فصل: الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ بَيْتًا أَوْ لَا يَسْكُنَ بَيْتًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَسْكُنُ بَيْتًا وَلَا نِيَّةَ لَهُ وَهُوَ مَنْ أَهْلِ الْقُرَى أَوْ مَنْ أَهْلِ الْحَاضِرَةِ فَسَكَنَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ الشَّعْرِ أَتَرَاهُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إقَامَتِكُمْ}.
فَقَدْ سَمَّاهَا اللَّهُ بُيُوتًا قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ مَا لَهُ مَالٌ وَلَا مَالَ لَهُ يَعْلَمُهُ فَيَكُونُ قَدْ وَقَعَ لَهُ مِيرَاثٌ بِأَرْضٍ قَبْلَ يَمِينِهِ.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ لَمْ يَنْوِ حِينَ حَلَفَ أَنَّهُ مَا لَهُ مَالٌ يَعْلَمُهُ فَأَرَى أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ وَإِنْ كَانَ نَوَى حِينَ نَوَى أَنَّهُ مَا لَهُ مَالٌ يَعْنِي مَا لَا يَعْلَمُهُ لَمْ يَحْنَثْ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى رَجُلٍ بَيْتًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ، قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَى هَذَا وَلَيْسَ عَلَى هَذَا حَلِفٌ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ الْحَالِفُ عَلَى جَارٍ لَهُ بَيْتَهُ فَإِذَا فُلَانٌ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ فِي بَيْتِ جَارِهِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَى فُلَانٍ بَيْتًا فَدَخَلَ بَيْتًا فَدَخَلَ عَلَيْهِ فُلَانٌ ذَلِكَ الْبَيْتَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْجِبُنِي فِي هَذَا بِعَيْنِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إنْ دَخَلَ عَلَيْهِ فُلَانٌ ذَلِكَ الْبَيْتَ أَنْ لَا يَكُونَ حَانِثًا إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يُجَامِعَهُ فِي بَيْتِهِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ نَوَى ذَلِكَ فَقَدْ حَنِثَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَا يُعْجِبُنِي أَخَافُ الْحِنْثَ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَخَافُ مَالِكٌ الْحِنْثَ الرَّجُلُ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ فَهُدِمَتْ حَتَّى صَارَتْ طَرِيقًا أَوْ خَرِبَةً مِنْ الْخَرَائِبِ يَذْهَبُ النَّاسُ فِيهَا يَخْرِقُونَهَا ذَاهِبِينَ وَجَائِينَ؟
قَالَ: أَرَى إذَا تَهَدَّمَتْ وَخَرِبَتْ حَتَّى تَصِيرَ طَرِيقًا فَدَخَلَهَا لَمْ يَحْنَثْ قُلْتُ: فَلَوْ بُنِيَتْ بَعْدَ ذَلِكَ دَارًا؟
قَالَ: لَا يَدْخُلُهَا لِأَنَّهَا حِينَ بُنِيَتْ بَعْدُ فَقَدْ صَارَتْ دَارًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَدَخَلَ بَيْتَ فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا فُلَانٌ سَاكِنٌ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ بِكِرَاءٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَرَى الْمَنْزِلَ مَنْزِلَ الرَّجُلِ بِكِرَاءٍ كَانَ فِيهِ أَوْ بِغَيْرِ كِرَاءٍ وَيَحْنَثُ هَذَا الْحَالِفُ إنْ دَخَلَهَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَقَامَ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مَنْ بَابِ هَذِهِ الدَّارِ فَحُوِّلَ بَابُهَا فَدَخَلَ مَنْ بَابِهَا هَذَا الْمُحْدَثِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَهُوَ رَأْيِي إلَّا أَنْ يَكُونَ كَرِهَ الدُّخُولَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ لِضِيقٍ أَوْ لِسُوءِ مَمَرٍّ أَوْ مَمَرٍّ عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَكْرَهْ دُخُولَ الدَّارِ بِعَيْنِهَا، فَإِنَّ هَذَا إذَا حُوِّلَ الْبَابُ وَدَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا أَدْخُلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ فَأُغْلِقَ ذَلِكَ الْبَابُ وَفُتِحَ لَهُ بَابٌ آخَرُ فَدَخَلَ مِنْ ذَلِكَ الْبَابِ الَّذِي فُتِحَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَدْخُلَ مِنْ هَذَا الْبَابِ وَإِنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْبَابَ بِعَيْنِهِ وَلَمْ يُرِدْ دُخُولَ الدَّارِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ نِيَّتَهُ فَهُوَ حَانِثٌ لِأَنَّ نِيَّتَهُ هَاهُنَا إنَّمَا وَقَعَتْ عَلَى أَنْ لَا يَدْخُلَ هَذِهِ الدَّارَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارَ فُلَانٍ فَاحْتَمَلَهُ إنْسَانٌ فَأَدْخَلَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إنَّهُ لَا يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ احْتَمِلُونِي فَأَدْخِلُونِي فَفَعَلُوا؟
قَالَ: هَذَا حَانِثٌ لَا شَكَّ فِيهِ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَأْكُلَ طَعَامَ رَجُلٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَنْ طَعَامِ فُلَانٍ، فَبَاعَ فُلَانٌ طَعَامَهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْ ذَلِكَ الطَّعَامِ؟
قَالَ: فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَحْلِفَ: لَا أَكَلْت مِنْ هَذَا الطَّعَامِ بِعَيْنِهِ.
فَإِنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ مِلْكِ فُلَانٍ ذَلِكَ الرَّجُلِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ حَنِثَ وَإِنْ انْتَقَلَ مِنْ مِلْكِ رَجُلٍ إلَى مِلْكِ آخَرَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى مَا دَامَ فِي يَدِهِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَا آكُلُ مَنْ طَعَامِ فُلَانٍ وَلَا أَلْبَسُ مِنْ ثِيَابِ فُلَانٍ وَلَا أَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ.
فَاشْتَرَى هَذَا الْحَالِفُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مِنْ فُلَانٍ فَأَكَلَهَا أَوْ لَبِسَهَا أَوْ دَخَلَهَا بَعْدَ الِاشْتِرَاءِ؟
قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَاهُ بِعَيْنِهِ أَنْ لَا يَأْكُلَهُ.
قُلْتُ: فَإِنْ وَهَبَ هَذَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لِلْحَالِفِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ فَقَبِلَهَا وَأَكَلَهَا أَوْ لَبِسَ أَوْ دَخَلَ الدَّارَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا يُعْجِبُنِي وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا وَلَكِنِّي إنَّمَا كَرِهْته لَك لِأَنَّ هَذَا إنَّمَا يُكْرَهُ لِوَجْهِ الْمَنِّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا وَهَبَ لَهُ الْهِبَةَ مِنْ الْوَاهِبِ عَلَيْهِ وَإِنْ اشْتَرَى مِنْهُ فَلَا مِنَّةَ لِلْبَائِعِ عَلَيْهِ وَلَا يُعْجِبُنِي هَذَا وَأَرَاهُ حَانِثًا إنْ كَانَ إنَّمَا كَرِهَ مِنْهُ إنْ فَعَلَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ لِرَجُلٍ طَعَامًا فَدَخَلَ ابْنُ الْحَالِفِ عَلَى الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُ خُبْزًا ثُمَّ خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ إلَى مَنْزِلِ أَبِيهِ فَتَنَاوَلَهُ أَبُوهُ مِنْهُ فَأَكَلَ مِنْهُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ، فَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ مِنْ طَعَامٍ يَشْتَرِيه فُلَانٌ فَأَكَلَ مَنْ طَعَامٍ اشْتَرَاهُ فُلَانٌ وَآخَرُ مَعَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ هَذَا الرَّغِيفَ فَأُكْرِهَ عَلَيْهِ فَأَكَلَهُ؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: فَإِنْ أُكْرِهَ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَأْكُلَ كَذَا وَكَذَا فَأَكَلَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالْمُكْرَهُ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْيَمِينِ لَيْسَ يَمِينُهُ بِيَمِينٍ.

.(الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ):

الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ لَا يَأْذَنُ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ مِنْ الدَّارِ إلَّا بِرَأْيِهِ فَأَذِنَ لَهَا حَيْثُ لَا تَسْمَعُ فَخَرَجَتْ بَعْدَ الْإِذْنِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا تَخْرُجَ امْرَأَتُهُ إلَّا بِإِذْنِهِ، فَسَافَرَ فَخَافَ أَنْ تَخْرُجَ بَعْدَهُ فَقَالَ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَذِنْت لَهَا إنْ خَرَجَتْ فَهِيَ عَلَى إذْنِي، فَخَرَجَتْ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهَا الْخَبَرُ.
قَالَ مَالِكٌ: مَا أَرَاهُ إلَّا قَدْ حَنِثَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ الَّذِي أَرَادَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ أَنَا مِنْ مَالِكٍ وَلَكِنْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْهُ وَهُوَ رَأْيِي وَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَأْذَنَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ تَخْرُجَ إلَّا فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَأَذِنَ لَهَا فَخَرَجَتْ فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ، ثُمَّ عَرَضَتْ لَهَا حَاجَةٌ غَيْرُ الْعِيَادَةِ وَهِيَ عِنْدَ الْمَرِيضِ فَذَهَبَتْ فِيهَا أَيَحْنَثُ الزَّوْجُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لِامْرَأَتِهِ أَنْ لَا تَخْرُجَ إلَّا فِي عِيَادَةِ مَرِيضٍ فَخَرَجَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَأْذَنَ لَهَا إلَى الْحَمَّامِ أَوْ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَحْنَثُ فِي رَأْيِي لِأَنَّ الزَّوْجَ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا إلَى حَيْثُ خَرَجَتْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ بِذَلِكَ فَيَتْرُكُهَا، فَإِنْ هُوَ حِينَ يَعْلَمُ بِذَلِكَ لَمْ يَتْرُكْهَا فَإِنَّهُ لَا يَحْنَثُ.
قُلْتُ: وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَتَّى فَرَغَتْ مِنْ ذَلِكَ وَرَجَعَتْ قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي رَأْيِي.
