الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْمَوَاشِي، وَتَقَطَّعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمُطِرْنَا مِنْ جُمُعَةٍ إلَى جُمُعَةٍ قَالَ: فَجَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتْ الْبُيُوتُ وَتَقَطَّعَتْ السَّبِيلُ، وَهَلَكَتْ الْمَوَاشِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ عَلَى رُءُوسِ الْجِبَالِ وَالْآكَامِ، وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ فَانْجَابَتْ عَنْ الْمَدِينَةِ انْجِيَابَ الثَّوْبِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا كَانَ جَدْبٌ أَوْ قِلَّةُ مَاءٍ فِي نَهْرٍ أَوْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ فِي حَاضِرٍ أَوْ بَادٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَمْ أُحِبَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَخَلَّفَ عَنْ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَإِنْ تَخَلَّفَ عَنْ ذَلِكَ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَلاَ قَضَاءٌ، وَقَدْ أَسَاءَ فِي تَخَلُّفِهِ عَنْهُ، وَتَرَكَ سُنَّةً فِيهِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَمَوْضِعَ فَضْلٍ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَكَيْفَ لاَ يَكُونُ وَاجِبًا عَلَيْهِ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَ الِاسْتِسْقَاءِ مِنْ صَلاَةٍ وَخُطْبَةٍ؟ قِيلَ: لاَ فَرْضَ مِنْ الصَّلاَةِ إلَّا خَمْسَ صَلَوَاتٍ، وَفِي الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ جَدْبًا كَانَ وَلَمْ يَعْمَلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِهِ عَمَلَ الِاسْتِسْقَاءِ، وَقَدْ عَمِلَهُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِنْهُ فَاسْتَسْقَى، وَبِذَلِكَ قُلْت: لاَ يَدَعُ الْإِمَامُ الِاسْتِسْقَاءَ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْإِمَامُ لَمْ أَرَ لِلنَّاسِ تَرْكَ الِاسْتِسْقَاءِ لِأَنَّ الْمَوَاشِيَ لاَ تَهْلِكُ إلَّا وَقَدْ تَقَدَّمَهَا جَدْبٌ دَائِمٌ، وَأَمَّا الدُّعَاءُ بِالِاسْتِسْقَاءِ فَمَا لاَ أُحِبُّ تَرْكَهُ إذَا كَانَ الْجَدْبُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ صَلاَةٌ وَلاَ خُطْبَةٌ، وَإِنْ اسْتَسْقَى فَلَمْ تُمْطَرْ النَّاسُ أَحْبَبْت أَنْ يَعُودَ ثُمَّ يَعُودَ حَتَّى يُمْطَرُوا، وَلَيْسَ اسْتِحْبَابِي لِعَوْدَتِهِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الْأُولَى، وَلاَ الثَّالِثَةِ بَعْدَ الثَّانِيَةِ كَاسْتِحْبَابِي لِلْأُولَى، وَإِنَّمَا أَجَزْت لَهُ الْعَوْدَ بَعْدَ الْأُولَى أَنَّ الصَّلاَةَ وَالْجَمَاعَةَ فِي الْأُولَى فَرْضٌ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اسْتَسْقَى سُقِيَ أَوَّلاً فَإِذَا سُقُوا أَوَّلاً لَمْ يُعِدْ الْإِمَامُ، أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُوَيْمِرٌ الْأَسْلَمِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله تعالى عنها قَالَتْ: أَصَابَ النَّاسَ سَنَةٌ شَدِيدَةٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَّ بِهِمْ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ شَاءَ صَاحِبُكُمْ لَمُطِرْتُمْ مَا شِئْتُمْ، وَلَكِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ذَلِكَ فَأَخْبَرَ النَّاسُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِ الْيَهُودِيِّ قَالَ: «أَوَقَدْ قَالَ ذَلِكَ؟» فَقَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «إنِّي لَأَسْتَنْصِرُ بِالسَّنَةِ عَلَى أَهْلِ نَجْدٍ، وَإِنِّي لاََرَى السَّحَابَةَ خَارِجَةً مِنْ الْعَيْنِ فَأَكْرَهُهَا مَوْعِدُكُمْ يَوْمَ كَذَا أَسْتَسْقِي لَكُمْ» فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ غَدَا النَّاسُ فَمَا تَفَرَّقَ النَّاسُ حَتَّى مُطِرُوا مَا شَاءُوا فَمَا أَقْلَعَتْ السَّمَاءُ جُمُعَةً، وَإِذَا خَافَ النَّاسُ غَرَقًا مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَهْرٍ دَعَوْا اللَّهَ بِكَفِّ الضَّرَرِ عَنْهُمْ كَمَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَفِّ الضَّرَرِ عَنْ الْبُيُوتِ أَنْ تَهَدَّمَتْ، وَكَذَلِكَ يَدْعُو بِكَفِّ الضَّرَرِ مِنْ الْمَطَرِ عَنْ الْمَنَازِلِ، وَأَنْ يُجْعَلَ حَيْثُ يَنْفَعُ، وَلاَ يَضُرُّ الْبُيُوتَ مِنْ الشَّجَرِ وَالْجِبَالِ وَالصَّحَارِيِ إذَا دَعَا بِكَفِّ الضَّرَرِ، وَلَمْ آمُرْ بِصَلاَةِ جَمَاعَةٍ، وَأَمَرْت الْإِمَامَ، وَالْعَامَّةَ يَدْعُونَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، وَبَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَيَدْعُو فِي كُلِّ نَازِلَةٍ نَزَلَتْ بِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَإِذَا كَانَتْ نَاحِيَةٌ مُخْصِبَةٌ، وَأُخْرَى مُجْدِبَةٌ فَحَسَنٌ أَنْ يَسْتَسْقِيَ إمَامُ النَّاحِيَةِ الْمُخْصِبَةِ لِأَهْلِ النَّاحِيَةِ الْمُجْدِبَةِ وَلِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَسْأَلُ اللَّهَ الزِّيَادَةَ لِمَنْ أَخْصَبَ مَعَ اسْتِسْقَائِهِ لِمَنْ أَجْدَبَ فَإِنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَاسِعٌ، وَلاَ أَحُضُّهُ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِمَنْ لَيْسَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ كَمَا أَحُضُّهُ عَلَى الِاسْتِسْقَاءِ لِمَنْ هُوَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ مِمَّنْ قَارَبَهُ، وَيَكْتُبُ إلَى الَّذِي يَقُومُ بِأَمْرِ الْمُجْدِبِينَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ أَوْ أَقْرَبُ الْأَئِمَّةِ بِهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَحْبَبْت أَنْ يَسْتَسْقِيَ لَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِ ظَهْرَانِيهِمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَكُلُّ إمَامٍ صَلَّى الْجُمُعَةَ، وَصَلَّى الْعِيدَيْنِ اسْتَسْقَى، وَصَلَّى الْخُسُوفَ، وَلاَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إلَّا حَيْثُ تَجِبُ لِأَنَّهَا ظُهْرٌ فَإِذَا صُلِّيَتْ جُمُعَةٌ قُصِرَتْ مِنْهَا رَكْعَتَانِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ وَأَسْتَحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ الْعِيدَيْنِ وَالْخُسُوفَ حَيْثُ لاَ يُجْمَعُ مِنْ بَادِيَةٍ وَقَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ، وَيَفْعَلُهُ مُسَافِرُونَ فِي الْبَدْوِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِإِحَالَةِ شَيْءٍ مِنْ فَرْضٍ وَهِيَ سُنَّةٌ وَنَافِلَةُ خَيْرٍ، وَلاَ أُحِبُّ تَرْكَهُ بِحَالٍ، وَإِنْ كَانَ أَمْرِي بِهِ، وَاسْتِحْبَابُهُ حَيْثُ لاَ يُجْمَعُ لَيْسَ هُوَ كَاسْتِحْبَابِهِ حَيْثُ يُجْمَعُ، وَلَيْسَ كَأَمْرِي بِهِ مَنْ يَجْمَعُ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَالنَّاسِ، وَإِنَّمَا أَمَرْت بِهِ كَمَا وَصَفْت لِأَنَّهَا سُنَّةٌ، وَلَمْ يُنْهَ عَنْهُ أَحَدٌ يَلْزَمُ أَمْرُهُ، وَإِذَا اسْتَسْقَى الْجَمَاعَةُ بِالْبَادِيَةِ فَعَلُوا مَا يَفْعَلُونَهُ فِي الْأَمْصَارِ مِنْ صَلاَةٍ أَوْ خُطْبَةٍ، وَإِذَا خَلَتْ الْأَمْصَارُ مِنْ الْوُلاَةِ قَدَّمُوا أَحَدَهُمْ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ، وَالْخُسُوفِ، وَالِاسْتِسْقَاءِ كَمَا قَدْ قَدَّمَ النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ، وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ لِلصَّلاَةِ مَكْتُوبَةً، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْلِحُ بَيْنَ بَنِي عُمَرَ بْنِ عَوْفٍ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ ذَهَبَ لِحَاجَتِهِ ثُمَّ غَبَطَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ بِمَا صَنَعُوا مِنْ تَقْدِيمِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فَإِذَا أَجَازَ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَكْتُوبَةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ كَانَتْ الْجُمُعَةُ مَكْتُوبَةً، وَكَانَ هَذَا فِي غَيْرِ الْمَكْتُوبَةِ مِمَّا ذَكَرْت أَجَوْزَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَسْتَسْقِي الْإِمَامُ بِغَيْرِ صَلاَةٍ مِثْلُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ بِصَلاَةٍ وَبَعْدَ خُطْبَتِهِ وَصَلاَتِهِ، وَخَلْفَ صَلاَتِهِ، وَقَدْ رَأَيْت مَنْ يُقِيمُ مُؤَذِّنًا فَيَأْمُرُهُ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَالْمَغْرِبِ أَنْ يَسْتَسْقِيَ، وَيَحُضَّ النَّاسَ عَلَى الدُّعَاءِ فَمَا كَرِهْت مَنْ صَنَعَ ذَلِكَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ أَذَانَ، وَلاَ إقَامَةَ إلَّا لِلْمَكْتُوبَةِ، فَأَمَّا الْخُسُوفُ، وَالْعِيدَانِ وَالِاسْتِسْقَاءُ، وَجَمِيعُ صَلاَةِ النَّافِلَةِ فَبِغَيْرِ أَذَانٍ وَلاَ إقَامَةٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَبَلَغَنَا عَنْ بَعْضِ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَسْتَسْقِيَ أَمَرَ النَّاسَ فَصَامُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ، وَتَقَرَّبُوا إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَا اسْتَطَاعُوا مِنْ خَيْرٍ ثُمَّ خَرَجَ فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ فَاسْتَسْقَى بِهِمْ، وَأَنَا أُحِبُّ ذَلِكَ لَهُمْ، وَآمُرُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا فِي الْيَوْمِ الرَّابِعِ صُيَّامًا مِنْ غَيْرِ أَنْ أُوجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ عَلَى إمَامِهِمْ، وَلاَ أَرَى بَأْسًا أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْخُرُوجِ، وَيَخْرُجَ قَبْلَ أَنْ يَتَقَدَّمَ إلَيْهِمْ فِي الصَّوْمِ، وَأَوْلَى مَا يَتَقَرَّبُونَ إلَى اللَّهِ أَدَاءُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ مَظْلِمَةٍ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِوَضٍ ثُمَّ صُلْحِ الْمَشَاجِرِ، وَالْمُهَاجِرِ ثُمَّ يَتَطَوَّعُونَ بِصَدَقَةٍ، وَصَلاَةٍ، وَذِكْرٍ، وَغَيْرِهِ مِنْ الْبِرِّ، وَأُحِبُّ كُلَّمَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَةَ إلَى الِاسْتِسْقَاءِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ أَنْ يَصُومُوا قَبْلَ عَوْدَتِهِ إلَيْهِ ثَلاَثًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجُمُعَةِ، وَالْعِيدَيْنِ بِأَحْسَنِ هَيْئَةٍ، وَرُوِيَ أَنَّهُ خَرَجَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مُتَوَاضِعًا. وَأَحْسَبُ الَّذِي رَوَاهُ قَالَ مُتَبَذِّلاً فَأُحِبُّ فِي الْعِيدَيْنِ أَنْ يَخْرُجَ بِأَحْسَنَ مَا يَجِدُ مِنْ الثِّيَابِ وَأَطْيَبِ الطِّيبِ، وَيَخْرُجُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مُتَنَظِّفًا بِالْمَاءِ، وَمَا يَقْطَعُ تَغَيُّرَ الرَّائِحَةِ مِنْ سِوَاكٍ وَغَيْرِهِ، وَفِي ثِيَابِ تَوَاضُعٍ، وَيَكُونُ مَشْيُهُ وَجُلُوسُهُ وَكَلاَمُهُ كَلاَمَ تَوَاضُعٍ وَاسْتِكَانَةٍ، وَمَا أَحْبَبْت لِلْإِمَامِ فِي الْحَالاَتِ مَنْ هَذَا أَحْبَبْته لِلنَّاسِ كَافَّةً وَمَا لَبِسَ النَّاسُ، وَالْإِمَامُ مِمَّا يَحِلُّ لَهُمْ الصَّلاَةُ فِيهِ أَجْزَأَهُ وَإِيَّاهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَأُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ الصِّبْيَانُ وَيَتَنَظَّفُوا لِلِاسْتِسْقَاءِ، وَكِبَارُ النِّسَاءِ، وَمَنْ لاَ هَيْئَةَ لَهُ مِنْهُنَّ، وَلاَ أُحِبُّ خُرُوجَ ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ وَلاَ آمُرُ بِإِخْرَاجِ الْبَهَائِمِ، وَأَكْرَهُ إخْرَاجَ مَنْ خَالَفَ الْإِسْلاَمَ لِلِاسْتِسْقَاءِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ فِي مَوْضِعِ مُسْتَسْقَى الْمُسْلِمِينَ، وَغَيْرِهِ، وَآمُرُ بِمَنْعِهِمْ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ خَرَجُوا مُتَمَيِّزِينَ عَلَى حِدَةٍ لَمْ نَمْنَعْهُمْ ذَلِكَ، وَنِسَاؤُهُمْ فِيمَا أَكْرَهُ مِنْ هَذَا كَرِجَالِهِمْ، وَلَوْ تَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ، لَمْ أَكْرَهْ مِنْ مَخْرَجِهِمْ مَا أَكْرَهُ مِنْ مَخْرَجِ بَالِغِيهِمْ، وَلَوْ تَرَكَ سَادَاتُ الْعَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ الْعَبِيدَ يَخْرُجُونَ كَانَ أَحَبَّ إلَيَّ، وَلَيْسَ يَلْزَمُهُمْ تَرْكُهُمْ، وَالْإِمَاءُ مِثْلُ الْحَرَائِرِ، وَأَحَبُّ إلَيَّ لَوْ تَرَكَ عَجَائِزَهُنَّ، وَمَنْ لاَ هَيْئَةَ لَهُ مِنْهُنَّ يَخْرُجُ، وَلاَ أُحِبُّ ذَلِكَ فِي ذَوَاتِ الْهَيْئَةِ مِنْهُنَّ، وَلاَ يَجِبُ عَلَى سَادَاتِهِنَّ تَرْكُهُنَّ يَخْرُجْنَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَإِذَا تَهَيَّأَ الْإِمَامُ لِلْخُرُوجِ فَمُطِرَ النَّاسُ مَطَرًا قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، أَحْبَبْت أَنْ يَمْضِيَ، وَالنَّاسُ عَلَى الْخُرُوجِ فَيَشْكُرُوا اللَّهَ عَلَى سُقْيَاهُ، وَيَسْأَلُوا اللَّهَ زِيَادَتَهُ، وَعُمُومَ خَلْقِهِ بِالْغَيْثِ، وَأَنْ لاَ يَتَخَلَّفُوا فَإِنْ فَعَلُوا فَلاَ كَفَّارَةَ، وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِمْ، فَإِنْ كَانُوا يُمْطَرُونَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُرِيدُ الْخُرُوجَ بِهِمْ فِيهِ اسْتَسْقَى بِهِمْ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ أَخَّرَ ذَلِكَ إلَى أَنْ يُقْلِعَ الْمَطَرُ، وَلَوْ نَذَرَ الْإِمَامُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ ثُمَّ سَقَى النَّاسُ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فَيُوفِيَ نَذْرَهُ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَعَلَيْهِ قَضَاؤُهُ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُمْ، وَلاَ لَهُ أَنْ يُلْزِمَهُمْ أَنْ يَسْتَسْقُوا فِي غَيْرِ جَدْبٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ نَذَرَ رَجُلٌ أَنْ يَخْرُجَ يَسْتَسْقِي كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلنَّذْرِ بِنَفْسِهِ فَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِنَفْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُمْ، وَلاَ نَذْرَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَأُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ بِمَنْ أَطَاعَهُ مِنْهُمْ مِنْ وَلَدِهِ وَغَيْرِهِمْ، فَإِنْ كَانَ فِي نَذْرِهِ أَنْ يَخْطُبَ فَيَخْطُبَ، وَيَذْكُرَ اللَّهَ تَعَالَى وَيَدْعُوَ جَالِسًا إنْ شَاءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي قِيَامِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ وَالِيًا، وَلاَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ بِالذِّكْرِ طَاعَةٌ، وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ فَلْيَخْطُبْ جَالِسًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَخْطُبَ عَلَى مِنْبَرٍ لِأَنَّهُ لاَ طَاعَةَ فِي رُكُوبِهِ لِمِنْبَرٍ وَلاَ بَعِيرٍ وَلاَ بِنَاءٍ، إنَّمَا أُمِرَ بِهَذَا الْإِمَامُ لِيُسْمِعَ النَّاسَ فَإِنْ كَانَ إمَامًا، وَمَعَهُ نَاسٌ لَمْ يَفِ نَذْرَهُ إلَّا بِالْخُطْبَةِ قَائِمًا لِأَنَّ الطَّاعَةَ إذَا كَانَ مَعَهُ نَاسٌ فِيهَا أَنْ يَخْطُبَ قَائِمًا فَإِذَا فَعَلَ هَذَا كُلَّهُ فَوَقَفَ عَلَى مِنْبَرٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ قَائِمًا أَجْزَأَهُ مِنْ نَذْرِهِ، وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَخْرُجَ فَلْيَسْتَسْقِ أَحْبَبْت لَهُ أَنْ يَسْتَسْقِيَ فِي الْمَسْجِدِ وَيُجْزِئُهُ لَوْ اسْتَسْقَى فِي بَيْتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيُصَلِّي الْإِمَامُ حَيْثُ يُصَلِّي الْعِيدَ فِي أَوْسَعِ مَا يَجِدُ عَلَى النَّاسِ، وَحَيْثُ اسْتَسْقَى أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَخْرُجُ الْإِمَامُ لِلِاسْتِسْقَاءِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِلُ فِيهِ إلَى مَوْضِعِ مُصَلَّاهُ، وَقَدْ بَرَزَتْ الشَّمْسُ فَيَبْتَدِئُ فَيُصَلِّي فَإِذَا فَرَغَ خَطَبَ، وَيَخْطُبُ عَلَى مِنْبَرٍ يُخْرِجُهُ إنْ شَاءَ، وَإِنْ شَاءَ خَطَبَ رَاكِبًا أَوْ عَلَى جِدَارٍ أَوْ شَيْءٍ يُرْفَعُ لَهُ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ، كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ لَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يَقُولُ سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ كَانُوا يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ، وَيُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ، وَيُكَبِّرُونَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه مِثْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي سَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا. أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الْحُوَيْرِثِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ التَّكْبِيرِ فِي صَلاَةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَقَالَ مِثْلُ التَّكْبِيرِ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ سَبْعٌ وَخَمْسٌ. أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ قَالَ سَمِعْت عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ يُخْبِرُ عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى يَسْتَسْقِي فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ، وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ، وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنِي هِشَامُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِنَانَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَهُ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَائِدَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا وَكَبَّرَ فِي الْعِيدَيْنِ مِثْلَ ذَلِكَ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ عُمَارَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ أَشَارَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ هِشَامٍ أَنْ يُكَبِّرَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا، وَخَمْسًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَبِهَذَا كُلِّهِ نَأْخُذُ فَنَأْمُرُ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ سَبْعًا وَخَمْسًا قَبْلَ الْقِرَاءَةِ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ كُلِّ تَكْبِيرَةٍ مِنْ السَّبْعِ، وَالْخَمْسِ وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ لاَ يُخَالِفُ صَلاَةَ الْعِيدِ بِشَيْءٍ، وَنَأْمُرُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا مَا يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ فَإِذَا خَافَتَ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلاَةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ فَكَذَلِكَ، وَلاَ سُجُودَ لِلسَّهْوِ عَلَيْهِ، وَإِنْ تَرَكَ التَّكْبِيرَ حَتَّى يَفْتَتِحَ الْقِرَاءَةَ فِي رَكْعَةٍ لَمْ يُكَبِّرْ بَعْدَ افْتِتَاحِهِ الْقِرَاءَةَ، وَكَذَلِكَ إنْ كَبَّرَ بَعْضَ التَّكْبِيرِ ثُمَّ افْتَتَحَ بِالْقِرَاءَةِ لَمْ يَقْضِ التَّكْبِيرَ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَكَبَّرَ فِي الْأُخْرَى تَكْبِيرَهَا، وَلَمْ يَقْضِ مَا تَرَكَ مِنْ تَكْبِيرِ الْأُولَى فَإِنْ صَنَعَ فِي الْأُخْرَى كَذَلِكَ صَنَعَ هَكَذَا يُكَبِّرُ قَبْلَ أَنْ يَقْرَأَ، وَلاَ يُكَبِّرُ بَعْدَمَا يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي افْتَتَحَ فِيهَا الْقِرَاءَةَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا هَذَا فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ لاَ يَخْتَلِفُ، وَمَا قَرَأَ بِهِ مَعَ أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى أُمِّ الْقُرْآنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَجْزَأَتْهُ، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَرَأَ فِي إحْدَاهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَى بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَإِنَّمَا صَلَّى رَكْعَةً فَيُضِيفُ إلَيْهَا أُخْرَى، وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ، وَلاَ يَعْتَدُّ هُوَ، وَلاَ مَنْ خَلْفَهُ بِرَكْعَةٍ لَمْ يَقْرَأْ فِيهَا، وَإِنْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لَمْ يَقْرَأْ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا بِأُمِّ الْقُرْآنِ أَعَادَهُمَا خَطَبَ أَمْ لَمْ يَخْطُبْ فَإِنْ لَمْ يُعِدْهُمَا حَتَّى يَنْصَرِفَ أَحْبَبْت لَهُ إعَادَتَهُمَا مِنْ الْغَدِ أَوْ يَوْمِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ النَّاسُ تَفَرَّقُوا، وَإِذَا أَعَادَهُمَا أَعَادَ الْخُطْبَةَ بَعْدَهُمَا، وَإِنْ كَانَ هَذَا فِي صَلاَةِ الْعِيدِ أَعَادَهُمَا مِنْ يَوْمِهِ مَا بَيْنَهُ، وَبَيْنَ أَنْ تَزُولَ الشَّمْسُ فَإِذَا زَالَتْ لَمْ يُعِدْهُمَا لِأَنَّ صَلاَةَ الْعِيدِ فِي وَقْتٍ فَإِذَا مَضَى لَمْ تُصَلَّ، وَكُلُّ يَوْمٍ وَقْتٌ لِصَلاَةِ الِاسْتِسْقَاءِ، وَلِذَلِكَ يُعِيدُهُمَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَقَبْلَ الْعَصْرِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَلاَ يُصَلِّي حَاضِرٌ، وَلاَ مُسَافِرٌ صَلاَةَ الِاسْتِسْقَاءِ وَلاَ عِيدٍ، وَلاَ جِنَازَةٍ، وَلاَ يَسْجُدُ لِلشُّكْرِ، وَلاَ سُجُودِ الْقُرْآنِ، وَلاَ يَمَسُّ مُصْحَفًا إلَّا طَاهِرًا الطَّهَارَةَ الَّتِي تَجْزِيهِ لِلصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ لِأَنَّ كُلًّا صَلاَةٌ، وَلاَ يَحِلُّ مَسُّ مُصْحَفٍ إلَّا بِطَهَارَةٍ، وَسَوَاءٌ خَافَ فَوْتَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الصَّلَوَاتِ أَوْ لَمْ يَخَفْهُ يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءً فِي الْمَكْتُوبَاتِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَخْطُبُ الْإِمَامُ فِي الِاسْتِسْقَاءِ خُطْبَتَيْنِ كَمَا يَخْطُبُ فِي صَلاَةِ الْعِيدَيْنِ يُكَبِّرُ اللَّهَ فِيهِمَا، وَيَحْمَدُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُكْثِرُ فِيهِمَا الِاسْتِغْفَارَ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ كَلاَمِهِ، وَيَقُولَ كَثِيرًا: {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتَنَا بِدُعَائِك، وَوَعَدْتَنَا إجَابَتَك فَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتَنَا فَأَجِبْنَا كَمَا وَعَدْتَنَا اللَّهُمَّ إنْ كُنْت أَوْجَبْت إجَابَتَك لِأَهْلِ طَاعَتِك، وَكُنَّا قَدْ قَارَفْنَا مَا خَالَفْنَا فِيهِ الَّذِينَ مَحَّضُوا طَاعَتَك فَامْنُنْ عَلَيْنَا بِمَغْفِرَةِ مَا قَارَفْنَا، وَإِجَابَتِنَا فِي سُقْيَانَا، وَسَعَةِ رِزْقِنَا. وَيَدْعُو بِمَا شَاءَ بَعْدُ لِلدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَيَكُونُ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ يَبْدَأُ بِهِ دُعَاءَهُ وَيَفْصِلُ بِهِ بَيْنَ كَلاَمِهِ، وَيَخْتِمُ بِهِ، وَيَكُونُ أَكْثَرَ كَلاَمِهِ حَتَّى يَنْقَطِعَ الْكَلاَمُ، وَيَحُضُّ النَّاسَ عَلَى التَّوْبَةِ، وَالطَّاعَةِ، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا دَعَا فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَفَعَ يَدَيْهِ. أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ: «اللَّهُمَّ أَمْطِرْنَا». أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ قَالَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ عِنْدَ الْمَطَرِ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ، وَلاَ سُقْيَا عَذَابٍ، وَلاَ بَلاَءٍ، وَلاَ هَدْمٍ، وَلاَ غَرَقٍ اللَّهُمَّ عَلَى الظِّرَابِ، وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا، وَلاَ عَلَيْنَا». قال: وَرَوَى سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا اسْتَسْقَى قَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا مُجَلِّلاً عَامًّا طَبَقًا سَحًّا دَائِمًا اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ، وَلاَ تَجْعَلْنَا مِنْ الْقَانِطِينَ اللَّهُمَّ إنَّ بِالْعِبَادِ وَالْبِلاَدِ، وَالْبَهَائِمِ، وَالْخَلْقِ مِنْ اللَّأْوَاءِ، وَالْجَهْدِ وَالضَّنْكِ مَا لاَ نَشْكُو إلَّا إلَيْك اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ، وَأَدِرَّ لَنَا الضَّرْعَ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ، وَأَنْبِتْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الْأَرْضِ اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنَّا الْجَهْدَ، وَالْجُوعَ، وَالْعُرْيَ، وَاكْشِفْ عَنَّا مِنْ الْبَلاَءِ مَا لاَ يَكْشِفُهُ غَيْرُك اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَغْفِرُك إنَّك كُنْت غَفَّارًا فَأَرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأُحِبُّ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ بِهَذَا، وَلاَ وَقْتَ فِي الدُّعَاءِ، وَلاَ يُجَاوِزُهُ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ اسْتَسْقَى عُمَرُ، وَكَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ الِاسْتِغْفَارَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ خَطَبَ خُطْبَةً وَاحِدَةً لَمْ يَجْلِسْ فِيهَا، وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إعَادَةٌ، وَأُحِبُّ أَنْ يَجْلِسَ حِينَ يَرْقَى الْمِنْبَرَ أَوْ مَوْضِعَهُ الَّذِي يَخْطُبُ فِيهِ ثُمَّ يَخْطُبَ ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَخْطُبَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَيَبْدَأُ فَيَخْطُبُ الْخُطْبَةَ الْأُولَى ثُمَّ يَجْلِسُ ثُمَّ يَقُومُ فَيَخْطُبُ بَعْضَ الْخُطْبَةِ الْآخِرَةِ فَيَسْتَقْبِلُ النَّاسَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ ثُمَّ يُحَوِّلُ وَجْهَهُ إلَى الْقِبْلَةِ، وَيُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ مَعَهُ فَيَدْعُو سِرًّا فِي نَفْسِهِ، وَيَدْعُو النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ يُقْبِلُ عَلَى النَّاسِ بِوَجْهِهِ فَيَحُضُّهُمْ، وَيَأْمُرُهُمْ بِخَيْرٍ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَيَقْرَأُ آيَةً أَوْ أَكْثَرَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَيَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ ثُمَّ يَنْزِلُ، وَإِنْ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فِي الْخُطْبَةِ الْأُولَى لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِذَلِكَ فِي الْخُطْبَةِ الثَّانِيَةِ، وَأُحِبُّ لِمَنْ حَضَرَ الِاسْتِسْقَاءَ اسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ وَالْإِنْصَاتَ، وَلاَ يَجِبُ ذَلِكَ وُجُوبَهُ فِي الْجُمُعَةِ. كَيْفَ تَحْوِيلُ الْإِمَامِ رِدَاءَهُ فِي الْخُطْبَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ قَالَ: اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ خَمِيصَةٌ لَهُ سَوْدَاءُ فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَأْخُذَ بِأَسْفَلِهَا فَيَجْعَلَهُ أَعْلاَهَا فَلَمَّا ثَقُلَتْ عَلَيْهِ قَلَبَهَا عَلَى عَاتِقِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ فَنَأْمُرُ الْإِمَامَ أَنْ يُنَكِّسَ رِدَاءَهُ فَيَجْعَلَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ، وَيَزِيدَ مَعَ تَنْكِيسِهِ فَيَجْعَلَ شِقَّهُ الَّذِي عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ، وَاَلَّذِي عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ فَيَكُونُ قَدْ جَاءَ بِمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَكْسِهِ، وَبِمَا فَعَلَ مِنْ تَحْوِيلِ الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ إذَا خَفَّ لَهُ رِدَاؤُهُ فَإِنْ ثَقُلَ فَعَلَ مَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَحْوِيلِ مَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ، وَمَا عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْسَرِ عَلَى مَنْكِبِهِ الْأَيْمَنِ، وَيَصْنَعُ النَّاسُ فِي ذَلِكَ مَا صَنَعَ الْإِمَامُ فَإِنْ تَرَكَهُ مِنْهُمْ تَارِكٌ أَوْ الْإِمَامُ أَوْ كُلُّهُمْ كَرِهْت تَرْكَهُ لِمَنْ تَرَكَهُ، وَلاَ كَفَّارَةَ، وَلاَ إعَادَةَ عَلَيْهِ، وَلاَ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ إذَا انْصَرَفَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي يَخْطُبُ فِيهِ، وَإِذَا حَوَّلُوا أَرْدِيَتَهُمْ أَقَرُّوهَا مُحَوَّلَةً كَمَا هِيَ حَتَّى يَنْزِعُوهَا مَتَى نَزَعُوهَا، وَإِنْ اقْتَصَرَ رَجُلٌ عَلَى تَحْوِيلِ رِدَائِهِ، وَلَمْ يَنْكُسْهُ أَجْزَأَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِسَعَةِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى نَكْسِهِ، وَلَمْ يُحَوِّلْ إلَّا نَكْسًا، رَجَوْت أَنْ يُجْزِيَهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا عَنْ مَالِكٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصُّبْحَ بِالْحُدَيْبِيَةِ فِي إثْرِ سَمَاءٍ كَانَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: «هَلْ تَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «أَصْبَحَ مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ فَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ بِالْكَوَاكِبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَكَذَا فَذَلِكَ كَافِرٌ بِي مُؤْمِنٌ بِالْكَوَاكِبِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي- هُوَ عَرَبِيٌّ وَاسِعُ اللِّسَانِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا مَعَانِيَ، وَإِنَّمَا مُطِرَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمٍ أَكْثَرُهُمْ مُشْرِكُونَ لِأَنَّ هَذَا فِي غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَرَى مَعْنَى قَوْلِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِفَضْلِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ فَذَلِكَ إيمَانٌ بِاَللَّهِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يُمْطِرُ وَلاَ يُعْطِي إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَأَمَّا مَنْ قَالَ مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا، وَكَذَا عَلَى مَا كَانَ بَعْضُ أَهْلِ الشِّرْكِ يَعْنُونَ مِنْ إضَافَةِ الْمَطَرِ إلَى أَنَّهُ أَمْطَرَهُ نَوْءُ كَذَا فَذَلِكَ كُفْرٌ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّ النَّوْءَ وَقْتٌ، وَالْوَقْتُ مَخْلُوقٌ لاَ يَمْلِكُ لِنَفْسِهِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ شَيْئًا، وَلاَ يُمْطِرُ، وَلاَ يَصْنَعُ شَيْئًا فَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ كَذَا عَلَى مَعْنَى مُطِرْنَا بِوَقْتِ كَذَا فَإِنَّمَا ذَلِكَ كَقَوْلِهِ مُطِرْنَا فِي شَهْرِ كَذَا، وَلاَ يَكُونُ هَذَا كُفْرًا، وَغَيْرُهُ مِنْ الْكَلاَمِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يَقُولَ مُطِرْنَا فِي وَقْتِ كَذَا، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: كَمْ بَقِيَ مِنْ نَوْءِ الثُّرَيَّا؟ فَقَامَ الْعَبَّاسُ فَقَالَ لَمْ يَبْقَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَّا الْعَوَّاءُ فَدَعَا، وَدَعَا النَّاسُ حَتَّى نَزَلَ عَنْ الْمِنْبَرِ فَمُطِرَ مَطَرًا حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ، وَقَوْلُ عُمَرَ هَذَا يُبَيِّنُ مَا وَصَفْت لِأَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ: كَمْ بَقِيَ مِنْ وَقْتِ الثرياء؟ لِيُعَرِّفَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدَّرَ الْأَمْطَارَ فِي أَوْقَاتٍ فِيمَا جَرَّبُوا كَمَا عَلِمُوا أَنَّهُ قَدَّرَ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ بِمَا جَرَّبُوا فِي أَوْقَاتٍ، وَبَلَغَنِي أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَصْبَحَ، وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَوْءِ الْفَتْحِ ثُمَّ قَرَأَ {مَا يَفْتَحْ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا}، وَبَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَوْجَفَ بِشَيْخٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ غَدَا مُتَّكِئًا عَلَى عُكَّازِهِ، وَقَدْ مُطِرَ النَّاسُ فَقَالَ: أَجَادَ مَا أَقْرَى الْمِجْدَحُ الْبَارِحَةَ، فَأَنْكَرَ عُمَرُ قَوْلَهُ أَجَادَ مَا أَقْرَى الْمِجْدَحُ لِإِضَافَةِ الْمَطَرِ إلَى الْمِجْدَحِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَمَطَّرُ فِي أَوَّلِ مَطْرَةٍ حَتَّى يُصِيبَ جَسَدَهُ، وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ السَّمَاءَ أَمْطَرَتْ فَقَالَ لِغُلاَمِهِ: أَخْرِجْ فِرَاشِي، وَرَحْلِي يُصِيبُهُ الْمَطَرُ فَقَالَ أَبُو الْجَوْزَاءِ لِابْنِ عَبَّاسٍ: لِمَ تَفْعَلُ هَذَا يَرْحَمُك اللَّهُ؟ فَقَالَ أَمَّا تَقْرَأُ كِتَابَ اللَّهِ: {وَنَزَّلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا} فَأُحِبُّ أَنْ تُصِيبَ الْبَرَكَةُ فِرَاشِي وَرَحْلِي، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ ابْنِ حَرْمَلَةَ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ رَآهُ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَطَرَتْ السَّمَاءُ، وَهُوَ فِي السِّقَايَةِ فَخَرَجَ إلَى رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ ثُمَّ كَشَفَ عَنْ ظَهْرِهِ لِلْمَطَرِ حَتَّى أَصَابَهُ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَجْلِسِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْهَادِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ يَقُولُ: «اخْرُجُوا بِنَا إلَى هَذَا الَّذِي جَعَلَهُ اللَّهُ طَهُورًا فَنَتَطَهَّرُ مِنْهُ، وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَيْهِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إذَا سَالَ السَّيْلُ ذَهَبَ بِأَصْحَابِهِ إلَيْهِ، وَقَالَ مَا كَانَ لِيَجِيءَ مِنْ مَجِيئِهِ أَحَدٌ إلَّا تَمَسَّحْنَا بِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ مِنْ مَكْحُولٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اطْلُبُوا إجَابَةَ الدُّعَاءِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الْجُيُوشِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ وَنُزُولِ الْغَيْثِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ حَفِظْت عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ طَلَبَ الْإِجَابَةِ عِنْدَ نُزُولِ الْغَيْثِ، وَإِقَامَةِ الصَّلاَةِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ رَبَاحٍ عَنْ الْمُطَّلِبِ بْنِ حَنْطَبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا بَرِقَتْ السَّمَاءُ أَوْ رَعَدَتْ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ: قَالَ الْمِقْدَامُ بْنُ شُرَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَبْصَرْنَا شَيْئًا فِي السَّمَاءِ يَعْنِي السَّحَابَ تَرَكَ عَمَلَهُ، وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ قَالَ: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ شَرِّ مَا فِيهِ»، فَإِنْ كَشَفَهُ اللَّهُ حَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى، وَإِنْ مَطَرَتْ قَالَ: «اللَّهُمَّ سُقْيَا نَافِعًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا سَمِعَ حِسَّ الرَّعْدِ عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا أَمْطَرَتْ سُرِّيَ عَنْهُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «إنِّي لاَ أَدْرِي بِمَا أُرْسِلَتْ أَبِعَذَابٍ أَمْ بِرَحْمَةِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا هَبَّتْ رِيحٌ إلَّا جَثَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رُكْبَتَيْهِ، وَقَالَ: «اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رَحْمَةً، وَلاَ تَجْعَلْهَا عَذَابًا اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلاَ تَجْعَلْهَا رِيحًا». قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا}، وَ{إذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ}، وَقَالَ: {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ} {وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنَا صَفْوَانُ بْنُ سُلَيْمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَسُبُّوا الرِّيحَ، وَعُوذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسُبَّ الرِّيحَ فَإِنَّهَا خَلْقُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُطِيعٌ وَجُنْدٌ مِنْ أَجْنَادِهِ يَجْعَلُهَا رَحْمَةً وَنِقْمَةً إذَا شَاءَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: شَكَا رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَقْرَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَعَلَّك تَسُبُّ الرِّيحَ؟». أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: أَخَذَتْ النَّاسَ رِيحٌ بِطَرِيقِ مَكَّةَ، وَعُمَرُ حَاجٌّ فَاشْتَدَّتْ فَقَالَ عُمَرُ رضي الله عنه لِمَنْ حَوْلَهُ: مَا بَلَغَكُمْ فِي الرِّيحِ؟ فَلَمْ يُرْجِعُوا إلَيْهِ شَيْئًا فَبَلَغَنِي الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ عُمَرُ مِنْ أَمْرِ الرِّيحِ فَاسْتَحْثَثْت رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْت عُمَرَ، وَكُنْت فِي مُؤَخَّرِ النَّاسِ فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: أُخْبِرْت أَنَّك سَأَلْت عَنْ الرِّيحِ، وَإِنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الرِّيحُ مِنْ رُوحِ اللَّهِ تَأْتِي بِالرَّحْمَةِ، وَتَأْتِي بِالْعَذَابِ فَلاَ تَسُبُّوهَا، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ خَيْرِهَا وَعُوذُوا بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّهَا». أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ قُلْت لِابْنِ طَاوُسٍ: مَا كَانَ أَبُوك يَقُولُ إذَا سَمِعَ الرَّعْدَ؟ قَالَ كَانَ يَقُولُ: سُبْحَانَ مَنْ سَبَّحَتْ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: كَأَنَّهُ يَذْهَبُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ}.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ الْبَرْقَ أَوْ الْوَدْقَ فَلاَ يُشِيرُ إلَيْهِ، وَلْيَصِفْ، وَلْيَنْعَتْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ تَزَلْ الْعَرَبُ تَكْرَهُ الْإِشَارَةَ إلَيْهِ فِي الرَّعْدِ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ أَنَّ مُجَاهِدًا كَانَ يَقُولُ: الرَّعْدُ مَلَكٌ، وَالْبَرْقُ أَجْنِحَةُ الْمَلَكِ يَسُقْنَ السَّحَابَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: مَا أَشْبَهَ مَا قَالَ مُجَاهِدٌ بِظَاهِرِ الْقُرْآنِ، أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ مَا سَمِعْت بِأَحَدٍ ذَهَبَ الْبَرْقُ بِبَصَرِهِ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ}. قال: وَبَلَغَنِي عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ، وَقَدْ سَمِعْت مَنْ تُصِيبُهُ الصَّوَاعِقُ كَأَنَّهُ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ}، وَسَمِعْت مَنْ يَقُولُ: الصَّوَاعِقُ رُبَّمَا قَتَلَتْ وَأَحْرَقَتْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو عَنْ الْمُطَّلِبِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ إلَّا وَالسَّمَاءُ تُمْطِرُ فِيهَا يَصْرِفُهُ اللَّهُ حَيْثُ يَشَاءُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّاسَ مُطِرُوا ذَاتَ لَيْلَةٍ فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَدَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ: «مَا عَلَى الْأَرْضِ بُقْعَةٌ إلَّا، وَقَدْ مُطِرَتْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ سُهَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْسَ السَّنَةُ بِأَنْ لاَ تُمْطَرُوا، وَلَكِنْ السَّنَةُ أَنْ تُمْطَرُوا ثُمَّ تُمْطَرُوا، وَلاَ تُنْبِتُ الْأَرْضُ شَيْئًا».
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَدِينَةُ بَيْنَ عَيْنَيْ السَّمَاءِ عَيْنٍ بِالشَّامِ، وَعَيْنٍ بِالْيَمَنِ، وَهِيَ أَقَلُّ الْأَرْضِ مَطَرًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ أَوْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْهَاشِمِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اسْكُتْ أَقَلُّ الْأَرْضِ مَطَرًا، وَهِيَ بَيْنَ عَيْنَيْ السَّمَاءِ يَعْنِي الْمَدِينَةَ: عَيْنٍ بِالشَّامِ، وَعَيْنٍ بِالْيَمَنِ». أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ. قَالَ أَخْبَرَنِي سُهَيْلٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تُمْطَرَ الْمَدِينَةُ مَطَرًا لاَ يَكُنُّ أَهْلَهَا الْبُيُوتُ، وَلاَ يَكُنُّهُمْ إلَّا مَظَالُّ الشَّعْرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يُصِيبُ الْمَدِينَةَ مَطَرٌ لاَ يَكُنُّ أَهْلَهَا بَيْتٌ مِنْ مَدَرٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زَيْدِ بْنُ مُهَاجِرٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ كَعْبًا قَالَ لَهُ، وَهُوَ يَعْمَلُ وَتَدًا بِمَكَّةَ: اُشْدُدْ، وَأَوْثِقْ فَإِنَّا نَجِدُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ السُّيُولَ سَتَعْظُمُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: جَاءَ مَكَّةَ مَرَّةً سَيْلٌ طَبَّقَ مَا بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: يُوشِكُ الْمَدِينَةُ أَنْ يُصِيبَهَا مَطَرٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً لاَ يَكُنُّ أَهْلَهَا بَيْتٌ مِنْ مَدَرٍ.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ قَالَ أَخْبَرَنِي مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نُصِرْت بِالصَّبَا، وَكَانَتْ عَذَابًا عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلِي». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبَلَغَنِي أَنَّ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا هَبَّتْ جَنُوبٌ قَطُّ إلَّا أَسَالَتْ وَادِيًا». قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَعْنِي أَنَّ اللَّهَ خَلَقَهَا تَهُبُّ نُشُرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ مِنْ الْمَطَرِ، أَخْبَرَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتَحْمِلُ الْمَاءَ مِنْ السَّمَاءِ ثُمَّ تَمُرُّ فِي السَّحَابِ حَتَّى تُدَرَّ كَمَا تُدَرُّ اللِّقْحَةُ ثُمَّ تُمْطِرُ. أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ أَخْبَرَنَا الشَّافِعِيُّ. قَالَ أَخْبَرَنَا مَنْ لاَ أَتَّهِمُ قَالَ: حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إذَا أُنْشِئَتْ بِحُرِّيَّةٍ ثُمَّ اسْتَحَالَتْ شَامِيَّةً فَهُوَ أَمْطَرُ لَهَا».
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ مِمَّنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلاَمِ قِيلَ لَهُ لِمَ لاَ تُصَلِّي؟ فَإِنْ ذَكَرَ نِسْيَانًا قُلْنَا فَصَلِّ إذَا ذَكَرْت، وَإِنْ ذَكَرَ مَرَضًا قُلْنَا فَصَلِّ كَيْفَ أَطَقْت قَائِمًا أَوْ قَاعِدًا أَوْ مُضْطَجِعًا أَوْ مُومِيًا فَإِنْ قَالَ أَنَا أُطِيقُ الصَّلاَةَ، وَأُحْسِنُهَا، وَلَكِنْ لاَ أُصَلِّي وَإِنْ كَانَتْ عَلَيَّ فَرْضًا قِيلَ لَهُ الصَّلاَةُ عَلَيْك شَيْءٌ لاَ يَعْمَلُهُ عَنْك غَيْرُك، وَلاَ تَكُونُ إلَّا بِعَمَلِك فَإِنْ صَلَّيْت، وَإِلَّا اسْتَتَبْنَاك فَإِنْ تُبْت، وَإِلَّا قَتَلْنَاك فَإِنَّ الصَّلاَةَ أَعْظَمُ مِنْ الزَّكَاةِ، وَالْحُجَّةُ فِيهَا مَا وَصَفْت مِنْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رضي الله عنه قَالَ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً مِمَّا أَعْطَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتهمْ عَلَيْهِ لاَ تُفَرِّقُوا بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: يَذْهَبُ فِيمَا أَرَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {أَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}: وَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُقَاتِلُهُمْ عَلَى الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاتَلُوا مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ إذْ كَانَتْ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، وَنَصَبَ دُونَهَا أَهْلُهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهَا مِنْهُمْ طَائِعِينَ، وَلَمْ يَكُونُوا مَقْهُورِينَ عَلَيْهَا فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ كَمَا تُقَامُ عَلَيْهِمْ الْحُدُودُ كَارِهِينَ وَتُؤْخَذُ أَمْوَالُهُمْ لِمَنْ وَجَبَتْ لَهُ بِزَكَاةٍ أَوْ دَيْنٍ كَارِهِينَ أَوْ غَيْرَ كَارِهِينَ فَاسْتَحَلُّوا قِتَالَهُمْ وَالْقِتَالُ سَبَبُ الْقَتْلِ فَلَمَّا كَانَتْ الصَّلاَةُ، وَإِنْ كَانَ تَارِكُهَا فِي أَيْدِينَا غَيْرَ مُمْتَنِعٍ مِنَّا فَإِنَّا لاَ نَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الصَّلاَةِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ يَدَيْهِ مِثْلُ اللُّقَطَةِ، وَالْخَرَاجِ، وَالْمَالِ. قُلْنَا إنْ صَلَّيْت، وَإِلَّا قَتَلْنَاك كَمَا يُفَكِّرُ فَنَقُولُ إنْ قَبِلْت الْإِيمَانَ، وَإِلَّا قَتَلْنَاك إذْ كَانَ الْإِيمَانُ لاَ يَكُونُ إلَّا بِقَوْلِك، وَكَانَتْ الصَّلاَةُ، وَالْإِيمَانُ مُخَالِفَيْنِ مَعًا مَا فِي يَدَيْك، وَمَا نَأْخُذُ مِنْ مَالِك لِأَنَّا نَقْدِرُ عَلَى أَخْذِ الْحَقِّ مِنْك فِي ذَلِكَ، وَإِنْ كَرِهْت فَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ شُهُودٌ أَنَّهُ تَرَكَ الصَّلاَةَ سُئِلَ عَمَّا قَالُوا فَإِنْ قَالَ كَذَبُوا، وَقَدْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُصَلِّيَ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ صُدِّقَ، وَإِنْ قَالَ نَسِيت صُدِّقَ وَكَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّهُ صَلَّى جَالِسًا، وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنْ قَالَ: أَنَا مَرِيضٌ أَوْ تَطَوَّعْت صُدِّقَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ قِيلَ يُسْتَتَابُ تَارِكُ الصَّلاَةِ ثَلاَثًا، وَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حَسَنٌ فَإِنْ صَلَّى فِي الثَّلاَثِ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَقَدْ خَالَفَنَا بَعْضُ النَّاسِ فِيمَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ إذَا أُمِرَ بِهَا، وَقَالَ: لاَ أُصَلِّيهَا فَقَالَ: لاَ يُقْتَلُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَضْرِبُهُ وَأَحْبِسُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَحْبِسُهُ، وَلاَ أَضْرِبُهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ لاَ أَضْرِبُهُ، وَلاَ أَحْبِسُهُ، وَهُوَ أَمِينٌ عَلَى صَلاَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لِمَنْ يَقُولُ لاَ أَقْتُلُهُ: أَرَأَيْت الرَّجُلَ تَحْكُمُ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ بِرَأْيِك وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ فَيَقُولُ قَدْ أَخْطَأْت الْحُكْمَ، وَوَاللَّهِ لاَ أُسَلِّمُ مَا حَكَمْت بِهِ لِمَنْ حَكَمْت لَهُ قَالَ فَإِنْ قَدَرْتُ عَلَى أَخْذِهِ مِنْهُ أَخَذْتُهُ مِنْهُ، وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ لَمْ أَقْدِرْ، وَنَصَبَ دُونَهُ قَاتَلْتُهُ حَتَّى آخُذَهُ أَوْ أَقْتُلَهُ فَقُلْت لَهُ: وَحُجَّتُك أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَاتَلَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ، قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَك: الزَّكَاةُ فَرْضٌ مِنْ اللَّهِ لاَ يَسَعُ جَهْلُهُ، وَحُكْمُك رَأْيٌ مِنْك يَجُوزُ لِغَيْرِك عِنْدَك، وَعِنْدَ غَيْرِك أَنْ يَحْكُمَ بِخِلاَفِهِ فَكَيْفَ تَقْتُلُنِي عَلَى مَا لَسْت عَلَى ثِقَةٍ مِنْ أَنَّك أَصَبْت فِيهِ كَمَا تَقْتُلُ مَنْ مَنَعَ فَرْضَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الزَّكَاةِ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ حَقٌّ عِنْدِي وَعَلَيَّ جَبْرُك عَلَيْهِ. قُلْت: قَالَ لَك، وَمَنْ قَالَ لَك إنَّ عَلَيْك جَبْرِي عَلَيْهِ؟ قَالَ: إنَّمَا وُضِعَ الْحُكَّامُ لِيُجْبِرُوا عَلَى مَا رَأَوْا قُلْت: فَإِنْ قَالَ لَك: عَلَيَّ مَا حَكَمُوا بِهِ مِنْ حُكْمِ اللَّهِ أَوْ السُّنَّةِ أَوْ مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ؟ قَالَ: قَدْ يَحْكُمُونَ بِمَا فِيهِ الِاخْتِلاَفُ قُلْت: فَإِنْ قَالَ: فَهَلْ سَمِعْت بِأَحَدٍ مِنْهُمْ قَاتَلَ عَلَى رَدِّ رَأْيِهِ فَتَقْتَدِي بِهِ؟ فَقَالَ: وَأَنَا لَمْ أَجِدْ هَذَا فَإِنِّي إذَا كَانَ لِي الْحُكْمُ فَامْتَنَعَ مِنْهُ قَاتَلْتُهُ عَلَيْهِ قُلْت: وَمَنْ قَالَ لَك هَذَا؟ وَقُلْت: أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لَك قَائِلٌ: مَنْ ارْتَدَّ عَنْ الْإِسْلاَمِ إذَا عَرَضْتَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ قَدْ عَرَفْتُهُ، وَلاَ أَقُولُ بِهِ أَحْبِسُهُ وَأَضْرِبُهُ حَتَّى يَقُولَ بِهِ قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ بَدَّلَ دِينَهُ، وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَقُولَ بِهِ قُلْت: أَفَتَعْدُو الصَّلاَةُ إذْ كَانَتْ مِنْ دِينِهِ، وَكَانَتْ لاَ تَكُونُ إلَّا بِهِ كَمَا لاَ يَكُونُ الْقَوْلُ بِالْإِيمَانِ إلَّا بِهِ أَنْ يُقْتَلَ عَلَى تَرْكِهَا أَوْ يَكُونَ أَمِينًا فِيهَا كَمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِك: فَلاَ نَحْبِسُهُ، وَلاَ نَضْرِبُهُ؟ قَالَ لاَ يَكُونُ أَمِينًا عَلَيْهَا إذَا ظَهَرَ لِي أَنَّهُ لاَ يُصَلِّيهَا، وَهِيَ حَقٌّ عَلَيْهِ قُلْت أَفَتَقْتُلُهُ بِرَأْيِك فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ حُكْمِك بِرَأْيِك، وَتَدَعُ قَتْلَهُ فِي الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ أَبْيَنُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ بَعْدَ تَوْحِيدِ اللَّهِ وَشَهَادَةِ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِيمَانِ بِمَا جَاءَ بِهِ مِنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى.
