فصل: كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الرَّجُلِ يُفْضِي امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ يَغْتَصِبُ حُرَّةً أَوْ يَزْنِي بِهَا فيفْضِيهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْتِي امْرَأَتَهُ فيفُضُّهَا فَتَمُوتُ مَاذَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ الْبِكْرِ فيفْتَضُّهَا وَمِثْلُهَا يُوطَأُ فَتَمُوتُ مِنْ جِمَاعِهِ.
قَالَ: إذَا عُلِمَ أَنَّهَا مَاتَتْ مِنْ جِمَاعِهِ كَانَتْ عَلَيْهِ الدِّيَةُ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ.
قَالَ: فَأَرَى في مَسْأَلَتِك أَنْ يَكُونَ عَلَى الزَّوْجِ الَّذِي افْتَضَّهَا مَا شَأْنُهَا بِهِ.
قَالَ: وَقَدْ جَعَلَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ فيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ.
وَاَلَّذِينَ جَعَلُوا فيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ إنَّمَا جَعَلُوهَا بِمَنْزِلَةِ الْجَائِفَةِ.
قُلْت: أَفَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَنْ رَأَى أَنَّ فيهَا ثُلُثَ الدِّيَةِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ، وَأَنَا أَرَى في ذَلِكَ الِاجْتِهَادَ، فَإِذَا بَلَغَ الِاجْتِهَادُ في ذَلِكَ ثُلُثَ الدِّيَةِ فَصَاعِدًا حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ زَنَى بِهَا فَأَفْضَاهَا أَوْ اغْتَصَبَهَا فَأَفْضَاهَا؟
فَقَالَ: أَمَّا الَّتِي مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا فَلَا شَيْءَ لَهَا، وَأَمَّا الَّتِي اُغْتُصِبَتْ فَعَلَيْهِ لَهَا صَدَاقُهَا وَمَا شَأْنُهَا بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُجَامِعُ أَمَتَهُ فيفْضِيهَا، أَتُعْتَقُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَضْرِبُ عَبْدَهُ عَلَى وَجْهِ الْأَدَبِ فيفْقَأُ عَيْنَهُ أَيُعْتَقُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ.
فَمَسْأَلَتُك مِثْلُ هَذَا وَإِنَّمَا يُعْتَقُ عَلَى سَيِّدِهِ مَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمْدِ.
قُلْت: أَلَيْسَ قَوْلُ مَالِكٍ فيمَنْ أَفْضَى زَوْجَتَهُ أَنَّهُ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَمَا كُنَّا نَشُكُّ أَنَّهَا زَوْجَةٌ مِنْ الْأَزْوَاجِ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ وَهُوَ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَأْتِي الْمَرْأَةَ في دُبُرِهَا زِنًا وَلَمْ يُجَامِعْهَا في فَرْجِهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: هُوَ وَطْءٌ يُغْتَسَلُ مِنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى فيهِ الْحَدَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ} [سُورَةُ الْعَنْكَبُوتِ] قَالَ: فَقَدْ جَعَلَهُ اللَّهُ وَطْئًا.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ} [سُورَةُ الْأَعْرَافِ] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ] وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ} [سُورَةُ النِّسَاءِ] فَجَعَلَهُ هَهُنَا فَاحِشَةً وَهَهُنَا فَاحِشَةً فَأَرَاهُ قَدْ سَمَّى هَذَا كَمَا سَمَّى هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا جَامَعَهَا فَأَفْضَاهَا وَهِيَ مُغْتَصَبَةٌ أَيَكُونُ عَلَيْهِ مَعَ الصَّدَاقِ مَا أَفْضَاهَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ في بَعْضٍ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا أَفْضَاهَا وَقَدْ اغْتَصَبَهَا فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَعَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ في الْإِفْضَاءِ مَعَ الصَّدَاقِ، وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ في بَعْضٍ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في رَجُلٍ أَوْضَحَ رَجُلًا فَسَقَطَتْ عَيْنُهُ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ عَلَيْهِ مَا عَلَيْهِ في الْمُوضِحَةِ وَعَلَيْهِ دِيَةُ الْعَيْنِ، وَلَا يَدْخُلُ بَعْضُ ذَلِكَ في بَعْضٍ، وَكَذَلِكَ الْإِفْضَاءُ.

.فيمَنْ قَدَفَ صَبِيَّةً لَمْ تَحِضْ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَبِيَّةً لَمْ تَحِضْ وَمِثْلُهَا يُجَامَعُ فَأَمْكَنَتْ مِنْ نَفْسِهَا رَجُلًا فَجَامَعَهَا حَرَامًا فَأَقَمْتُ الْحَدَّ عَلَى الرَّجُلِ، ثُمَّ إنَّ الْجَارِيَةَ حَاضَتْ فَقَذَفَهَا رَجُلٌ بَعْدَمَا حَاضَتْ، أَيُجْلَدُ قَاذِفُهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُجْلَدُ قَاذِفُهَا لِأَنَّ الْفِعْلَ الَّذِي فَعَلَتْهُ في الصِّبَا لَمْ يَكُنْ بِزِنًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَذَفَ صَبِيَّةً مِثْلُهَا يُجَامَعُ فَقَذَفَهَا رَجُلٌ بِالزِّنَا إلَّا أَنَّهَا لَمْ تَحِضْ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ مِثْلُهَا يُجَامَعُ فَعَلَى قَاذِفِهَا الْحَدُّ وَإِنْ لَمْ تَحِضْ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ غُلَامًا قَدْ بَلَغَ الْجِمَاعَ إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَحْتَلِمْ فَقَذَفَهُ رَجُلٌ، أَيُقَامُ عَلَيْهِ الْحَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، لَيْسَ عَلَيْهِ الْحَدُّ.

