فصل: في الْمُسْلِمِ إذَا أَوْصَى إلَى الذِّمِّيِّ وَقَسَمَهُ مَجْرَى الْمَاءِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الْمُسْلِمِ إذَا أَوْصَى إلَى الذِّمِّيِّ وَقَسَمَهُ مَجْرَى الْمَاءِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُسْلِمَ إذَا أَوْصَى إلَى ذِمِّيٍّ، أَتَجُوزُ وَصِيَّتُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ أَوْصَى إلَى مَنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ وَالْمُوصَى إلَيْهِ مَسْخُوطٌ لَمْ تَجُزْ وَصِيَّتُهُ، فَهَذَا مِمَّنْ لَا يُرْضَى حَالُهُ.
قُلْت: هَلْ يُقَسَّمُ مَجْرَى الْمَاءِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَقُولُ يُقَسَّمُ مَجْرَى مَاءٍ، وَمَا عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا جَوَّزَهُ، وَمَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى أَنْ يُقَسَّمَ مَجْرَى الْمَاءِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمُوا أَرْضًا بَيْنَهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَا طَرِيقَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ في أَرْضِ صَاحِبِهِ، وَبَعْضُهُمْ إذَا وَقَعَتْ الْقِسْمَةُ عَلَى هَذَا يَبْقَى لَا طَرِيقَ لَهُ إلَى أَرْضِهِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا، وَلَا أَرَى هَذَا مِنْ قِسْمَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ.
وَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ مَا يُشْبِهُ هَذَا.

.الرَّجُلُ تَكُونُ لَهُ النَّخْلَةُ في أَرْضِ رَجُلٍ أُقْلِعَتْ فَأَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا غَيْرَهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لِي نَخْلَةً في أَرْضِ رَجُلٍ قَلَعَهَا الرِّيحُ أَوْ قَلَعْتُهَا أَنَا نَفْسِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أَغْرِسَ مَكَانَهَا نَخْلَةً أُخْرَى؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَسَأَلَهُ عَنْهَا أَهْلُ الْمَغْرِبِ فَقَالَ: ذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَغْرِسَ مَكَانَهَا زَيْتُونَةً أَوْ جَوْزَةً، أَوْ يَغْرِسَ في مَوْضِعِ أَصْلِ تِلْكَ النَّخْلَةِ نَخْلَتَيْنِ أَوْ شَجَرَتَيْنِ مِنْ سِوَى النَّخِيلِ، أَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ في مَوْضِعِ نَخْلَتِهِ، مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ مِثْلُ نَخْلَتِهِ كَائِنًا مَا كَانَ مِنْ الْأَشْجَارِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى أَصْلِ تِلْكَ النَّخْلَةِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْرِسَ مَا يَعْلَمُ النَّاسُ أَنَّهُ يَعْظُمُ حَتَّى يَكُونَ أَكْثَرَ انْتِشَارًا وَأَضَرَّ بِالْأَرْضِ مِنْ نَخْلَتِهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنَّ هَذَا رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَغْرِسَ في مَوْضِعِ نَخْلَتِهِ مِثْلَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَخْلَةً في أَرْضِ رَجُلٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَجُدَّهَا، فَقَالَ رَبُّ الْأَرْضِ لَا أَتْرُكُك تَتَّخِذَ في أَرْضِي، طَرِيقًا؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الذَّهَابِ إلَى نَخْلَتِهِ لِيَجُدَّهَا أَوْ لِيُصْلِحَهَا.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْأَرْضِ قَدْ زَرَعَ أَرْضَهُ كُلَّهَا، فَأَرَادَ أَنْ يَخْرِقَ زَرْعَهُ إلَى نَخْلَتِهِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُمْنَعَ الْمَمَرَّ إلَى نَخْلَتِهِ، وَلَا أَرَى أَنْ يَضُرَّ صَاحِبُ النَّخْلَةِ لِرَبِّ الْأَرْضِ في الْمَمَرِّ إلَى نَخْلَتِهِ، إنَّ لَهُ أَنْ يَمُرَّ وَيَسْلُكَ إلَى نَخْلَتِهِ هُوَ وَمَنْ يَجُدُّ لَهُ وَيَجْمَعُ لَهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ نَفَرًا مِنْ النَّاسِ يُفْسِدُونَ عَلَيْهِ زَرْعَهُ فيمَا يَتَوَاطَئُونَ بِهِ مِنْ الذَّهَابِ إلَى نَخْلَتِهِ وَالرُّجُوعِ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ تَكُونُ لَهُ الْأَرْضُ في وَسَطِ أَرْضِ الرَّجُلِ، فَزَرَعَ الرَّجُلُ مَا حَوْلَ أَرْضِ صَاحِبِهِ مِنْ أَرْضِهِ، فَأَرَادَ صَاحِبُ الْأَرْضِ الْوُسْطَى أَنْ يَخْرِقَ زَرْعَ هَذَا الرَّجُلِ إلَى أَرْضِهِ بِبَقَرِهِ وَمَاشِيَتِهِ لِيَرْعَى الْخِصْبَ الَّذِي في أَرْضِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى لَهُ ذَلِكَ، وَأَرَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْ مَضَرَّةِ صَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ سَلَكَ بِمَاشِيَتِهِ في زَرْعِ هَذَا إلَى أَرْضِهِ أَفْسَدَ عَلَيْهِ زَرْعَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى لَهُ أَنْ يَدْخُلَ يَحْتَشَّ خِصْبَ أَرْضِهِ، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ نَهْرًا لِي يَمُرُّ في أَرْضِ قَوْمٍ، فَأَرَادُوا أَنْ يَغْرِسُوا حَافَّتَيْ النَّهْرِ مَنْ أَرْضِهِمْ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْ فيهِ شَيْئًا.
قُلْت: فَإِنْ غَرَسُوا وَاحْتَاجَ صَاحِبُ النَّهْرِ إلَى أَنْ يُلْقِيَ طِينَهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يُلْقِيَ طِينَهُ في حَافَّتَيْ النَّهْرِ في أَرْضِ هَذَا الرَّجُلِ وَأَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى شَجَرِهِ؟
قَالَ: إنْ قَدَرَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ، مُنِعَ مِنْ أَنْ يَطْرَحَ ذَلِكَ عَلَى الشَّجَرِ.
وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى طَرْحِهِ إلَّا عَلَى الشَّجَرِ لِكَثْرَةِ الطِّينِ وَكَثْرَةِ الشَّجَرِ بِحَافَّتَيْ النَّهْرِ، وَلَا يَكْفيهِ إلْقَاءُ الطِّينِ فيمَا بَيْنَ الشَّجَرِ؛ رَأَيْتُ أَنْ يَطْرَحَ عَلَى الشَّجَرِ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ.
وَذَلِكَ إذَا كَانَتْ الْأَنْهَارُ عِنْدَهُمْ إنَّمَا يُلْقَى طِينُهَا عَلَى حَافَّتَيْ النَّهْرِ.
قَالَ: وَلِكُلِّ أَهْلِ بَلَدٍ سُنَّةٌ في هَذَا، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ أَهْلُ كُلِّ بَلَدٍ عَلَى سُنَّتِهِمْ عِنْدَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا مَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، وَقَدْ تَرَكَ دُورًا وَرَقِيقًا، وَصَاحِبُ الدَّيْنِ غَائِبٌ، فَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ مَالَ الْمَيِّتِ جَهِلُوا أَنَّ الدَّيْنَ يَخْرُجُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ الْمِيرَاثِ، أَوْ جَهِلُوا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا حِينَ اقْتَسَمُوا ثُمَّ عَلِمُوا أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنًا حِينَ اقْتَسَمُوا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تُرَدَّ الْقِسْمَةُ حَتَّى يُخْرَجَ الدَّيْنُ إذَا أُدْرِكَ مَالُ الْمَيِّتِ بِعَيْنِهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا وَدَارًا وَدَيْنًا.
قَالَ: أَرَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ الدَّارِ قَدْرُ الدَّيْنِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ مِنْ الدَّارِ إلَّا أَنْ يُخْرِجَ الدَّيْنَ مِنْ عِنْدِهِمْ الْوَرَثَةُ، فَتَكُونُ الدَّارُ دَارَهُمْ لَا تُبَاعُ عَلَيْهِمْ وَيَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ.
قلت: أَرَأَيْتَ الْوَرَثَةَ الَّذِينَ جَهِلُوا أَنَّ الدَّيْنَ يَخْرُجُ قَبْلَ الْمِيرَاثِ، أَوْ جَهِلُوا أَنَّ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا، إنْ كَانُوا قَدْ اقْتَسَمُوا الْمِيرَاثَ فَأَتْلَفَ بَعْضُهُمْ مَا صَارَ لَهُ وَبَقِيَ في يَدِ بَعْضِهِمْ الَّذِي أَخَذَ مِنْ الْمِيرَاثِ، فَقَدِمَ صَاحِبُ الدَّيْنِ، كَيْفَ يَأْخُذُ دَيْنَهُ وَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ دَيْنِهِ مِنْ الْمِيرَاثِ الَّذِي أَدْرَكَ في يَدِ هَذَا الْوَارِثِ الَّذِي لَمْ يُتْلِفْ مَا بَقِيَ في يَدِهِ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِلْغَرِيمِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَ مَا أَدْرَكَ في يَدَ هَذَا الْوَارِثَ إلَّا أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَقَلَّ مِنْ الَّذِي في يَدِ هَذَا الْوَارِثِ، فَلْيَأْخُذْ مِقْدَارَ دَيْنِهِ مِنْ ذَلِكَ وَيُطْرَحُ هَذَا الدَّيْنُ، وَلَا يُحْسَبُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ.
وَيُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ هَذَا الْمَيِّتِ مِمَّا بَقِيَ في يَدِ هَذَا الَّذِي أَخَذَ الْغَرِيمُ مِنْهُ مَا أَخَذَ وَمَا أَتْلَفَ الْوَرَثَةُ مِمَّا أَخَذُوا، فيكُونُ هَذَا كُلُّهُ مَالَ الْمَيِّتِ.
فينْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ في يَدِ هَذَا، فيكُونُ لَهُ وَيَتْبَعُ جَمِيعَ الْوَرَثَةِ بِمَا بَقِيَ لَهُ مِنْ تَمَامِ حَقِّهِ مِنْ مِيرَاثِهِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بَعْدَ الدَّيْنِ إنْ بَقِيَ لَهُ شَيْءٌ، وَيَضْمَنُ الْوَرَثَةُ مَا أَكَلُوا أَوْ اسْتَهْلَكُوا مِمَّا كَانَ في أَيْدِيهِمْ، وَمَا مَاتَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ حَيَوَانٍ أَوْ رَقِيقٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَمَا كَانَ بَقِيَ في أَيْدِيهِمْ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْأَمْتِعَاتِ أَصَابَتْهَا الْجَوَائِحُ مِنْ السَّمَاءِ، فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ في ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في هَذَا، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الْقِسْمَةَ كَانَتْ بَاطِلَةً إذَا كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَدْ جَعَلَ في قَوْلِهِ هَذَا الْمَالَ مَالَ الْمَيِّتِ عَلَى حَالِهِ، وَجَعَلَ الْقِسْمَةَ بَاطِلَةً لَمَّا قَالَ مَا أَصَابَتْ الْجَوَائِحُ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي في أَيْدِيهِمْ وَمَا مَاتَ مِمَّا في أَيْدِيهِمْ، فَضَمَانُهُ مِنْ جَمِيعِهِمْ؛ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ تَجُزْ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمْ لِلدَّيْنِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا جَنَى عَلَيْهِ مِمَّا في أَيْدِيهِمْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ قَبْلَ أَنْ يَلْحَقَ الدَّيْنُ ثُمَّ لَحِقَ الدَّيْنُ؟
قَالَ: يَتَّبِعُونَ جَمِيعًا صَاحِبَ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِجَمِيعِهِمْ يَوْمَ جَنَى عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَكَانَتْ الْقِسْمَةُ فيهِ بَاطِلَةً، وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فيمَا بَاعُوا مِمَّا قَبَضُوا مِنْ قِسْمَتِهِمْ مِمَّا لَمْ يُحَابُوا فيهِ، فَإِنَّمَا يُؤَدُّونَ الثَّمَنَ الَّذِي بَاعُوا بِهِ، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِمْ قِيمَةُ تِلْكَ السِّلَعِ يَوْمَ قَبَضُوهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا أَعْطَى الْقَاضِي أَهْلَ الْمِيرَاثِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، أَتَرَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُمْ كَفيلًا بِمَا يَلْحَقُ الْمَيِّتَ في هَذَا الْمَالِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفيلًا، وَيَدْفَعُ إلَيْهِمْ حَقَّهُمْ بِلَا كَفيلٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَسَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ، ثُمَّ لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمْ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضَ؛ لِأَنَّ قِسْمَةَ الْقَاضِي بَيْنَهُمْ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ اقْتَسَمُوا هُمْ أَنْفُسُهُمْ بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي وَهُمْ رِجَالٌ.

