فصل: فِي الْقَوْمِ تَفُوتُهُمْ الْجُمُعَةَ فَيُرِيدُونَ أَنْ يُجَمِّعُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَالصَّلَاةُ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ فِي إمَامٍ خَطَبَ النَّاسَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَدَّمَ وَالٍ سِوَاهُ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ؟
قَالَ: لَا يُصَلِّي بِهِمْ بِالْخُطْبَةِ الْأُولَى خُطْبَةِ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ وَلَكِنْ يَبْتَدِئُ لَهُمْ الْخُطْبَةَ هَذَا الْقَادِمُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي إمَامٍ يُقَصِّرُ فِي بَعْضِ الْخُطْبَةِ أَوْ يَنْسَى بَعْضَهَا أَوْ يُدْهَشُ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ: إنَّهُ إنْ خَطَبَ بِهِمْ مَا لَهُ مِنْ كَلَامِ الْخُطْبَةِ قَدْرٌ وَبَالٌ أَجْزَأَتْ عَنْهُمْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا هُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيفُ مِثْلُ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَنَحْوُهُ أَعَادُوا الْخُطْبَةَ وَالصَّلَاةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَجْهَلُ فَيُصَلِّي قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ يَخْطُبُ: إنَّهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَانِيَةً وَتُجْزِئُ عَنْهُمْ الْخُطْبَةُ وَيُلْغِي مَا صَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي خُطْبَةِ الْإِمَامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَمْسِكُ بِيَدِهِ عَصًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ.
قُلْتُ لَهُ عَمُودٌ أَعْمَرَ الْمِنْبَرَ يَعْنِي مَالِكٌ أَمْ عَصَا سِوَاهُ؟
قَالَ: لَا بَلْ عَصَا سِوَاهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي إمَامٍ يُصَلِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا عَامِدًا أَوْ جَاهِلًا وَقَدْ خَطَبَ قَبْلَ ذَلِكَ: إنَّهُ يُلْغِي صَلَاتَهُ تِلْكَ وَيُعِيدُ الصَّلَاةَ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِمَا صَلَّى قَبْلَ ذَلِكَ وَتَكْفِيهِ خُطْبَتُهُ الْأُولَى.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: مَا قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ فِي بَيْتِهِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُهُ صَلَاتُهُ وَلَا تَجْزِيءُ أَحَدًا صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ قَبْلَ الْإِمَامِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ؛ لِأَنَّ الظُّهْرَ لَا يَكُونُ إلَّا لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ.
قَالَ: وَهَذَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْأَمِيرِ الْمُؤَمَّرِ عَلَى بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ يَخْرُجُ فِي عَمَلِهِ مُسَافِرًا: أَنَّهُ إنْ مَرَّ بِقَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُ تُجَمَّعُ فِي مِثْلِهَا الْجُمُعَةُ، وَكَذَلِكَ إنْ مَرَّ بِمَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ عَمَلِهِ جَمَعَ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَإِنْ جَمَعَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُجَمِّعُ فِيهَا أَهْلُهَا لِصِغَرِهَا فَلَا يُجْزِئُهَا، وَإِنَّمَا كَانَ لِلْإِمَامِ أَنْ يُجَمِّعَ فِي الْقُرَى الَّتِي يُجَمَّعُ فِي مِثْلِهَا إذَا كَانَتْ فِي عَمَلِهِ وَإِنْ كَانَ مُسَافِرًا؛ لِأَنَّهُ إمَامُهُمْ.
