فصل: فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ ثُمَّ يُدَايِنُ السَّيِّدَ بَعْدَ عِتْقِهِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْعِتْقِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ السَّيِّدَ قَالَ لِعَبْدِهِ اُدْخُلْ الدَّارَ وَهُوَ يُرِيدُ بِلَفْظِهِ ذَلِكَ حُرِّيَّةَ الْعَبْدِ؟
قَالَ: هُوَ حُرٌّ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ عِتْقَ الْعَبْدِ، فَأَمَّا إنْ كَانَ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ: أَنْتَ حُرٌّ، فَزَلَّ لِسَانُهُ فَقَالَ: اُدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ، أَوْ مَا أَحْسَنُكَ أَوْ أَخْزَاكَ اللَّهُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ حُرًّا حَتَّى يَنْوِيَ بِأَنَّ الْعَبْدَ حُرٌّ بِمَا قَالَ مِنْ اللَّفْظِ بِقَوْلِهِ: أَخْزَاكَ اللَّهُ وَبِقَوْلِهِ اُدْخُلْ الدَّارَ، وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يَقُولَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ فَزَلَّ لِسَانُهُ، فَقَالَ: أَخْزَاكِ اللَّهُ، أَوْ عَلَيْكِ لَعْنَةُ اللَّهِ، زَلَّ لِسَانُهُ عَنْ الطَّلَاقِ.
فَإِنَّ هَذَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ حَتَّى يَكُونَ الزَّوْجُ يَنْوِي بِالْكَلِمَةِ بِعَيْنِهَا الطَّلَاقَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهَا، أَيْ أَنْتِ بِمَا أَقُولُ لَكِ مِنْ قَوْلِي: أَخْزَاكِ اللَّهُ وَمَا أَحْسَنُكِ، وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ الْكَلَامِ أَنْتِ بِمَا أَقُولُ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ طَالِقٌ، فَهِيَ طَالِقٌ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ الْكَلَامُ مِنْ حُرُوفِ الطَّلَاقِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: أَعْتِقْ جَارِيَتِي، فَقَالَ لَهَا ذَلِكَ الرَّجُلُ: اذْهَبِي، وَقَالَ: أَرَدْت بِذَلِكَ الْعِتْقَ؟
قَالَ: تُعْتَقُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ حُرُوفِ الْعِتْقِ.
قُلْتُ: فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ الرَّجُلُ: لَمْ أُرِدْ بِذَلِكَ الْعِتْقَ؟
قَالَ: الْقَوْلُ قَوْلُهُ.
قُلْتُ: أَتَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، وَبَلَغَنِي أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: يَدُكَ حُرَّةٌ أَوْ رِجْلُكَ حُرَّةٌ، أَنَّهُ يُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ قُلْتُ: وَإِنْ شَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ وَهُوَ يَجْحَدُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ مَنْ قَالَ لِجَارِيَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ أَوْ بَائِنٌ أَوْ بَانَةٌ أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ قَالَ: اُغْرُبِي أَوْ اسْتَتِرِي أَوْ تَقَنَّعِي أَوْ كُلِي أَوْ اشْرَبِي يُرِيدُ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْحُرِّيَّةَ أَتُعْتَقُ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، إذَا أَرَادَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ الْحُرِّيَّةَ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ الطَّلَاقُ وَكُلُّ لَفْظٍ تَلَفَّظَ بِهِ رَجُلٌ يُرِيدُ بِأَنَّ امْرَأَتَهُ طَالِقٌ بِذَلِكَ اللَّفْظِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ اللَّفْظُ مِنْ حُرُوفِ الطَّلَاقِ فَهِيَ بِذَلِكَ اللَّفْظِ طَالِقٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَكَذَلِكَ الْحُرِّيَّةُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ، إنَّهُ حُرٌّ بِذَلِكَ أَبَدًا.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ رَبِيعَةَ فِي رَجُلٍ يَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ مَا وَلَدَتْ هَذِهِ الْوَلِيدَةُ فَهُوَ حُرٌّ، أَوْ يَقُولُ: أُشْهِدُكُمْ أَنَّ رَحِمَهَا حُرٌّ قَالَ رَبِيعَةُ: إنْ قَالَ: رَحِمُهَا حُرٌّ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَإِنْ قَالَ: كُلُّ مَا وَلَدَتْ فَهُوَ حُرٌّ، فَمَا وَلَدَتْ وَهِيَ لَهُ فَعَسَى أَنْ يُعْتَقَ وَإِنْ مَاتَ أَوْ بَاعَهَا انْقَطَعَ ذَلِكَ الشَّرْطُ عَنْهَا وَاسْتُرِقَّتْ هِيَ وَوَلَدُهَا وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَهَا لَمْ يُحَرِّمْ بَيْعَهَا وَلَا تَكُونُ مِيرَاثًا يَتَدَاوَلُهَا مَنْ وَرِثَهَا، لِأَنَّهُ لَمْ يُعْتِقْ شَيْئًا رِقُّهُ يَوْمَئِذٍ بِيَدِهِ وَلَا بِشَيْءٍ تَكُونُ الْعَتَاقَةُ فِي مِثْلِهِ وَلَا مِلْكًا هُوَ يَوْمَئِذٍ لَهُ.