.في الْوَارِثِ يَلْحَقُ بِالْمَيِّتِ بَعْدَ قِسْمَةِ الْمِيرَاثِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا وَرِثُوا رَجُلًا فَاقْتَسَمُوا مِيرَاثَهُ بَيْنَهُمْ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَارِثُ هَذَا الْمَيِّتِ مَعَهُمْ، وَقَدْ أَتْلَفَ بَعْضُهُمْ مَا أَخَذَ مَنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَأَدْرَكَ بَعْضَهُمْ وَفي يَدَيْهِ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ أَوْ بَعْضُ مَا أَخَذَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتْبَعُ هَذَا الْوَارِثُ الَّذِي قَدِمَ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَارِثُ هَذَا الْمَيِّتِ جَمِيعَهُمْ، وَيَأْخُذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَصِيرُ عَلَيْهِ مِنْ مِيرَاثِهِ، وَلَيْسَ لَهُ عَلَى هَذَا الَّذِي بَقِيَ في يَدَيْهِ مَالُ الْمَيِّتِ إلَّا مِقْدَارَ مَا يُصِيبُهُ مِنْ مِيرَاثِهِ إذَا فَضَضْتُ مِيرَاثَهُ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ، فيأْخُذُ مِنْ هَذَا الَّذِي لَمْ يُتْلِفْ مَا في يَدَيْهِ مِقْدَارَ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتَّبِعُ فيهِ الْوَرَثَةَ بِمَا يَصِيرُ عَلَيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ، أَمْلِيَاءَ كَانُوا أَوْ عُدَمَاءَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ لَهُ إلَّا ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا فَقُسِّمَ مَالُهُ بَيْنَ الْغُرَمَاءِ، ثُمَّ قَدِمَ قَوْمٌ فَأَقَامُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى دَيْنٍ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ، وَقَدْ أَعْدَمَ بَعْضُ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَخَذُوا دَيْنَهُمْ.
قَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدِمُوا فَأَحْيَوْا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دَيْنًا أَنْ يَتْبَعُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِمَا يَصِيرُ عَلَيْهِ مِنْ دَيْنِهِمْ إذَا فُضَّ دَيْنُهُمْ عَلَى جَمِيعِ الْغُرَمَاءِ الَّذِينَ اقْتَضَوْا دَيْنَهُمْ، فيكُونُ ذَلِكَ عَلَى الْمُحَاصَّةِ في مَالِ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دَيْنًا أَنْ يَأْخُذُوا مَا وَجَدُوا في يَدِ هَذَا الْغَرِيمِ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ الَّذِي لَمْ يُتْلَفْ مَا اُقْتُضِيَ مِنْ دَيْنِهِ، وَلَكِنْ يَأْخُذُونَ مِنْ هَذَا مِقْدَارَ مَا يَصِيرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَيَتْبَعُونَ بَقِيَّةَ الْغُرَمَاءِ بِقَدْرِ مَا يَصِيرُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِمَّا اُقْتُضِيَ مِنْ حَقِّهِ.
وَكَذَلِكَ أَبَدًا إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى مَالِ الْمَيِّتِ الَّذِي أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ، وَيُنْظَرُ إلَى دَيْنِ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ وَدَيْنِ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا عَلَى هَذَا الْمَيِّتِ دَيْنَهُمْ، فيقَسَّمُ بَيْنَهُمْ مَالُ الْمَيِّتِ بِالْحِصَصِ.
فَمَا صَارَ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا عَلَى الْمَيِّتِ الدَّيْنَ كَانَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا أُولَئِكَ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ اقْتَضَوْا دَيْنَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِهَؤُلَاءِ، وَلَا يَتْبَعُونَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَّا بِمَا أَخَذَ مِنْ الْفَضْلِ عَلَى حَقِّهِ في الْمُحَاصَّةِ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مَا وَجَدُوا مِنْ ذَلِكَ بِعَيْنِهِ، فيقْسِمُونَهُ بَيْنَهُمْ، وَلَكِنْ يَأْخُذُونَ مِنْهُ مِثْلَ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَيَتْبَعُونَ الْعَدِيمَ وَالْمَلِيَّ بِمَا يَصِيرُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْفَضْلِ الَّذِي أَخَذُوا حِينَ وَقَعَتْ الْمُحَاصَّةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا دَيْنَهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ مَالًا وَوَرَثَةً، وَتَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، فَأَخَذَ الْغُرَمَاءُ دَيْنَهُمْ وَاقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ بَعْدَ الدَّيْنِ، ثُمَّ أَتَى قَوْمٌ فَأَحْيَوْا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنًا وَقَدْ أَتْلَفَ الْوَرَثَةُ جَمِيعَ مَا قَبَضُوا مَنْ مَالِ الْمَيِّتِ وَأُعْدِمُوا أَيَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا هَذَا الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ أَنْ يَتْبَعُوا هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءَ الَّذِينَ أَخَذُوا حَقَّهُمْ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ، وَالْحَقُّ الَّذِي أَخَذَهُ الْغُرَمَاءُ الْأَوَّلُونَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ في أَيْدِيهِمْ لَمْ يَسْتَهْلِكُوهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَتْبَعُوا الْغُرَمَاءَ الْأَوَّلِينَ إذَا كَانَ مَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الدَّيْنِ فيهِ وَفَاءٌ لِهَذَا الدَّيْنِ الَّذِي أَحْيَا هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ، لِأَنَّ دَيْنَهُمْ يُجْعَلُ فيمَا أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ، وَلَا يُجْعَلُ دَيْنُهُمْ فيمَا اقْتَضَى الْغُرَمَاءُ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ؛ لِأَنَّ هَهُنَا فَضْلُ مَالٍ.
