فصل: (في الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى النِّصْفِ فَرَبِحَ فيهَا أَلْفًا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الْمُقَارَضِ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ مِثْلَ الْقِرَاضِ يَعْمَلُ فيهِمَا:

قُلْت: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ أَدْفَعَ إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَأَشْتَرِطَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ عِنْدِهِ أَلْفًا أُخْرَى يَعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا، عَلَى أَنَّ لِي رُبْعَ مَا يَخْرُجُ في جَمِيعِ الْمَالِ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إذَا اشْتَرَطَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، اغْتَزَى كَثْرَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلَا يَجُوزُ هَذَا؛ لِأَنَّهُ يُدْخِلُ في ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِرَبِّ الْمَال.
فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَارِضَ بِمَالِهِ وَيَشْتَرِطَ مَنْفَعَةً لِنَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ رِبْحِ الْمَالِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَصْلُحُ أَنْ يَقُولَ: أُقَارِضُكَ بِأَلْفٍ، عَلَى أَنْ تُخْرِجَ مِنْ عِنْدِكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، عَلَى أَنْ تَخْلِطَهُمَا بِأَلْفي هَذِهِ تَعْمَلُ بِهَا جَمِيعًا، فَكَرِهَ مَالِكٌ هَذَا.
قُلْت: وَلَمْ كَرِهَ مَالِكٌ هَذَا، أَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا، عَلَى أَنْ يُخْرِجَ الْمُقَارَضُ أَلْفًا مِنْ عِنْدِهِ، فيخْلِطَهَا بِهَا يَعْمَلُ بِهِمَا جَمِيعًا؟
قَالَ: لِاسْتِغْزَارِ الشِّرَاءِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا، كَانَ أَعْظَمَ لِلتِّجَارَةِ وَأَكْثَرَ لِلشِّرَاءِ وَأَحْرَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى مَا يُرِيدُ مِنْ الشِّرَاءِ وَأَكْثَرَ لِرِبْحِهِ وَفَضْلِهِ؟ فيصِيرُ الَّذِي دَفَعَ الْمَالَ قِرَاضًا، قَدْ جَرَّ إلَى نَفْسِهِ مَنْفَعَةَ مَالٍ غَيْرِ مَالِهِ، بِمُقَارَضَةِ مَالِهِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَجُرَّ إلَى نَفْسِهِ مَنْفَعَةً غَيْرَ مَالِهِ.

.في الْمُقَارَضِ يَأْخُذُ مَالًا قِرَاضًا وَيَشْتَرِطُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مَعَهُ رَبُّ الْمَالِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت مَالًا قِرَاضًا، عَلَى أَنْ يَعْمَلَ مَعِي رَبُّ الْمَالِ في الْمَالِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا.
قُلْت: فَإِنْ نَزَلَ هَذَا؟
قَالَ: يُرَدُّ الْعَامِلُ إلَى إجَارَةِ مِثْلِهِ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ عَمِلَ رَبُّ الْمَالِ بِغَيْرِ شَرْطٍ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ ذَلِكَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَلًا يَسِيرًا، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذْت مَالًا قِرَاضًا، فَاشْتَرَيْتُ بِهِ جَوَارِيَ، فَأَخَذَ رَبُّ الْمَالِ جَارِيَةً فَبَاعَهَا؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا، وَبَيْعُهُ فيهَا بَاطِلٌ، إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْعَامِلُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ كَتَبْنَا مَا كَرِهَ عَبْدُ الْعَزِيزِ مِنْ اشْتِرَاطِ عَوْنِ رَبِّ الْمَالِ في أَوَّلِ الْكِتَابِ.

.في الْمُقَارَضِ يَشْتَرِطُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ غُلَامًا يُعَيِّنُهُ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَامِلُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ الْغُلَامَ يُعَيِّنُهُ في الْمَالِ، إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يُعَيِّنَهُ في غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الدَّابَّةُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالدَّابَّةُ عِنْدِي مِثْلُهُ.
قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ، وَلَكِنْ بَلَغَنِي عَنْهُ ذَلِكَ في الدَّابَّةِ، أَنَّهُ أَجَازَهَا في الْمُسَاقَاةِ.
وَهِيَ عِنْدِي في الْقِرَاضِ وَالْمُسَاقَاةِ - إذَا اشْتَرَطَهَا - جَائِزَةٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَطَ رَبُّ الْمَالِ عَلَى الْعَامِلِ عَوْنَ دَابَّتِهِ أَوْ غُلَامِهِ، أَيَصْلُحُ؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ، وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ في اشْتِرَاطِ الْعَامِلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ الْغُلَامَ يُعَيِّنُهُ: إنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ شَيْئًا، أَوْ أَنْ يَكُونَ الْقِرَاضُ عَلَى سَنَتِهِ، فَإِنْ وَقَعَ جَازَ.

.في الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِهِ إلَى بَلَدٍ يَشْتَرِي بِهِ:

قُلْت: فَلَوْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، عَلَى أَنْ يَخْرُجَ بِالْمَالِ إلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ يَشْتَرِي في ذَلِكَ الْمَوْضِعِ تِجَارَةً؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا خَيْرَ فيهِ.
قَالَ مَالِكٌ: يُعْطِيهِ الْمَالَ وَيَقُودُهُ كَمَا يَقُودُ الْبَعِيرَ قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ هَذَا، أَنَّهُ يَحْجِزَ عَلَيْهِ، أَنَّهُ لَا يَشْتَرِي إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ الْبَلَدَ.

.الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ عَلَى أَنْ يَبْتَاعَ بِهِ عَبْدَ فُلَانٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ عَبْدَ فُلَانٍ، ثُمَّ يَشْتَرِيَ بَعْد مَا يَبِيعُ عَبْدَ فُلَانٍ مَا شَاءَ بِثَمَنِهِ مِنْ السِّلَعِ؟
قَالَ: أَمَّا قَوْلُهُ: يَشْتَرِي عَبْدَ فُلَانٍ، فَهَذِهِ أُجْرَةٌ لَيْسَ فيهَا قِرَاضٌ عِنْد مَالِكٍ.
وَأَمَّا مَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، فَهُوَ قِرَاضٌ بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يُقَارِضُ الرَّجُلَ بِالْعَرَضِ يَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ في بَيْعِهِ الْعُرُوضَ وَتَقَاضِيهِ الثَّمَنَ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْد ذَلِكَ فيمَا عَمِلَ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا شَرَطَا مِنْ الشَّرْطِ فيمَا بَيْنَهُمَا نِصْفًا وَلَا ثُلُثًا وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعُقْدَةَ الَّتِي كَانَ بِهَا الْقِرَاضُ كَانَتْ فَاسِدَةً؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَارَضُ بِالْعُرُوضِ، فَلِذَلِكَ رُدَّ إلَى قِرَاضِ مِثْلِهِمَا، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى مَا اشْتَرَطَا فيمَا بَيْنَهُمَا وَجَعَلَ لَهُ فيمَا بَاعَ أَجْرَ مِثْلِهِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ.
وَلَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ في الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ نَخْلًا مُسَاقَاةً وَفيهَا ثَمَرَتُهَا قَدْ طَابَتْ، عَلَى أَنْ يَسْقِيَهَا فَتَكُونَ في يَدَيْ الْعَامِلِ سِنِينَ مُسَاقَاةً، عَلَى أَنَّ هَذَا الثَّمَرَ الَّذِي في رُءُوسِ النَّخْلِ مُسَاقَاةٌ بَيْنَهُمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقَامُ لِلْعَامِلِ قِيمَةُ مَا أَنْفَقَ في هَذِهِ الثَّمَرَةِ وَأَجْرُ عَمَلِهِ فيهَا، وَتَكُونُ الثَّمَرَةُ كُلُّهَا لِصَاحِبِهَا.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَيَكُونُ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ إنْ عَمِلَ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا، وَلَكِنْ يَكُونُ عَلَى مُسَاقَاةِ مِثْلِهِ فيمَا بَعْدَ ذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَدْ أَخْبَرْتُكَ بِالشَّرْطِ الَّذِي كَرِهَهُ الْقَاسِمُ وَسَالِمٌ وَرَبِيعَةُ، فَهَذَا مِنْ تِلْكَ الشُّرُوطِ.

.(الْمُقَارَضِ يَقُولُ لِلْعَامِلِ اشْتَرِ وَأَنَا أَنْقُدُ عَنْكَ):

الْمُقَارَضِ يَقُولُ لِلْعَامِلِ اشْتَرِ وَأَنَا أَنْقُدُ عَنْكَ أَوْ يَضُمُّ مَعَهُ رَجُلًا يُبْصِرُهُ بِالتِّجَارَةِ:
قُلْت: هَلْ يَجُوزُ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَحْبِسَهُ عِنْدَهُ وَيَقُولَ لِلْعَامِلِ: اذْهَبْ وَاشْتَرِ، وَأَنَا أَنْقُدُ عَنْكَ وَاقْبِضْ أَنْتَ السِّلَعَ، فَإِذَا بِعْتُ قَبَضْتُ الثَّمَنَ، وَإِذَا اشْتَرَيْت نَقَدْتُ الثَّمَنَ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا الْقِرَاضُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنَّمَا الْقِرَاضُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يُسَلِّمَ الْمَالَ إلَيْهِ قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَلَوْ ضَمَّ إلَيْهِ رَجُلًا جَعَلَهُ يَقْتَضِي الْمَالَ وَيَنْقُدُ، وَالْعَامِلُ يَشْتَرِي وَيَبِيعُ وَلَا يَأْمَنُ الْعَامِلَ وَجَعَلَ هَذَا أَمِينًا.
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذَا وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ الْمَالَ قِرَاضًا إلَى رَجُلٍ لَهُ أَمَانَةٌ وَبَصَرٌ، وَيَضُمُّ ابْنَهُ مَعَهُ وَلَا بَصَرَ لِابْنِهِ وَلَا أَمَانَةَ، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ، لَأَنْ يَضُمَّ ابْنَهُ إلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ قِرَاضًا؛ لِأَنَّ ابْنَهُ لَا بَصَرَ عِنْدَهُ وَلَا يَأْمَنُ ابْنَهُ؟
قَالَ: فَقَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا الْقِرَاضِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ لِرَبِّ الْمَالِ فيهِ الْمَنْفَعَةَ، يُخْرِجُ لَهُ ابْنَهُ وَيُعَلِّمُهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مَكَانَ ابْنِهِ رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ لَيْسَ قِبَلَهُ بَصَرٌ بِالتِّجَارَةِ، فَجَعَلَهُ رَبُّ الْمَالِ مَكَانَ ابْنِهِ؟
قَالَ: فَإِنِّي لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ، فَإِنْ كَانَ لِرَبِّ الْمَالِ فيهِ الْمَنْفَعَةُ مِثْلَ مَا كَانَتْ في ابْنِهِ، أَنْ يَكُونَ صَدِيقًا لَهُ أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَهُ في تَخْرِيجِهِ وَتَعْلِيمِهِ، فَلَا أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَهَذَا مِمَّا يُفْسِدُ مِنْ اشْتِرَاطِ الزِّيَادَةِ وَالشَّرْطِ في الْقِرَاضِ.

.(في الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى النِّصْفِ فَرَبِحَ فيهَا أَلْفًا):

في الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ إلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى النِّصْفِ فَرَبِحَ فيهَا أَلْفًا أُخْرَى فيأْتِيهِ رَبُّ الْمَالِ بِأَلْفٍ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَخْلِطَهَا عَلَى النِّصْفِ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ، فَعَمِلَ بِهَا فَرَبِحَ أَلْفًا أُخْرَى، ثُمَّ أَتَاهُ رَبُّ الْمَالِ فَقَالَ لَهُ: هَذِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ أُخْرَى خُذْهَا قِرَاضًا بِالنِّصْفِ وَاخْلِطْهَا بِالْمَالِ الْأَوَّلِ، أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، إلَّا أَنَّ هَذَا لَا يَجُوزُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ حِينَ قَالَ لَهُ اخْلِطْهَا وَفي الْمَالِ رِبْحٌ، فَكَأَنَّهُ قَالَ: اخْلِطْهَا بِالْمَالِ الْأَوَّلِ.
فَإِنْ وَضَعْتَ في هَذَا الْمَال الثَّانِي، جَبَرْتَهُ مِنْ الرِّبْحِ الَّذِي في يَدَيْكَ مِنْ الْمَالِ الْأَوَّلِ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُل دَفَعَ إلَى رَجُلٌ مَالًا قِرَاضًا، فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ دَفَعَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَى رَبُّ الْمَالِ مَالًا آخَرَ، فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً أُخْرَى، ثُمَّ بَاعَ السِّلْعَتَيْنِ جَمِيعًا فَرَبِحَ في إحْدَاهُمَا وَخَسِرَ في الْأُخْرَى؟
فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَالٍ مِنْهُمَا عَلَى قِرَاضِهِ، وَلَا يُجِيزُ نُقْصَانَ هَذَا الْمَالِ مِنْ رِبْحِ هَذَا الْمَالِ.
قُلْت: فَإِنْ دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ حَتَّى دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا آخَرَ قِرَاضًا بِالثُّلُثِ، عَلَى أَنْ يَخْلِطَ الْمَالَيْنِ جَمِيعًا، أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمِائَتَيْ دِينَارٍ، عَلَى أَنَّ وَاحِدَةً مِنْ الْمِائَتَيْنِ - قِرَاضًا - عَلَى الثُّلُثِ، وَالْأُخْرَى قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ إذَا كَانَ لَا يَخْلِطُهُمَا.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَإِذَا كَانَ عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُمَا فَهُوَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ يُرْجِعُ حِسَابَهُ إلَى جُزْءٍ مَعْرُوفٍ، وَكَذَلِكَ الَّذِي دَفَعَ مَالًا بَعْدَ مَالٍ.
قُلْت: فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا عَلَى النِّصْفِ، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ، ثُمَّ أَتَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَالٍ آخَرَ فَدَفَعَهُ إلَيْهِ قِرَاضًا بِالنِّصْفِ، عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُ بِالْمَالِ الْأَوَّلِ، أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا؛ لِأَنَّهُ خَطَرٌ بَيِّنٌ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ نَقَصَ في الْمَالِ الْآخَرِ وَرَبِحَ في الْمَالِ الْأَوَّلِ جَبَرَهُ بِرِبْحِ الْمَالِ الْأَوَّلِ وَقَدْ كَانَ رِبْحُهُمَا لِلْعَامِلِ؟ وَإِنْ نَقَصَ في الْمَالِ الْأَوَّلِ وَرَبِحَ في الْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ أَيْضًا؟
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في قِيمَةِ السِّلْعَةِ فَضْلٌ عَنْ رَأْسِ الْمَالِ الْأَوَّلِ؟
قَالَ: هَذَا لَا يُعْرَفُ؛ لِأَنَّ الْأَسْوَاقَ تَتَحَوَّلُ، وَلَا يُعْجِبُنِي عَلَى حَالٍ.
قُلْت: فَإِنْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَلَمْ يَعْمَلْ بِهِ حَتَّى زَادَهُ مَالًا آخَرَ قِرَاضًا عَلَى أَنْ يَخْلِطَهُ بِالْمَالِ الْأَوَّلِ؟
قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَهَذَا كَأَنَّهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ كُلَّهُ جُمْلَةً قَالَ: وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا بِالنِّصْفِ، فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ جِئْتَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَقُلْت لَهُ: خُذْ هَذَا الْمَالَ أَيْضًا قِرَاضًا وَاعْمَلْ بِهِ عَلَى حِدَةٍ بِالثُّلُثِ أَوْ بِالنِّصْفِ، أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى بِهِ بَأْسًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِأَنْ يَخْلِطَهُ بِالْمَالِ الْأَوَّلِ، فَنَضَّ في يَدِهِ الْمَالُ الْأَوَّلُ، وَفيهِ خَسَارَةٌ أَوْ رِبْحٌ أَوْ مِثْلُ رَأْسِ مَالِهِ سَوَاءٌ، فَجَاءَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالٍ آخَرَ فَقَالَ: خُذْ هَذَا قِرَاضًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ بَاعَ بِرَأْسِ الْمَالِ - سَوَاءً - فَلَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا عَلَى مِثْلِ قِرَاضِهِ الْمَالَ الْأَوَّلَ لَا زِيَادَةَ فيهِ وَلَا نُقْصَانَ، وَإِنْ كَانَ بَاعَ بِرِبْحٍ أَوْ وَضِيعَةٍ، فَلَا خَيْرَ في أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا عَلَى مِثْلِ مَا قَارَضَهُ، وَلَا بِأَدْنَى وَلَا بِأَكْثَرَ.
قُلْت: وَإِنْ اشْتَرَطَ عَلَيْهِ بِأَنْ يَخْلِطَهُ بِالْمَالِ الْأَوَّلِ لَمْ يُعْجِبْكَ أَيْضًا؟
قَالَ: هَذَا بَيِّنُ الْفَسَادِ لَا خَيْرَ فيهِ، إذَا كَانَ خَسِرَ في الْمَالِ الْأَوَّلِ أَوْ رَبِحَ.
قَالَ سَحْنُونٌ: وَقَالَ غَيْرُهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ عَلَى مِثْلِ قِرَاضِ الْأَوَّلِ، نَقْدًا لَا يَخْلِطُهُ بِالْأَوَّلِ إذَا كَانَ فيهِ رِبْحٌ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِكُلِّ مَالٍ عَلَى حِيَالِهِ، وَقَدْ اشْتَرَى بِالْمَالِ الْأَوَّل سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ.
قُلْت: وَإِنْ بَاعَ السِّلْعَةَ وَنَضَّ في يَدَيْهِ ثَمَنُهَا، فَجَاءَ رَبُّ الْمَالِ بِمَالِ آخَرَ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ بِهِ قِرَاضًا وَقَدْ نَضَّ في يَدَيْهِ رِبْحٌ أَوْ وَضِيعَةٌ؟
قُلْت: لَا يَجُوزُ هَذَا إذَا اشْتَرَطَ أَنْ يَخْلِطَهُ بِالْمَالِ الْأَوَّلِ، أَوْ اشْتَرَطَ أَنْ لَا يَخْلِطَهُ.
قُلْت: فيهِ أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ عَلَى حَالٍ لِمَ كَرِهْتَهُ؟
قَالَ: لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ إذَا دَفَعَ إلَى الرَّجُلِ مَالًا قِرَاضًا فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً، ثُمَّ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَابْتَاعَ بِهِ سِلْعَةً أُخْرَى.
قَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ وَلَمْ يَرَ بِهَذَا بَأْسًا قَالَ: وَهَكَذَا قَالَ لَنَا مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَدْفَعُ الْمَالَيْنِ قِرَاضًا، عَلَى أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَالٍ عَلَى حِدَةٍ، وَرَبِحَ هَذَا عَلَى النِّصْفِ وَرَبِحَ هَذَا عَلَى الثُّلُثِ، وَلَا يَخْلِطْهُمَا: إنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَوْ كَانَ الْمَالُ الْأَوَّلُ قَدْ صَرَفَهُ في عَرَضٍ مِنْ الْعُرُوضِ، كَانَ لِلْعَامِلِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ حَتَّى يَبِيعَهُ، فَإِذَا نَضَّ الْمَالُ الْأَوَّلُ، وَكَانَ عَيْنًا في يَدِ الْعَامِلِ، ثُمَّ زَادَهُ مَالًا آخَرَ، فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ في رَأْسِ الْمَالِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ، فَإِنْ كَانَ فيهِ زِيَادَةٌ أَوْ نُقْصَانٌ، لَمْ يَصْلُحْ حَتَّى يَقْبِضَ مَالَهُ فيقَاسِمَهُ رَبُّ الْمَالِ، ثُمَّ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ وَيَزِيدَهُ مِنْ عِنْدِهِ مَا شَاءَ، فيكُونَ قِرَاضًا مُبْتَدَأً.