قَالَ: وَمَنْ صَلَّى مَعَ هَذَا الْإِمَامِ الْجُمُعَةَ فِي الْمَوْضِعِ الَّتِي لَا تَكُونُ فِيهِ جُمُعَةٌ، فَإِنَّمَا هِيَ لَهُمْ ظُهْرٌ وَيُعِيدُونَ صَلَاتَهُمْ وَلَا يُجْزِئُهُمْ مَا صَلَّوْا مَعَهُ وَيُعِيدُ الْإِمَامُ أَيْضًا، وَلَا يَعْتَدُّ بِتِلْكَ الصَّلَاةِ وَإِنْ صَلَّاهَا بِهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ تُجْزِئُ الْإِمَامَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي الْعَبْدُ بِالنَّاسِ الْعِيدَ وَلَا الْجُمُعَةَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ وَلَا عِيدَ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ يَخْطُبُ فَيَهْرُبُ النَّاسُ عَنْهُ وَلَا يَبْقَى مَعَهُ إلَّا الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ، وَمَنْ لَا عَدَدَ لَهُ مِنْ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ فِي خُطْبَتِهِ أَوْ بَعْدَمَا فَرَغَ مِنْهَا: إنَّهُمْ إنْ لَمْ يَرْجِعُوا إلَيْهِ فَيُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ صَلَّى أَرْبَعًا وَلَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْجُمُعَةَ، وَلَا تُجَمَّعُ الْجُمُعَةُ إلَّا بِجَمَاعَةٍ وَإِمَامٍ وَخُطْبَةٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْإِمَامِ يُؤَخِّرُ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ وَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ مَا يُسْتَنْكَرُ: إنَّهُمْ يُجَمِّعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ إنْ قَدَرُوا عَلَى ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى ذَلِكَ صَلَّوْا فُرَادَى لِأَنْفُسِهِمْ الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَيَتَنَفَّلُونَ صَلَاتَهُمْ مَعَهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ فِي زَمَانِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ كَانَ يَفْعَلُهُ، وَأَنَّهُ كُلِّمَ فِي ذَلِكَ فَقَالَ: لَأَنْ أُصَلِّيَ مَرَّتَيْنِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ لَا أُصَلِّيَ شَيْئًا.
عَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ: أَخَّرَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ الصَّلَاةَ، فَلَقِيتُ ابْنَ أَخِي أَبِي ذَرٍّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الصَّامِتِ قَالَ: فَسَأَلْتُهُ فَضَرَبَ فَخِذِي ثُمَّ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ لِي: سَأَلْتُ خَلِيلِي يَعْنِي النَّبِيَّ فَضَرَبَ فَخِذِي ثُمَّ قَالَ: «صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أَدْرَكَتْكَ فَصَلِّ مَعَهُمْ وَلَا تَقُلْ إنِّي صَلَّيْتُ فَلَا أُصَلِّي».
عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، أَنَّهُمَا كَانَا يُصَلِّيَانِ الظُّهْرَ فِي الْمَسْجِدِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إذَا أَمْسَى الْإِمَامُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّيَانِ الْعَصْرَ إذَا أَمْسَى الْإِمَامُ ثُمَّ يُصَلِّيَانِ مَعَهُ بَعْدُ إذَا كَانَ يُؤَخِّرُهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ إذَا صَلَّى الْجُمُعَةَ انْصَرَفَ وَلَمْ يَرْكَعْ فِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ: وَإِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيَنْبَغِي لِلْأَئِمَّةِ الْيَوْمَ إذَا سَلَّمُوا مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ أَنْ يَدْخُلَ الْإِمَامُ مَنْزِلَهُ وَيَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ وَلَا يَرْكَعَ فِي الْمَسْجِدِ.
قَالَ: وَمَنْ خَلْفَ الْإِمَامِ إذَا سَلَّمُوا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَنْصَرِفُوا أَيْضًا وَلَا يَرْكَعُوا فِي الْمَسْجِدِ قَالَ: وَإِنْ رَكَعُوا فَذَلِكَ وَاسِعٌ.
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْرَأَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ} مَعَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَأَيَّتُهُمَا قَبْلُ؟
قَالَ: سُورَةُ الْجُمُعَةِ قَبْلُ عِنْدِي، وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ فِي رَجُلٍ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ مِنْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ: فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا أَقَامَ يَقْضِي أَنْ يَقْرَأَ فِيهَا سُورَةَ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرَى ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ، فَبِهَذَا عَلِمْتُ أَنَّ سُورَةَ الْجُمُعَةِ تَبْدَأُ قَبْلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ لَا جُمُعَةَ إلَّا بِخُطْبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَخْطُبْ صَلَّى الظُّهْرَ أَرْبَعًا.
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَتْ الْجُمُعَةُ أَرْبَعًا فَحُطَّتْ رَكْعَتَانِ لِلْخُطْبَةِ.
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ عَدِيٍّ: أَنَّ إمَامًا صَلَّى الْجُمُعَةَ رَكْعَتَيْنِ فَلَمْ يَخْطُبْ فَقَامَ الضَّحَّاكُ فَصَلَّى أَرْبَعًا.
ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ وَالْمُسَافِرِينَ جُمُعَةٌ، فَمَنْ شَهِدَهَا مِنْهُمْ فَلْيُصَلِّهَا.
عَلِيٌّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ هَارُونَ بْنِ عَنْتَرَةَ السَّعْدِيِّ عَنْ شَيْخٍ يُقَال لَهُ حُمَيْدٌ عَنْ امْرَأَةٍ مِنْهُمْ قَالَتْ: جَاءَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَنَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: إذَا صَلَّيْتُنَّ فِي بُيُوتِكُنَّ فَصَلِّينَ أَرْبَعًا، وَإِذَا صَلَّيْتُنَّ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّينَ رَكْعَتَيْنِ، وَمَا عَامٌ إلَّا وَاَلَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ وَلَنْ تُؤْتَوْا إلَّا مِنْ قِبَلِ أُمَرَائِكُمْ، وَلَبِئْسَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَا إنْ أَنَا كَذَبْتُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْأَمِيرِ جُمُعَةٌ فِي سَفَرٍ إلَّا أَنْ يُجَمِّعَ أَنْ يُقِيمَ بِقَرْيَةٍ مِنْ سُلْطَانِهِ فَتَحْضُرُهُ بِهَا الْجُمُعَةُ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ ذَلِكَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
مَالِكٌ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ يُجَمِّعُ بِأَهْلِ مَكَّةَ الْجُمُعَةَ وَهُوَ فِي السَّفَرِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَلَيْسَ عَلَى الْإِمَامِ الْمُسَافِرِ الْجُمُعَةُ إلَّا أَنْ يَنْزِلَ بِقَرْيَةٍ مِنْ عَمَلِهِ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ فَيُجَمِّعُ بِأَهْلِهَا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إذَا نَزَلَ بِقَرْيَةٍ مِنْ عَمَلِهِ تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ لَا يَنْبَغِي لَهُ إنْ وَافَقَ الْجُمُعَةَ أَنْ يُصَلِّيَهَا خَلْفَ عَامِلِهِ، وَلَكِنَّهُ يُجَمِّعُ بِأَهْلِهَا وَمَنْ مَعَهُ مِنْ غَيْرِهِمْ.
قَالَ: وَإِذَا جَهِلَ الْإِمَامُ الْمُسَافِرُ فَجَمَعَ بِأَهْلِ قَرْيَةٍ، لَا تَجِبُ فِيهَا الْجُمُعَةُ، فَلَا جُمُعَةَ لَهُ وَلَا لِمَنْ جَمَعَ مَعَهُ، وَلْيُعِدْ أَهْلُ تِلْكَ الْقَرْيَةِ وَمَنْ حَضَرَهَا مَعَهُ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ الظُّهْرَ أَرْبَعًا.
وَكِيعٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَوْنِ بْنِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جُمُعَةٌ فِي سَفَرِهِمْ وَلَا يَوْمَ نَفْرِهِمْ.
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا جُمُعَةَ فِي سَفَرٍ.

.فِي الْقَوْمِ تَفُوتُهُمْ الْجُمُعَةَ فَيُرِيدُونَ أَنْ يُجَمِّعُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي قَوْمٍ أَتَوْا الْجُمُعَةَ فَفَاتَهُمْ الْجُمُعَةُ، أَتَرَى أَنْ يُجَمِّعُوا الظُّهْرَ أَرْبَعًا فِي مَسْجِدٍ سِوَى مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ؟
فَقَالَ: لَا وَيُصَلُّونَ أَفْذَاذًا.
قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ كَانَ فِي السِّجْنِ أَوْ مُسَافِرًا مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَالْمَرْضَى يَكُونُونَ فِي بَيْتٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُجَمِّعَ هَؤُلَاءِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يُجَمِّعُ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَهْلُ السُّجُونِ وَالْمُسَافِرُونَ وَمَنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ يُصَلِّي بِهِمْ إمَامُهُمْ ظُهْرًا أَرْبَعًا، وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ لَا يُجَمِّعُونَهَا ظُهْرًا أَرْبَعًا إذَا فَاتَتْهُمْ.
وَكِيعٌ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ دَلْهَمٍ عَنْ الْحَسَنِ فِي قَوْمٍ تَفُوتُهُمْ الْجُمُعَةُ فِي الْمِصْرِ.
قَالَ: لَا يُجَمِّعُونَ الصَّلَاةَ.

.التَّخَطِّي يَوْمَ الْجُمُعَةِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا يُكْرَهُ التَّخَطِّي إذَا خَرَجَ الْإِمَامُ وَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ.
فَمَنْ تَخَطَّى حِينَئِذٍ فَهُوَ الَّذِي جَاءَ فِيهِ الْحَدِيثُ، فَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فُرَجٌ وَلْيَتَرَفَّقْ فِي ذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ بِشْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ قَالَ: «دَخَلَ رَجُلٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَأَقْبَلَ يَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ حَتَّى دَنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ جَلَسَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ الْتَفَتَ إلَيْهِ فَقَالَ: أَشَهِدْتَ الصَّلَاةَ مَعَنَا فَقَالَ: نَعَمْ، أَوْلَمَ تَرَنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ سَلَّمْتُ عَلَيْكَ؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: رَأَيْتُكَ تَتَخَطَّى رِقَابَ النَّاسِ».