.في الْمُولِي يُجَامِعُ فيمَا دُونَ الْفَرْجِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُولِي مِنْ امْرَأَتِهِ فيجَامِعُهَا في دُبُرِهَا أَوْ فيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَيَحْنَثُ أَمْ لَا؟
قَالَ: أَمَّا مَنْ جَامَعَ في الدُّبُرِ فَقَدْ حَنِثَ، لِأَنَّ مَالِكًا جَعَلَهُ جِمَاعًا.
وَإِذَا حَنِثَ وَجَبَتْ الْكَفَّارَةُ وَسَقَطَ الْإِيلَاءُ.
وَأَمَّا مَنْ جَامَعَ فيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَإِنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ أَنْ لَا يَطَأَ جَارِيَتَهُ شَهْرًا فَجَامَعَهَا فيمَا دُونَ الْفَرْجِ، فَسُئِلَ عَنْهَا مَالِكٌ وَأَنَا بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ: إنْ كَانَتْ لَك نِيَّةٌ أَنَّك أَرَدْتَ الْفَرْجَ بِعَيْنِهِ فَلَا أَرَى عَلَيْك شَيْئًا وَإِلَّا فَإِنِّي أَرَاك حَانِثًا، لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا حَلَفَ عَلَى هَذَا إنَّمَا وَجْهُ مَا يَحْلِفُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْتَنِبَهَا، فَإِنْ كَانَتْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ مَا نَوَى وَإِلَّا فَهُوَ حَانِثٌ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ لَا يُجَامِعَهَا شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَجَامَعَهَا فيمَا دُونَ الْفَرْجِ، أَتَرَاهُ قَدْ حَنِثَ؟ فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ عَنْهُ في الْجَارِيَةِ الَّتِي سَمِعْتُ مِنْهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي جَامَعَ فيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَقَدْ كَانَ آلَى وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ حِينَ آلَى فَأُوجِبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ، أَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ أَمْ لَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: نَعَمْ، إنْ كَفَّرَ سَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ لَك ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يَطَأَ لَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ، فَكَيْفَ إذَا كَفَّرَ لِلْإِيلَاءِ؟
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا آلَى مِنْ امْرَأَتِهِ ثُمَّ كَفَّرَ وَلَمْ يُجَامِعْ، أَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهُ فَقَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَكِنَّ الصَّوَابَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يُجَامِعَ، فَإِنْ كَفَّرَ قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَ أَجْزَأَ عَنْهُ وَسَقَطَ عَنْهُ الْإِيلَاءُ.
قُلْت أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي جَامَعَ في دُبُرِهَا، أَيَسْقُطُ عَنْهُ الْإِيلَاءُ وَهُوَ لَمْ يُكَفِّرْ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، لِأَنَّ هَذَا جِمَاعٌ عِنْدَ مَالِكٍ لَا شَكَّ إلَّا أَنْ يَكُونَ نَوَى الْفَرْجَ بِعَيْنِهِ حِينَ حَلَفَ، فَلَا تَكُونُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ في الدُّبُرِ وَهُوَ مُولٍ بِحَالِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْكَافِرَيْنِ إذَا زَنَيَا، أَيُقِيمُ مَالِكٌ عَلَيْهِمَا الْحَدَّ حَدَّ الزِّنَا؟
قَالَ: لَا، وَأَرَى أَنْ يَرُدَّهُمَا إلَى أَهْلِ دِينِهِمَا وَيُنَكِّلُهُمَا الْإِمَامُ إذَا أَعْلَنَا بِذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا وَجَدَ الْإِمَامُ أَهْلَ الْكِتَابِ سَكَارَى أَوْ عَلَى زِنًا تُرِكُوا إلَّا أَنْ يُظْهِرُوا ذَلِكَ فيعَاقَبُوا.

.الشَّهَادَةُ عَلَى الزِّنَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَقَالُوا: تَعَمَّدْنَا النَّظَرَ إلَيْهِمَا لِنُثَبِّتَ الشَّهَادَةَ فَقَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا.
قَالَ: وَكَيْفَ يَشْهَدُ الشُّهُودُ إلَّا هَكَذَا؟
قُلْت أَرَأَيْتَ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَقَالَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ: هُمْ عَبِيدٌ.
وَقَالَ الشُّهُودُ: بَلْ نَحْنُ أَحْرَارٌ. عَلَى مَنْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قَذَفَ رَجُلًا فَقَالَ لَهُ: يَا زَانِي أَوْ ابْنَ الزَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاذِفُ: لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ لَعَلَّهُ عَبْدٌ. فَسَأَلَهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ أَوْ أَنَّ أُمَّهُ حُرَّةٌ وَالرَّجُلُ الْمَقْذُوفُ لَا يُعْرَفُ وَلَا تُعْرَفُ أُمُّهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُضْرَبُ قَاذِفُهُ الْحَدَّ وَلَا يُنْظَرُ لِقَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ.
ثُمَّ قَالَ لِي: وَمَنْ يَعْرِفُ الْبَصْرِيَّ أَوْ الشَّامِيَّ أَوْ الْإِفْرِيقِيَّ هَهُنَا بِالْمَدِينَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُك في الزِّنَا.
قُلْت: وَأَصْلُ النَّاسِ عِنْدَ مَالِكٍ في الشَّهَادَاتِ كُلِّهَا أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَصْلُهُمْ أَحْرَارٌ فيمَا قَالَ لِي مَالِكٌ في الزِّنَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ مُدَّعٍ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ، فَعَلَيْهِ أَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُمْ عَبِيدٌ إذَا ادَّعَى الشُّهُودُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ.
قَالَ: وَالنَّاسُ أَصْلُهُمْ أَحْرَارٌ في كُلِّ شَيْءٍ، فَإِذَا ادَّعَى الْقَاذِفُ أَمْرًا قَرِيبًا مِنْ بَيِّنَةِ أَنَّ الْمَقْذُوفَ عَبْدٌ أَوْ أُمَّهُ أَمَةٌ لَمْ يُعَجَّلْ عَلَيْهِ، وَإِنْ ادَّعَى بَيِّنَةً بَعِيدَةً جُلِدَ الْحَدَّ وَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَى قَوْلِهِ، وَإِنْ أَقَامَ بَعْدَ الضَّرْبِ الْبَيِّنَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ وَجَازَتْ شَهَادَتُهُ.
قُلْت: وَلَا يَكُونُ لِلْمَضْرُوبِ مِنْ أَرْشِ الضَّرْبِ شَيْءٌ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا وَلَا أَرَى لَهُ في الْأَرْشِ شَيْئًا.

