فصل: كِتَابُ الْحَجِّ الثَّالِثِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.(في الرجل يحلف بصدقة ماله في سبيل الله أو المساكين):

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَإِذَا حَلَفَ بِصَدَقَةِ مَالِهِ فَحَنِثَ، أَوْ قَالَ مَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحَنِثَ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ سَمَّى شَيْئًا بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الشَّيْءُ جَمِيعَ مَالِهِ، فَقَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَلَى الْمَسَاكِينِ بِعَبْدِي هَذَا وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، أَوْ قَالَ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُهُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ إنْ كَانَ حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ وَإِنْ كَانَ قَالَ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلْيَجْعَلْهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قُلْت: أَيَبْعَثُ بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَبْعَثُ بِثَمَنِهِ؟
قَالَ: بَلْ يَبِيعُهُ فَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ إلَى مَنْ يَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ مَوْضِعِهِ إنْ وَجَدَ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَبْعَثْ بِثَمَنِهِ، قُلْت: فَإِنْ حَنِثَ وَيَمِينُهُ بِتَصَدُّقِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ أَيَبِيعُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ فَرَسًا أَوْ سِلَاحًا أَوْ سُرُوجًا أَوْ أَدَاةً مِنْ أَدَاةِ الْحَرْبِ؟
فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُسَمِّيهَا بِأَعْيَانِهَا، أَيَبِيعُهَا أَمْ يَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلْ يَجْعَلُهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَعْيَانِهَا إنْ وَجَدَ مَنْ يَقْبَلُهَا إذَا كَانَ سِلَاحًا أَوْ دَوَابَّ أَوْ أَدَاةَ الْحَرْبِ، إلَّا أَنْ يَكُونَ بِمَوْضِعٍ لَا يَبْلُغُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ الَّذِي فِيهِ الْجِهَادُ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ وَلَا مَنْ يُبْلِغُهُ لَهُ، فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَبِيعَ ذَلِكَ وَيَبْعَثَ بِثَمَنِهِ فَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قُلْت: أَفَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ أَوْ يُعْطِيه دَرَاهِمَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَأَرَاهُ أَنْ يَجْعَلَ فِي مِثْلِهِ مِنْ الْأَدَاةِ وَالْكُرَاعِ.
قُلْت: مَا فَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْبَقَرِ إذَا جَعَلَهَا هَدْيًا جَازَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا وَيَشْتَرِيَ بِأَثْمَانِهَا الْإِبِلَ إذَا لَمْ يَبْلُغْ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْبَقَرَ وَالْإِبِلَ إنَّمَا هِيَ كُلُّهَا لِلْأَكْلِ، وَهَذِهِ إذَا كَانَتْ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا فَإِنَّمَا هِيَ قُوَّةٌ عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ لَيْسَ لِلْأَكْلِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ ثَمَنَهُ فِي مِثْلِهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ حَلَفَ بِصَدَقَةِ هَذِهِ الْخَيْلِ وَهَذَا السِّلَاحِ وَهَذِهِ الْأَدَاةِ، بَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ يَمِينُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ بَاعَهُ وَأَهْدَى ثَمَنَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِذَا حَلَفَ الرَّجُلُ؟
فَقَالَ: إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَمَالِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَإِنَّمَا سَبِيلُ اللَّهِ عِنْدَ مَالِكٍ فِي مَوَاضِعِ الْجِهَادِ وَالرِّبَاطِ؟
قَالَ مَالِكٌ: سُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا فِي الْجِهَادِ، قَالَ مَالِكٌ فَلْيُعْطِ فِي السَّوَاحِلِ وَالثُّغُورِ.
قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: أَفَيُعْطِي فِي جُدَّةَ؟
قَالَ: لَا وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِثْلَ سَوَاحِلِ الرُّومِ وَالشَّامِ وَمِصْرَ.
قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إنَّهُ كَانَ بِجُدَّةِ أَيُّ خَوْفٍ؟
فَقَالَ: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مَرَّةً وَلَمْ يَرَ جُدَّةَ مِنْ السَّوَاحِلِ الَّتِي هِيَ مَرَابِطُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَفَ بِالصَّدَقَةِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَبِالْهَدْيِ، فَهَذِهِ الثَّلَاثَةُ الْأَيْمَانُ سَوَاءٌ إنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ صَدَقَةً أَوْ هَدْيًا أَوْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَجْزَأَهُ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَإِنْ كَانَ سَمَّى وَأَتَى فِي التَّسْمِيَةِ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَبْعَثَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إنْ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ فِي الْهَدْيِ، وَإِنْ كَانَ فِي صَدَقَةٍ تَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ.
قُلْت: فَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْت كَذَا وَكَذَا فَأَنَا أُهْدِي عَبْدِي هَذَا أَوْ أُهْدِي جَمِيعَ مَالِي فَحَنِثَ، مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يُهْدِيَ عَبْدَهُ الَّذِي سَمَّى وَثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ، قُلْت: وَكَذَلِكَ هَذَا فِي الصَّدَقَةِ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُهْدِيَ بَدَنَةً فَعَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ بَعِيرًا فَيَنْحَرَهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَعِيرًا فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَقَرَةً فَسَبْعٌ مِنْ الْغَنَمِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ يَجِدُ الْإِبِلَ فَاشْتَرَى بَقَرَةً فَنَحْرَهَا وَقَدْ كَانَتْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ أَيُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْإِبِلَ اشْتَرَى الْبَقَرَ.
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: وَالْبَقَرُ أَقْرَبُ شَيْءٍ مِنْ الْبُدْنِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنَّمَا ذَلِكَ عِنْدِي إنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً أَيْ إذَا قَصَرَتْ النَّفَقَةُ فَلَمْ تَبْلُغْ نَفَقَتُهُ بَدَنَةً وَسِعَ لَهُ أَنْ يُهْدِيَ مِنْ الْبَقَرِ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ نَفَقَتُهُ الْبَقَرَ اشْتَرَى الْغَنَمَ.