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِآخَرَ صَنَعَ مِثْلَ ذَلِكَ: «مَا صَلَّيْتَ وَلَكِنَّكَ آنَيْتَ وَآذَيْتَ».
قال سَحْنُونٌ: يَعْنِي أَبْطَأْتَ وَآذَيْتَ النَّاسَ.

.مَا جَاءَ فِي جُمُعَةِ الْحَاجِّ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا جُمُعَةَ فِي أَيَّامِ مِنًى كُلِّهَا بِمِنًى وَلَا يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِمِنًى وَلَا يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ.
قَالَ: فَقُلْتُ لِمَالِكٍ: فَالرَّجُلُ يَدْخُلُ مَكَّةَ فَيُقِيمُ بِهَا أَرْبَعَةَ أَيَّامِ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، ثُمَّ يَحْبِسُهُ كَرَيِّهِ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ بِمَكَّةَ حَتَّى يُصَلِّيَ أَهْلُ مَكَّةَ الْجُمُعَةَ أَتَرَى عَلَى هَذَا الرَّجُلِ جُمُعَةٌ؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ مَعَهُمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ مُقِيمًا وَهُوَ كَرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ.
وَقَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقُمْ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَلَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ وَلَيْسَ بِمُقِيمٍ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَخْرُجُ إلَى مِنًى يُصَلِّي الْجُمُعَةَ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: لَا جُمُعَةَ عَلَى مُسَافِرٍ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرَنِي رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ شِهَابٍ مِثْلَهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ جُمُعَةٌ فِي سَفَرِهِمْ وَلَا يَوْمَ نَفْرِهِمْ.

.مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِ الْعَصْرِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ إمَامًا لَمْ يُصَلِّ بِالنَّاسِ الْجُمُعَةَ حَتَّى دَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ؟
قَالَ: يُصَلِّي بِهِمْ الْجُمُعَةَ مَا لَمْ تَغِبْ الشَّمْسُ، وَأَنْ لَا يُدْرِكَ بَعْضَ الْعَصْرِ إلَّا بَعْدَ الْغُرُوبِ.

.مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ:

قُلْتُ: وَمَا قَوْلُ مَالِكٍ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ فِي الْخَوْفِ؟
قَالَ: يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ بِهِمْ وَيَقُومُ، فَإِذَا قَامَ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمَّ الْقَوْمُ لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ، وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ وَلَا يُسَلِّمُونَ هُمْ، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَامُوا وَأَتَمُّوا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ بِقِرَاءَةٍ.
قَالَ: وَالطَّائِفَةُ الْأُولَى الَّذِينَ صَلَّوْا مَا بَقِيَ عَلَيْهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ وَالْإِمَامُ قَائِمٌ يَقْرَءُونَ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَقَطْ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي صَلَّوْهَا بِغَيْرِ إمَامٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى الَّتِي لَمْ يُصَلِّ بِهِمْ الْإِمَامُ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَقْرَأُ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ الَّتِي يُصَلُّونَهَا مَعَ الْإِمَامِ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ، وَيَقْرَءُونَ هُمْ كَمَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ وَيَقْضُونَ لِأَنْفُسِهِمْ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ فِي الرَّكْعَتَيْنِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ إلَّا مَنْ كَانَ فِي سَفَرٍ وَلَا يُصَلِّيهَا مَنْ هُوَ فِي حَضَرٍ.