.مَا لَا يَلْزَمُ مِنْ الْقَوْلِ فِي الْعِتْقِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ الْيَوْمَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ؟
قَالَ: إذَا قَالَ سَيِّدُهُ: إنَّمَا أَرَدْتُ بِهَذَا الْقَوْلِ أَنِّي قَدْ أَعْتَقْتُهُ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَلَمْ أُرِدْ الْحُرِّيَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي رَأْيِي وَلَا يَكُونُ حُرًّا، وَيَحْلِفُ عَلَى ذَلِكَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِعَبْدِهِ وَعَجِبَ مِنْ عَمَلِهِ أَوْ مِنْ شَيْءٍ رَآهُ مِنْهُ؟ فَقَالَ لَهُ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ، أَوْ قَالَ لَهُ: تَعَالَ يَا حُرُّ، وَلَمْ يُرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ الْحُرِّيَّةَ إنَّمَا أَرَادَ أَيْ أَنَّك تَعْصِينِي، فَأَنْتَ فِي مَعْصِيَتِك إيَّايَ مِثْلُ الْحُرِّ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى سَيِّدِهِ فِي هَذَا الْقَوْلِ شَيْءٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ.
قُلْتُ: وَفِي الْقَضَاءِ أَيْضًا؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا الَّذِي سُئِلَ مَالِكٌ عَنْهُ فِي الْقَضَاءِ قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ طَبَّاخٍ كَانَ لِرَجُلٍ وَكَانَ عِنْدَهُ رِجَالٌ فَطَبَخَ طَبِيخًا فَأَجَادَ فَقَالَ سَيِّدُهُ: إنَّهُ حُرٌّ.
قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ فِي هَذَا حُرِّيَّةٌ، وَإِنَّمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: إنَّهُ حُرُّ الْفِعَالِ أَوْ عَمِلَ عَمَلَ الْأَحْرَارِ.
قُلْتُ: وَلَا يُعْتِقُهُ عَلَيْهِ الْقَاضِي إذَا كَانَتْ لِلْعَبْدِ بَيِّنَةٌ؟
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ رَجُلًا قَالَ فِي أَمَتِهِ: هِيَ حُرَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مَرَّ عَلَى عَاشِرٍ أَوْ نَحْوِ هَذَا مِنْ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ بِذَلِكَ الْقَوْلِ حُرِّيَّةَ الْجَارِيَةِ، أَتُعْتَقُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَإِنْ أَقَامَتْ الْجَارِيَةُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ، أَتُعْتَقُ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ أَمْ لَا؟
قَالَ: إذَا عُرِفَ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ دَفَعَ بِذَلِكَ الْقَوْلِ عَنْ نَفْسِهِ مَظْلِمَةً لَمْ تُعْتَقْ عَلَيْهِ الْجَارِيَةُ فِي رَأْيِي، وَإِنْ قَامَتْ بِذَلِكَ الْبَيِّنَةُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَقُولُ لِأَمَتِهِ: أَنْتِ حُرَّةٌ، وَنَوَى الْكَذِبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ، أَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى الْكَذِبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ فِي الطَّلَاقِ وَفِي الْحُرِّيَّةِ وَلَا تَنْفَعُهُ نِيَّتُهُ الَّتِي نَوَى وَلَا يَنْوِي فِي هَذَا إنَّمَا يَنْوِي إذَا كَانَ لِذَلِكَ وَجْهٌ إنَّمَا قَالَ لَهَا ذَلِكَ لِوَجْهٍ كَانَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ أَمْرِ الْعَاشِرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الْمَرْأَةِ تَقُولُ لِجَارِيَتِهَا أَوْ الرَّجُلُ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: يَا حُرُّ، إنَّمَا أَنْتَ حُرٌّ، عَلَى وَجْهِ أَنَّكَ تَعْصِينِي.
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلَهُ رَجُلٌ عَنْ عَبْدٍ كَانَ لَهُ طَبَّاخٌ وَأَنَّهُ صَنَعَ لَهُ صُنْعًا فَطَبَخَ الْعَبْدُ فَأَحْسَنَ الطَّبْخَ، فَدَعَا إخْوَانًا لَهُ فَأَعْجَبَهُمْ، وَقَالُوا لِمَوْلَاهُ: لَقَدْ أَجَادَ فُلَانٌ طَبْخَهُ قَالَ: إنَّهُ حُرٌّ.
قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ إنَّمَا أَرَادَ بِهِ حُرَّ الْفِعَالِ فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ بِهَذَا.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: لَا سَبِيلَ لِي عَلَيْكَ، أَوْ لَا مِلْكَ لِي عَلَيْكَ؟
قَالَ: إنْ كَانَ جَرَّ هَذَا الْكَلَامَ كَلَامٌ قَبْلَهُ يُسْتَدَلُّ بِذَلِكَ الْكَلَامِ الَّذِي جَرَّ هَذَا الْقَوْلَ أَنَّهُ لَا يُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ الْحُرِّيَّةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ السَّيِّدِ، وَإِنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ ابْتِدَاءً مِنْ السَّيِّدِ عَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ رَجُلٌ لِأَمَتِهِ: هَذِهِ أُخْتِي، أَوْ لِعَبْدِهِ: هَذَا أَخِي؟
قَالَ: إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْحُرِّيَّةَ فَلَا عِتْقَ عَلَيْهِ.
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِغُلَامِهِ: مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ، وَهُوَ لَا يُرِيدُ الْحُرِّيَّةَ: إنَّهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ.
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ لَا عَتَاقَةَ إلَّا لِلَّهِ.

.فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ عِتْقَكَ أَوْ نِصْفَكَ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ: قَدْ وَهَبْت لَكَ عِتْقَكَ، أَوْ قَالَ قَدْ تَصَدَّقْتُ عَلَيْكَ بِعِتْقِكَ، أَيَكُونُ حُرًّا مَكَانَهُ؟
قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: قَدْ وَهَبْتُ لَكَ نَفْسَكَ: إنَّهُ حُرٌّ.
قُلْتُ: قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَبِلَ الْعَبْدُ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ هُوَ حُرٌّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فَمَسْأَلَتُكَ مِثْلُ هَذَا.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا وَهَبَهُ نَفْسَهُ فَقَدْ وَجَبَ الْعِتْقُ.
لِأَنَّهُ لَا يُنْتَظَرُ مِنْهُ قَبُولٌ.
مِثْلُ الطَّلَاقِ إذَا وَهَبَهَا فَقَدْ وَهَبَ مَا كَانَ يَمْلِكُ مِنْهَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْآثَارُ، لِأَنَّ الْوَاهِبَ فِي مِثْلِ هَذَا لَمْ يَهَبْ لَأَنْ يَنْتَظِرَ قَبُولَ مَنْ وُهِبَ لَهُ كَالْأَمْوَالِ الَّتِي تُوهَبُ، فَإِنْ قَبِلَ الْمَوْهُوبُ لَهُ نَفِدَ وَإِنْ رَدَّهُ رَجَعَ إلَى الْوَاهِبِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ وَهَبَ لِعَبْدِهِ نِصْفَهُ.
قَالَ: أَرَاهُ حُرًّا كُلَّهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ حِينَ وَهَبَ لَهُ نِصْفَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ، وَوَلَاؤُهُ لِلسَّيِّدِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَخَذَ مِنْهُ دَنَانِيرَ عَلَى عِتْقِ نِصْفِهِ أَوْ عَلَى بَيْعِ نِصْفِهِ مِنْ نَفْسِهِ قَالَ: الْعِتْقُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مِنْ السَّيِّدِ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مَا رَقَّ مِنْهُ تَبَعًا لِمَا أَعْتَقَ مِنْهُ وَيُعْتَقُ جَمِيعُهُ.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ عَبْدٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ أَعْطَى الْعَبْدُ أَحَدَهُمَا دَنَانِيرَ عَلَى أَنْ يُعْتِقَهُ فَفَعَلَ.
قَالَ: يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ وَجْهَ الْعَتَاقَةِ عَتَقَ عَلَيْهِ كُلُّهُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَوِّمُ عَلَيْهِ نَصِيبَ صَاحِبِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيُرَدُّ الْمَالُ إلَى الْعَبْدِ وَلَا يَكُونُ لَهُ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ وَاسْتَثْنَى مِنْ مِلْكِهِ شَيْئًا عَتَقَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ كُلُّهُ وَيَرُدُّ مَا اسْتَثْنَى مِنْ الْمَالِ إلَى الْعَبْدِ، فَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ وَجْهَ الْعَتَاقَةِ بِمَا أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ وَجْهَ الْعَتَاقَةِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ وَجْهَ الْكِتَابَةِ وَلَمْ يُرِدْ الْعَتَاقَةَ فَسَخَ مَا صَنَعَ وَكَانَ الْعَبْدُ بَيْنَهُمَا وَأَخَذَ صَاحِبُهُ نِصْفَ مَا أَخَذَ مِنْ الْعَبْدِ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ حُرَّةٌ إنْ هَوَيْتِ أَوْ رَضِيت أَوْ شِئْت أَوْ أَرَدْت مَتَى يَكُونُ ذَلِكَ لِلْأَمَةِ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهَا وَإِنْ قَامَتْ مِنْ مَجْلِسِهَا مِثْلَ التَّمْلِيكِ فِي الْمَرْأَةِ إلَّا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ الْوَطْءِ أَوْ مِنْ مُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ أَوْ مَا يُشْبِهُ هَذَا، وَتُوقَفُ الْجَارِيَةُ فَإِمَّا أَنْ تَخْتَارَ حُرِّيَّتَهَا وَإِمَّا أَنْ تَتْرُكَ، وَأَمَّا أَنَا فَلَا أَرَى لَهَا بَعْدَ أَنْ يَفْتَرِقَا مِنْ الْمَجْلِسِ شَيْئًا إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْئًا فَوَّضَهُ إلَيْهَا.

.الِاسْتِثْنَاءُ فِي الْعِتْقِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِعَبِيدٍ لَهُ: أَنْتُمْ أَحْرَارٌ إلَّا فُلَانًا؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ.
قُلْتُ: أَلَيْسَ قُلْتُ قَالَ لِي مَالِكٌ لَا اسْتِثْنَاءَ فِي الْعِتْقِ أَلَيْسَ ذَلِكَ اسْتِثْنَاءٌ؟
قَالَ: لَيْسَ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ، وَالِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي قَالَ مَالِكٌ فِيهِ: إنَّهُ لَا اسْتِثْنَاءَ فِي الْعِتْقِ إنَّمَا ذَلِكَ الِاسْتِثْنَاءُ الَّذِي لَا يَجُوزُ فِي الْعِتْقِ إذَا قَالَ: إنْ شَاءَ اللَّهُ، فَذَلِكَ الَّذِي يُعْتَقُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ اسْتِثْنَاؤُهُ شَيْئًا.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ لِنِسَائِهِ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إلَّا فُلَانَةَ؟
قَالَ: نَعَمْ، هُوَ كَذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ، وَلَيْسَ هَذَا عِنْدَ مَالِكٍ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ قَالَ: أَنْتُنَّ طَوَالِقُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَهُ أَشْهَبُ قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: غُلَامِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ: وَسُئِلَ مَالِكٌ وَأَنَا عِنْدَهُ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ إنْ أَكَلْتِ مَعِي شَهْرًا إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ، فَوُضِعَ لَهُ طَعَامٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَتْ فَقَعَدَتْ مَعَهُ فَوَضَعَتْ يَدَهَا لِتَأْكُلَ فَنَهَاهَا، ثُمَّ قَالَ كُلِي فَمَا تَرَى فِيهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ هَذَا الَّذِي أَرَدْتَ وَهُوَ مُخْرِجٌ يَمِينَكَ وَرَأَيْتَ ذَلِكَ فَلَا أَرَى عَلَيْكِ شَيْئًا.
قُلْتُ: فَمَا فَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِهِ: غُلَامِي حُرٌّ إنْ كَلَّمْتُ فُلَانًا إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ؟
قَالَ: ذَلِكَ لَيْسَ فِي الْحُرِّيَّةِ اسْتِثْنَاءٌ وَلَيْسَ جَعْلٌ مِنْ الْمَشِيئَةِ إلَيْهِ أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ الْعِبَادِ مِمَّنْ يَشَاءُ أَوْ مِمَّنْ لَا يَشَاءُ مِثْلُ مَشِيئَةِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شِئْتُ أَوْ إنْ شَاءَ فُلَانٌ، لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ حَتَّى يَشَاءَ أَوْ يَشَاءَ فُلَانٌ، إذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ طَلُقَتْ عَلَيْهِ مَكَانَهَا وَعَلِمْنَا أَنَّ اللَّهَ قَدْ شَاءَ طَلَاقَهَا حِينَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ؛ لِأَنَّهُ حِينَ تَكَلَّمَ بِالطَّلَاقِ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ وَهَذَا رَأْيِي.