.في الْمُقَارَضِ يُؤْمَرُ أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ فيبِيعَ بِالنَّقْدِ:

قُلْت: فَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، وَأَمَرْته أَنْ لَا يَبِيعَ إلَّا بِالنَّسِيئَةِ، فَبَاعَ بِالنَّقْدِ، أَيَضْمَنُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا الْقِرَاضُ جَائِزًا، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَاهُ جَائِزًا.
وَقَالَ غَيْرُهُ: هَذَا مُتَعَدٍّ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ مَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْطَى رَجُلًا قِرَاضًا، عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا صِنْفَ كَذَا وَكَذَا، الصِّنْفُ غَيْرُ مَوْجُودٍ كَانَ قِرَاضًا لَا يَجُوزُ فَلَوْ اشْتَرَى غَيْرَ مَا أَمَرْتُهُ ضَمِنَ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ، وَيَكُونُ الْفَضْلُ إنْ كَانَ فيهِ فَضْلٌ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَإِنْ كَانَتْ وَضِيعَةً فَعَلَيْهِ، وَلَا أَجْرَ لَهُ في الْوَضِيعَةِ وَيُعْطَى مِنْ الْفَضْلِ إذَا كَانَ في السِّلْعَةِ عَلَى قِرَاضِ مِثْلِهِ، لِأَنِّي إنْ ذَهَبْتُ أُعْطِيهِ أَجْرَ مِثْلِهِ وَقَدْ تَعَدَّى، فَلَعَلَّ أَجْرَ مِثْلِهِ يَذْهَبُ بِالْفَضْلِ وَبِنِصْفِ رَأْسِ الْمَالِ، فيكُونُ هَذَا قَدْ نَالَ بِتَعَدِّيهِ وَجْهَ مَا طَلَبَ وَأَرَادَ وَقَدْ قَالَ رَبِيعَةُ في الْمُتَعَدِّي في الْقِرَاضِ: إنْ وَضَعَ ضَمِنَ، وَإِنْ رَبِحَ أُدِّبَ، بِأَنْ يُحْرَمَ الرِّبْحَ الَّذِي أَرَادَ، وَيُعْطَى مِنْهُ عَلَى قَدْرِ شَرْطِهِ.
فَالْمُتَعَدِّي في الْقِرَاضِ الْفَاسِدِ كَذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

.في الْمُقَارَضِ يَبِيعُ بِالنَّسِيئَةِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِلْمُقَارَضِ أَنْ يَبِيعَ بِالنَّسِيئَةِ إلَّا بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ، وَهُوَ ضَامِنٌ إذَا بَاعَ بِالنَّسِيئَةِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ.