قَالَ: فَإِنْ كَانَ خَوْفٌ فِي حَضَرٍ صَلَّوْا أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ وَلَمْ يُقَصِّرُوهَا.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يُصَلِّي أَهْلُ السَّوَاحِلِ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ، وَلَكِنْ يُصَلُّونَهَا أَرْبَعًا مِثْلَ صَلَاةِ أَهْلِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَعَسْقَلَانَ وَتُونُسَ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا وَالْقَوْمُ أَهْلَ حَضَرٍ لَيْسُوا بِمُسَافِرِينَ أَفَيُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ صَلَاةَ الْخَوْفِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُصَلِّيَ بِهِمْ صَلَاةَ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّهُ وَحْدَهُ، فَإِنْ جَهِلَ حَتَّى صَلَّى بِهِمْ صَلَّى رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُ فَيَثْبُتُ قَائِمًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلُّونَ خَلْفَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُومُونَ فَيُصَلُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ أَهْلُ حَضَرٍ وَمُسَافِرُونَ فَوَقَعَ الْخَوْفُ كَيْفَ يُصَلُّونَ؟
قَالَ: أَرَى إنْ صَلَّى بِهِمْ مُسَافِرٌ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يَثْبُتُ قَائِمًا، ثُمَّ يُصَلِّي مَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ رَكْعَةً ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَيَنْصَرِفُونَ تُجَاهَ الْعَدُوِّ، وَيُصَلِّي مَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ إلَى الْعَدُوِّ، ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُكَبِّرُونَ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، فَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِنْ الْمُسَافِرِينَ صَلَّى رَكْعَةً وَسَلَّمَ وَمَنْ كَانَ خَلْفَهُ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ صَلَّوْا ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ، وَإِنْ كَانَ إمَامُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ صَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ رَكْعَتَيْنِ كَانُوا مُسَافِرِينَ أَوْ حَضَرِيِّينَ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيَقُومُ فَيَثْبُتُ قَائِمًا وَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَفُّوا خَلْفَهُ ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ بِهِمْ ثُمَّ قَامُوا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.

.مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْمُسَابِقَةِ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يُصَلُّوا إلَّا رِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا وُجُوهُهُمْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَلْيَفْعَلُوا.
قُلْتُ: فَإِنْ انْكَشَفَ الْخَوْفُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِي الْوَقْتِ؟
قَالَ: فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ.
قَالَ: وَلْيُصَلُّوهَا رَكْعَتَيْنِ إنْ كَانُوا مُسَافِرِينَ يُومِئُونَ لِلرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى دَوَابِّهِمْ وَعَلَى أَقْدَامِهِمْ وَيَقْرَءُونَ، قُلْت: فَالرَّجَّالَةُ إذَا كَانُوا فِي خَوْفٍ شَدِيدٍ أَيُومِئُونَ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ خَوْفًا شَدِيدًا قَدْ أَخَذَتْ السُّيُوفُ مَأْخَذَهَا، فَلْيُصَلُّوا إيمَاءً يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ إنْ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى السُّجُودِ وَالرُّكُوعِ حَيْثُ وُجُوهُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا يَرْكُضُونَ وَيَسْعَوْنَ صَلَّوْا عَلَى قَدْرِ حَالَاتِهِمْ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: وَإِنْ كَانَ خَوْفًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ أَوْ رُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةَ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أَنْ يُصَلُّوا إيمَاءً بِرُءُوسِهِمْ، فَإِنْ كَانَ خَوْفًا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا أَوْ رُكْبَانًا يَسِيرُونَ وَيَرْكُضُونَ، أَوْ رَاجِلٌ يَمْشِي أَوْ يَسْعَى صَلَّى كُلٌّ عَلَى جِهَتِهِ يُومِئُونَ بِرُءُوسِهِمْ بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ.

.فِي السَّهْوِ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ سَهَا الْإِمَامُ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ كَيْفَ تَصْنَعُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ؟
قَالَ: تُصَلِّي الطَّائِفَةُ الْأُولَى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً وَيَثْبُتُ الْإِمَامُ قَائِمًا، فَإِذَا صَلَّتْ هِيَ لِنَفْسِهَا بَقِيَّةَ صَلَاتِهِمْ سَجَدُوا لِلسَّهْوِ، فَإِنْ كَانَ نُقْصَانًا سَجَدُوا قَبْلَ السَّلَامِ ثُمَّ يُسَلِّمُونَ وَإِنْ كَانَ زِيَادَةً سَلَّمُوا ثُمَّ سَجَدُوا، فَإِذَا جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى صَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ لِلْإِمَامِ ثُمَّ يَثْبُتُ الْإِمَامُ جَالِسًا وَيَقُومُونَ هُمْ فَيُتِمُّونَ لِأَنْفُسِهِمْ، فَإِذَا فَرَغُوا سَجَدَ بِهِمْ الْإِمَامُ لِلسَّهْوِ.