قَالَ: وَلَا يُجْزِئُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَشْتَرِيَ الْبَقَرَ إذَا كَانَ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ، إلَّا أَنْ لَا يَبْلُغَ نَفَقَتُهُ بَدَنَةً لِأَنَّهُ قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَهُوَ إنْ بَلَغَتْ نَفَقَتُهُ فَهُوَ يَجِدُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَكَذَلِكَ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَخَارِجَةُ بْنُ زَيْدٍ وَقَطِيعٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهُمْ أَيْضًا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالُوا: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ بَدَنَةً فَبَقَرَةٌ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَجِدْ الْغَنَمَ أَيُجْزِئُهُ الصِّيَامُ؟
قَالَ: لَا أَعْرِفُ الصِّيَامَ فِيمَا نَذَرَ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَصُومَ فَإِنْ أَيْسَرَ يَوْمًا مَا كَانَ عَلَيْهِ مَا نَذَرَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ أَحَبَّ الصِّيَامَ فَعَشَرَةُ أَيَّامٍ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَنْذِرُ عِتْقَ رَقَبَةٍ إنْ فَعَلَ اللَّهُ بِهِ كَذَا وَكَذَا، أَتَرَى أَنْ يَصُومَ إنْ لَمْ يَجِدْ رَقَبَةً؟
قَالَ: قَالَ لِي مَالِكٌ: مَا الصِّيَامُ عِنْدِي يُجْزِئُهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يَصُومَ، فَإِنْ أَيْسَرَ يَوْمًا مَا أَعْتَقَ فَهَذَا عِنْدِي مِثْلُهُ.

.(في الرجل يقول مالي قي رتاج الكعبة أو حطيم الكعبة):

قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْنَا مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ مَالِي فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى عَلَيْهِ فِي هَذَا شَيْئًا لَا كَفَّارَةَ يَمِينٍ وَلَا يُخْرِجُ فِيهِ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالرِّتَاجُ عِنْدِي هُوَ الْبَابُ فَأَنَا أَرَاهُ خَفِيفًا وَلَا أَرَى فِيهِ شَيْئًا قَالَ: قَالَهُ لَنَا غَيْرَ مَرَّةٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ مَالِي فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ، أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ حَطِيمَ الْكَعْبَةِ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ الْكَعْبَةَ أَوْ أَنَا أَضْرِبُ بِهِ أَسْتَارَ الْكَعْبَةِ؟
قَالَ: مَا سَمِعْت مِنْ مَالِكٍ فِي هَذَا شَيْئًا.
وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ إذَا قَالَ مَالِي فِي كِسْوَةِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي طِيبِ الْكَعْبَةِ أَنْ يُهْدِيَ ثُلُثَ مَالِهِ فَيُدْفَعُ إلَى الْحَجَبَةِ وَأَمَّا إذَا قَالَ مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ أَوْ فِي الْكَعْبَةِ أَوْ فِي رِتَاجِ الْكَعْبَةِ فَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ شَيْءٌ، لِأَنَّ الْكَعْبَةَ لَا تُنْقَضُ فَتُبْنَى بِمَالِ هَذَا وَلَا يُنْقَضُ الْبَابُ فَيُجْعَلُ مَالُ هَذَا فِيهِ.
قَالَ وَسَمِعْت مَالِكًا يَقُولُ: رِتَاجُ الْكَعْبَةِ هُوَ الْبَابُ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَالِي فِي حَطِيمِ الْكَعْبَةِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، وَذَلِكَ أَنَّ الْحَطِيمَ لَا يُبْنَى فَتُجْعَلُ نَفَقَةٌ هَذَا فِي بُنْيَانِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي أَنَّ الْحَطِيمَ فِيمَا بَيْنَ الْبَابِ إلَى الْمَقَامِ، قَالَ وَأَخْبَرَنِي بِهِ بَعْضُ الْحَجَبَةِ.
قَالَ: وَمَنْ قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِمَالِي حَطِيمَ الْكَعْبَةِ، فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَجُّ أَوْ الْعُمْرَةُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ شَيْءٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ أَنَا أَضْرِبُ بِكَذَا وَكَذَا الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ أَوْ يَعْتَمِرُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إذَا لَمْ يَرُدَّ حُمْلَانَ ذَلِكَ الشَّيْءِ عَلَى عُنُقِهِ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فَكَذَلِكَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَا يَبْعَثُ بِهِ إلَى الْبَيْتِ مِنْ الْهَدَايَا، مَنْ الثِّيَابِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْعُرُوضِ، أَتُدْفَعُ إلَى الْحَجَبَةِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ فِيمَنْ قَالَ لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ هُوَ هَدْيٌ قَالَ: يَبِيعُهُ وَيَشْتَرِي بِثَمَنِهِ هَدْيًا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ لَا يَكُونُ فِي مِثْلِهِ هَدْيٌ وَلَا شَاةٌ، رَأَيْت أَنْ يُدْفَعَ إلَى خُزَّانِ الْكَعْبَةِ يَجْعَلُونَهُ فِيمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ شَأْنِ الْكَعْبَةِ.
وَلَقَدْ سَمِعْت مَالِكًا، وَذَكَرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَشْتَرِكُوا مَعَ الْحَجَبَةِ فِي الْخِزَانَةِ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ وَقَالَ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْمَفَاتِيحَ إلَى عُثْمَانَ بْنِ طَلْحَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ، فَكَأَنَّهُ رَأَى هَذِهِ وِلَايَةً مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْظَمَ أَنْ يُشْرِكَ مَعَهُمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ بَدَنَةً أَيْنَ يَنْحَرُهَا؟
قَالَ: بِمَكَّةَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ هَدْيٌ؟
قَالَ: يَنْحَرُهُ أَيْضًا بِمَكَّةَ، قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَنْحَرَ جَزُورًا أَيْنَ يَنْحَرُهُ أَوْ لِلَّهِ عَلَيَّ جَزُورٌ أَيْنَ يَنْحَرُهُ؟
قَالَ: يَنْحَرُهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي هُوَ فِيهِ، قَالَ لِي مَالِكٌ وَلَوْ نَوَى مَوْضِعًا فَلَا يَنْحَرُهُ إلَّا بِمَوْضِعِهِ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَانَ الْجَزُورُ بِعَيْنِهِ أَمْ بِغَيْرِ عَيْنِهِ ذَلِكَ سَوَاءٌ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ نَذَرَهُ لِمَسَاكِينِ الْبَصْرَةِ أَوْ مِصْرَ وَكَانَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَغَيْرِ أَهْلِ مِصْرَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ نَذَرَهُ لِمَسَاكِينِ الْبَصْرَةِ وَمِصْرَ، فَلْيَنْحَرْهَا بِمَوْضِعِهَا وَلْيَتَصَدَّقْ بِهَا عَلَى الْمَسَاكِينِ عِنْدَهُ إذَا كَانَتْ بِعَيْنِهَا أَوْ بِغَيْرِ عَيْنِهَا، أَوْ نَذَرَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيَسُوقَهُ إلَى مِصْرَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَسُوقُ الْبُدْنِ إلَى غَيْرِ مَكَّةَ مِنْ الضَّلَالِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت مَنْ سَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ يَؤُمُّ الْبَيْتَ مَتَى يُقَلِّدُهُ وَيُشْعِرُهُ؟
قَالَ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَوْ أَهْلِ مِصْرَ يَشْتَرِي بَدَنَةً بِالْمَدِينَةِ يُرِيدُ أَنْ يُقَلِّدَهَا وَيُشْعِرَهَا بِذِي الْحُلَيْفَةِ وَيُؤَخِّرَ إحْرَامَهُ إلَى الْجُحْفَةِ؟
قَالَ: لَا يُعْجِبُنِي ذَلِكَ إذَا كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَنْ يُقَلِّدَ وَيُشْعِرَ إلَّا عِنْدَمَا يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ، إلَّا أَنْ يَكُونَ رَجُلًا لَا يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ فَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ يُقَلِّدَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ.