.في الْمُقَارِضِ يَشْتَرِطُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا أَمَرَهُ أَنْ لَا يَعْدُوَ الْبَزَّ يَشْتَرِيهِ بِمُقَارَضَتِهِ، فَلَا يَعْدُوهُ إلَى غَيْرِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُقَارِضَهُ عَلَى أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا الْبَزَّ، إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَزُّ مَوْجُودًا في الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَمَرَهُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا الْبَزَّ فَاشْتَرَاهُ، فَأَرَادَ أَنْ يَبِيعَ الْبَزَّ بِالْعَرَضِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ لَهُ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ غَيْرَ الْبَزِّ.
قُلْت: فَإِنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَجِئْتُهُ قَبْلَ أَنْ يَصْرِفَهُ في شَيْءٍ، فَقُلْت لَهُ: لَا تَتَّجِرْ بِهَا إلَّا في الْبَزِّ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَكَ إذَا كَانَ الْمُقَارَضُ لَمْ يَصْرِفْهَا في شَيْءٍ، وَكَانَ الْبَزُّ مَوْجُودًا لَا يَخْلُفُ في شِتَاءٍ وَلَا صَيْفٍ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَحَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَسَدِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، أَنَّهُ كَانَ يَدْفَعُ الْمَالَ الْمُقَارَضَةُ إلَى الرَّجُلِ، وَيَشْتَرِطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَنْزِلَ بِهِ بَطْنَ وَادٍ، وَلَا يَبْتَاعَ بِهِ حَيَوَانًا، وَلَا يَحْمِلَهُ في بَحْرٍ، وَلَا يَشْتَرِيَ بِلَيْلٍ، فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ ضَمِنَ الْمَالَ، وَإِنْ تَعَدَّى أَمْرَهُ ضَمِنَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَكَانَ السَّبْعَةُ يَقُولُونَ ذَلِكَ، وَهُمْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ مَعَ مَشْيَخَةٍ سِوَاهُمْ أَهْلِ فَضْلٍ وَفِقْهٍ.

.في الْمُقَارِضِ يَشْتَرِطُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ بِمَالِهِ سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَنَهَيْتُهُ عَنْ أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ، فَاشْتَرَى مَا نَهَيْتُهُ عَنْهُ، أَيَكُونُ ضَامِنًا في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ ضَامِنٌ إنْ كُنْتُ إنَّمَا دَفَعْتُ إلَيْهِ الْمَالَ حِينَ دَفَعْتُهُ عَلَى النَّهْيِ وَتَنْهَاهُ عَنْ تِلْكَ السِّلْعَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى، إنْ كُنْتَ إنَّمَا نَهَيْتَهُ بَعْدَ مَا دَفَعْتَ الْمَالَ إلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ، إنَّهُ ضَامِنٌ أَيْضًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَى مَا نَهَاهُ عَنْهُ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ أَحَبَّ أَنْ يُضَمِّنَهُ مَالَهُ ضَمَّنَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُقِرَّهُ عَلَى الْقِرَاضِ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ بَاعَ مَا اشْتَرَى، فَإِنْ كَانَ فيمَا بَاعَ فَضْلٌ، كَانَ عَلَى الْقِرَاضِ، وَإِنْ كَانَ فيهِ نُقْصَانٌ، كَانَ ضَامِنًا لِرَأْسِ الْمَالِ.
قُلْت: وَلِمَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا؟
قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ فَرَّ بِالْمَالِ مِنْ الْقِرَاضِ حِينَ تَعَدَّى لِيَكُونَ لَهُ رِبْحُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنِّي دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، وَنَهَيْته أَنْ لَا يَشْتَرِيَ حَيَوَانًا فَاشْتَرَى، فَكَانَ قِيمَةُ الْحَيَوَانِ أَقَلَّ مَنْ رَأْسِ الْمَالِ، أَوْ تَجَرَ بِهَا تَعَدِّيًا فَخَسِرَ، فَجَاءَنِي، وَمَعَهُ سِلَعٌ لَيْسَ فيهَا وَفَاءٌ بِرَأْسِ مَالِي، أَوْ جَاءَ، وَمَعَهُ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَقَلُّ مِنْ رَأْسِ مَالِي، فَأَرَدْتُ أَنْ أُضَمِّنَهُ وَآخُذَ مَا وَجَدْت في يَدَيْهِ وَأُتْبِعَهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ رَأْسِ مَالِي.
وَقَامَتْ الْغُرَمَاءُ عَلَى الْعَامِلِ وَقَالُوا: نَحْنُ في هَذَا الْمَالِ وَأَنْتَ أُسْوَةٌ؛ لِأَنَّكَ إذَا ضَمَّنْتَهُ فَلَسْتَ أَوْلَى بِهَذِهِ السِّلَعِ مِنَّا وَلَا هَذِهِ الدَّنَانِيرِ وَلَا هَذِهِ الدَّرَاهِمِ، وَأَنْتَ أَوْلَى بِهَا مِنَّا لَوْ لَمْ تُضَمِّنْهُ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ، فَرَبُّ الْمَالِ أَوْلَى بِهَا.
وَإِنْ كَانَ بَاعَ أَوْ اشْتَرَى؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَاسْتَسْلَفَهُ الْعَامِلُ مَالًا فَاشْتَرَى بِهِ سِلْعَةً لِنَفْسِهِ.
قَالَ: إنْ بَاعَ فَرَبِحَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ رِبْحُهُ عَلَى شَرْطِهِ، وَإِنْ نَقَصَ كَانَ ضَامِنًا لِمَا نَقَصَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، فَأَرَاهُ أَوْلَى بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَأَمَّا السِّلَعُ فَإِنْ أَتَى بِالسِّلْعَةِ لَمْ يَبِعْهَا، خُيِّرَ رَبُّ الْمَالِ.
قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَهُ فيهَا، إنْ شَاءَ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَخَذَ رَأْسَ الْمَالِ، أَيَّ ذَلِكَ شَاءَ فَعَلَ.
فَأَرَى في السِّلَعِ، إنْ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا أَنَّهُ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ فيهَا.
سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَأَبِي الزِّنَادِ وَنَافِعٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: إذَا خَالَفَ مَا أَمَرَهُ بِهِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ رَبِحَ فَلَهُمْ.
قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: قَدْ كَانَ النَّاسُ يَشْتَرِطُونَ عَلَى مَنْ قَارَضُوا مِثْلَ هَذَا.
وَقَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: الرِّبْحُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُ عَصَى مَا قَارَضْتَهُ عَلَيْهِ وَالضَّمَانُ عَلَيْهِ.