قُلْتُ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا تَفْسِيرُ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ الَّذِي كَانَ يَأْخُذُ بِهِ مَالِكٌ أَوَّلًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى حَدِيثِ الْقَاسِمِ فَقَالَ: هُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ: أَنْ تَفْعَلَ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى كَمَا فَعَلَتْ تِلْكَ فِي الْأُولَى سَوَاءٌ، إلَّا أَنَّهُ إنَّمَا اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحَدِيثَيْنِ فِي الطَّائِفَةِ الْآخِرَةِ فِي سَلَامِ الْإِمَامِ، يُسَلِّمُ الْإِمَامُ فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ وَيَكُونُ الْقَضَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَلِذَلِكَ أُمِرُوا فِي حَدِيثِ الْقَاسِمِ أَنْ يَسْجُدُوا مَعَهُ السَّجْدَتَيْنِ إنْ كَانَتْ السَّجْدَتَانِ قَبْلَ السَّلَامِ، وَإِنْ كَانَتَا بَعْدَ السَّلَامِ فَإِذَا قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ سَجَدُوهُمَا بَعْدَ فَرَاغِهِمْ مِنْ صَلَاتِهِمْ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إذَا صَلَّتْ إحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى أَتَنْصَرِفُ أَمْ تُتِمُّ؟
قَالَ: بَلْ تُتِمُّ، قَالَ مَالِكٌ فِي الْقَوْمِ يَكُونُونَ أَهْلَ إقَامَةٍ فَيَنْزِلُ بِهِمْ الْخَوْفُ: إنَّهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ وَيُصَلُّونَهَا أَرْبَعًا عَلَى سُنَّتِهَا عَلَى سُنَّةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ رَكْعَتَيْنِ لِكُلِّ طَائِفَةٍ.
قَالَ مَالِكٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَمَّنْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ: «إنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَصَفَّتْ طَائِفَةٌ وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا فَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ، فَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا حَتَّى أَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ»، وَحَدِيثُ الْقَاسِمِ: أَنَّهُ سَلَّمَ بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى ثُمَّ قَامَتْ تَقْضِي لِأَنْفُسِهَا.
قَالَ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا}.
قَالَ: رُكْبَانًا حَيْثُمَا كَانَ وَجْهُهُ يُومِئُ إيمَاءً.

.مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجْهَرْ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ، قَالَ وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ جَهَرَ بِشَيْءٍ فِيهَا لَعُرِفَ مَا قَرَأَ.
قَالَ: وَالِاسْتِفْتَاحُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْ الْأَرْبَعِ بِـ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
قَالَ: وَلَا أَرَى لِلنَّاسِ إمَامًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ أَنْ يُصَلُّوا صَلَاةَ الْخُسُوفِ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ، وَإِنَّمَا سُنَّتُهَا أَنْ تُصَلَّى ضَحْوَةً إلَى زَوَالِ الشَّمْسِ وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَدْ رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا تُصَلَّى فِي وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ زَوَالِ الشَّمْسِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ تَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي السُّجُودِ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ أَنَّهُ يُطِيلُ فِي السُّجُودِ كَمَا يُطِيلُ فِي الرُّكُوعِ؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنَّ فِي الْحَدِيثِ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَسْجُدَ سُجُودًا طَوِيلًا وَلَا أَحْفَظُ طُولَ السُّجُودِ عَنْ مَالِكٍ، قُلْت: فَهَلْ يُوَالِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَلَا يَقْعُدُ بَيْنَهُمَا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا قُعُودٌ لَذُكِرَ فِي الْحَدِيثِ.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ مَالِكٌ يَرَى أَنَّ صَلَاةَ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ مِثْلُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ سُنَّةٌ لَا تُتْرَكُ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: هَلْ يُصَلِّي أَهْلُ الْقُرَى وَأَهْلُ الْعَمُودِ وَالْمُسَافِرُونَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُسَافِرِينَ يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ جَمَاعَةً إلَّا أَنْ يُعَجِّلَ بِالْمُسَافِرِينَ السَّيْرُ.
قَالَ: وَإِنْ كَانَ رَجُلًا مُسَافِرًا صَلَّى صَلَاةَ الْخُسُوفِ وَحْدَهُ عَلَى سُنَّتِهَا.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ صَلَّوْا صَلَاةَ الْخُسُوفِ جَمَاعَةً أَوْ صَلَّاهَا رَجُلٌ وَحْدَهُ فَبَقِيَتْ الشَّمْسُ عَلَى حَالِهَا لَمْ تَنْجَلِ.