.فِي الرَّجُلِ يَأْمُرُ رَجُلَيْنِ يُعْتِقَانِ عَلَيْهِ عَبْدَهُ فَيُعْتِقُهُ أَحَدُهُمَا:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ لِرَجُلَيْنِ: اعْتِقَا عَبْدِي هَذَا فَأَعْتَقَهُ أَحَدُهُمَا أَيَجُوزُ هَذَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ فَوَّضَ إلَيْهِمَا رَجُلٌ أَمْرَ امْرَأَتِهِ فَقَالَ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرَهَا فِي أَيْدِيكُمَا، فَطَلِّقَاهَا فَطَلَّقَهَا أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ قَالَ: وَأَمَّا إذَا لَمْ يُفَوِّضْ إلَيْهِمَا وَكَانَا رَسُولَيْنِ فَالطَّلَاقُ لَازِمٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُطَلِّقْهَا وَلَمْ أَسْمَعْ هَذَا مِنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ الْعِتْقُ عِنْدِي إذَا كَانَ عَلَى التَّفْوِيضِ فَهُوَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ وَإِنْ كَانَا رَسُولَيْنِ عَتَقَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُعْتِقَاهُ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ، إنْ جَعَلَ عِتْقَ جَارِيَتِهِ إلَى رَجُلَيْنِ، فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا دُونَ صَاحِبِهِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَا مِلْكَهُمَا جَمِيعًا فَأَعْتَقَهَا أَحَدُهُمَا فَلَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَا رَسُولَيْنِ جَازَ ذَلِكَ عِنْدَ مَالِكٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ وَكَذَلِكَ قَالَ أَشْهَبُ وَغَيْرُهُ مِنْ كِبَارِ أَصْحَابِ مَالِكٍ فِي تَمْلِيكِ الْعِتْقِ إذَا مَلَّكَهَا أَمْرَهَا فِي الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ وَرَجُلًا آخَرَ مَعَهُمَا أَوْ يَمْلِكُ رَجُلَيْنِ سِوَاهَا فِي الْعِتْقِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا وَأَبَى الْآخَرُ أَنْ يُعْتِقَ، فَقَالَ: لَا عِتْقَ لَهُمَا حَتَّى يَجْتَمِعَا جَمِيعًا عَلَى الْعِتْقِ، لِأَنَّ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا لِصَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَتْ هِيَ مِنْهُمَا فَإِنْ وَطِئَهَا أَحَدُهُمَا فَقَدْ انْتَقَضَ الْأَمْرُ الَّذِي جُعِلَ لَهُمَا.

.(فِي الرَّجُلِ يَدْعُو عَبْدًا لَهُ بِاسْمِهِ لِيُعْتِقَهُ فَيُجِيبَهُ غَيْرُهُ):

فِي الرَّجُلِ يَدْعُو عَبْدًا لَهُ بِاسْمِهِ لِيُعْتِقَهُ فَيُجِيبَهُ غَيْرُهُ فَيَقُولَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ:
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ دَعَا عَبْدًا يُقَالُ لَهُ: نَاصِحٌ، فَأَجَابَهُ مَرْزُوقٌ فَقَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ، وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ نَاصِحٌ وَشَهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ؟
قَالَ: يُعْتَقَانِ عَلَيْهِ جَمِيعًا يُعْتَقُ مَرْزُوقٌ بِمَا شَهِدَ لَهُ وَيُعْتَقُ نَاصِحٌ بِمَا أَقَرَّ لَهُ مِمَّا نَوَى، وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَقُ إلَّا نَاصِحٌ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ لَمْ يُعْتَقْ عَلَيْهِ إلَّا الَّذِي أَرَادَ وَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِ الَّذِي وَاجَهَهُ بِالْعِتْقِ.
فَقَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ أَشْهَبُ فِي رَجُلٍ دَعَا عَبْدًا يُقَالُ لَهُ: نَاصِحٌ فَأَجَابَهُ مَرْزُوقٌ فَقَالَ: أَنْتَ حُرٌّ، فَقَالَ: أَرَاهُ حُرًّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ وَفِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِبَادِ وَلَا أَرَى لِنَاصِحٍ عِتْقًا إلَّا أَنْ يَحْدُثَ لَهُ الْعِتْقُ؛ لِأَنَّهُ دَعَاهُ لِيُعْتِقَهُ فَلَمْ يُعْتِقْهُ وَعَتَقَ غَيْرُهُ وَهُوَ يَظُنُّهُ هُوَ فَرُزِقَ هَذَا وَحُرِمَ هَذَا.

.(فِي الْعَبْدِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ):

فِي الْعَبْدِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَقُولُ أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَيَقُولُ الْآخَرُ: إنْ كَانَ دَخَلَ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا يُوقِنَانِ أَدَخَلَ أَمْ لَا؟
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: إنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَهُوَ لَا يَسْتَيْقِنُ دُخُولَهُ، وَقَالَ الْآخَرُ: إنْ كَانَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَمْسِ فَهُوَ حُرٌّ، وَلَا يَسْتَيْقِنُ أَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَا يَدَّعِيَانِ عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ دِينَا لِذَلِكَ، وَإِنْ كَانَا لَا يَدَّعِيَانِ عِلْمَ مَا حَلَفَا عَلَيْهِ وَيَدَّعِيَانِ أَنَّهُمَا مَا حَلَفَا عَلَى الظَّنِّ فَإِنَّ الْعَبْدَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَمْلِكَاهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْتَقَ عَلَيْهِمَا، لِأَنَّهُمَا مَا لَا يَنْبَغِي لَهُمَا أَنْ يَسْتَرِقَّاهُ بِالشَّكِّ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَا يُجْبَرَانِ عَلَى الْعِتْقِ بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِمَا، قَالَ سَحْنُونٌ وَقَالَ غَيْرُهُ: يُجْبَرَانِ عَلَى ذَلِكَ وَقَدْ قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ يُفَرَّقُ بِالشَّكِّ وَلَا يُجْمَعُ بِالشَّكِّ.

.فِي عِتْقِ السِّهَامِ:

