فصل: الرَّجُلُ يَحْلِفُ يَقُولُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(في الرجل يحلف بهدي جميع ماله أو بشيء بعينه وهو جميع ماله):

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ الرَّجُلُ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَعِيرِي وَشَاتِي وَعَبْدِي وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ سِوَاهُمْ فَحَنِثَ، وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَهُمْ ثَلَاثَتَهُمْ؛ بَعِيرَهُ وَشَاتَه وَعَبْدَهُ، فَيَبِيعُهُمْ وَيُهْدِي ثَمَنَهُمْ وَإِنْ كَانَ جَمِيعُ مَالِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا عَبْدٌ وَاحِدٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ، فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ عَبْدِي هَذَا إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ مَالِكٌ: عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ عَبْدَهُ؛ يَبِيعُهُ وَيُهْدِي ثَمَنَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَاهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى هَذَا الْعَبْدِ؟
فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي؟
قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قُلْتُ: فَإِذَا سَمَّاهُ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ شَاتِي وَبَعِيرِي وَبَقَرَتِي فَعَدَّ ذَلِكَ حَتَّى سَمَّى جَمِيعَ مَالِهِ فَعَلَيْهِ إذَا سَمَّى أَنْ يُهْدِيَ جَمِيعَ مَا سَمَّى وَإِنْ أَتَى ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ، وَلَكِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ جَمِيعَ مَالِي فَحَنِثَ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُهْدِيَ ثُلُثَ مَالِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا عِنْدَ مَالِكٍ إذَا سَمَّى فَأَتَى عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَهْدَى جَمِيعَهُ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فَقَالَ: جَمِيعُ مَالِي أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الرَّجُلِ يَقُولُ: كُلُّ امْرَأَةٍ أَنْكِحُهَا فَهِيَ طَالِقٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِذَا سَمَّى قَبِيلَةً أَوْ امْرَأَةً بِعَيْنِهَا لَمْ يُصْلَحْ لَهُ أَنْ يَنْكِحَهَا، فَكَذَلِكَ إذَا سَمَّى لَزِمَهُ وَكَانَ أَوْكَدَ فِي التَّسْمِيَةِ قُلْتُ: فَلَوْ قَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُهْدِي عَبْدِي هَذَا وَأُهْدِي جَمِيعَ مَالِي فَحَنِثَ مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يُهْدِي ثَمَنَ عَبْدِهِ وَثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّدَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ قَالَ مَالِي صَدَقَةٌ كُلُّهُ فَلْيَتَصَدَّقْ بِثُلُثِ مَالِهِ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَلَا نَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِمَالِهِ كُلِّهِ فَيَنْخَلِعُ مِمَّا رِزْقَهُ اللَّهُ، وَلَكِنْ بِحَسْبِ الْمَرْءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِثُلُثِ مَالِهِ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِصَدَقَةِ مَالِهِ أَوْ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ هُوَ جَمِيعُ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ الْمَسَاكِينِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ أَوْ قَالَ: مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحَنِثَ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ جَمِيعَ مَالِهِ فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِعَبْدِي هَذَا وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، أَوْ قَالَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ فَهُوَ فِي اللَّهِ فَلْيَجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَيَبْعَثُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَبْعَثُ بِثَمَنِهِ؟
قَالَ: بَلْ يَبِيعُهُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى مِنْ يَغْزُو بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وَجَدَ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ حَنِثَ وَيَمِينُهُ بِصَدَقَتِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَيَبِيعُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا أَوْ سَرْجًا أَوْ أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْحَرْبِ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُسَمِّيهَا بِأَعْيَانِهَا أَيَبِيعُهَا أَمْ يَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلْ يَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْيَانِهَا إنْ وَجَدَ مِنْ يَقْبَلُهَا إنْ كَانَتْ سِلَاحًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْحَرْبِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُبْلِغُهُ لَهُ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَهُ كُلَّهُ وَيَبْعَثَ بِثَمَنِهِ، فَيَجْعَلُ ذَلِكَ الثَّمَنَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ أَمْ يُعْطِيهِ دَرَاهِمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ يَجْعَلَهَا فِي مِثْلِهَا مِنْ الْأَدَاةِ وَالْكُرَاعِ.
قُلْتُ: مَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَقَرِ إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا جَازَ لَهُ أَيَبِيعُهَا وَيَشْتَرِي بِأَثْمَانِهَا إبِلًا إذَا لَمْ تَبْلُغْ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ إنَّمَا هِيَ كُلُّهَا لِلْأَكْلِ، وَهَذِهِ إذَا كَانَتْ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا فَإِنَّمَا هِيَ قُوَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَتْ لِلْأَكْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ الثَّمَنَ فِي مِثْلِهِ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِصَدَقَةِ هَذِهِ الْخَيْلِ.