قَالَ: يَكْفِيهِمْ صَلَاتُهُمْ لَا يُصَلُّونَ صَلَاةَ الْخُسُوفِ ثَانِيَةً وَلَكِنَّ الدُّعَاءَ وَمَنْ شَاءَ تَنَفَّلَ، وَإِنَّمَا السُّنَّةُ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ فَقَدْ فَرَغُوا مِنْهَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ وَقَدْ فَرَغَ الْإِمَامُ، هَلْ عَلَى الَّذِي فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ أَنْ يَقْضِيَ شَيْئًا؟
قَالَ: تُجْزِئُهُ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ الَّتِي أَدْرَكَهَا مِنْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى الَّتِي فَاتَتْهُ، كَمَا يُجْزِئُ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْقِرَاءَةِ إذَا فَاتَتْهُ الْقِرَاءَةُ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قَالَ: وَأَنَا أَرَى فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إذَا فَاتَهُ أَوَّلُ الرَّكْعَةِ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَة وَأَدْرَكَ الْآخِرَةَ، أَنْ يَقْضِيَ رَكْعَتَيْنِ بِسَجْدَتَيْنِ وَيُجْزِئُ عَنْهُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: وَأَرَى أَنْ تُصَلِّيَ الْمَرْأَةُ صَلَاةَ الْخُسُوفِ فِي بَيْتِهَا.
قَالَ: وَلَا أَرَى بَأْسًا أَنْ تَخْرُجَ الْمُتَجَالَّاتُ مِنْ النِّسَاءِ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الْإِمَامَ إذَا سَهَا فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ أَعَلَيْهِ سَجْدَتَا السَّهْوِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ خُسُوفِ الْقَمَرِ: يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ كَصَلَاةِ النَّافِلَةِ وَيَدْعُونَ وَلَا يُجَمِّعُونَ، وَلَيْسَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ سُنَّةٌ وَلَا جَمَاعَةٌ كَصَلَاةِ خُسُوفِ الشَّمْسِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنْكَرَ مَالِكٌ السُّجُودَ فِي الزَّلَازِلِ.
قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: «خَسَفَتْ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا نَحْوًا مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الرُّكُوعِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَسَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وَقَدْ تَجَلَّتْ الشَّمْسُ، فَقَالَ: إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يُخْسَفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ بِهِمَا فَاذْكُرُوا اللَّهَ.
قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا فِي مَقَامِكَ هَذَا ثُمَّ رَأَيْنَاكَ تَكَعْكَعْتَ؟
فَقَالَ: إنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ أَوْ أُرِيتُ الْجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا، وَرَأَيْتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ مَنْظَرًا وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِمَ؟
قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاَللَّهِ؟
قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ وَيَكْفُرْنَ الْإِحْسَانَ لَوْ أَحْسَنْتَ إلَى إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا قَالَتْ مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ»
.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا يَعْنِي بِقَوْلِهِ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَقَامَ قِيَامًا طَوِيلًا وَهُوَ دُونَ الْقِيَامِ الْأَوَّلِ يَعْنِي: الْقِيَامَ الَّذِي يَلِيهِ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي الرُّكُوعِ الْآخَرِ إنَّمَا يَعْنِي دُونَ الرُّكُوعِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إلَّا فِي خُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلَمْ يَعْمَلْ أَهْلُ بَلَدِنَا فِيمَا سَمِعْنَا وَأَدْرَكْنَا إلَّا بِذَلِكَ.
قَالَ: وَمَا سَمِعْنَا أَنَّ خُسُوفَ الْقَمَرِ يُجَمِّعُ لَهُ الْإِمَامُ، قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: وَنَحْنُ إذَا كُنَّا فُرَادَى نُصَلِّي هَذِهِ الصَّلَاةَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، «فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ بِهِمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ»، وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ».

.مَا جَاءَ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ:

قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الَّذِي يَخْرُجُ إلَى الْمُصَلَّى فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ فَيُصَلِّي قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ بَعْدَهُ أَتَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؟
فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ إنَّمَا تَكُونُ ضَحْوَةً مِنْ النَّهَارِ لَا فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْحِينِ مِنْ النَّهَارِ وَذَلِكَ سُنَّتُهَا.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ يَخْرُجُ بِالْمِنْبَرِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ: أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْبَرٌ يَخْرُجُ بِهِ إلَى صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَلَا لِأَبِي بَكْرٍ وَلَا لِعُمَرَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَحْدَثَ لَهُ مِنْبَرًا فِي الْعِيدَيْنِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ مِنْبَرٌ مِنْ طِينٍ أَحْدَثَهُ لَهُ كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: وَيَجْلِسُ الْإِمَامُ فِيمَا بَيْنَ الْخُطْبَتَيْنِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ؟
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ، فِيمَا بَيْنَ كُلِّ خُطْبَتَيْنِ جِلْسَةً.