قال سَحْنُونٌ: وَقَدْ ذَكَرَ عَنْ رَبِيعَةَ شَيْئًا مِثْلَ هَذَا أَنَّهُ حَانِثٌ فِي الْعِيَادَةِ إذَا أَقَرَّهَا لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهَا فَلَمَّا تَرَكَهَا كَأَنَّهُ أَذِنَ لَهَا فِي خُرُوجِهَا.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ غَدًا أَوْ لَيَأْكُلَنَّ طَعَامًا غَدًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِرَجُلٍ: وَاَللَّهِ لَأَقْضِيَنَّ حَقَّك غَدًا، فَعَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ الْيَوْمَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَحْنَثُ إنْ عَجَّلَ لَهُ حَقَّهُ قَبْلَ الْأَجَلِ وَإِنَّمَا يَحْنَثُ إذَا أَخَّرَ حَقَّهُ بَعْدَ الْأَجَلِ قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَآكُلَنَّ هَذَا الطَّعَامَ غَدًا فَأَكَلَهُ الْيَوْمَ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ يَحْنَثُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْتُ: لِمَ أَحْنَثْتَهُ فِي هَذَا وَلَمْ تُحْنِثْهُ فِي الْأَوَّلِ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَالْأَوَّلُ إنَّمَا أَرَادَ الْقَضَاءَ وَلَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْيَوْمَ بِعَيْنِهِ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ لَا يَتَأَخَّرَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِيهِ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فَاشْتَرَى ثَوْبَ وَشْيٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ ثَوْبًا فَاشْتَرَى ثَوْبَ وَشْيٍ أَوْ غَيْرَهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَلَهُ نِيَّتُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ وَاشْتَرَى ثَوْبًا حَنِثَ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ بِالْعَتَاقِ أَوْ بِشَيْءٍ مِمَّا يَقْضِي عَلَيْهِ الْقَاضِي بِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَدْخُلَ دَارًا سَمَّاهَا فَدَخَلَهَا بَعْدَ ذَلِكَ وَقَالَ: إنَّمَا نَوَيْت شَهْرًا قَالَ: إنْ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلَهُ وَإِنْ كَانَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَجَاءَ مُسْتَفْتِيًا فَلَهُ نِيَّتُهُ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذِهِ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَلْبَسَ ثَوْبًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ، وَهُوَ لَابِسُهُ فَتَرَكَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْيَمِينِ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ هَذِهِ الدَّابَّةَ وَهُوَ عَلَيْهَا.
قَالَ: أَرَى إنْ كَانَ نَزَلَ عَنْهَا مَكَانَهُ وَإِلَّا فَهُوَ حَانِثٌ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ غَزْلَ فُلَانَةَ، فَلَبِسَ ثَوْبًا غَزَلَتْهُ فُلَانَةُ وَأُخْرَى مَعَهَا؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا فِي رَأْيِي قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ فَقَطَعَهُ قَبَاءً أَوْ قَمِيصًا أَوْ سَرَاوِيلَ أَوْ جُبَّةً؟
قَالَ: هُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ إنَّمَا حَلَفَ لِضِيقٍ فِيهِ كَرِهَ أَنْ يَلْبَسَهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَالِ أَوْ لِسُوءِ عَمَلِهِ فَكَرِهَ لِبْسَهُ لِذَلِكَ فَحَوَّلَهُ فَهَذَا لَهُ نِيَّةٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ هَذَا الثَّوْبَ وَهُوَ قَمِيصٌ أَوْ قَبَاءٌ أَوْ مِلْحَفَةٌ فَأْتَزَرَ بِهِ أَوْ لَفَّ بِهِ رَأْسَهُ، أَوْ طَرَحَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ أَيَكُونُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَهَلْ يَكُونُ هَذَا لُبْسًا عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَلْبَتَّةَ أَنْ لَا يَلْبَسَ لَهَا ثَوْبًا فَأَصَابَتْهُ هِرَاقَةُ الْمَاءِ فَقَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَتَنَاوَلَ ثَوْبًا عِنْدَ رَأْسِهِ فَإِذَا هُوَ ثَوْبُ امْرَأَتِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَوَضَعَهُ بِيَدَيْهِ عَلَى مُقَدَّمِ فَرْجِهِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى هَذَا لُبْسًا.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَدَارَهُ عَلَيْهِ لَرَأَيْته لُبْسًا فَأَمَّا مَسْأَلَتُك فَأَرَاهُ لِبَاسًا وَأَرَاهُ حَانِثًا وَمَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَلْبَسَ مِنْ غَزْلِ فُلَانَةَ فَلَبِسَ ثَوْبًا غَزَلَتْهُ فُلَانَةُ وَأُخْرَى مَعَهَا؟
قَالَ: أَرَاهُ حَانِثًا فِي رَأْيِي.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ رَجُلٍ فَيَرْكَبُ دَابَّةَ عَبْدِهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَرْكَبَ دَابَّةَ رَجُلٍ فَرَكِبَ دَابَّةً لِعَبْدِهِ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الْعَبْدِ يَشْتَرِي أَرِقَّاءَ لَوْ اشْتَرَاهُمْ سَيِّدُهُ لَعَتَقُوا عَلَيْهِ.