وَهَذِهِ السِّلَاحِ وَهَذِهِ الْأَدَاةِ بَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ بَاعَهُ وَأَهْدَى ثَمَنَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، أَوْ بِالْهَدْيِ فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَيْمَانِ سَوَاءٌ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قُلْتُ: وَإِنْ سَمَّى وَأَتَى فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِجَمِيعِ مَالِهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْهَدْيِ وَإِنْ كَانَ فِي صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ كَمْ يُجْزِئُهُ مِنْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ الثُّلُثُ قُلْتُ: وَإِذَا قَالَ: دَارِي أَوْ ثَوْبِي أَوْ دَوَابِّي فِي سَبِيلِ اللَّهِ صَدَقَةٌ، وَذَلِكَ الشَّيْءُ مَالُهُ كُلُّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَصَدَّقُ بِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالَهُ كُلَّهُ وَلَا يُجْزِئُهُ بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ وَلَا يُجْزِئُهُ مِنْهُ الثُّلُثُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ مَالَهُ كُلَّهُ فَقَالَ: هَذَا صَدَقَةٌ أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْمَسَاكِينِ فَلْيُخْرِجْهُ كُلَّهُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: فَرَسِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْضًا مَعَ ذَلِكَ وَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: يُخْرِجُ الْفَرَسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْدَ الْفَرَسِ.
قُلْتُ: وَلِمَ جَعَلَ مَالِكٌ مَا سُمِّيَ بِعَيْنِهِ جَعَلَهُ أَنْ يُنْفِذَهُ كُلَّهُ وَمَا لَمْ يُسَمِّ بِعَيْنِهِ جَعَلَ الثُّلُثَ يُجْزِئُهُ؟
قَالَ: كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: ثُلُثُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ؟
قَالَ: يُخْرِجُ مَا قَالَ يَتَصَدَّقُ بِهِ كُلِّهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: نِصْفُ مَالِي فِي الْمَسَاكِينِ صَدَقَةٌ؟
قَالَ: يُخْرِجُ نِصْفَ مَالِهِ أَوْ قَالَ نِصْفُ مَالِي أَوْ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ مَالِي أَوْ أَكْثَرُ يُخْرِجُهُ مَا لَمْ يَقُلْ: مَالِي كُلُّهُ.
وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ قَالَ: الشَّيْءُ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ هُوَ صَدَقَةٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَوْ جُزْءٌ مِنْ مَالِهِ أَخْرَجَ ذَلِكَ الْجُزْءَ وَمَا سَمَّى مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ.
قُلْتُ: وَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنَّمَا سَبِيلُ اللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ مَوْضِعُ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجِهَادِ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلْيُعْطِ فِي السَّوَاحِلِ وَالثُّغَرِ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: أَيُعْطَى فِي جُدَّةَ؟
قَالَ: لَا، وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِثْلَ سَوَاحِلِ الرُّومِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ قَالَ: فَقِيلَ لَهُ إنَّهُ قَدْ كَانَ فِي جُدَّةَ أَيُّ خَوْفٍ فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَلَمْ يَكُنْ يَرَى جُدَّةَ مِنْ السَّوَاحِلِ الَّتِي هِيَ مَرَابِطُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: «أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ بِكُلِّ شَيْءٍ لَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَدْ قُبِلَتْ صَدَقَتُك» فَأَجَازَ الثُّلُثَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَخْرَمَةَ بْنِ بُكَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّهُ قَالَ: «أَعْطَى رَجُلٌ مَالَهُ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبْقَيْت لِلْوَارِثِ شَيْئًا فَلَيْسَ لَك ذَلِكَ وَلَا يَصْلُحُ لَك أَنْ تَسْتَوْعِبَ مَالَك».

.فِي الرَّجُلِ يَقُولُ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ أَوْ حَطِيمِ الْكَعْبَةِ:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ: مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْئًا إلَّا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلَا يُخْرِجُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالرِّتَاجُ عِنْدِي هُوَ الْبَابُ قَالَ: فَأَنَا أَرَاهُ خَفِيفًا وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِيهِ شَيْئًا وَقَالَهُ لَنَا غَيْرَ عَامٍّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ: مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طَيِّبِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ الْكَعْبَةَ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَأَرَاهُ إذَا قَالَ: مَالِي فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طَيِّبِ الْكَعْبَةِ أَنْ يُهْدِيَ ثُلُثَ مَالِهِ فَيَدْفَعُهُ إلَى الْحَجَبَةِ.