وَإِنَّمَا يَكُونُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا هَذَا الدَّيْنَ أَنْ يَتْبَعُوا الْوَرَثَةَ عُدَمَاءَ كَانُوا أَوْ أَمْلِيَاءَ وَلَيْسَ لَهُمْ غَيْرُ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَيْسَ فيمَا أَخَذَ الْوَرَثَةُ بَعْدَ الدَّيْنِ وَفَاءٌ بِهَذَا الدَّيْنِ الَّذِي أَحْيَا هَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءُ، رَجَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَحْيَوْا هَذَا الدَّيْنَ عَلَى الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ بِمَا زَادَ مِنْ دَيْنِهِمْ عَلَى الَّذِي أَخَذَتْ الْوَرَثَةُ، فيحَاصُّونَ الْغُرَمَاءَ بِمَا يَصِيرُ لَهُمْ في يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْغُرَمَاءِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ، أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى هَذَا الْغَرِيمِ كَمْ كَانَ يُدْرِكُ أَنْ لَوْ كَانَ حَاضِرًا في مُحَاصَّتِهِمْ فيمَا في أَيْدِيهِمْ وَفيمَا في أَيْدِي الْوَرَثَةِ، فينْظَرُ إلَى عَدَدِ الَّذِي كَانَ يُصِيبُهُ في مُحَاصَّتِهِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الَّذِي بِيَدِ الْوَرَثَةِ فيقَاصُّ بِهِ، فيتْبَعُهُمْ بِهِ وَيَرْجِعُ بِمَا بَقِيَ عَلَى الْغُرَمَاءِ فيأْخُذُهُ مِنْهُمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ، يَضْرِبُ بِذَلِكَ في نَصِيبِهِمْ وَلَا يُحَاصُّ بِجَمِيعِ دَيْنِهِ فيمَا أَخَذُوا، وَلَكِنْ يُحَاصُّ فيمَا فَسَّرْتُ لَكَ.
قُلْت: لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ لِهَؤُلَاءِ الْغُرَمَاءِ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ اقْتَضَوْا حُقُوقَهُمْ مَا قَبَضُوا دُونَ الْغُرَمَاءِ الْآخَرِينَ الَّذِينَ أَحْيَوْا الدَّيْنَ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ وَرَثَتُهُ قَدْ أَتْلَفُوا مَا في أَيْدِيهِمْ، وَكَانَ فيمَا بَقِيَ في أَيْدِي الْوَرَثَةِ وَفَاءٌ بِدُيُونِ الْآخَرِينَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ يُقَالُ لِلْغُرَمَاءِ الْآخَرِينَ: لَيْسَ مَغِيبُكُمْ إذَا لَمْ يُعْلَمْ بِدَيْنِكُمْ مِمَّا يُمْنَعُ بِهِ هَؤُلَاءِ الْحُضُورُ مِنْ قَضَاءِ دُيُونِهِمْ، فَلَمَّا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَقْبِضُوا دُيُونَهُمْ، إذَا لَمْ يَعْلَمُوا بِكُمْ دُونَكُمْ، جَازَ ذَلِكَ لَهُمْ دُونَكُمْ لِأَنَّهُ كَانَ حُكْمٌ فَلَا يُرَدُّ إذَا وَقَعَ.

.في إقْرَارِ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ وَرَثَةَ الْمَيِّتِ اقْتَسَمُوا مَالَ الْمَيِّتِ، فَأَقَرَّ أَحَدُهُمْ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ، فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ: أَنَا أَحْلِفُ وَآخُذُ حَقِّي؟
قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ لَهُ.
قُلْت: وَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا يُرِيدُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ بِإِقْرَارِهِ بِهَذَا الدَّيْنِ، وَلَا يَتَّهِمُهُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ بِإِقْرَارِهِ بِهَذَا الدَّيْنِ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَدِمَ في الْقِسْمَةِ أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ أَوْ بِمِثْلِ ذَلِكَ، يُرِيدُ بِهِ إبْطَالَ الْقِسْمَةِ لَعَلَّهُ أَنْ يَجُرَّ إلَى نَفْسِهِ بِذَلِكَ مَنْفَعَةً كَبِيرَةً؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُقَالَ لِلْوَرَثَةِ إذَا حَلَفَ هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ إنْ شِئْتُمْ فَادْفَعُوا إلَيْهِ مَا اسْتَحَقَّ بِإِقْرَارِ هَذَا مَعَ يَمِينِهِ أَنْتُمْ وَهَذَا الْمُقَرُّ لَهُ بِالدَّيْنِ وَتَنْفُذُ قِسْمَتُكُمْ، وَإِلَّا أَبْطَلْنَا الْقِسْمَةَ وَأَعْطَيْنَا هَذَا دَيْنَهُ ثُمَّ قَسَمْنَا مَا بَقِيَ بَيْنَكُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْوَرَثَةُ: نَحْنُ نُخْرِجُ مَا يُصِيبُنَا مِنْ هَذَا الدَّيْنِ، وَقَالَ هَذَا الَّذِي أَقَرَّ: لَا أُخْرِجُ أَنَا دَيْنَهُ، وَلَكِنْ اُنْقُضُوا الْقِسْمَةَ وَبِيعُوا حَتَّى تُوَفُّوهُ حَقَّهُ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْوَرَثَةِ: أَخْرِجُوا هَذَا الَّذِي يَصِيرُ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّ هَذَا، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ قِيلَ لِهَذَا الَّذِي أَقَرَّ: أَعْطِ حِصَّتَكَ وَإِلَّا بِيعَ عَلَيْكَ مَا أَخَذْتَ مِنْ مِيرَاثِكَ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ: يَحْلِفُ الْمُقَرُّ لَهُ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَقَرَّ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بِدَيْنٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَحَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ لَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا حَتَّى يَأْخُذَهَا هَذَا الْمُقَرُّ لَهُ حَقُّهُ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ.