قَالَ: وَبَلَغَنِي أَنَّ مَالِكًا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَعَثَ بِهَدْيِ تَطَوُّعٍ مَعَ رَجُلٍ حَرَامٍ، ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَحُجَّ فَحَجَّ وَخَرَجَ فَأَدْرَكَ هَدْيَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَرَى إنْ أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْحَرَ رَأَيْت أَنْ يُوقِفَهُ حَتَّى يَحِلَّ، وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ فَلَا أَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا كَانَ مَالِكٌ يَكْرَهُ الْقَطْعَ مِنْ الْآذَانِ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدْيِ؟
قَالَ: كَانَ يُوَسِّعُ فِيهَا إذَا كَانَ الَّذِي بِأُذُنِهَا قَطْعًا قَلِيلًا مِثْلَ السِّمَةِ فِي الْأُذُنِ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الشِّقُّ فِي الْأُذُنِ؟
قَالَ: نَعَمْ كَانَ يُوَسِّعُ إذَا كَانَ فِي الْأُذُنِ الشَّيْءُ الْقَلِيلُ مِثْلَ السِّمَةِ وَنَحْوِهَا، قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْأُذُنِ شَيْئًا كَثِيرًا؟
قَالَ: لَمْ يَكُنْ يُجِزْهَا إذَا كَانَتْ مَقْطُوعَةَ الْأُذُنِ أَوْ قَدْ ذَهَبَ مِنْ الْأُذُنِ الشَّيْءُ الْكَثِيرُ.
قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ يُوَسِّعُ فِيمَا ذَكَرْت لَك مِنْ السِّمَةِ أَوْ مَا هُوَ مِثْلُ السُّمْعَةِ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْخَصِيِّ أَيُهْدَى؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: وَكَذَلِكَ الضَّحَايَا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّذِي قَدْ ذَهَبَ بَعْضُ عَيْنِهِ أَيَجُوزُ فِي الضَّحَايَا وَالْهَدْيِ وَالْبُدْنِ وَالنُّسُكِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي عَنْهُ أَنَّهُ وَسَّعَ فِي الْكَوْكَبِ يَكُونُ فِي الْعَيْنِ إذَا كَانَ يُبْصِرُ بِهَا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى النَّاظِرِ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمَرِيضَ أَيَجُوزُ فِي الْهَدْيِ وَالضَّحَايَا أَمْ لَا؟
قَالَ: الْحَدِيثُ الَّذِي جَاءَ: «الْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا».
وَقَالَ: لَا تَجُوزُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا وَلَا الْبَيِّنُ عَرَجُهَا وَبِهَذَا الْحَدِيثِ يَأْخُذُ مَالِكٌ فِي الْعَرْجَاءِ وَالْمَرِيضَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ سَاقَ هَدْيًا تَطَوُّعًا فَعَطِبَ فِي الطَّرِيقُ أَوْ ضَلَّ أَعَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ قَالَ: لَا، قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ بَعْدَمَا ذَهَبَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَيَنْحَرُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ أُضْحِيَّةً ضَلَّتْ مِنْهُ فَأَصَابَهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَيَنْحَرُهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَحَّى فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَإِنْ أَصَابَهَا يَوْمَ النَّحْرِ إذَا كَانَ قَدْ ضَحَّى بِبَدَلِهَا وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهَا بَعْدَمَا ذَهَبَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ أَيَذْبَحُهَا؟
قَالَ: لَا وَلَكِنْ يَصْنَعُ بِهَا مَا شَاءَ، قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْهَدْيِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْهَدْيَ يُشْعَرُ وَيُقَلَّدُ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَالضَّحَايَا لَا تُشْعَرُ وَلَا تُقَلَّدُ وَهُوَ إنْ شَاءَ أَبْدَلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا، وَالْهَدْيُ وَالْبُدْنُ لَيْسَتْ بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ سَاقَ هَدْيًا وَاجِبًا مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ فَضَلَّ فِي الطَّرِيقِ فَأَبْدَلَهُ فَنَحَرَ الْبَدَلَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ أَصَابَ الْهَدْيَ الَّذِي ضَلَّ مِنْهُ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ، أَيَنْحَرُهُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَنْحَرُهُ أَيْضًا، قُلْت: وَلِمَ يَنْحَرُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَقَدْ أَخْرَجَ بَدَلَهُ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ أَوْجَبَهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ فِي مَالِهِ.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَى هَدْيًا تَطَوُّعًا فَلَمَّا قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ أَصَابَ بِهِ عَوَرًا أَوْ عَمًى كَيْفَ يَصْنَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي بِهِ هَدْيًا وَيَرْجِعُ عَلَى صَاحِبِهِ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّاءِ فَيَجْعَلُهُ فِي هَدْيٍ آخَرَ إنْ بَلَغَ مَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ مَا رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَتَصَدَّقُ بِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْت هَذَا الْهَدْيَ الَّذِي قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ وَهُوَ أَعْمَى عَنْ أَمْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ، لِمَ أَوْجَبَهُ مَالِكٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَسُوقَهُ؟
قَالَ: قَوْلُ مَالِكٍ عِنْدِي لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى عَبْدًا وَبِهِ طِيبٌ فَأَعْتَقَهُ عَنْ أَمْرٍ وَجَبَ عَلَيْهِ وَهُوَ أَعْمَى مِمَّا لَا يَجُوزُ فِي الرِّقَابِ الْوَاجِبَةِ، ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي بِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِمَا بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالدَّاءِ فَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى رَقَبَةٍ أُخْرَى، وَلَا تُجْزِئُهُ الرَّقَبَةُ الْأُولَى الَّتِي كَانَ بِهَا الْعَيْبُ عَنْ الْأَمْرِ الْوَاجِبِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرَى الرَّقَبَةَ الْأُولَى رَقِيقًا بَعْدَ عِتْقِهَا وَإِنْ لَمْ تُجْزِهِ عَنْ الَّذِي أَعْتَقَهَا عَنْهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا تَجُوزُ بِهِ الرَّقَبَةُ، جَعَلَ مَا يَسْتَرْجِعُ لِذَلِكَ الْعَيْبِ فِي رَقَبَةٍ أَوْ فِي قُطَاعَةِ مُكَاتَبٍ يَتِمُّ بِهِ عِتْقُهُ وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا صَنَعَ بِهِ مَا شَاءَ، فَالْبَدَنَةُ إذَا أَصَابَ بِهَا عَيْبًا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَرُدَّهَا تَطَوُّعًا كَانَتْ أَوْ وَاجِبَةً وَهِيَ إنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فَعَلَيْهِ بَدَلُهَا وَيَسْتَعِينُ بِمَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ فِي ثَمَنِ بَدَنَتِهِ الْوَاجِبَةِ عَلَيْهِ، قُلْت: وَإِنْ كَانَتْ بَدَنَتُهُ هَذِهِ الَّتِي أَصَابَ بِهَا الْعَيْبَ تَطَوُّعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَدَلُهَا وَجَعَلَ مَا أَخَذَ مِنْ بَائِعِهِ لِعَيْبِهَا الَّذِي أَصَابَهُ بِهَا فِي هَدْيٍ آخَرَ؟
قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ هَدْيًا آخَرَ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ جَنَى عَلَى هَذَا الْهَدْيِ رَجُلٌ فَفَقَأَ عَيْنَهُ أَوْ أَصَابَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ لَهُ أَرْشٌ فَأَخَذه صَاحِبُهُ مَا يَصْنَعُ بِهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الَّذِي رَجَعَ بِعَيْبٍ أَصَابَهُ فِي الْهَدْيِ بَعْدَمَا قَلَّدَهُ.