.رُجُوعُ الْقَاضِي عَنْ قَضِيَّتِهِ وَإِقَامَةُ الرَّجُلِ الْحَدَّ عَلَى عَبِيدِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا رَجَمَ وَقَطَعَ الْأَيْدِيَ وَضَرَبَ الرِّجَالَ فَقَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: حَكَمْتُ بِالْجَوْرِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا تَعَمَّدَ الْإِمَامُ مِنْ جَوْرٍ فيجَارِيهِ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهُ يُقَادُ مِنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ أَقَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
قُلْت أَرَأَيْتَ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِقَضِيَّةٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ قَدْ أَخْطَأَ فيهَا، أَتَرَى لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا أَمْ لَا؟ قَالَ.
نَعَمْ يَرُدُّهَا وَيَنْقُضُ قَضِيَّتَهُ تِلْكَ وَيَبْتَدِئُ النَّظَرَ فيهَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَقَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَلَوْ وَلِيَ غَيْرُهُ مِنْ الْقُضَاةِ بَعْدَهُ، أَيَرُدُّهَا أَمْ لَا يَرُدُّهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا مَا اخْتَلَفَ النَّاسُ فيهِ فَلَا يَنْقُضُهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ جَوْرٍ بَيِّنٍ أَوْ خَطَأٍ بَيِّنٍ لَمْ يَخْتَلِفْ النَّاسُ في خَطَئِهِ فَإِنَّهُ يَرُدُّهُ وَلَا يُمْضِيهِ.

.في السَّيِّدِ يُقِيمُ عَلَى عَبْدِهِ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ وَالْإِمَامُ يَشْهَدُ عَلَى الْحُدُودِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْحُرَّ، أَيُقِيمُ عَلَى مَمْلُوكِهِ حَدَّ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْقَذْفِ وَشُرْبِ الْخَمْرِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، يُقِيمُ ذَلِكَ كُلَّهُ عَلَيْهِمْ إلَّا السَّرِقَةَ، فَإِنَّ السَّرِقَةَ لَا يُقِيمُهَا عَلَى الْعَبْدِ إلَّا الْوَالِي، وَلَا يُقِيمُ سَيِّدُهُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى زِنَا الْعَبْدِ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ مَعَ السَّيِّدِ ثَلَاثَةٌ شَهِدُوا عَلَى الْعَبْدِ وَالسَّيِّدُ رَابِعُهُمْ عَايَنُوا ذَلِكَ، أَيُقِيمُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ حَدَّ الزِّنَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا سَيِّدُهُ إلَّا أَنَّ سَيِّدَهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فيكُونُ السُّلْطَانُ هُوَ الَّذِي يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَيَكُونُ السَّيِّدُ هَهُنَا شَاهِدًا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْإِمَامِ إذَا شَهِدَ عَلَى حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ لَا تَتِمُّ إلَّا بِشَهَادَةِ الْإِمَامِ: لَمْ يُقِمْ الْإِمَامُ ذَلِكَ الْحَدَّ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْوَالِي الَّذِي هُوَ فَوْقَهُ حَتَّى يُقِيمَ ذَلِكَ وَيَكُونَ هُوَ شَاهِدًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ إذَا سَرَقَ وَسَيِّدُهُ شَاهِدٌ عَلَيْهِ مَعَ رَجُلٍ آخَرَ.
قَالَ: إذَا كَانَا عَدْلَيْنِ قَطَعَ الْإِمَامُ يَدَهُ وَلَا يَقْطَعُهُ سَيِّدُهُ دُونَ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ.
فَالزِّنَا أَيْضًا عِنْدِي مِثْلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَالِي في الْقَطْعِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ تَزْنِي جَارِيَتُهُ وَلَا زَوْجَ: إنَّهُ لَا يُقِيمُ عَلَيْهَا الْحَدَّ وَإِنْ شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةٌ سِوَاهُ حَتَّى يَرْفَعَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ السَّيِّدَ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ الشُّهُودُ عَلَى عَبْدِهِ بِالسَّرِقَةِ فَأَقَامَ الْحَدَّ عَلَى عَبْدِهِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَفْعَلَ، فَإِنْ فَعَلَ وَكَانَتْ الْبَيِّنَةُ عَادِلَةً فَأَصَابَ وَجْهَ الْقَطْعِ فَأَرَى أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْإِمَامَ إذَا شَهِدَ عَلَى حَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ، أَيَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى الْقَاضِي تَحْتَهُ فيقْضِي بِشَهَادَتِهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إنْ كَانَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، وَأَنَا أَرَى إنْ لَمْ يَكُنْ فَوْقَهُ أَحَدٌ أَنْ يَرْفَعَهُ إلَى الْقَاضِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْقِصَاصَ في الْعَمْدِ، أَيُقِيمُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُقِيمُ عَلَى عَبْدِهِ الْقِصَاصَ وَلَكِنْ يَرْفَعُهُ إلَى السُّلْطَانِ فيكُونُ السُّلْطَانُ هُوَ الَّذِي يَقْتَصُّ.
وَذَلِكَ أَنِّي سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْعَبْدَيْنِ يَكُونَانِ لِرَجُلٍ فيقْطَعُ أَحَدُهُمَا يَدَ صَاحِبِهِ، أَلِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْطَعَ يَدَ الْآخَرِ الْجَانِي أَمْ لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَهُمَا لَهُ جَمِيعًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ لِعَبْدِهِ مِنْ عَبْدِهِ، وَلَكِنْ لَا يَقْتَصُّ هُوَ دُونَ السُّلْطَانِ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فيكُونُ السُّلْطَانُ هُوَ الَّذِي يَأْخُذُ لِعَبْدِهِ مِنْ عَبْدِهِ، وَلَا يَقْتَصُّ هُوَ دُونَ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَا لَهُ جَمِيعًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَذَلِكَ أَنَّ أُنَاسًا قَالُوا: إذَا كَانَ الْعَبْدُ لَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُجْرَحُ مَالُهُ، فَلَيْسَ فيمَا بَيْنَ الْعَبْدَيْنِ إذَا كَانَ سَيِّدُهُمَا وَاحِدًا قِصَاصٌ، فَأَبَى مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ مَا أَخْبَرْتُكَ.

.في الشُّهُودِ وَمَا يُجْرَحُونَ بِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى رَجُلٍ بِحَدٍّ مِنْ الْحُدُودِ أَوْ بِحَقٍّ لِلنَّاسِ، فَأَقَامَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَؤُلَاءِ الشُّهُودَ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ مَا قَوْلُ مَالِكٍ فيهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْمُدْمِنُ عَلَى اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ فَلَا أَرَى أَنْ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ.
قُلْت: وَيُمَكَّنُ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى الشُّهُودِ أَنَّهُمْ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ في قَوْل مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا قَالَ: أَنَا أُجَرِّحُهُمْ.
أُمْكِنَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أُمْكِنَ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَنَّهُ فيهِ مِمَّا لَوْ شَهِدَ بِهِ عِنْدَ الْقَاضِي ابْتِدَاءً فَعَلِمَهُ الْقَاضِي مِنْهُ أَبْطَلَ بِهِ شَهَادَتَهُ، فَإِنَّ هَذَا الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ إنْ جَرَّحَهُ بِذَلِكَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ شَاهِدًا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ وَهُوَ آكِلُ رِبًا أَوْ شَارِبُ خَمْرٍ أَوْ أَنَّهُ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ، أَيُبْطِلُ مَالِكٌ شَهَادَتَهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ يُقَامِرُ بِالْحَمَامَاتِ فَشَهَادَتُهُ بَاطِلَةٌ، وَاَلَّذِي يَعْصِرُ الْخَمْرَ وَيَبِيعُهَا وَإِنْ كَانَ لَا يَشْرَبُهَا فَإِنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَرَادَ أَنْ يَجْرَحَهُمْ، فَادَّعَى الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَجْرَحَ الشُّهُودَ بِمَعْرِفَتِهِمْ أَنَّهُمْ غُيَّبٌ بِمَوْضِعٍ بَعِيدٍ؟
قَالَ: لَا يُنْظَرُ في قَوْلِهِ لِأَنَّ حَقَّ هَؤُلَاءِ قَدْ وَجَبَ، وَإِنَّمَا يَتَلَوَّمُ لَهُ الْقَاضِي في التَّجْرِيحِ بِقَدْرِ مَا يَرَى، فَإِنْ جَرَّحَهُمْ. وَإِلَّا أَمْضَى الْحُكْمَ عَلَيْهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جُرِحَ وَاحِدٌ مِنْ الشُّهُودِ وَقَدْ شَهِدُوا عَلَيْهِ بِالزِّنَا وَهُمْ أَرْبَعَةٌ، أَيَحُدُّهُمْ جَمِيعًا حَدَّ الْفِرْيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ مَسْخُوطًا جُلِدَ وَجُلِدَ الثَّلَاثَةُ مَعَهُ.

.في الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا يَقْذِفُ الشُّهُودَ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ أَرْبَعَةً شَهِدُوا عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا، فَقَذَفَهُمْ بِالزِّنَا الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ فَطَلَبُوا حُدُودَهُمْ قَبَلَهُ حَدَّ الْفِرْيَةِ، أَتُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الْفِرْيَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ وَتُقِيمُ عَلَيْهِ حَدَّ الزِّنَا بِشَهَادَتِهِمْ، أَمْ تُقِيمُ حَدَّ الْفِرْيَةِ وَتَجْعَلُهُمْ خُصَمَاءَ وَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ عَنْهُ في الزِّنَا؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي لَا أَرَى أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُمْ، وَأَرَى أَنْ يُقِيمَ بِشَهَادَتِهِمْ حَدَّ الزِّنَا وَيَضْرِبُ لَهُمْ حَدَّ الْفِرْيَةِ.

.في كِتَابِ الْقَاضِي إلَى قَاضٍ في الشَّهَادَةِ عَلَى الْحُدُودِ وَالْحُقُوقِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا كَتَبَ إلَى قَاضٍ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا عِنْدَهُ وَعَدَلُوا، وَشَهِدُوا عَلَى فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ بِحَقٍّ أَوْ بِحَدٍّ أَوْ قِصَاصٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَيَقْبَلُ هَذَا الْقَاضِي الَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ الْبَيِّنَةَ الَّذِينَ في الْكِتَابِ عَلَى هَذَا الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَيُقِيمُ عَلَيْهِ تِلْكَ الْأَشْيَاءَ وَيَقْضِي بِهَا عَلَيْهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ في الْقَاضِي يَكْتُبُ بِالْكِتَابِ إلَى قَاضٍ آخَرَ فيهِ الشُّهُودُ عَلَى مَا يَقْضِي بِهِ وَكَتَبَ بِعَدَالَةِ الشُّهُودِ: إنَّ الْقَاضِيَ الَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ يَقْضِي بِهِ وَيُنَفِّذُهُ، وَلَمْ يُفَسِّرْ لَنَا مَالِكٌ حَدًّا وَلَا قِصَاصًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ وَمَا شَكَكْنَا أَنَّهُ كُلَّهُ سَوَاءٌ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ عُزِلَ الْقَاضِي الَّذِي كُتِبَ إلَيْهِ الْكِتَابُ أَوْ مَاتَ فَوَلِيَ غَيْرُهُ في مَوْضِعِهِ.
قَالَ: إنَّ هَذَا الَّذِي وَلِيَ بَعْدَهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُنَفِّذَ مَا فيهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي كَتَبَهُ قَدْ عُزِلَ أَوْ مَاتَ فَإِنَّهُ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي الَّذِي جَاءَهُ الْكِتَابُ أَنْ يُنَفِّذَ ذَلِكَ، وَلَا يَنْظُرُ في عَزْلِ الَّذِي كَتَبَ بِهِ إلَيْهِ وَلَا في مَوْتِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ كِتَابَ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي، أَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ بِغَيْرِ خَاتَمِ الْقَاضِي إذَا شَهِدَ شُهُودٌ عَلَى الْكِتَابِ أَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي؟
قَالَ: مَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ السَّاعَةَ، وَلَكِنْ إذَا شَهِدُوا عَلَى الْكِتَابِ بِعَيْنِهِ، فَإِنْ انْكَسَرَ الطَّابَعُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَبَعَهُ الْقَاضِي الَّذِي كَتَبَ بِهِ فَإِنَّهُ جَائِزٌ إذَا شَهِدُوا عَلَى مَا فيهِ، لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الطَّابَعِ إذَا لَمْ يَشْهَدْ الشُّهُودُ عَلَى مَا في الْكِتَابِ كِتَابِ الْقَاضِي فَلَا يُلْتَفَتُ إلَى الطَّابَعِ.