.في الْوَصِيَّةِ تَلْحَقُ الْمَيِّتَ بَعْدَ الْقِسْمَةَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمُوا دُورًا وَرَقِيقًا وَأَرَضِينَ وَحَيَوَانًا وَغَيْرَ ذَلِكَ، فَأَتَى رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمَيِّتَ قَدْ أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ، أَوْ أَتَى رَجُلٌ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ وَارِثٌ مَعَهُمْ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ دَرَاهِمَ وَدَنَانِيرَ وَعُرُوضًا، فَإِنَّمَا لِهَذَا الْمُوصَى لَهُ وَلِهَذَا الْوَارِثِ الَّذِي لَحِقَ، أَنْ يَتْبَعَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا صَارَ في يَدَيْهِ مِنْ حَقِّهِ إذَا كَانَ مَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَدْفَعَ إلَى هَذَا الْمُوصَى لَهُ أَوْ إلَى هَذَا الْوَارِثِ حَقَّهُ مِمَّا في يَدَيْهِ، وَيَنْقَسِمُ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الدُّورُ وَالْأَرَضُونَ، فَإِنْ كَانُوا اقْتَسَمُوا كُلَّ دَارٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَجْمَعُوا الدُّورَ في الْقَسْمِ، فَأُعْطِيَ كُلُّ إنْسَانٍ حَقَّهُ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَالْأَرَضُونَ كَذَلِكَ اقْتَسَمُوهَا وَالْأَجِنَّةُ كَذَلِكَ اقْتَسَمُوهَا، فَأَرَى أَنْ تُنْتَقَضَ الْقِسْمَةُ حَتَّى يُجْمَعَ لَهُ حَقُّهُ في كُلِّ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ أَوْ جِنَانٍ كَمَا يُجْمَعُ لَهُمْ، وَلَا يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ قَدْرَ نَصِيبِهِ، فيتَفَرَّقَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَكُونَ ضَرَرًا بِهِ بَيِّنًا.
وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمُوا الدُّورَ، فَلَمْ يُقْطَعْ لِكُلِّ إنْسَانٍ مِنْهُمْ نَصِيبُهُ في كُلِّ دَارٍ، وَلَكِنْ جُمِعَ لَهُ فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ إنْسَانٍ حَقَّهُ فيتَفَرَّقُ ذَلِكَ عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ الثَّانِيَةَ فيجْمَعُونَ نَصِيبَهُ كَمَا جُمِعَ لَهُمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ تَرَكَ دُورًا أَوْ عَقَارًا أَوْ عُرُوضًا وَلَمْ يَتْرُكْ دَرَاهِمَ وَلَا دَنَانِيرَ، فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ بَعْدَمَا اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى لَهُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، أَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ يُقَالَ لِلْوَرَثَةِ: اصْطَلِحُوا فيمَا بَيْنَكُمْ وَأَخْرِجُوا وَصِيَّةَ هَذَا الرَّجُلِ وَأَقِرُّوا قِسْمَتَكُمْ بِحَالِهَا إنْ أَحْبَبْتُمْ، فَإِنْ أَبَوْا رُدَّتْ الْقِسْمَةُ وَبِيعَ مِنْ مَالِ هَذَا الْمَيِّتِ مِقْدَارُ وَصِيَّةِ هَذَا الرَّجُلِ إذَا كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُ ذَلِكَ، ثُمَّ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ مَا بَقِيَ.
وَإِنَّمَا جَعَلْنَا الْوَرَثَةَ هَهُنَا بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبُّوا أَنْ يُؤَدُّوا الدَّيْنَ الَّذِي لَحِقَ مِنْ الْوَصِيَّةِ في مَالِ الْمَيِّتِ، وَإِلَّا رَدُّوا مَا أَخَذُوا مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَبَاعُوا مِنْهُ مِقْدَارَ دَيْنِ هَذَا الْمَيِّتِ وَاقْتَسَمُوا مَا بَقِيَ بَيْنَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ هَذَا مَالُ الْمَيِّتِ الَّذِي وَرِثْنَاهُ فَأَخْرِجُوا مِنْهُ الدَّيْنَ وَلَا نُخْرِجُ نَحْنُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِنَا.
وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ ذَلِكَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ حَظَّهُ مِنْ الدَّيْنِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ، فَإِنْ قَالَ بَعْضُهُمْ نَحْنُ نُخْرِجُ الدَّيْنَ مِنْ أَمْوَالِنَا، وَقَالَ أَحَدُهُمْ لَا أُخْرِجُ الدَّيْنَ مِنْ مَالِي وَلَكِنْ رُدُّوا الْقِسْمَةَ وَبِيعُوا فَأَوْفُوا الْوَصِيَّةَ، ثُمَّ اقْتَسِمُوا مَا بَقِيَ فيمَا بَيْنَنَا.
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُ هَذَا الَّذِي أَبَى، وَتُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ وَيَدْفَعُونَ إلَى هَذَا الْمُسْتَحِقِّ حَقَّهُ مِنْ الْوَصِيَّةِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَ مَا بَقِيَ.
وَذَلِكَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ إذَا أَبَى صَاحِبُهُمْ أَنْ يَشْتَرُوا مَا في يَدَيْهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ لَمَّا لَحِقَ دَخَلَ في جَمِيعِ مَا في أَيْدِيهِمْ.
فَلَوْ جَوَّزْنَا لَهُمْ مَا قَالُوا لَقُلْنَا لِهَذَا لِذِي أَبَى: بِعْ مَا في يَدَيْكَ وَأَوْفِ الْغُرَمَاءَ أَوْ هَذَا الْمُوصَى لَهُ حِصَّتَكَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ الَّذِي لَحِقَهُ يَغْتَرِقُ مَا في يَدَيْهِ، وَلَعَلَّ قِسْمَتَهُمْ إنَّمَا كَانَتْ عَلَى التَّغَابُنِ فيمَا بَيْنَهُمْ، أَوْ لَعَلَّهُ قَدْ أَتَتْ جَائِحَةٌ مِنْ السَّمَاءِ عَلَى مَا في يَدَيْهِ فَأَتْلَفَتْهُ، ثُمَّ لَحِقَ الدَّيْنُ أَوْ الْوَصِيَّةُ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِذَلِكَ شَيْءٌ.
فَهَذَا الَّذِي يَدُلُّكَ عَلَى إبْطَالِ الْقِسْمَةِ فيمَا بَيْنَهُمْ إذَا أَبَى هَذَا الْوَاحِدُ وَقَالَ لَا أُخْرِجُ حِصَّتِي، وَلَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُمْ مَا في أَيْدِيهِمْ بِحِصَّتِهِمْ مِنْ الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذَا الَّذِي أَبَى لَوْ تَلِفَ مَا في يَدَيْهِ مِمَّا كَانَ أَخَذَ مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ بِجَائِحَةٍ أَتَتْ مِنْ السَّمَاءِ، لَمْ يَضْمَنْ فَلَا تَتِمُّ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَتِمُّ الدَّيْنُ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا بِعَيْنِهِ عَنْ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ رَأْيِي؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا لَحِقَ الْمَيِّتَ دَيْنٌ وَقَدْ اقْتَسَمَتْ الْوَرَثَةُ، أُخِذَ الدَّيْنُ مِمَّا في أَيْدِيهِمْ.