قَالَ مَالِكٌ: يَعْتِقُونَ عَلَى سَيِّدِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الَّذِي اشْتَرَاهُمْ لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُمْ أَحْرَارٌ عَلَى السَّيِّدِ إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَعْتِقُونَ عَلَى السَّيِّدِ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا عِنْدِي أَنَّهُ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ لِأَنَّ مَا فِي يَدَيْ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَا فِي يَدَيْهِ مِنْ الْأَرِقَّاءِ الَّذِينَ يَعْتِقُونَ عَلَى السَّيِّدِ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهُمْ مِنْهُ السَّيِّدُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا حِنْثَ عَلَيْهِ فِي دَابَّةِ عَبْدِهِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ دَابَّةً لِابْنِهِ كَانَ يَجُوزُ لَهُ اعْتِصَارُهَا لَمْ يَحْنَثْ فَكَذَلِكَ هَذَا الرَّجُلُ يَحْلِفُ مَا لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ وَعُرُوضٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا حَلَفَ مَا لَهُ مَالٌ وَلَهُ دَيْنٌ عَلَى النَّاسِ وَعُرُوضٌ وَغَيْرُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ الدَّيْنُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَحْنَثُ عَنْ مَالِكٍ لِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَعَارَهُ رَجُلٌ ثَوْبًا فَحَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إلَّا ثَوْبَهُ وَلَهُ ثَوْبَانِ مَرْهُونَانِ أَتَرَى عَلَيْهِ حِنْثًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ فِي ثَوْبَيْهِ الْمَرْهُونَيْنِ كَفَافٌ لِدَيْنِهِ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ حِنْثًا وَكَانَتْ تِلْكَ نِيَّتَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ مَا أَمْلِكُ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ يُرِيدُ بِقَوْلِهِ مَا أَمْلِكُ مَا أَقْدِرُ إلَّا عَلَى ثَوْبَيَّ هَذَيْنِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ هَكَذَا أَوْ كَانَ فِي الثَّوْبَيْنِ فَضْلٌ رَأَيْت أَنْ يَحْنَثَ فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ وَلَيْسَ فِي الثَّوْبَيْنِ وَفَاءٌ فَأَرَى أَنَّهُ يَحْنَثُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا لَهُ مَالٌ وَلَيْسَتْ لَهُ دَنَانِيرُ وَلَا دَرَاهِمُ وَلَا شَيْءٌ مِنْ الْأَمْوَالِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الصَّدَقَةُ وَلَهُ شَوَارُ بَيْتِهِ وَخَادِمٌ وَفَرَسٌ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا وَمَا أَشُكُّ أَنَّهُ حَانِثٌ لِأَنِّي لَا أُحْصِي مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ يَقُولُ مَنْ قَالَ: مَا لِي مَالٌ وَلَهُ عُرُوضٌ وَلَا قَرْضَ لَهُ أَنَّهُ يَحْنَثُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى أَنَّهُ قَدْ جَعَلَ الْعُرُوضَ كُلَّهَا أَمْوَالًا إلَّا أَنْ يَكُونَ لِلْحَالِفِ نِيَّةٌ فَتَكُونُ لَهُ نِيَّتُهُ، أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرُوا عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ يَوْمَ خَيْبَرَ أَنَّ فِيهِ لَمْ يَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إلَّا الْأَمْوَالَ؛ الْمَتَاعَ وَالْخُرْثِيَّ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُكَلِّمَ رَجُلًا أَيَّامًا فَيُكَلِّمُهُ فَيَحْنَثُ ثُمَّ يُكَلِّمُهُ أَيْضًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لِرَجُلٍ وَاَللَّهِ لَا أُكَلِّمُك عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَكَلَّمَهُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ فَأَحْنَثَهُ ثُمَّ كَلَّمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَرَّةً أُخْرَى؟
قَالَ: لَا حِنْثَ عَلَيْهِ عِنْدَ مَالِكٍ بَعْدَ الْحِنْثِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَلَّمَهُ فِي الْعَشَرَةِ الْأَيَّامِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ كَلَّمَهُ فِي هَذِهِ الْعَشَرَةِ أَيَّامٍ قَبْلَ أَنْ يُكَفِّرَ مِرَارًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِلرَّجُلِ إنْ عَلِمَ أَمْرًا لَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لِرَجُلٍ إنْ عَلِمَ أَمْرَ كَذَا وَكَذَا لَيُخْبِرَنَّهُ أَوْ لَيُعْلِمَنَّهُ ذَلِكَ فَعَلِمَاهُ جَمِيعًا أَتَرَى الْحَالِفَ إنْ لَمْ يُعْلِمْ الْمَحْلُوفَ لَهُ أَوْ يُعْلِمُهُ حَانِثًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يَقُولُ إذَا عَلِمَ الْمَحْلُوفُ لَهُ فَلَا شَيْءَ عَلَى الْحَالِفِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَأَنَا أَرَى أَنَّ عِلْمَهُمَا لَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ حَتَّى يُخْبِرَهُ أَوْ يُعْلِمَهُ وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَسَرَّ إلَيْهِ رَجُلٌ سِرًّا فَاسْتَحْلَفَهُ عَلَى ذَلِكَ لَيَكْتُمَنَّهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ أَحَدًا فَأَخْبَرَ الْمَحْلُوفُ لَهُ رَجُلًا بِذَلِكَ السِّرِّ، فَانْطَلَقَ ذَلِكَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَ الْحَالِفَ فَقَالَ: إنَّ فُلَانًا أَخْبَرَنِي بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ الْحَالِفُ: مَا كُنْت أَظُنُّ أَخْبَرَ بِهَذَا غَيْرِي وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي بِهِ فَظَنَّ الْحَالِفُ أَنَّ يَمِينَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِيهَا إنْ أَخْبَرَ هَذَا لِأَنَّ هَذَا قَدْ عَلِمَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ حَانِثًا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ إنْ عَلِمَ كَذَا وَكَذَا لَيُعْلِمَنَّ فُلَانًا وَلَيُخْبِرَنَّهُ فَعَلِمَ بِذَلِكَ فَكَتَبَ إلَيْهِ بِذَلِكَ أَوْ أَرْسَلَ إلَيْهِ رَسُولًا أَيَبْرَأُ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا وَأَرَاهُ بَارًّا.