قُلْت: وَالضَّحَايَا لَوْ أَنَّ رَجُلًا جَنَى عَلَيْهَا فَأَخَذَهَا صَاحِبُهَا لِجِنَايَتِهَا أَرْشًا كَيْفَ يَصْنَعُ بِهَا إنْ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا حِينَ اشْتَرَاهَا أَصَابَهَا عَمْيَاءَ أَوْ عَوْرَاءَ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: الضَّحَايَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ لَيْسَتْ بِمَنْزِلَةِ الْهَدْيِ الضَّحَايَا إذَا أَصَابَ بِهَا عَيْبًا رَدَّهَا وَأَخَذَ ثَمَنَهَا فَاشْتَرَى بِهِ بَدَلَهَا، قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ جَنَى عَلَى هَذِهِ الضَّحَايَا جَانٍ أَخَذَ صَاحِبُهَا مِنْهُ عَقْلَ مَا جَنَى، وَأَبْدَلَ هَذِهِ الضَّحِيَّةَ وَاشْتَرَى غَيْرَهَا وَلَا يَذْبَحُ هَذِهِ الَّتِي دَخَلَهَا بِالْعَيْبِ.

.كِتَابُ الْحَجِّ الثَّالِثِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت كُلَّ هَدْيٍ قَلَّدَهُ رَجُلٌ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ هَدْيِ الْقِرَانِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مَنْ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ أَوْ التَّطَوُّعِ، إذَا قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ ثُمَّ عَطِبَ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ عَمِيَ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ، فَحَمَلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ سَاقَهُ حَتَّى أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ فَنَحَرَهُ بِمِنًى؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُجْزِئُهُ، قُلْت: فَلَوْ سَاقَهُ إلَى مِنًى وَقَدْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَيُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمِنًى أَوْ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً فَيُدْخِلُهُ الْحَرَمَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ قَدْ أَدْخَلَهُ مِنْ الْحِلِّ يُخْرِجُهُ إلَى الْحِلِّ ثَانِيَةً، وَلَكِنْ يَسُوقُهُ إلَى مَكَّةَ فَيَنْحَرُهُ بِمَكَّةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ هَدْيٍ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ فَمَحِلُّهُ مَكَّةُ لَيْسَ لَهُ مَحِلٌّ دُونَ ذَلِكَ وَلَيْسَ مِنًى لَهُ بِمَحِلٍّ، قُلْت: فَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَذَا الْهَدْيِ فَسَاقَهُ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ فَعَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُ وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْ مَحِلَّهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ اشْتَرَى أُضْحِيَّةً عَنْ نَفْسِهِ ثُمَّ بَدَا لَهُ بَعْدَ أَنْ نَوَاهَا أُضْحِيَّةً لِنَفْسِهِ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا أَهْلَ بَيْتِهِ، أَيَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ فِي رَأْيِي، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا لِأَنَّهُ كَانَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَهُمْ أَوَّلًا.
قَالَ: وَالْهَدْيُ عِنْدَ مَالِكٍ مُخَالِفٌ لِلضَّحَايَا.
قُلْت: أَرَأَيْت الْبَقَرَةَ أَوْ النَّاقَةَ أَوْ الشَّاةَ إذَا نَتَجَتْ وَهِيَ هَدْيٌ، كَيْفَ يَصْنَعُ بِوَلَدِهَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: يَحْمِلُ وَلَدَهَا مَعَهَا إلَى مَكَّةَ، قُلْت: أَعْلَيْهَا أَمْ عَلَى غَيْرِهَا؟
قَالَ: إنْ كَانَ لَهُ مَحْمَلٌ يَحْمِلْهُ عَلَى غَيْرِهَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَحْمَلٌ غَيْرَ أُمِّهِ حَمَلَهُ عَلَى أُمِّهِ، قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي أُمِّهِ مَا يَحْمِلُهُ عَلَيْهَا كَيْفَ يَصْنَعُ بِوَلَدِهَا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَرَى أَنْ يَتَكَلَّفَ حَمْلَهُ.
قُلْت: فَهَلْ يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُشْرَبُ مِنْ لَبَنِ الْهَدْيِ شَيْءٌ مَنْ الْأَشْيَاءِ وَلَا مَا فَضَلَ عَنْ وَلَدِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ شَرِبَ مِنْ لَبَنِهَا مَا عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ فِيهِ مِنْ مَالِكٍ شَيْئًا، وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ فِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْ بَعْضِ مَنْ مَضَى فِيهِ رُخْصَةٌ إذَا كَانَ ذَلِكَ بَعْدَ رَيِّ فَصِيلِهَا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ بُعِثَ بِهَدْيٍ تَطَوُّعًا، وَأَمَرْت الَّذِي بُعِثَ بِهِ مَعَهُ إنْ هُوَ عَطِبَ أَنْ يُخَلِّيَ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، فَعَطِبَ فَتَصَدَّقَ بِهِ أَيَضْمَنُهُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا، وَلَكِنِّي لَا أَرَى عَلَى هَذَا ضَمَانًا وَأَرَاهُ قَدْ أَجْزَأَ صَاحِبَهُ، لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَإِنَّمَا هَذَا كَأَنَّهُ رَجُلٌ عَطِبَ هَدْيُهُ تَطَوُّعًا فَخَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ، فَأَتَى رَجُلٌ أَجْنَبِيٌّ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ وَجَعَلَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْمَسَاكِينِ، فَلَا يَكُونُ عَلَى صَاحِبِهِ الَّذِي خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ شَيْءٌ، وَلَا أَرَى عَلَى الَّذِي تَصَدَّقَ بِهِ شَيْئًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْآخَرَ قَدْ خَلَّى بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت إنْ احْتَاجَ إلَى ظَهْرِ هَدْيِهِ كَيْفَ يَصْنَعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا احْتَاجَ إلَى ظَهْرِ الْهَدْيِ رَكِبَهُ، قُلْت: فَإِنْ رَكِبَهُ أَيَنْزِلُ إذَا اسْتَرَاحَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا أَرَى عَلَيْهِ النُّزُولَ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «ارْكَبْهَا وَيْحَك» فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ، وَإِنَّمَا اسْتَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ لَا يَرْكَبَهَا حَتَّى يَحْتَاجَ إلَيْهَا فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا رَكِبَهَا.