وَأَمَّا إذَا قَالَ: مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْتَقَضُ فَتُبْنَى بِمَالِ هَذَا وَلَا يُنْقَضُ الْبَابُ فَيُجْعَلُ مَالُ هَذَا فِيهِ.
قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ الْبَابُ قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ: مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَذَلِكَ أَنَّ الْحَطِيمَ لَا يُبْنَى، فَيُجْعَلُ نَفَقَةُ هَذَا فِي بُنْيَانِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَطِيمَ مَا بَيْنَ الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ بَعْضُ الْحَجَبَةِ.
قَالَ: وَمَنْ قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا وَكَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ.
أَنَّهُ يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يُرِدْ حُمْلَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عُنُقِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ كَلَّمْتُك أَبَدًا وَكُلُّ شَيْءٍ لِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَقَالَ: كَلِّمْ أَخَاك فَلَا حَاجَةَ لِلْكَعْبَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِكُمْ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ وَسَأَلَهَا رَجُلٌ وَقَالَ: إنِّي جَعَلْت مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ إنْ أَنَا كَلَّمْت عَمِّي فَقَالَتْ لَهُ: لَا يَجْعَلُ مَالِكٌ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ وَكَلِّمْ عَمَّك.

.(الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ):

الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَوْ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ يَحْلِفُ فَيَقُولُ: أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَحَنِثَ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا سُئِلَ عَنْهَا فَقَالَ: إنِّي أَرَى أَنْ آخُذَ فِيهِ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَا أُخَالِفُهُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
ثُمَّ سُئِلَ مَالِكٌ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ الرَّجُلِ أَوْ الْمَرْأَةِ تَقُولُ أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي.
قَالَ مَالِكٌ: أَنَا أَرَى أَنْ أَنْوِيَهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِذَلِكَ وَجْهَ الْهَدْيِ أَنْ يُهْدِيَ ابْنَهُ لِلَّهِ رَأَيْت عَلَيْهِ الْهَدْيَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ وَلَمْ يُرِدْهُ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا لَا كَفَّارَةَ وَلَا غَيْرَهُ، وَذَلِكَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الَّذِي سَمِعْتُ أَنَا مِنْهُ.
قُلْتُ: وَاَلَّذِي سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي لَمْ يَقُلْ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ يُكَفِّرُ يَمِينَهُ فَإِنْ قَالَ أَنَا أَنْحَرُ وَلَدِي عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلَيْهِ هَدْيًا مَكَانَ ابْنِهِ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَإِنَّمَا فَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَهُمَا عِنْدَك فِي الَّذِي سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْهُ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ قَدْ أَرَادَ الْهَدْيَ وَإِنْ لَمْ يَقُلْ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ فَجَعَلَهُ مَالِكٌ فِي الَّذِي سَمِعْتَ أَنْتَ مِنْهُ يَمِينًا لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ الْهَدْيَ وَفِي جَوَابِهِ مَا يُشْعِرُ أَنَّهُ نَوَاهُ وَدَيْنَهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ لَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فِي الْهَدْيِ جَعَلَ عَلَيْهِ الْهَدْيَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ؟
قَالَ: مَكَّةُ كُلُّهَا مَنْحَرٌ عِنْدِي وَأَرَى عَلَيْهِ فِيهِ الْهَدْيَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ فِي هَذَا كُلِّهِ يُرَادُ بِهِ الْهَدْيُ.
أَلَا تَرَى لَيْسَ هُوَ عِنْدِي مَقَامَ إبْرَاهِيمَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: عِنْدَ الْمَرْوَةِ هَذَا الْمَنْحَرُ وَكُلُّ طُرُقِ مَكَّةَ وَفِجَاجُهَا مَنْحَرٌ فَهَذَا إذَا أَلْزَمَهُ لِقَوْلِهِ عِنْدَ الْمَقَامِ الْهَدْيُ فَهُوَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ أَحْرَى أَنْ يَلْزَمَهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ ابْنِي بِمِنًى؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُك عَنْ مَالِكٍ بِاَلَّذِي قَالَ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ عَلَيْهِ الْهَدْيَ فَمِنًى عِنْدِي مَنْحَرٌ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَنْحَرُ أَبِي أَوْ أُمِّي إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: هُوَ عِنْدِي مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ فِي الِابْنِ سَوَاءٌ.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ بْنِ دِعَامَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ نَذَرَ أَنْ يَنْحَرَ ابْنَهُ عِنْدَ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْهُ فَقَالَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْ إبْرَاهِيمَ - يَذْبَحُ كَبْشًا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الَّذِي يَجْعَلُ ابْنَهُ بَدَنَةً قَالَ: يُهْدِي دِيَتَهُ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ قَالَ: ثُمَّ نَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَيْتَنِي كُنْتُ أَمَرْتُهُ أَنْ يُهْدِيَ كَبْشًا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ فَيَفْتَدِي مِنْ يَمِينِهِ بِمَالٍ أَيَجُوزُ هَذَا؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فَافْتَدَى مِنْهَا بِمَالٍ فَذَلِكَ جَائِزٌ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ كَاذِبًا:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِمَالِكٍ إنْ حَلَفَ فَقَالَ: وَاَللَّهِ مَا لَقِيت فُلَانًا أَمْسِ.