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَوْ بِرَجُلٍ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَتَكَفَّلَ بِمَالٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلَ بِنَفْسِ رَجُلٍ أَتُحَنِّثُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: الْكَفَالَةُ عِنْدَ مَالِكٍ بِالنَّفْسِ هِيَ الْكَفَالَةُ بِالْمَالِ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ اشْتَرَطَ وَجْهًا بِلَا مَالٍ فَلَا يَحْنَثُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أَتَكَفَّلَ لِرَجُلٍ بِكَفَالَةٍ أَبَدًا فَتَكَفَّلْتُ لِوَكِيلٍ لَهُ بِكَفَالَةٍ عَنْ رَجُلٍ وَلَمْ أَعْلَمْ أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلَّذِي حَلَفْت لَهُ؟
قَالَ: إذَا لَمْ تَعْلَمْ بِذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ هَذَا الَّذِي تَكَفَّلْتَ لَهُ مِنْ سَبَبِ الَّذِي حَلَفْتَ لَهُ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَك قَبْلُ فِي صَدْرِ الْكِتَابِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْك.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةً:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ سَوْطٍ فَجَمَعَهَا فَضَرَبَهُ بِهَا ضَرْبَةً وَاحِدَة؟
قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَلَا يُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: وَاَللَّهِ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ ضَرْبَةٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبًا خَفِيفًا؟
قَالَ: لَيْسَ الضَّرْبُ إلَّا مَا هُوَ الضَّرْبُ الَّذِي يُؤْلِمُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ إنْ أَخَذَ سَوْطًا لَهُ رَأْسَانِ أَوْ أَخَذَ سَوْطَيْنِ فَجَعَلَ يَضْرِبُهُ بِهِمَا فَضَرَبَهُ خَمْسِينَ بِهَذَا السَّوْطِ الَّذِي لَهُ رَأْسَانِ أَوْ بِهَذَيْنِ السَّوْطَيْنِ أَيُجْزِئُهُ مَنْ يَمِينِهِ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ الَّذِي يَجْمَعُ سَوْطَيْنِ فَيَضْرِبُ بِهِمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ ذَلِكَ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا أَوْ لَا يَضْرِبُهُ أَوْ لَا يَبِيعُهُ سِلْعَةً:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَشْتَرِيَ عَبْدًا فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَاشْتَرَى لَهُ عَبْدًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: هَذَا حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ حَلَفَ أَنْ لَا يَضْرِبَهُ هُوَ نَفْسَهُ.
قُلْتُ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَضَرَبَهُ؟
قَالَ: هَذَا بَارٌّ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمِينُهُ أَنْ يَضْرِبَهُ هُوَ نَفْسُهُ قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةً فَأَمَرَ غَيْرَهُ فَبَاعَهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: وَلَا تَدِينُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مَالِكًا يَدِينُهُ وَلَا أَرَى ذَلِكَ لَهُ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَةَ رَجُلٍ فَأَعْطَاهُ إيَّاهَا غَيْرَ الرَّجُلِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَبِيعَ لِفُلَانٍ شَيْئًا، وَأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ دَفَعَ إلَى رَجُلٍ سِلْعَةً لِيَبِيعَهَا، فَدَفَعَهَا هَذَا الرَّجُلُ إلَى الْحَالِفِ لِيَبِيعَهَا لَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ الْحَالِفُ أَنَّهَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، فَبَاعَهَا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي دَفَعَ السِّلْعَةَ إلَى الْحَالِفِ مِنْ سَبَبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَإِنِّي أَرَى أَنَّهُ قَدْ حَنِثَ لِأَنِّي سَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَبِيعَ سِلْعَتَهُ مِنْ رَجُلٍ فَبَاعَهَا مِنْ غَيْرِهِ فَإِذَا هَذَا الْمُشْتَرِي إنَّمَا اشْتَرَاهَا لِلْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَأَرَاهُ حَانِثًا وَإِلَّا فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: إنَّهُ قَدْ يُقَدِّمُ إلَيْهِ وَقَالَ لَهُ الْحَالِفُ: إنَّ عَلَيَّ يَمِينًا أَنْ لَا أَبِيعَ مِنْ فُلَانٍ فَقَالَ الْمُشْتَرِي: إنَّمَا اشْتَرَيْت لِنَفْسِي فَبَاعَهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمَّا وَجَبَ الْبَيْعُ قَالَ الْمُشْتَرِي: ادْفَعْ السِّلْعَةَ إلَى فُلَانٍ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ فَإِنِّي إنَّمَا اشْتَرَيْتهَا لَهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَزِمَهُ الْبَيْعُ.