قُلْت: أَرَأَيْت إذَا أَطْعَمَ الْأَغْنِيَاءَ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ الْفِدْيَةِ أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْبَدَلُ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَكُون عَلَيْهِ الْبَدَلُ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ أَعْطَى زَكَاتَهُ الْأَغْنِيَاءَ وَهُوَ يَعْرِفُهُمْ لَمْ يُجْزِهِ فَكَذَلِكَ هَذَا، قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءُ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَلَكِنِّي أَرَى إذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَأَعْطَى مِنْهُ الْأَغْنِيَاءَ فَلَا أَرَى ذَلِكَ مُجْزِئًا عَنْهُ فِي الزَّكَاةِ وَالْجَزَاءِ وَالْفِدْيَةِ، وَلَا يَضَعُ عَنْهُ خَطَؤُهُ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ لِلْمَسَاكِينِ وَالْفُقَرَاءِ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ وَمَا يُشْبِهُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كُنَّا رُفَقَاءَ وَقَدْ سُقْنَا كُلُّنَا الْهَدْيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا قَدْ سَاقَ هَدْيَهُ وَقَلَّدَهُ، فَلَمَّا كَانَ النَّحْرُ وَقَعَ الْخَطَأُ بَيْنَنَا فَنَحَرَ هَدْيِي صَاحِبِي وَنَحَرْت هَدْيَهُ أَيُجْزِئُ عَنَّا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ يُجْزِئُ عِنْدِي فِي قَوْلِ مَالِكٍ، لِأَنَّ الْهَدْيَ إذَا أُشْعِرَ وَقُلِّدَ فَمَنْ نَحَرَهُ بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ فَهُوَ مُجْزِئٌ عَنْ صَاحِبِهِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ ضَحَايَا فَأَخْطَئُوا فَنَحَرَ هَذَا أُضْحِيَّةً هَذَا وَنَحَرَ هَذَا أُضْحِيَّةَ هَذَا أَيُجْزِئُ عَنْهُمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الضَّحَايَا وَالْهَدْيِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لِأَنَّ الْهَدْيَ إذَا أُشْعِرَ وَقُلِّدَ لَمْ يَرْجِعْ لِصَاحِبِهِ فِي حَالٍ، وَالضَّحَايَا لِصَاحِبِهَا أَنْ يُبْدِلَهَا بِخَيْرٍ مِنْهَا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.

.كَيْفَ يُنْحَرُ الْهَدْيُ:

قُلْت: كَيْفَ يُنْحَرُ الْهَدْيُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: قِيَامًا، قُلْت: أَمَعْقُولَةٌ أَمْ مَصْفُوفَةٌ يَدَيْهَا؟
قَالَ: قَالَ لَنَا مَالِكٌ: الشَّأْنُ أَنْ يَنْحَرَ قِيَامًا وَلَا أَقُومُ عَلَى حِفْظِ ذَلِكَ السَّاعَةَ فِي الْمَعْقُولَةِ إنْ امْتَنَعَتْ، وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تُنْحَرَ مَعْقُولَةً إنْ امْتَنَعَتْ.
قُلْت: أَفَتُنْحَرُ الْإِبِلُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَالْبَقَرُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ كَيْفَ يُصْنَعُ بِهَا أَتُنْحَرُ أَمْ تُذْبَحُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُذْبَحُ قُلْت: أَيَأْمُرُ بِهَا بَعْدَ أَنْ تُذْبَحَ أَنْ تُنْحَرَ؟
قَالَ: لَا، قُلْت: وَكَذَلِكَ الْإِبِلُ إذَا نَحَرَهَا لَا يَأْمُرُ مَالِكٌ بِذَبْحِهَا بَعْدَ نَحْرِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ لَا يَأْمُرُ بِذَبْحِهَا بَعْدَ نَحْرِهَا.

.إذَا ذَبَحَ الضَّحِيَّةَ أَوْ الْهَدْيَ غَيْرُ صَاحِبِهِ أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ:

قُلْت: فَهَلْ يَكْرَهُ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْحَرَ هَدْيَهُ غَيْرُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، وَكَانَ يَقُولُ: لَا يَنْحَرُ هَدْيَهُ إلَّا هُوَ بِنَفْسِهِ، وَذَكَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ هُوَ بِنَفْسِهِ، قُلْت: فَالضَّحَايَا أَيْضًا كَذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ ذَبَحَ غَيْرِي هَدْيِي أَوْ أُضْحِيَّتِي أَجْزَأَنِي ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَهَلْ كَانَ يَكْرَهُ مَالِكٌ أَنْ يَذْبَحَ النُّسُكَ وَالضَّحَايَا وَالْهَدْيَ نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: فَإِنْ ذَبَحَهَا نَصْرَانِيٌّ أَوْ يَهُودِيٌّ أَجْزَأَتْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يُبْدِلَهَا وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الضَّحَايَا.
وَالْهَدْيُ عِنْدِي مِثْلُهُ.
قُلْت: فَإِنْ ذَبَحَ يَقُولُ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مَنْ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا قَالَ ذَلِكَ فَحَسَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَسَمَّى اللَّهَ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ نَحَرَ هَدْيَهُ بِمِنًى قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا حَلَّ الرَّمْيُ فَلَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ وَلَكِنْ لَا يَنْحَرُ حَتَّى يَرْمِيَ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ رَمَى بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ ثُمَّ نَحَرَ هَدْيَهُ فَقَدْ أَجْزَأَهُ، وَمَنْ رَمَى قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ نَحَرَ لَمْ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ وَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ قُلْت: فَمَنْ سِوَى أَهْلِ مِنًى هَلْ يُجْزِئُهُمْ أَنْ يَنْحَرُوا قَبْلَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَنَحْرِ الْإِمَامِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يُجْزِئُهُمْ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ وَنَحْرِ الْإِمَامِ.