وَمَا تَلِفَ بِأَمْرٍ مِنْ أَمْرِ السَّمَاءِ مِمَّا كَانَ في أَيْدِيهِمْ لَمْ يَلْزَمْ وَاحِدًا مِنْهُمْ مَا تَلِفَ في يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ هَذَا، عَلِمْنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضُ فيمَا بَيْنَهُمَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَحِقَ دَيْنٌ أَوْ وَصِيَّةٌ في مَالِ هَذَا الْمَيِّتِ، وَقَدْ اقْتَسَمَ الْوَرَثَةُ الدُّورَ وَالرَّقِيقَ وَجَمِيعَ مَا تَرَكَ الْمَيِّتُ فيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَامَ الْوَرَثَةُ كُلُّهُمْ: تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ وَنَبِيعُ فَنُوَفي هَذَا الرَّجُلَ حَقَّهُ أَوْ وَصِيَّتَهُ، وَالْوَصِيَّةُ دَرَاهِمُ أَوْ كَيْلٌ مِنْ الطَّعَامِ.
فَقَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ: لَا أَنْقُضُ الْقِسْمَةَ وَلَكِنْ أَنَا أُوَفي هَذَا الرَّجُلَ دَيْنَهُ أَوْ وَصِيَّتَهُ مِنْ مَالِي، وَلَا أَتْبَعُكُمْ بِشَيْءٍ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مُغْتَبِطٌ بِحَظِّهِ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا أَوْ أَرَى ذَلِكَ لَهُ وَلَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ.

.في قَسْمِ الْقَاضِي الْعَقَارَ عَلَى الْغَائِبِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ بَيْنَ أَبِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مَنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ وَرِثَاهَا، فَغَابَ الرَّجُلُ وَهَلَكَ وَالِدِي فَأَرَدْنَا أَنْ نُقَسِّمَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي فيقَسِّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ.
قُلْت: وَسَوَاءٌ إنْ كَانَتْ شَرِكَةُ أَبِي مَعَ هَذَا الْغَائِبِ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْقِسْمَةُ في الدُّورِ وَالرَّقِيقِ وَجَمِيعِ الْأَشْيَاءِ إذَا كَانَتْ بَيْنَهُمْ مِنْ شِرَاءٍ أَوْ مِيرَاثٍ فَهُوَ سَوَاءٌ، وَيُقَسَّمُ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: وَاَلَّذِي قَالَ مَالِكٌ في الْغَائِبِ يُدَّعَى عَلَيْهِ في الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ، إنَّمَا قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقْضَى عَلَيْهِ، وَلَكِنَّهُ يُسْتَأْنَى بِهِ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْقَسْمِ فيقَسَّمُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ شَرِيكُ أَبِيهِمْ حَاضِرًا وَبَعْضُ وَرَثَةِ الْمَيِّتِ غُيَّبًا، أَيَقْسِمُهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: يَقْسِمُهَا الْقَاضِي بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ.
قُلْت أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا وَرِثُوا دُورًا وَرَقِيقًا، فَرَفَعُوا أَمَرَهُمْ إلَى صَاحِبِ الشَّرْطِ وَفي وَرَثَةِ الْمَيِّتِ قَوْمٌ غُيَّبٌ فيسْمَعُ مَنْ بَيِّنَتِهِمْ فَقَسَّمَ ذَلِكَ بَيْنَهُمْ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ الْقِسْمَةُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي وَلَا أَرَيّ أَنْ يَجُوزَ ذَلِكَ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْأَرْضِ وَالشَّجَرِ الْمُفْتَرِقَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْأَرْضَ الَّتِي فيهَا الشَّجَرُ الْمُفْتَرِقَةُ، هَهُنَا شَجَرَةٌ وَهَهُنَا شَجَرَةٌ، وَرِثُوهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتَسِمُوهَا، كَيْفَ يَقْتَسِمُوا هَذِهِ الشَّجَرَ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَقْتَسِمُوا الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ جَمِيعًا، لِأَنَّهُمْ إنْ اقْتَسَمُوا الْأَرْضَ عَلَى حِدَةٍ وَالشَّجَرَ عَلَى حِدَةٍ، لَصَارَ لِهَذَا شَجَرَةٌ في أَرْضِ هَذَا وَلِهَذَا شَجَرَةٌ في أَرْضِ هَذَا.
فَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْأَرْضَ وَالشَّجَرَ جَمِيعًا، فيكُونُ الشَّجَرُ لِمَنْ تَصِيرُ لَهُ الْأَرْضُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا وَرِثُوا دُورًا وَرَقِيقًا وَعُرُوضًا وَحَيَوَانًا، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتَسِمُوا بِالسِّهَامِ، فَجَعَلُوا الْبَقَرَ حَظًّا وَاحِدًا، وَالْحَيَوَانَ وَالرَّقِيقَ حَظًّا وَاحِدًا، وَالدُّورَ حَظًّا وَاحِدًا، وَالْعُرُوضَ حَظًّا وَاحِدًا، عَلَى أَنْ يَضْرِبُوا بِالسِّهَامِ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذَا لِأَنَّهُ خَطَرٌ، وَإِنَّمَا تُقَسَّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّهُ يُقَسَّمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ، الْبَقَرُ عَلَى حِدَةٍ وَالْغَنَمُ عَلَى حِدَةٍ وَالْعُرُوضُ عَلَى حِدَةٍ، إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ بَيْنَهُمْ بِغَيْرِ سِهَامٍ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ مَا لَا يَنْقَسِمُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ الْمِيرَاثُ عَبْدًا وَاحِدًا أَوْ دَابَّةً وَاحِدَةً أَوْ ثَوْبًا وَاحِدًا أَوْ سِرَاجًا أَوْ طَسْتًا أَوْ ثَوْرًا، فَأَرَادُوا أَنْ يَقْتَسِمُوا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّ هَذَا لَا يَنْقَسِمُ وَلَكِنْ يُبَاعُ عَلَيْهِمْ جَمِيعُ هَذَا؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ كُلُّ نَوْعٍ مِنْهُ عَلَى حِدَةٍ إلَّا أَنْ يَتَرَاضَوْا عَلَى شَيْءٍ، فيكُونَ لَهُمْ مَا تَرَاضَوْا عَلَيْهِ.
وَأَمَّا بِالسِّهَامِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقْسِمُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ.