.فيمَنْ تَجُوزُ لَهُ إقَامَةُ الْحُدُودِ في الْقَتْلِ مِنْ الْوُلَاةِ:

قُلْت: هَلْ يُقِيمُ الْحُدُودَ في الْقَتْلِ وَالِي بَعْضِ الْمِيَاهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْلَبُ إلَى بَعْضِ الْأَمْصَارِ في الْقَتْلِ.
قُلْت لَهُ: فَمِصْرُ كُلُّهَا لَا يُقَامُ الْقَتْلُ فيهَا إلَّا بِالْفُسْطَاطِ؟
قَالَ: نَعَمْ، أَوْ يَكْتُبُ إلَى وَالِي الْفُسْطَاطِ فيكْتُبُ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِإِقَامَةِ ذَلِكَ.
تَمَّ كِتَابُ الرَّجْمِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى وَيَلِيه كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْمُسْكِرَ مِنْ النَّبِيذِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَسْكَرَ مِنْ الْأَشْرِبَةِ كُلِّهَا فَهُوَ خَمْرٌ يُضْرَبُ صَاحِبُهُ فيهِ ثَمَانِينَ.
وَفي رَائِحَتِهِ إذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِهَا أَنَّهَا رَائِحَةُ مُسْكِرٍ، نَبِيذًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنَّهُ يُضْرَبُ فيهِ ثَمَانِينَ.
قُلْت: مِنْ حِنْطَةٍ كَانَ هَذَا النَّبِيذُ أَوْ مِنْ شَعِيرٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَالسُّكْرُكَةُ وَغَيْرُهَا فَإِنَّهَا عِنْدَهُ خَمْرٌ إذَا كَانَتْ تُسْكِرُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ عَكَرَ الْمُسْكِرِ، أَيُجْعَلُ في شَيْءٍ مِنْ الْأَشْرِبَةِ أَوْ مِنْ الْأَطْعِمَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ دُرْدِيِّ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَحِلُّ أَنْ يُجْعَلَ شَرَابٌ يَضُرُّ بِهِ، فَكَذَلِكَ الطَّعَامُ عِنْدِي لَا يُجْعَلُ فيهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ النَّبِيذَ إذَا انْتَبَذْته، أَيَصْلُحُ لِي أَنْ أَجْعَلَ فيهِ عَجِينًا أَوْ دَقِيقًا أَوْ سَوِيقًا أَوْ مَا يُشْبِهُ، لِيَشْتَدَّ بِهِ النَّبِيذُ قَلِيلًا أَوْ لِيُعَجَّلَ بِهِ النَّبِيذُ؟
قَالَ: سَأَلْت مَالِكًا عَنْهُ فَأَرْخَصَ فيهِ وَقَالَ: لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ بَعْدُ فَنَهَى عَنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: وَقَدْ قَالَ لِي أَهْلُ الْمَغْرِبِ إنَّ تُرَابًا عِنْدَهُمْ يَجْعَلُونَهُ في الْعَسَلِ، وَإِنَّ هَذِهِ أَشْيَاءُ يُرِيدُونَ بِهَا إجَازَةَ الْحَرَامِ فَكَرِهَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا لَا أَرَى بِهِ بَأْسًا مَا لَمْ يُسْكِرْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبُسْرَ وَالتَّمْرَ أَوْ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ أَوْ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ، أَيُجْمَعَانِ في النَّبِيذِ جَمِيعًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: لَا يُنْبَذَانِ جَمِيعًا وَإِنْ نُبِذَا مُخْتَلِفينِ شُرِبَا حَلَالًا، وَلَا أُحِبُّ أَنْ يُخْلَطَا في إنَاءٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يُشْرَبَا لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا، أَوْ يُشْرَبَ الزَّهْوُ وَالتَّمْرُ جَمِيعًا.
قَالَ: فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا لَا يُجْمَعُ مِنْهَا شَيْئَانِ في الِانْتِبَاذِ، وَلَا يُجْمَعُ مِنْهَا شَيْئَانِ في إنَاءٍ وَاحِدٍ يُخْلَطَانِ فيشْرَبَانِ جَمِيعًا وَإِنْ كَانَا حَلَالَيْنِ كِلَاهُمَا لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي جَاءَ فيهِ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ الْحِنْطَةُ وَالشَّعِيرُ لَا يُجْمَعَانِ في الِانْتِبَاذِ وَلَا في الشُّرْبِ؟
قَالَ: نَعَمْ في رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ مَزَجَ نَبِيذَهُ بِالْمَاءِ، أَيَكُونُ هَذَا قَدْ جَمَعَ شَيْئَيْنِ في قَدَحٍ وَاحِدٍ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ الْمَاءَ لَيْسَ بِنَبِيذٍ، وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يُخْلَطَ بِهِ كُلَّمَا كَانَ نَبِيذًا أَوْ كَانَ شَرَابًا يُنْبَذُ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ نَبِيذًا.
وَأَمَّا الْمَاءُ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنَبِيذٍ، وَلَكِنْ بِهِ يُنْبَذُ وَإِنَّمَا النَّبِيذُ غَيْرُ الْمَاءِ وَبِالْمَاءِ يَكُونُ، وَلَا بَأْسَ بِالْمَاءِ بِأَنْ يَخْلِطَهُ بِشَرَابِهِ فيشْرَبَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ خَلَطَ عَسَلًا بِنَبِيذٍ، أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَشْرَبَهُ في قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْعَسَلَ هُوَ نَبِيذٌ وَهُوَ شَرَابٌ قَبْلَ أَنْ يُنْبَذَ وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَاءِ، لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُنْبَذُ كَمَا يُنْبَذُ الْعَسَلُ، وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ ذَلِكَ.
قُلْت: أَفيؤْكَلُ الْخُبْزُ بِالنَّبِيذِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْخُبْزَ لَيْسَ بِشَرَابٍ.
قُلْت: أَيَنْقَعُهُ في نَبِيذِهِ وَيَدَعُهُ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ فيشْرَبُهُ قَبْلَ أَنْ يَسْكَرَ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ عَنْ الْجَذِيذَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا أَنَّ مَالِكًا كَرِهَهَا في قَوْلِهِ الْآخَرِ، فَهَذَا يُشْبِهُ مَا وَصَفْتُ لَك مِنْ قَوْلِهِ في الْجَذِيذَةِ في أَوَّلِ قَوْلِهِ وَفي آخِرِهِ.
قُلْت: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ أَوْ الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ أَوْ الْبُسْرِ وَالتَّمْرِ في الِانْتِبَاذِ؟
قَالَ: لِلْأَثَرِ الَّذِي جَاءَ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ الْمُذَنَّبُ الَّذِي قَدْ أُرْطِبَ بَعْضُهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ إلَّا الْحَدِيثَ «نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» وَلَا يُعْجِبُنِي إلَّا أَنْ يَكُونَ بُسْرًا كُلُّهُ أَوْ رُطَبًا كُلُّهُ.