قُلْت: وَأَهْلُ الْبَوَادِي كَيْفَ يَصْنَعُونَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ، الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمْ إمَامٌ وَلَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ جَمَاعَةً؟
قَالَ: يَتَحَرَّوْنَ أَقْرَبَ أَئِمَّةِ الْقُرَى إلَيْهِمْ فَيَنْحَرُونَ بَعْدَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت أَهْلَ مَكَّةَ مَنْ لَمْ يَشْهَدْ الْمَوْسِمَ مِنْهُمْ مَتَى يَذْبَحُ أُضْحِيَّتَهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: هُمْ مِثْلُ أَهْلِ الْآفَاقِ فِي ضَحَايَاهُمْ إذَا لَمْ يَشْهَدُوا الْمَوْسِمَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ هَدْيٌ وَمَا لَيْسَ فِي الْحَجِّ إنَّمَا هُوَ أَضَاحِيُّ.
قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى بِمِنًى يَوْمَ النَّحْرِ شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ بَعِيرًا أَوْ لَمْ يُوقِفْهُ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى الْحِلِّ فَيُدْخِلُهُ الْحَرَمَ وَيَنْوِي بِهِ الْهَدْيَ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِمَا اشْتَرَى أَنْ يُضَحِّيَ أَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ أَوْ يُؤَخِّرَهُ وَتَكُونُ أُضْحِيَّةً تُذْبَحُ إذَا ذَبَحَ النَّاسُ ضَحَايَاهُمْ فِي الْآفَاقِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ؟
قَالَ: يَذْبَحُهَا ضَحْوَةً وَلَيْسَتْ بِضَحِيَّةٍ، لِأَنَّ أَهْلَ مِنًى لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَضَاحِيُّ فِي رَأْيِي قُلْت: أَرَأَيْت مَنْ أَوْقَفَ هَدْيَهُ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ ثُمَّ قَدِمَ بِهِ مَكَّةَ فَنَحَرَهُ بِمَكَّةَ جَاهِلًا وَتَرَكَ مِنًى مُتَعَمِّدًا، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَيَكُونُ قَدْ أَسَاءَ أَمْ لَا يُجْزِئُهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ إذَا أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ فَلَمْ يَنْحَرْهُ بِمِنًى أَيَّامَ مِنًى ضَلَّ مِنْهُ فَلَمْ يَجِدْهُ إلَّا بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى.
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ، وَأَرَى عَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَ هَذَا وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ كَمَا هُوَ.
قَالَ: وَقَدْ أَخْبَرَنِي بَعْضُ مَنْ أَثِقُ بِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَبْلَ الَّذِي سَمِعْت مِنْهُ: إنَّهُ أَصَابَ الْهَدْيَ الَّذِي ضَلَّ مِنْهُ أَيَّامَ مِنًى بَعْدَ مَا أَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ، أَصَابَهُ بَعْدَ أَيَّامِ مِنًى أَنَّهُ يَنْحَرُهُ بِمَكَّةَ وَيُجْزِئُ عَنْهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَوْلُهُ الْأَوَّلُ الَّذِي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ قَوْلِهِ الَّذِي سَمِعْت مِنْهُ، وَأَرَى فِي مَسْأَلَتِك أَنْ يُجْزِئَ عَنْهُ إذَا نَحَرَهُ بِمَكَّةَ.
قُلْت: هَلْ بِمَكَّةَ أَوْ بِعَرَفَاتٍ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جُمُعَةٌ أَمْ هَلْ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَدْرِي مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي هَذَا، إلَّا أَنَّ مَالِكًا قَالَ لَنَا فِي أَهْلِ مَكَّةَ: إذَا وَافَقَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ، وَيَجِبُ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ صَلَاةُ الْعِيدِ، وَيَجِبُ عَلَى مَنْ أَقَامَ بِهَا مِنْ الْحَاجِّ مِمَّنْ قَدْ أَقَامَ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ أَجْمَعَ عَلَى مَقَامِهَا، أَنَّهُ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَهُوَ بِهَا إذَا أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ إلَى مِنًى.

.مَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا جُمُعَةَ بِمِنًى يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَلَا يَوْمَ النَّحْرِ وَلَا أَيَّامَ التَّشْرِيقِ وَلَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْعِيدِ.
قَالَ: وَلَا جُمُعَةَ بِعَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ.

.مَا نُحِرَ قَبْلَ الْفَجْرِ:

قُلْت: أَرَأَيْت مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ سَاقَهُ رَجُلٌ فَنَحَرَهُ لَيْلَةَ النَّحْرِ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، أَيُجْزِئُهُ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَ الْهَدْيُ لِمُتْعَةٍ أَوْ لِقِرَانٍ، هَلْ يُجْزِئُهُ أَوْ لِجَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ مِنْ فِدْيَةٍ أَوْ مِنْ نَذْرٍ أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي كَانَ وَجَبَ عَلَيْهِ إذَا نَحَرَهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟ وَهَلْ هَدْيُ الْمُتْعَةِ فِي هَذَا وَهَدْيُ الْقِرَانِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ الْهَدَايَا أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْهَدَايَا كُلُّهَا إذَا نَحَرَهَا صَاحِبُهَا قَبْلَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ لَمْ تُجْزِهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ سَاقَهَا فِي حَجِّهِ فَلَا تُجْزِئُهُ وَإِنْ هُوَ قَلَّدَ نُسُكَ الْأَذَى فَلَا يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ إلَّا بِمِنًى بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَنْحَرَ حَتَّى يَرْمِيَ وَلَكِنْ إنْ نَحَرَهُ بَعْدَ انْفِجَارِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ يَرْمِيَ أَجْزَأَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْهَدَايَا هَلْ تُذْبَحُ إلَى أَيَّامِ النَّحْرِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تُذْبَحُ الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا إلَّا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ نَهَارًا وَلَا تُذْبَحُ لَيْلًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَتَأَوَّلَ مَالِكٌ هَذِهِ الْآيَةَ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} قَالَ: فَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ الْأَيَّامَ فِي هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ اللَّيَالِيَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ ذَبَحَ الضَّحِيَّةَ بِاللَّيْلِ فِي لَيَالِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَعَادَ بِضَحِيَّةٍ أُخْرَى.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَضَلَّ مِنْهُ وَقَدْ قَلَّدَهُ وَأَشْعَرَهُ فَأَصَابَهُ رَجُلٌ وَهُوَ ضَالٌّ فَأَوْقَفَهُ بِعَرَفَةَ فَأَصَابَهُ رَبُّهُ الَّذِي قَلَّدَهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ ذَلِكَ، أَيُجْزِئُهُ ذَلِكَ التَّوْقِيفُ أَمْ لَا؟
قَالَ: يُجْزِئُهُ فِي رَأْيِي، قُلْت: وَلَمْ يُجْزِئُهُ وَهُوَ لَمْ يُوقِفْهُ؟ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِيمَا يُوقِفُ التُّجَّارُ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ عَمَّنْ اشْتَرَاهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَا أَوْقَفَ التُّجَّارُ فَلَيْسَ مِثْلَ هَذَا، لِأَنَّ هَذَا لَا يَرْجِعُ فِي مَالِهِ إنْ أَصَابَهُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَنْحَرَهُ، وَمَا أَوْقَفَ التُّجَّارُ إنْ لَمْ يُصِيبُوا مَنْ يَشْتَرِيهِ رَدُّوهُ فَبَاعُوهُ وَجَازَ ذَلِكَ لَهُمْ فَلَيْسَ تَوْقِيفُ التُّجَّارِ هَذَا مِمَّا يُوجِبُهُ هَدْيًا وَهَذَا قَدْ وَجَبَ هَدْيًا فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قُلْت: أَرَأَيْت لَوْ أَنَّ رَجُلًا نَحَرَ هَدْيَهُ مِنْ جَزَاءِ الصَّيْدِ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ هَدْيِ قِرَانٍ أَوْ فَوْتِ حَجٍّ أَوْ نُسُكٍ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى، أَيُجْزِئُهُ أَنْ يُطْعِمَ مَسَاكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُطْعِمُ مَسَاكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، قُلْت: فَإِنْ أَطْعَمَ مَسَاكِينَ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْهَا مَا عَلَيْهِ؟
قَالَ: أَرَى إنْ أَطْعَمَ مِنْ جَزَاءِ صَيْدٍ أَوْ فِدْيَةٍ فَعَلَيْهِ الْبَدَلُ فِي رَأْيِي، وَإِنْ كَانَ أَطْعَمَ مِنْ هَدْيٍ غَيْرِ هَذَيْنِ فَهُوَ خَفِيفٌ عِنْدِي، وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْقَضَاءَ وَلَا أَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ وَقَدْ أَسَاءَ فِيمَا صَنَعَ.
