحَةٌ حَلَفَ ثَلاَثَةَ أَيْمَانٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ اُدُّعِيَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً عَمْدًا حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ مَا قَتَلَ فُلاَنًا وَلاَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ وَلاَ نَالَهُ مِنْ فِعْلِهِ وَلاَ بِسَبَبِ فِعْلِهِ شَيْءٌ جَرَحَهُ وَلاَ وَصَلَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ بَدَنِهِ وَلاَ مِنْ فِعْلِهِ, وَإِنَّمَا زِدْت هَذَا فِي الْيَمِينِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا; لِأَنَّهُ قَدْ يَرْمِي وَلاَ يُرِيدُهُ فَتُصِيبُهُ الرَّمِيَّةُ أَوْ يَرْمِي الشَّيْءَ فَيُصِيبُ رَمْيُهُ شَيْئًا فَيَطِيرُ الَّذِي أَصَابَتْهُ رَمْيَتُهُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ وَقَدْ يَجْرَحُهُ فَيَرَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ الْجُرْحِ لاَ يَقْتُلُهُ وَكَذَلِكَ يَضْرِبُهُ بِالشَّيْءِ فَلاَ يَجْرَحُهُ وَلاَ يَرَى أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَقْتُلُهُ فَأُحَلِّفُهُ لِيَنْكُلَ فَيَلْزَمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ يَمْضِيَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيُبَرِّئَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ادَّعَى خَطَأً حَلَفَ هَكَذَا وَزَادَ وَلاَ أَحْدَثَ شَيْئًا عَطِبَ بِهِ فُلاَنٌ, وَإِنَّمَا أَدْخَلْت هَذَا فِي يَمِينِهِ أَنَّهُ يُحْدِثُ الْبِئْرَ فَيَمُوتُ فِيهَا الرَّجُلُ وَيُحْدِثُ الْحَجَرَ فِي الطَّرِيقِ فَيَعْطَبُ بِهَا الرَّجُلُ. وَإِنَّمَا مَنَعَنِي عَنْ الْيَمِينَيْنِ مَعًا أَنْ أُحَلِّفَهُ مَا كَانَ سَبَبًا لِقَتْلِهِ مُطْلَقًا أَنَّهُ قَدْ يُحْدِثُ غَيْرُهُ فِي الْمَقْتُولِ الشَّيْءَ فَيَأْتَنِفُ هُوَ الْمُحْدِثُ فَيَقْتُلُهُ فَيَكُونَ سَبَبًا لِقَتْلِهِ وَعَلَيْهِ الْعَقْلُ وَلاَ قَوَدَ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا وَجَبَتْ لِرَجُلٍ قَسَامَةٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ لَقَدْ قَتَلَ فُلاَنٌ فُلاَنًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ مَا شَرَكَهُ فِي قَتْلِهِ غَيْرُهُ. وَإِنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ مَعَهُ حَلَفَ لَقَتَلَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ فُلاَنًا مُنْفَرِدَيْنِ بِقَتْلِهِ مَا شَرَكَهُمَا فِيهِ غَيْرُهُمَا, وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَالِفُ الَّذِي قَتَلَهُ مَعَهُ حَلَفَ لَقَتَلَ فُلاَنٌ فُلاَنًا وَآخَرُ مَعَهُ لَمْ يُشْرِكْهُمَا فِي قَتْلِهِ غَيْرُهُمَا, فَإِذَا أَثْبَتَ الْآخَرَ أَعَادَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَلَمْ تُجْزِئْهُ الْيَمِينُ الْأُولَى. وَإِنْ كَانَ الْحَالِفُ عَلَى الْقَسَامَةِ يَحْلِفُ عَلَى رَجُلٍ جُرِحَ, ثُمَّ عَاشَ مُدَّةً بَعْدَ الْجُرْحِ, ثُمَّ مَاتَ حَلَفَ كَمَا وَصَفْت لَقَتَلَ فُلاَنٌ فُلاَنًا مُنْفَرِدًا بِقَتْلِهِ لَمْ يُشْرِكْهُ فِيهِ غَيْرُهُ, وَإِنْ ادَّعَى الْجَانِي أَنَّهُ بَرَأَ مِنْ الْجِرَاحَةِ أَوْ مَاتَ مِنْ شَيْءٍ غَيْرِ جِرَاحَتِهِ الَّتِي جَرَحَهُ إيَّاهَا حَلَفَ مَا بَرَأَ مِنْهَا حَتَّى تُوُفِّيَ مِنْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ أَنَّهُ قَتَلَ رَجُلاً هُوَ وَآخَرُ مَعَهُ خَطَأً حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَا قَتَلْت فُلاَنًا وَحْدِي وَلَقَدْ ضَرَبَهُ مَعِي فُلاَنٌ فَكَانَ مَوْتُهُ بَعْدَ ضَرْبِنَا مَعًا, وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ أَنْ أُحَلِّفَهُ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِكُمَا مَعًا أَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ مِنْ ضَرْبِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَالْحُكْمُ أَنَّهُمَا إذَا ضَرَبَاهُ فَمَاتَ فَمِنْ ضَرْبِهِمَا مَاتَ, وَإِذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ أَنَّ فُلاَنًا ضَرَبَهُ وَهَذَا ذَبَحَهُ أَوْ فَعَلَ بِهِ فِعْلاً لاَ يَعِيشُ بَعْدَهُ إلَّا كَحَيَاةِ الذَّبِيحِ أَحَلَفْتَهُ عَلَى مَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا ادَّعَى الْجَانِي عَلَى وَلِيِّ الدَّمِ أَنَّ أَبَاهُ مَاتَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِهِ أَحَلَفْتُهُ عَلَى دَعْوَاهُ فَإِنْ قَالَ أُحَلِّفَهُ مَا زَالَ أَبُوهُ ضَمِنًا مِنْ ضَرْبِ فُلاَنٍ لاَزِمًا لِلْفِرَاشِ حَتَّى مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ أَحَلَفْتَهُ وَإِنَّمَا أَحَلَفْتَهُ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِ فُلاَنٍ أَنَّهُ قَدْ يَلْزَمُ الْفِرَاشَ حَتَّى يَمُوتَ مِنْ غَيْرِ مَرَضٍ وَيَلْزَمُ حَتَّى يَمُوتَ بِحَدَثٍ يُحْدِثُ عَلَيْهِ آخَرُ أَوْ جِنَايَةٍ يُحْدِثُهَا عَلَى نَفْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَتَسَعُهُ الْيَمِينُ عَلَى مَا أَحَلَفْتَهُ عَلَيْهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ حَلَفَ لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ, ثُمَّ قَالَ قَدْ كَانَ بَعْدَ ضَرْبِهِ بَرَأَ لَمْ أَقْضِ لَهُ بِعَقْلٍ وَلاَ قَوَدٍ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ هَذَا يَحْدُثُ عَلَيْهِ مَوْتٌ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِهِ إذَا أَقْبَلَ أَوْ أَدْبَرَ. وَلَوْ لَمْ يَزِدْهُ السُّلْطَانُ عَلَى أَنْ لاَ يَحْلِفَ إلَّا بِاَللَّهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ; لِأَنَّ كُلَّ مَا وَصَفْت مِنْ صِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْيَمِينَ بِاسْمِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى كَافِيَةٌ, وَإِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ عَلَى الْمُتَلاَعِنَيْنِ الْأَيْمَانَ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي اللِّعَانِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلْيَتَحَفَّظْ الَّذِي يُحَلِّفُ فَيَقُولُ لِلْحَالِفِ: " وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ كَذَا وَكَذَا أَوْ مَا كَانَ كَذَا " فَإِنْ قَالَ الْحَالِفُ بِاَللَّهِ كَانَ كَقَوْلِهِ وَاَللَّهِ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُمَا مَعًا يَمِينٌ. وَلَوْ لَحَنَ الْحَالِفُ فَقَالَ وَاَللَّهُ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ أَحْبَبْت أَنْ يُعِيدَ الْقَوْلَ حَتَّى يُضْجِعَ وَلَوْ مَضَى عَلَى الْيَمِينِ بِغَيْرِ إضْجَاعٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ. وَإِنْ قَالَ يَاللَّهِ بِالْيَاءِ لَكَانَ كَذَا لَمْ يَقْبَلْ مِنْهُ وَأَعَادَ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْخِلَ الْوَاوَ أَوْ الْبَاءَ أَوْ التَّاءَ. وَإِذَا نَسَّقَ الْيَمِينَ ثُمَّ وَقَفَ لِغَيْرِ عِيٍّ وَلاَ نَفَسٍ قَبْلَ أَنْ يُكْمِلَهَا ابْتَدَأَهَا الْحَاكِمُ عَلَيْهِ, وَإِنْ وَقَفَ لِنَفَسٍ أَوْ لِعِيٍّ لَمْ يُعِدْ عَلَيْهِ مَا مَضَى مِنْهَا فَإِنْ حَلَفَ فَأَدْخَلَ الِاسْتِثْنَاءَ فِي شَيْءٍ مِنْ يَمِينِهِ, ثُمَّ نَسَّقَ الْيَمِينَ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ أَعَادَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى يُنَسِّقَهَا كُلَّهَا بِلاَ اسْتِثْنَاءٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَلَى أُمِّ الْوَلَدِ فَالْجِنَايَةُ عَلَيْهَا جِنَايَةٌ عَلَى أَمَةٍ تُقَوَّمُ أَمَةً مَمْلُوكَةً, ثُمَّ يَكُونُ سَيِّدُهَا وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا دُونَهَا يَعْفُوهَا إنْ شَاءَ أَوْ يَسْتَقِيدُ إنْ كَانَ فِيهَا قَوَدٌ أَوْ يَأْخُذُ الْأَرْشَ وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْجَانِيَةُ ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَتْ فَجَنَتْ أُخْرَى وَقَدْ أَخْرَجَ قِيمَتَهَا كُلَّهَا فَفِيهَا قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا: إسْلاَمُهُ بَدَنَهَا فَيَرْجِعُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّانِي بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهَا بِقَدْرِ جِنَايَتِهِمَا, ثُمَّ هَكَذَا إنْ جَنَتْ جِنَايَةً أُخْرَى رَجَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الثَّالِثُ عَلَى الْأَوَّلَيْنِ فَكَانُوا شُرَكَاءَ فِي قِيمَتِهَا بِقَدْرِ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمْ وَهَذَا قَوْلٌ يُتَوَجَّهُ وَيَدْخُلُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَسْلَمَ بَدَنَهَا إلَى الْأَوَّلِ أَخْرَجَهَا مِنْ يَدَيْ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي وَلَمْ يَجْعَلْهُمَا شَرِيكَيْنِ فَإِذَا قَامَ قِيمَتَهَا مَقَامَ بَدَنِهَا فَكَانَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخْرِجَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ الثَّانِي إذَا كَانَ ذَلِكَ أَرْشُ جِنَايَتِهَا, ثُمَّ يَصْنَعُ ذَلِكَ بِهَا كُلَّمَا جَنَتْ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنْ يَدْفَعَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا أَوْ الْجِنَايَةَ فَإِذَا عَادَتْ فَجَنَتْ وَقَدْ دَفَعَ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لَمْ يَرْجِعْ الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ بِشَيْءٍ وَرَجَعَ الْآخَرُ عَلَى سَيِّدِهَا فَأَخَذَ مِنْهُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهَا وَالْجِنَايَةَ. وَهَكَذَا كُلَّمَا جَنَتْ وَهَذَا قَوْلٌ يَدْخُلُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنْ كَانَ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى الْعَبْدِ يَجْنِي فَيُعْتِقُهُ سَيِّدُهُ أَنْ يَضْمَنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةَ فَهَذِهِ لَمْ يَعْتِقْهَا سَيِّدُهَا وَذَلِكَ إذَا عَادَ عَقَلَتْ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ وَلَمْ يَعْقِلْ هُوَ عَنْهُ وَهُوَ يَجْعَلُهُ يَعْقِلُ عَنْ هَذِهِ (قَالَ الرَّبِيعُ) قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَحَبُّ إلَيْنَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى عَلَيْهَا جِنَايَةً فَلَمْ يَحْكُمْ بِهَا الْحَاكِمُ حَتَّى مَاتَ سَيِّدُهَا فَهِيَ لِوَرَثَةِ سَيِّدِهَا مِنْ قِبَلِ أَنَّ سَيِّدَهَا قَدْ مَلَكَهَا بِالْجِنَايَةِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَوَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ بِمَنْزِلَتِهَا يَعْتِقُونَ بِعِتْقِهَا إذَا عَتَقَتْ كَانَ مِنْ حَلاَلٍ أَوْ حَرَامٍ وَلَوْ مَاتَتْ أُمُّ الْوَلَدِ قَبْلَ سَيِّدِهَا كَانَ أَوْلاَدُهَا فِي يَدِ سَيِّدِهَا فَإِذَا مَاتَ عَتَقُوا بِمَوْتِهِ كَمَا كَانَتْ أُمُّهُمْ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ. وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأُخِذَ بِالنَّفَقَةِ عَلَيْهَا وَأَنْ تَعْمَلَ لَهُ مَا يَعْمَلُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ فَمَتَى أَسْلَمَ خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا, وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ فَهِيَ حُرَّةٌ بِمَوْتِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَهِيَ حُرَّةٌ وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَرُوِيَ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ مِثْلُ قَوْلِهِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ تَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَقَالَ غَيْرُهُمَا هِيَ حُرَّةٌ وَلاَ تَسْعَى فِي شَيْءٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَ إنَّمَا ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهَا إلَّا أَنْ يُصِيبَهَا فَحَرُمَتْ عَلَيْهِ الْإِصَابَةُ بِإِسْلاَمِهَا فَهُوَ يَجْعَلُ لِلرَّجُلِ مِنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَنْ يَأْخُذَ مَالَهَا بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَتْهُ وُهِبَ لَهَا أَوْ تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا أَوْ وَجَدَتْ كَنْزًا أَوْ اكْتَسَبَتْهُ وَيَجْعَلُ لَهُ خِدْمَتَهَا وَبَعْضُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ رَقَبَتِهَا فَكَيْفَ أَخْرَجَهَا مِنْ مِلْكِهِ وَهَذَا لاَ يَحِلُّ لَهُ وَهُوَ لاَ يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ, وَإِذَا لَمْ يُبَعْ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ يُسْلِمُ فَكَيْفَ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ,. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَسَوَاءٌ فِي الْحُكْمِ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ أَوْ الْمُسْلِمُ يَرْتَدُّ (قَالَ الرَّبِيعُ لاَ تُبَاعُ) أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ كَمَا لاَ تُبَاعُ أُمُّ وَلَدِ الْمُسْلِمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَيْسَ لِلنَّصْرَانِيِّ أَنْ يَبِيعَ أُمَّ وَلَدِهِ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا حَكَمْنَا أَنَّهُ مَحُولٌ دُونَهَا لَمْ يُخَلَّ وَبَيْعَهَا كَمَا لاَ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ بَيْعِ ابْنِهِ وَلاَ بَيْنَ بَيْعِ مُكَاتَبِهِ, وَإِذَا تُوُفِّيَ الرَّجُلُ عَنْ أُمِّ وَلَدِهِ أَوْ أَعْتَقَهَا فَلاَ عِدَّةَ عَلَيْهَا وَتُسْتَبْرَأُ بِحَيْضَةٍ فَإِنْ كَانَتْ لاَ تَحِيضُ مِنْ صِغَرٍ أَوْ كِبَرٍ فَثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ أَحَبُّ إلَيْنَا قِيَاسًا; لِأَنَّ الْحَيْضَةَ إذَا كَانَتْ بَرَاءَةً فِي الظَّاهِرِ فَالْحَمْلُ يَبِينُ فِي الَّتِي لاَ تَحِيضُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ عَلَيْهَا شَهْرًا بَدَلاً مِنْ الْحَيْضَةِ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَقَامَ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ مَقَامَ ثَلاَثِ حِيَضٍ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ (قَالَ الرَّبِيعُ) وَإِذَا كَانَتْ لِلرَّجُلِ أُمُّ وَلَدٍ فَخُصِيَ أَوْ انْقَطَعَ عَنْهُ الْجِمَاعُ فَلَيْسَ لَهَا خِيَارٌ; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ كَالزَّوْجَةِ فِي حَالٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ وَأَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ عَقْلُ الْعَبْدِ فِي ثَمَنِهِ كَجِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ رِجَالٌ سِوَاهُ يَقُولُونَ يُقَوَّمُ سِلْعَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَخَالَفَ قَوْلَ الزُّهْرِيِّ مِنْ النَّاسِ الَّذِينَ قَالُوا هُوَ سِلْعَةٌ وَخَالَفَ قَوْلَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَالزُّهْرِيُّ لَمْ يَحْكِ فِيهِ بِالْمَدِينَةِ إلَّا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا قَطُّ قَالَ غَيْرَ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ قَبْلَهُ فَزَعَمَ فِي مُوضِحَةِ الْعَبْدِ وَمُنَقِّلَتِهِ وَمَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ أَنَّهَا فِي ثَمَنِهِ مِثْلُ جِرَاحِ الْحُرِّ فِي دِيَتِهِ وَزَعَمَ فِيمَا بَقِيَ مِنْ جِرَاحِهِ أَنَّهَا مِثْلُ جِرَاحِ الْبَعِيرِ فِيهِ مَا نَقَصَهُ فَلاَ بِقَوْلِ سَعِيدٍ وَلاَ بِقَوْلِ النَّاسِ الَّذِينَ حَكَى