.طَبْخُ الزَّبِيبِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الزَّبِيبَ، أَكَانَ مَالِكٌ يُوَسِّعُ في أَنْ يُنْبَذَ نَقِيعًا وَلَا يَطْبُخُهُ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ في مَطْبُوخِ الزَّبِيبِ وَلَا نَقِيعِهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّ نَبِيذَ الزَّبِيبِ، وَغَيْرَهُ حَلَالٌ عِنْدَهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الزَّبِيبَ إذَا كَانَ نَقِيعًا فِعْلًا أَمَا تَخَافُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ الْخَمْرِ؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ في عَصِيرِ الْعِنَبِ: إنَّهُ يُشْرَبُ مَا لَمْ يُسْكِرْ.
قَالَ: فَقُلْنَا لِمَالِكٍ: مَا حَدُّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَدُّهُ إذَا لَمْ يُسْكِرْ.
قَالَ: فَأَرَى الزَّبِيبَ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ أَنَّهُ يُشْرَبُ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَإِنْ غَلَا.
قُلْت: فَالْعَصِيرُ، أَيَشْرَبُهُ إذَا غَلَا وَإِنْ كَانَ لَا يُسْكِرُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: حَدُّهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ، وَلَمْ أَرَ حَدَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ الْغَلَيَانُ وَلَمْ يَقُلْ لِي مَالِكٌ في الْعَصِيرِ.
غَلَا أَوْ لَمْ يَغْلِ، إنَّمَا قَالَ لَنَا: حَدُّهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ.
فَهُوَ عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ نَبِيذِ التَّمْرِ.
وَهُوَ عِنْدَ مَالِكٍ نَبِيذٌ كُلُّهُ، الْعَصِيرُ وَنَبِيذُ التَّمْرِ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ حَلَالٌ مَا لَمْ يُسْكِرْ، فَإِذَا أَسْكَرَتْ فَهِيَ خَمْرٌ كُلُّهَا.
فَالْعَصِيرُ وَجَمِيعُ الْأَنْبِذَةِ سَوَاءٌ لَيْسَ تَحْرُمُ بِغَلَيَانِهَا إنَّمَا تَحْرُمُ إذَا كَانَ يُسْكِرُ لِأَنَّ الْعَصِيرَ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يُسْكِرَ، وَالنَّبِيذُ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ حَتَّى يُسْكِرَ، فَإِذَا أَسْكَرَا كَانَا حَرَامًا، وَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُسْكِرَا سَبِيلُهُمَا وَاحِدٌ لَا يَحْرُمَانِ بِالْغَلَيَانِ، وَإِنَّمَا يَحْرُمَانِ إذَا خَرَجَا إلَى مَا يُسْكِرُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الظُّرُوفَ، هَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ أَنْ يُنْبَذَ في شَيْءٍ مِنْهَا؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْهَا فَقَالَ: الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَنَا وَاَلَّذِي آخُذُ بِهِ، أَنَّ الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ لَا يَصْلُحُ النَّبِيذُ فيهِمَا وَلَا يُنْبَذُ فيهِمَا.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ مِنْ الْفَخَّارِ شَيْئًا غَيْرَ الْمُزَفَّتِ؟
قَالَ: لَا، إنَّمَا كَانَ يَكْرَهُ الدُّبَّاءَ وَالْمُزَفَّتَ.
قُلْت: وَكَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ مُزَفَّتَ الدُّبَّاءِ وَغَيْرَ مُزَفَّتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، يَكْرَهُ الْمُزَفَّتَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، الزِّقَاقَ الْمُزَفَّتَةَ وَالْفَخَّارَ الْمُزَفَّتَ وَكُلَّ ظَرْفٍ زُفِّتَ كَانَ يَكْرَهُهُ.
قُلْت: أَيُّ شَيْءٍ الزِّفْتُ؟
قَالَ: النَّاسُ يَعْرِفُونَهُ، الَّذِينَ يُزَفِّتُونَ بِهِ قِلَالَهُمْ وَظُرُوفَهُمْ، قُلْت: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ شَيْئًا مِنْ الظُّرُوفِ سِوَى مَا ذَكَرْتَ لِي؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَطْبُوخَ، مَا يَكْرَهُ مِنْهُ مَالِكٌ وَمَا لَا يَكْرَهُ؟
قَالَ: سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْمَطْبُوخِ فَقَالَ: الَّذِي كُنْتُ أَسْمَعُ بِهِ إذَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَمَا حَدُّهُ عِنْدَكَ؟
قَالَ: حَدُّهُ عِنْدِي إذَا طُبِخَ حَتَّى لَا يُسْكِرَ.
قَالَ: فَلَمْ أَرَ مَالِكًا يَلْتَفِتُ إلَى ثُلُثٍ. وَلَا إلَى ثُلُثَيْنِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا سَأَلْتُكَ عَنْهُ مِنْ هَذِهِ الْأَشْرِبَةِ كُلِّهَا إذَا فَسَدَتْ وَصَارَتْ خَمْرًا، أَيَحِلُّ إصْلَاحُهَا وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ يُخَلِّلُهَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْخَمْرُ إذَا مَلَكَهَا الْمُسْلِمُ فَلْيُهْرِقْهَا، فَإِنْ اجْتَرَأَ عَلَيْهَا فَخَلَّلَهَا حَتَّى صَارَتْ خَلًّا فَلْيَأْكُلْهَا وَبِئْسَ مَا صَنَعَ.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْخَمْرِ يُجْعَلُ فيهَا الْحِيتَانُ فَتَصِيرُ مُرِيًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَكْلَهُ وَكَرِهَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ: إذَا عَمِلَهَا لِلْخَمْرِ فَلَا تُؤْكَلُ وَإِنْ تَخَلَّلَتْ وَقَالَ مِثْلَ قَوْلِ سَحْنُونٍ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الظُّرُوفَ، أَلَيْسَ قَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فيهَا عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنْ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الظُّرُوفِ ثُمَّ وَسَّعَ فيهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ثَبَتَ عِنْدَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْمُزَفَّتِ».
تَمَّ كِتَابُ الْأَشْرِبَةِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ الْكُبْرَى وَيَلِيه كِتَابُ السَّرِقَةِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