وَلَا يَقِينَ لَهُ فِي لُقِيِّهِ وَلَيْسَ فِي مَعْرِفَتِهِ حِينَ حَلَفَ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِالْأَمْسِ أَوْ لَمْ يَلْقَهُ ثُمَّ فَكَّرَ بَعْدُ فِي يَمِينِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَقِيَهُ بِالْأَمْسِ أَتَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ الْيَمِينِ فِي هَذَا.
قُلْتُ: لِمَ؟ وَهَذَا قَدْ أَيْقَنَ أَنَّهُ لَقِيَهُ وَقَدْ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يَلْقَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ حِينَ حَلَفَ عَلَى أَمْرٍ ظَنَّهُ، إنَّمَا حَلَفَ بِيَمِينِهِ الَّتِي حَلَفَ بِهَا عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ كَانَ فِي نَفْسِهِ؟
فَقَالَ: هَذِهِ الْيَمِينُ الَّتِي تَصِفُ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ أَوْ يُكَفِّرُهَا كَفَّارَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، لِأَنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ لَا يَكُونُ فِيهَا لَغْوُ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ عَلَى أَمْرٍ يَظُنُّهُ كَذَلِكَ فَيَنْكَشِفُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَغْوُ الْيَمِينِ وَإِنَّمَا حَلَفَ هَذَا بِهَذِهِ الْيَمِينِ جُرْأَةً وَتَفَخُّمًا عَلَى الْيَمِينِ عَلَى غَيْرِ يَقِينٍ مِنْهُ لِشَيْءٍ فَهُوَ إنْ انْكَشَفَتْ لَهُ يَمِينُهُ أَنَّهُ كَمَا حَلَفَ بِهَا بَرَّ، وَإِنْ انْكَشَفَتْ يَمِينُهُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ بِهِ فَهُوَ آثَمُ، وَلَمْ يَكُنْ لَغْوُ الْيَمِينِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ حَلَفَ عَامِدًا لِلْكَذِبِ فَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ فَإِنَّ هَذِهِ الْيَمِينَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ أَوْ يُكَفِّرُهَا شَيْءٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ».
قال سَحْنُونٌ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ}، فَهَذِهِ الْيَمِينُ فِي الْكَذِبِ وَاقْتِطَاعِ الْحُقُوقِ، فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَفَّارَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ الْعَوَّامِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ السَّكْسَكِيِّ عَنْ ابْنِ أَبِي أَوْفَى فِي رَجُلٍ حَلَفَ عَلَى سِلْعَةٍ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَقَدْ أَعْطَى بِهَا كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُعْطِ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا}.

.فِي لَغْوِ الْيَمِينِ وَالْيَمِينِ الَّتِي تَكُونُ فِيهَا الْكَفَّارَةُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ الرَّجُلِ: لَا وَاَللَّهِ وَبَلَى وَاَللَّهِ.
أَكَانَ مَالِكٌ يَرَى ذَلِكَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ؟
قَالَ: لَا وَإِنَّمَا اللَّغْوُ عِنْدَ مَالِكٍ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الشَّيْءِ يَظُنُّ أَنَّهُ كَذَلِكَ كَقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَقَدْ لَقِيتُ فُلَانًا أَمْسِ وَذَلِكَ يَقِينُهُ، وَإِنَّمَا لَقِيَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَهَذَا اللَّغْوُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا مَشْيٍ وَلَا يَكُونُ اللَّغْوُ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَلَا يَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ أَيْضًا إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ لَا يَكُونُ فِي طَلَاقٍ وَلَا عَتَاقٍ وَلَا مَشْيٍ إلَّا فِي الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَحْدَهَا، أَوْ نَذْرٍ لَا يُسَمِّي لَهُ مَخْرَجًا.