عَنْهُمْ الزُّهْرِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَجْعَلَ ابْنَ شِهَابٍ وَمِثْلَهُ حُجَّةً عَلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلاَ يَجْعَلَ قَوْلَ ابْنِ شِهَابٍ وَلاَ قَوْلَ الْقَاسِمِ وَلاَ قَوْلَ عَامَّةِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُجَّةً عَلَى رَأْيِ نَفْسِهِ مَعَ مَا لَوْ جُمِعَ مِنْ الْحَدِيثِ مَوْصُولاً كَانَ كَثِيرًا فَإِذَا جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَرْدُودًا بِأَنَّ الْوَهْمَ قَدْ يُمْكِنُ عَلَى عَدَدٍ كَثِيرٍ يَرْوُونَ أَحَادِيثَ كُلُّهُمْ يُحِيلُهَا عَلَى الثِّقَةِ حَتَّى يَبْلُغَ بِهَا إلَى مَنْ سَمِعَهَا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ جَازَ لِأَحَدٍ أَنْ يَعِيبَ مَنْ رَدَّ الْحَدِيثَ الْمُنْقَطِعَ; لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي عَمَّنْ رَوَاهُ صَاحِبُهُ وَقَدْ خُبِّرَ مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ يَقْبَلُونَ الْأَحَادِيثَ مِمَّنْ أَحْسَنُوا الظَّنَّ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا مِمَّنْ لَعَلَّهُمْ لاَ يَكُونُونَ خَابِرِينَ بِهِ وَيَقْبَلُونَهَا مِنْ الثِّقَةِ وَلاَ يَدْرُونَ عَمَّنْ قَبِلَهَا مَنْ قَبِلَهَا عَنْهُ وَمَا زَالَ أَهْلُ الْحَدِيثِ فِي الْقَدِيمِ وَالْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ فَلاَ يَقْبَلُونَ الرِّوَايَةَ الَّتِي يَحْتَجُّونَ بِهَا وَيُحِلُّونَ بِهَا وَيُحَرِّمُونَ بِهَا إلَّا عَمَّنْ أَمِنُوا وَأَنْ يُحَدِّثُوا بِهَا هَكَذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوهَا مِنْ ثَبْتٍ. كَانَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ يَسْأَلُ عَنْ الشَّيْءِ فَيَرْوِيهِ عَمَّنْ قَبِلَهُ وَيَقُولُ سَمِعْته وَمَا سَمِعْته مِنْ ثَبْتٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا بِذَلِكَ مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ وَسَعِيدُ بْنُ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ هَذَا فِي غَيْرِ قَوْلٍ وَكَانَ طَاوُسٌ إذَا حَدَّثَهُ رَجُلٌ حَدِيثًا قَالَ إنْ كَانَ الَّذِي حَدَّثَكَ مَلِيًّا وَإِلَّا فَدَعْهُ يَعْنِي حَافِظًا ثِقَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَمِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لاََسْمَعُ الْحَدِيثَ أَسْتَحْسِنُهُ فَمَا يَمْنَعُنِي مِنْ ذِكْرِهِ إلَّا كَرَاهِيَةُ أَنْ يَسْمَعَهُ سَامِعٌ فَيَقْتَدِي بِهِ أَسْمَعُهُ مِنْ الرَّجُلِ لاَ أَثِقُ بِهِ قَدْ حُدِّثَهُ عَمَّنْ أَثِقُ بِهِ وَأَسْمَعُهُ مِنْ الرَّجُلِ أَثِقُ بِهِ حُدِّثَهُ عَمَّنْ لاَ أَثِقُ بِهِ وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ لاَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا الثِّقَاتُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَأَلْت ابْنًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ مَسْأَلَةٍ فَلَمْ يَقُلْ فِيهَا شَيْئًا فَقِيلَ لَهُ إنَّا لَنُعْظِمُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُكَ ابْنُ إمَامِ هُدًى تُسْأَلُ عَنْ أَمْرٍ لَيْسَ عِنْدَكَ فِيهِ عِلْمٌ, فَقَالَ أَعْظَمُ وَاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَعِنْدَ مَنْ عَقَلَ عَنْ اللَّهِ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ أَوْ أُخْبِرَ عَنْ غَيْرِ ثِقَةٍ وَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ وَالنَّخَعِيُّ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ التَّابِعِينَ يَذْهَبُ هَذَا الْمَذْهَبَ فِي أَنْ لاَ يَقْبَلَ إلَّا عَمَّنْ عَرَفَ وَمَا لَقِيت وَلاَ عَلِمْت أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُخَالِفُ هَذَا الْمَذْهَبَ, وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
|