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَعْتَقَ فِي مَرَضِهِ عَشَرَةَ أَعْبُدٍ وَلَهُ سِتُّونَ مَمْلُوكًا قَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ مِنْهُمْ سُدُسُهُمْ بِالسَّهْمِ.
قُلْتُ: فَإِنْ مَاتُوا كُلُّهُمْ إلَّا عَشَرَةَ أَعْبُدٍ؟
قَالَ: إذَا مَاتُوا كُلُّهُمْ إلَّا عَشَرَةَ أَعْبُدٍ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: إنْ كَانَ الثُّلُثُ يَحْمِلُهُمْ عَتَقُوا كُلُّهُمْ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةُ جَمِيعُهُمْ قُلْتُ: وَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ هَؤُلَاءِ الْعَشَرَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ هَؤُلَاءِ الْخَمْسِينَ الَّذِينَ مَاتُوا؟
قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ قِيمَةً.
قُلْتُ: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّهُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ فَإِنْ بَقِيَ عَشَرَةٌ عَتَقُوا جَمِيعُهُمْ فِي الثُّلُثِ إنْ حَمَلَهُمْ الثُّلُثُ وَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُمْ الثُّلُثُ عَتَقَ مِنْهُمْ مَبْلَغُ الثُّلُثِ بِالْقُرْعَةِ وَرَقَّ مِنْهُمْ مَا بَقِيَ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ سِتِّينَ أَحَدَ عَشَرَ عَبْدًا؟
قَالَ: يُعْتَقُ مِنْهُمْ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ مِنْ أَحَدَ عَشَرَ جُزْءًا إنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثُ بِالْقُرْعَةِ قُلْتُ: فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ عَبْدًا؟
قَالَ: يُعْتَقُ مِنْهُمْ النِّصْفُ بِالْقُرْعَةِ وَيُرَقَّ مَا بَقِيَ إنْ حَمَلَ الثُّلُثُ نِصْفَهُمْ، وَأَصْلُ هَذَا الْقَوْلِ أَنْ يُنْظَرَ إلَى عِدَّةِ مَنْ بَقِيَ فَإِنْ كَانُوا عَشَرَةً عَتَقُوا كُلُّهُمْ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ بَقُوا عِشْرِينَ عَتَقَ مِنْهُمْ نِصْفُهُمْ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ كَانُوا ثَلَاثِينَ أُعْتِقَ ثُلُثُهُمْ بِالْقُرْعَةِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُمْ أَحَدٌ عَتَقَ مِنْهُمْ سُدُسُهُمْ.
قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَالْقُرْعَةُ بَيْنَ الْعَبِيدِ إنَّمَا هِيَ عَلَى قِيمَتِهِمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ بَتْلًا عِنْدَ مَوْتِهِ لَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ.
قُلْتُ: كَيْفَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانُوا إنْ قُسِّمُوا أَيَنْقَسِمُونَ قُسِّمُوا وَأُقْرِعَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَيِّ الْأَثْلَاثِ تَقَعُ وَصِيَّةُ الْمَيِّتِ فَإِذَا أَصَابَ ثُلُثًا مِنْهَا عَتَقَ وَإِنْ كَانُوا لَا يَنْقَسِمُونَ فَإِنَّهُمْ يُقَوَّمُونَ جَمِيعًا ثُمَّ يُسْهَمُ بَيْنَهُمْ فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتَقَ، وَإِنْ كَانَ آخِرُ مَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ تَمَامُ الثُّلُثِ وَرَقَّ مَا بَقِيَ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: ثُلُثُ رَقِيقِي أَحْرَارٌ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأُخْرِجَ ثُلُثُ أُولَئِكَ الرَّقِيقِ وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ قَالَ: رَقِيقِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ، وَإِنْ قَالَ: نِصْفُهُمْ أَوْ ثُلُثُهُمْ أَحْرَارٌ، فَكَذَلِكَ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْقُرْعَةِ إذَا قَالَ: نِصْفُهُمْ أَوْ ثُلُثُهُمْ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ: رَأْسٌ مِنْ رَقِيقِي أَوْ خَمْسَةٌ أَوْ سِتَّةٌ أَحْرَارٌ وَلَمْ يُسَمِّ بِأَعْيَانِهِمْ نُظِرَ إلَى جُمْلَةِ الرَّقِيقِ يَوْمَ يُقَوَّمُوا ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى عَدَدِ مَا سَمَّى مِنْ رَقِيقِهِ، فَإِنْ كَانَ قَالَ: خَمْسَةٌ، وَهُمْ ثَلَاثُونَ أُعْتِقَ سُدُسُهُمْ، وَإِنْ كَانُوا عِشْرِينَ أُعْتِقَ رُبْعُهُمْ يُقَوَّمُونَ جَمِيعًا ثُمَّ يُسْهَمُ بَيْنَهُمْ فَيُنْظَرُ إلَى الَّذِي خَرَجَ سَهْمُهُ، فَإِنْ كَانَ هُوَ كَفَافُ الْجُزْءِ الَّذِي سَمَّى مِنْ رَقِيقِهِ عَتَقَ وَحْدَهُ وَرَقُّوا جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ عَتَقَ مِنْهُ مَبْلَغُ مَا سَمَّى سُدُسَهُمْ أَوْ رُبْعَهُمْ وَرَقَّ مِنْهُمْ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ وَرَقَّ جَمِيعُهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ كَفَافٌ لِمَا سَمَّى ضَرَبَ السَّهْمَ الثَّانِيَةَ، فَإِنْ اسْتَكْمَلُوا مَا سَمَّى مِنْ السُّدُسِ أَوْ الرُّبْعِ وَإِلَّا ضُرِبَ بِالسَّهْمِ أَيْضًا حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا مَا سَمَّى، وَإِنْ خَرَجَ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ عَدَدًا مِمَّا سَمَّى مِنْ الْعَدَدِ بِأَضْعَافٍ إذَا كَانَ الَّذِينَ يُعْتَقُونَ قِيمَتُهُمْ كَفَافًا لِمَا سَمَّى أَوْ الْجُزْءُ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ مِنْهُمْ كَفَافُ مَا سَمَّى مِنْ الْجُزْءِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا أَوْ سُدُسًا بِالسَّهْمِ كَانَ وَاحِدًا أَوْ عِشْرِينَ أَوْ ثَلَاثِينَ لَا يُلْتَفَتُ فِي ذَلِكَ إلَى الْعَدَدِ إذَا كَانَ فِيمَا يَبْقَى لِلْوَرَثَةِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِمْ أَوْ خَمْسَةُ أَسْدَاسِهِمْ بَقِيَّةَ الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا سَمَّى وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَتْرُكْ مَالًا غَيْرَهُمْ، وَإِنْ تَرَكَ مَالًا غَيْرَهُمْ اسْتَكْمَلُوا عِتْقَ جَمِيعِ مَا سَمَّى فِي ثُلُثِ جَمِيعِ مَالِهِ حَتَّى يُؤْتَى عَلَى جَمِيعِ وَصِيَّتِهِ الَّتِي سَمَّى عَلَى مَا فَسَّرْتُ لَكَ.
قُلْتُ لِمَالِكٍ: أَرَأَيْتَ إنْ أَوْصَى رَجُلٌ بِالْعِتْقِ وَلَهُ خَمْسُونَ رَأْسًا فَقَالَ: عَشَرَةٌ مِنْ رَقِيقِي أَحْرَارٌ، فَغَفَلَ الْوَرَثَةُ عَنْ بَيْعِ مَالِهِ فَلَمْ يَقُومُوا حَتَّى هَلَكَ مِنْهُمْ عِشْرُونَ وَبَقِيَ مِنْهُمْ ثَلَاثُونَ؟
فَقَالَ مَالِكٌ: يُعْتَقُ ثُلُثُ الثَّلَاثِينَ وَلَا يَكُونُ لِمَنْ مَاتَ قِيمَةٌ يُعْتَدُّ بِهَا عَلَى الْوَرَثَةِ وَلَا تَدْخُلُ عَلَى الرَّقِيقِ وَإِنَّمَا يُعْتَقُ مِنْ عَدَدِهِمْ يَوْمَ يَحْكُمُ فِيهِمْ وَلَيْسَ لِمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قِيمَةٌ، وَتَصِيرُ التَّسْمِيَةُ كُلُّهَا الَّتِي سَمَّى فِيمَا بَقِيَ مِنْ الرَّقِيقِ.
ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا وَغَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ حَدَّثَهُ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ «أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ سِتَّةً عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ وَأَعْتَقَ ثُلُثَ تِلْكَ الرَّقِيقِ».
قَالَ مَالِكٌ: وَبَلَغَنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِذَلِكَ الرَّجُلِ مَالٌ غَيْرُهُمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ أَبِي تَمِيمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ وَأَبِي قِلَابَةَ الْجَرْمِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُهُ أَشْهَبُ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ حَدَّثَهُ عَنْ الْحَسَنِ «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ أَرْؤُسٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَأَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بَيْنَهُمْ فَأَخْرَجَ ثُلُثَهُمْ».
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ رَبِيعَةَ بْنَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَجُلًا فِي زَمَنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ أَعْتَقَ رَقِيقًا لَهُ جَمِيعًا فَأَمَرَ أَبَانُ بْنُ عُثْمَانَ بِتِلْكَ الرَّقِيقِ فَقُسِّمُوا أَثْلَاثًا ثُمَّ أَسْهَمَ بَيْنَهُمْ عَلَى أَيِّهِمْ يُخْرِجُ سَهْمَ الْمَيِّتِ فَيُعْتَقُوا فَخَرَجَ السَّهْمُ عَلَى أَحَدِ الْأَثْلَاثِ فَعَتَقُوا قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَدْرَكْتُ مَوْلًى لِسَعِيدِ بْنِ بَكْرٍ يُدْعَى دُهُورًا أَعْتَقَ ثُلُثَ رَقِيقٍ لَهُ هُمْ قَرِيبٌ مِنْ الْعِشْرِينَ فَرَفَعَ أَمْرَهُمْ إلَى أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ فَقَسَّمَهُمْ أَثْلَاثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَخْرَجَ ثُلُثَهُمْ فَأَعْتَقَهُمْ.
ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ غُلَامَانِ فَأَعْتَقَ أَحَدَهُمَا عِنْدَ الْمَوْتِ فَلَمْ يَدْرِ أَيَّهُمَا هُوَ فَأَسْهَمَ، أَبَانُ بَيْنَهُمْ فَصَارَ السَّهْمُ لِأَحَدِهِمَا وَغَشِيَ عَلَى الْآخَرِ.

.فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَثْلَاثَ عَبِيدِهِ وَأَنْصَافَهُمْ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: مَنْ قَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: أَثْلَاثُ عَبِيدِي أَوْ أَنْصَافُهُمْ أَحْرَارٌ، أَوْ ثُلُثُ كُلِّ رَأْسٍ أَوْ نِصْفُ كُلِّ رَأْسٍ أَعْتَقَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مَا ذَكَرَ إنْ حَمَلَ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَلَمْ يَبْرَأْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ ذَلِكَ؟
قَالَ: يُعْتِقُ مِنْهُمْ عِنْدَ مَالِكٍ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ عَلَى قَدْرِ مَا أَعْتَقَ مِنْهُمْ يَتَحَاصُّونَ فِيهِ وَلَا يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَلَكِنْ يُعْتِقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا أَصَابَهُ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْمَيِّتِ فِي الْمُحَاصَّةِ وَقَالَهُ أَشْهَبُ.

.فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ فَيَحْنَثُ فِي مَرَضِهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ أَنْ لَا يُكَلِّمَ فُلَانًا فَمَرِضَ فَكَلَّمَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ؟
قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَهُوَ مَرِيضٌ إنْ مَاتَ وَوَسِعَهُمْ الثُّلُثُ عَتَقُوا وَإِلَّا أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَخْرَجَ مِنْهُمْ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَرَقَّ مِنْهُمْ مَا بَقِيَ، وَلَوْ حَلَفَ لَيُكَلِّمَنَّ فُلَانًا بِعِتْقِ رَقِيقِهِ، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُ عَتَقَ رَقِيقُهُ فِي ثُلُثِهِ إنْ وَسِعَهُمْ الثُّلُثُ وَإِلَّا فَمَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُمْ جَمِيعًا وَلَا يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِينَ يُعْتَقُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ وُلِدَ لِرَقِيقِهِ هَؤُلَاءِ أَوْلَادٌ بَعْدَ يَمِينِهِ هَذِهِ كَانَ أَوْلَادُهُمْ مَعَهُمْ فِي الْوَصِيَّةِ يَقُومُونَ مَعَ آبَائِهِمْ فِي الثُّلُثِ إنْ كَانَتْ أُمَّهَاتُهُمْ إمَاءً لِآبَائِهِمْ، وَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ أَرَى أَوْلَادَهُمْ يَدْخُلُونَ مَعَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُدَبَّرِينَ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَحْلِفُ بِعِتْقِ رَقِيقِهِ لَيَفْعَلَنَّ شَيْئًا فَيُولَدُ لِعَبِيدِهِ أُولَئِكَ وَلَدٌ؟
قَالَ: أَرَاهُمْ فِي الْيَمِينِ مَعَ آبَائِهِمْ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِعَبْدِهِ: إنْ دَخَلْت أَنَا هَذِهِ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ، وَقَالَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ فِي الصِّحَّةِ ثُمَّ دَخَلَ الدَّارَ فِي الْمَرَضِ فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ؟
قَالَ: يُعْتَقُ الْعَبْدُ مِنْ الثُّلُثِ، وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: إنْ دَخَلْتِ دَارَ فُلَانٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ وَهُوَ صَحِيحٌ حِينَ قَالَ لَهَا ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَتْ الدَّارَ وَهُوَ مَرِيضٌ ثُمَّ مَاتَ.
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تَرِثَهُ وَإِنْ انْقَضَتْ عِدَّتُهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ طَلَّقَ فِي الْمَرَضِ.
قُلْتُ: وَلَمْ يُوَرِّثْهَا مَالِكٌ وَإِنَّمَا وَقَعَ الْفِرَاقُ هَهُنَا مِنْ الْمَرْأَةِ لَا مِنْ الزَّوْجِ؟
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُفْتَدِيَةَ فِي الْمَرَضِ أَلَيْسَتْ تَرِثُهُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَهَذِهِ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْتَدِيَةِ فِي الْمِيرَاثِ؟

.فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْعَبْدَ ثُمَّ يُدَايِنُ السَّيِّدَ بَعْدَ عِتْقِهِ:

قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَمَرْتُ عَبْدِي أَنْ يَبِيعَ لِي سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ، فَبَاعَ السِّلْعَةَ وَأَعْتَقْت أَنَا الْعَبْدَ ثُمَّ اعْتَرَفْت السِّلْعَةَ الَّتِي بَاعَ الْعَبْدُ فَأَرَادَ الْمُشْتَرِي أَنْ يَتْبَعَ السَّيِّدَ وَيَرُدَّ عِتْقَ الْعَبْدِ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ إنَّمَا لِحَقِّ السَّيِّدِ بَعْدَمَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ.

