فصل: كِتَابُ الْقِسْمَةِ الثَّانِي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في الْقِسْمَةِ عَلَى الْخِيَارِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّا اقْتَسَمْنَا دُورًا وَرَقِيقًا وَعُرُوضًا عَلَى أَنَّ أَحَدَنَا بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: ذَلِكَ جَائِزٌ إذَا كَانَتْ تِلْكَ السِّلَعُ مِمَّا يَجُوزُ فيهَا الْخِيَارُ عَدَدَ الْأَيَّامِ الَّتِي اشْتَرَطَ فيهَا الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، وَهَذَا مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الْبُيُوعِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَعَلْتُ الْخِيَارَ لِهَذَا الَّذِي اشْتَرَطَ الْخِيَارَ لِنَفْسِهِ، أَيَكُونُ لِصَاحِبِهِ مِنْ الْخِيَارِ في الرَّدِّ الَّذِي لَمْ يَشْتَرِطْ شَيْئًا أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا خِيَارَ لَهُ في ذَلِكَ وَقَدْ لَزِمَتْهُ الْقِسْمَةُ، وَإِنَّمَا الْخِيَارُ لِصَاحِبِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَحْدَثَ هَذَا الَّذِي اشْتَرَطَ لِنَفْسِهِ الْخِيَارَ شَيْئًا، أَوْ في الدَّارِ أَوْ هَدَمَ فيهَا بِنَاءً أَوْ سَامَ بِهَا، أَتَلْزَمُهُ الْقِسْمَةُ وَيَبْطُلُ خِيَارُهُ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في الْبُيُوعِ إذَا اشْتَرَطَ الْمُشْتَرِي الْخِيَارَ، فَصَنَعَ مِنْ ذَلِكَ مَا يُبْطِلُ خِيَارَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا صَنَعَ هَذَا في الْقِسْمَةِ.

.في قِسْمَةِ الْأَبِ أَوْ وَصِيِّهِ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَهِبَتِهِ مَالَهُ:

قُلْت: هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ عَلَى الصَّغِيرِ الدُّورَ أَوْ الْعَقَارَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّ أَبِيهِ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْعُرُوض وَجَمِيعُ الْأَشْيَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ صَبِيًّا صَغِيرًا في حِجْرِ أَبِيهِ وَرِثَ مِنْ أُمِّهِ مُورَثًا أَوْ مِنْ غَيْرِ أُمِّهِ مُورَثًا، فَقَاسَمَ الْأَبُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ فَحَابَى، أَيَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ حَابَى الْأَبُ شُرَكَاءَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ هِبَةُ الْأَبِ مَالَ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِمَالِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، فَكَذَلِكَ الْمُحَابَاةُ عِنْدَ مَالِكٍ لَا تَجُوزُ.
قُلْت: فَإِنْ أُدْرِكَتْ هَذِهِ الْمُحَابَاةُ وَهَذِهِ الصَّدَقَةُ وَهَذِهِ الْهِبَةُ بِعَيْنِهَا رُدَّتْ، وَإِنْ فَاتَتْ ضَمِنَ ذَلِكَ الْأَبُ لِلِابْنِ في مَالِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا، فَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ الْأَبُ ذَلِكَ في مَالِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ هَذَا الْمَوْهُوبُ لَهُ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ أَوْ الْمُحَابَاةُ في مَالِ الصَّبِيِّ الَّذِي ذَكَرْتُ مِمَّا فَعَلَهُ الْأَبُ في مَالِ ابْنِهِ، إنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَالْمُحَابَى وَالْمَوْهُوبُ لَهُ قَدْ أَتْلَفَ تِلْكَ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْمُحَابَاةَ بِعَيْنِهَا وَهُوَ مَلِيٌّ، أَيَكُونُ لِلْأَبِ إذَا غَرِمَ ذَلِكَ لِلصَّبِيِّ، أَوْ لِلصَّبِيِّ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ في مَالِهِ فيأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةَ مَا أَتْلَفَ مِنْ ذَلِكَ في مَالِهِ؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ عَدِيمًا وَقَدْ اسْتَهْلَكَ تِلْكَ الْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ وَالْمُحَابَاةَ، فَأَرَادَ الْأَبُ أَوْ الِابْنُ أَنْ يَتْبَعَاهُ بِقِيمَةِ مَا اسْتَهْلَكَ مِنْ ذَلِكَ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ، لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ وَلَا لِلْأَبِ أَنْ يَتْبَعَا الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَلَا الْمُحَابَى وَلَا الْمَوْهُوبَ لَهُ، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلِابْنِ عَلَى الْأَبِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَا عَدِيمَيْنِ الْأَبُ وَالْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ؟
قَالَ: يَتْبَعُ الصَّبِيُّ أَيَّهُمَا أَيْسَرَ أَوَّلًا الْأَبُ أَوْ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ وَلِلِابْنِ أَنْ يَتْبَعَ أَوَّلَهُمَا يُسْرًا بِقِيمَةِ مَالِهِ ذَلِكَ إنْ كَانَ الْأَبُ اتَّبَعَهُ وَإِنْ كَانَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا وَلَكِنَّهُ رَأْيِي.
أَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا تَصَدَّقَ الْأَبُ بِشَيْءٍ مِنْ مَالِ الِابْنِ وَالِابْنُ صَغِيرٌ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مُوسِرًا لَمْ يَجُزْ وَرُدَّ، فَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ وَلِلِابْنِ أَنْ يَتْبَعَهُ إذَا أَيْسَرَ، أَوْ يَتْبَعَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ إذَا أَيْسَرَ.
قَالَ: يَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ إلَّا أَنْ يُوسِرَ الْأَبُ أَوَّلًا، فيقُولَ الِابْنُ أَنَا أَتْبَعُ الْأَجْنَبِيَّ وَلَا أَتْبَعُ أَبِي، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ لِلِابْنِ لِأَنَّ الْأَبَ لَوْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ يَخْتَصِمُونَ، لَمْ يَكُنْ لِلِابْنِ أَنْ يَتْبَعَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَيَتْرُكَ الْأَبَ.
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَعْتَقَ الْأَبُ غُلَامًا لِابْنِهِ صَغِيرًا في حِجْرِهِ جَازَ إنْ كَانَ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَ وَكَانَ عَلَيْهِ الثَّمَنُ في مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا يَوْمَ أَعْتَقَ لَمْ يَجُزْ عِتْقُهُ وَرُدَّ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إلَّا أَنْ يَتَطَاوَلَ زَمَانُ ذَلِكَ وَيَنْكِحَ الْحَرَائِرَ وَتَجُوزَ شَهَادَتُهُ، فَلَا أَرَى أَنْ يَرُدَّ وَيَتَّبِعُ الْأَبَ بِقِيمَتِهِ.
قُلْت: فَإِنْ أَيْسَرَ الْأَبُ أَوَّلَهُمَا فَغَرِمَ ذَلِكَ لِلِابْنِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْمُتَصَدَّقَ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا: فَإِنْ أَيْسَرَ الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ أَوَّلًا فَغَرِمَ ذَلِكَ لِلِابْنِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْأَبَ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتْبَعَ الْأَبَ بِذَلِكَ.