.في الْمُقَارَضِ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِالْمَالِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، وَأَمَرْته أَنْ لَا يَخْرُجَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ فَخَرَجَ بِهِ إلَى أَفْرِيقِيَّةَ وَتَعَدَّى، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ بِالْمَالِ شَيْئًا، وَلَمْ يُحَرِّكْهُ حَتَّى رَجَعَ إلَى مِصْرَ فَتَجَرَ في الْمَالِ في أَرْضِ مِصْرَ، فَخَسِرَ أَوْ ضَاعَ مِنْهُ لَمَّا رَجَعَ إلَى أَرْضِ مِصْرَ قَبْلَ أَنْ يَتَّجِرَ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ رَدَّهُ إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي لَوْ تَلِفَ فيهِ لَمْ يَضْمَنْ.
أَلَا تَرَى لَوْ أَنَّ وَدِيعَةً اسْتَوْدَعَهَا رَجُلٌ رَجُلًا، بِمِصْرَ لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْتَوْدَعِ أَنْ يُخْرِجَهَا مِنْ مِصْرَ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا كَانَ ضَامِنًا لَهَا إنْ تَلِفَتْ، وَإِنْ لَمْ تَتْلَفْ حَتَّى يَرُدَّهَا إلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي اسْتَوْدَعَهُ فيهِ رَبُّ الْمَالِ سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَسْتَوْدِعُ الرَّجُلَ الْمَالَ فيأْخُذُ مِنْهُ بَعْضَهُ فينْفِقُهُ، أَوْ يَأْخُذُهَا كُلَّهَا فينْفِقُهَا ثُمَّ يَرُدُّهَا مَكَانَهَا فَتَضِيعُ: إنَّ الضَّمَانَ مِنْ رَبِّ الْمَالِ، وَإِنَّهُ حِينَ رَدَّهَا سَقَطَ عَنْهُ الضَّمَانُ فَكَذَلِكَ الْقِرَاضُ الَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ، وَكَذَلِكَ الْوَدِيعَةُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَمْرِ رَبِّهَا ثُمَّ رَدَّهَا.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَاشْتَرَى الْعَامِلُ بِهِ مَتَاعًا وَجِهَازًا يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ الْبُلْدَانِ، فَلَمَّا اشْتَرَاهُ أَتَاهُ رَبُّ الْمَالِ فَنَهَاهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ؟
فَقَالَ: لَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَمْنَعَهُ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّهُ قَدْ اشْتَرَى وَعَمِلَ.
فَلَيْسَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُفْسِدَ ذَلِكَ وَيُبْطِلَ عَلَيْهِ عَمَلَهُ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ أَيْضًا، أَنَّهُ إنْ اشْتَرَى بِهِ سِلَعًا، ثُمَّ أَرَادَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَبِيعَ عَلَى الْعَامِلِ السِّلَعَ مَكَانَهُ، أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ.
وَلَكِنْ يَنْظُرُ السُّلْطَانُ في ذَاكَ، فَإِنْ كَانَ إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِسُوقٍ يَرْجُوهُ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَى بَيْعِ تِلْكَ السِّلَعِ.
وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهَا إلَى تِلْكَ الْأَسْوَاقِ الَّتِي يَرْجُوهَا لِئَلَّا يَذْهَبَ عَمَلُ هَذَا الْعَامِلِ بَاطِلًا ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ اللَّيْثُ مِثْلَهُ، إلَّا أَنْ يَكُونَ طَعَامًا يَخَافُ عَلَيْهِ السُّوسَ أَوْ مَا أَشْبَهَهُ فيتْلَفَ رَأْسُ الْمَالِ، فَإِنَّهُ يُؤْمَرُ حِينَئِذٍ بِالْبَيْعِ.
قُلْت: فَإِنْ تَجَهَّزَ الْعَامِلُ وَاشْتَرَى مَتَاعًا يُرِيدُ بِهِ بَعْضَ الْبُلْدَانِ فَهَلَكَ رَبُّ الْمَالِ، أَيَكُونُ لِلْعَامِلِ أَنْ يَخْرُجَ بِهَذَا الْمَتَاعِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الْمُقَارَضِ يُسَافِرُ بِالْقِرَاضِ إلَى الْبُلْدَانِ:

قُلْت: فَإِنْ دَفَعْت إلَيْهِ مَالًا قِرَاضًا، وَلَمْ أَقُلْ لَهُ: اتَّجِرْ بِهِ هَاهُنَا وَلَا هَاهُنَا دَفَعْت إلَى الْمَالَ وَسَكَتَ عَنْهُ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتَّجِرَ بِهِ في أَيِّ الْمَوَاضِعِ أَحَبَّ، وَيَخْرُجَ بِهِ إلَى أَيِّ الْبُلْدَانِ شَاءَ فيتَّجِرُ بِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، عِنْدَ مَالِكٍ لَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُقَارَضَ، أَلَهُ أَنْ يُسَافِرَ بِالْمَالِ إلَى الْبُلْدَانِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ نَهَاهُ، وَقَالَ لَهُ رَبُّ الْمَالِ حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ بِالْفُسْطَاطِ: لَا تَخْرُجْ بِهِ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ وَلَا مِنْ الْفُسْطَاطِ.