.مَا يُجْمَعُ في الْقِسْمَةِ مِنْ الْبَزِّ وَالْمَاشِيَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ بَزًّا فيهِ الْخَزُّ وَالْحَرِيرُ وَالْقُطْنُ وَالْكَتَّانُ وَالْأَكْسِيَةُ وَالْجِبَابُ، أَتَجْعَلُ هَذَا كُلَّهُ في الْقَسْمِ نَوْعًا وَاحِدًا أَمْ يُقَسَّمُ كُلُّ نَوْعٍ عَلَى حِدَةٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنْ يُجْمَعَ الْبَزُّ كُلُّهُ في الْقِسْمَةِ فيجْعَلَ نَوْعًا وَاحِدًا فيقْسَمَ عَلَى الْقِيمَةِ مِثْلُ الرَّقِيقِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ عِنْدَ مَالِكٍ نَوْعٌ وَاحِدٌ، وَفيهِمْ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْهَرِمُ وَالْجَارِيَةُ الْفَارِهَةُ، وَهَذَا كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ وَهُوَ مُتَفَاوِتٌ في الْأَثْمَانِ، بِمَنْزِلَةِ الْبَزِّ أَوْ أَشَدَّ.
فَقَدْ جَعَلَهُ مَالِكٌ نَوْعًا وَاحِدًا، وَالْبَزُّ عِنْدِي بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
وَالرَّجُلُ يَهْلَكُ وَيَتْرُكُ قُمُصًا وَأَرْدِيَةً وَجِبَابًا وَسَرَاوِيلَاتٍ، فَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ يَقُولُ يُجْعَلُ السَّرَاوِيلَاتُ قَسْمًا عَلَى حِدَةٍ وَالْجِبَابُ قَسْمًا عَلَى حِدَةٍ، وَلَكِنَّ هَذَا كُلَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ يُجْمَعُ في الْقِسْمَةِ عَلَى الْقِيمَةِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ لَوْ كَانَتْ مِنْ صُنُوفِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرُ مِنْ صُنُوفِ الْبَقَرِ، وَجَمَعْتُهَا كُلَّهَا في الْقِسْمَةِ عَلَى الْقِيمَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ بِحَالِ مَا وَصَفْتَ لِي في الرَّقِيقِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَالْبَرَاذِينَ وَالْخَيْلَ، أَتَجْمَعُ هَذَا كُلَّهُ في الْقِسْمَةِ؟
قَالَ: لَا يُجْمَعُ هَذَا في الْقِسْمَةِ بِالسِّهَامِ، وَلَكِنْ يُقَسَّمُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَةٍ، الْبِغَالُ عَلَى حِدَةٍ وَالْحَمِيرُ عَلَى حِدَةٍ وَالْخَيْلُ وَالْبَرَاذِينُ صِنْفٌ وَاحِدٌ عَلَى حِدَةٍ، وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْحُلِيِّ وَالْجَوْهَرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ أَخَاهَا وَزَوْجَهَا، وَتَرَكَتْ حُلِيًّا كَثِيرًا وَمَتَاعًا مَنْ مَتَاعِ النِّسَاءِ مُخْتَلِفًا، كَيْفَ يَقْتَسِمُهُ الزَّوْجُ وَالْأَخُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَمَّا الْحُلِيُّ فَلَا يُقَسَّمُ إلَّا وَزْنًا، وَأَمَّا مَتَاعُ جَسَدِهَا أَوْ مَتَاعُ بَيْتِهَا فَبِالْقِيمَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحُلِيَّ إذَا كَانَ فيهِ الْجَوْهَرُ وَاللُّؤْلُؤُ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، فَكَانَ قِيمَةُ مَا فيهِ مَنْ اللُّؤْلُؤِ وَالْجَوْهَرِ الثُّلُثَيْنِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الثُّلُثَ فَأَدْنَى، أَيَصْلُحُ أَنْ يُقَسَّمَ عَلَى الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟ وَالسُّيُوفُ الْمُحَلَّاةٍ الَّتِي وَرِثْنَاهَا فيهَا مِنْ الْحُلِيِّ الثُّلُثُ فَأَدْنَى، وَقِيمَةُ النُّصُولِ الثُّلُثَانِ فَصَاعِدًا، أَيَصْلُحُ أَنْ تُقَسَّمَ السُّيُوفُ عَلَى الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِالْقِسْمَةِ في هَذَا بِالْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ السَّيْفَ إذَا كَانَ فيهِ مِنْ الْفِضَّةِ الثُّلُثُ فَأَدْنَى فَلَا بَأْسَ بِهِ بِالْفِضَّةِ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا في السَّيْفِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَلَا بَأْسَ بِالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ بِهَذَا السَّيْفِ، أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَتَيَا بِسَيْفينِ، فِضَّتُهُمَا أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ، أَوْ فِضَّةُ أَحَدِهِمَا أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ وَالْآخَرِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَتَبَايَعَا بِالسَّيْفينِ يَدًا بِيَدٍ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ، فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ في فِضَّةِ كُلِّ سَيْفٍ مِنْ تِلْكَ السُّيُوفِ أَكْثَرُ مِنْ الثُّلُثِ، فَلَا خَيْرَ في الْقِسْمَةِ فيهِ بِالْقِيمَةِ، وَكَذَلِكَ الْحُلِيُّ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ في السُّيُوفِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ الْأَخْضَرِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَرِثْنَا أَرْضًا فيهَا زَرْعٌ فَأَرَدْنَا أَنْ نَقْتَسِمَهَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَقْتَسِمَانِ الْأَرْضَ إلَّا عَلَى حِدَةٍ وَيُتْرَكُ الزَّرْعُ لَا يُقَسَّمُ.
قُلْت: وَلِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يَقْتَسِمَا الْأَرْضَ وَالزَّرْعَ جَمِيعًا، وَقَدْ جَوَّزَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ جَمِيعًا قَبْلَ أَنْ يَطِيبَ الزَّرْعُ لِلْبَيْعِ، فَقَدْ جَوَّزَ مَالِكٌ بَيْعَهُ، فَلِمَ لَا يُجَوِّزُ الْقِسْمَةَ فيهِ؟
قَالَ: إنَّمَا جَوَّزَ بَيْعَ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ جَمِيعًا بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ كَانَ الزَّرْعُ أَقَلَّ مِنْ ثُلُثِ قِيمَةِ الْأَرْضِ أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ يُجَوِّزْ بَيْعَ ذَلِكَ بِالطَّعَامِ.