قُلْت: أَرَأَيْت الْمَكْسُورَ الْقَرْنِ هَلْ يَجُوزُ فِي الْهَدْيِ وَالضَّحَايَا عِنْدَ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمَكْسُورَةُ الْقَرْنِ جَائِزَةٌ إذَا كَانَ قَدْ بَرَأَ، وَإِذَا كَانَ الْقَرْنُ يُدْمِي فَلَا يَصْلُحُ.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ هَلْ يَجُوزُ الْمَجْرُوحُ وَالدَّبَرُ فِي الْهَدْيِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يُجْزِئُ الدَّبَرُ مِنْ الْإِبِلِ فِي الْهَدْيِ وَذَلِكَ فِي الدَّبَرَةِ الْكَبِيرَةِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَأَرَى الْمَجْرُوحَ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ إذَا كَانَ جُرْحًا كَبِيرًا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَوْ أَنَّ قَوْمًا أَخْطَئُوا فِي ضَحَايَاهُمْ فَذَبَحَ هَؤُلَاءِ ضَحَايَا هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ ضَحَايَا هَؤُلَاءِ، أَنَّهُ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لِصَاحِبِهِ أُضْحِيَّتَهُ الَّتِي ذَبَحَهَا بِغَيْرِ أَمْرِهِ.
قَالَ: وَلَا يُجْزِئُهُمْ مِنْ الضَّحَايَا وَعَلَيْهِمْ أَنْ يَشْتَرُوا ضَحَايَا فَيُضَحُّوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ الرَّجُلِ هَدْيٌ فَأَرَادَ أَنْ يُهْدِيَ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، فَلَهُ أَنْ يُحْرِمَ وَيُؤَخِّرَ الْهَدْيَ، وَاذَا كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَهُ وَيُشْعِرَهُ وَيُؤَخِّرَ الْإِحْرَامَ، وَإِنَّمَا يُحْرِمُ عِنْدَمَا يُقَلِّدُهُ وَيُشْعِرُهُ بَعْدَ التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ وَيَجِدُ دَرَاهِمَ أَهُوَ مِمَّنْ لَا يَجِدُ نَعْلَيْنِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ لِبْسُ الْخُفَّيْنِ وَيَقْطَعُهُمَا مِنْ أَسْفَلِ الْكَعْبَيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَقُلْنَا لَهُ: أَرَأَيْتَ إنْ وَجَدَ نَعْلَيْنِ فَسَامَ صَاحِبُهُمَا بِهِمَا ثَمَنًا كَثِيرًا؟
قَالَ: أَمَّا مَا يُشْبِهُ ثَمَنَ النِّعَالِ أَوْ فَوْقَ ذَلِكَ قَلِيلًا فَإِنِّي أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ، وَأَمَّا مَا يَتَفَاحَشُ مِنْ الثَّمَنِ فِي ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يُسَامَ بِالنَّعْلَيْنِ الثَّمَنُ الْكَثِيرُ، فَإِنِّي لَا أَرَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْتَرِيَ وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ فِي سَعَةٍ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ دَخَلَ مَكَّةَ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَنَسِيَ رَكْعَتِي الطَّوَافِ، وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَقَضَى جَمِيعَ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتَهُ، فَذَكَرَ ذَلِكَ فِي بَلَدِهِ أَوْ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ؟
قَالَ: إنْ ذَكَرَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا بَعْدَ خُرُوجِهِ، رَأَيْت أَنْ يَرْجِعَ فَيَطُوفَ وَيَرْكَعَ رَكْعَتِي الطَّوَافِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قَالَ: فَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَعْيِهِ بَعْدَ رَجْعَتِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي عُمْرَةٍ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ لَبِسَ الثِّيَابَ وَتَطَيَّبَ، وَإِنْ كَانَ فِي حَجٍّ وَكَانَتْ الرَّكْعَتَانِ هُمَا لِلطَّوَافِ الَّذِي طَافَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ الَّذِي وَصَلَ بِهِ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَكَانَ قَرِيبًا رَجَعَ فَطَافَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَسَعَى وَأَهْدَى، وَإِنْ كَانَتَا فِي الطَّوَافِ الْآخَرِ وَكَانَ قَرِيبًا رَجَعَ فَطَافَ وَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ إذَا كَانَ وُضُوءُهُ قَدْ اُنْتُقِضَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ قَدْ بَلَغَ بَلَدَهُ وَتَبَاعَدَ رَكَعَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَا يُبَالِي مِنْ أَيِّ الطَّوَافَيْنِ كَانَتَا وَأَهْدَى وَأَجْزَأَتَا عَنْهُ رَكْعَتَاهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إذَا دَخَلَ مُرَاهِقًا فَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى خَرَجَ إلَى عَرَفَةَ، فَلَمَّا زَارَ الْبَيْتَ لِطَوَافِ الْإِفَاضَةِ طَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَنَسِيَ الرَّكْعَتَيْنِ رَكْعَتِي الطَّوَافِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ بَعْدَمَا خَرَجَ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ أَوْ بِمَكَّةَ؟
قَالَ: يَرْجِعُ فَيَطُوفُ وَيُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قُلْت: وَيَكُونُ عَلَيْهِ الدَّمُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، لِأَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ إنَّمَا تَرَكَهُمَا مِنْ طَوَافٍ هُوَ بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَذَلِكَ الْأَوَّلُ إنَّمَا تَرَكَهُمَا مِنْ طَوَافٍ هُوَ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى عَرَفَةَ، فَذَلِكَ الَّذِي جَعَلَ مَالِكٌ فِيهِ دَمًا وَهَذَا رَجُلٌ مُرَاهِقٌ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِلطَّوَافِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّهُ دَخَلَ مُرَاهِقًا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِمَا أَخَّرَ مِنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الطَّوَافِ الَّذِي بَعْدَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ لِأَنَّهُ قَدْ قَضَاهُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إذَا لَمْ يَذْكُرْ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الطَّوَافِ الْأَوَّلِ الَّذِي قَبْلَ الْوُقُوفِ، أَوْ مِنْ الطَّوَافِ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، دَخَلَ مُرَاهِقًا وَلَمْ يَكُنْ طَافَ قَبْلَ ذَلِكَ بِالْبَيْتِ فَذَكَرَ ذَلِكَ بَعْدَمَا بَلَغَ بِلَادَهُ أَوْ تَبَاعَدَ مِنْ مَكَّةَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَمْضِي وَيَرْكَعُ الرَّكْعَتَيْنِ حَيْثُ ذَكَرَهُمَا، وَلْيُهْرِقْ لِذَلِكَ دَمًا وَمَحِلُّ هَذَا الدَّمِ مَكَّةُ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت إذَا وَقَّفْت هَدْيًا بِعَرَفَةَ فَضَلَّ مِنِّي فَوَجَدَهُ رَجُلٌ فَنَحَرَهُ بِمِنًى لِأَنَّهُ يَرَاهُ هَدْيًا، أَيُجْزِئُ عَنِّي فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا أَصَبْته وَقَدْ نَحَرَهُ؟
قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: يُجْزِئُهُ إذَا نَحَرَهُ الَّذِي نَحَرَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ رَآهُ هَدْيًا.
قَالَ: وَأَنَا أَرَى ذَلِكَ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْت الْعَبْدَ إذَا أَذِنَ لَهُ سَيِّدُهُ بِالْحَجِّ فَأَحْرَمَ فَأَصَابَ النِّسَاءَ وَتَطَيَّبَ وَأَصَابَ الصَّيْدَ وَأَمَاطَ عَنْ نَفْسِهِ الْأَذَى، أَيَكُونُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ أَوْ الْفِدْيَةُ أَوْ الْهَدْيُ لِمَا أَصَابَ كَمَا يَكُونُ عَلَى الْحُرِّ الْمُسْلِمِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَهَلْ يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى سَيِّدِهِ أَمْ عَلَيْهِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْعَبْدِ الْفِدْيَةُ لِمَا أَصَابَهُ مِنْ الْأَذَى مِمَّا احْتَاجَ فِيهِ الْعَبْدُ إلَى الدَّوَاءِ أَوْ إمَاطَةِ الْأَذَى.
قَالَ: وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطْعِمَ أَوْ يَنْسُكَ مِنْ مَالِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ سَيِّدُهُ، فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ سَيِّدُهُ فِي ذَلِكَ صَامَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا أَرَى لِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ الصِّيَامَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ كُلَّ مَا أَصَابَ الْعَبْدُ مِنْ الصَّيْدِ خَطَأً لَمْ يَعْمِدْ لَهُ، أَوْ فَوَاتِ حَجٍّ أَصَابَهُ لَمْ يَتَخَلَّفْ لَهُ عَامِدًا، أَوْ كُلَّ مَا أَصَابَهُ خَطَأً مِمَّا يَجِبُ عَلَيْهِ فِيهِ الْهَدْيُ، أَنَّ سَيِّدَهُ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الصِّيَامِ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يَهْدِ عَنْهُ سَيِّدُهُ أَوْ يُطْعِمْ عَنْهُ، لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ بِالْحَجِّ وَلِأَنَّ الَّذِي أَصَابَهُ خَطَأً لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، فَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصِّيَامِ إلَّا أَنْ يُهْدِيَ أَوْ يُطْعِمَ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ أَصَابَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِهِ الْهَدْيُ عَمْدًا أَوْ الْفِدْيَةُ عَمْدًا، فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ أَنْ يَفْتَدِيَ بِالنُّسُكِ وَبِالصَّدَقَةِ، وَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الصِّيَامِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِ فِي عَمَلِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا بِهِ فِي عَمَلِهِ لَمْ أَرَ أَنْ يَمْنَعَ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ».
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ: أَنَّ الْعَبْدَ إذَا ظَاهَرَ مَنْ امْرَأَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ إلَى امْرَأَتِهِ سَبِيلٌ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَصُومَ إلَّا بِرِضَا سَيِّدِهِ إذَا كَانَ ذَلِكَ مُضِرًّا بِهِ فِي عَمَلِهِ،
لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي أَدْخَلَ الظِّهَارَ عَلَى نَفْسِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُدْخِلَ عَلَى سَيِّدِهِ مَا يَضُرُّهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ الصِّيَامَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُضِرًّا بِهِ فِي عَمَلِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي الظِّهَارِ مِثْلَ الَّذِي قُلْت لَك.
قُلْت: فَاَلَّذِي أَصَابَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا أَوْ وَطِئَ النِّسَاءَ أَوْ صَنَعَ فِي حَجِّهِ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الدَّمَ أَوْ الْإِطْعَامَ أَوْ الصِّيَامَ، إنَّمَا ذَلِكَ مِثْلُ الظِّهَارِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْت إذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ فِي الْإِحْرَامِ، أَلِسَيِّدِهِ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيَحِلَّهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ لِسَيِّدِهِ أَنْ يَحِلَّهُ بَعْدَمَا أَذِنَ لَهُ فِي الْإِحْرَامِ.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي رَجُلٍ كَبُرَ فَيَئِسَ أَنْ يَبْلُغَ مَكَّةَ لِكِبَرِهِ وَضَعْفِهِ، أَلَهُ أَنْ يَحُجَّ أَحَدًا عَنْ نَفْسِهِ ضَرُورَةً كَانَ هَذَا الشَّيْخُ أَوْ غَيْرَ ضَرُورَةٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا أُحِبُّهُ وَلَا أَرَى أَنْ يَفْعَلَ.