.كِتَابُ السَّرِقَةِ:

.:(في الرَّجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الرَّجُلِ بِالسَّرِقَةِ، أَيَسْأَلُهُمَا الْحَاكِمُ عَنْ السَّرِقَةِ):

قَالَ سَحْنُونٌ: قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَيْنِ يَشْهَدَانِ عَلَى الرَّجُلِ بِالسَّرِقَةِ، أَيَسْأَلُهُمَا الْحَاكِمُ عَنْ السَّرِقَةِ مَا هِيَ وَكَيْفَ هِيَ في قَوْلِ مَالِكٍ وَمِنْ أَيْنَ أَخَذَهَا وَإِلَى أَيْنَ أَخْرَجَهَا؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مَالِكًا يَحُدُّ في ذَلِكَ حَدًّا، وَلَكِنْ أَرَى لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمَا لِأَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ الْقَوْمِ يَشْهَدُونَ عَلَى الرَّجُلِ بِالزِّنَا فَقَالَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ عَنْ شَهَادَتِهِمْ، يُرِيدُ بِذَلِكَ كَيْفَ؟ رَأَوْهُ وَكَيْفَ صَنَعَ؟ فَإِنْ كَانَ في ذَلِكَ مَا يُدْرَأُ بِهِ الْحَدُّ عَنْهُ دَرَأَهُ، فَهَذَا يَدُلُّك عَلَى مَسْأَلَتِكَ في السَّرِقَةِ، لِأَنَّهُمْ إنْ شَهِدُوا بِالسَّرِقَةِ وَإِنْ كَانَ في قِيمَتِهَا مَا يُقْطَعُ في مِثْلِهِ، فَعَسَى أَنْ يَكُونَ في سَرِقَتِهِ أَمْرٌ لَا يَجِبُ فيهِ الْقَطْعُ.
وَإِنَّمَا الْقَطْعُ حَدٌّ مِنْ الْحُدُودِ فينْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَكْشِفَ فيهِ الشُّهُودَ كَمَا يَكْشِفُهُمْ في الزِّنَا.