.مَا جَاءَ في وَصِيِّ الْأُمِّ وَمُقَاسَمَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ امْرَأَةً هَلَكَتْ وَتَرَكَتْ وَلَدًا صَغِيرًا يَتِيمًا لَا وَصِيَّ لَهُ، فَأَوْصَتْ الْأُمُّ بِالصَّبِيِّ وَبِمَالِهَا إلَى رَجُلٍ وَلَهَا وَرَثَةٌ سِوَى الصَّبِيِّ فَقَاسَمَ وَصِيُّ الْأُمِّ لِهَذَا الصَّبِيِّ الَّذِي أَوْصَتْ بِهِ الْأُمُّ إلَيْهِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ مِنْ وَصِيَّةِ الْأُمِّ شَيْءٌ، وَلَا يَجُوزُ شَيْءٌ مِمَّا صَنَعَ وَصِيُّ الْأُمِّ، وَلَيْسَ وَصِيُّ الْأُمِّ بِوَصِيٍّ، وَهُوَ كَرَجُلٍ مِنْ النَّاسِ، فَلَا يَجُوزُ عَلَى الصَّبِيِّ شَيْءٌ مِنْ صَنِيعِهِ.
قُلْت: فَهَلْ يُتْرَكُ مَالُ الْمَرْأَةِ في يَدَيْهِ وَقَدْ أَوْصَتْ إلَيْهِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الَّذِي تَرَكَتْ الْمَرْأَةُ تَافِهًا يَسِيرًا جَازَ ذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ هَلَكَتْ وَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ بِمَالِهَا.
فَقَالَ مَالِكٌ: كَمْ تَرَكَتْ؟ قَالُوا لَهُ: خَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ سِتِّينَ.
قَالَ: هَذَا يَسِيرٌ وَجَوَّزَهُ في الْيَسِيرِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَتْ امْرَأَةٌ وَأَوْصَتْ بِثُلُثِهَا أَنْ يَنْفُذَ، وَأَوْصَتْ بِذَلِكَ إلَى رَجُلٍ أَنْ يُنْفِذَهُ؟
قَالَ: فَهُوَ وَصِيٌّ في ثُلُثِهَا وَذَلِكَ إلَيْهِ، تَكُونُ وَصِيَّتُهَا إلَى هَذَا الرَّجُلِ في ثُلُثِهَا وَيُنْفِذُهُ وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ تَرَكَتْ أُخْتَهَا وَأَخَاهَا صَغِيرَيْنِ، وَأَوْصَتْ إلَى رَجُلٍ بِهِمَا وَبِمَالِهَا وَلَا وَارِثَ لَهَا غَيْرُهُمَا؟
قَالَ: أَرَى وَصِيَّتَهَا غَيْرَ جَائِزَةٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَالُهَا الَّذِي تَرَكَتْ قَلِيلًا مِثْلَ الَّذِي ذَكَرْتُ لَكَ، فيجُوزُ ذَلِكَ إلَى الْمِلْكِ خَاصَّةً وَلَا يَكُونُ لَهُمَا وَصِيًّا بِذَلِكَ في إنْكَاحِهِمْ وَشِرَائِهِمْ وَالْمُصَالَحَةِ عَلَيْهِمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ هَلَكَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنَ أَخٍ لَهُ صَغِيرًا وَهُوَ وَارِثُهُ وَمَعَهُ وَارِثٌ غَيْرَهُ أَيْضًا كَبِيرٌ، فَأَوْصَى الْعَمُّ بِهَذَا الصَّبِيِّ إلَى رَجُلٍ، أَيَكُونُ وَصِيَّهُ، وَتَجُوزُ مُقَاسَمَتُهُ لَهُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ أَوْ كَانَ الْجَدُّ أَبَا الْأَبِ أَوْ كَانَ أَخًا لِهَذَا الصَّبِيِّ فَهَلَكَ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ مِنْ وَصِيَّةِ هَؤُلَاءِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ، وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ مِنْ الْوَصِيَّةِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ نَفْسَهُ لَمْ يَكُنْ يَجُوزُ أَمْرُهُ وَلَا صَنِيعُهُ في مَالِ الصَّبِيِّ قَبْلَ مَوْتِهِ، فَكَذَلِكَ وَصِيُّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ أَحْسَنَ حَالًا مِنْهُ نَفْسِهِ.
قُلْت: أَفَلَا تَجُوزُ وَصِيَّتُهُ في الشَّيْءِ الْقَلِيلِ مِثْلَ مَا أَجَازَ مَالِكٌ وَصِيَّةَ الْأُمِّ في الشَّيْءِ الْقَلِيلِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَجُوزَ وَصِيَّتُهُ لِهَذَا في قَلِيلٍ وَلَا كَثِيرٍ.
قُلْت: وَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَؤُلَاءِ وَبَيْنَ الْأُمِّ؟
قَالَ: إنَّمَا اسْتَحْسَنَ مَالِكٌ في الْأُمِّ وَلَيْسَتْ الْأُمُّ كَغَيْرِهَا مِنْ هَؤُلَاءِ، وَلِأَنَّ الْأُمَّ وَالِدَةٌ وَلَيْسَتْ كَغَيْرِهَا وَهُوَ مَالُهَا، وَهَذَا لَيْسَ بِمَالِهِ الَّذِي يُوصِي بِهِ لِغَيْرِهِ وَمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ وَلَكِنَّهُ اسْتِحْسَانٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ الْأُمَّ تَعْتَصِرُ مَا وَهَبَتْ لِابْنِهَا أَوْ ابْنَتِهَا وَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْأَبِ، وَالْجَدُّ وَالْأَخُ لَا يَعْتَصِرَانِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ أَيْضًا عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: فَمَا يُصْنَعُ بِهَذَا الْمَالِ الَّذِي أَوْصَى بِهِ إلَى هَذَا الْوَصِيِّ الَّذِي لَا يُجِيزُ وَصِيَّتَهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ عِنْدَ مَالِكٍ يَرَى فيهِ رَأْيَهُ وَيَنْظُرُ فيهِ لِلصِّغَارِ وَيُجَوِّزُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْغَائِبِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الْكَافِرِ عَلَى ابْنَتِهِ الْبَالِغِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الْكَافِرَ، هَلْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَاسِمَ عَلَى ابْنَتِهِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي لَمْ تَتَزَوَّجْ، وَقَدْ أَسْلَمَتْ وَهِيَ في حِجْرِهِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ إذَا أَسْلَمَتْ، فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الْكَبِيرَةَ وَقَدْ أَسْلَمَتْ، رَأَيْتُ أَنْ لَا تَجُوزَ عَلَيْهَا قِسْمَتُهُ.