قُلْتُ: فَإِنَّ الْحَالِفَ يَقُولُ: فَإِنِّي قَدْ تَقَدَّمْت إلَيْهِ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ أَتَرَى عَلَيْهِ الْحِنْثَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ الْمُشْتَرِي مِنْ سَبَبِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ فَقَدْ حَنِثَ وَلَمْ يَرَ مَا يُقَدَّمُ إلَيْهِ يَنْفَعُهُ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ مَا مَعْنَى قَوْلِهِ مِنْ سَبَبِ الْمَحْلُوفِ أَوْ مِنْ نَاحِيَتِهِ؟
قَالَ: الصَّدِيقُ الْمُلَاطِفُ أَوْ مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ أَوْ هُوَ مِنْ نَاحِيَتِهِ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ لَنَا هَكَذَا وَلَكِنَّا عَلِمْنَا أَنَّهُ هُوَ كَذَا.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَيَقْضِيه نَقْصًا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ لَيَدْفَعَنَّ إلَى فُلَانٍ حَقّه وَهُوَ دَرَاهِمُ فَقَضَاهُ نَقْصًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَوْ كَانَ فِيهَا دِرْهَمٌ وَاحِدٌ نَاقِصٌ لَكَانَ حَانِثًا.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ فِيهَا شَيْءٌ بَارٌّ لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ حَانِثٌ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ لِغَرِيمٍ لَهُ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ مِنْهُ حَقَّهُ فَأَخَذَ مِنْهُ حَقَّهُ فَلَمَّا افْتَرَقَا أَصَابَ بَعْضَهَا نُحَاسًا أَوْ رَصَاصًا أَوْ نَقْصًا بَيِّنٌ نُقْصَانُهَا أَيَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: هُوَ حَانِثٌ لِأَنِّي سَأَلْت مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ إلَى أَجَلٍ، فَيَقْضِيه حَقَّهُ ثُمَّ يَذْهَبُ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالذَّهَبِ فَيَجِدُ فِيهَا زَائِفًا أَوْ نَاقِصًا بَيِّنٌ نُقْصَانُهَا فَيَأْتِي بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَدْ ذَهَبَ الْأَجَلُ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ حَانِثًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِهِ حَقَّهُ حِينَ وَجَدَ فِيمَا اقْتَضَى نُقْصَانًا أَوْ زَائِفًا قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَحَقَّهَا مُسْتَحِقٌّ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ فِي رَأْيِي.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَخَذَ بِحَقِّهِ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ؟
قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ عَرَضُهُ ذَلِكَ يُسَاوِي مَا أَعْطَاهُ بِهِ وَهُوَ قِيمَتُهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَهُ بَاعَهُ لَمْ أَرَ عَلَيْهِ شَيْئًا ثُمَّ اسْتَثْقَلَهُ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ إذَا كَانَ يُسَاوِي.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يُفَارِقَ غَرِيمَهُ حَتَّى يَقْضِيَهُ فَيَفِرُّ مِنْهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أُفَارِقَ غَرِيمِي حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي فَيَفِرُّ مِنِّي أَوْ أَفْلَتَ، أَأَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ إنَّمَا غَلَبَهُ غَرِيمُهُ وَإِنَّمَا نَوَى أَنْ لَا يُفَارِقَهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لَا أُخَلِّي سَبِيلَهُ وَلَا أَتْرُكُهُ إلَّا أَنْ يَفِرَّ مِنِّي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَالَ: وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ فِي رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ قَبَّلْتُكِ فَقَبَّلَتْهُ مَنْ خَلْفِهِ وَهُوَ لَا يَدْرِي.
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ كَانَتْ غَلَبَتْهُ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ فِي ذَلِكَ اسْتِرْخَاءٌ، فَتَكَلَّمَ مَالِكٌ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: وَمِثْلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ صَافَحْتُك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَيَنَامُ فَتُصَافِحُهُ وَهُوَ نَائِمٌ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَوْ قَالَ: إنْ ضَاجَعْتنِي أَوْ قَبَّلْتنِي فَهَذَا كُلُّهُ خِلَافٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ وَهُوَ حَانِثٌ وَاَلَّذِي حَلَفَ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا يُفَارِقَهُ فَغَصَبَ نَفْسَهُ فَرَبَطَ فَهَذَا يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يَقُولَ: نَوَيْت إلَّا أَنْ أَغْلِبَ عَلَيْهِ أَوْ أَغْصِبَ عَلَيْهِ.
