الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَإِذَا قُتِلَتْ الْمَرْأَةُ حَامِلاً يَتَحَرَّكُ وَلَدُهَا أَوْ لاَ يَتَحَرَّكُ فَفِيهَا الْقَوَدُ وَلاَ شَيْءَ فِي جَنِينِهَا حَتَّى يَزُولَ مِنْهَا فَإِذَا زَايَلَهَا قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ فِيهِ غُرَّةٌ قِيمَتُهَا خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَإِذَا زَايَلَهَا حَيًّا قَبْلَ مَوْتِهَا أَوْ مَعَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ وَلاَ قِصَاصَ فِيهِ إذَا مَاتَ وَفِيهِ دِيَتُهُ إنْ كَانَ ذَكَرًا فَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنْ كَانَ أُنْثَى فَخَمْسُونَ مِنْ الْإِبِلِ قَتَلَهَا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ. وَإِذَا قَتَلَتْ الْمَرْأَةُ مَنْ عَلَيْهَا فِي قَتْلِهِ الْقَوَدُ فَذَكَرَتْ حَمْلاً أَوْ رِيبَةً مِنْ حَمْلٍ حُبِسَتْ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا, ثُمَّ أُقِيدَ مِنْهَا حِينَ تَضَعُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِوَلَدِهَا مُرْضِعٌ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَوْ تَرَكَتْ بِطِيبِ نَفْسٍ وَلِيَّ الدَّمِ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا حَتَّى يُوجَدَ لَهُ مُرْضِعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ قُتِلَتْ لَهُ وَإِنْ وَلَدَتْ وَجَدَتْ تَحَرُّكًا انْتَظَرَتْ حَتَّى تَضَعَ التَّحَرُّكَ أَوْ يُعْلَمَ أَنْ لَيْسَ بِهَا حَمْلٌ, وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّ بِهَا حَمْلاً فَادَّعَتْهُ اُنْتُظِرَ بِالْقَوَدِ مِنْهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ وَيُعْلَمَ أَنْ لاَ حَبَلَ بِهَا وَلَوْ عَجَّلَ الْإِمَامُ فَأَقَصَّ مِنْهَا حَامِلاً فَقَدْ أَثِمَ وَلاَ عَقْلَ عَلَيْهِ حَتَّى تُلْقِيَ جَنِينَهَا فَإِنْ أَلْقَتْهُ ضَمِنَهُ الْإِمَامُ دُونَ الْمُقْتَصِّ وَكَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ لاَ بَيْتِ الْمَالِ, وَكَذَلِكَ لَوْ قَضَى بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْهَا, ثُمَّ رَجَعَ فَلَمْ يُبَلِّغْ الْمَأْمُورَ حَتَّى اقْتَصَّ مِنْهَا ضَمِنَ الْإِمَامُ جَنِينَهَا وَأَحَبُّ إلَيَّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُكَفِّرَ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَرَحَ نَصْرَانِيًّا, ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَارِحُ وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ جِرَاحِهِ بَعْدَ إسْلاَمِ الْجَارِحِ كَانَ لِوَرَثَةِ النَّصْرَانِيِّ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَلَيْسَ هَذَا قَتْلَ مُؤْمِنٍ بِكَافِرٍ مَنْهِيًّا عَنْهُ إنَّمَا هَذَا قَتْلُ كَافِرٍ بِكَافِرٍ إلَّا أَنَّ الْمَوْتَ اسْتَأْخَرَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ حَالُ الْقَاتِلِ وَإِنَّمَا يُحْكَمُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ تَحَوَّلَتْ حَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلاَ يُنْظَرُ إلَى تَحَوُّلِ حَالِ الْجَانِي بِحَالٍ وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْمَجْرُوحُ دُونَ الْجَارِحِ أَوْ الْمَجْرُوحُ وَالْجَارِحُ مَعًا كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا. وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا جَرَحَ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا, ثُمَّ تَحَوَّلَ الْحَرْبِيُّ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ الْأَمَانَ فَمَاتَ فَجَاءَ وَرَثَتُهُ يَطْلُبُونَ الْحُكْمَ خُيِّرُوا بَيْنَ الْقِصَاصِ مِنْ الْجَارِحِ أَوْ أَرْشِهِ إذَا كَانَ الْجُرْحُ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ الْقَتْلُ; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جُرْحٍ فِي حَالٍ لَوْ اُبْتُدِئَ فِيهَا قَتْلُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِيهَا قَوَدٌ فَأَبْطَلْنَا زِيَادَةَ الْمَوْتِ لِتَحَوُّلِ حَالِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى أَنْ يَكُونَ مُبَاحَ الدَّمِ وَهُوَ خِلاَفٌ لِلْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا; لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ تَحَوَّلَتْ حَالُهُ دُونَ الْجَانِي وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَالْجِرَاحُ أَكْثَرُ مِنْ النَّفْسِ كَأَنْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَقَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ, ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَسَأَلُوا الْقِصَاصَ مِنْ الْجَانِي فَذَلِكَ لَهُمْ; لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ يَوْمَ الْجِنَايَةِ أَوْ ذَلِكَ وَزِيَادَةَ الْمَوْتِ فَلاَ أُبْطِلُ الْقِصَاصَ بِسُقُوطِ زِيَادَةِ الْمَوْتِ عَلَى الْجَانِي, وَإِنْ سَأَلُوا الْأَرْشَ جَعَلْت لَهُمْ عَلَى الْجَانِي فِي كُلِّ حَالٍ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْأَقَلَّ مِنْ دِيَةِ جِرَاحِهِ أَوْ دِيَةِ النَّفْسِ; لِأَنَّ دِيَةَ جِرَاحِهِ قَدْ نَقَصَتْ بِذَهَابِ النَّفْسِ لَوْ مَاتَ مِنْهَا فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ عَلَى أَمَانِهِ فَإِذَا أَرَادُوا الدِّيَةَ لَمْ أَزِدْهُمْ عَلَى دِيَةِ النَّفْسِ فَلاَ يَكُونُ تَرْكُهُ عَهْدَهُ زَائِدًا لَهُ فِي أَرْشِهِ, وَلَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فِي أَمَانِهِ كَمَا هُوَ حَتَّى يَقْدُمَ وَتَأْتِيَ لَهُ مُدَّةٌ فَمَاتَ بِهَا كَانَ كَمَوْتِهِ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ; لِأَنَّ جِرَاحَهُ عَمْدٌ وَلَمْ يَكُنْ كَمَنْ مَاتَ تَارِكًا لِلْعَهْدِ; لِأَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَهُ عَامِدًا بِبِلاَدِ الْحَرْبِ وَلَهُ أَمَانٌ يَعْرِفُهُ ضَمِنَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَرَحَهُ ذِمِّيٌّ فِي بِلاَدِ الْإِسْلاَمِ, ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ رَجَعَ إلَيْنَا بِأَمَانٍ فَمَاتَ مِنْ الْجِرَاحِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ عَلَى الذِّمِّيِّ الْقَوَدَ إنْ شَاءَ وَرَثَتُهُ أَوْ الدِّيَةَ تَامَّةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كَانَا مَعًا وَلَهُ الْقَوَدُ وَلاَ يُنْظَرُ إلَى مَا بَيْنَ الْحَالَيْنِ مِنْ تَرْكِهِ الْأَمَانَ, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ لَهُ الدِّيَةَ فِي النَّفْسِ وَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ فِي حَالٍ لَوْ مَاتَ فِيهَا أَوْ قُتِلَ لَمْ تَكُنْ لَهُ دِيَةٌ وَلاَ قَوَدٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَهُ الدِّيَةُ تَامَّةً فِي الْحَالَيْنِ لاَ يُنْقِصُ مِنْهَا شَيْئًا. وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا فَتَرَكَ الْأَمَانَ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَغَارَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ. فَسَبَوْهُ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ مَا صَارَ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ سَبِيًّا فَلاَ قَوَدَ فِيهِ; لِأَنَّهُ مَاتَ مَمْلُوكًا فَلاَ يُقْتَلُ حُرٌّ بِمَمْلُوكٍ وَعَلَى الذِّمِّيِّ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ قِيمَةِ الْجِرَاحِ حُرًّا كَأَنَّهُ قَطَعَ يَدَهُ فَكَانَتْ فِيهِ إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا سِتَّةَ عَشَرَ مِنْ الْإِبِلِ وَثُلُثَا بَعِيرٍ وَهِيَ نِصْفُ دِيَتِهِ أَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا أَوْ وَثَنِيًّا فَفِي يَدِهِ نِصْفُ دِيَتِهِ, ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ مِثْلُ نِصْفِ دِيَتِهِ فَسَقَطَ الْمَوْتُ; لِأَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ بِهِ زِيَادَةً, وَجَمِيعُ الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَأْمَنِ; لِأَنَّهُ اسْتَوْجَبَهُ بِالْجُرْحِ وَهُوَ حُرٌّ فَكَانَ مَالاً لَهُ أَمَانٌ أَوْ كَأَنَّهُ قُطِعَتْ يَدُهُ وَدِيَتُهُ ثَلاَثٌ وَثَلاَثُونَ وَثُلُثٌ, ثُمَّ مَاتَ مَمْلُوكًا وَقِيمَتُهُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ فَعَلَى جَارِحِهِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ; لِأَنَّ الْيَدَ صَارَتْ تَبَعًا لِلنَّفْسِ كَمَا يُجْرَحُ الْمُسْلِمُ فَيَكُونُ فِيهِ دِيَاتٌ لَوْ عَاشَ وَلَوْ مَاتَ كَانَتْ دِيَتُهُ وَاحِدَةً وَيُجْرَحُ مُوضِحَةً فَيَمُوتُ فَيَكُونُ فِيهَا دِيَةٌ كَمَا تَكُونُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْجَارِحِ بِزِيَادَةِ النَّفْسِ, فَكَذَلِكَ يَكُونُ النَّقْصُ بِذَهَابِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِالنَّفْسِ زِيَادَةٌ فَجَمِيعُ الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَأْمَنِ; لِمَا وَصَفْت أَنَّهُ اسْتَوْجَبَهُ وَهُوَ حُرٌّ لِمَا لَهُ أَمَانٌ يُعْطَاهُ وَرَثَتُهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَهَكَذَا لَوْ قُطِعَتْ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ وَفُقِئَتْ عَيْنَاهُ, ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ أَقَلُّ مِمَّا وَجَبَ لَهُ بِالْجِرَاحِ لَوْ عَاشَ كَانَ عَلَى جَارِحِهِ الْأَقَلُّ مِنْ الْجِرَاحِ وَالنَّفْسِ وَكَانَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَرَحَ ذِمِّيٌّ مُسْتَأْمَنًا فَأَوْضَحَهُ, ثُمَّ لَحِقَ الْمَجْرُوحُ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ سُبِيَ فَصَارَ رَقِيقًا, ثُمَّ مَاتَ وَقِيمَتُهُ عِشْرُونَ مِنْ الْإِبِلِ وَإِنَّمَا وَجَبَ لَهُ بِالْمُوضِحَةِ الَّتِي أُوضِحَ مِنْهَا ثُلُثُ مُوضِحَةِ مُسْلِمٍ كَانَ أَرْشُ مُوضِحَتِهِ لِوَرَثَتِهِ, وَأَمَّا الزِّيَادَةُ مِنْ قِيمَتِهِ فَفِيهِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْ الْجَانِي بِلُحُوقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ, وَالْآخَرُ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِمَالِكِهِ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كَانَا وَهُوَ مَمْنُوعٌ; وَلِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالْمَوْتِ, وَذَلِكَ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَسْلَمَ فِي يَدَيْ سَيِّدِهِ ثُمَّ مَاتَ كَانَتْ هَكَذَا; لِأَنَّ الْإِسْلاَمَ يَزِيدُ فِي قِيمَتِهِ فَتُحْسَبُ الزِّيَادَةُ فِي قَوْلِ مَنْ أَلْزَمَهُ إيَّاهَا وَتَسْقُطُ فِي قَوْلِ مَنْ أَسْقَطَهَا بِلُحُوقِهِ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ, ثُمَّ مَاتَ حُرًّا كَانَ عَلَى جَارِحِهِ الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَدِيَتِهِ; لِأَنَّهُ جُنِيَ عَلَيْهِ حُرًّا وَمَاتَ حُرًّا فِي قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُ الزِّيَادَةَ عَنْ الْجَانِي بِلُحُوقِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ وَيَلْزَمُهُ الزِّيَادَةُ إنْ كَانَ فِي الْمَوْتِ فِي قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُ الزِّيَادَةَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَأَسْلَمَ وَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ فَمَاتَ مُسْلِمًا حُرًّا ضَمِنَ قَاتِلُهُ الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَدِيَةِ حُرٍّ; لِأَنَّ أَصْلَ الْجِنَايَةِ كَانَ مَمْنُوعًا فِي قَوْلِ مَنْ يُسْقِطُ الزِّيَادَةَ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ, وَضَمَّنَهُ زِيَادَةَ الْمَوْتِ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يُسْقِطُهَا عَنْهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ. وَمَنْ قَالَ هَذَا قَالَ فِي نَصْرَانِيٍّ جُرِحَ, ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَاتَ فَفِيهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَكَانَ الْقَاتِلُ مُسْلِمًا كَانَ مِثْلَ هَذَا فِي الْجَوَابِ إلَّا أَنَّهُ لاَ يُقَادُ مُشْرِكٌ مِنْ مُسْلِمٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ضَرَبَ الرَّجُلُ رَجُلاً فَقَطَعَ يَدَهُ, ثُمَّ بَرَأَ, ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ فَلِوَلِيِّهِ الْقِصَاصُ فِي الْيَدِ; لِأَنَّ الْجِرَاحَةَ قَدْ وَجَبَتْ لِلضَّرْبِ وَالْبُرْءِ وَهُوَ مُسْلِمٌ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَإِذَا قَتَلَ الذِّمِّيُّ الذِّمِّيَّةَ أَوْ الذِّمِّيَّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنَ أَوْ الْمُسْتَأْمَنَةَ أَوْ جَرَحَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا فَذَلِكَ كُلُّهُ سَوَاءٌ فَإِذَا طَلَبَ الْمَجْرُوحُ أَوْ وَرَثَةُ الْمَقْتُولِ حَكَمْنَا عَلَيْهِمْ بِحُكْمِنَا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلاَمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُ فَنَجْعَلُ الْقَوَدَ بَيْنَهُمْ كَمَا نَجْعَلُهُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا وَنَجْعَلُ مَا كَانَ عَمْدًا لاَ قَوَدَ فِيهِ فِي مَالِ الْجَانِي وَمَا كَانَ خَطَأً عَلَى عَاقِلَةِ الْجَانِي إذَا كَانَتْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ كَانَ ذَلِكَ فِي مَالِهِ وَلَمْ يَعْقِلْ عَنْهُ أَهْلُ دِينِهِ; لِأَنَّهُمْ لاَ يَرِثُونَهُ وَلاَ الْمُسْلِمُونَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ وَإِنَّمَا يَأْخُذُونَ مَالَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ فَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيَقْتَصُّ الْوَثَنِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ وَالصَّابِئِيُّ وَالسَّامِرِيُّ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى, وَكَذَلِكَ يَقْتَصُّ نِسَاؤُهُمْ مِنْهُمْ وَنَجْعَلُ الْكُفْرَ كُلَّهُ مِلَّةً وَكَذَلِكَ نُوَرِّثُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ لِلْقَرَابَةِ وَيَقْتَصُّ الْمُسْتَأْمَنُ مِنْ هَؤُلاَءِ مِنْ الْمُعَاهَدِينَ; لِأَنَّ لِكُلٍّ ذِمَّةً وَلاَ تَفَاوُتَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فَنَمْنَعُ بِهِ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ بِالْقِصَاصِ كَفَوْتِ الْمُسْلِمِينَ لَهُمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا يُحْكَمُ عَلَى الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمَنِ إذَا جَنَى يُقْتَصُّ مِنْهُ وَيُحْكَمُ فِي مَالِهِ بِأَرْشِ الْعَمْدِ الَّذِي لاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ إلَّا عَاقِلَةٌ حَرْبِيَّةٌ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُنَا عَلَيْهِمْ جَعَلْنَا الْخَطَأَ فِي مَالِهِ كَمَا نَجْعَلُهُ فِي مَالِ مَنْ لاَ عَاقِلَةَ لَهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ, وَهَكَذَا نَحْكُمُ عَلَيْهِمْ إذَا أَصَابُوا مُسْلِمًا بِقَتْلٍ أَوْ جُرْحٍ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَصَابَ أَهْلُ الذِّمَّةِ حَرْبِيًّا لاَ أَمَانَ لَهُ لَمْ يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ طَلَبَتْ وَرَثَتُهُ; لِأَنَّ دَمَهُ مُبَاحٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا إلَّا أَنَّا إذَا لَمْ تُودِ عَاقِلَةُ الْحَرْبِيِّ عَنْهُ أَرْشَ الْخَطَأِ كَمَا حَكَمْنَا بِهِ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ لَحِقَ الْحَرْبِيُّ الْجَانِي بَعْدَ الْجِنَايَةِ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ رَجَعَ مُسْتَأْمَنًا حَكَمْنَا عَلَيْهِ; لِأَنَّ الْحُكْمَ لَزِمَهُ أَوَّلاً وَلاَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِلُحُوقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ مَاتَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَعِنْدَنَا لَهُ مَالٌ كَانَ لَهُ أَمَانٌ أَوْ وَرَدَ عَلَيْنَا وَهُوَ حَيٌّ مَالٌ لَهُ أَمَانٌ أَخَذْنَا مِنْ مَالِهِ أَرْشَ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّهَا; لِأَنَّهُ وَجَبَ فِي مَالِهِ فَمَتَى أَمْكَنَنَا أَعْطَيْنَا مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ مِنْ مَالِهِ وَلَوْ أَمَّنَّا لَهُ مَالَهُ عَلَى أَنْ لاَ نَأْخُذَ مِنْهُ مَا لَزِمَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ مَا لَزِمَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى وَهُوَ عِنْدَنَا جِنَايَاتٍ, ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ, ثُمَّ أَمَّنَّاهُ عَلَى أَنْ لاَ نَحْكُمَ عَلَيْهِ حَكَمْنَا عَلَيْهِ وَكَانَ مَا أَعْطَيْنَاهُ مِنْ الْأَمَانِ عَلَى مَا وَصَفْنَا بَاطِلاً لاَ يَحِلُّ وَهَكَذَا لَوْ سُبِيَ وَأُخِذَ مَالُهُ وَقَدْ كَانَ لَهُ عِنْدَنَا فِي الْأَمَانِ دَيْنٌ; لِأَنَّ مَالَهُ لَمْ يُغْنَمْ إلَّا وَلِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فِيهِ حَقٌّ كَالدَّيْنِ وَسَوَاءٌ إنْ أُخِذَ مَالُهُ قَبْلَ أَنْ يُسْبَى أَوْ مَعَ السَّبْيِ أَوْ بَعْدَهُ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ, ثُمَّ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَغُنِمَ مَالُهُ وَسُبِيَ أَوْ لَمْ يُسْبَ أَخَذْنَا الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا بِأَكْثَرَ مِنْ الرَّجُلِ يُدَانُ الدَّيْنَ, ثُمَّ يَمُوتُ فَنَأْخُذُ الدَّيْنَ مِنْ مَالِهِ بِوُجُوبِهِ فَلَيْسَ الْغَنِيمَةُ لِمَالِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمِيرَاثِ لَوْ وَرِثَهُ الْمُسْلِمُ أَوْ ذِمِّيٌّ عَلَيْهِ دَيْنٌ; لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَعَلَ لِلْوَرَثَةِ مِلْكَ الْمَوْتَى بَعْدَ الدَّيْنِ, وَكَذَلِكَ الْغَنَائِمُ; لِأَنَّهُمْ خَوَّلُوهَا بِأَنَّ أَهْلَهَا أَهْلُ دَارِ حَرْبٍ, وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى وَهُوَ مُسْتَأْمَنٌ, ثُمَّ لَحِقَ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ نَاقِضًا لِلْأَمَانِ, ثُمَّ أَسْلَمَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَأَحْرَزَ مَالَهُ وَنَفْسَهُ حُكِمَ عَلَيْهِ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ الَّذِي لَزِمَهُ فِي دَارِ الْإِسْلاَمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ هَذَا لاَ يُخَالِفُ الْأَمَانَ يُمْلَكُ وَهُوَ رَقِيقٌ; لِأَنَّ الرَّقِيقَ لاَ يُمْلَكُ إلَّا لِسَيِّدِهِ, وَهُوَ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ كُلِّهَا مَالِكٌ لِنَفْسِهِ وَيُخَالِفُ لاََنْ يُجْنَى عَلَيْهِ وَهُوَ مُحَارَبٌ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ بِبِلاَدِ الْحَرْبِ وَجِنَايَتُهُ كُلُّهَا فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ هَدَرٌ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى مُسْلِمٌ جِنَايَةً فَلَزِمَتْهُ فِي مَالِهِ ثُمَّ ارْتَدَّ وَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ فَكَانَ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا أَوْ قُتِلَ عَلَى الرِّدَّةِ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مَالِهِ وَلَمْ يُغْنَمْ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ حَتَّى تُؤَدَّى جِنَايَتُهُ وَمَا لَزِمَهُ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الذِّمِّيُّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَتَمَجَّسَ النَّصْرَانِيُّ بَعْدَ مَا يُجْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ مَاتَ مَجُوسِيًّا فَقَدْ قِيلَ: فَعَلَى الْجَانِي الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ جِرَاحِ النَّصْرَانِيِّ وَمِنْ دِيَةِ الْمَجُوسِيِّ وَقِيلَ: عَلَيْهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ أَوْ الْقَوَدُ مِنْ الذِّمِّيِّ الَّذِي جَنَى عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ كَافِرٌ, وَإِنْ تَمَجَّسَ فَهُوَ مَمْنُوعُ الدَّمِ بِالْعَقْدِ الْمُتَقَدِّمِ وَلَيْسَ كَالْمُسْلِمِ يَرْتَدُّ; لِأَنَّ رَجُلاً لَوْ قَتَلَ الْمُسْلِمَ مُرْتَدًّا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهَذَا لَوْ قَتَلَ مُرْتَدًّا عَنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ كَانَ عَلَى قَاتِلِهِ الدِّيَةُ إنْ كَانَ مُسْلِمًا وَالْقَوَدُ إنْ كَانَ كَافِرًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا إنْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ فَتَزَنْدَقَ أَوْ دَانَ دِينًا لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ أَهْلِهِ وَقَدْ قِيلَ عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ إذَا غَرِمَ. الدِّيَةَ: الْأَقَلُّ مِنْ أَرْشِ مَا أَصَابَهُ نَصْرَانِيًّا وَدِيَةِ مَجُوسِيٍّ وَقِيلَ عَلَيْهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جُنِيَ عَلَيْهِ نَصْرَانِيًّا فَتَهَوَّدَ أَوْ يَهُودِيًّا فَتَمَجَّسَ فَقَدْ قِيلَ: عَلَيْهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَةِ جُرْحِهِ نَصْرَانِيًّا أَوْ دِيَتِهِ مَجُوسِيًّا وَقِيلَ: عَلَيْهِ دِيَةُ مَجُوسِيٍّ وَكَانَ كَرُجُوعِهِ إلَى الْمَجُوسِيَّةِ; لِأَنَّهُ يَرْتَدُّ عَنْ دِينِهِ الَّذِي كَانَ يُقَرُّ عَلَيْهِ إلَى دِينٍ لاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى النَّصْرَانِيُّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ أَوْ الْمُشْرِكِ الْمَمْنُوعِ الدَّمِ خَطَأً فَعَلَى عَاقِلَتِهِ أَرْشُ جِنَايَتِهِ, وَإِنْ ارْتَدَّ النَّصْرَانِيُّ الْجَانِي عَنْ النَّصْرَانِيَّةِ إلَى مَجُوسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ غَرِمَتْ عَاقِلَةُ الْجَانِي الْأَقَلَّ مِنْ أَرْشِ الْجِنَايَةِ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ دِيَةِ مَجُوسِيٍّ; لِأَنَّهُمْ كَانُوا ضَمِنُوا أَرْشَ الْجُرْحِ وَهُوَ عَلَى دِينِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْجُرْحُ مُوضِحَةً فَمَاتَ مِنْهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يَرْتَدَّ الْجَانِي إلَى غَيْرِ النَّصْرَانِيَّةِ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ أَرْشَ مُوضِحَةٍ وَضَمِنَ فِي مَالِهِ زِيَادَةَ النَّفْسِ عَلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ فَإِنْ لَمْ تَزِدْ النَّفْسُ عَلَى الْمُوضِحَةِ بِشَيْءٍ حَتَّى تَحَوَّلَ حَالُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ دِينِهِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ كَمَا هِيَ أَرْشَ الْمُوضِحَةِ لِلُزُومِهَا لَهَا يَوْمَ جَنَى صَاحِبُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ مُوضِحَةً, ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ضَمِنَتْ عَاقِلَتُهُ مِنْ النَّصَارَى أَرْشَ الْمُوضِحَةِ وَضَمِنَ الْجَانِي فِي مَالِهِ الزِّيَادَةَ عَلَى أَرْشِ الْمُوضِحَةِ لاَ يَعْقِلُ عَاقِلَةُ النَّصْرَانِيِّ مَا زَادَتْ جِنَايَتُهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ لِقَطْعِ الْوِلاَيَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ وَتَغْرَمُ مَا لَزِمَهَا مِنْ جِرَاحِهِ وَهُوَ عَلَى دِينِهَا وَلاَ يَعْقِلُ الْمُسْلِمُونَ عَنْهُ زِيَادَةَ جِنَايَتِهِ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مُشْرِكٌ وَالْمَوْتَ بِالْجِنَايَةِ كَانَ وَهُوَ مُسْلِمٌ, وَهَكَذَا لَوْ أَسْلَمَ هُوَ وَعَاقِلَتُهُ لَمْ يَعْقِلُوا إلَّا مَا لَزِمَهُمْ وَهُوَ عَلَى دِينِهِمْ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى نَصْرَانِيٌّ عَلَى رَجُلٍ خَطَأً, ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ الْجَانِي فَلَمْ يَطْلُبْ الرَّجُلُ جِنَايَتَهُ إلَّا وَالْجَانِي مُسْلِمٌ فَإِنْ قَالَتْ لَهُ عَاقِلَتُهُ مِنْ النَّصَارَى جَنَى عَلَيْكَ مُسْلِمًا وَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: جَنَى عَلَيْكَ مُشْرِكًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعًا فِي أَنْ لاَ يَضْمَنُوا عَنْهُ مَعَ إيمَانِهِمْ وَكَانَتْ الدِّيَةُ فِي مَالِ الْجَانِي إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ بِحَالِهِ يَوْمَ جَنَى فَتَعْقِلُ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ مِنْ النَّصَارَى إنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا مَا لَزِمَهُ فِي النَّصْرَانِيَّةِ وَيَكُونَ مَا بَقِيَ فِي مَالِهِ أَوْ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهُ جَنَى مُسْلِمًا فَيَعْقِلُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِمْ عَاقِلَةٌ. وَإِذَا رَمَى النَّصْرَانِيُّ إنْسَانًا فَلَمْ تَقَعْ رَمْيَتُهُ حَتَّى أَسْلَمَ فَمَاتَ الْمَرْمِيُّ لَمْ تَعْقِلْ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ مِنْ النَّصَارَى; لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ جِنَايَةً لَهَا أَرْشٌ حَتَّى أَسْلَمَ وَلاَ الْمُسْلِمُونَ; لِأَنَّ الرَّمْيَةَ كَانَتْ وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ نَصْرَانِيًّا تَهَوَّدَ أَوْ تَمَجَّسَ, ثُمَّ جَنَى لَمْ تَعْقِلْ عَنْهُ عَاقِلَتُهُ مِنْ النَّصَارَى; لِأَنَّهُ عَلَى دِينٍ لاَ يُقَرُّ عَلَيْهِ وَلاَ الْيَهُودَ وَلاَ الْمَجُوسَ; لِأَنَّهُ لاَ يُقَرُّ عَلَى الْيَهُودِيَّةِ وَلاَ الْمَجُوسِيَّةِ مَعَهُمْ وَكَانَ الْعَقْلُ فِي مَالِهِ, وَهَكَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى دِينٍ غَيْرِ دِينِ النَّصْرَانِيَّةِ مِنْ مَجُوسِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا وَلاَ تَعْقِلُ عَنْهُ إذَا بَدَّلَ دِينَهُ عَاقِلَةُ وَاحِدٍ مِنْ النِّصْفَيْنِ إلَّا أَنْ يُسْلِمَ ثَانِيَةً, ثُمَّ يَجْنِيَ فَيَعْقِلَ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ بِالْوِلاَيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ مَجُوسِيًّا فَقُتِلَ, ثُمَّ أَسْلَمَ الْجَانِي بَعْدَ الْقَتْلِ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ضَمِنَ عَنْهُ الْمَجُوسُ الْجِنَايَةَ; لِأَنَّهَا عَاقِلَتُهُ مِنْ الْمَجُوسِ كَانَتْ وَهُوَ مَجُوسِيٌّ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَمْدًا فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي وَلاَ تَضْمَنُ عَاقِلَةُ مَجُوسِيٍّ وَلاَ مُسْلِمٍ إلَّا مَا جَنَى خَطَأً تَقُومُ بِهِ بَيِّنَةٌ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: أَنَّهُ إذَا قَتَلَ وَهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَقَتَلَ نَصْرَانِيًّا ثُمَّ أَسْلَمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْقَوَدَ; لِأَنَّ النَّفْسَ الْمَقْتُولَةَ كَانَتْ مُكَافِئَةً بِنَفْسِ الْقَاتِلِ حِينَ قَتَلَ وَلَيْسَ إسْلاَمُهُ الَّذِي يُزِيلُ عَنْهُ مَا قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقَوَدُ بَيْنَ كُلِّ كَافِرَيْنِ لَهُمَا عَهْدٌ سَوَاءٌ كَانَا مِمَّنْ يُؤَدِّي الْجِزْيَةَ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْتَأْمَنٌ أَوْ كِلاَهُمَا; لِأَنَّ كُلًّا لَهُ عَهْدٌ وَيُقَادُ الْمَجُوسِيُّ مِنْ النَّصْرَانِيِّ وَالْيَهُودِيِّ, وَكَذَلِكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مَمْنُوعُ الدَّمِ يُقَادُ مِنْ غَيْرِهِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ دِيَةً مِنْهُ كَمَا يُقَادُ الرَّجُلُ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ الرَّجُلِ وَالرَّجُلُ أَكْثَرُ دِيَةً مِنْهَا وَالْعَبْدُ مِنْ الْعَبْدِ وَهُوَ أَكْثَرُ ثَمَنًا مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى الْمُسْلِمُ عَلَى رَجُلٍ مُسْلِمٍ عَمْدًا فَقَطَعَ يَدَهُ, ثُمَّ ارْتَدَّ الْجَانِي وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ قَتَلَهُ, ثُمَّ ارْتَدَّ الْقَاتِلُ بَعْدَ قَتْلِهِ لَمْ تُسْقِطْ الرِّدَّةُ عَنْهُ شَيْئًا وَيُقَالُ لِأَوْلِيَاءِ الْقَتِيلِ: أَنْتُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ الْقِصَاصِ أَوْ الدِّيَةِ فَإِنْ اخْتَارُوا الدِّيَةَ أُخِذَتْ مِنْ مَالِهِ حَالَّةً وَإِنْ اخْتَارُوا الْقِصَاصَ اُسْتُتِيبَ الْمُرْتَدُّ فَإِنْ تَابَ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ قِيلَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ: إنْ اخْتَرْتُمْ الدِّيَةَ فَهِيَ لَكُمْ وَهُوَ يُقْتَلُ بِالرِّدَّةِ وَإِنْ أَبَوْا إلَّا الْقَتْلَ قُتِلَ بِالْقِصَاصِ وَغُنِمَ مَالُهُ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُ الرَّجُلُ قَبْلَ يَرْتَدُّ الْجَانِي خَطَأً كَانَ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ جَرَحَهُ مُسْلِمًا, ثُمَّ ارْتَدَّ الْجَانِي فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَعْدَ رِدَّةِ الْجَانِي ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَمْ تَضْمَنْ الزِّيَادَةَ الَّتِي كَانَتْ بِالْمَوْتِ بَعْدَ رِدَّةِ الْجَانِي فَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ مُوضِحَةً ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ وَضَمِنَ الْمُرْتَدُّ مَا بَقِيَ مِنْ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ الدِّيَةَ فَأَكْثَرَ, ثُمَّ ارْتَدَّ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ الدِّيَةَ كُلَّهَا; لِأَنَّهَا كَانَتْ ضَمِنَتْهَا وَالْجَانِي مُسْلِمٌ وَلَمْ يَزِدْ الْمَوْتُ بَعْدَ رِدَّةِ صَاحِبِهَا عَلَيْهَا شَيْئًا إنَّمَا يَغْرَمُ بِالْمَوْتِ مَا كَانَ يَغْرَمُ بِالْحَيَاةِ أَوْ أَقَلَّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى وَهُوَ مُسْلِمٌ فَقَطَعَ يَدًا, ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ, ثُمَّ مَاتَ وَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ ضَمِنَتْ الْعَاقِلَةُ نِصْفَ الدِّيَةِ وَلَمْ يَضْمَنُوا الْمَوْتَ; لِأَنَّ الْجَانِيَ ارْتَدَّ فَسَقَطَ عَنْهُمْ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُرْتَدًّا فَجَنَى لَمْ يَعْقِلُوا عَنْهُ مَا جَنَى. فَأَمَّا مَا تَوَلَّدَ مِنْ جِنَايَتِهِ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَفِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ: أَنْ يَعْقِلُوا عَنْهُ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ وَالْمَوْتَ كَانَ وَهُوَ مُسْلِمٌ. (قَالَ الرَّبِيعُ) وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَصَحُّهُمَا عِنْدِي. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ الَّذِي قَدْ عُرِفَ إسْلاَمُهُ جِنَايَةً فَادَّعَتْ عَاقِلَتُهُ أَنَّهُ جَنَى مُرْتَدًّا فَعَلَيْهِمْ الْبَيِّنَةُ فَإِنْ أَقَامُوهَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْعَقْلُ وَكَانَ فِي مَالِهِ وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوهَا لَزِمَهُمْ الْعَقْلُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ حِينَ رَفَعَ الْجِنَايَةَ إلَى الْحَاكِمِ مُرْتَدًّا فَمَاتَ فَقَالَتْ الْعَاقِلَةُ: جَنَى وَهُوَ مُرْتَدٌّ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُمْ مَعَ أَيْمَانِهِمْ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مُسْلِمٌ, وَلَوْ جَنَى جِنَايَةً, ثُمَّ قَامَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ ارْتَدَّ, ثُمَّ عَادَ إلَى الْإِسْلاَمِ وَلَمْ يُوَقِّتْ وَقْتًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَاقِلَةِ إلَّا أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ جَنَى وَهُوَ مُسْلِمٌ. وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ, ثُمَّ رَمَى بِسَهْمٍ فَأَصَابَ بِهِ رَجُلاً خَطَأً وَلَمْ يَقَعْ بِهِ السَّهْمُ حَتَّى رَجَعَ الْمُرْتَدُّ إلَى الْإِسْلاَمِ لَمْ تَعْقِلْ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ شَيْئًا وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ; لِأَنَّ مَخْرَجَ الرَّمْيَةِ كَانَ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ يُعْقَلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا يُقْضَى بِالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ إذَا كَانَ مَخْرَجُهَا وَمَوْقِعُهَا وَالرَّجُلُ يَعْقِلُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا ارْتَدَّ الرَّجُلُ عَنْ الْإِسْلاَمِ فَرَمَاهُ رَجُلٌ وَلَمْ تَقَعْ الرَّمْيَةُ بِهِ حَتَّى أَسْلَمَ فَمَاتَ مِنْهَا أَوْ جَرَحَهُ بِالرَّمْيَةِ فَلاَ قِصَاصَ عَلَى الرَّامِي; لِأَنَّ الرَّمْيَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ عَقْلَ وَلاَ قَوَدَ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ حَالَّةً إنْ مَاتَ وَأَرْشُ الْجُرْحِ إنْ لَمْ يَمُتْ حَالًّا; لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَلاَ تَسْقُطُ الدِّيَةُ; لِأَنَّ مَخْرَجَ الرَّمْيَةِ كَانَتْ وَهُوَ مُرْتَدٌّ كَمَا لَوْ أَنَّ رَجُلاً رَمَى رَجُلاً, ثُمَّ أَحْرَمَ فَأَصَابَتْ الرَّمْيَةُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ صَيْدًا ضَمِنَهُ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَقَلَّ مِنْ مَعْنَى أَنْ يَرْمِيَ غَرَضًا فَيُصِيبَ رَجُلاً وَهَكَذَا لَوْ رَمَى نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فَأَسْلَمَ الْمَرْمِيُّ قَبْلَ أَنْ تَقَعَ الرَّمْيَةُ لَمْ يُقَدْ لِخُرُوجِ الرَّمْيَةِ وَهُوَ غَيْرُ مُسْلِمٍ وَكَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ إنْ مَاتَ مِنْ الرَّمْيَةِ أَوْ أَرْشُ مُسْلِمٍ إنْ جَرَحَتْ وَلَمْ يَمُتْ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَمَاهُ مُرْتَدًّا أَوْ ضَرَبَهُ, ثُمَّ أَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ وُقُوعِ الرَّمْيَةِ أَوْ الضَّرْبَةِ, ثُمَّ مَاتَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ فِيهِ عَقْلٌ وَلاَ قَوَدٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّ وُقُوعَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ وَهِيَ مُبَاحَةٌ وَلَمْ يُحْدِثْ الْجَانِي عَلَيْهِ شَيْئًا بَعْدَ الْجِنَايَةِ غَيْرِ الْمَمْنُوعَةِ فَيَضْمَنُ, وَكَذَلِكَ أَنْ يَأْمُرَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَيَخْتِنَهُ أَوْ يَشُقَّ جُرْحَهُ أَوْ يَقْطَعَ عُضْوًا لَهُ لِدَوَاءٍ فَيَمُوتُ فَلاَ يَضْمَنُ شَيْئًا وَكَمَا يُقَامُ الْحَدُّ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمُوتُ فَلاَ يَضْمَنُ الْحَاكِمُ شَيْئًا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ يَدَ مُرْتَدٍّ فَأَسْلَمَ الْمُرْتَدُّ, ثُمَّ عَدَا عَلَيْهِ فَجَرَحَهُ جُرْحًا فَمَاتَ مِنْ الْجُرْحَيْنِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ قَوَدٌ إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ إبْطَالَ حَقِّهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَطَلَبَ الْقَوَدِ مِنْ الْجُرْحِ الَّذِي كَانَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ فَيَكُونُ لَهُمْ وَكَانَ عَلَيْهِ إنْ أَرَادُوا الْأَرْشَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ إذَا كَانَ الْجُرْحُ عَمْدًا وَأَبْطَلْنَا النِّصْفَ; لِأَنَّهُ كَانَ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَجَعَلْنَا الْمَوْتَ مِنْ جِنَايَةٍ غَيْرِ مَمْنُوعَةٍ وَجِنَايَةٍ مَمْنُوعَةٍ فَضَمَّنَّاهُ النِّصْفَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ كَانَ الْجَانِي عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِسْلاَمِ غَيْرَ الْجَانِي عَلَيْهِ قَبْلَهُ ضَمَّنَهُ نِصْفَ دِيَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى نَصْرَانِيٍّ فَقَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا ثُمَّ أَسْلَمَ النَّصْرَانِيُّ, ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ إسْلاَمِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ وَهُوَ مِمَّنْ لاَ قَوَدَ لَهُ وَكَانَتْ عَلَيْهِ دِيَةُ مُسْلِمٍ تَامَّةً حَالَّةً فِي مَالِهِ وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ خَطَأً كَانَتْ عَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ثَلاَثِ سِنِينَ دِيَةُ مُسْلِمٍ تَامَّةً. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ فَرَّقْت بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمُرْتَدِّ يُجْنَى عَلَيْهِ مُرْتَدًّا, ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ يَمُوتُ؟ فَقُلْت: الْمَوْتُ كَانَ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لَمْ يُحْدِثْ الْجَانِي بَعْدَهَا شَيْئًا فَيَغْرَمُ بِهِ وَلَمْ تَقُلْ فِي هَذَا الْمَوْتِ مِنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَتُغَرِّمُهُ دِيَةَ نَصْرَانِيٍّ قِيلَ لَهُ: إنَّ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَدِّ كَانَتْ غَيْرَ مَمْنُوعَةٍ بِحَالٍ فَكَانَتْ كَمَا وَصَفْت مِنْ حَدٍّ لَزِمَ فَأُقِيمَ عَلَيْهِ فَمَاتَ أَوْ رَجُلٌ أَمَرَ طَبِيبًا فَدَاوَاهُ بِحَدِيدٍ فَمَاتَ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ بِكُلِّ حَالٍ مِنْ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ فَخَالَفَ النَّصْرَانِيَّ وَلَمَّا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ مُحَرَّمَةً مَمْنُوعَةً بِالذِّمَّةِ وَدَارِ الْإِسْلاَمِ وَحُكِمَ بِالْقَوَدِ مِنْ مِثْلِهِ وَتُرِكَ الْقَوَدَ مِنْ الْمُسْلِمِ وَيَلْزَمُهُ بِهَا عَقْلٌ مَعْلُومٌ لَمْ يَجُزْ فِي الْجَانِي إلَّا أَنْ يَضْمَنَ الْجِنَايَةَ وَمَا تَسَبَّبَ مِنْهَا وَكَانَتْ فِي أَكْثَرَ مِنْ مَعْنَى الرَّجُلِ يُعَزَّرُ فِي غَيْرِ حَدٍّ فَيَمُوتُ فَيَضْمَنُ الْحَاكِمُ دِيَتَهُ وَيَمُوتُ بِأَنْ يُضْرَبَ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ فَيَغْرَمُ الْحَاكِمُ دِيَتَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَى عَاقِلَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الْعَبْدِ جِنَايَةً عَمْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ ثُمَّ مَاتَ فَلاَ قَوَدَ عَلَى الْجَانِي إذَا كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا, وَعَلَى الْقَاتِلِ دِيَةُ حُرٍّ حَالَّةً فِي مَالِهِ دُونَ عَاقِلَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَطْعَ يَدٍ فَمَاتَ مِنْهَا غَرِمَ الْقَاطِعُ دِيَةَ الْعَبْدِ تَامًّا فَكَانَ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ مِنْهَا نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ جُنِيَ عَلَيْهِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَالْبَقِيَّةُ مِنْ الدِّيَةِ لِوَرَثَةِ الْعَبْدِ الْأَحْرَارِ; لِأَنَّ الْعَبْدَ أُعْتِقَ قَبْلَ الْمَوْتِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ كَانَتْ مُوضِحَةً أَوْ غَيْرَهَا جَعَلْت لَهُ مَا مَلَكَ بِالْجِنَايَةِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ مَا مَلَكَ بِالْجِنَايَةِ بِالْمَوْتِ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ مِلْكِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فَقْءَ عَيْنَيْ الْعَبْدِ أَوْ إحْدَاهُمَا وَكَانَتْ قِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَلْفَيْ دِينَارٍ تُسَوِّي مِائَتَيْنِ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إلَّا دِيَةُ حُرٍّ; لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَتِمُّ بِمَوْتِهِ مِنْهَا إذَا مَاتَ حُرًّا لاَ مَمْلُوكًا وَكَانَتْ الدِّيَةُ كُلُّهَا لِسَيِّدِهِ دُونَ وَرَثَتِهِ; لِأَنَّ السَّيِّدَ مَلَكَ الدِّيَةَ كُلَّهَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهَا بِالْجِنَايَةِ دُونَ الْمَوْتِ إلَّا أَنَّ الْأَكْثَرَ سَقَطَ بِمَوْتِ الْعَبْدِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حُرًّا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا ضَمَّنْت الْجَانِيَ دِيَةَ حُرٍّ; لِأَنَّ الْعَبْدَ كَانَ مَمْنُوعًا بِكُلِّ حَالٍ مِنْ أَنْ يَجْنِيَ عَلَيْهِ فَضَمَّنْته مَا حَدَثَ فِي الْجِنَايَةِ الْمَمْنُوعَةِ كَمَا وَصَفْت فِي الْبَابِ قَبْلَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى رَجُلٌ عَلَى عَبْدٍ فَقَطَعَ يَدَهُ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ, ثُمَّ عَتَقَ فَجَنَى عَلَيْهِ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ, ثُمَّ مَاتَ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ ضَمِنَا مَعًا إنْ كَانَا اثْنَيْنِ دِيَةَ حُرٍّ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ الْجَانِي وَاحِدًا ضَمِنَ دِيَةَ حُرٍّ فَنِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ مِنْهَا لِسَيِّدِهِ الَّذِي أَعْتَقَهُ وَمَا بَقِيَ لِوَرَثَةِ الْمَقْتُولِ الْمُعْتَقِ مَا كَانَتْ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَمْلُوكًا مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ أَقَلَّ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى نِصْفِ دِيَتِهِ لَمْ يَجُزْ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إلَّا أَنْ يُرَدَّ إلَى نِصْفِ دِيَةِ حُرٍّ مِنْ قِبَلِ أَنَّا لَوْ أَعْطَيْنَاهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ دِيَتِهِ حُرًّا أَبْطَلْنَا الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْعَبْدِ بَعْد أَنْ صَارَ حُرًّا أَوْ بَعْضَهَا وَهُوَ إنَّمَا مَاتَ مِنْهُمَا مَعًا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ مِنْهَا إلَّا نِصْفُ دِيَةِ حُرٍّ أَوْ أَقَلُّ إذَا كَانَتْ جِنَايَتَيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ جَنَى عَلَيْهِ وَاحِدٌ قَبْلَ الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ يَدَهُ وَثَانٍ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ وَثَالِثٌ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ فَقَطَعَ رِجْلَهُ كَانَ عَلَى الْجَانِي الْأَوَّلِ ثُلُثُ دِيَتِهِ حُرًّا; لِأَنِّي أُضَمِّنُهُ دِيَةَ حُرٍّ وَلَوْ كَانَ مَنْ جُنِيَ عَلَيْهِ عَبْدًا ثُمَّ أُعْتِقَ فَمَاتَ وَهُوَ قَاتِلٌ مَعَ اثْنَيْنِ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَفِيمَا لِسَيِّدِهِ مِنْ الدِّيَةِ قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ الْأَقَلَّ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ ثُلُثِ الدِّيَةِ لاَ أَجْعَلُ لَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ قِيمَتِهِ عَبْدًا وَلَوْ كَانَتْ لاَ تَبْلُغُ بَعِيرًا مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ جِنَايَةٌ غَيْرُهَا وَلاَ أُجَاوِزُ بِهِ ثُلُثَ دِيَتِهِ حُرًّا لَوْ كَانَتْ نِصْفُ قِيمَتِهِ عَبْدًا تَبْلُغُ مِائَةَ بَعِيرٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّهَا قَدْ تَنْقُصُ بِالْمَوْتِ وَأَنَّ حَظَّ الْجَانِي عَلَيْهِ عَبْدًا مِنْ دِيَتِهِ ثُلُثُهَا, وَالْقَوْلُ الثَّانِي أَنَّ لِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَتِهِ عَبْدًا أَوْ ثُلُثِ دِيَتِهِ حُرًّا; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ ثَلاَثَةٍ وَإِنَّمَا قُلْت ثُلُثُ دِيَتِهِ حُرًّا عَلَى قَاطِعِ يَدِهِ; لِأَنَّ الدِّيَةَ صَارَتْ دِيَةَ حُرٍّ وَكَانَ الْجَانُونَ ثَلاَثَةً عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ وَلاَ يَخْتَلِفُ, وَلَوْ كَانَ مَاتَ مَمْلُوكًا كَانَ الْجَوَابُ فِيهَا مُخَالِفًا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ جَنَى عَلَيْهِ أَرْبَعَةٌ أَوْ عَشْرَةٌ أَوْ أَكْثَرُ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي عَلَيْهِ عَبْدًا إذَا مَاتَ حُرًّا حِصَّتَهُ مِنْ دِيَةِ حُرٍّ وَلِسَيِّدِهِ الْأَقَلَّ مِمَّا لَزِمَ الْجَانِيَ عَلَيْهِ عَبْدًا مِنْ الدِّيَةِ أَوْ أَرْشِ جُرْحِهِ عَبْدًا إذَا مَاتَ كَأَنْ جَرَحَهُ جُرْحًا فِيهِ حُكُومَةُ بَعِيرٍ وَهُوَ عَبْدٌ وَلَزِمَهُ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ أَوْ أَكْثَرُ بِالْحُرِّيَّةِ وَالْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ وَمَنْ جَرَحَ غَيْرَهُ فَلاَ يَأْخُذُ سَيِّدُهُ إلَّا الْبَعِيرَ الَّذِي لَزِمَ بِالْجُرْحِ وَهُوَ عَبْدُهُ (قَالَ) وَلَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ أَوْ أَكْثَرُ عَبْدًا وَمَنْ بَقِيَ حُرًّا كَانَ هَكَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ عَبْدٍ ثُمَّ أَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ, ثُمَّ ارْتَدَّ الْعَبْدُ الْمَقْطُوعُ عَنْ الْإِسْلاَمِ, ثُمَّ مَاتَ ضَمِنَ الْجَانِي عَلَيْهِ نِصْفَ قِيمَتِهِ عَبْدًا إلَّا أَنْ يُجَاوِزَ نِصْفُ قِيمَتِهِ عَبْدًا دِيَتَهُ حُرًّا مُسْلِمًا فَيُرَدُّ إلَى دِيَةِ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَيُعْطَى ذَلِكَ كُلُّهُ سَيِّدَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا أَعْطَيْت ذَلِكَ سَيِّدَهُ; لِأَنَّ أَرْشَ الْجِنَايَةِ كَانَتْ لِسَيِّدِهِ تَامَّةً وَهُوَ مَمْلُوكٌ مُسْلِمٌ مَمْنُوعٌ بِالْإِسْلاَمِ فَلَمَّا عَتَقَ كَانَتْ زِيَادَةً لَوْ كَانَتْ عَلَى الْأَرْشِ لِوَرَثَةِ الْمَيِّتِ لَوْ كَانَ الْمَوْتُ يَوْمَ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا دِيَةُ حُرٍّ فَكَانَتْ دِيَةُ حُرٍّ تَنْقُصُ مِنْ أَرْشِ الْيَدِ مَمْلُوكًا نَقْصَ سَيِّدِهِ فَلَمَّا مَاتَ مُرْتَدًّا أُبْطِلَ حَقُّهُ فِي الْمَوْتِ بِالرِّدَّةِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ نُبْطِلَ الْجِنَايَةَ الثَّانِيَةَ بِالرِّدَّةِ وَلاَ نُجَاوِزَ بِهَا دِيَةَ حُرٍّ وَهُوَ لَوْ مَاتَ مُسْلِمًا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَكْثَرُ مِنْهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله ذَكَرَ اللَّهُ مَا فَرَضَ عَلَى أَهْلِ التَّوْرَاةِ فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلَى قَوْلِهِ: {فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} وَرُوِيَ فِي حَدِيثٍ: {عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي الْقَوَدَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَبَا بَكْرٍ يُعْطِي الْقَوَدَ مِنْ نَفْسِهِ وَأَنَا أُعْطِي الْقَوَدَ مِنْ نَفْسِي}. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ كَمَا حَكَمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ بَيْنَ أَهْلِ التَّوْرَاةِ وَلَمْ أَعْلَمْ مُخَالِفًا فِي أَنَّ الْقِصَاصَ بَيْنَ الْحُرَّيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا مِنْ الْجِرَاحِ الَّتِي يُسْتَطَاعُ فِيهَا الْقِصَاصُ بِلاَ تَلَفٍ يُخَافُ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ مِنْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ (قَالَ) وَالْقِصَاصُ مِمَّا دُونَ النَّفْسِ شَيْئَانِ: جُرْحٌ يُشَقُّ بِجُرْحٍ وَطَرَفٌ يُقْطَعُ بِطَرَفٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: فَإِذَا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً أُخِذَتْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَالْمَشْجُوجُ - أَوْسَعُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْنِ مِنْ الشَّاجِّ فَكَانَتْ أُخِذَتْ مَا بَيْنَ أُذُنَيْ الشَّاجِّ فَيَكُونُ بِقِيَاسِ طُولِهَا أُخِذَ لِلْمَشْجُوجِ مَا بَيْنَ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ إلَى مُنْتَهَى الْأُذُنَيْنِ وَالرَّأْسُ عُضْوٌ كُلُّهُ وَلاَ يَخْرُجُ عَنْ مَنَابِتِ الشَّعْرِ شَيْئًا; لِأَنَّهُ عُضْوٌ وَاحِدٌ لاَ يَخْرُجُ الْقَوَدُ إلَى غَيْرِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ كُلُّ عُضْوٍ يُؤْخَذُ بِطُولِ السَّيْرِ فِيهِ وَلاَ يَخْرُجُ إلَى غَيْرِهِ. (قَالَ) وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَوْسَعَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْنِ مِنْ الْمَشْجُوجِ وَقَدْ أَخَذَتْ الشَّجَّةُ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ خُيِّرَ الْمَشْجُوجُ بَيْنَ أَنْ يُوضَعَ لَهُ السِّكِّينُ مِنْ قِبَلِ أَيِّ قَرْنَيْهِ شَاءَ, ثُمَّ يَشُقُّ لَهُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى قَدْرِ طُولِهَا بَالِغًا ذَلِكَ مَا بَيْنَ قَرْنَيْهِ مَا بَلَغَ نِصْفَهَا أَوْ ثُلُثَهَا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ لاَ يُزَادُ عَلَى طُولِ شَجَّتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً أُخِذَتْ مَا بَيْنَ مُنْتَهَى مَنَابِتِ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ إلَى مُنْتَهَى مَنَابِتِ رَأْسِهِ مِنْ قَفَاهُ وَهِيَ نِصْفُ ذَلِكَ مِنْ الشَّاجِّ أُخِذَ لَهُ نِصْفُ رَأْسِهِ وَخُيِّرَ الْمَشْجُوجُ فَبُدِئَ لَهُ إنْ شَاءَ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ وَإِنْ شَاءَ فَمِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَإِنْ كَانَ الشَّاجُّ أَصْغَرَ رَأْسًا مِنْ الْمَشْجُوجِ أُخِذَ لَهُ مَا بَيْنَ وَجْهِهِ إلَى قَفَاهُ وَأُخِذَ لَهُ بِفَضْلِ أَرْشِ الشَّجَّةِ وَكَانَ كَرَجُلٍ شَجَّ اثْنَيْنِ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا الْقِصَاصَ وَالْآخَرُ الْأَرْشَ حِينَ لَمْ يَجِدْ مَوْضِعًا لِلْقِصَاصِ وَإِنْ سَأَلَ الْمَشْجُوجُ أَنْ يُعَادَ لَهُ الشَّقُّ فِي رَأْسِهِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ لَهُ طُولُ شَجَّتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ; لِأَنَّا قَدْ استوظفنا لَهُ طُولَ الْعُضْوِ الَّذِي شُجَّ مِنْهُ وِجْهَةٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ يُفَرِّقُهَا عَلَى الشَّاجِّ فِي مَوْضِعَيْنِ وَلاَ يُزِيلُهَا عَنْ مَوْضِعِ نَظِيرِهَا وَهَذَا هَكَذَا فِي الْوَجْهِ وَلاَ يَدْخُلُ الرَّأْسُ مَعَ الْوَجْهِ وَلاَ يَدْخُلُ الْعَضُدُ وَلاَ الْكَفُّ مَعَ الذِّرَاعِ ويستوظف الذِّرَاعُ حَتَّى يُسْتَوْفَى لِلْمَجْرُوحِ قَدْرُ جُرْحِهِ مِنْهَا فَإِنْ فَضَلَ لَهُ فَضْلٌ أُخِذَ لَهُ أَرْشُ الْجِنَايَةِ وَهَكَذَا السَّاقُ لاَ يَدْخُلُ مَعَهَا قَدَمٌ وَلاَ فَخِذٌ; لِأَنَّ كُلَّ عُضْوٍ مِنْهُ غَيْرُ الْآخَرِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ بَرَأَ جُرْحُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوَّلاً غَيْرَ حَسَنِ الْبُرْءِ أَوْ غَيْرَ مُلْتَئِمِ الْجِلْدِ وَبَرَأَ الْمُسْتَفَادُ مِنْهُ حَسَنًا مُلْتَئِمًا فَلاَ شَيْءَ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إذَا أُخِذَ لَهُ الْقِصَاصُ غَيْرَ الْقِصَاصِ.
(قَالَ) وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً مُتَشَعِّبَةً شُجَّ مِثْلَهَا كَمَا لَوْ شَجَّهُ شَجَّةً مُسْتَوِيَةً شُجَّ مِثْلَهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلِكُلِّ قِصَاصٍ غَايَةٌ بِمَا وَصَفْت وَإِنْ شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً فَقِيَاسُهَا أَنْ يَشُقَّ مَا بَيْنَ الْجِلْدِ وَالْعَظْمِ فَإِنْ هَشَّمْت الْعَظْمَ أَوْ كَسَّرْته حَتَّى يَنْتَقِلَ أَوْ أَدَمْته فَسَأَلَ الْمَشْجُوجُ أَنْ يُقَصَّ لَهُ لَمْ يُقَصَّ لَهُ مِنْ هَاشِمَةٍ وَلاَ مُنَقِّلَةٍ وَلاَ مَأْمُومَةٍ; لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِالْقَطْعِ مِنْهُ بِكَسْرِ الْعَظْمِ وَلاَ هَشَمَهُ كَمَا يُؤْتَى بِالشَّقِّ فِي جِلْدٍ وَلَحْمٍ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكَذَلِكَ لاَ يُقَادُ مِنْ كَسْرِ أُصْبُعٍ وَلاَ يَدٍ وَلاَ رِجْلٍ لِمَا دُونَهُ مِنْ جِلْدٍ وَلَحْمٍ وَأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِالْكَسْرِ كَالْكَسْرِ بِحَالٍ وَأَنَّ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ يُنَالُ مِنْ لَحْمِهِ وَجِلْدِهِ خِلاَفُ مَا يُنَالُ مِنْ لَحْمِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَجِلْدِهِ, وَكَذَلِكَ لاَ قِصَاصَ مِمَّنْ نَتَفَ شَعْرًا مِنْ لِحْيَةٍ وَلاَ رَأْسٍ وَلاَ حَاجِبٍ وَإِنْ لَمْ يَنْبُتْ وَإِنْ قَطَعَ مِنْ هَذَا شَيْئًا بِجِلْدِهِ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقِصَاصِ: إنْ كُنْتُمْ تَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ تَقْطَعُوا لَهُ مِثْلَهُ بِجِلْدَتِهِ فَاقْطَعُوهُ وَإِلَّا فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ وَفِيهِ الْأَرْشُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مُوضِحَةً وَهَاشِمَةً أَوْ مَأْمُومَةً فَسَأَلَ الْمَشْجُوجُ الْقِصَاصَ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَأَرْشَ مَا بَيْنَ الْمُوضِحَةِ وَالْهَاشِمَةِ إنْ كَانَ شَجَّهَا أَوْ الْمُنَقِّلَةِ أَوْ الْمَأْمُومَةِ إنْ كَانَ شَجَّهَا فَذَلِكَ لَهُ; لِأَنَّهُ شَجَّهُ مُوضِحَةً أَوْ أَكْثَرَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا شَجَّ رَجُلٌ رَجُلاً مَا دُونَ مُوضِحَةٍ فَلاَ قِصَاصَ فِيهِ مِنْ قِبَلِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحْدُودَةٍ لَوْ أَخَذَ بِهَا بِعُمْقِ شَجَّةِ الْمَشْجُوجِ وَكَانَتْ تُوضِحُ مِنْ الشَّاجِّ لِاخْتِلاَفِ غِلَظِ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ أَوْ رِقَّتِهِمَا مِنْ الشَّاجِّ وَالْمَشْجُوجِ مَرَّةً مِثْلُ نِصْفِ عُمْقِ الرَّأْسِ مِنْ الشَّاجِّ أَقَلُّ أَوْ أَكْثَرُ وَقَدْ أَخَذْت مِنْ الْآخَرِ قَرِيبًا مِنْ مُوضِحَةٍ وَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْأَرْشُ وَإِذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِجُرْحٍ دُونَ النَّفْسِ فِيهِ قَوَدٌ أَوْ قَطَعَ لَهُ طَرَفًا فَسَوَاءٌ بِأَيِّ شَيْءٍ أَصَابَهُ مِنْ حَدِيدَةٍ أَوْ حَجَرٍ وَقَطَعَ بِيَدِهِ وَغَيْرِهِ وَلَوْ لَوَى أُذُنَهُ حَتَّى يَقْطَعَهَا أَوْ جَبَذَهَا بِيَدِهِ حَتَّى يَقْطَعَهَا أَوْ لَطَمَ عَيْنَهُ فَفَقَأَهَا أَوْ وَخَزَهُ فِيهَا بِعُودٍ فَفَقَأَهَا أَوْ ضَرَبَهُ بِحَجَرٍ خَفِيفٍ أَوْ عَصًا خَفِيفَةٍ فَأَوْضَحَهُ فَعَلَيْهِ فِي هَذَا كُلِّهِ الْقِصَاصُ وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا النَّفْسَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَطَمَ عَيْنَ رَجُلٍ فَذَهَبَ بَصَرُهَا لُطِمَتْ عَيْنُ الْجَانِي فَإِنْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَإِلَّا دُعِيَ لَهُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِمَا يُذْهِبُ الْبَصَرَ فَعَالَجُوهُ بِأَخَفَّ مَا عَلَيْهِ فِي ذَهَابِ الْبَصَرِ حَتَّى يَذْهَبَ بَصَرُهُ. (قَالَ) وَلَوْ لَطَمَ رَجُلٌ عَيْنَ رَجُلٍ فَأَذْهَبَ بَصَرَهَا أَوْ ابْيَضَّتْ أَوْ ذَهَبَ بَصَرُهَا وَنَدَرَتْ حَتَّى كَانَتْ أَخْرَجَ مِنْ عَيْنِهِ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ: إنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تُذْهِبُوا بَصَرَ عَيْنِ الْجَانِي وَتَبْيَضَّ أَوْ تُذْهِبُوا بَصَرَهَا وَتَصِيرَ خَارِجَةً كَعَيْنِ هَذَا فَافْعَلُوا وَإِلَّا فَابْلُغُوا ذَهَابَ الْبَصَرِ وَمَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ هَذَا وَلاَ يُجْعَلُ عَلَيْهِ لِلشَّيْنِ شَيْءٌ; لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى بِذَهَابِ الْبَصَرِ كُلَّ مَا فِي الْعَيْنِ مِمَّا يُسْتَطَاعُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَهَكَذَا لَوْ قَطَعَ يَدَهُ أَوْ أُصْبُعًا فَشَانَ مَوْضِعُ الْقَطْعِ أَوْ قَبُحَ بَعْدَ الْبُرْءِ أُقِيدَ مِنْهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيمَا قَبُحَ شَيْءٌ وَهَكَذَا لَوْ كَانَ هَذَا فِي أُذُنٍ أَوْ غَيْرِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ ضَرَبَ رَجُلٌ رَجُلاً ضَرْبَةً وَاحِدَةً فَأَخَذَتْ فَتَرًا مِنْ رَأْسِهِ فَأَوْضَحَ طَرَفَاهَا وَلَمْ يُوضَحْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَكِنَّهُ شَقَّ اللَّحْمَ أَوْ الْجِلْدَ أَوْ أَوْضَحَ وَسَطَهَا وَلَمْ يُوضِحْ طَرَفَهَا أُقِيدَ مِمَّا أُوضِحَ بِقَدْرِهِ وَجُعِلَتْ لَهُ الْحُكُومَةُ فِيمَا لَمْ يُوضَحْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله الْقِصَاصُ وَجْهَانِ: طَرَفٌ يُقْطَعُ وَجُرْحٌ يُبَطُّ وَلاَ قِصَاصَ فِي طَرَفٍ مِنْ الْأَطْرَافِ يُقْطَعُ مِنْ مَفْصِلٍ; لِأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ غَيْرِ الْمَفَاصِلِ حَتَّى يَكُونَ قَطَعَ كَقَطْعٍ بِلاَ تَلَفٍ يُفْضِي بِهِ الْقَاطِعُ إلَى غَيْرِ مَوْضِعِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَكُلُّ نَفْسٍ قَتَلْتهَا بِنَفْسٍ, لَوْ كَانَتْ قَاتِلَتُهَا أَقَصَصْتُ بَيْنَهُمَا مَا دُونَ النَّفْسِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَأَقُصُّ لِلرَّجُلِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَلِلْمَرْأَةِ مِنْ الرَّجُلِ بِلاَ فَضْلِ مَالٍ بَيْنَهُمَا, وَالْعَبِيدِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ أَثْمَانُهُمْ, وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا أَوْ حُرًّا أَوْ كَافِرًا جَرَحَ مُسْلِمًا أَقَصَصْتُ الْمَجْرُوحَ مِنْهُ إنْ شَاءَ; لِأَنِّي أَقْتُلُهُ لَوْ قَتَلَهُ, وَلَوْ كَانَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ قَتَلَ كَافِرًا أَوْ جَرَحَهُ أَوْ عَبْدًا أَوْ جَرَحَهُ لَمْ أَقُصُّهُ مِنْهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْقِصَاصُ مِنْ الْأَطْرَافِ بِاسْمٍ لاَ بِقِيَاسٍ مِنْ الْأَطْرَافِ فَتُقْطَعُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ وَالْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَالْأَنْفُ بِالْأَنْفِ وَتُفْقَأُ الْعَيْنُ بِالْعَيْنِ وَتُقْلَعُ السِّنُّ بِالسِّنِّ; لِأَنَّهَا أَطْرَافٌ, وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ الْقَاطِعُ أَفْضَلَ طَرَفًا مِنْ الْمَقْطُوعِ أَوْ الْمَقْطُوعُ أَفْضَلَ طَرَفًا مِنْ الْقَاطِعِ; لِأَنَّهَا إفَاتَةُ شَيْءٍ كَإِفَاتَةِ النَّفْسِ الَّتِي تُسَاوِي النَّفْسَ بِالْحَيَاةِ وَالِاسْمِ وَهَذِهِ تَسْتَوِي بِالْأَسْمَاءِ وَالْعَدَدِ لاَ بِقِيَاسٍ بَيْنَهُمَا وَلاَ بِفَضْلٍ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ. وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أَنْفَ رَجُلٍ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ قَلَعَ سِنَّهُ فَأَبَانَهُ, ثُمَّ إنَّ الْمَقْطُوعَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْصَقَهُ بِدَمِهِ أَوْ خَاطَ الْأَنْفَ أَوْ الْأُذُنَ أَوْ رَبَطَ السِّنَّ بِذَهَبٍ أَوْ غَيْرِهِ فَثَبَتَ وَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلَهُ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ بِإِبَانَتِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْهُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ, أَوْ أَرَادَ إثْبَاتَهُ فَلَمْ يَثْبُتْ وَأَقُصُّ مِنْ الْجَانِي عَلَيْهِ فَأُثْبِتُهُ فَثَبَتَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَانِي أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُبَانَ مِنْهُ مَرَّةً, وَإِنْ سَأَلَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْوَالِيَ أَنْ يَقْطَعَهُ مِنْ الْجَانِي ثَانِيَةً لَمْ يَقْطَعْهُ الْوَالِي لِلْقَوَدِ; لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالْقَوَدِ مَرَّةً إلَّا أَنْ يَقْطَعَهُ; لِأَنَّهُ أَلْصَقَ بِهِ مَيْتَةً قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ شَقَّ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَأَلْصَقَهُ بِدَمِهِ لَمْ أَكْرَهْ ذَلِكَ لَهُ وَيُشَقُّ مِنْ الشَّاقِّ وَإِنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ وَيَقُولَ: يُلْصِقُهُ فَإِنْ لَصِقَ مِنْ الشَّاجِّ وَلَمْ يَلْصَقْ مِنْ الْمَشْجُوجِ أَوْ مِنْ الْمَشْجُوجِ, وَلَمْ يَلْصَقْ مِنْ الشَّاجِّ, فَلاَ تَبَاعَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِصَاصِ الْجِرَاحُ بِالشَّقِّ فَإِذَا كَانَ الشَّقَّ فَهُوَ كَالْجِرَاحِ يُؤْخَذُ بِالطُّولِ لاَ باستيظاف طَرَفٍ. فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ طَرَفًا فِيهِ شَيْءٌ مَيِّتٌ بِشَلَلٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ شَيْءٌ مَقْطُوعٌ كَأَنْ قَطَعَ يَدَهُ وَفِيهَا أُصْبُعَانِ شُلَّا وَإِنْ لَمْ تُقْطَعْ يَدُ الْجَانِي بِهَا وَفِيهَا أُصْبُعَانِ شَلَّاوَانِ وَلَوْ رَضِيَ ذَلِكَ الْقَاطِعُ وَإِنْ سَأَلَ الْمُقْتَصُّ لَهُ أَنْ يُقْطَعَ لَهُ أَصَابِعُ الْقَاطِعِ الثَّلاَثُ وَيُؤْخَذَ لَهُ حُكُومَةُ الْكَفِّ وَالْأُصْبُعَيْنِ الْبَاقِيَتَيْنِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ هُوَ أَشَلَّ الْأُصْبُعَيْنِ وَالْمَقْطُوعُ تَامَّ الْيَدِ خُيِّرَ الْمُقْتَصُّ لَهُ بَيْنَ أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ بِيَدِهِ وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ أَوْ تُقْطَعَ لَهُ أَصَابِعُهُ الثَّلاَثُ وَيَأْخُذَ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ وَإِنَّمَا لَمْ أَجْعَلْ لَهُ إذَا قَطَعَ كَفَّهُ غَيْرَ ذَلِكَ; لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ بَقِيَ جَمَالُ الْأُصْبُعَيْنِ الشَّلَّاوَيْنِ وَسَدَّهُمَا مَوْضِعَهُمَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الْقَاطِعُ مَقْطُوعَ الْأُصْبُعَيْنِ قَطَعْت كَفَّهُ وَأَخَذْت لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أَرْشَ أُصْبُعَيْنِ تَامَّيْنِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً أَقْطَعَ أَصَابِعَ الْيَدِ إلَّا إصْبَعًا وَاحِدَةً قَطَعَ إصْبَعَ رَجُلٍ أُقِيدَ مِنْهُ, وَلَوْ قَطَعَ كَفَّ رَجُلٍ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ فِي الْكَفِّ وَأَرْشُ أَرْبَعَةِ أَصَابِعَ. وَلَوْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَقْطَعَ أَصَابِعَ الْكَفِّ إلَّا أُصْبُعًا فَقَطَعَ يَدَهُ رَجُلٌ صَحِيحُ الْيَدِ فَسَأَلَ الْقَوَدَ أَقُصُّ مِنْهُ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأُعْطِي حُكُومَةً فِي الْكَفِّ, وَلَوْ كَانَ أَقْطَعَ أُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ فَقُطِعَتْ كَفُّهُ أَقُصُّ مِنْ أَرْبَعِ أَصَابِعَ وَأَخَذْتُ لَهُ حُكُومَةً فِي كَفِّهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أَبْلُغُ بِحُكُومَةِ كَفِّهِ دِيَةَ أُصْبُعٍ; لِأَنَّهَا تَبَعٌ فِي الْأَصَابِعِ كُلِّهَا وَكُلُّهَا مُسْتَوِيَةٌ فَلاَ يَكُونُ أَرْشُهَا كَأَرْشِ وَاحِدَةٍ مِنْهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا كَانَتْ لِرَجُلٍ خَمْسُ أَصَابِعَ فِي يَدِهِ فَقَطَعَ تِلْكَ الْيَدَ رَجُلٌ لَهُ سِتُّ أَصَابِعَ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ, لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ لِزِيَادَةِ أُصْبُعِ الْقَاطِعِ عَلَى أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ الَّذِي لَهُ سِتَّةُ أَصَابِعَ هُوَ الْمَقْطُوعَ, وَاَلَّذِي لَهُ الْخَمْسُ هُوَ الْقَاطِعَ أَقْتَصُّ لَهُ مِنْهُ وَأَخَذْتُ لَهُ فِي الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ حُكُومَةً لاَ أَبْلُغُ بِهَا دِيَةَ أُصْبُعٍ; لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي الْخَلْقِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ خَمْسُ أَصَابِعَ أَرْبَعَةٌ مِنْهَا إبْهَامٌ وَمُسَبِّحَةٌ وَوُسْطَى وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَكَانَتْ خِنْصَرُهُ عَدَمًا وَكَانَتْ لَهُ أُصْبُعٌ زَائِدَةٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْخِنْصَرِ فَقَطَعَ رَجُلٌ تَامُّ الْيَدِ يَدَهُ فَسَأَلَ الْقَوَدَ لَمْ يُقَدْ مِنْهُ; لِأَنَّ عَدَدَ أَصَابِعِهِمَا وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَإِنَّ لِلْمَقْطُوعَةِ يَدُهُ أُصْبُعًا زَائِدَة وَهُوَ عَدِمَ أُصْبُعًا مِنْ نَفْسِ كَمَالِ الْخَلْقِ هُوَ الْقَاطِعُ وَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ كَانَ لَهُ الْقَوَدُ; لِأَنَّ الَّذِي يُؤْخَذُ لَهُ أَقَلُّ مِنْ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ وَإِنْ سَأَلَ الْأَرْشَ مَعَ الْقَوَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ; لِأَنَّهُ قَدْ أُخِذَ لَهُ عَدَدٌ وَإِنْ كَانَ فِيهِ أَقَلَّ مِمَّا أُخِذَ مِنْهُ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً مَقْطُوعَ أُنْمُلَةِ أُصْبُعٍ وَأَنَامِلَ أَصَابِعَ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ تَامِّ الْأَصَابِعِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ مَعَ الْأَرْشِ أَوْ الْأَرْشَ كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَنَقْصُ الْأُنْمُلَةِ وَالْأَنَامِلِ كَنَقْصِ الْأُصْبُعِ وَالْأَصَابِعِ وَإِنْ كَانَ الْمَقْطُوعُ الْأُنْمُلَةِ وَالْأَنَامِلِ هُوَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ وَسَأَلَ الْقَوَدَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ لِنَقْصِ أَصَابِعِهِ عَنْ أَصَابِعِ الْقَاطِعِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا مَقْطُوعَ أُنْمُلَةٍ وَلاَ الْأَنَامِلِ وَلَكِنْ كَانَ أَسْوَدَ أَظْفَارِ الْأَصَابِعِ وَمُسْتَحْشِفَهَا أَوْ كَانَ بِيَدِهِ قُرْح جُذَامٍ أَوْ قُرْحُ أَكَلَةٍ أَوْ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ مِنْ الْأَطْرَافِ شَيْءٌ وَلَمْ يَشْلُلْ كَانَ بَيْنَهُمَا الْقِصَاصُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَا لَمْ يَكُنْ الطَّرَفُ مَقْطُوعًا أَوْ أَشَلَّ مَيِّتًا فَأَمَّا الْعَيْبُ سِوَاهُ إذَا كَانَتْ الْأَطْرَافُ حَيَّةً غَيْرَ مَقْطُوعَةٍ فَلاَ يَمْنَعُ الْقِصَاصَ وَلاَ يَنْقُصُ الْعَقْلُ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله وَهَكَذَا الْفَتْحُ فِي الْأَصَابِعِ وَضَعْفُ خِلْقَتِهَا أَوْ أُصُولِهَا وَتَكَرُّشُهَا وَقِصَرُهَا وَطُولُهَا وَاضْطِرَابُهَا وَكُلُّ عَيْبٍ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَوْتٍ بِهَا وَلاَ قَطْعٍ فَلاَ فَضْلَ فِي بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الدِّيَةِ وَالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ نِسْبَتُهَا كَنِسْبَةِ أَيْدِي النَّاسِ. فَإِذَا ضَرَبَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ يَدَ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ فَقَطَعَهَا مِنْ الْكُوعِ فَطَلَبَ الْمَضْرُوبَةُ يَدُهُ الْقِصَاصَ أَحْبَبْت أَنْ لاَ أَقُصَّ مِنْهُ حَتَّى تَبْرَأَ جِرَاحَةً; لِأَنَّهَا لَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ نَفْسًا. فَإِنْ سَأَلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْبُرْءِ أَعْطَيْتُهُ ذَلِكَ وَلَمْ أَقُصَّ مِنْهُ بِضَرْبَةٍ وَدَعَوْت لَهُ مَنْ يَحْذِقُ الْقَطْعَ فَأَمَرْته أَنْ يَقْطَعَهَا لَهُ بِأَيْسَرَ مَا يَكُونُ بِهِ الْقَطْعُ ثُمَّ تُحْسَمُ يَدُ الْمَقْطُوعِ إنْ شَاءَ وَهَكَذَا إنْ قَطَعَهَا مِنْ الْمَرْفِقِ أَوْ الْمَنْكِبِ لاَ يَخْتَلِفُ, وَهَكَذَا إنْ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا أَوْ أُنْمُلَةَ أُصْبُعٍ لاَ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ أُقِيدُ يُمْنَى مِنْ يُسْرَى وَلاَ خِنْصَرًا مِنْ غَيْرِ خِنْصَرِ يَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا, وَهَكَذَا فِي هَذَا أَنْ يَقْطَعَ رِجْلَهُ مِنْ مَفْصِلِ الْكَعْبِ أَوْ مَفْصِلِ الرُّكْبَةِ. فَإِنْ قَطَعَهَا مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْقَطْعِ هَلْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِقَطْعِهَا مِنْ مَفْصِلِ الْوَرِكِ بِلاَ أَنْ يَكُونَ جَائِفَةً؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ أَقَصَصْت مِنْهُ وَهَكَذَا إنْ نَزَعَ يَدَهُ بِكَتِفِهِ أَقَدْته مِنْهُ إنْ قَدَرُوا عَلَى نَزْعِ الْكَتِفِ بِلاَ أَنْ يَحِيفَهُ, فَإِنْ قَطَعَ يَدَهُ مِنْ فَوْقِ الْمَفْصِلِ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ أُصْبُعًا مِنْ أَصَابِعِهِ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعَةُ يَدُهُ الْقَوَدَ قِيلَ لَهُ إنْ سَأَلْت مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي قَطَعَكَ مِنْهُ فَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَفْصِلٍ, وَذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يُقْطَعُ إلَّا بِضَرْبَةٍ جَامِعَةٍ يَرْفَعُ بِهَا الضَّارِبُ يَدَهُ. وَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عَلَى إحَاطَةٍ مِنْ أَنْ يَقَعَ مَوْقِعَ ضَرْبَتِهِ لَكَ وَلَوْ قُلْت يَنْخَفِضُ حَتَّى يَرْجِعَ إلَيَّ فِي أَقَلَّ مِنْ حَقِّي قِيلَ قَدْ لاَ تَقْطَعُ الضَّرْبَةُ فِي مَرَّةٍ وَلاَ مِرَارٍ; لِأَنَّ الْعَظْمَ يَنْكَسِرُ فَيَصِيرُ إلَى أَكْثَرَ مِمَّا نَالَكَ بِهِ أَوْ يُحَزَّ وَالْحَزُّ إنَّمَا يَكُونُ فِي جِلْدٍ وَلَحْمٍ. وَلَوْ حَزَّ فِي الْعَظْمِ كَانَ عَذَابًا غَيْرَ مُقَارِبٍ لِمَا أَصَابَكَ بِهِ وَزِيَادَةَ انْكِسَارِ الْعَظْمِ كَمَا وَصَفْت, وَيُقَالُ لَهُ إنْ سَأَلْت أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ لَكَ مِنْ الْمَفْصِلِ أَوْ رِجْلُهُ وَتُعْطَى حُكُومَةً بِقَدْرِ مَا زَادَ عَلَى الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَعَلْنَا. فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتَ تَضَعُ لَهُ السِّكِّينَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ الَّذِي وَضَعَهَا بِهِ قُلْت نَعَمْ هِيَ أَيْسَرُ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَهَا بِهِ مِنْ الْمُقْتَصِّ لَهُ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ تَلَفٍ وَلَمْ أُتْلِفْ بِهَا إلَّا مَا أَتْلَفَ الْجَانِي عَلَيْهِ بِمِثْلِهِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ. وَهَكَذَا فِي الرِّجْلِ وَالْأُصْبُعِ إذَا قَطَعَهَا مِنْ فَوْقِ الْأُنْمُلَةِ فَإِنْ قَطَعَ أُصْبُعًا مِنْ دُونِ الْأُنْمُلَةِ فَلاَ قَوَدَ بِحَالٍ وَفِيهَا حِسَابُ مَا ذَهَبَ مِنْ الْأُنْمُلَةِ, وَإِنْ قَطَعَ يَدًا مِنْ نِصْفِ الْكَفِّ أَوْ رِجْلاً, كَذَلِكَ فَقَطَعَ مَعَهَا الْأَصَابِعَ فَإِنْ سَأَلَ الْقِصَاصَ مِنْ الْأَصَابِعِ أَقَصَصْت بِهِ, وَإِنْ سَأَلَهَا مِنْ الْعَظْمِ الَّذِي أَصَابَ فَوْقَ الْأَصَابِعِ لَمْ أُعْطِهِ كَمَا وَصَفْت قَبْلَ هَذَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ شَقَّ الْكَفَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْمَفْصِلِ فَسَأَلَ الْقِصَاصَ سَأَلْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قَالُوا نَقْدِرُ عَلَى شَقِّهَا, كَذَلِكَ أَقَصَصْنَاهُ وَجَعَلْنَا ذَلِكَ كَشَقٍّ فِي رَأْسِهِ وَغَيْرِهِ, وَكَذَلِكَ إنْ شَقَّهَا حَتَّى الْمَفْصِلَ, ثُمَّ قَطَعَهَا مِنْ الْمَفْصِلِ فَبَقِيَ بَعْضُهَا وَقُطِعَ بَعْضُهَا شَقَّ قَوَدًا إنْ قَدَرَ وَقَطَعَ مِنْ حَيْثُ قُطِعَ. وَإِنْ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا فَائْتَكَلَتْ الْكَفُّ حَتَّى سَقَطَتْ كُلُّهَا فَسَأَلَ الْقِصَاصَ قِيلَ إنَّ الْقِصَاصَ أَنْ يُقْطَعَ مِنْ حَيْثُ قَطَعَ أَوْ أَقَلُّ مِنْهُ فَأَمَّا أَكْثَرُ فَلاَ - فَإِنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأَعْطَيْنَاكَ أَرْشَ الْكَفِّ يُرْفَعُ مِنْهَا عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ وَهِيَ حِصَّةُ الْأُصْبُعِ وَإِلَّا فَلَكَ دِيَةُ الْكَفِّ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا كَمَا وَصَفْت فَسَأَلَ الْقَوَدَ مِنْهَا وَقَدْ ذَهَبَتْ كَفُّهُ أَوْ لَمْ تَذْهَبْ وَسَأَلَ الْقَوَدَ مِنْ سَاعَتِهِ أَقَدْته فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ دِيَتِهَا; لِأَنِّي رَفَعْت الْخُمُسَ لِلْأُصْبُعِ الَّتِي أَقَصَصْتهَا بِهَا, فَإِنْ ذَهَبَتْ كَفُّ الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَنَفْسُهُ لَمْ أَرْفَعْ عَنْهُ مِنْ أَرْشِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ شَيْئًا; لِأَنَّ الْجَانِيَ ضَامِنٌ مَا جَنَى وَحَدَثَ مِنْهُ وَالْمُسْتَقَادَ مِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ لَهُ مَا حَدَثَ مِنْ الْقَوَدِ; لِأَنَّهُ تَلَفٌ بِسَبَبِ الْحَقِّ فِي الْقِصَاصِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ نِصْفَ كَفِّ رَجُلٍ مِنْ الْمَفْصِلِ فَائْتَكَلَتْ حَتَّى سَقَطَتْ الْكَفُّ كُلُّهَا فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ لِأَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقَوَدِ هَلْ تَقْدِرُونَ عَلَى قَطْعِ نِصْفِ كَفٍّ مِنْ مَفْصِلِ كَفِّهِ لاَ تَزِيدُونَ عَلَيْهِ؟ فَإِنْ قَالُوا نَعَمْ قُلْنَا: اقْطَعُوهَا مِنْ الشَّقِّ الَّذِي قَطَعَهَا مِنْهُ, ثُمَّ دَعُوهَا وَأَخَذْنَا لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ بَعِيرًا نِصْفَ أَرْشِ الْكَفِّ مَعَ قَطْعِ نِصْفِهَا, وَهَكَذَا إنْ قَطَعَهَا حَتَّى تَبْقَى مُعَلَّقَةً بِجَلْدَةٍ أُقِيدَ مِنْهُ وَتُرِكَتْ لَهُ مُعَلَّقَةً بِجَلْدَةٍ فَإِنْ قَالَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ اقْطَعُوهَا لَمْ يُمْنَعْ الْمُتَطَبِّبُ قَطْعَهَا عَلَى النَّظَرِ لَهُ. وَإِذَا قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ فَأَقَدْنَاهُ مِنْهُ, ثُمَّ مَاتَ الْمُسْتَقِيدُ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَبْرَأَ مِنْ ذَلِكَ الْجُرْحِ وَشَهِدَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ تِلْكَ الْجِرَاحِ وَسَأَلَ وَرَثَتُهُ الْقَوَدَ أَقَدْنَاهُ بِالنَّفْسِ; لِأَنَّهُ قَاتِلٌ قَاطِعٌ, أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فَمَاتَ مَكَانَهُ أَوْ ذَبَحَهُ خَلَّيْنَا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَبَيْنَ أَنْ يَأْتُوا بِمَنْ يَقْطَعُ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ وَخَلَّيْنَاهُمْ وَذَبْحَهُ; لِأَنَّ الذَّبْحَ إتْلاَفُ حَيٍّ.
(قَالَ) وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ ذَكَرَ رَجُلٍ مِنْ أَصْلِهِ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قُطِعَ لَهُ ذَكَرُهُ مِنْ أَصْلِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقَادُ مِنْ ذَكَرِ الرَّجُلِ إذَا قَطَعَ ذَكَرَ الصَّبِيِّ أَوْ الشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي لاَ يَأْتِي النِّسَاءَ أَوْ ذَكَرَ الْخَصِيِّ وَيُقْطَعُ أُنْثَى الْفَحْلِ إذَا قَطَعَ أُنْثَى الْخَصِيِّ الَّذِي لاَ عَسِيبَ لَهُ; لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ طَرَفٌ لِصَاحِبِهِ كَامِلٌ وَيُقْطَعُ ذَكَرُ الْأَغْلَفِ بِذَكَرِ الْمُخْتَتَنِ وَذَكَرُ الْمُخْتَتَنِ بِذَكَرِ الْأَغْلَفِ. فَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ إحْدَى أُنْثَيَيْهِ وَبَقِيَتْ الْأُخْرَى وَسَأَلَ الْقَوَدَ سَأَلْنَا أَهْلَ الْعِلْمِ فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى قَطْعِهَا بِلاَ ذَهَابِ الْأُخْرَى أُقِيدَ مِنْهُ فَإِنَّ قَطَعَهَا بِجِلْدِهَا قُطِعَتْ بِجِلْدِهَا وَإِنَّ سَلَّهَا سُلَّتْ مِنْهُ. وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ نِصْفَ ذَكَرِ رَجُلٍ وَلِذَلِكَ فَشُبِرَ ذَكَرُ الْقَاطِعِ فَوُجِدَ أَقَلَّ شِبْرًا مِنْ نِصْفِ ذَكَرِ الْمَقْطُوعِ أَوْ ضِعْفَ ذَكَرِ الْمَقْطُوعِ فَسَوَاءٌ وَأَقْطَعُ لَهُ نِصْفَ ذَكَرِهِ كَانَ أَقَلَّ شِبْرًا مِنْ نِصْفِ ذَكَرِهِ أَوْ أَكْثَرَ إنْ كَانَ يُسْتَطَاعُ قَطْعُهُ بِلاَ تَلَفٍ وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ وَهَذَا طَرَفٌ لَيْسَ هَذَا كَشَقِّ الْجِرَاحِ الَّتِي تُؤْخَذُ بِشِبْرٍ وَاحِدٍ; لِأَنَّهَا لاَ تَقْطَعُ طَرَفًا وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أَحَدَ شِقَّيْ ذَكَرِ رَجُلٍ قُطِعَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ إنْ قُدِرَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: وَأُقِيدُ مِنْ ذَكَرِ الَّذِي يَنْتَشِرُ بِذَكَرِ الَّذِي لاَ يَنْتَشِرُ مَا لَمْ يَكُنْ بِذَكَرِ الْمَقْطُوعِ ذَكَرُهُ نَقْصٌ مِنْ شَلَلٍ يُوبِسُهُ وَلاَ يَكُونُ يَنْقَبِضُ وَلاَ يَنْبَسِطُ أَوْ يَكُونُ الذَّكَرُ مَكْسُورًا إنْ كَانَ كَسْرُ الذَّكَرِ يَمْنَعُهُ مِنْ الِانْتِشَارِ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ لَمْ يُقَدْ بِهِ ذَكَرٌ صَحِيحٌ. وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ أَنْفَ الرَّجُلِ مِنْ الْمَارِنِ قُطِعَ أَنْفُهُ مِنْ الْمَارِنِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَنْفُ الْقَاطِعِ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ مِنْ أَنْفِ الْمَقْطُوعِ; لِأَنَّهُ طَرَفٌ, وَإِنْ قَطَعَهُ مِنْ دُونِ الْمَارِنِ قُدِّرَ مَا ذَهَبَ مِنْ أَنْفِ الْمَقْطُوعِ ثُمَّ أُخِذَ لَهُ مِنْ أَنْفِ الْقَاطِعِ بِقَدْرِهِ مِنْ الْكُلِّ إنْ كَانَ قَدْرَ مَارِنِ الْمَقْطُوعِ قُطِعَ قَدْرُ نِصْفِ مَارِنِهِ وَلاَ يُقَدَّرُ بِالشِّبْرِ كَمَا وَصَفْت فِي الْأَطْرَافِ الذَّكَرُ وَغَيْرُهُ, وَإِنْ قَطَعَ مِنْ أَحَدِ شِقَّيْ الْأَنْفِ قُطِعَ مِنْ إحْدَى شِقَّيْهِ كَمَا وَصَفْت, وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أَنْفَ رَجُلٍ مِنْ الْعَظْمِ فَلاَ قَوَدَ فِي الْعَظْمِ وَإِنْ أَرَادَ قَطَعْنَا لَهُ الْمَارِنَ وَأَعْطَيْنَاهُ زِيَادَةَ حُكُومَةٍ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الْعَظْمِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُقْطَعُ أَنْفُ الصَّحِيحِ بِأَنْفِ الْأَجْذَمِ وَإِنْ ظَهَرَ بِأَنْفِهِ قُرْحُ الْجُذَامِ مَا لَمْ يَسْقُطْ أَنْفُهُ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ, وَكَذَلِكَ يَدُهُ بِيَدِهِ وَإِنْ ظَهَرَ فِيهَا قُرْح الْجُذَامِ مَا لَمْ تَسْقُطْ أَصَابِعُهَا أَوْ بَعْضُهَا. وَتُقْطَعُ الْأُذُنُ بِالْأُذُنِ وَأُذُنُ الصَّحِيحِ بِأُذُنِ الْأَصَمِّ لاَ فَضْلَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْآخَرِ; لِأَنَّهُمَا طَرَفَانِ لَيْسَ فِيهِمَا سَمْعٌ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَ الْأُذُنِ قُطِعَتْ مِنْهُ بَعْضُ أُذُنِهِ كَمَا وَصَفْت إنْ قَطَعَ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا قَطَعَ مِنْهُ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا وَسَوَاءٌ كَانَتْ أُذُنُهُ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ مِنْ أُذُنِ الْمَقْطُوعَةِ أُذُنُهُ; لِأَنَّهَا طَرَفٌ وَتُقْطَعُ الْأُذُنُ الصَّحِيحَةُ الَّتِي لاَ ثُقْبَ فِيهَا بِالْأُذُنِ الْمَثْقُوبَةِ ثَقْبًا لِقُرْطٍ وَشَنْفٍ وَخُرْبَةٍ مَا لَمْ تَكُنْ الْخُرْبَةُ قَدْ خَرَمَتْهَا فَإِنْ كَانَتْ الْخُرْبَةُ قَدْ خَرَمَتْهَا لَمْ تُقْطَعْ بِهَا الْأُذُنُ. وَقِيلَ لِلْأَخْرَمِ إنْ شِئْتَ قَطَعْنَا لَكَ أُذُنَهُ إلَى مَوْضِعِ خُرْبَتِكَ مِنْ قَدْرِ أُذُنِهِ وَأَعْطَيْنَاكَ فِيمَا بَقِيَ الْعَقْلَ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ الْعَقْلُ وَإِنْ كَانَ إنَّمَا قَطَعَهَا وَهِيَ مُخَرَّمَةٌ; لِأَنَّ ذَلِكَ زَيْنٌ عِنْدَهُمْ كَالثَّقْبِ لاَ عَيْبَ فِيهِ وَلاَ جِنَايَةَ. وَإِذَا قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ قَدْ ثُغِرَ قُلِعَتْ سِنُّهُ فَإِنْ كَانَ الْمَقْلُوعَةُ سِنُّهُ لَمْ يُثْغَرْ فَلاَ قَوَدَ حَتَّى يُثْغَرَ فيتتام طَرْحُ أَسْنَانِهِ وَنَبَاتُهَا فَإِذَا تَتَامَّ وَلَمْ تَنْبُتْ سِنُّهُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَنْ الْأَجَلِ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ وَلَمْ تَنْبُتْ سِنُّهُ لَمْ تَنْبُتْ فَبَلَغَهُ فَإِذَا بَلَغْنَاهُ وَلَمْ تَنْبُتْ أَقَدْنَاهُ مِنْهُ فَإِذَا بَلَغْنَاهُ وَقَدْ نَبَتَ بَعْضُهَا أَوْ لَمْ يَنْبُتْ فَلاَ قَوَدَ, وَلَهُ مِنْ الْعَقْلِ بِقَدْرِ مَا قَصُرَ نَبَاتُهَا يُقَدَّرُ إنْ كَانَتْ ثَنِيَّةً بِالثَّنِيَّةِ الَّتِي تَلِيهَا, فَإِنْ كَانَتْ بَلَغَتْ نِصْفَهَا أُخِذَ لَهُ بَعِيرَانِ وَنِصْفٌ وَإِنْ بَلَغَتْ ثُلُثَهَا أُخِذَ لَهُ ثُلُثُ عَقْلِ سِنٍّ وَإِنْ قَلَعَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ سِنًّا زَائِدَةً أَوْ قَطَعَ لَهُ أُصْبُعًا زَائِدَةً أَوْ كَانَتْ لَهُ زَنَمَةٌ تَحْتَ أُذُنِهِ زَائِدَةٌ فَقَطَعَهَا رَجُلٌ فَسَأَلَ الْقَوَدَ فَلاَ قَوَدَ وَفِيهَا حُكُومَةٌ وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ فِي مَوْضِعٍ مِنْ هَذَا مِثْلُهُ فَفِيهِ الْقَوَدُ سِنًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ سِنٍّ أَوْ أُصْبُعٍ أَوْ زَنَمَةٍ وَهَكَذَا لَوْ خُلِقَتْ لَهُ أُصْبُعٌ لَهَا طَرَفَانِ فَقُطِعَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ فَلاَ قَوَدَ وَفِيهَا حُكُومَةٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ أُصْبُعٌ مِثْلُهَا فَيُقَادَ مِنْهُ: وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ أُصْبُعَ رَجُلٍ وَلَهَا طَرَفَانِ أَوْ أُنْمُلَةٌ وَلَهَا طَرَفَانِ وَلَمْ يُخْلَقْ لِلْقَاطِعِ تِلْكَ الْخِلْقَةَ فَسَأَلَ الْمَقْطُوعُ الْقَوَدَ فَهُوَ لَهُ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ طَرَفَاهَا أَشَلَّاهَا فَأَذْهَبَا مَنْفَعَتَهَا فَلاَ قَوَدَ. وَإِنْ كَانَ لِلْقَاطِعِ مِثْلُهَا وَلَيْسَتْ شَلَّاءَ أُقِيدَ وَلاَ حُكُومَةَ, وَلَوْ كَانَتْ لِأُصْبُعِ الْقَاطِعِ طَرَفَانِ وَلَيْسَ ذَلِكَ لِأُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ فَلاَ قَوَدَ; لِأَنَّ أُصْبُعَ الْقَاطِعِ كَانَتْ أَكْبَرَ مِنْ أُصْبُعِ الْمَقْطُوعِ ا. هـ