فَمَنْ حَلَفَ بِطَلَاقٍ أَوْ عَتَاقٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ الْأَيْمَانِ سِوَى الْيَمِينِ بِاَللَّهِ وَذَلِكَ يَقِينُهُ ثُمَّ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ فَإِنَّهُ حَانِثٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَا يَنْفَعُهُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَثْنَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَحَنِثَ لَزِمَهُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ الثِّقَةُ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ ذَكَرَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ تَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ: {لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} فَتَقُولُ: هُوَ الشَّيْءُ يَحْلِفُ عَلَيْهِ أَحَدُكُمْ لَمْ يُرِدْ فِيهِ إلَّا الصِّدَاقَ فَيَكُونُ عَلَى غَيْرِ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ فِيهِ كَفَّارَةٌ.
وَقَالَهُ مَعَ عَائِشَةَ عَطَاءٌ وَعُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرِ بْنِ وَهْبٍ.
وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ عَائِشَةَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ قَيْسٍ وَمُجَاهِدٌ وَرَبِيعَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَمَكْحُولٌ.
وَقَالَهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ حَدِيثِ الرَّبِيعِ بْنِ صَبِيحٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا تَكُونُ الْكَفَّارَةُ فِي الْيَمِينِ فِي هَاتَيْنِ الْيَمِينَيْنِ فَقَطْ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ: وَاَللَّهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا فَيَبْدُو لَهُ أَنْ لَا يَفْعَلَ، فَيُكَفِّرُ، وَلَا يَفْعَلُ.
أَوْ يَقُولُ وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَيَبْدُو لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فَيُكَفِّرُ يَمِينَهُ وَيَفْعَلُهُ وَأَمَّا مَا سِوَى هَاتَيْنِ الْيَمِينَيْنِ مِنْ الْأَيْمَانِ كُلِّهَا فَلَا كَفَّارَةَ فِيهَا عِنْدَ مَالِكٍ وَإِنَّمَا الْأَيْمَانُ بِاَللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ أَرْبَعَةُ أَيْمَانٍ: لَغْوُ الْيَمِينِ، وَيَمِينٌ غَمُوسٌ، وَقَوْلُهُ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ وَوَاللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ.
وَقَدْ فَسَّرْتُ لَك ذَلِكَ كُلَّهُ وَمَا يَجِبُ فِيهِ شَيْئًا شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ غَيْلَانِ بْنِ جَرِيرٍ وَعَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَهْطٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ نَسْتَحْمِلُهُ فَقَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَاَللَّهِ مَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ أَتَى بَابًا فَأَمَرَ لَنَا بِثَلَاثِ ذَوْدٍ فَلَمَّا انْطَلَقْنَا قَالَ: أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَسْتَحْمِلُهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ حَمَلَنَا. وَاَللَّهِ لَا يُبَارَكُ لَنَا ارْجِعُوا بِنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْنَاهُ فَأَخْبَرْنَاهُ، فَقَالَ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ بَلْ اللَّهُ حَمَلَكُمْ. إنِّي وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى خَيْرًا مِنْهَا إلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
قَالَ: وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ لَا يَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَيَحْنَثُ فِيهَا حَتَّى نَزَلَتْ رُخْصَةُ اللَّهِ، فَقَالَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إلَّا تَحَلَّلْتهَا وَأَتَيْت الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ إنَّ الْأَيْمَانَ أَرْبَعَةٌ يَمِينَانِ تُكَفَّرَانِ وَيَمِينَانِ لَا تُكَفَّرَانِ.
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ وَذَكَرَهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ، قَالَ مَالِكٌ عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ وَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ».
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ سَعْدٍ الْكِنْدِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَفْعَلْ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ».
قَالَ مَالِكٌ: وَالْكَفَّارَةُ بَعْدَ الْحِنْثِ أَحَبُّ إلَيَّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رُبَّمَا حَنِثَ ثُمَّ كَفَّرَ وَرُبَّمَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ ثُمَّ يَحْنَثُ.

.فِي الْحَالِفِ بِاَللَّهِ أَوْ اسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ الرَّجُلُ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ أَتَكُونُ أَيْمَانًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ وَالْعَزِيزِ وَالسَّمِيعِ وَالْعَلِيمِ وَالْخَبِيرِ وَاللَّطِيفِ هَذِهِ وَأَشْبَاهُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَمِينٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا.
هَذِهِ يَمِينٌ؟
قَالَ: نَعَمْ.