.الْمُقَارَضِ يُدْفَعُ لَهُ الْمَالُ عَلَى أَنْ يَجْلِسَ بِهِ في حَانُوتٍ أَوْ يَزْرَعَ بِهِ:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَدْفَعُ إلَى الرَّجُلِ الْمَالَ قِرَاضًا، عَلَى أَنْ يَجْلِسَ بِهِ في حَانُوتٍ مَنْ الْبَزَّازِينَ أَوْ السَّقَّاطِينَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ يَعْمَلُ فيهِ وَلَا يَعْمَلُ في غَيْرِهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ فيهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَعَ ذَلِكَ كَانَ فيهِ أَجِيرًا يُقَامُ لَهُ أَجْرُ عَمَلِ مِثْلِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ مِنْ رِبْحٍ أَوْ نُقْصَانٍ فَعَلَى رَبِّ الْمَالِ، وَلَهُ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ سِلْعَةَ فُلَانٍ أَوْ لَا يَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ، وَإِنَّمَا قَالَ: اجْلِسْ في هَذَا الْحَانُوتِ وَأُعْطِيكَ مَالًا تَتَّجِرُ فيهِ، فَمَا رَبِحْتَ فيهِ فَلَكَ نِصْفُهُ فَهَذَا أَجِيرٌ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: فَإِنْ دَفَعَ إلَيْهِ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّمَا يَجْلِسُ بِهِ في حَانُوتٍ وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ.
قَالَ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ في الَّذِي يَأْخُذُ الْمَالَ قِرَاضًا وَيُشْتَرَطُ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ بِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ الْقِرَاضَ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ، فَزَرَعَ بِهِ أَيَكُونُ قِرَاضًا جَائِزًا؟
قَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، إنَّمَا هِيَ تِجَارَةٌ مِنْ التِّجَارَاتِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ زَرَعَ بِهِ في ظُلْمٍ بَيِّنٍ يَرَى أَنَّهُ قَدْ خَاطَرَ بِهِ في ظُلْمِ الْعَامِلِ، فَأَرَى أَنَّهُ ضَامِنٌ فَأَمَّا أَنْ يَزْرَعَ عَلَى وَجْهٍ يُعْرَفُ وَعَلَى وَجْهِ عَدْلٍ وَأَمْرٍ بَيِّنٍ فَلَا أَرَاهُ ضَامِنًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا كَرِهَ مَالِكٌ مِنْ الشَّرْطِ في الْقِرَاضِ، أَنَّهُ يَزْرَعُ بِهِ وَيَعْمَلُ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: لَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ قَوْلِ مَالِكٍ فيهِ، وَأَرَى أَنْ يُرَدَّ إلَى أُجْرَةِ مِثْلِهِ، وَيَكُونَ جَمِيعُ الزَّرْعِ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ قَالَ لِرَجُلٍ: خُذْ هَذَا الْمَالَ قِرَاضًا وَلَا تَشْتَرِ بِهِ إلَّا دَابَّةَ فُلَانٍ، أَوْ لَا تَشْتَرِ بِهِ إلَّا سِلْعَةَ كَذَا وَكَذَا لِسِلْعَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ وَلَا مَأْمُونَةٍ فَهَذَا وَاَلَّذِي اشْتَرَطَ عَلَيْهِ أَنْ يَزْرَعَ بِالْمَالِ الْقِرَاضِ سَوَاءٌ، هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ أُجَرَاءُ.
قلت: فَإِنْ أَعْطَاهُ مَالًا قِرَاضًا وَقَالَ لَهُ: اُقْعُدْ بِهِ في الْقَيْسَارِيَّةِ، اشْتَرِ وَبِعْ وَمَا رَبِحْتَ فَبَيْنَنَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا كَرِهَ الْحَوَانِيتَ والْقَيْسَارِيَّة.
وَالْحَوَانِيتُ عِنْدِي سَوَاءٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَنْبَغِي أَنْ يُقَارِضَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ بِمَالٍ وَيَقُولَ لَهُ: عَلَى أَنْ لَا تَشْتَرِيَ إلَّا مِنْ فُلَانٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ نَزَلَ كَانَ أَجِيرًا.

.في الْمُقَارَضِ يَزْرَعُ بِالْقِرَاضِ أَوْ يُسَاقِي بِهِ:

قُلْت: فَلَوْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ مَالًا قِرَاضًا، فَاشْتَرَى بِهِ أَرْضًا أَوْ اكْتَرَاهَا أَوْ اشْتَرَى زَرِيعَةً وَأَزْوَاجًا فَزَرَعَ فَرَبِحَ أَوْ خَسِرَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ قِرَاضًا وَيَكُونُ غَيْرَ مُتَعَدٍّ؟
قَالَ: نَعَمْ، إلَّا أَنْ يَكُونَ خَاطَرَ بِهِ في مَوْضِعِ ظُلْمٍ أَوْ عَدُوٍّ يَرَى أَنَّ مِثْلَهُ قَدْ خَاطَرَ بِهِ فيضْمَنُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ في مَوْضِعِ أَمْنٍ وَعَدْلٍ فَلَا يَضْمَنُ.
قُلْت: أَوَلَيْسَ مَالِكٌ قَدْ كَرِهَ هَذَا؟
قَالَ: إنَّمَا كَرِهَهُ مَالِكٌ إذَا كَانَ يُشْتَرَطُ إنَّمَا يُدْفَعُ إلَيْهِ الْمَالُ قِرَاضًا عَلَى هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْطَيْته مَالًا قِرَاضًا، فَذَهَبَ وَأَخَذَ نَخْلًا مُسَاقَاةً فَأَنْفَقَ عَلَيْهَا مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ، أَيَكُونُ هَذَا مُعْتَدِيًا أَمْ تَرَاهُ قِرَاضًا؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَاهُ مُعْتَدِيًا وَأَرَاهُ يُشْبِهُ الزَّرْعَ.