.في قِسْمَةِ الْأُمِّ أَوْ الْأَبِ عَلَى الْكِبَارِ الْغُيَّبِ وَمُقَاسَمَةِ الْأُمِّ عَلَى وَلَدِهَا:

قُلْت فَالْوَصِيُّ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ عَلَى الْغُيَّبِ الْكِبَارِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ لِي في الْوَصِيِّ يُؤَخِّرُ بِالدَّيْنِ وَفي الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَكِبَارٌ فيؤَخِّرُ ذَلِكَ عَنْ الْغَرِيمِ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ.
قَالَ لِي مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الصِّغَارِ وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْكِبَارِ، فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ عَلَى الْكِبَارِ، رَأَيْنَا أَنْ لَا تَجُوزَ مُقَاسَمَتُهُ عَلَى الْغُيَّبِ إذَا كَانُوا كِبَارًا.
قُلْت: فَالْأَبُ يُقَاسِمُ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ إذَا كَانَ غَائِبًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا.
قُلْت: أَيَجُوزُ لِلْأُمِّ أَنْ تُقَاسِمَ عَلَى ابْنِهَا الصَّغِيرِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ مِنْ مُقَاسَمَةِ الْأُمِّ عَلَى الصَّغِيرِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمُّ وَصِيَّةً.

.في قِسْمَةِ وَصِيِّ اللَّقِيطِ لِلَّقِيطِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ لَقِيطًا في حِجْرِ رَجُلٍ أَوْصَى لَهُ بِوَصِيَّةٍ، أَيَجُوزُ لِهَذَا الرَّجُلِ الَّذِي اللَّقِيطُ في حِجْرِهِ أَنْ يُقَاسِمَ لِهَذَا اللَّقِيطِ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ جَائِزًا، وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَخَذَ ابْنَ أَخٍ لَهُ أَوْ ابْنَ أُخْتِهِ وَهُوَ صَغِيرٌ في حِجْرِهِ لَا مَالَ لَهُ فَاحْتَسَبَ فيهِ فَأَوْصَى لَهُ بِمَالٍ فَقَامَ فيهِ وَقَاسَمَ لَهُ وَبَاعَ لَهُ لَمْ أَرَ ذَلِكَ يَجُوزُ لَهُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْمِدَ إلَى أَخٍ لَهُ يَمُوتُ، فيثِبُ عَلَى مَالِهِ وَوَلَدِهِ فيقْبِضُ ذَلِكَ بِغَيْرِ خِلَافَةٍ مِنْ السُّلْطَانِ، فيبِيعُ مِنْهُ وَيَشْتَرِي، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْغَاصِبِ.

.مَا جَاءَ في قَضَاءِ الرَّجُلِ في مَالِ امْرَأَتِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ زَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَتَهُ وَهِيَ صَبِيَّةٌ صَغِيرَةٌ فَمَاتَتْ أُمُّهَا، فَوَرِثَتْ الصَّبِيَّةُ مَالًا، فَقَالَ الزَّوْجُ: أَنَا أَقْبِضُ مِيرَاثَهَا وَأُقَاسِمُ لَهَا، وَقَالَ الْأَبُ: أَنَا أَقْبِضُ مِيرَاثَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْأَبُ أَحَقُّ بِمِيرَاثِ الصَّبِيَّةِ مَا لَمْ تَدْخُلْ بَيْتَهَا وَيُؤْنَسْ مِنْهَا الرُّشْدُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا تَزَوَّجَ جَارِيَةً قَدْ بَلَغَ مِثْلُهَا وَلَهَا عِنْدَ الْوَصِيِّ مَالٌ، لَمْ تَأْخُذْ مَالَهَا وَإِنْ دَخَلَتْ مَنْزِلَهَا حَتَّى يُرْضَى حَالُهَا، فَلَمَّا قَالَ لِي مَالِكٌ في الْوَصِيِّ هَذَا الَّذِي أَخْبَرْتُكَ؛ كَانَ الْأَبُ وَالْوَصِيُّ أَحَقَّ بِقَبْضِ مِيرَاثِهَا مِنْ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجُ أَيْضًا لَا حَقَّ لَهُ في قَبْضِ مَالِ امْرَأَتِهِ؛ أَلَا تَرَى أَنَّهَا إذَا دَخَلَتْ وَلَمْ يُؤْنِسْ مِنْهَا الرُّشْدَ لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهَا مَالَهَا، وَإِنَّمَا يَدْفَعُ إلَيْهَا مَالَهَا إذَا آنَسَ مِنْهَا الرُّشْدَ وَإِنْ كَانَتْ عِنْدَ الزَّوْجِ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَا يَقْبِضُ مَالَ امْرَأَتِهِ وَالْأَبُ وَالْوَصِيُّ النَّاظِرَانِ لَهَا وَالْحَائِزَانِ عَلَيْهَا وَإِنْ تَزَوَّجَتْ وَدَخَلَتْ مَنْزِلَهَا مَا لَمْ يُرْضَ حَالُهَا وَيُجَزْ أَمْرُهَا، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ قَضَاءٌ في مَالِ امْرَأَتِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ بِهَا وَلَا بَعْدَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذِهِ الصَّبِيَّةَ، إنْ كَانَ هَلَكَ وَالِدُهَا وَلَمْ يُوصِ، ثُمَّ هَلَكَتْ أُمُّهَا وَقَدْ تَرَكَتْ مَعَ هَذِهِ الصَّبِيَّةِ وَرَثَةً، فَأَرَادَ الزَّوْجُ أَنْ يُقَاسِمَ لِامْرَأَتِهِ وَلَيْسَ لَهَا وَصِيٌّ وَلَا أَبٌ أَيَجُوزُ ذَلِكَ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ إلَّا بِأَمْرِ الْقَاضِي.