هِيَ يَمِينٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: تَاللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا أَوْ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَعِزَّةِ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءِ اللَّهِ وَقُدْرَةِ اللَّهِ وَأَمَانَةِ اللَّهِ؟
قَالَ: هَذِهِ عِنْدِي أَيْمَانٌ كُلُّهَا وَمَا أَشْبَهَهَا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا.
أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
أَرَاهَا يَمِينًا وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: بِاَللَّهِ وَتَاللَّهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ بِعَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ وَكَفَالَتُهُ وَمِيثَاقُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هَذِهِ أَيْمَانٌ كُلُّهَا إلَّا الذِّمَّةَ فَإِنِّي لَا أَحْفَظُهَا مِنْ قَوْلِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِهَذِهِ فَعَلَيْهِ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ يَمِينٌ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ قَالَ عَلَيَّ عَشْرُ كَفَالَاتٍ كَانَ عَلَيْهِ عَشَرَةُ أَيْمَانٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ عَلَيَّ عَشْرَةُ مَوَاثِيقَ أَوْ عَشَرَةُ نُذُورٍ أَوْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَقَلُّ لَزِمَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَدَدُ مَا قَالَ إنْ قَالَ عَشَرًا فَعَشْرُ كَفَّارَاتٍ وَإِنْ قَالَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.
فَأَكْثَرُ وَإِنْ قَالَ أَقَلَّ فَأَقَلُّ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ مِيثَاقُ اللَّهِ، وَقَوْلُهُ: مِيثَاقُ اللَّهِ وَعَهْدُ اللَّهِ أَيَكُونُ هَذَا فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَيْمَانًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ عَلَى عَهْدٍ فَحَنِثَ فَلْيَتَصَدَّقْ بِمَا فَرَضَ اللَّهُ فِي الْيَمِينِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ.
فَهِيَ يَمِينٌ قَالَ ابْن مَهْدِيِّ عَنْ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ إبْرَاهِيمَ مِثْلَ ذَلِكَ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ يَقُولُ أُقْسِمُ أَوْ أَحْلِفُ وَأَشْهَدُ أَوْ أَعْزِمُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلْيُكَلِّمْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَشْهَدُ أَيْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ يَمِينًا مِثْلَ مَا يَقُولُ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَحْلِفُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ أَقْسَمْتُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ أَقْسَمْتُ أَيْ بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْسِمُ إلَّا بِاَللَّهِ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ.
فَهَذَا الَّذِي قَالَ: أَحْلِفُ أَنْ لَا أُكَلِّمَ فُلَانًا إنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ أَيْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَذَلِكَ عَلَيْهِ وَهِيَ يَمِينٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي قَوْلِهِ: أَقْسَمْت إنْ لَمْ يُرِدْ بِاَللَّهِ فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا.
أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَشْهَدُ أَيْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ بِهَا الْيَمِينَ فَهِيَ يَمِينٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَعْزِمُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا.
أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَيْسَتْ بِيَمِينٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَعْزِمُ بِاَللَّهِ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّهُ يَمِينٌ عِنْدِي قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ: أَعْزِمُ عَلَيْك بِاَللَّهِ إلَّا مَا أَكَلْت.
فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ أَيَكُونُ عَلَى الْعَازِمِ أَوْ الْمُعَزَّمِ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي لَا أَرَى عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَيْئًا.
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ كَذَا وَكَذَا.
فَيَأْبَى فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ رَجُلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ.
قَالَ: إذَا أَقْسَمَ الرَّجُلُ وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَذْكُرَ اللَّهَ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ: أَقْسَمْت وَحَلَفْت لَيْسَتَا بِيَمِينٍ حَتَّى يَحْلِفَ يَقُولُ بِاَللَّهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ إسْرَائِيلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْمُهَاجِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْك فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: أَقْسَمْت بِاَللَّهِ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى الْقَسَمَ يَمِينًا يُكَفِّرُهَا إذَا حَنِثَ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ مِثْلَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ}.
قَالَ: هِيَ يَمِينُ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا أَفْعَلَ كَذَا وَكَذَا قَالَ: لَيْسَ بِيَمِينٍ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ قَالَ فِي أَشْهَدُ قَالَ: أَرْجُو أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ يَقُولُ عَلِيَّ نَذْرٍ أَوْ يَمِينٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ؟
قَالَ: هِيَ يَمِينٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إنْ قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ.
أَوْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ هُوَ سَوَاءٌ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ نَذْرٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا.