قُلْتُ: فَهَلْ قَبْلَ الْخُطْبَةِ جِلْسَةٌ كَمَا يَصْنَعُ الْإِمَامُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَمِثْلُ مَا أَمَرَ بِهِ مَالِكٌ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَلَيْسَ يَخْرُجُ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ بِمِنْبَرٍ، وَلَكِنْ يَتَوَكَّأُ الْإِمَامُ عَلَى عَصًا قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: يَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ قَالَ: وَهِيَ السُّنَّةُ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَرَى أَنْ يُمْنَعَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى إذَا أَرَادُوا أَنْ يَسْتَسْقُوا.
قَالَ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا هَلْ يُسْتَسْقَى فِي الْعَامِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا؟
قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، قُلْت: هَلْ كَانَ يَأْمُرُ مَالِكٌ بِأَنْ يَخْرُجَ بِالْحُيَّضِ مِنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ فِي الِاسْتِسْقَاءِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُؤْمَرَ بِخُرُوجِهِنَّ، وَلَا يَخْرُجُ الْحُيَّضُ عَلَى حَالٍ، فَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَإِنْ خَرَجُوا فَلَا أَمْنَعُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَعْقِلْ مِنْ الصِّبْيَانِ الصَّلَاةَ فَلَا يَخْرُجُوا وَلَا يَخْرُجْ إلَّا مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَعْقِلُ الصَّلَاةَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ: يَخْرُجُ الْإِمَامُ فَإِذَا بَلَغَ الْمُصَلَّى صَلَّى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ يَقْرَأُ فِيهِمَا: {سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَيَجْهَرُ بِالْقِرَاءَةِ ثُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ وَيَخْطُبُ عَلَيْهِمْ خُطْبَتَيْنِ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا بِجِلْسَةٍ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ مَكَانَهُ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ قَائِمًا يَجْعَلُ الَّذِي عَلَى يَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ وَاَلَّذِي عَلَى شِمَالِهِ عَلَى يَمِينِهِ حِينَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ، وَلَا يَقْلِبْهُ فَيَجْعَلْ الْأَسْفَلَ الْأَعْلَى وَالْأَعْلَى الْأَسْفَلَ، وَيُحَوِّلُ النَّاسُ أَرْدِيَتَهُمْ كَمَا يُحَوِّلُ الْإِمَامُ فَيَجْعَلُونَ الَّذِي عَلَى أَيْمَانِهِمْ عَلَى أَيْسَارِهِمْ وَاَلَّذِي عَلَى أَيْسَارِهِمْ عَلَى أَيْمَانِهِمْ، ثُمَّ يَدْعُو الْإِمَامُ قَائِمًا وَيَدْعُونَ وَهُمْ قُعُودٌ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ انْصَرَفَ وَانْصَرَفُوا.
قَالَ: وَيُحَوِّلُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ وَهُمْ جُلُوسٌ وَالْإِمَامُ يُحَوِّلُ رِدَاءَهُ وَهُوَ قَائِمٌ.
قَالَ: وَالْإِمَامُ يَدْعُو وَهُوَ قَائِمٌ وَالنَّاس يَدْعُونَ وَهُمْ جُلُوسٌ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ تَكْبِيرٌ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا فِي الصَّلَاةِ.
قَالَ: وَيُحَوِّلُ الرِّدَاءَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ مَرَّةً وَاحِدَةً.
قُلْتُ لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ أَحْدَثَ الْإِمَامُ فِي خُطْبَةِ الِاسْتِسْقَاءِ أَيُقَدِّمُ غَيْرَهُ أَمْ يَمْضِي؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
قَالَ: وَأَرَاهُ خَفِيفًا أَنْ يَمْضِيَ.
قُلْتُ: فَهَلْ يُطِيلُ الْإِمَامُ الدُّعَاءَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَحْفَظُ مِنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ شَيْئًا وَلَكِنَّ وَسَطًا مِنْ ذَلِكَ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فِي صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ: يَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ، قَالَ وَكُلُّ صَلَاةٍ فِيهَا خُطْبَةٌ يَجْهَرُ فِيهَا الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبَّادَ بْنَ تَمِيمٍ الْمَازِنِيَّ يَقُول: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ الْمَازِنِيَّ يَقُولُ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُصَلَّى فَاسْتَسْقَى وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ حِينَ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: قَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي الْحَدِيثِ فَقَرَأَ فِيهِمَا.
قَالَ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ: لَمْ يُؤْذَنْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِاسْتِمْطَارِ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي الِاسْتِسْقَاءِ رَكْعَتَيْنِ فَجَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ».
قَالَ مَالِكٌ: لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ النَّافِلَةِ قَبْلَ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ وَبَعْدَهَا.