أَخْبَرَنَا الرَّبِيعُ قَالَ: قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لِمَنْ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ، أَمَا عَلِمْت أَنَّ اللَّهَ أَفْتَانِي فِي أَمْرٍ اسْتَفْتَيْتُهُ فِيهِ؟!» وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَثَ كَذَا وَكَذَا يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَأْتِي النِّسَاءَ، وَلاَ يَأْتِيهِنَّ، أَتَانِي رَجُلاَنِ فَجَلَسَ أَحَدُهُمَا عِنْدَ رِجْلَيَّ وَالْآخَرُ عِنْدَ رَأْسِي فَقَالَ الَّذِي عِنْدَ رِجْلَيَّ لِلَّذِي عِنْدَ رَأْسِي: مَا بَالُ الرَّجُلِ؟ قَالَ: مَطْبُوبٌ، قَالَ وَمَنْ طَبَّهُ، قَالَ لَبِيدُ بْنُ أَعْصَمَ، قَالَ: وَفِيمَ؟ قَالَ: فِي جُفِّ طَلْعَةٍ ذَكَرٍ فِي مُشْطٍ وَمُشَاقَةٍ تَحْتَ رَعُونَةٍ أَوْ رَعُوفَةٍ فِي بِئْرِ ذَرْوَانَ قَالَ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «هَذِهِ الَّتِي أُرِيتُهَا كَأَنَّ رُءُوسَ نَخْلِهَا رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ، وَكَأَنَّ مَاءَهَا نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ». قَالَ: فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُخْرِجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَهَلَّا. قَالَ سُفْيَانُ: تَعْنِي تَنَشَّرْت قَالَتْ: فَقَالَ: «أَمَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَقَدْ شَفَانِي، وَأَكْرَهُ أَنْ أُثِيرَ عَلَى النَّاسِ مِنْهُ شَرًّا». قَالَ: وَلَبِيدُ بْنُ أَعْصُمَ مِنْ بَنِي زُرَيْقٍ حَلِيفُ الْيَهُودِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ بَجَالَةَ يَقُولُ كَتَبَ عُمَرُ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ. فَقَتَلْنَا ثَلاَثَ سَوَاحِرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَخْبَرَنَا أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَتْ جَارِيَةً لَهَا سَحَرَتْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالسِّحْرُ اسْمٌ جَامِعٌ لَمَعَانٍ مُخْتَلِفَةٍ فَيُقَالُ لِلسَّاحِرِ صِفْ السِّحْرَ الَّذِي تَسْحَرُ بِهِ فَإِنْ كَانَ مَا يَسْحَرُ بِهِ كَلاَمَ كُفْرٍ صَرِيحٍ اُسْتُتِيبَ مِنْهُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَأُخِذَ مَالُهُ فَيْئًا، وَإِنْ كَانَ مَا يَسْحَرُ بِهِ كَلاَمًا لاَ يَكُونُ كُفْرًا وَكَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ، وَلَمْ يَضُرَّ بِهِ أَحَدًا نُهِيَ عَنْهُ فَإِنْ عَادَ عُزِّرَ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَضُرُّ بِهِ أَحَدًا مِنْ غَيْرِ قَتْلٍ فَعَمَدَ أَنْ يَعْمَلَهُ عُزِّرَ، وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ عَمَلاً إذَا عَمِلَهُ قُتِلَ الْمَعْمُولُ بِهِ وَقَالَ عَمَدْت قَتْلَهُ قُتِلَ بِهِ قَوَدًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنْ يَأْخُذُوا دِيَتَهُ حَالَّةً فِي مَالِهِ، وَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَعْمَلُ بِهَذَا لِأَقْتُلَ فَيُخْطِئَ الْقَتْلُ وَيُصِيبَ، وَقَدْ مَاتَ مِمَّا عَمِلْت بِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ، وَلاَ قَوَدَ، وَإِنْ قَالَ قَدْ سَحَرْتُهُ سِحْرًا مَرِضَ مِنْهُ، وَلَمْ يَمُتْ مِنْهُ أَقْسَمَ أَوْلِيَاؤُهُ لَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ، وَكَانَتْ لَهُمْ الدِّيَةُ، وَلاَ قَوَدَ لَهُمْ مَالُ السَّاحِرِ، وَلاَ يَغْنَمُ إلَّا فِي أَنْ يَكُونَ السِّحْرُ كُفْرًا مُصَرَّحًا، وَأَمَرَ عُمَرُ أَنْ يُقْتَلَ السَّحَّارَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ إنْ كَانَ السِّحْرُ كَمَا وَصَفْنَا شِرْكًا، وَكَذَلِكَ أَمَرَ حَفْصَةَ، وَأَمَّا بَيْعُ عَائِشَةَ الْجَارِيَةَ، وَلَمْ تَأْمُرْ بِقَتْلِهَا فَيُشْبِهُ أَنْ تَكُونَ لَمْ تَعْرِفْ مَا السِّحْرُ فَبَاعَتْهَا لِأَنَّ لَهَا بَيْعَهَا عِنْدَنَا وَإِنْ لَمْ تَسْحَرْهَا، وَلَوْ أَقَرَّتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ السِّحْرَ شِرْكٌ مَا تَرَكَتْ قَتْلَهَا إنْ لَمْ تَتُبْ أَوْ دَفَعَتْهَا إلَى الْإِمَامِ لِيَقْتُلَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَحَدِيثُ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَحَدِ هَذِهِ الْمَعَانِي عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَقَنَ اللَّهُ الدِّمَاءَ، وَمَنَعَ الْأَمْوَالَ إلَّا بِحَقِّهَا بِالْإِيمَانِ بِاَللَّهِ، وَبِرَسُولِهِ أَوْ عَهْدٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ بِاَللَّهِ وَرَسُولِهِ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَأَبَاحَ دِمَاءَ الْبَالِغِينَ مِنْ الرِّجَالِ بِالِامْتِنَاعِ مِنْ الْإِيمَانِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ عَهْدٌ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ} إلَى: {غَفُورٌ رَحِيمٌ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ أَزَالُ أُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوهَا فَقَدْ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إلَّا بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَاَلَّذِي أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُقْتَلُوا حَتَّى يَتُوبُوا، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، أَهْلُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ، وَغَيْرِهِمْ الَّذِينَ لاَ كِتَابَ لَهُمْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ لَهُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَمَنْ لَمْ يَزَلْ عَلَى الشِّرْكِ مُقِيمًا لَمْ يُحَوَّلْ عَنْهُ إلَى الْإِسْلاَمِ فَالْقَتْلُ عَلَى الرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ مِنْهُمْ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: وَمَنْ انْتَقَلَ عَنْ الشِّرْكِ إلَى إيمَانٍ ثُمَّ انْتَقَلَ عَنْ الْإِيمَانِ إلَى الشِّرْكِ مِنْ بَالِغِي الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إنْ اسْتَطَاعُوا} إلَى {هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ حَمَّادٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلاَثٍ، كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ، أَوْ زِنًا بَعْدَ إحْصَانٍ، أَوْ قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَمَّا بَلَغَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه حَرَّقَ الْمُرْتَدِّينَ أَوْ الزَّنَادِقَةَ قَالَ: لَوْ كُنْت أَنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ، وَلَقَتَلْتُهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وَلَمْ أُحَرِّقْهُمْ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُعَذِّبَ بِعَذَابِ اللَّهِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ثَابِتٌ، وَلِمَ أَرَ أَهْلَ الْحَدِيثِ يُثْبِتُونَ الْحَدِيثَيْنِ بَعْدَ حَدِيثِ زَيْدٍ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ، وَلاَ الْحَدِيثَ قَبْلَهُ. قال: وَمَعْنَى حَدِيثِ عُثْمَانَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ»، وَمَعْنَى،: «مَنْ بَدَّلَ قُتِلَ» مَعْنًى يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ، وَهُوَ الْإِسْلاَمُ لاَ مَنْ بَدَّلَ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ وَذَلِكَ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ دِينِ الْإِسْلاَمِ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَدْيَانِ فَإِنَّمَا خَرَجَ مِنْ بَاطِلٍ إلَى بَاطِلٍ، وَلاَ يُقْتَلُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْبَاطِلِ إنَّمَا يُقْتَلُ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْحَقِّ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدِّينِ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَعَلَى خِلاَفِهِ النَّارَ إنَّمَا كَانَ عَلَى دِينٍ لَهُ النَّارُ إنْ أَقَامَ عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {إنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلاَمُ}، وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلْ مِنْهُ} إلَى قَوْلِهِ: {مِنْ الْخَاسِرِينَ} وَقَالَ: {وَوَصَّى بِهَا إبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ} إلَى قَوْلِهِ: {مُسْلِمُونَ}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُتِلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ الْمُرْتَدَّةُ فَأَمْوَالُهُمَا فَيْءٌ لاَ يَرِثُهَا مُسْلِمٌ وَلاَ ذِمِّيٌّ، وَسَوَاءٌ مَا كَسَبَا مِنْ أَمْوَالِهِمَا فِي الرِّدَّةِ أَوْ مَلَكَا قَبْلَهَا، وَلاَ يُسْبَى لِلْمُرْتَدِّينَ ذُرِّيَّةٌ امْتَنَعَ الْمُرْتَدُّونَ فِي دَارِهِمْ أَوْ لَمْ يَمْتَنِعُوا أَوْ لَحِقُوا فِي الرِّدَّةِ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ أَقَامُوا بِدَارِ الْإِسْلاَمِ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْإِسْلاَمِ قَدْ ثَبَتَتْ لِلذُّرِّيَّةِ بِحُكْمِ الْإِسْلاَمِ فِي الدِّينِ وَالْحُرِّيَّةِ، وَلاَ ذَنْبَ لَهُمْ فِي تَبْدِيلِ آبَائِهِمْ، ويوارثون، وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَمَنْ بَلَغَ مِنْهُمْ الْحِنْثَ أُمِرَ بِالْإِسْلاَمِ فَإِنْ أَسْلَمَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَلَوْ ارْتَدَّ الْمُعَاهَدُونَ فَامْتَنَعُوا أَوْ هَرَبُوا إلَى دَارِ الْكُفَّارِ، وَعِنْدَنَا ذَرَارِيُّ لَهُمْ وُلِدُوا مِنْ أَهْلِ عَهْدٍ لَمْ نَسْبِهِمْ، وَقُلْنَا لَهُمْ إذَا بَلَغُوا ذَلِكَ- إنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ الْعَهْدُ، وَإِلَّا نَبَذْنَا إلَيْكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ فَأَنْتُمْ حَرْبٌ- وَمِنْ وُلِدَ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَالذِّمِّيِّينَ فِي الرِّدَّةِ لَمْ يُسْبَ لِأَنَّ آبَاءَهُمْ لاَ يُسْبَوْنَ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ مَا كَانَ حَيًّا فَإِنْ مَاتَ عَلَى الرِّدَّةِ أَوْ قُتِلَ جَعَلْنَا مَالَهُ فَيْئًا، وَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ فَمَالُهُ لَهُ، وَإِذَا ارْتَدَّ رَجُلٌ عَنْ الْإِسْلاَمِ أَوْ امْرَأَةٌ اُسْتُتِيبَ أَيُّهُمَا ارْتَدَّ، فَظَاهِرُ الْخَبَرِ فِيهِ أَنْ يُسْتَتَابَ مَكَانَهُ فَإِنْ تَابَ، وَإِلَّا قُتِلَ، وَقَدْ يَحْتَمِلُ الْخَبَرُ أَنْ يُسْتَتَابَ مُدَّةً مِنْ الْمُدَدِ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْقَارِي عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: قَدِمَ عَلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ قِبَلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فَسَأَلَهُ عَنْ النَّاسِ فَأَخْبَرَهُ ثُمَّ قَالَ: هَلْ كَانَ فِيكُمْ مِنْ مُغَرِّبَةِ خَبَرٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ رَجُلٌ كَفَرَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ قَالَ: فَمَا فَعَلْتُمْ بِهِ؟ قَالَ: قَرَّبْنَاهُ فَضَرَبْنَا عُنُقَهُ، فَقَالَ عُمَرُ: فَهَلَّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلاَثًا وَأَطْعَمْتُمُوهُ كُلَّ يَوْمٍ رَغِيفًا، وَاسْتَتَبْتُمُوهُ لَعَلَّهُ يَتُوبُ، وَيُرَاجِعُ أَمْرَ اللَّهِ اللَّهُمَّ إنِّي لَمْ أَحْضُرْ، وَلَمْ آمُرْ، وَلَمْ أَرْضَ إذْ بَلَغَنِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي حَبْسِهِ ثَلاَثًا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «يَحِلُّ الدَّمُ بِثَلاَثٍ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ»، وَهَذَا قَدْ كَفَرَ بَعْدَ إيمَانِهِ، وَبَدَّلَ دِينَهُ دِينَ الْحَقِّ، وَلَمْ يَأْمُرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ بِأَنَاةٍ مُؤَقَّتَةٍ تُتَّبَعُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ إنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَجَّلَ بَعْضَ مَنْ قَضَى بِعَذَابِهِ أَنْ يَتَمَتَّعَ فِي دَارِهِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ نُزُولَ نِقْمَةِ اللَّهِ بِمَنْ عَصَمَاهُ مُخَالِفٌ لِمَا يَجِبُ عَلَى الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُومُوا بِهِ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى ذَلِكَ؟ قِيلَ: دَلَّ عَلَيْهِ مَا قَضَى اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ إمْهَالِهِ لِمَنْ كَفَرَ بِهِ، وَعَصَاهُ، وَقِيلَ: أَسَلْنَاهُ مُدَدًا طَالَتْ، وَقَصُرَتْ، وَمِنْ أَخْذِهِ بَعْضَهُمْ بِعَذَابٍ مُعَجَّلٍ، وَإِمْهَالِهِ بَعْضَهُمْ إلَى عَذَابِ الْآخِرَةِ الَّذِي هُوَ أَخْزَى فَأَمْضَى قَضَاءَهُ عَلَى مَا أَرَادَ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ، وَلَمْ يَجْعَلْ هَذَا لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ فَمَا وَجَبَ مِنْ حُقُوقِهِ فَالْمُتَأَنَّى بِهِ ثَلاَثًا لِيَتُوبَ بَعْدَ ثَلاَثٍ كَهَيْئَتِهِ قَبْلَهَا إمَّا لاَ يَنْقَطِعُ مِنْهُ الطَّمَعُ مَا عَاشَ لِأَنَّهُ يُئِسَ مِنْ تَوْبَتِهِ ثُمَّ يَتُوبُ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ إغْرَامُهُ يَقْطَعُ الطَّمَعَ مِنْهُ فَذَلِكَ يَكُونُ فِي مَجْلِسٍ، وَهَذَا قَوْلٌ يَصِحُّ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ، وَمَنْ قَالَ: لاَ يَتَأَنَّى بِهِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رُوِيَ عَنْ عُمَرَ لَوْ حَبَسْتُمُوهُ ثَلاَثًا، لَيْسَ بِثَابِتٍ لِأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُهُ مُتَّصِلاً، وَإِنْ كَانَ ثَابِتًا كَأَنْ لَمْ يُجْعَلْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ قَبْلَ ثَلاَثٍ شَيْئًا، وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّهُ يُحْبَسُ ثَلاَثًا، وَمَنْ قَالَ بِهِ احْتَجَّ بِأَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه أَمَرَ بِهِ، وَأَنَّهُ قَدْ يَجِبُ الْحَدُّ فَيَتَأَنَّى بِهِ الْإِمَامُ بَعْضَ الْأَنَاةِ فَلاَ يُعَابُ عَلَيْهِ. قَالَ الرَّبِيعُ: قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: لاَ يُقْتَلُ حَتَّى يَجُوزَ كُلُّ وَقْتِ صَلاَةٍ فَيُقَالُ لَهُ: قُمْ فَصَلِّ فَإِنْ لَمْ يُصَلِّ قُتِلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي الْمُرْتَدِّ فَقَالَ مِنْهُمْ قَائِلٌ: مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ ثُمَّ ارْتَدَّ إلَى دِينٍ يُظْهِرُهُ أَوْ لاَ يُظْهِرُهُ لَمْ يُسْتَتَبْ وَقُتِلَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَوَاءٌ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ أَسْلَمَ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهَا فَأَيُّهُمَا ارْتَدَّ فَكَانَتْ رِدَّتُهُ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ أَوْ دِينٍ يُظْهِرُهُ اُسْتُتِيبَ فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ، وَإِنْ كَانَتْ رِدَّتُهُ إلَى دِينٍ لاَ يُظْهِرُهُ مِثْلُ الزَّنْدَقَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا قُتِلَ، وَلَمْ يُنْظَرْ إلَى تَوْبَتِهِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ سَوَاءٌ مَنْ وُلِدَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَمَنْ لَمْ يُولَدْ عَلَيْهَا إذَا فَأَيُّهُمَا ارْتَدَّ اُسْتُتِيبَ، فَإِنْ تَابَ قُبِلَ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قُتِلَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَبِهَذَا أَقُولُ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لِمَ اخْتَرْتَهُ؟ قِيلَ لَهُ: لِأَنَّ الَّذِي أَبَحْتُ بِهِ دَمَ الْمُرْتَدِّ مَا أَبَاحَ اللَّهُ بِهِ دِمَاءَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ» فَلاَ يَعْدُو قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ كَلِمَةَ الْكُفْرِ تُوجِبُ دَمَهُ كَمَا يُوجِبُهُ الزِّنَا بَعْدَ الْإِحْصَانِ فَقُتِلَ بِمَا أَوْجَبَ دَمَهُ مِنْ كَلِمَةِ الْكُفْرِ إلَى أَيِّ كُفْرٍ رَجَعَ، وَمَوْلُودًا عَلَى الْفِطْرَةِ كَانَ أَوْ غَيْرَ مَوْلُودٍ، أَوْ يَكُونُ إنَّمَا يُوجِبُ دَمَهُ كُفْرٌ ثَبَتَ عَنْهُ إذَا سُئِلَ النُّقْلَةَ عَنْهُ امْتَنَعَ، وَهَذَا أَوْلَى الْمَعْنَيَيْنِ بِهِ عِنْدَنَا لِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَتَلَ مُرْتَدًّا رَجَعَ عَنْ الْإِسْلاَمِ وَأَبُو بَكْرٍ قَتَلَ الْمُرْتَدِّينَ وَعُمَرُ قَتَلَ طُلَيْحَةَ، وَعُيَيْنَةَ بْنَ بَدْرٍ، وَغَيْرَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوْلاَنِ اللَّذَانِ تَرَكْتُ لَيْسَا بِوَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ اللَّذَيْنِ لاَ وَجْهَ لِمَا جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُهُمَا، وَإِنَّمَا كُلِّفَ الْعِبَادُ الْحُكْمَ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ، وَتَوَلَّى اللَّهُ الثَّوَابَ عَلَى السَّرَائِرِ دُونَ خَلْقِهِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إذَا جَاءَك الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إنَّك لَرَسُولُ اللَّهِ وَاَللَّهُ يَعْلَمُ إنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} إلَى قَوْلِهِ: {فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ}. قال: وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَللَّهُ يَشْهَدُ إنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} مَا هُمْ بِمُخْلِصِينَ، وَفِي قَوْلِ اللَّهِ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ أَظْهَرُوا الرُّجُوعَ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ اسْمُهُ: {يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إسْلاَمِهِمْ} فَحَقَنَ بِمَا أَظْهَرُوا مِنْ الْحَلِفِ مَا قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ دِمَاءَهُمْ بِمَا أَظْهَرُوا. قال: وَقَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ إظْهَارَ الْإِيمَانِ جُنَّةٌ مِنْ الْقَتْلِ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ السَّرَائِرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ عَنْ الْمِقْدَادِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنْ الْكُفَّارِ فَقَاتَلَنِي فَضَرَبَ إحْدَى يَدَيَّ بِسَيْفٍ فَقَطَعَهَا ثُمَّ لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقْتُلْهُ». قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّهُ قَطَعَ إحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ قَطَعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ تَقْتُلْهُ؛ فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ». قَالَ الرَّبِيعُ: مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: «فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِك قَبْلَ أَنْ تَقْتُلَهُ، وَإِنَّك بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ» - يَعْنِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَتِك حَرَامُ الدَّمِ، وَأَنْتَ إنْ قَتَلْتَهُ بِمَنْزِلَتِهِ كُنْت مُبَاحَ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الَّذِي قَالَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُنَافِقِينَ دَلاَلَةٌ عَلَى أُمُورٍ مِنْهَا، لاَ يُقْتَلُ مَنْ أَظْهَرَ التَّوْبَةَ مِنْ كُفْرٍ بَعْدَ إيمَانٍ، وَمِنْهَا أَنَّهُ حَقَنَ دِمَاءَهُمْ وَقَدْ رَجَعُوا إلَى غَيْرِ يَهُودِيَّةٍ، وَلاَ نَصْرَانِيَّةٍ، وَلاَ مَجُوسِيَّةٍ، وَلاَ دِينٍ يُظْهِرُونَهُ إنَّمَا أَظْهَرُوا الْإِسْلاَمَ، وَأَسَرُّوا الْكُفْرَ فَأَقَرَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الظَّاهِرِ عَلَى أَحْكَامِ الْمُسْلِمِينَ فَنَاكَحُوا الْمُسْلِمِينَ وَوَارَثُوهُمْ وَأُسْهِمَ لِمَنْ شَهِدَ الْحَرْبَ مِنْهُمْ، وَتُرِكُوا فِي مَسَاجِدِ الْمُسْلِمِينَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ رَجْعَ عَنْ الْإِيمَانِ أَبَدًا أَشَدُّ وَلاَ أَبْيَنُ كُفْرًا مِمَّنْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ كُفْرِهِ بَعْدَ إيمَانِهِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ أَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْ أَسْرَارِهِمْ، وَلَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْهُ الْآدَمِيُّونَ فَمِنْهُمْ مَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَرَّ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَنْكَرَ بَعْدَ الشَّهَادَةِ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَنْهُمْ بِقَوْلٍ ظَاهِرٍ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ رَسُولُهُ إلَّا غُرُورًا} فَكُلُّهُمْ إذَا قَالَ مَا قَالَ، وَثَبَتَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ جَحَدَ أَوْ أَقَرَّ، وَأَظْهَرَ الْإِسْلاَمَ تُرِكَ بِإِظْهَارِ الْإِسْلاَمِ فَلَمْ يُقْتَلْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} إلَى قَوْلِهِ: {فَاسِقُونَ} فَإِنَّ صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَالِفَةٌ صَلاَةَ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ لِأَنَّا نَرْجُو أَنْ لاَ يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ إلَّا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَرَحِمَهُ، وَقَدْ قَضَى اللَّهُ {إنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَلَنْ تَجِدْ لَهُمْ نَصِيرًا}، وَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ} فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا دَلَّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ صَلاَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ نُهِيَ عَنْهُمْ، وَصَلاَةِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِهِ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى عَنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ بِنَهْيِ اللَّهِ لَهُ وَلَمْ يَنْهَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا، وَلاَ عَنْ مَوَارِيثِهِمْ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَإِنَّ تَرْكَ قَتْلِهِمْ جُعِلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فَذَلِكَ يَدْخُلُ عَلَيْهِ فِيمَا سِوَاهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَيُقَالُ فِيمَنْ تَرَكَ عليه السلام قَتْلَهُ أَوْ قَتَلَهُ جُعِلَ هَذَا لَهُ خَاصَّةً وَلَيْسَ هَذَا لِأَحَدٍ إلَّا بِأَنْ تَأْتِيَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنَّ أَمْرًا جُعِلَ خَاصَّةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِلَّا فَمَا صَنَعَ عَامٌّ، عَلَى النَّاسِ الِاقْتِدَاءُ بِهِ فِي مِثْلِهِ إلَّا مَا بَيَّنَ هُوَ أَنَّهُ خَاصٌّ أَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ دَلاَلَةٌ بِخَبَرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَدْ عَاشَرُوا أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ أَئِمَّةَ الْهُدَى، وَهُمْ يَعْرِفُونَ بَعْضَهُمْ فَلَمْ يَقْتُلُوا مِنْهُمْ أَحَدًا، وَلَمْ يَمْنَعُوهُ حُكْمَ الْإِسْلاَمِ فِي الظَّاهِرِ إذْ كَانُوا يُظْهِرُونَ الْإِسْلاَمَ، وَكَانَ عُمَرُ يَمُرُّ بِحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ إذَا مَاتَ مَيِّتٌ فَإِنْ أَشَارَ عَلَيْهِ أَنْ اجْلِسْ جَلَسَ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُنَافِقٌ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ مُسْلِمًا، وَإِنَّمَا يَجْلِسُ عُمَرُ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ عَنْ الصَّلاَةِ عَلَيْهِ مُبَاحٌ لَهُ فِي غَيْرِ الْمُنَافِقِ إذَا كَانَ لَهُمْ مَنْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ سِوَاهُ، وَقَدْ يَرْتَدُّ الرَّجُلُ إلَى النَّصْرَانِيَّةِ ثُمَّ يُظْهِرُ التَّوْبَةَ مِنْهَا وَقَدْ يُمْكِنُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مُقِيمًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ مُجَامَعَةِ النَّصَارَى وَلاَ غِشْيَانِ الْكَنَائِسِ، فَلَيْسَ فِي رِدَّتِهِ إلَى دِينٍ لاَ يُظْهِرُهُ إذَا أَظْهَرَ التَّوْبَةَ شَيْءٌ يُمَكِّنُ بِأَنْ يَقُولَ قَائِلٌ لاَ أَجِدُ دَلاَلَةً عَلَى تَوْبَتِهِ بِغَيْرِ قَوْلِهِ إلَّا، وَهُوَ يَدْخُلُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ، وَكُلُّ دِينٍ يُظْهِرُهُ وَيُمْكِنُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ يُظْهِرَ رِدَّتَهُ أَنْ يَكُونَ مُشْتَمِلاً عَلَى الرِّدَّةِ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمْ أُكَلَّفْ هَذَا إنَّمَا كُلِّفْت مَا ظَهَرَ، وَاَللَّهُ وَلِيُّ مَا غَابَ فَأَقْبَلُ الْقَوْلَ بِالْإِيمَانِ إذَا قَالَهُ ظَاهِرًا وَأَنْسُبُهُ إلَيْهِ، وَأَعْمَلُ بِهِ إذَا عَمِلَ فَهَذَا وَاحِدٌ فِي كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ لاَ يَخْتَلِفُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُ إلَّا بِحُجَّةٍ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ بَيْنَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ لِلَّهِ حُكْمًا، وَلاَ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفَرِّقُ بَيْنَهُ، وَأَحْكَامُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تَدُلُّ عَلَى أَنْ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى أَحَدٍ إلَّا بِظَاهِرٍ، وَالظَّاهِرُ مَا أَقَرَّ بِهِ أَوْ مَا قَامَتْ بِهِ بَيِّنَةٌ تُثْبِتُ عَلَيْهِ، فَالْحُجَّةُ فِيمَا وَصَفْنَا مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَفِي الرَّجُلِ الَّذِي اسْتَفْتَى فِيهِ الْمِقْدَادُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَطَعَ يَدَهُ عَلَى الشِّرْكِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَهَلَّا كَشَفْت عَنْ قَلْبِهِ؟» يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَك إلَّا