.الْمُقَارَضِ يَشْتَرِي سِلْعَةً بِالْقِرَاضِ كُلِّهِ ثُمَّ يَشْتَرِي أُخْرَى بِمِثْلِ الْقِرَاضِ عَلَى الْقِرَاضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ دَفَعَ إلَيَّ رَجُلٌ أَلْفَ دِرْهَمٍ قَرْضًا، فَاشْتَرَيْتُ سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ، وَلَمْ أَنْقُدْ حَتَّى اشْتَرَيْت سِلْعَةً أُخْرَى بِأَلْفِ دِرْهَمٍ عَلَى الْقِرَاضِ، أَتَكُونُ السِّلْعَةُ الثَّانِيَةُ عَلَى الْقِرَاضِ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا في يَدِي مِنْ الْمَالِ الْقِرَاضِ أَلْفُ دِرْهَمٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ قَوْمٍ يَدْفَعُونَ إلَى أَقْوَامٍ مَالًا قِرَاضًا، فيجْلِسُونَ بِهَا في الْحَوَانِيتِ فيشْتَرُونَ بِأَكْثَرَ مِمَّا دُفِعَ إلَيْهِمْ وَيَضْمَنُونَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُعْطُونَ الَّذِي قَارَضَهُمْ مِنْ رِبْحِ جَمِيعِ ذَلِكَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا، فَأَرَى مَسْأَلَتَكَ تُشْبِهُ هَذَا، وَلَيْسَ مِنْ سُنَّةِ الْقِرَاضِ فيمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ، أَنْ يَشْتَرِيَ عَلَى الْقِرَاضِ بِدَيْنٍ يَكُونُ الْعَامِلُ ضَامِنًا لِلدَّيْنِ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ، فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ.

.(الْمُقَارَضِ بِأَلْفٍ يَبْتَاعُ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِأَلْفينِ نَقْدًا):

الْمُقَارَضِ بِأَلْفٍ يَبْتَاعُ عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِأَلْفينِ نَقْدًا أَوْ بِأَلْفِ نَقْدًا وَأَلْفٍ إلَى أَجَلٍ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ دَفَعْت إلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ مُقَارَضَةً، فَذَهَبَ فَاشْتَرَى عَبْدَيْنِ صَفْقَةً وَاحِدَةً بِأَلْفينِ؟
قَالَ: يَكُونُ شَرِيكًا مَعَ رَبِّ الْقِرَاضِ، يَكُونُ نِصْفُهَا عَلَى الْقِرَاضِ وَنِصْفُهَا لِلْعَامِلِ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَقَالَ: عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ، في رَجُلٍ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ مِائَةَ دِينَارٍ قِرَاضًا، فَاشْتَرَى سِلْعَةً بِمِائَتَيْ دِينَارٍ فَنَقَدَ مِائَةً، وَمِائَةٌ إلَى سَنَةٍ.
قَالَ: أَرَى أَنْ تُقَوَّمَ السِّلْعَةُ بِالنَّقْدِ، فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهَا خَمْسِينَ وَمِائَةً، كَانَ لِرَبِّ الْمَال الثُّلُثَانِ مِنْ السِّلْعَةِ، وَكَانَ لِلْعَامِلِ الثُّلُثُ، فَهَذِهِ تُشْبِهُ مَسْأَلَتَكَ الَّتِي فَوْقَ هَذِهِ، إلَّا أَنَّ مَسْأَلَتَكَ شِرَاؤُهُ بِالنَّقْدِ.
قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّمَا تُقَوَّمُ الْمِائَةُ الْآجِلَةُ وَتُفَضُّ قِيمَةُ السِّلْعَةِ عَلَيْهَا وَعَلَى الْمِائَةِ النَّقْدِ.

.في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ يَقْصُرُ مَالَهُ عَنْهَا فيأْخُذُ عَلَيْهِ قِرَاضًا يَدْفَعُهُ في ثَمَنِهَا:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ فيقْصُرُ مَالُهُ عَنْهَا، فيأْتِي إلَى رَجُلٍ فيقُولُ لَهُ: ادْفَعْ إلَيَّ مَالًا قِرَاضًا، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَدْفَعَ مَالَهُ في ثَمَنِ بَقِيَّةِ تِلْكَ السِّلْعَةِ الَّتِي اشْتَرَى وَيَجْعَلُهُ قِرَاضًا؟
قَالَ مَالِكٌ: إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ قَدْ اسْتَغْلَاهَا، فيدْخُلَ مَالُ الرَّجُلِ فيهِ فَلَا أُحِبُّ ذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا ابْتَاعَ سِلْعَةً، فَأَتَى إلَى رَجُلٍ فَقَالَ: ادْفَعْ إلَيَّ مَالًا أَدْفَعُهُ في ثَمَنِهَا وَيَكُونُ قِرَاضًا.
قَالَ مَالِكٌ: لَا خَيْرَ في هَذَا، فَإِنْ وَقَعَ لَزِمَ صَاحِبَ السِّلْعَةِ رَدُّ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ، وَيَكُونُ لَهُ مَا كَانَ فيهَا مِنْ رِبْحٍ وَعَلَيْهِ مَا كَانَ فيهَا مِنْ وَضِيعَةٍ، وَأَرَاهُ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ أَسْلَفَ رَجُلًا مِائَةَ دِينَارٍ، فَنَقَدَهَا في سِلْعَةٍ اشْتَرَاهَا، عَلَى أَنَّ لَهُ نِصْفَ مَا رَبِحَ فيهَا وَعَلَيْهِ مَا كَانَ فيهَا مَنْ وَضِيعَةٍ.