.كِتَابُ الْقِسْمَةِ الثَّانِي:

.مَا جَاءَ في الشَّرِيكَيْنِ يَقْتَسِمَانِ فيجِدُ أَحَدُهُمَا بِحِصَّتِهِ عَيْبًا أَوْ بِبَعْضِهَا:

قُلْت: فَلَوْ أَنَّ شَرِيكَيْنِ اقْتَسَمَا دُورًا أَوْ رَقِيقًا أَوْ أَرْضًا أَوْ عُرُوضًا، فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا بِعَبْدٍ مَنْ الْعَبِيدِ عَيْبًا أَوْ بِبَعْضِ الدُّورِ أَوْ بِبَعْضِ الْعُرُوضِ الَّتِي صَارَتْ في حَظِّهِ عَيْبًا، كَيْفَ يَصْنَعُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ مِثْلَ الْبُيُوعِ وَالدُّورِ لَيْسَ فيهَا فَوْتٌ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ فيهِ الْعَيْبَ، هُوَ وَجْهَ مَا أَخَذَ في نَصِيبِهِ وَكَثْرَتَهُ، رَدَّ ذَلِكَ كُلَّهُ وَرَجَعَ عَلَى حَقِّهِ وَرُدَّتْ الْقِسْمَةُ، إلَّا أَنْ يَفُوتَ مَا في يَدَيْ صَاحِبِهِ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ حَبْسٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ هَدْمٍ يَكُونُ قَدْ هَدَمَ دَارِهِ فَبَنَاهَا فَهَذَا عِنْدَ مَالِكٍ كُلُّهُ فَوْتٌ.
قَالَ: فَإِنْ فَاتَتْ في يَدِ هَذَا، وَأَصَابَ هَذَا الْآخَرُ عَيْبًا فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا وَيَأْخُذُ مِنْ الَّذِي فَاتَتْ الدُّورُ في يَدَيْهِ نِصْفَ قِيمَةِ الدُّورِ يَوْمَ قَبَضَهَا، وَتَكُونُ هَذِهِ الدُّورُ الَّتِي رَدَّهَا صَاحِبُهَا بِالْعَيْبِ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ رُدَّتْ وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهَا، وَاخْتِلَافُ الْأَسْوَاقِ عِنْدَ مَالِكٍ لَيْسَ بِفَوْتٍ في الدُّورِ.
قُلْت: وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ أَقَلَّ مِمَّا في يَدَيْهِ مِنْ الَّذِي صَارَ لَهُ رَدَّهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ الَّذِي وَجَدَ بِهِ الْعَيْبَ أَقَلَّ مِمَّا في يَدَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، وَلَيْسَ مِنْ أَجْلِهِ اشْتَرَاهُ؛ رَدَّهُ وَنَظَرَ إلَيْهِ كَمْ هُوَ مِمَّا اشْتَرَى، فَإِنْ كَانَ السُّبْعَ أَوْ الثُّمُنَ رَجَعَ إلَى قِيمَةِ مَا في يَدَيْ أَصْحَابِهِ وَأَخَذَ مِنْهُمْ قِيمَةَ نِصْفِ سُبْعِ ذَلِكَ أَوْ نِصْفِ ثُمُنِهِ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، وَلَمْ يَرْجِعْ بِشَيْءٍ مِمَّا في أَيْدِيهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَبِيعُ الدَّارَ ثُمَّ يَجِدُ الْمُشْتَرِي بِهَا عَيْبًا، أَوْ يُسْتَحَقُّ مِنْهَا شَيْءٌ.
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ بِهِ عَيْبًا وَاسْتُحِقَّ مِنْ الدَّارِ الشَّيْءُ التَّافِهُ،
مِثْلُ الْبَيْتِ يَكُونُ في الدَّارِ الْعَظِيمَةِ أَوْ النَّخَلَاتِ تَكُونُ في النَّخْلِ الْكَثِيرَةِ، فَإِنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَيَلْزَمُهُ الْبَيْعُ فيمَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ جُلَّ ذَلِكَ رَدَّهُ.
فَكَذَلِكَ الْقِسْمَةُ وَالدَّارُ الْوَاحِدَةُ وَالدُّورُ الْكَثِيرَةُ إذَا أَصَابَ بِهَا عَيْبًا، سَوَاءٌ عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ، إنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ الْعَيْبُ يَسِيرًا رَدَّ ذَلِكَ الَّذِي أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَيَلْزَمُهُ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِاَلَّذِي يُصِيبُهُ مِنْ قِيمَةِ مَا بَقِيَ في يَدِهِ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ في شَيْءٍ مِمَّا في يَدَيْهِ فيشَارِكَهُ فيهِ، فَإِنَّمَا لَهُ قِيمَةُ ذَلِكَ ذَهَبًا أَوْ وَرِقًا، كَانَ حَظُّ صَاحِبِهِ قَائِمًا أَوْ فَائِتًا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ اقْتَسَمَاهُ فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا في حَظِّهِ نَخْلًا وَدُورًا وَرَقِيقًا وَحَيَوَانًا، وَأَخَذَ الْآخَرُ في حَظِّهِ بَزًّا وَعِطْرًا وَجَوْهَرًا، تَرَاضَيَا بِذَلِكَ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا في بَعْضِ مَا صَارَ لَهُ عَيْبًا، فَأَصَابَ ذَلِكَ في الْجَوْهَرِ وَحْدَهُ أَوْ في بَعْضِ الْعِطْرِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ مَا صَارَ لَهُ في نَصِيبِهِ، أَوْ يَرُدَّ هَذَا الَّذِي أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ وَحْدَهُ؟
قَالَ: يُنْظَرُ في ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ بِهِ الْعَيْبَ هُوَ وَجْهَ مَا صَارَ لَهُ؛ رَدَّ جَمِيعَهُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَدَّ ذَلِكَ وَحْدَهُ بِعَيْنِهِ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.