.في رَجُلٍ سَرَقَ مَا يَجِبُ فيهِ الْقَطْعُ فَظَفِرَ بِهِ وَقِيمَتُهُ مَا لَا يَجِبُ فيهِ الْقَطْعُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ سَرَقَ مَا يَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ لَا يَسْوَى رُبْعَ دِينَارٍ الْيَوْمَ لِارْتِفَاعِ صَرْفِ الدِّينَارِ، أَيُقْطَعُ فيهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ، نَعَمْ يُقْطَعُ إذَا سَرَقَ قِيمَةَ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ الْيَوْمَ.
قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ في ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، وَأَنَّ عُثْمَانَ قَطَعَ في ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ وَأَنَّ عُمَرَ قَوَّمَ الدِّيَةَ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، فَلَا يُنْظَرُ إلَى الصَّرْفِ في هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إنْ ارْتَفَعَ الصَّرْفُ أَوْ انْخَفَضَ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى، مَا مَضَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اتَّضَعَ الصَّرْفُ صَرْفُ الذَّهَبِ فَسَرَقَ رُبْعَ دِينَارٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَهُوَ لَا يَسْوَى ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ لِأَنَّهُ رُبْعُ دِينَارٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ سِلْعَةً، فَأَنْتَ إنْ قَوَّمْتَهَا بِالذَّهَبِ تَبْلُغُ رُبْعَ دِينَارٍ، وَإِنْ قَوَّمْتهَا بِالْفِضَّةِ بَلَغَتْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ تُقْطَعُ عِنْدَ مَالِكٍ.
وَإِنَّمَا تُقَوَّمُ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ بِالدَّرَاهِمِ.
وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ هَذِهِ السِّلْعَةُ، إنْ قَوَّمْتَهَا بِالذَّهَبِ بَلَغَتْ رُبْعَ دِينَارٍ وَإِنْ قَوَّمْتَهَا بِالْفِضَّةِ لَمْ تَبْلُغْ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في السِّلَعِ: لَا تُقْطَعُ فيهَا إلَّا أَنْ تَبْلُغَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ، قَلَّ الصَّرْفُ أَوْ كَثُرَ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا سَرَقَ سَرِقَةً فَقُوِّمَتْ بِدِرْهَمَيْنِ وَهُوَ رُبْعُ دِينَارٍ لِانْخِفَاضِ الصَّرْفِ يَوْمَئِذٍ، أَتُقْطَعُ يَدُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْطَعُ يَدُهُ حَتَّى تَبْلُغَ سَرِقَتُهُ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا قَالَ مَالِكٌ تُقْطَعُ في وَزْنِ رُبْعٍ دِينَارٍ فَصَاعِدًا إذَا سَرَقَ الذَّهَبَ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، لِأَنَّهُ جَاءَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْقَطْعُ في رُبُعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا».
وَإِنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: مَنْ بَلَغَتْ سَرِقَتُهُ رُبْعَ دِينَارٍ فَصَاعِدًا قُطِعَ.
وَإِنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَا طَالَ عَلَيَّ وَمَا نَسِيتُ الْقَطْعَ في رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ لَمْ أَقْطَعْهُ في وَزْنِ رُبْعِ دِينَارٍ ذَهَبًا، إذَا سَرَقَ الذَّهَبَ مَا قَطَعْتُهُ لَا في ثُلُثٍ وَلَا في نِصْفٍ وَلَا في الدِّينَارِ كُلِّهِ إذَا كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ.
وَلَقَدْ أَتَى عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ، وَصَرْفُ النَّاسِ ثُلُثُ دِينَارٍ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ، إنَّمَا صَرْفُهُمْ سَبْعَةُ دَرَاهِمَ وَثَمَانِيَةُ دَرَاهِمَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَرَقَ رَجُلٌ سَرِقَةً فَرَفَعَهُ أَجْنَبِيٌّ مِنْ النَّاسِ إلَى السُّلْطَانِ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَتَاعُ غَائِبٌ أَيَقْطَعُهُ السُّلْطَانُ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ يَنْتَظِرُ رَبَّ الْمَتَاعِ حَتَّى يَقْدَمَ؟
قَالَ: إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَلَقَدْ أَخْبَرَنِي أَوْثَقُ أَصْحَابِي عِنْدِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَسْكُنُ الشَّامَ وَلَهُ مَتَاعٌ بِمِصْرَ فَأَتَى رَجُلٌ فَسَرَقَ مَتَاعَهُ الَّذِي بِمِصْرَ، وَقَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّ السَّارِقَ أَخَذَ الْمَتَاعَ سِرًّا فَقَالَ السَّارِقُ: صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ.
فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ سُئِلَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ فَقَالَ: أَنَا أَرْسَلْتُهُ؟
فَقَالَ: لَا يُنْظَرُ في قَوْلِ صَاحِبِ الْمَتَاعِ وَتَقْطَعُ يَدُهُ.
وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يُلْفَى مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ وَمَعَهُ الْمَتَاعُ فيؤْخَذُ فيقُولُ: فُلَانٌ أَرْسَلَنِي إلَى مَنْزِلِهِ فَأَخَذْتُ لَهُ هَذَا الْمَتَاعَ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يَنْظُرَ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ الَّذِي مَعَهُ الْمَتَاعُ يُعْرَفُ لَهُ انْقِطَاعٌ إلَى رَبِّ الْمَتَاعِ وَيُشْبِهُ مَا قَالَ لَمْ يُقْطَعْ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ مِثْلُ مَا ذَكَرْتُ لَك.
قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْتُ أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَلَا يُقْبَلَ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَسْرِقُ فيعْفُو عَنْهُ صَاحِبُ الْمَتَاعِ ثُمَّ يَرْفَعُهُ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُهُ إلَى السُّلْطَانِ؟ قَالَ أَرَى أَنْ يَقْطَعَ يَدَهُ، وَلَيْسَ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يَعْفُوَ إنْ انْتَهَتْ إلَيْهِ الْحُدُودُ، وَلَيْسَ عَفْوُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ بِشَيْءٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا شُهِدَ عَلَى السَّارِقِ بِالسَّرِقَةِ، هَلْ يُحْبَسُ السَّارِقُ حَتَّى يُزَكَّى الشُّهُودُ إنْ لَمْ يَعْرِفْهُمْ الْقَاضِي، أَمْ يَكْفُلُهُ الْقَاضِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَكْفُلُهُ عِنْدَ مَالِكٍ وَلَكِنْ يَحْبِسُهُ، وَلَيْسَ في الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ كَفَالَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا شَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى سَرِقَةٍ أَوْ زِنًا فَغَابُوا قَبْلَ أَنْ يُزَكَّوْا ثُمَّ زُكُّوا، أَيُقِيمُ الْقَاضِي الْحَدَّ أَمْ لَا يُقِيمُهُ حَتَّى تَحْضُرَ الشُّهُودُ فيقِيمَهُ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ؟
قَالَ: يُقِيمُ الْحُدُودَ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَغِيبِ الشُّهُودِ، إذَا شَهِدُوا وَأَثْبَتُوا الشَّهَادَةَ أَقَامَ الْحَدَّ وَإِنْ غَابُوا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَهِدُوا ثُمَّ مَاتُوا فَزُكُّوا وَهُمْ مَوْتَى، أَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ بِشَهَادَتِهِمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَإِنْ خَرِسُوا أَوْ عَمُوا أَوْ جُنُّوا قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كُلُّهُ يُقِيمُ الْإِمَامُ الْحَدَّ وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الَّذِي أَصَابَهُمْ مِنْ ذَلِكَ في رَأْيِي.
قُلْت: فَإِنْ ارْتَدَّ الشُّهُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَقَدْ حَبَسَهُ الْقَاضِي، أَيُقِيمُ الْحُدُودَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُقَامُ الْحَدُّ إنْ ارْتَدُّوا لِأَنَّهُمْ هَهُنَا قَدْ عَادُوا إلَى حَالٍ لَا تَجُوزُ فيهِ شَهَادَتُهُمْ.
وَفي مَسَائِلِكَ الْأُوَلِ لَمْ يَعُودُوا إلَى حَالِ فِسْقٍ وَلَا إلَى حَالِ ارْتِدَادٍ وَإِنَّمَا اُبْتُلُوا بِغَيْرِ ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ فُسِّقَ هَؤُلَاءِ الشُّهُودُ أَوْ وُجِدُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا، أَوْ فَسَدَتْ حَالُهُمْ بَعْدَمَا زُكُّوا أَوْ أَمَرَ الْقَاضِي بِإِقَامَةِ الْحَدِّ إلَّا أَنَّ الْحَدَّ لَمْ يُقَمْ بَعْدُ.
قَالَ: يُقَامُ الْحَدُّ عَلَيْهِ إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ قَدْ ثَبَتَتْ وَقَدْ قَضَى بِهَا.
قُلْت: فَكَيْفَ هَذَا في حُقُوقِ النَّاسِ؟
قَالَ: إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْحُقُوقِ لِلنَّاسِ ثُمَّ صَارُوا إلَى مَا ذَكَرْتَ مِنْ الْحَالِ السَّيِّئَةِ إلَى الِارْتِدَادِ أَوْ إلَى الْفِسْقِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ قَدْ نَفَذَ هَهُنَا.
قُلْت: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: فَكَيْفَ هَذَا في الْقِصَاصِ إذَا قَضَى الْقَاضِي في الْقِصَاصِ ثُمَّ ارْتَدَّ الشُّهُودُ عَنْ الْإِسْلَامِ قَبْلَ أَنْ يَقْتَصَّ الْمَجْرُوحُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا، وَأَرَى أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْ حُقُوقِ النَّاسِ إذَا كَانَ قَدْ قَضَى بِهِ وَأَنْفَذَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ غَابَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ وَشَهِدَ الشُّهُودُ عَلَى السَّرِقَةِ، أَتَقْطَعُهُ وَالْمَسْرُوقُ مِنْهُ غَائِبٌ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى غَيْبَةِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْمَتَاعُ.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمَتَاعِ الَّذِي أَخْبَرْتُك أَنَّهُ بِمِصْرَ وَصَاحِبُهُ بِالشَّامِ: إنَّ السَّارِقَ يُقْطَعُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ الْمَتَاعُ، لَمْ يُسْرَقُ مِنِّي شَيْءٌ.
وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّهُ سُرِقَ، أَيُقْطَعُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ. يُقْطَعُ في رَأْيِي.