ظَاهِرُهُ، وَفِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُتَلاَعِنَيْنِ: «إنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ كَذَبَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أُدَيْعِجَ جَعْدًا فَلاَ أَرَاهُ إلَّا قَدْ صَدَقَ». فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّ أَمْرَهُ لَبَيِّنٌ لَوْلاَ مَا حَكَمَ اللَّهُ». وَفِي قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، وَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ فَلاَ يَأْخُذْ بِهِ فَإِنِّي إنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَفِي كُلِّ هَذَا دَلاَلَةٌ بَيِّنَةٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا لَمْ يَقْضِ إلَّا بِالظَّاهِرِ فَالْحُكَّامُ بَعْدَهُ أَوْلَى أَنْ لاَ يَقْضُوا إلَّا عَلَى الظَّاهِرِ، وَلاَ يَعْلَمُ السَّرَائِرَ إلَّا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالظُّنُونُ مُحَرَّمٌ عَلَى النَّاسِ، وَمَنْ حَكَمَ بِالظَّنِّ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ أَوْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَهَرَبَ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ غَيْرِهَا، وَلَهُ نِسَاءٌ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدٍ، وَمُكَاتَبُونَ وَمُدَبَّرُونَ، وَمَمَالِيكُ، وَأَمْوَالٌ مَاشِيَةٌ، وَأَرْضُونَ وَدُيُونٌ لَهُ عَلَيْهِ أَمَرَ الْقَاضِي نِسَاءَهُ أَنْ يَعْتَدِدْنَ، وَأَنْفَقَ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ جَاءَ تَائِبًا، وَهُنَّ فِي عِدَّتِهِنَّ فَهُوَ عَلَى النِّكَاحِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ تَائِبًا حَتَّى تَمْضِيَ عِدَّتُهُنَّ فَقَدْ انْفَسَخْنَ مِنْهُ، وَيَنْكِحْنَ مَنْ شِئْنَ، وَوَقَفَ أُمَّهَاتِ الْأَوْلاَدِ فَمَتَى جَاءَ تَائِبًا فَهُنَّ فِي مِلْكِهِ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِنَّ مِنْ مَالِهِ فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَتَقْنَ، وَكَانَ مُكَاتَبُوهُ عَلَى كِتَابَتِهِمْ تُؤْخَذُ نُجُومُهُمْ فَإِنْ عَجَزُوا رَجَعُوا رَقِيقًا، وَنَظَرَ فِيمَنْ بَقِيَ مِنْ رَقِيقِهِ فَإِنْ كَانَ حَبْسُهُمْ أَزْيَدَ فِي مَالِهِ حَبَسَهُمْ أَوْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَزِيدُ فِي مَالِهِ بِخَرَاجٍ أَوْ بِصِنَاعَةٍ أَوْ كِفَايَةٍ لِضَيْعَةٍ، وَإِنْ كَانَ حَبْسُهُمْ يُنْقِصُ مِنْ مَالِهِ أَوْ حَبْسُ بَعْضِهِمْ بَاعَ مَنْ كَانَ حَبْسُهُ مِنْهُمْ نَاقِصًا لِمَالِهِ وَهَكَذَا يَصْنَعُ فِي مَاشِيَتِهِ، وَأَرْضِهِ، وَدُورِهِ، وَرَقِيقِهِ وَيَقْتَضِي دَيْنَهُ، وَيَقْضِي عَنْهُ مَا حَلَّ مِنْ دَيْنٍ عَلَيْهِ فَإِنْ رَجَعَ تَائِبًا سَلَّمَ إلَيْهِ مَا وَقَفَ مِنْ مَالِهِ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ كَانَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ جَنَى فِي رِدَّتِهِ جِنَايَةً لَهَا أَرْشٌ أُخِذَ مِنْ مَالِهِ، وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ فَالْجِنَايَةُ هَدَرٌ لِأَنَّ دَمَهُ مُبَاحٌ فَمَا دُونَ دَمِهِ أَوْلَى أَنْ يُبَاحَ مِنْ دَمِهِ. قَالَ: وَإِنْ أَعْتَقَ فِي رِدَّتِهِ أَحَدًا مِنْ رَقِيقِهِ فَالْعِتْقُ مَوْقُوفٌ وَيُسْتَغَلُّ الْعَبْدُ، وَيُوقَفُ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ رَقِيقٌ، وَغَلَّتُهُ مَعَ عُنُقِهِ فَيْءٌ، وَإِنْ رَجَعَ تَائِبًا فَهُوَ حُرٌّ، وَلَهُ مَا غَلَّ بَعْدَ الْعِتْقِ. قال: وَإِنْ أَقَرَّ فِي رِدَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ فَهُوَ كَمَا وَصَفْتُ فِي الْعِتْقِ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ. قال: وَإِنْ، وَهَبَ فَلاَ تَجُوزُ الْهِبَةُ لِأَنَّهَا لاَ تَجُوزُ إلَّا مَقْبُوضَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ يُعْتِقُ فَيَبْطُلُ عِتْقُهُ وَيَتَصَدَّقُ فَتَبْطُلُ صَدَقَتُهُ، وَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِلاَيَةِ؟ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} فَكَانَ قَضَاءُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُحْبَسَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا وَيُؤْنَسَ مِنْهُمْ رُشْدٌ فَكَانَتْ فِي ذَلِكَ دَلاَلَةٌ عَلَى أَنْ لاَ أَمْرَ لَهُمْ، وَأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ بِرَحْمَةِ اللَّهِ لِصَلاَحِهِمْ فِي حَيَاتِهِمْ، وَلَمْ يُسَلَّطُوا عَلَى إتْلاَفِهَا فِيمَا لاَ يَلْزَمُهُمْ وَلاَ يُصْلِحُ مَعَايِشَهُمْ فَبَطَلَ مَا أَتْلَفُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُمْ عِتْقٌ وَلاَ صَدَقَةٌ، وَلَمْ يُحْبَسْ مَالُ الْمُرْتَدِّ بِنَظَرِ مَالِهِ وَلاَ بِأَنَّهُ لَهُ وَإِنْ كَانَ مُشْرِكًا، وَلَوْ كَانَ يَجُوزُ أَنْ يُتْرَكَ عَلَى شِرْكِهِ لَجَازَ أَمْرُهُ فِي مَالِهِ، لِأَنَّا لاَ نَلِي عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَمْوَالَهُمْ فَأَجَزْنَا عَلَيْهِ مَا صَنَعَ فِيهِ إنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ كَانَ لَنَا بِمَوْتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ مَا فِي أَيْدِينَا مِنْ مَالِهِ فَيْئًا، فَإِنْ قِيلَ أَوْ لَيْسَ مَالُهُ عَلَى حَالِهِ؟ قِيلَ: بَلْ مَالُهُ عَلَى شَرْطٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى: قَالَ بَعْضُ النَّاسِ إذَا ارْتَدَّتْ الْمَرْأَةُ عَنْ الْإِسْلاَمِ حُبِسَتْ وَلَمْ تُقْتَلْ، فَقُلْتُ لِمَنْ يَقُولُ هَذَا الْقَوْلَ: أَخَبَرًا قُلْتَهُ أَمْ قِيَاسًا؟ قَالَ: بَلْ خَبَرًا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَهْلِ نَاحِيَتِهِ قَوْلاً فِيهِ قُلْت الَّذِي قَالَ هَذَا خَطَّاءٌ وَمِنْهُمْ مَنْ أَبْطَلَهُ بِأَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْتُ: لَهُ قَدْ حَدَّثَ بَعْضُ مُحَدِّثِيكُمْ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّهُ قَتَلَ نِسْوَةً ارْتَدَدْنَ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَحْتَجَّ بِهِ إذْ كَانَ ضَعِيفًا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ. قال: فَإِنِّي أَقُولُهُ قِيَاسًا عَلَى السُّنَّةِ قُلْت: فَاذْكُرْهُ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ، فَإِذَا كَانَ النِّسَاءُ لاَ يُقْتَلْنَ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَانَ النِّسَاءُ اللَّاتِي ثَبَتَ لَهُنَّ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ أَوْلَى أَنْ لاَ يُقْتَلْنَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ أَوَيُشْبِهُ حُكْمُ دَارِ الْحَرْبِ الْحُكْمَ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ. قال: وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ؟ قُلْتُ أَنْتَ تُفَرِّقُ بَيْنَهُ. قال: وَأَيْنَ؟ قُلْت: أَرَأَيْت الْكَبِيرَ الْفَانِيَ، وَالرَّاهِبَ الْأَجِيرَ أَيُقْتَلُ مِنْ هَؤُلاَءِ أَحَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَالَ: لاَ قُلْت: فَإِنْ ارْتَدَّ رَجُلٌ فَتَرَهَّبَ أَوْ ارْتَدَّ أَجِيرًا نَقْتُلُهُ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: وَلِمَ؟، وَهَؤُلاَءِ قَدْ ثَبَتَ لَهُمْ حُرْمَةُ الْإِسْلاَمِ، وَصَارُوا كُفَّارًا فَلِمَ لاَ تَحْقِنُ دِمَاءَهُمْ؟ قال: لِأَنَّ قَتْلَ هَؤُلاَءِ كَالْحَدِّ لَيْسَ لِي تَعْطِيلُهُ قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا حَكَمْتَ بِهِ حُكْمَ الْحَدِّ أَنُسْقِطُهُ عَنْ الْمَرْأَةِ؟ أَرَأَيْتَ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ، وَالرَّجْمَ، وَالْجَلْدَ أَتَجِدُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ فَرْقًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت فَكَيْفَ لَمْ تَقْتُلْهَا بِالْحَدِّ فِي الرِّدَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْت لَهُ أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَتَغْنَمُ مَالَهَا، وَتَسْبِيهَا، وَتَسْتَرِقُّهَا قَالَ نَعَمْ قُلْت: فَتَصْنَعُ هَذَا بِالْمُرْتَدَّةِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ؟ قَالَ: لاَ، قَالَ فَقُلْتُ لَهُ: فَكَيْفَ جَازَ لَك أَنْ تَقِيسَ بِالشَّيْءِ مَا لاَ يُشْبِهُهُ فِي الْوَجْهَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ، وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَقُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ قَسَمْنَا مِيرَاثَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، وَقَضَيْنَا كُلَّ دَيْنٍ عَلَيْهِ إلَى أَجَلٍ وَأَعْتَقْنَا أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ، وَمُدَبَّرِيهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ نَرُدَّ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئًا إلَّا أَنْ نَجِدَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا فِي يَدَيْ أَحَدٍ مِنْ وَرَثَتِهِ فَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَالُهُ، وَمَنْ أَتْلَفَ مِنْ وَرَثَتِهِ شَيْئًا مِمَّا قَضَيْنَا لَهُ بِهِ مِيرَاثًا لَمْ يَضْمَنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لِأَعْلَى مَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ عِنْدَهُمْ: أُصُولُ الْعِلْمِ عِنْدَك أَرْبَعَةُ أُصُولٍ أَوْجَبُهَا وَأَوْلاَهَا أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ فَلاَ يُتْرَكُ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلاَ أَعْلَمُك إلَّا قَدْ جَرَّدْت خِلاَفَهُمَا، ثُمَّ الْقِيَاسُ، وَالْمَعْقُولُ عِنْدَك الَّذِي يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ هَذَيْنِ الْإِجْمَاعُ فَقَدْ خَالَفْت الْقِيَاسَ وَالْمَعْقُولَ، وَقُلْتَ فِي هَذَا قَوْلاً مُتَنَاقِضًا. قال: فَأَوْجِدْنِي مَا وَصَفْتَ قُلْتُ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {إنْ امْرُؤُ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} مَعَ مَا ذَكَرَ مِنْ آيِ الْمَوَارِيثِ أَلاَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ إنَّمَا مَلَّكَ الْأَحْيَاءَ بِالْمَوَارِيثِ مَا كَانَ الْمَوْتَى يَمْلِكُونَ إذَا كَانُوا أَحْيَاءً؟ قَالَ: بَلَى قُلْت: وَالْأَحْيَاءُ خِلاَفُ الْمَوْتَى؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: أَفَرَأَيْتَ الْمُرْتَدَّ بِبَعْضِ ثُغُورِنَا يَلْحَقُ بِمَسْلَحَةٍ لِأَهْلِ الْحَرْبِ يَرَاهَا فَيَكُونُ قَائِمًا بِقِتَالِنَا أَوْ مُتَرَهِّبًا أَوْ مُعْتَزِلاً لاَ تُعْرَفُ حَيَاتُهُ فَكَيْفَ حَكَمْتَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى وَهُوَ حَيٌّ؟ بِخَبَرٍ قُلْتَهُ أَمْ قِيَاسًا. قال: مَا قُلْتُهُ خَبَرًا قُلْت: وَكَيْفَ عِبْتَ أَنْ حَكَمَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ تَرَبَّصُ أَرْبَعَ سِنِينَ ثُمَّ تَعْتَدُّ، وَلَمْ يَحْكُمَا فِي مَالِهِ فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللَّهِ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُكْمِ الْمَوْتَى، وَإِنْ كَانَ الْأَغْلَبُ أَنَّهُ مَيِّتٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَيِّتٍ، وَلاَ يُحْكَمُ عَلَيْهِ إلَّا بِيَقِينٍ، وَحَكَمْتَ أَنْتَ عَلَيْهِ فِي سَاعَةٍ مِنْ نَهَارٍ حُكْمَ الْمَوْتَى فِي كُلِّ شَيْءٍ بِرَأْيِك ثُمَّ قُلْتَ فِيهِ قَوْلاً مُتَنَاقِضًا. قال: فَقَالَ أَلاَ تَرَانِي لَوْ أَخَذْتُهُ فَقَتَلْتُهُ قُلْت: وَقَدْ تَأْخُذُهُ فَلاَ تَقْتُلُهُ بِأَخْذِهِ مُبَرْسَمًا أَوْ أَخْرَسَ فَلاَ تَقْتُلُهُ حَتَّى يُفِيقَ فَتَسْتَتِيبَهُ قَالَ نَعَمْ. قال: وَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ لَوْ كُنْت إذَا أَخَذْتَهُ قَتَلْتَهُ أَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى، وَأَنْتَ لَمْ تَأْخُذْهُ وَلَمْ تَقْتُلْهُ، وَقَدْ تَأْخُذُهُ، وَلاَ تَقْتُلُهُ بِأَنْ يَتُوبَ بَعْدَمَا تَأْخُذُهُ، وَقَبْلَ تَغَيُّرِ حَالِهِ بِالْخَرَسِ؟ قال: فَإِنِّي أَقُولُ إذَا ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَيِّتٍ. قال: فَقُلْتُ لَهُ أَفَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ مَيِّتٌ يَحْيَا بِغَيْرِ خَبَرٍ؟ فَإِنْ جَازَ هَذَا لَك جَازَ لِغَيْرِك مِثْلُهُ ثُمَّ كَانَ لِأَهْلِ الْجَهْلِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا فِي الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ. قال: وَمَا ذَلِكَ لَهُمْ قُلْت: وَلِمَ؟ قال: لِأَنَّ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَقُولُوا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ أَمْرٍ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ أَوْ أَثَرٍ أَوْ قِيَاسٍ أَوْ مَعْقُولٍ، وَلاَ يَقُولُونَ بِمَا يَعْرِفُ النَّاسُ غَيْرَهُ إلَّا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ذَلِكَ كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ إجْمَاعٌ أَوْ أَثَرٌ، وَلاَ يَجُوزُ فِي الْقِيَاسِ أَنْ يُخَالَفَ قُلْت: هَذَا سُنَّةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ قُلْت: فَقَدْ قُلْت بِخِلاَفِ الْكِتَابِ، وَالْقِيَاسِ، وَالْمَعْقُولِ. قال: فَأَيْنَ خَالَفْتُ الْقِيَاسَ؟ قُلْت: أَرَأَيْتَ حِينَ زَعَمْت أَنَّ عَلَيْك إذَا ارْتَدَّ، وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ أَنْ تَحْكُمَ عَلَيْهِ حُكْمَ الْمَوْتَى، وَأَنَّك لاَ تَرُدُّ الْحُكْمَ إذَا جَاءَ لِأَنَّك إذَا حَكَمْت بِهِ لَزِمَك إنْ جَاءَتْ سُنَّةٌ فَتَرَكْتَهُ لَمْ تَحْكُمْ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ عَشْرَ سِنِينَ حَتَّى جَاءَ تَائِبًا ثُمَّ طَلَبَ مِنْك مَنْ كُنْت تَحْكُمُ فِي مَالِهِ حُكْمَ الْمَوْتَى أَنْ تُسَلِّمَ ذَلِكَ إلَيْهِ، وَقَالَ قَدْ لَزِمَك أَنْ تُعْطِيَنَا هَذَا بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ؟ قَالَ: وَلاَ أُعْطِيهِمْ ذَلِكَ، وَهُوَ أَحَقُّ بِمَالِهِ قُلْت: لَهُ فَإِنْ قَالُوا إنْ كَانَ هَذَا لَزِمَك فَلاَ يَحِلُّ لَك إلَّا أَنْ تُعْطِيَنَاهُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَلْزَمْك إلَّا بِمَوْتِهِ فَقَدْ أَعْطَيْتنَاهُ فِي حَالٍ لاَ يَحِلُّ لَك، وَلاَ لَنَا مَا أَعْطَيْتنَا مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَقُلْتُ لَهُ أَرَأَيْتَ إذْ زَعَمْتَ أَنَّك إذَا حَكَمْتَ عَلَيْهِ بِحُكْمِ الْمَوْتَى فَهَلْ يَعْدُو الْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ نَافِذًا لاَ يُرَدُّ أَوْ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ يُرَدُّ إذَا جَاءَ. قال: مَا أَقُولُ بِهَذَا التَّحْدِيدِ قُلْت: أَفَتُفَرِّقُ بَيْنَهُ بِخَبَرٍ يُلْزَمُ فَنَتَّبِعُهُ؟ قال: لاَ فَقُلْتُ إذَا كَانَ خِلاَفَ الْقِيَاسِ، وَالْمَعْقُولِ، وَتَقُولُ بِغَيْرِ خَبَرٍ أَيَجُوزُ؟ قَالَ: إنَّمَا فَرَّقَ أَصْحَابُكُمْ بِغَيْرِ خَبَرٍ قُلْت أَفَرَأَيْتَ ذَلِكَ مِمَّنْ فَعَلَهُ مِنْهُمْ صَوَابًا؟ قَالَ: لاَ قُلْت: أَوْ رَأَيْتَ أَيْضًا قَوْلَك إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ إلَى ثَلاَثِينَ سَنَةً فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَقَضَيْتَ صَاحِبَ الدَّيْنِ دَيْنَهُ، وَهُوَ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ، وَأَعْتَقْتَ أُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ، وَمُدَبَّرِيهِ، وَقَسَمْتَ مِيرَاثَهُ بَيْنَ بَنِيهِ فَأَصَابَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَلْفَ دِينَارٍ فَأَتْلَفَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ، وَالْآخَرَ بِعَيْنِهِ ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ فَقَالَ: اُرْدُدْ عَلَيَّ مَا لِي فَهُوَ هَذَا، وَهَؤُلاَءِ أُمَّهَاتُ أَوْلاَدِي، وَمُدَبَّرِيَّ بِأَعْيَانِهِمْ، وَهَذَا صَاحِبُ دَيْنِي يَقُولُ لَك: هَذَا مَالُهُ فِي يَدَيَّ لَمْ أُغَيِّرْهُ، وَهَذَانِ ابْنَايَ مَالِي فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ قَدْ صَادَنِي الْآخَرُ فَأَتْلَفَ مَالِي. قال: أَقُولُ لَهُ: قَدْ مَضَى الْحُكْمُ، وَلاَ يُرَدُّ غَيْرَ أَنِّي أُعْطِيك الْمَالَ الَّذِي فِي يَدِ ابْنِك الَّذِي لَمْ يُتْلِفْهُ فَقُلْتُ لَهُ فَقَالَ لَك وَلِمَ تُعْطِينِيهِ دُونَ مَالِي. قال: لِأَنَّهُ مَالُك بِعَيْنِهِ فَقُلْتُ لَهُ: فَمُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلاَدِهِ، وَدَيْنُهُ الْمُؤَجَّلُ مَالُهُ بِعَيْنِهِ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ. قال: لاَ أُعْطِيهِ إيَّاهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ قَدْ مَضَى بِهِ قُلْت: وَمَضَى مَا أَعْطَيْتَ ابْنَهُ قَالَ نَعَمْ قُلْت: فَحَكَمْتَ حُكْمًا، وَاحِدًا فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إمْضَاءَهُ فَأَمْضِهِ كُلَّهُ، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ رَدَّهُ فَرُدَّهُ كُلَّهُ. قال: أَرُدُّ مَا وَجَدْتُهُ بِعَيْنِهِ قُلْت: لَهُ فَارْدُدْ إلَيْهِ دَيْنَهُ الْمُؤَجَّلَ بِعَيْنِهِ وَمُدَبَّرِيهِ، وَأُمَّهَاتِ أَوْلاَدِهِ قَالَ: أَرُدُّ عَيْنَ مَا وَجَدْت فِي يَدِ وَارِثِهِ قُلْت: لَهُ أَفَتَرَى هَذَا جَوَابًا؟ فَمَا زَادَ عَلَى أَنْ قَالَ فَأَيْنَ السُّنَّةُ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ». قَالَ الشَّافِعِيُّ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ قُلْت أَفَيَعْدُو الْمُرْتَدُّ أَنْ يَكُونَ كَافِرًا أَوْ مُسْلِمًا؟ قَالَ بَلْ كَافِرٌ، وَبِذَلِكَ أَقْتُلُهُ قُلْت: أَفَمَا تُبَيِّنُ لَك السُّنَّةُ أَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ يَرِثُ الْكَافِرَ قَالَ فَإِنَّا قَدْ رَوَيْنَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله تعالى عنه أَنَّهُ وَرَّثَ مُرْتَدًّا قَتَلَهُ وَوَرَثَتُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. قال: فَقُلْت أَنَا أَسْمَعُك وَغَيْرَك تَزْعُمُونَ أَنَّ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ مِنْ تَوْرِيثِهِ الْمُرْتَدَّ خَطَأٌ وَأَنَّ الْحُفَّاظَ لاَ يَرْوُونَهُ فِي الْحَدِيثِ. قال: فَقَدْ رَوَاهُ ثِقَةٌ، وَإِنَّمَا قُلْنَا خَطَأٌ بِالِاسْتِدْلاَلِ، وَذَلِكَ ظَنٌّ. قال: فَقُلْت لَهُ: رَوَى الثَّقَفِيُّ، وَهُوَ ثِقَةٌ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَقُلْت فَلَمْ يَذْكُرْ جَابِرًا الْحُفَّاظُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ غَلَطٌ أَفَرَأَيْت لَوْ احْتَجَجْنَا عَلَيْك بِمِثْلِ حُجَّتِك فَقُلْنَا: هَذَا ظَنٌّ وَالثَّقَفِيُّ ثِقَةٌ، وَأَنَّ صُنْعَ غَيْرِهِ أَوْشَكَ قَالَ فَإِذًا لاَ تُنْصِفُ قُلْت: وَكَذَلِكَ لَمْ تُنْصِفْ أَنْتَ حِينَ أَخْبَرْتَنِي أَنَّ الْحُفَّاظَ رَوَوْا هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه لَيْسَ فِيهِ تَوْرِيثُ مَالِهِ، وَقُلْتَ: هَذَا غَلَطٌ ثُمَّ احْتَجَجْتَ بِهِ، فَقَالَ لَوْ كَانَ ثَابِتًا، قُلْت فَأَصْلُ مَا نَذْهَبُ إلَيْهِ نَحْنُ وَأَنْتَ وَأَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ مَا ثَبَتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَثَبَتَ عَنْ غَيْرِهِ خِلاَفُهُ وَلَوْ كَثُرُوا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ؟ قَالَ: أَجَلْ وَلَكِنِّي أَقُولُ: قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» الَّذِي لَمْ يُسْلِمْ قَطُّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: أَفَتَقُولُ هَذَا بِدَلاَلَةٍ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَ: لاَ، وَلَكِنَّ عَلِيًّا رضي الله تعالى عنه أَعْلَمُ بِهِ فَقُلْتُ أَيَرْوِي عَلِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْحَدِيثَ فَنَقُولُ لاَ يَدَعُ شَيْئًا رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا وَقَدْ عَرَفَ مَعْنَاهُ فَيُوَجَّهُ عَلَى مَا قُلْت؟ قال: مَا عَلِمْتُهُ رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْت: أَفَيُمْكِنُ فِيهِ أَنْ لاَ يَكُونَ سَمِعَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْتُ لَهُ: أَفَتَرَى لَك فِي هَذَا حُجَّةً؟ قَالَ: لاَ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ يَخْفَى مِثْلُ هَذَا عَنْ عَلِيٍّ رضي الله تعالى عنه فَقُلْتُ: وَقَدْ وَجَدْتُكَ تُخْبِرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَضَى فِي بِرْوَعَ بِنْتِ وَاشِقٍ بِمِثْلِ صَدَاقِ نِسَائِهَا، وَكَانَتْ نُكِحَتْ عَلَى غَيْرِ صَدَاقٍ فَقَضَى بِخِلاَفِهِ، وَقَدْ سَمِعْتُهُ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ ابْنُ عُمَرَ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ فَقُلْت: لاَ حُجَّةَ لِأَحَدٍ وَلاَ فِي قَوْلِهِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُلْت لَهُ: فَإِنْ قَالَ لَك قَائِلٌ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَالَ هَذَا زَيْدٌ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُمْ عَلِمُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ زَوْجَ بِرْوَعَ فَرَضَ لَهَا بَعْدَ عُقْدَةِ النِّكَاحِ فَحَفِظَ مَعْقِلٌ أَنَّ عُقْدَةَ النِّكَاحِ بَعْدَ فَرِيضَةٍ، وَعَلِمَ هَؤُلاَءِ أَنَّ الْفَرِيضَةَ قَدْ كَانَتْ بَعْدَ الدُّخُولِ: قَالَ. لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَعْقِلٍ، وَهَؤُلاَءِ لَمْ يَرْوُوهُ فَيَكُونُونَ قَالُوهُ بِرِوَايَةٍ. وَإِنَّمَا قَالُوا عِنْدَنَا بِالرَّأْيِ حَتَّى يَدَّعُوا فِيهِ رِوَايَةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لِمَ لاَ يَكُونُ مَا رَوَيْت عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمُرْتَدِّ هَكَذَا؟ قال: وَقُلْت لَهُ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ يُوَرِّثُ الْمُسْلِمَ مِنْ الْكَافِرِ وَمُعَاوِيَةُ وَابْنُ الْمُسَيِّبِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَغَيْرُهُمْ، وَيَقُولُ بَعْضُهُمْ: نَرِثُهُمْ وَلاَ يَرِثُونَا كَمَا تَحِلُّ لَنَا نِسَاؤُهُمْ، وَلاَ تَحِلُّ لَهُمْ نِسَاؤُنَا، أَفَرَأَيْت إنْ قَالَ لَك قَائِلٌ: فَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ يَحْتَمِلُ حَدِيثُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ» مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ، لِأَنَّ أَكْثَرَ حُكْمِهِ كَانَ عَلَيْهِمْ، وَلَيْسَ يَحِلُّ نِسَاؤُهُمْ، وَلَكِنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ الْكَافِرَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ الْمَرْأَةِ مِنْهُمْ، قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ كَثِيرًا مِمَّا حُمِّلَ، وَلَيْسَ مُعَاذٌ حُجَّةً، وَإِنْ قَالَ قَوْلاً وَاحْتَمَلَهُ الْحَدِيثُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ الْحَدِيثَ قُلْت: فَنَقُولُ لَك وَمُعَاذٌ يَجْهَلُ هَذَا، وَيَرْوِيهِ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَدْ يَجْهَلُ السُّنَّةَ الْمُتَقَدِّمُ الصُّحْبَةَ وَيَعْرِفُهَا قَلِيلُ الصُّحْبَةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ كَيْفَ لَمْ تَقُلْ هَذَا فِي الْمُرْتَدِّ؟ قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَطَعَ الْكَلاَمَ: وَقَالَ، وَلِمَ قُلْت يَكُونُ مَالُ الْمُرْتَدِّ فَيْئًا؟ قُلْت: بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَرَّمَ دَمَ الْمُؤْمِنِ وَمَالَهُ إلَّا بِوَاحِدَةٍ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا، وَأَبَاحَ دَمَ الْكَافِرِ وَمَالَهُ إلَّا بِأَنْ يُؤَدِّيَ الْجِزْيَةَ أَوْ يُسْتَأْمَنَ إلَى مُدَّةٍ، فَكَانَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ دَمُ الْبَالِغِ مِنْ الْمُشْرِكِينَ هُوَ الَّذِي يُبَاحُ بِهِ مَالُهُ، وَكَانَ الْمَالُ تَبَعًا لِلَّذِي هُوَ أَعْظَمُ مِنْ الْمَالِ، فَلَمَّا خَرَجَ الْمُرْتَدُّ مِنْ الْإِسْلاَمِ صَارَ فِي مَعْنَى مَنْ أُبِيحَ دَمُهُ بِالْكُفْرِ لاَ بِغَيْرِهِ وَكَانَ مَالُهُ تَبَعًا لِدَمِهِ، وَيُبَاحُ بِاَلَّذِي أُبِيحَ بِهِ مِنْ دَمِهِ، وَلاَ يَكُونُ أَنْ تَنْحَلَّ عَنْهُ عُقْدَةُ الْإِسْلاَمِ فَيُبَاحَ دَمُهُ وَيُمْنَعَ مَالَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقَالَ: فَإِنْ كُنْتَ شَبَّهْتَهُ بِأَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَفَرَّقْتَهُ فِي آخَرَ قُلْت: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: أَنْتَ لاَ تَغْنَمُ مَالَهُ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ تَقْتُلَهُ، وَقَدْ يُغْنَمُ مَالُ الْحَرْبِيِّ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ وَتَقْتُلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَقُلْت لَهُ: الْحُكْمُ فِي أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ حُكْمَانِ: فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَأُغِيرُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ دَعْوَةٍ آخُذُ مَالَهُ وَإِنْ لَمْ أَقْتُلْهُ، وَأَمَّا مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَلاَ أُغِيرُ عَلَيْهِ حَتَّى أَدْعُوَهُ، وَلاَ أَغْنَمُ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا حَتَّى أَدْعُوَهُ فَيَمْتَنِعُ فَيَحِلُّ دَمُهُ وَمَالُهُ، فَلَمَّا كَانَ الْقَوْلُ فِي الْمُرْتَدِّ أَنْ يُدْعَى لَمْ يُغْنَمْ مَالُهُ حَتَّى يُدْعَى، فَإِذَا امْتَنَعَ قُتِلَ، وَغُنِمَ مَالُهُ.
|