وَهَذَانِ إذَا اقْتَسَمَا ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ، إنْ اشْتَرَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ مَا في يَدَيْهِ مِنْ الزَّرْعِ وَالْأَرْضِ بِنِصْفِ مَا صَارَ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ، فَصَارَ بَيْعُ الْأَرْضِ وَالزَّرْعِ بِالْأَرْضِ وَالزَّرْعِ فَلَا يَجُوزُ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا وَرِثُوا رَجُلًا فَقَسَّمَ الْقَاسِمُ بَيْنَهُمْ الرَّقِيقَ وَالْإِبِلَ وَالدُّورَ وَالْعُرُوضَ، فَجَعَلَ السِّهَامَ عَلَى عَدَدِ الْفَرَائِضِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَخَرَجَ سَهْمُ رَجُلٍ وَالْوَرَثَةُ عَشَرَةُ رِجَالٍ، فَقَالَ بَعْضٌ مِمَّنْ بَقِيَ لَا نُجِيزُ الْقِسْمَةَ، أَوْ قَالُوا مَا عَدَلْتَ في هَذَا الْقَسْمِ فَارْدُدْهُ، أَوْ قَالُوا دَعْ هَذَا السَّهْمَ الَّذِي خَرَجَ لِصَاحِبِهِ وَاخْلِطْ هَذَا الَّذِي بَقِيَ فَاقْسِمْهُ بَيْنَنَا فَإِنَّكَ لَمْ تَعْدِلْ فيهِ؟
قَالَ: لَا يُنْظَرُ إلَى قَوْلِ الَّذِينَ أَبَوْا وَقَالُوا اُرْدُدْ الْقِسْمَةَ، وَلَكِنْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيَنْظُرُ الْقَاضِي في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ عَدَلَ في الْقِسْمَةِ أَمْضَاهُ بَيْنَهُمْ وَإِلَّا أَبْطَلَهُ، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ الْقَاضِيَ بَعَثَ رَجُلًا يُقَسِّمُ بَيْنَ وَرَثَةٍ مَا وَرِثُوا مِنْ دُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ الْقَاسِمَ قَدْ جَارَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ يَنْظُرُ الْقَاضِي في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ قَدْ جَارَ عَلَيْهِمْ أَوْ غَلِطَ رَدَّ الْقِسْمَةَ.
قَالَ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ قَسْمَ الْقَاسِمِ بِمَنْزِلَةِ حُكْمِ الْحَاكِمِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ ثَوْبًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، دَعَا أَحَدُهُمَا إلَى الْقِسْمَةِ وَأَبَى الْآخَرُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقَسَّمُ وَيُقَالُ لَهُمَا: تَقَاوَمَاهُ فيمَا بَيْنَكُمَا أَوْ بِيعَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَتَقَاوَمَاهُ وَأَرَادَا بَيْعَهُ، فَإِذَا اسْتَقَرَّ عَلَى ثَمَنٍ، فَإِنْ شَاءَ الَّذِي كَرِهَ الْبَيْعَ أَنْ يَأْخُذَهُ أَخَذَهُ وَإِلَّا بِيعَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا دُورًا أَوْ عُرُوضًا، أَوْ اشْتَرَيَا ذَلِكَ فَقَسَّمَ ذَلِكَ الْقَاسِمُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَ سَهْمُ أَحَدِهِمَا قَالَ: لَا أَرْضَى هَذَا، أَوْ كَانُوا جَمِيعًا فَلَمَّا خَرَجَ سَهْمُ أَحَدِهِمْ قَالَ: لَا أَرْضَى هَذَا، لِأَنِّي لَمْ أَظُنَّ أَنَّ هَذَا يَخْرُجُ لِي، هَلْ تَرَى هَذَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ، أَمْ يَلْزَمُهُ السَّهْمُ الَّذِي خَرَجَ لَهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: لِمَ أَلْزَمَهُ مَالِكٌ هَذَا وَأَنْتَ لَا تُجِيزُ هَذَا في الْبُيُوعِ وَتَجْعَلُهُ مُخَاطَرَةً لِأَنَّ رَجُلًا لَوْ أَتَى بِعَشَرَةِ أَثْوَابٍ أَوْ بِثَوْبَيْنِ، فَبَاعَ أَحَدُهُمَا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ عَلَى أَنْ يَقْرَعَ عَلَى الثِّيَابِ فَأَيُّهُمَا خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ فَهُوَ لَازِمٌ لِلْمُشْتَرِي، فَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ غَرَرٌ وَمُخَاطَرَةٌ، فَلِمَ جَوَّزَهُ في الْقِسْمَةِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْقِسْمَةَ عِنْدَ مَالِكٍ بِالْقُرْعَةِ لَيْسَتْ مِنْ الْبُيُوعِ، وَالْقِسْمَةُ تُفَارِقُ الْبُيُوعَ في بَعْضِ الْحَالَاتِ عِنْدَ مَالِكٍ، وَفي الْقِسْمَةِ قَدْ كَانَ هَؤُلَاءِ شُرَكَاءُ، وَفي الْبَيْعِ لَمْ يَكُنْ الْمُشْتَرِي شَرِيكًا لِلْبَائِعِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْمَوَارِيثِ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّا وَرِثْنَا كَرْمًا وَنَخْلًا وَلَمْ يَرَ وَاحِدٌ مِنَّا الْكَرْمَ وَالنَّخْلَ، فَتَرَاضَيْنَا أَنَا وَصَاحِبِي عَلَى أَنْ أَعْطَيْته الْكَرْمَ وَأَخَذْت النَّخْلَ، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، أَوْ يَكُونَانِ قَدْ عَرَفَا الصِّفَةَ فيقْتَسِمَانِ عَلَى الصِّفَةِ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَرَاضَيَا بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمَا بِالصِّفَةِ عَلَى مَا أَحَبَّا مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا قَدْ عَرَفَ النَّخْلَ وَالْكَرْمَ، أَوْ عَرَفَ صِفَةَ ذَلِكَ وَلَمْ يَعْرِفْ الْآخَرُ ذَلِكَ؟
قَالَ: كَذَلِكَ أَيْضًا لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الَّذِي لَمْ يَرَ وَلَمْ يَعْرِفْ الصِّفَةَ لَا يَدْرِي مَا يَأْخُذُ وَلَا مَا يُعْطِي، فَهَذَا لَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَكُونَا قَدْ رَأَيَا ذَلِكَ أَوْ وُصِفَ لَهُمَا، فيجُوزُ عَلَى مَا تَرَاضَيَا مِنْ ذَلِكَ.