.مَا جَاءَ في الْحِنْطَةِ يَقْتَسِمَانِهَا فيجِدُ أَحَدُهُمَا بِحِنْطَتِهِ عَيْبًا:

قُلْت: قَالَ مَنْ فَخَّ بَيْنَ اثْنَيْنِ وِرْثَاهُ فَاقْتَسَمَاهُ، وَطَحَنَ أَحَدُهُمَا حِصَّتَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ في حِنْطَتِهِ مَنْ عَفَنٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى صَاحِبِهِ، كَيْفَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: يَرُدُّ صَاحِبُهُ الَّذِي لَمْ يَطْحَنْ حِنْطَتَهُ إنْ كَانَتْ لَمْ تَفُتْ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ فَاتَتْ أَخْرَجَ مَكِيلَتَهَا وَيُخْرِجُ هَذَا الَّذِي طَحَنَ حِنْطَتَهُ قِيمَةَ حِنْطَتِهِ الَّتِي طَحَنَ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا.
قُلْت: وَلِمَ لَا يُخْرِجُ هَذَا الَّذِي طَحَنَ حِنْطَتَهُ حِنْطَةً مِثْلَهَا مَعْفُونَةً مَعِيبَةً، فَتَكُونَ بَيْنَهُمَا نِصْفينِ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا إذَا وَجَدَ بِهَا الْمُشْتَرِي عَيْبًا وَقَدْ فَاتَتْ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهَا لَمْ يُخْرِجْ مِثْلَهَا، وَلِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى حِنْطَةً بِدَرَاهِمَ فَأَتْلَفَهَا فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ في دَرَاهِمِهِ بِقَدْرِ الْعَيْبِ، وَلَا يُقَالُ لَهُ رُدَّ حِنْطَةً مِثْلَهَا مَعْفُونَةً مَعِيبَةً؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِحِنْطَةٍ مِثْلِهَا مَعْفُونَةٍ مَعِيبَةٍ، لَمْ يُحِطْ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا وَالْحَيَوَانُ كَذَلِكَ.
وَهَذَا الَّذِي قَاسَمَ صَاحِبَهُ حِنْطَتَهُ وَطَحَنَهَا فَظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ بَعْدَ طَحْنِ صَاحِبِهِ، إنْ أَرَادَ أَنْ يَرْجِعَ في حِصَّةِ صَاحِبِهِ مِنْ الْحِنْطَةِ بِنِصْفِ الْعَيْبِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَصِيرُ حِنْطَةً بِحِنْطَةٍ وَفَضْلٍ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ.
فَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَصْلُحُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ أَنْ يُخْرِجَ قِيمَةَ الْحِنْطَةِ الَّتِي طَحَنَهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَهَا لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ كَائِنَةً مَا كَانَتْ، طَعَامًا أَوْ غَيْرَهُ فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ فَاتَتْ عِنْدَهُ، لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَقُولَ أَنَا أُخْرِجُ مِثْلَهَا؛ لِأَنَّهُ لَا يُحَاطُ بِمَعْرِفَتِهِ، وَلَوْ كَانَ يُحَاطُ بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَرَأَيْتُ أَنْ يَكُونَ لَهُ ذَلِكَ، أَنْ يُخْرِجَ مِثْلَهَا مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الطَّعَامَ الْعَفِنَ بِالطَّعَامِ الْعَفِنِ، أَيَصْلُحُ هَذَا مِثْلًا بِمِثْلٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ ذَلِكَ الْعَفَنُ يُشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْعَفَنُ مُتَفَاوِتًا فَلَا خَيْرَ فيهِ، وَكَذَلِكَ الْقَمْحَانِ يَكُونُ فيهِمَا مِنْ التِّبْنِ وَالتُّرَابِ الشَّيْءُ الْخَفيفُ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَثِيرَ التِّبْنِ أَوْ التُّرَابِ حَتَّى يَصِيرَ ذَلِكَ إلَى الْمُخَاطَرَةِ فيمَا بَيْنَهُمَا، أَوْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا نَقِيًّا وَالْآخَرُ مَغْشُوشًا كَثِيرَ التِّبْنِ وَالتُّرَابِ، فَلَا خَيْرَ في ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَا نَقِيَّيْنِ أَوْ يَكُونَ مَا فيهِمَا مِنْ الْغَلَثِ الشَّيْءَ الْخَفيفَ.
فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كَثِيرًا صَارَ إلَى الْمُخَاطَرَةِ وَإِلَى طَعَامٍ بِطَعَامٍ وَلَيْسَ مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَيْسَ هَذَا يُشْبِهُ مَا اخْتَلَفَ مِنْ الطَّعَامِ، مِثْلَ الْبَيْضَاءِ وَالسَّمْرَاءِ أَوْ الشَّعِيرِ وَالسُّلْتُ بَعْضُ هَذِهِ الْأَصْنَافِ بِبَعْضٍ؛ لِأَنَّ هَذَيْنِ الصِّنْفينِ إذَا اخْتَلَفَا جَمِيعًا فيتَبَايَعَانِهِ، وَلِأَنَّ هَذَيْنِ مَغْشُوشَانِ فَلَا يَصْلُحُ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ سَمْرَاءَ مَغْلُوثَةً بِشَعِيرٍ مَغْلُوثٍ، أَيَصْلُحُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا خَفيفًا بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: وَلَيْسَ حَشَفُ التَّمْرِ بِمَنْزِلَةِ غَلَثِ الطَّعَامِ؛ لِأَنَّ الْحَشَفَ مِنْ التَّمْرِ وَالْغَلَثَ إنَّمَا هُوَ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ وَهَذَا كُلُّهُ رَأْيِي.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الطَّعَامَ الْمَغْلُوثَ إذَا كَانَ صُبْرَةً وَاحِدَةً، أَيَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَاهُ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إنْ كَانَ مِنْ صُبْرَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ كَانَ مِنْ صُبْرَتَيْنِ مُخْتَلِفَتَيْنِ لَمْ يَصْلُحْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُدْرَى مَا وَقْعُ غَلْثِ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبَتِهَا.
وَالْوَاحِدَةُ إذَا كَانَتْ مَغْلُوثَةً غَلْثُهَا شَيْءٌ وَاحِدٌ، لَا يَدْخُلُهُ مِنْ خَوْفِ الِاخْتِلَافِ وَالْمُخَاطَرَةِ مَا يَدْخُلُ الصُّبْرَتَيْنِ إذَا كَانَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ غَرْبَلَةِ الْقَمْحِ في بَيْعَتِهِ؟
فَقَالَ: هُوَ الْحَقُّ الَّذِي لَا شَكَّ فيهِ.
فَأَرَى أَنْ يُعْمَلَ بِهِ، وَاَلَّذِي أُجِيزُهُ مِنْ الْقَمْحِ بِالْقَمْحِ أَوْ الْقَمْحِ بِالشَّعِيرِ أَنْ يَكُونَا نَقِيَّيْنِ أَوْ يَكُونَا مُشْتَبِهَيْنِ، وَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَلْثًا وَالْآخَرُ نَقِيًّا، وَلَا يَكُونَا إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَهَذَا الَّذِي سَمِعْتُهُ.
قُلْت: فَإِنْ اقْتَسَمْنَا دَارًا بَيْنَنَا فَبَنَيْتُ حِصَّتِي أَوْ هَدَمْتُهَا، فَأَصَبْتُ عَيْبًا كَانَ في حِصَّتِي قَبْلَ أَنْ أَهْدِمَ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَبْنِيَ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ إذَا هَدَمَ أَوْ بَنَى ثُمَّ أَصَابَ عَيْبًا، فَهُوَ فَوْتٌ وَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ نِصْفِ الْعَيْبِ فيأْخُذُ بِذَلِكَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ قَبْلَ ذَلِكَ، فينْظُرُ مَا فيهِ الْعَيْبُ فيرْجِعُ بِنِصْفِهِ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَهَذَا مِثْلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الْبُيُوعِ.