فَحَنِثَ وَهُوَ يَنْوِي بِنَذْرِهِ ذَلِكَ صَوْمًا أَوْ صَلَاةً أَوْ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ عِتْقًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا نَوَى بِنَذْرِهِ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ فَذَلِكَ لَهُ لَازِمٌ وَلَهُ نِيَّتُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: عَلَيَّ نَذْرٌ وَلَمْ يَقُلْ: كَفَّارَةُ يَمِينٍ.
أَيَجْعَلُهَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ يَمِينٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا وَلَمْ يُرِدْ الْيَمِينَ حِينَ حَلَفَ وَلَا غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ؟
قَالَ: أَرَى عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا قَوْلُهُ عَلَيَّ يَمِينٌ كَقَوْلِهِ عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ عَلَيَّ نَذْرٌ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَالِمٍ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَافِعٍ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: «أَشْهَدُ لَسَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ».
وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ إنَّ كَفَّارَتَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ إذَا لَمْ يُسَمِّ لِنَذْرِهِ مَخْرَجًا مِنْ صَوْمٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ صَلَاةٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَعَطَاءٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَطَاوُسٌ وَالْحَسَنُ، وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَعْتِقُ رَقَبَةً وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ وَالنَّخَعِيُّ كَفَّارَةُ يَمِينٍ.

.الَّذِي يَحْلِفُ بِمَا لَا يَكُونُ يَمِينًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: هُوَ يَهُودِيٌّ أَوْ مَجُوسِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ كَافِرٌ بِاَللَّهِ، أَوْ بَرِيءٌ مَنْ الْإِسْلَامِ، إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا.
أَتَكُونُ هَذِهِ أَيْمَانًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا لَيْسَتْ هَذِهِ أَيْمَانًا عِنْدَ مَالِكٍ وَلْيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ مِمَّا قَالَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَتَرَى هَذَا يَمِينًا؟
قَالَ: لَا تَكُونُ فِي الْحَرَامِ يَمِينٌ.
قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يَكُونُ الْحَرَامُ يَمِينًا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ لَا فِي طَعَامٍ وَلَا فِي شَرَابٍ وَلَا فِي أُمِّ وَلَدٍ إنْ حَرَّمَهَا عَلَى نَفْسِهِ، وَلَا خَادِمِهِ وَلَا عَبْدِهِ وَلَا فَرَسِهِ وَلَا فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَشْيَاءِ إلَّا أَنْ يُحَرِّمَ امْرَأَتَهُ فَيَلْزَمُهُ الطَّلَاقُ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي امْرَأَتِهِ وَحْدَهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَهُ لَعَمْرٌ أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ لَا تَكُونُ يَمِينًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ الرَّجُلُ بِحَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ: هُوَ زَانٍ هُوَ سَارِقٌ، إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْءٌ عِنْدَ مَالِكٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِشَيْءٍ مِنْ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ، كَقَوْلِهِ وَالصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا فَفَعَلَهُ أَتَكُونُ هَذِهِ أَيْمَانًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت عَنْ مَالِكٍ فِيهَا شَيْئًا وَلَا أَحَدَ يَذْكُرُهُ عَنْهُ وَلَا أَرَى فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ يَمِينًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الرَّجُلُ أَنَا كَافِرٌ بِاَللَّهِ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا أَتَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ هَذِهِ يَمِينًا وَلَا يَكُونُ كَافِرًا حَتَّى يَكُونَ قَلْبُهُ مُضْمِرًا عَلَى الْكُفْرِ وَبِئْسَمَا قَالَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: هُوَ يَأْكُلُ الْخِنْزِيرَ أَوْ لَحْمَ الْمَيْتَةِ أَوْ يَشْرَبُ الدَّمَ أَوْ الْخَمْرَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا.
أَيَكُونُ شَيْءٌ مِنْ هَذَا يَمِينًا عِنْدَ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: مَنْ قَالَ: أَنَا أَكْفُرُ بِاَللَّهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فَكَذَلِكَ هَذَا.
قَالَ: ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعُوتِبَ فِي التَّحْرِيمَ.
فَأُمِرَ بِالْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ إبْرَاهِيمَ فَقَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ.
وَوَاللَّهِ مَا أَمْسَكَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ مَا أَنْزَلَ.
قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ وَحَلَفَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عُبَيْدٍ الْمُكْتِبِ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ عَنْ رَجُلٍ قَالَ: الْحَلَالُ عَلَيَّ حَرَامٌ إنْ أَكَلَ مَنْ لَحْمِ هَذِهِ الْبَقَرَةِ.
قَالَ: أَلَهُ امْرَأَةٌ؟
قَالَ: قُلْتُ لَهُ، نَعَمْ.