قَالَ: وَاَلَّذِي حَلَفَ لِغَرِيمِهِ أَنْ لَا أُفَارِقَهُ حَتَّى أَسْتَوْفِيَ حَقِّي مِنْهُ فَأَحَالَهُ عَلَى غَرِيمٍ لَهُ قَالَ: لَا أَرَاهُ يَبَرُّ فِي ذَلِكَ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لِغَرِيمِهِ لَيَقْضِيَنَّهُ رَأْسَ الْهِلَالِ حَقَّهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَأَقْضِيَنَّ فُلَانًا مَالَهُ رَأْسَ الْهِلَالِ أَوْ عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ رَأْسِ الْهِلَالِ.
قَالَ: قُلْتُ لِمَالِكٍ: وَإِلَى رَمَضَانَ؟
قَالَ: إذَا انْسَلَخَ شَعْبَانُ وَلَمْ يَقْضِهِ حَنِثَ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَعَلَ الْقَضَاءَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَمَضَانَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: عِنْدَ رَأْسِ الْهِلَالِ وَإِذَا اسْتَهَلَّ الشَّهْرُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ لَهُ لَيْلَةٌ وَيَوْمٌ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ وَإِلَى اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ، مِثْلُ قَوْلِهِ إلَى رَمَضَانَ وَإِنْ لَمْ يَقْضِهِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اسْتِهْلَالِ الشَّهْرِ حَنِثَ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا فَيَهَبُهُ لَهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ فُلَانًا حَقَّهُ رَأْسَ الْهِلَالِ، فَوَهَبَ لَهُ فُلَانٌ ذَلِكَ دَيْنَهُ لِلْحَالِفِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ اشْتَرَى صَاحِبُ الدَّيْنِ بِهِ مَنْ الْحَالِفِ سِلْعَةً مَنْ السِّلَعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا: إنْ كَانَتْ تِلْكَ السِّلْعَةُ هِيَ قِيمَةُ ذَلِكَ الدَّيْنِ أَنْ لَوْ أُخْرِجَتْ إلَى السُّوقِ أَوْ أَصَابَ بِهَا ذَلِكَ الثَّمَنَ فَقَدْ بَرَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكْرَهُهُ وَيَقُولُ: لَا وَلَكِنْ لَيَقْضِيَنَّهُ دَنَانِيرَهُ.
قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَتْ السِّلْعَةُ تُسَاوِي ذَلِكَ فَلِمَ لَا يُعْطِيهِ دَنَانِيرَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ أَعْجَبُ إلَيَّ قَالَ: وَإِنَّمَا رَأَيْتُ مَالِكًا كَرِهَهُ خَوْفًا مِنْ الذَّرِيعَةِ.
قَالَ: وَالْهِبَةُ وَالصَّدَقَةُ لَا تُخْرِجُ الْحَالِفَ مِنْ يَمِينِهِ وَلَا وَضِيعَةَ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ إنْ وَضَعَ ذَلِكَ عَنْ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ لَمْ يُخْرِجْهُ ذَلِكَ عَنْ يَمِينِهِ.
قَالَ: قُلْتُ: وَإِنْ حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّهُ دَنَانِيرَهُ أَوْ لَيَقْضِيَنَّهُ حَقَّهُ فَإِنَّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَيُخْرِجُهُ مِنْ يَمِينِهِ أَنْ يَدْفَعَ فِيهِ غَرَضًا إذَا كَانَ ذَلِكَ الْغَرَضُ يُسَاوِي تِلْكَ الدَّنَانِيرَ إذَا كَانَتْ نِيَّتُهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى الدَّنَانِيرِ بِأَعْيَانِهَا فَإِذَا كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى الدَّنَانِيرِ بِأَعْيَانِهَا فَهُوَ حَانِثٌ إلَّا أَنْ يَدْفَعَ إلَيْهِ الدَّنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ مَاتَ هَذَا الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ كَيْفَ يَصْنَعُ الْحَالِفُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَدْفَعُ ذَلِكَ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَبَرُّ فِي يَمِينِهِ أَوْ إلَى وَصِيِّهِ أَوْ إلَى مَنْ يَلِي ذَلِكَ مِنْهُ أَوْ إلَى السُّلْطَانِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا أَدَّى ذَلِكَ إلَى أَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهَبَ لِرَجُلٍ شَيْئًا فَيُعِيرُهُ أَوْ يَتَصَدَّقُ عَلَيْهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفَ رَجُلٌ أَنْ لَا يَهَبَ لِفُلَانٍ هِبَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي كُلِّ مَا يَنْفَعُ بِهِ الْحَالِفُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: وَكُلُّ هِبَةٍ كَانَتْ لِغَيْرِ الثَّوَابِ فَهِيَ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ حَلَفْت أَنْ لَا أَهَبَ لِرَجُلٍ هِبَةً فَأَعَرْته دَابَّةً أَأَحْنَثُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، فِي رَأْيِي إلَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ نِيَّتُكَ لِأَنَّ أَصْلَ يَمِينِكَ هَاهُنَا عَلَى الْمَنْفَعَةِ.