.في الرَّجُلِ يَشْتَرِي عَبْدًا فيسْتَحَقُّ لِغَيْرِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا فَبَاعَ نِصْفَهُ مَنْ يَوْمِهِ ذَلِكَ، ثُمَّ اسْتَحَقَّ رَجُلٌ رُبُعَ جَمِيعِ الْعَبْدِ، أَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ هَذَا الْعَبْدِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اشْتَرَى عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُهُ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ رَدَّ الْجَمِيعَ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَبْدِ بَعْدَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ، وَيَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ في ثَمَنِ الْعَبْدِ بِقَدْرِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْعَبْدِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ هَذَا الَّذِي اشْتَرَى مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ إذَا اسْتَحَقَّ رُبُعَ جَمِيعِ الْعَبْدِ، أَيَكُونُ عَلَيْهِ في النِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَى شَيْءٌ أَمْ لَا؟
قَالَ: نَعَمْ، يَأْخُذُ الْمُسْتَحِقُّ الرُّبُعَ مِنْهُمَا جَمِيعًا وَيَرْجِعُ هَذَا الْمُشْتَرِي الثَّانِي عَلَى بَائِعِهِ بِقَدْرِ مَا اسْتَحَقَّ مِنْ الْعَبْدِ مِنْ حِصَّتِهِ إنْ شَاءَ أَوْ يَرُدُّ إنْ شَاءَ، وَيَكُونُ لِلْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ عَلَى بَائِعِهِ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ في هَذَا يَكُونُ مُخَيَّرًا.
قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ ثَوْبًا فَبَاعَ نِصْفَهُ مَكَانَهُ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى عَيْبٍ فَرَضِيَ الْمُشْتَرِي الثَّانِي بِالْعَيْبِ وَقَبِلَ الْعَبْدُ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ أَنَا أَرُدُّ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَهُ أَنْ يَرُدَّ إلَّا أَنَّ الْبَائِعَ الْأَوَّلَ بِالْخِيَارِ، وَيُقَالُ لَهُ اُرْدُدْ الْآنَ إنْ أَحْبَبْتُ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُ بَاعَ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَا يَرُدُّ النِّصْفَ الَّذِي بَاعَهُ مِنْ الْعَيْبِ شَيْئًا أَوْ خُذْ نِصْفَ الْعَبْدِ وَادْفَعْ إلَيْهِ نِصْفَ الثَّمَنِ.
قُلْت: فَإِنْ اقْتَسَمْت أَنَا وَصَاحِبِي عَبْدَيْنِ بَيْنَنَا، فَأَخَذْتُ أَنَا عَبْدًا وَهُوَ عَبْدًا فَاسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لِي؟
قَالَ: إنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْكُمَا نِصْفُ عَبْدٍ، فَلَمَّا أَخَذْتَ جَمِيعَ هَذَا الْعَبْدِ وَأَعْطَيْتَ شَرِيكَكَ الْعَبْدَ الْآخَرَ، كُنْتَ قَدْ بِعْتَهُ نِصْفَ ذَلِكَ الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لَهُ بِنِصْفِ هَذَا الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لَكَ، فَلَمَّا اُسْتُحِقَّ نِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي في يَدَيْكَ، قُسِمَ هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى النِّصْفِ الَّذِي كَانَ لَكَ وَعَلَى النِّصْفِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهُ مِنْ صَاحِبِكَ، فيكُونُ نِصْفُ النِّصْفِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ نَصِيبِكَ وَنِصْفُ النِّصْفِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِكَ، فَتَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِكَ بِرُبُعِ الْعَبْدِ الَّذِي في يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ ثَمَنٌ لِمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ الْعَبْدِ الَّذِي في يَدَيْكَ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِكَ، فَتَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِكَ إنْ كَانَ الْعَبْدُ لَمْ يَفُتْ في يَدِ صَاحِبِكَ، وَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ قَدْ فَاتَ في يَدِ صَاحِبِكَ كَانَ لَكَ عَلَيْهِ رُبُعُ قِيمَتِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ، وَلَا تَكُونُ بِالْخِيَارِ في أَنْ تَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ عَلَى صَاحِبِكَ فَتَأْخُذَ نِصْفَ عَبْدِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الدَّارِ وَالْأَرْضِ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فيسْتَحَقُّ مِنْهَا الطَّائِفَةُ.
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهَا يَسِيرًا، رَأَيْتُ أَنْ يَرْجِعَ بِقِيمَتِهِ مِنْ الثَّمَنِ وَلَا يُنْتَقَضُ الْبَيْعُ فيمَا بَيْنَهُمَا.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى الْبَيْتَ مِنْ الدَّارِ الْجَامِعَةِ وَالنَّخْلَةَ مِنْ النَّخْلِ الْكَثِيرَةِ وَالشَّيْءَ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَرْضِ الْكَثِيرَةِ، لَيْسَ إذَا اُسْتُحِقَّ الْفَسَادُ لَهَا، فَأَرَى أَنْ يَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ الْبَيْعُ فيمَا بَقِيَ في يَدَيْهِ، وَيَرْجِعُ في الثَّمَنِ بِقَدْرِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ.
وَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ هُوَ جُلُّ الدَّارِ وَلَهُ الْقَدْرُ مِنْ الدَّارِ؛ رَأَيْتُ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ مِنْ الدَّارِ وَيَرْجِعَ في الثَّمَنِ بِقَدْرِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَيَأْخُذَ الثَّمَنَ كُلَّهُ فَذَلِكَ لَهُ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَالْغُلَامُ وَالْجَارِيَةُ يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فيسْتَحَقُّ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُشْبِهُ الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ عِنْدِي الدُّورَ وَالْأَرَضِينَ وَلَا النَّخْلَ؛ لِأَنَّ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ يُرِيدُ أَهْلُهُمْ أَنْ يَظْعَنُوا بِهِمْ وَيَطَأُ الرَّجُلُ الْجَارِيَةَ وَيُسَافِرُ الرَّجُلُ بِالْغُلَامِ، فَهُوَ في الْعَبْدِ وَالْجَارِيَةِ إذَا اشْتَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا فَاسْتُحِقَّ مِنْهُ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ كَانَ بِخِيَارٍ، إنْ أَحَبَّ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ وَيَرْجِعَ في الثَّمَنِ بِقَدْرِ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْهُ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ كُلَّهُ فَذَلِكَ لَهُ، فَمَسْأَلَتُكَ في الْقِسْمَةِ في الْعَبْدَيْنِ عِنْدِي تُشْبِهُ الدُّورَ وَلَا تُشْبِهُ الْعَبِيدَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَانَ لَهُ في كُلِّ عَبْدٍ نِصْفُهُ، فَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ الْوَطْءِ إنْ كَانَتَا جَارِيَتَيْنِ وَكَانَ مَمْنُوعًا مِنْ أَنْ يُسَافِرَ بِهِمَا إنْ كَانَا عَبْدَيْنِ، فَلَمَّا قَاسَمَ صَاحِبَهُ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفَ عَبْدِهِ بِنِصْفِ صَاحِبِهِ فَاسْتُحِقَّ مِنْ نِصْفِ صَاحِبِهِ رُبُعُهُ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ نِصْفَ صَاحِبِهِ كُلَّهُ، وَلَكِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ الرُّبُعِ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْهُ في الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لِصَاحِبِهِ إنْ كَانَ لَمْ يَفُتْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ رَجَعَ عَلَيْهِ بِرُبُعِ قِيمَةِ الْعَبْدِ الَّذِي صَارَ لِصَاحِبِهِ يَوْمَ قَبْضِهِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَالْفَوْتُ في الْعَبِيدِ في مِثْلِ هَذَا: النَّمَاءُ وَالنُّقْصَانُ وَالْبَيْعُ وَاخْتِلَافُ الْأَسْوَاقِ، أَوَلَا تَرَى أَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلَعَ فيجِدُ بِبَعْضِهَا عَيْبًا أَوْ يُسْتَحَقُّ مِنْهَا الشَّيْءُ.
قَالَ: إنْ كَانَ الَّذِي وَجَدَ بِهِ عَيْبًا أَوْ اُسْتُحِقَّ لَيْسَ هُوَ جُلَّ ذَلِكَ وَلَا كَثْرَتَهُ وَلَا مِنْ أَجَلِهِ اشْتَرَى؛ رَدَّهُ بِعَيْنِهِ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ فيمَا بَقِيَ.
فَكَذَلِكَ هَذَا الْعَبْدُ، لَيْسَ الرُّبُعُ جُلَّ مَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا فيهِ طَلَبُ الْفَضْلِ، فَلَمَّا قَالَ مَالِكٌ هَذَا في هَذَا.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ إذَا اشْتَرَاهُ كُلَّهُ مِنْ رَجُلٍ لِأَنَّ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَافِرَ بِهِ وَلِأَنَّ لَهُ في الْجَارِيَةِ أَنْ يَطَأَهَا إذَا اشْتَرَاهَا، فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا الْقَلِيلُ رَدَّهَا إنْ أَحَبَّ وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حُجَّةٌ أَنْ يَقُولَ لَا أَقْبَلُهَا؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا الشَّيْءُ الْيَسِيرُ؛ لِأَنَّ هَذَا قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْهُ الْمَنْفَعَةُ الَّتِي كَانَتْ في الْوَطْءِ وَالْأَسْعَارِ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا، وَأَمَّا الَّذِي قَاسَمَ صَاحِبَهُ فَأَخَذَ في نِصْفِ عَبْدِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ نِصْفَ عَبْدِ صَاحِبِهِ الَّذِي كَانَ مَعَهُ شَرِيكًا فَاسْتُحِقَّ الرُّبُعُ مِنْ نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ مِنْ حَظِّ شَرِيكِهِ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْجَارِيَةَ إنَّمَا يَرُدُّهُمَا في هَذَا إلَى الْحَالِ الْأُولَى، وَقَدْ كَانَ في الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ في الْحَالِ الْأُولَى قَبْلَ الْقِسْمَةِ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُسَافِرَ بِهِمَا وَلَا يَطَأَ الْجَارِيَةَ.
فَالْعَبِيدُ إذَا كَانُوا بَيْنَ الشُّرَكَاءِ فَاقْتَسَمُوهُمْ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ مِنْ بَعْضِهِمْ بَعْضُ مَا في يَدَيْهِ، إنَّمَا يُحْمَلُونَ مَحْمَلَ السِّلَعِ وَالدُّورِ إذَا اُشْتُرِيَتْ فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهَا إنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ كَثِيرًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ، وَإِنْ كَانَ تَافِهًا يَسِيرًا لَا قَدْرَ لَهُ لَمْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ وَيَرْجِعُ بِمَا يُصِيبُهُ عَلَى قَدْرِ مَا فَسَّرْتُ لَكَ، وَهَذَا في الْقِسْمَةِ في الْعَبِيدِ كَذَلِكَ سَوَاءٌ؛ أَلَا تَرَى أَنَّ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدَيْنِ وَهُمَا في الْقِيمَةِ سَوَاءٌ لَا تَفَاضُلَ بَيْنَهُمَا فَاسْتُحِقَّ مِنْهُمَا وَاحِدٌ لَمْ يَرُدَّ الثَّانِي مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ أَحَدَهُمَا لِصَاحِبِهِ، فَكَذَلِكَ النِّصْفُ حِينَ اشْتَرَى لَمْ يَشْتَرِ الرُّبُعَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ لِلرُّبُعِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يُسْتَحَقَّ، فيكُونَ لَهُ حُجَّةٌ يَرُدُّهُ بِهَا أَوْ يَقُولُ كُنْتُ أُسَافِرُ بِالْعَبْدِ أَوْ أَطَأُ الْجَارِيَةَ فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَكُونَ مَعِي شَرِيكٌ فَتَكُونُ لَهُ حُجَّةٌ، فَلَمَّا لَمْ تَكُنْ لَهُ في هَذَا الْوَجْهِ وَلَا في هَذَا الْوَجْهِ الْآخَرِ حُجَّةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ مِنْ نَصِيبِ صَاحِبِهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ، وَلَكِنْ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِرُبُعِ الْعَبْدِ إنْ كَانَ لَمْ يَفُتْ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَاتَ فَبِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.