قَالَ: لَوْلَا امْرَأَتُهُ لَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ أَوْ عَلَيْهِ غَضَبُ اللَّهِ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا أَيَكُونُ هَذَا يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَكُونُ يَمِينًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَحْرَمَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَأَدْخَلَهُ النَّارَ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا أَيَكُونُ هَذَا يَمِينًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ هَذَا يَمِينًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِلرَّجُلِ وَأَبِي وَأَبِيك وَحَيَاتِي وَحَيَاتِك وَعَيْشِي وَعَيْشِك؟
قَالَ مَالِكٌ: هَذَا مِنْ كَلَامِ النِّسَاءِ وَأَهْلِ الضَّعْفِ مِنْ الرِّجَالِ فَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَكَانَ يَكْرَهُ الْأَيْمَانَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَحْلِفَ بِهَذَا أَنْ يَقُولَ: وَالصَّلَاةِ لَا أَفْعَلُ كَذَا وَكَذَا أَوْ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْت لَك؟
قَالَ: كَانَ يَكْرَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ مَنْ حَلَفَ فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ وَإِلَّا فَلَا يَحْلِفْ، وَكَانَ يَكْرَهُ الْيَمِينَ بِغَيْرِ اللَّهِ قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ رَغِمَ أَنْفِي لِلَّهِ.
فَقَالَ: مَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: رَغِمَ أَنْفِي لِلَّهِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمِتْنِي حَتَّى قَطَعَ مُدَّةَ الْحَجَّاجِ بْنِ يُوسُفَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَقُولَ أَحَدٌ رَغِمَ أَنْفِي لِلَّهِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ قَالَ ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ لَمْ يَفْعَلْ كَذَا وَكَذَا قَالَ: لَا أَرَى عَلَيْهِ يَمِينًا قَالَ مَالِكٌ: وَقَالَ عَطَاءٌ فِي رَجُلٍ قَالَ: أَخْزَاهُ اللَّهُ إنْ فَعَلَ كَذَا وَكَذَا.
ثُمَّ فَعَلَهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ.
قَالَ الشَّعْبِيُّ فِي رَجُلٍ قَالَ: قَطَعَ اللَّهُ يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ أَوْ صُلْبَهُ يَحْلِفُ بِالشَّيْءِ يَدْعُو بِهِ عَلَى نَفْسِهِ فَحَنِثَ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ.
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عَطَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «حَلَفْت بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَتَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: إنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِالْجَاهِلِيَّةِ فَحَلَفْت بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى. قَالَ: قُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. ثَلَاثًا وَاسْتَغْفِرْ اللَّهَ وَلَا تَعُدْ».
قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَمَّنْ سَمِعَ ابْنَ الْمُسَيِّبِ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إنِّي حَلَفْت بِيَمِينٍ قَالَ: مَا هِيَ؟
قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: قُلْتُ عَلَيَّ نَذْرٌ قُلْتُ: لَا.
قَالَ: قُلْتُ: أَكَفَرْت بِاَللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَقُلْ آمَنْت بِاَللَّهِ.
فَإِنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا قُلْتُ.
قَالَ: ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ الزُّهْرِيِّ عَنْ أُمِّ بَكْرِ بِنْتِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ الزُّهْرِيِّ أَنَّ الْمِسْوَرَ دَخَلَ فَأَلْزَمهُ جَعْفَرُ يَقُولُ: كَفَرْت بِاَللَّهِ أَوْ أَشْرَكْت بِاَللَّهِ فَقَالَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ: سُبْحَانَ اللَّهِ لَا أَكْفُرُ بِاَللَّهِ وَلَا أُشْرِكُ بِاَللَّهِ، وَضَرَبَهُ وَقَالَ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، قُلْ آمَنْتُ بِاَللَّهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَمُجَاهِدٍ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ عَلَيَّ غَضَبُ اللَّهِ قَالَ: لَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ عَلَيْهِ كَفَّارَةً، يَرَوْنَ أَنَّهُ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّ نَافِعًا حَدَّثَهُمْ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ عُمَرَ يَقُولُ: لَا وَأَبِي. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ».
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لِرَجُلٍ حَلَفَ بِاَللَّهِ: وَاَللَّهِ لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ مِائَةً ثُمَّ آثَمُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ مَرَّةً ثُمَّ أَبَرُّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ وَبَرَةَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقُولُ: لَأَنْ أَحْلِفَ بِاَللَّهِ كَاذِبًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ بِغَيْرِهِ صَادِقًا.