.الرَّجُلُ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ فَأَعْطَاهَا دَرَاهِمَ اشْتَرَتْ بِهَا ثَوْبًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ امْرَأَتَهُ فَافْتَكَّ لَهَا ثِيَابًا كَانَتْ رَهْنًا قَالَ مَالِكٌ: أَرَاهُ حَانِثًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ عُرِضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَالِكٍ فَأَنْكَرَهَا وَقَالَ اُمْحُهَا وَأَبَى أَنْ يُجِيبَ فِيهَا بِشَيْءٍ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَرَأْيِي فِيهَا أَنَّهُ يَنْوِي فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ أَنْ لَا يَهَبَ لَهَا ثَوْبًا وَلَا يَبْتَاعَهُ لَهَا فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ رَأَيْتُهُ حَانِثًا وَأَصْلُ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ إنَّمَا هُوَ عَلَى وَجْهِ الْمَنَافِعِ وَالْمَنِّ وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لَا يَهَبَ لِفُلَانٍ دِينَارًا أَوْ لِرَجُلٍ أَجْنَبِيٍّ فَكَسَاهُ ثَوْبًا فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى هَذَا حَانِثًا لِأَنَّهُ حِينَ كَسَاهُ فَقَدْ وَهْبَ لَهُ الدِّينَارَ، فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ؟
قَالَ: لَا أُنَوِّيهِ فِي هَذَا وَلَا أَقْبَلُ لَهُ نِيَّتَهُ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ حَلَفَ أَنْ لَا يَهَبَ لِامْرَأَتِهِ دِينَارًا فَكَسَاهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: كُنْتُ أُنَوِّيهِ فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا أَرَدْتُ الدَّنَانِيرَ بِأَعْيَانِهَا رَأَيْتُ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حَنِثَ وَرَأَيْتُ مَحْمِلَ ذَلِكَ عِنْدَهُ حِينَ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَكْرَهُ أَنْ يَهَبَ لِامْرَأَتِهِ الدِّينَارَ وَهُوَ يَكْسُوهَا وَلَعَلَّهُ إنَّمَا يَكْرَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ إيَّاهَا مِنْ أَجْلِ الْفَسَادِ أَوْ يُخْدَعَ فِيهِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَحْمِلِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى وَجْهِ النَّفْعِ وَالْمَنِّ قُلْتُ: وَهَلْ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَ فُلَانًا دَنَانِيرَ إنْ أَعْطَاهُ فَرَسًا أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ أَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْكِسْوَةِ عِنْدَ مَالِكٍ يُحَنِّثُهُ فِي ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَحْمِلَ هَذِهِ الْأَيْمَانِ عِنْدَ مَالِكٍ عَلَى الْمَنِّ وَالنَّفْعِ كَيْفَ تَأْوِيلُ الْمَنِّ؟
قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا وَهَبَ لِرَجُلٍ شَاةً وَقَالَ لَهُ الْوَاهِبُ: أَلَمْ أَفْعَلْ بِكَ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ: إيَّايَ تُرِيدُ امْرَأَتُهُ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ شَرِبْتُ مِنْ لَبَنِهَا أَوْ أَكَلْت مِنْ لَحْمِهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ بَاعَهَا فَاشْتَرَى مِنْ ثَمَنِهَا شَاةً أُخْرَى أَوْ طَعَامًا كَائِنًا مَا كَانَ فَأَكَلَهُ حَنِثَ.
قُلْتُ: فَإِنْ اشْتَرَى بِثَمَنِ تِلْكَ الشَّاةِ كِسْوَةً أَيَحْنَثُ أَيْضًا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَحْنَثُ لِأَنَّ هَذَا عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْتَفِعَ مِنْ ثَمَنِ الشَّاةِ بِقَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا وَقَعَتْ جَوَابًا لِمَا قَالَ صَاحِبُهُ، فَصَارَتْ عَلَى جَمِيعِ الشَّاةِ وَلَمْ يُرِدْ اللَّبَنَ وَحْدَهُ لِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهَا بِشَيْءٍ، لِأَنَّ يَمِينَهُ إنَّمَا جَرَّهَا مِنْ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَعْطَاهُ شَاةً أُخْرَى أَوْ عَرَضًا مِنْ الْعُرُوضِ مِنْ غَيْرِ ثَمَنِ تِلْكَ الشَّاةِ؟
قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَنًا لَهَا يُبَدِّلُهَا بِهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى أَنْ لَا يَنْتَفِعَ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا.
قُلْتُ: فَإِنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دِينَارًا أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ إذَا حَلَفَ أَنْ لَا يُعْطِيَ فُلَانًا دِينَارًا فَكَسَاهُ أَنَّهُ حَانِثٌ، فَاَلَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَكْسُوَ فُلَانًا ثَوْبًا فَأَعْطَاهُ دِينَارًا أَبْيَنُ أَنَّهُ حَانِثٌ وَأَقْرَبُ فِي الْحِنْثِ وَقَدْ بَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.