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعْرِفَ مَوْضِعَ رَجُلٍ مَأْمُونٍ عَلَى الْقَوَدِ وَإِذَا أَمَرَهُ بِهِ أَحْضَرَ عَدْلَيْنِ عَاقِلَيْنِ فَأَمَرَهُمَا أَنْ يَتَعَاهَدَا حَدِيدَهُ وَلاَ يَسْتَقِيدُ إلَّا وَحَدِيدُهُ حَدِيدٌ مُسْقَى لِئَلَّا يُعَذَّبَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَأْمُرَ الْمُسْتَقِيدَ أَنْ يَخْتِمَ عَلَى حَدِيدِهِ لِئَلَّا يَحْتَالَ فَيُسَمَّ فَيَقْتُلَ الْمُسْتَقَادَ مِنْهُ أَوْ يُزْمِنَهُ, وَكَذَلِكَ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِحَدِيدِهِ عِلَّةٌ مِنْ ثَلَم وَلاَ وَهَنٍ فَيُبْطِئُ فِي رَأْسٍ وَلاَ وَجْهٍ حَتَّى يَكُونَ عَلَيْهِ عَذَابًا, وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَأْمُرَ الْعَدْلَيْنِ إذَا أَقَادَ تَحْتَ شَعْرٍ فِي وَجْهٍ أَوْ رَأْسٍ أَنْ يَأْمُرَ بِحِلاَقِ الرَّأْسِ أَوْ مَوْضِعِ الْقَوَدِ مِنْهُ ثُمَّ يَأْخُذُ قِيَاسَ شَجَّةَ الْمُسْتَقَادِ لَهُ وَيُقَدِّرُ رَأْسَهُ ثُمَّ يَضَعُ مِقْيَاسَهَا فِي مَوْضِعِهِ مِنْ رَأْسِ الشَّاجِّ ثُمَّ يُعَلِّمُهُ بِسَوَادٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَأْخُذُ الْمُسْتَقِيدُ بِشِقِّ مَا شَرَطَ فِي الْعَلاَمَتَيْنِ حَتَّى يَسْتَوْظِفَ الشَّجَّةَ وَيَأْخُذَانِهِ بِذَلِكَ فِي عَرْضِهَا وَعُمْقِهَا وَيَنْظُرَ فَإِنْ كَانَ شَقًّا وَاحِدًا أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَعَلَ وَإِنْ كَانَ شَقُّهُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ أَيْسَرَ عَلَيْهِ فَعَلَ, وَإِنْ قِيلَ شَقُّهُ وَاحِدَةً أَيْسَرَ عَلَيْهِ أَجْرَى يَدَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِذَا خِيفَتْ زِيَادَتُهُ أَمَرَ أَنْ يُحَرِّفَهَا مِنْ الطَّرَفِ الَّذِي يَأْخُذُ مِنْهُ إلَى مَوْضِعٍ لاَ يُخَافُ فَعَلَهُ فَإِذَا قَارَبَ مُنْتَهَاهَا أَبْطَأَ بِيَدِهِ لِئَلَّا يَزِيدَ شَيْئًا. فَإِنْ أَقَادَ وَعَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ شَعْرٌ فَقَدْ أَسَاءَ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَإِنَّمَا أَعْنِي بِذَلِكَ شَعْرَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ فَأَمَّا إنْ كَانَ الْقَوَدُ فِي جَسَدٍ وَكَانَ شَعْرُ الْجَسَدِ خَفِيفًا لاَ يَحُولُ دُونَ النَّظَرِ فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَحْلِقَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ بَأْسَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا حَلَقَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُؤْمَرُ بِالْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَيُضْبَطُ لِئَلَّا يَضْطَرِبَ فَتَذْهَبَ الْحَدِيدَةُ حَيْثُ لاَ يُرِيدُ الْمُقْتَصُّ فَإِنْ أَغْفَلَ ضَبْطَهُ أَوْ ضَبَطَهُ مَنْ لاَ يَقْوَى مِنْهُ عَلَى الِاضْطِرَابِ فِي يَدَيْهِ فَاضْطَرَبَ وَالْحَدِيدَةُ مَوْضُوعَةٌ فِي رَأْسِهِ فِي مَوْضِعِ الْقَوَدِ فَذَهَبَتْ الْحَدِيدَةُ مَوْضِعًا آخَرَ فَهُوَ هَدَرٌ; لِأَنَّ الْمُقْتَصَّ لَهُ لَمْ يَتَعَدَّ مَوْضِعَ الْقِصَاصِ, وَإِنَّ ذَهَابَهَا فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ بِفِعْلِ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ بِنَفْسِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَيُعَادُ لِلْمُقْتَصِّ فَيَشُقُّ فِي مَوْضِعِ الْقَوَدِ أَوْ يُقْطَعَ فِي مَوْضِعِهِ إنْ كَانَ الْقَوَدُ قَطْعًا حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى مَوْضِعِ الْقِصَاصِ فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ جِرَاحًا أُقِصَّ مِنْهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ جُرْحٌ بَعْدَ جُرْحٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ جَرَحَهَا هُوَ مُتَفَرِّقَةً أَوْ جَرَحَهَا مِنْ نَفَرٍ بِأَعْيَانِهِمْ, وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقِصَاصُ قَطْعًا أَوْ جِرَاحًا وَقَطْعًا لَيْسَ فِيهِ نَفْسٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا نِيلَ مِنْهُ كَثِيرٌ خِيفَ عَلَيْهِ التَّلَفُ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ مَا لاَ يُخَافُ عَلَيْهِ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْبَاقِي فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ فَعَقْلُ الْبَاقِي فِي مَالِهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ أَصَابَ جِرَاحًا وَنَفْسًا مِنْ رَجُلٍ أُقِيدَ مِنْهُ فِي الْجِرَاحِ, الْأَوَّلَ فَالْأَوَّلَ فِي مَقَامٍ مَا كَانَتْ وَإِنْ كَانَتْ مِمَّا يُتَخَوَّفُ بِهِ التَّلَفُ أُخِذَتْ ثُمَّ أُقِيدَ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ الْقَوَدِ فَقَدْ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ وَلاَ حَقَّ لِوَرَثَةِ الْمُسْتَقَادِ لَهُ فِي مَالِهِ; لِأَنَّهُ أَتَى عَلَى نَفْسِهِ وَلَوْ كَانَتْ الْجِرَاحُ لِرَجُلٍ وَالنَّفْسُ لِآخَرَ بُدِئَ بِالْجِرَاحِ فَأُقِصَّ مِنْهَا كَمَا وَصَفْت مِنْ الْجِرَاحِ إذَا كَانَتْ لاَ نَفْسَ مَعَهَا يُؤْخَذُ فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ مَا لَيْسَ فِيهِ تَلَفٌ حَاضِرٌ وَيُحْبَسُ حَتَّى يَبْرَأَ ثُمَّ يُؤْخَذُ الْبَاقِي إذَا كَانَ الْبَاقِي لَيْسَ فِيهِ تَلَفٌ فَإِنْ مَاتَ فَقَدْ قِيلَ يَضْمَنُ أَرْشَ مَا بَقِيَ مِنْ الْجِرَاحِ وَالنَّفْسِ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجِرَاحِ تَلَفٌ أُخِذَتْ كُلُّهَا ثُمَّ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُ إنْ شَاءُوا (قَالَ) وَلَوْ دُفِعَ إلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَقَتَلُوهُ ضَمِنَ الْجِرَاحَ فِي مَالِهِ وَلاَ يُبْطِلُ عَنْهُ الْقَتْلُ جِرَاحَ مَنْ يُقْتَلُ لَهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ كَانَ جِرَاحًا لاَ نَفْسَ فِيهَا لِرَجُلٍ فَاقْتَصَّ مِنْ جُرْحٍ مِنْهَا فَمَاتَ ضَمِنَ الْجَارِحُ الْمَيِّتَ مَا بَقِيَ مِنْ أَرْشِ الْجِرَاحِ الَّتِي لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِيهَا وَإِنْ اجْتَمَعَتْ عَلَى رَجُلٍ حُدُودٌ: حَدُّ بِكْرٍ فِي الزِّنَا وَحَدٌّ فِي الْقَذْفِ وَحَدٌّ فِي سَرِقَةٍ يُقْطَعُ فِيهَا, وَقَطْعُ طَرِيقٍ يُقْطَعُ فِيهِ أَوْ يُقْتَلُ وَقَتْلُ رَجُلٍ: بُدِئَ بِحَقِّ الْآدَمِيِّينَ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ قَتْلٌ ثُمَّ حَقُّ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيمَا لاَ نَفْسَ فِيهِ ثُمَّ كَانَ الْقَتْلُ مِنْ وَرَائِهَا يُحَدُّ أَوَّلاً فِي الْقَذْفِ ثُمَّ حَبْسٌ فَإِذَا بَرِئَ حُدَّ فِي الزِّنَا ثُمَّ حُبِسَ حَتَّى يَبْرَأَ, ثُمَّ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَرِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ خِلاَفٍ وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِلسَّرِقَةِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعًا, وَرِجْلُهُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ مَعَ يَدِهِ ثُمَّ قُتِلَ قَوَدًا أَوْ بِرِدَّةٍ فَإِنْ مَاتَ فِي الْحَدِّ الْأَوَّلِ أَوْ الَّذِي بَعْدَهُ أَوْ قُتِلَ بِحَدٍّ سَقَطَتْ عَنْهُ الْحُدُودُ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كُلُّهَا. وَإِنْ كَانَ قَاتِلاً لِرَجُلٍ فَمَاتَ قَبْلُ يُقْتَلُ قَوَدًا كَانَ عَلَيْهِ دِيَةُ النَّفْسِ, وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ جُرْحًا لَمْ يَسْقُطْ أَرْشُ الْجُرْحِ; لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِالْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَالٌ وَلاَ يُمْلَكُ بِحَدِّ الْقَذْفِ وَلاَ حَدِّ السَّرِقَةِ مَالٌ بِحَالٍ قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ قَتَلَهُ الْإِمَامُ لِوَلِيِّ الدَّمِ أَوْ رِدَّةٍ فَقَدْ أَسَاءَ وَتَبْطُلُ عَنْهُ الْحُدُودُ الَّتِي لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ; لِأَنَّهُ مَيِّتٌ وَلاَ مَالَ فِيهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنَّمَا حَدَدْتُهُ بِالْحُدُودِ كُلِّهَا; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا وَاحِدٌ إلَّا وَاجِبٌ عَلَيْهِ مَأْمُورٌ بِأَخْذِهِ فَلاَ يَجُوزُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنْ أُعَطِّلَ مَأْمُورًا بِهِ لِمَأْمُورٍ بِهِ أَعْظَمَ وَلاَ أَصْغَرَ مِنْهُ وَأَنَا أَجِدُ السَّبِيلَ إلَى أَخْذِهِ كَمَا تَكُونُ عَلَيْهِ الْحُقُوقُ لِلْآدَمِيِّينَ فَلاَ يَجُوزُ إلَّا أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهُ كُلُّهَا إذَا قَدَرَ عَلَى أَخْذِهَا. وَإِذَا كَانَ الْمُسْتَقَادُ مِنْهُ مَرِيضًا وَلاَ نَفْسَ عَلَيْهِ لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ حَتَّى يَبْرَأَ فَإِذَا بَرِئَ اُقْتُصَّ مِنْهُ, وَكَذَلِكَ كُلُّ حَدٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَوْ أَوْجَبَهُ اللَّهُ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْمَرِيضِ نَفْسٌ قُتِلَ مَرِيضًا أَوْ صَحِيحًا. وَإِنْ كَانَ جُرْحٌ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْ الْجُرْحِ أُقِيدَ مِنْهُ مِنْ الْجُرْحِ وَالنَّفْسِ مَعًا فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ; لِأَنِّي إنَّمَا أُؤَخِّرُهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ لِئَلَّا يَتْلَفَ بِالْقَوَدِ مَعَ الْمَرَضِ وَإِذَا كُنْت أَقِيدُ بِالْقَتْلِ لَمْ أُؤَخِّرْهُ بِالْمَرَضِ وَهَكَذَا إذَا كَانَ الْقَوَدُ فِي بِلاَدٍ بَارِدَةٍ وَسَاعَةٍ بَارِدَةٍ أَوْ بِلاَدٍ حَارَّةٍ وَسَاعَةٍ حَارَّةٍ فَإِذَا كَانَ مَا دُونَ النَّفْسِ أُخِّرَ حَتَّى يَذْهَبَ حَدُّ الْبَرْدِ وَحَدُّ الْحَرِّ وَيُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْحَالِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَالِ تَلَفٍ وَلاَ شَدِيدَةِ الْمُبَايَنَةِ لِمَا سِوَاهَا مِنْ الْأَحْوَالِ وَكَانَ حُكْمُ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ حُكْمُ مَرَضِهِ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهُ فِيمَا دُونَهَا. وَالْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ فِي هَذَا سَوَاءٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ حَامِلاً فَلاَ يُقْتَصُّ مِنْهَا وَلاَ تُحَدُّ حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ كَانَ الْقِصَاصُ فِي رَجُلٍ فِي جَمِيعِ أَصَابِعِ كَفِّهِ أَوْ بَعْضِهَا فَقَالَ اقْطَعُوا يَدِي وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُقْتَصُّ لَهُ قِيلَ لاَ يُقْطَعُ إلَّا مِنْ حَيْثُ قَطَعَ وَلاَ أَقْبَلُ فِي هَذَا اجْتِمَاعَهُمَا عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ عُدْوَانٌ وَإِذَا قَطَعَ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ الشَّلَّاءَ, وَيَدُ الْقَاطِعِ صَحِيحَةٌ فَتَرَاضَيَا بِأَنْ يُقْتَصَّ مِنْ الْقَاطِعِ فَيُقْطَعُ يَدُهُ الصَّحِيحَةُ لَمْ أَقْطَعْ يَدَهُ الصَّحِيحَةَ بِرِضَاهُ وَرِضَا صَاحِبِهِ وَجَعَلْتُ عَلَيْهِ حُكُومَةً. وَإِذَا كَانَتْ يَدُ الْمَقْطُوعِ الْأَوَّلِ صَحِيحَةً وَيَدُ الْقَاطِعِ هِيَ الشَّلَّاءُ فَفِي يَدِ الْمَقْطُوعِ الْأَرْشُ لِنَقْصِ يَدِ الْقَاطِعِ عَنْهَا فَإِنْ رَضِيَ الْمُقْتَصُّ لَهُ بِأَنْ يُقْطَعَ وَلَمْ يَرْضَ ذَلِكَ الْقَاطِعُ سَأَلْت أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْقَطْعِ, فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الْيَدَ الشَّلَّاءَ إذَا قُطِعَتْ كَانَتْ أَقْرَبَ مِنْ التَّلَفِ عَلَى مَنْ قُطِعَتْ مِنْهُ مِنْ يَدِ الصَّحِيحِ لَوْ قَطَعْتُهُ لَمْ أَقْطَعْهَا بِحَالٍ وَإِنْ قَالُوا لَيْسَ فِيهَا مِنْ التَّلَفِ إلَّا مَا فِي يَدِ الصَّحِيحِ قَطَعْتُهَا وَلَمْ أَلْتَفِتْ إلَى مَشَقَّةِ الْقَطْعِ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ وَلاَ الْمُسْتَقَادِ لَهُ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُؤْتَى بِالْقَطْعِ لاَ يُزَادُ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ رَضِيَ الْأَشَلُّ أَنْ يُقْطَعَ لَمْ أَلْتَفِتْ إلَى رِضَاهُ وَكَانَ رِضَاهُ وَسُخْطُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءً وَهَذَا هَكَذَا فِي الْأَصَابِعِ وَالرِّجْلِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا يُشَلُّ وَإِذَا قَطَعَ الْأَشَلُّ يَدَ الصَّحِيحِ فَسَأَلَ الصَّحِيحُ الْقَوَدَ وَأَرْشَ فَضْلِ مَا بَيْنَ الْيَدَيْنِ قِيلَ إنْ شِئْت أَقْتَصُّ لَكَ وَإِذَا اخْتَرْت الْقِصَاصَ فَلاَ أَرْشَ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ الْأَرْشُ وَلاَ قِصَاصَ. وَإِنَّمَا يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ وَقِصَاصٌ إذَا كَانَ الْقَطْعُ عَلَى أَطْرَافٍ تُعَدَّدُ فَقُطِعَ بَعْضُهَا وَبَقِيَ بَعْضٌ كَأَنْ يُقْطَعَ ثَلاَثَةُ أَصَابِعَ فَوُجِدَ لَهُ أُصْبُعَيْنِ وَلاَ يَجِدُ لَهُ ثَالِثَةً فَنَقْطَعُ أُصْبُعَيْنِ وَنَجْعَلُ فِي الثَّالِثَةِ الْأَرْشَ وَإِنْ كَانَتْ الثَّلاَثَةُ شَلَّا فَسَأَلَ أَنْ يَقْطَعَ وَيَأْخُذَ لَهُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَقَطَعْت لَهُ إنْ شَاءَ أَوْ آخُذُ لَهُ الْأَرْشَ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلاَ يُصْلَبُ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ فِي الْقَتْلِ وَلاَ الْمَقْتُولِ فِي الزِّنَا وَلاَ الرِّدَّةِ بِحَالٍ لاَ يَصْلُبُ أَحَدٌ أَحَدًا إلَّا قَاطِعَ الطَّرِيقِ الَّذِي أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ ثُمَّ يُصْلَبُ ثَلاَثًا, ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلَّا الْمُرْتَدَّ فَإِنَّهُ لاَ يُصَلَّى عَلَى كَافِرٍ, وَإِنْ وَجَبَ عَلَى رَجُلٍ قِصَاصٌ فِي نَفْسٍ اُقْتُصَّ مِنْهُ مَرِيضًا وَفِي الْحَرِّ الشَّدِيدِ وَالْبَرْدِ الشَّدِيدِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا كَانَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ جِرَاحًا لاَ يَأْتِي عَلَى النَّفْسِ لَمْ يُؤْخَذْ ذَلِكَ مِنْهُ مَرِيضًا وَلاَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَبَرْدٍ شَدِيدٍ وَحُبِسَ حَتَّى تَذْهَبَ تِلْكَ الْحَالُ, ثُمَّ يُؤْخَذُ مِنْهُ. وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحُبْلَى حَتَّى تَضَعَ حَمْلَهَا فِي حَالٍ. وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ رَجْمٌ بِبَيِّنَةٍ أُخِذَ فِي الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَأُخِذَ وَهُوَ مَرِيضٌ, وَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِاعْتِرَافٍ لَمْ يُؤْخَذْ مَرِيضًا وَلاَ فِي حَرٍّ وَلاَ بَرْد; لِأَنَّهُ مَتَى رَجَعَ قَبْلَ الرَّجْمِ وَبَعْدَهُ تَرَكْتُهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا شَجَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مُوضِحَةً عَمْدًا فَتَآكَلَتْ الْمُوضِحَةُ حَتَّى صَارَتْ مُنَقِّلَةً أَوْ قَطَعَ أُصْبُعَهُ فَتَآكَلَتْ الْكَفُّ حَتَّى ذَهَبَتْ الْكَفُّ فَسَأَلَ الْقَوَدَ قِيلَ إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ مِنْ الْمُوضِحَةِ وَأَعْطَيْنَاكَ مَا بَيْنَ الْمُنَقِّلَةِ وَالْمُوضِحَةِ مِنْ أَرْشٍ. فَأَمَّا الْمُنَقِّلَةُ فَلاَ قَوَدَ فِيهَا بِحَالٍ. وَقِيلَ: إنْ شِئْت أَقَدْنَاكَ مِنْ الْأُصْبُعِ وَأَعْطَيْنَاكَ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِ الْيَدِ وَإِنْ شِئْت فَلَكَ أَرْشُ الْيَدِ وَلاَ قَوَدَ لَكَ فِي شَيْءٍ; لِأَنَّ الضَّارِبَ لَمْ يَجْنِ بِقَطْعِ الْكَفِّ وَإِنْ كَانَتْ ذَهَبَتْ بِجِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ لَهُ أَوْ يَشُقُّ لَهُ مَا شَقَّ وَقَطَعَ, وَأَرْشُ هَذَا كُلِّهِ فِي مَالِ الْجَانِي حَالًّا دُونَ عَاقِلَتِهِ; لِأَنَّهُ كَانَ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ, وَإِذَا أَنْكَرَ الشَّاجُّ وَقَاطِعُ الْأُصْبُعِ وَالْكَفِّ أَنْ يَكُونَ تَأَكُّلُهَا مِنْ جِنَايَتِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْجَانِي حَتَّى يَأْتِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بِمَنْ يَشْهَدُ أَنَّ الشَّجَّةَ وَالْكَفَّ لَمْ تَزَلْ مَرِيضَةً مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي لَمْ تَبْرَأْ حَتَّى ذَهَبَتْ فَإِذَا جَاءَ بِهَا قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ وَحَكَمْت أَنْ تَأَكُّلَهَا مِنْ جِنَايَتِهِ مَا لَمْ تَبْرَأْ الْجِنَايَةُ. وَلَوْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ بَرَأَتْ الْجِرَاحَةُ وَأَجْلَبَتْ, ثُمَّ انْتَقَضَتْ فَذَهَبَتْ الْكَفُّ أَوْ زَادَتْ الشَّجَّةُ فَقَالَ الْجَانِي: انْتَقَضْت أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ نَكَأَهَا أَوْ أَنَّ غَيْرَهُ أَحْدَثَ عَلَيْهَا جِنَايَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْجَانِي فِي أَنْ تَسْقُطَ الزِّيَادَةُ إلَّا أَنْ تُثْبِتَ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا انْتَقَضَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْكَأَهَا الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ يُحْدِثَ عَلَيْهَا غَيْرُهُ جِنَايَةً مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْبَيِّنَةَ شَهِدَتْ أَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ ذَهَبَتْ, وَإِنْ قَالُوا انْتَقَضَتْ وَقَدْ يَكُونُ مِنْهَا وَمِنْ غَيْرِهَا يَحْدُثُ عَلَيْهَا (قَالَ الرَّبِيعُ) قُلْت أَنَا وَأَبُو يَعْقُوبَ وَإِذَا قَطَعَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهَا انْتَقَضَتْ مِنْ جِنَايَتِهِ الْأُولَى كَانَ عَلَى الْجَانِي تَأَكُّلُهَا حَتَّى يَأْتِيَ بِالْبَيِّنَةِ أَنَّ ذَلِكَ الِانْتِقَاضَ مِنْ غَيْرِ جِنَايَتِهِ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَإِذَا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِشَقٍّ لاَ يَقْطَعُ طَرَفًا انْبَغَى لِلْوَالِي أَنْ يَقِيسَ الْجُرْحَ نَفْسَهُ وَلِلْمَجْرُوحِ أَنْ يُدَاوِيَهُ بِمَا يَرَى أَنَّهُ يَنْفَعَهُ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِذَا دَاوَاهُ بِمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالدَّوَاءِ الَّذِي يُدَاوَى بِهِ أَنَّهُ لاَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ فَتَأَكَّلَ الْجُرْحُ فَالْجَارِحُ ضَامِنٌ لِأَرْشِ تَأَكُّلِهِ; لِأَنَّهُ بِسَبَبِ جِنَايَتِهِ وَلَوْ قَالَ الْجَارِحُ: دَاوَاهُ بِمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَأَنْكَرَ الْمَجْرُوحُ ذَلِكَ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمَجْرُوحِ وَعَلَى الْجَارِحِ الْبَيِّنَةُ بِمَا ادَّعَاهُ وَلَوْ دَاوَاهُ بِمَا يَأْكُلُ اللَّحْمَ لَمْ يَضْمَنْ الْجَانِي إلَّا أَرْشَ الْجُرْحِ الَّذِي أَصَابَهُ مِنْهُ وَجُعِلَتْ الزِّيَادَةُ مِمَّا دَاوَاهُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله تعالى: وَلَوْ قَطَعَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ قَطَعَ لَحْمًا مَيِّتًا فَذَلِكَ دَوَاءٌ وَالْجَارِحُ ضَامِنٌ بَعْدُ لِمَا زَادَتْ الْجِرَاحُ, وَإِنْ كَانَ قَطَعَ مَيِّتًا وَحَيًّا لَمْ يَضْمَنْ الْجَارِحُ إلَّا الْجُرْحَ نَفْسَهُ وَإِذَا قُلْت: الْجَارِحُ ضَامِنٌ لِلزِّيَادَةِ فِي الْجِرَاحِ فَإِنْ مَاتَ مِنْهَا الْمَجْرُوحُ فَعَلَى الْجَارِحِ الْقَوَدُ عَمْدًا إلَّا أَنْ تَشَاءَ وَرَثَتُهُ الدِّيَةَ فَتَكُونُ فِي مَالِهِ, وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ إنْ كَانَتْ خَطَأً, وَإِذَا قُلْت لَيْسَ الْجَارِحُ بِضَامِنٍ لِلزِّيَادَةِ فَمَاتَ الْمَجْرُوحُ جَعَلْت عَلَى الْجَارِحِ نِصْفَ دِيَتِهِ وَلَمْ أَجْعَلْ لَهُ فِي النَّفْسِ قَوَدًا, وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا وَجَعَلْته شَيْئًا مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي وَجِنَايَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَى نَفْسِهِ أَبْطَلْت جِنَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَضَمَّنْت الْجَانِي جِنَايَتَهُ عَلَيْهِ, وَهَكَذَا لَوْ كَانَ فِي طَرَفٍ فَإِنْ كَانَ الْكَفُّ فَتَآكَلَتْ فَسَقَطَتْ أَصَابِعُهَا أَوْ الْكَفُّ كُلُّهَا فَالْجَانِي ضَامِنٌ لِزِيَادَتِهَا فِي مَالِهِ إنْ كَانَتْ عَمْدًا وَإِنْ قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ الْكَفَّ أَوْ الْأَصَابِعَ لَمْ يَضْمَنْ الْجَانِي مِمَّا قَطَعَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ شَيْئًا إلَّا أَنْ تَقُومَ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ الْمَقْطُوعَ كَانَ مَيِّتًا فَيَضْمَنُ أَرْشَهَا فَإِنْ لَمْ تُثْبِت الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ قَالَتْ كَانَ حَيًّا وَكَانَ خَيْرًا لَهُ أَنْ يُقْطَعَ فَقَطَعَهُ لَمْ يَضْمَنْهُ الْجَانِي. وَكَذَلِكَ لَوْ أَصَابَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ مِنْهُ أَكَلَةٌ وَكَانَ خَيْرًا لَهُ أَنْ يَقْطَعَ الْكَفَّ لِئَلَّا تَمْشِيَ الْأَكَلَةُ فِي جَسَدِهِ فَقَطَعَهَا, وَالْأَطْرَافُ حَيَّةٌ لَمْ يَضْمَنْ الْجَانِي شَيْئًا مِنْ قَطْعِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَإِنْ مَاتَ جَعَلْت عَلَى الْجَانِي نِصْفَ دِيَتِهِ; لِأَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ جِنَايَةِ الْجَانِي وَجِنَايَةُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا دَاوَى الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِرَاحَهُ بِسُمٍّ فَمَاتَ فَعَلَى الْجَانِي نِصْفُ أَرْشِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ; لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ السُّمِّ وَالْجِنَايَةِ فَإِنْ كَانَ السُّمُّ يُوحِي مَكَانَهُ كَمَا يُوحِ الذَّبْحُ فَالسُّمُّ قَاتِلٌ وَعَلَى الْجَانِي أَرْشُ الْجُرْحِ فَقَطْ, وَإِنْ كَانَ السُّمُّ مِمَّا يَقْتُلُ وَلاَ يَقْتُلُ فَالْجِنَايَةُ مِنْ السُّمِّ وَالْجِرَاحِ وَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ, وَإِنْ كَانَ دَاوَى جُرْحَهُ بِشَيْءٍ لاَ يُعْرَفُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَنَّهُ شَيْءٌ لاَ يَضُرُّ مَعَ يَمِينِهِ وَقَوْلُ وَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَالْجَانِي ضَامِنٌ لِمَا حَدَثَ فِي الْجِنَايَةِ. وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَرَحَ رَجُلاً جُرْحًا فَخَاطَ الْمَجْرُوحُ عَلَيْهِ الْجُرْحَ لِيَلْتَئِمَ فَإِنْ كَانَتْ الْخِيَاطَةُ فِي جِلْدٍ حَيٍّ فَالْجَارِحُ ضَامِنٌ لِلْجُرْحِ وَإِنْ مَاتَ الْمَجْرُوحُ بَعْدَ الْخِيَاطَةِ فَعَلَى الْجَارِحِ نِصْفُ الدِّيَةِ وَأَجْعَلُ الْجِنَايَةَ مِنْ جُرْحِ الْجَانِي وَخِيَاطَةِ الْمَجْرُوحِ; لِأَنَّ الْخِيَاطَةَ ثُقْبٌ فِي جِلْدٍ حَيٍّ وَإِنْ كَانَتْ الْخِيَاطَةُ فِي جِلْدٍ مَيِّتٍ فَالدِّيَةُ كُلُّهَا عَلَى الْجَارِحِ وَلاَ يُعْلَمُ مَوْتُ الْجِلْدِ وَلاَ اللَّحْمِ إلَّا بِإِقْرَارِ الْجَانِي أَوْ بَيِّنَةٍ تَقُومُ لِلْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذَلِكَ حَيٌّ حَتَّى يُعْلَمَ مَوْتُهُ وَلَوْ لَمْ يُزِدْ الْمَجْرُوحَ عَلَى أَنْ رَبَطَ الْجُرْحَ رِبَاطًا بِلاَ خِيَاطَةٍ وَلاَحَمَ بَيْنَهُ بِدَمِهِ أَوْ بِدَوَاءٍ لاَ يَأْكُلُ اللَّحْمَ الْحَيَّ وَلَيْسَ بِسُمٍّ فَمَاتَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَانَ الْجَانِي ضَامِنًا لِجَمِيعِ النَّفْسِ; لِأَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ لَمْ يُحْدِثْ فِيهَا جِنَايَةً إنَّمَا أَحْدَثَ فِيهَا مَنْفَعَةً وَغَيْرَ ضَرَرٍ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَوْ أَنَّ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ كَوَى الْجُرْحَ كَانَ كَيُّهُ إيَّاهُ تَكْمِيدًا بِصُوفٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِمَّا يَقُولُ أَهْلُ الْعِلْمِ: إنَّ هَذَا يَنْفَعُ وَلاَ يَضُرُّ مَنْ بَلَغَ هَذَا أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ ضَمِنَ الْجَارِحُ الْجِنَايَةَ وَمَا زَادَ فِيهَا وَإِنْ كَانَ بَلَغَ كَيَّهَا أَنْ أَحْرَقَ مَعَهَا صَحِيحًا أَوْ قِيلَ: قَدْ كَوَاهَا كَيًّا يَنْفَعُ مَرَّةً وَيَضُرُّ أُخْرَى أَوْ يُدْخِلُ بِدَاخِلِهِ حَالٌ فَهُوَ جَانٍ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا وَصَفْت فِي الْبَابِ قَبْلَهُ يَسْقُطُ نِصْفُ النَّفْسِ بِجِنَايَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَيَلْزَمُ الْجَانِي نِصْفَهَا إنْ صَارَتْ الْجِنَايَةُ نَفْسًا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِذَا قُطِعَ الرَّجُلُ أَوْ جُرِحَ فَسَأَلَ أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَنْ يَقْتَصَّ لِنَفْسِهِ لَمْ يُخَلَّ وَذَلِكَ, وَكَذَلِكَ لاَ يُخَلَّى وَذَلِكَ وَلِيٌّ لَهُ وَلاَ عَدُوَّ لِلْمُقْتَصِّ مِنْهُ وَلاَ يَقْتَصُّ إلَّا عَالَمٌ بِالْقِصَاصِ عَدْلٌ فِيهِ وَيَكْفِي فِيهِ الْوَاحِدُ; لِأَنَّهُ لاَ يَقْتَصُّ الِاثْنَانِ وَيَأْمُرُ الْوَاحِدُ مَنْ يُعِينُهُ وَلاَ يَسْتَعِينُ بِظَنِينٍ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ بِحَالٍ. وَعَلَى السُّلْطَانِ أَنْ يَرْزُقَ مَنْ يَأْخُذُ الْقِصَاصَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ فِي السَّرِقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ سَهْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْخُمُسِ كَمَا يُرْزَقُ الْحُكَّامُ وَلاَ يُكَلِّفُ ذَلِكَ النَّاسَ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ الْحَاكِمُ فَأَجْرُ الْمُقْتَصِّ عَلَى الْمُقْتَصِّ مِنْهُ; لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ حَقٍّ وَجَبَ عَلَيْهِ وَلاَ يَكْمُلُ إعْطَاؤُهُ إيَّاهُ إلَّا بِأَنْ يُسْقِطَ الْمُؤْنَةَ عَنْ أَخْذِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ أَجْرَ الْكَيَّالِ لِلْحِنْطَةِ وَالْوَزَّانِ لِلدَّنَانِيرِ وَهَكَذَا كُلُّ قِصَاصٍ دُونَ النَّفْسِ يَلِيهِ غَيْرُ الْمُقْتَصِّ لَهُ وَوَلِيُّهُ. وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلاً فَسَأَلَ أَوْلِيَاؤُهُ أَنْ يُمَكَّنَ مِنْ الْقَاتِلِ يَضْرِبُ عُنُقَهُ أُمْكِنَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَتَحَفَّظَ فَيَأْمُرَ مَنْ يَنْظُرُ إلَى سَيْفِهِ فَإِنْ كَانَ صَارِمًا وَإِلَّا أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ سَيْفًا صَارِمًا لِئَلَّا يُعَذِّبَهُ, ثُمَّ يَدَعَهُ وَضَرْبَهُ فَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَتَلَهُ فَقَدْ أَتَى عَلَى الْقَوَدِ وَإِنْ ضَرَبَهُ عَلَى كَتِفَيْهِ أَوْ فِي رَأْسِهِ مَنَعَهُ الْعَوْدَةَ وَأَحْلَفَهُ مَا عَمَدَ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى ذَلِكَ عَاقَبَهُ وَإِنْ حَلَفَ تَرَكَهُ وَلاَ أَرْشَ فِيهَا وَأَمَرَ هُوَ بِضَرْبِ عُنُقِهِ بِأَمْرِ الْوَلِيِّ وَجَبَرَ الْوَلِيَّ عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَعْفُوَ, وَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ ضَرَبَ الْمَقْتُولَ ضَرَبَاتٍ فِي عُنُقِهِ تَرَكَهُ يَضْرِبُهُ حَتَّى يَبْلُغَ عَدَدَ الضَّرَبَاتِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا يَأْمُرُ غَيْرَهُ بِقَتْلِهِ, وَإِذَا أَمَرَ الْإِمَامُ الرَّجُلَ غَيْرَ الظَّنِينِ عَلَى الْمُسْتَقَادِ مِنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ فَضَرَبَهُ ضَرَبَاتٍ فَلَمْ يَقْتُلْهُ أَعَادَ الضَّرْبَ حَتَّى يَأْتِيَ عَلَى نَفْسِهِ. وَيَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ بِسَيْفٍ أَصْرَمَ مِنْ سَيْفِهِ وَيَأْمُرَ رَجُلاً أَضْرَبَ مِنْهُ لِيُوَحِّيَهُ فَإِنْ كَانَ الْقَاتِلُ قَطَعَ يَدَيْ الْمَقْتُولِ أَوْ رِجْلَيْهِ أَوْ شَجَّهُ أَوْ أَجَافَهُ, ثُمَّ قَتَلَهُ أَوْ نَالَ مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ فَسَأَلَ الْوَلِيَّ أَنْ يَصْنَعَ ذَلِكَ بِهِ وَلَّيْنَا مَنْ يُحْسِنُ تِلْكَ الْجِرَاحَ كُلَّهَا كَمَا تَوَلَّى الْجَارِحُ دُونَ النَّفْسِ فَإِنْ مَاتَ وَإِلَّا وَلَّيْنَا الْوَلِيَّ ضَرْبَ عُنُقِهِ لاَ يَلِي الْوَلِيُّ إلَّا قِتْلَةً وَحِيَّةً مِنْ ضَرْبِ عُنُقٍ أَوْ ذَبْحٍ إنْ كَانَ الْقَاتِلُ ذَبَحَهُ أَوْ خَنَقَهُ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ مِنْ الْمَيْتَاتِ الْوَحِيَّةِ. فَإِذَا بَلَغَ مِنْ خَنْقِهِ بِقَدْرِ مَا مَاتَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَمُتْ مَنَعْنَاهُ الْخَنْقُ وَأَمَرْنَاهُ بِضَرْبِ عُنُقِهِ, وَلَوْ كَانَ الْقَاتِلُ ضَرَبَ وَسَطَ الْمَقْتُولِ ضَرْبَةً فَأَبَانَهُ خَلَّيْنَا بَيْنَ وَلِيِّهِ وَبَيْنَ أَنْ يَضْرِبَهُ حَيْثُ ضَرَبَهُ فَإِنْ أَبَانَهُ وَإِلَّا أَمَرْنَاهُ أَنْ يَضْرِبَ عُنُقَهُ, وَلَوْ كَانَ لَمْ يُبِنْهُ إلَّا بِضَرَبَاتٍ خَلَّيْنَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَدِ ضَرَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ يُبِنْهُ قَتَلْنَاهُ بِأَيْسَرَ الْقِتْلَتَيْنِ ضَرْبَةً تُبِينُ مَا بَقِيَ مِنْهُ أَوْ ضَرْبَةَ عُنُقٍ.
|