.مَا جَاءَ في اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الصَّفْقَةِ:

قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَيْت عَشَرَةَ أَعْبُدٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ قِيمَةُ كُلِّ عَبْدٍ مِائَةُ دِينَارٍ فَاسْتُحِقَّ مِنْ الْعَبِيدِ تِسْعَةُ أَعْبُدٍ وَبَقِيَ مِنْهُمْ عِنْدِي عَبْدٌ وَاحِدٌ فَأَرَدْتُ رَدَّهُ، أَيَكُونُ لِي ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، تَرُدُّ إذَا اُسْتُحِقَّ جُلُّ السِّلْعَةِ الَّتِي مِنْهَا تَرْجُو الْفَضْلَ وَالرِّبْحَ أَوْ كَثْرَتَهُ، وَلَا يُنْظَرُ في ذَلِكَ إلَى اسْتِوَاءِ قِيمَةِ الْمَتَاعِ وَلَا تَفَاوُتِ ذَلِكَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الصَّفْقَةُ دَارًا وَعَبْدًا وَدَابَّةً وَثَوْبًا وَجَوْهَرًا وَعِطْرًا، فَأَصَابَ بِأَكْثَرِ هَذِهِ الصُّنُوفِ عَيْبًا أَوْ اُسْتُحِقَّ أَكْثَرُهَا، وَكُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا في الثَّمَنِ قَرِيبٌ مِنْ صَاحِبِهِ، وَلَيْسَ مِنْ هَذِهِ الصُّنُوفِ شَيْءٌ اُشْتُرِيَ الصِّنْفُ الْآخَرُ لِمَكَانِهِ وَلَا فيهِ طَلَبُ الْفَضْلِ، وَلَكِنْ طَلَبَ الْفَضْلَ في جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَرُدَّ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَرُدَّ مَا بَقِيَ في يَدَيْهِ بَعْدَ الِاسْتِحْقَاقِ إذَا كَانَ إنَّمَا اُسْتُحِقَّ مِنْ ذَلِكَ أَكْثَرُ الْمَتَاعِ، أَوْ الَّذِي يَرْجُو فيهِ النَّمَاءَ وَالْفَضْلَ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِي اقْتَسَمْنَاهَا فَأَخَذْتُ أَنَا رُبُعَهَا مِنْ مُقَدَّمِهَا وَأَخَذَ صَاحِبِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهَا مِنْ مُؤَخَّرِهَا، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ ذَلِكَ جَائِزٌ في قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ في الْبُيُوعِ، فَإِذَا جَازَ في الْبُيُوعِ جَازَ في الْقِسْمَةِ.
قُلْت: فَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدَيْ هَذَا الَّذِي أَخَذَ الرُّبُعَ نِصْفُ مَا في يَدَيْهِ، كَيْفَ يَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ؟
قَالَ: يَرْجِعُ عَلَى الَّذِي أَخَذَ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الدَّارِ مِنْ مُؤَخَّرِ الدَّارِ بِقِيمَةِ رُبُعِ مَا في يَدَيْهِ، وَكَذَلِكَ إنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ صَاحِبِ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ نِصْفُ مَا في يَدَيْهِ أَوْ ثُلُثُهُ فَعَلَى هَذَا يُعْمَلُ فيهِ، وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ في الْبُيُوعِ.
قُلْت: وَلَا تُنْتَقَضُ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا في هَذَا الِاسْتِحْقَاقِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: الْقِسْمَةُ لَا تُنْتَقَضُ فيمَا إذَا كَانَ مَا اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَافِهًا يَسِيرًا، فَإِنْ كَانَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ مِنْ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا هُوَ جُلُّ مَا في يَدَيْهِ، فَأَرَى الْقِسْمَةَ تُنْتَقَضُ فيمَا بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا تُحْمَلُ مَحْمَلَ الْبُيُوعِ، وَلِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ لِمَنْ اُسْتُحِقَّ في يَدَيْهِ شَيْءٌ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا بِعْتُكَ نِصْفَ مَا في يَدَيْكَ بِنِصْفِ مَا في يَدَيَّ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبَيْعٍ إنَّمَا هُوَ مُقَاسَمَةٌ.
فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءُ التَّافِهُ الَّذِي لَا يَكُونُ فيهِ ضَرَرٌ لِمَا يَبْقَى في يَدَيْهِ ثَبَتَتْ الْقِسْمَةُ فيمَا بَيْنَهُمَا وَلَمْ تُنْتَقَضْ، وَيَرْجِعُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الَّذِي اُسْتُحِقَّ ضَرَرًا لِمَا يَبْقَى في يَدَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ رَدَّهُ كُلَّهُ وَرَجَعَ فَقَاسَمَ صَاحِبَهُ الثَّانِيَةَ إلَّا أَنْ يَفُوتَ نَصِيبُ صَاحِبِهِ فيخْرِجَ الْقِيمَةَ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: هَذَا الَّذِي أَسْمَعُكَ تَذْكُرُ عَنْ مَالِكٍ إذَا اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ لَمْ تُنْتَقَضْ الْقِسْمَةُ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ الْكَثِيرُ اُنْتُقِضَتْ الْقِسْمَةُ، مَا حَدُّ هَذَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الرَّجُلِ يَبِيعُ الدَّارَ فيسْتَحَقُّ النِّصْفُ مِنْهَا في يَدِ الْمُشْتَرِي، فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ.
قُلْت: فَإِنْ اُسْتُحِقَّ مِنْ الدَّارِ الثُّلُثُ؟
قَالَ: لَمْ يَجِدْ لَنَا مَالِكٌ في الثُّلُثِ شَيْئًا أَحْفَظُهُ، وَلَكِنِّي أَرَى الثُّلُثَ كَثِيرًا وَأَرَى أَنْ يَرُدَّ الدَّارَ إذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ الدَّارِ فَسَادٌ عَلَى الْمُشْتَرِي.