.فِي الْمِدْيَانِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ وَعِنْدَهُ مِنْ الْعُرُوضِ كَفَافُ دَيْنِهِ أَوْ نِصْفِهِ:

قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا كَانَ عَلَى الرَّجُلِ دَيْنٌ وَكَانَ عِنْدَهُ كَفَافُ دَيْنِهِ سِوَى عَبْدِهِ فَأَعْتَقَ عَبْدَهُ جَازَ عِتْقُهُ.
قُلْتُ: وَكَذَلِكَ لَوْ دَبَّرَهُ أَوْ كَاتَبَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ مَالِكٌ: فِي الْعِتْقِ أَنَّهُ جَائِزٌ فَهُوَ فِي التَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ أَوْلَى أَنْ يَجُوزَ.
وَقَالَ مَالِكٌ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ وَلَهُ مِنْ الْمَالِ وَالْعُرُوضِ مَا لَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ يَوْمَ أَعْتَقَهُ كَانَ فِي مَالِهِ سِوَى الْعَبْدِ وَفَاءٌ بِدَيْنِهِمْ فَلَمْ يَقُومُوا عَلَيْهِ حَتَّى ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ، فَإِنَّ الْعِتْقَ مَاضٍ وَلَيْسَ لِلْغُرَمَاءِ أَنْ يَرُدُّوا عِتْقَهُ، وَكَذَلِكَ التَّدْبِيرُ وَالْكِتَابَةُ أَيْضًا فِي قَوْلِهِ: وَلَوْ كَانَ دَيْنُهُ يَغْتَرِقُ نِصْفَ الْعَبْدِ فَلَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ الْغُرَمَاءُ حَتَّى ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ لَمْ يَبِعْ مِنْ الْعَبِيدِ إلَّا مَا كَانَ يُبَاعُ لَوْ قَامَ الْغُرَمَاءُ عَلَيْهِ حِينَ أَعْتَقَ وَالْمَالُ غَيْرُ تَالِفٍ فَيُنْظَرُ فِيهِ يَوْمَ أَعْتَقَ أَوْ دَبَّرَ إلَى مَا كَانَ فِي يَدِ السَّيِّدِ مِنْ الْمَالِ يَوْمَئِذٍ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ وَيُعْتِقُ مِنْهُ مَا بَقِيَ.
قُلْتُ: فَإِنْ دَبَّرَ رَجُلٌ عَبْدَهُ وَلَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ مَالَهُ أَوْ يَغْتَرِقُ نِصْفَ عَبْدِهِ، هَذَا الَّذِي دَبَّرَهُ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فِيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى أَنْ يُبَاعَ مِنْ الْعَبْدِ مَبْلَغُ الدَّيْنِ بَعْدَ مَالِ سَيِّدِهِ، مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ فِي الْعِتْقِ، فَإِذَا بِيعَ مِنْهُ مَا ذَكَرْتُ لَكَ كَانَ مَا بَقِيَ مُدَبَّرًا؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَوْ أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ صَاحِبِهِ لَجَازَ ذَلِكَ وَمَا كَانَ بِهِ بَأْسٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْمُدَبَّرِ لِلَّذِي لَمْ يُدَبِّرْ، فَإِذَا اشْتَرَى الْمُشْتَرِي عَلَى هَذَا فَكَأَنَّهُ رَضِيَ بِالتَّدْبِيرِ وَلَا يَتَقَاوَيَاهُ، وَلَقَدْ سَمِعْتُ مَالِكًا وَكَانَتْ الْمُقَاوَاةُ عِنْدَهُ ضَعِيفَةً وَلَكِنَّهَا شَيْءٌ جَرَتْ فِي كُتُبِهِ، وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ وَنَزَلَتْ فَأُلْزِمُهُ التَّدْبِيرَ الَّذِي دَبَّرَهُ كُلَّهُ وَلَمْ يَجْعَلْ فِيهِ تَقْوِيمًا.
فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّهُ يُبَاعُ مِنْهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ وَيُتْرَكُ مَا بَقِيَ مُدَبَّرًا بِمَنْزِلَةِ الْعِتْقِ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ كَاتَبَهُ وَعَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ مِثْلُ مَا وَصَفْت لَكَ مِقْدَارُ نِصْفِ الْعَبْدِ؟
قَالَ: فَلَا أَرَى أَنْ يَجُوزَ مِنْهُ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَاتَبَ نِصْفَ عَبْدِهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَلَوْ كَاتَبَهُ كُلَّهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَوْ بِيعَتْ كِتَابَتُهُ أَوْ بَعْضُهَا كَانَ فِيهَا مَا يُؤَدِّي دَيْنَ سَيِّدِهِ، فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ تُبَاعَ وَتُقَرَّ كِتَابَتُهُ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرٌ عَلَى الْغُرَمَاءِ فِي شَيْءٍ مِنْ دَيْنِهِمْ إذَا كَانَ فِيمَا يُبَاعُ مِنْ كِتَابَتِهِ قَضَاءٌ لِدَيْنِهِمْ، وَإِنَّمَا الَّذِي لَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يُبَاعُ مِنْهُ قَضَاءٌ لِلْغُرَمَاءِ فَحِينَئِذٍ يُرَدُّ كُلُّهُ وَيُبَاعُ الْعَبْدُ فِي دَيْنِهِمْ، وَلَوْ أَنَّ عَبْدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ كَاتَبَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكِهِ أَوْ بِإِذْنِهِ فَالْكِتَابَةُ بَاطِلٌ، وَلَا يُقَالُ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ فِي التَّدْبِيرِ.

.فِي عِتْقِ الْمِدْيَانِ وَرَدِّ الْغُرَمَاءِ ذَلِكَ:

قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يُعْتِقُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَرَدَّ الْغُرَمَاءُ عِتْقَهُ فَلَمْ يُبَاعُوا حَتَّى أَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا فَإِنَّهُمْ أَحْرَارٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ جُلَسَائِهِ: أَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ رَدًّا لِلْعِتْقِ؟
فَقَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ رَدًّا لِلْعِتْقِ حَتَّى يُبَاعُوا.
قَالَ: وَلَوْ بَاعَهُمْ السُّلْطَانُ وَلَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ وَأَفَادَ السَّيِّدُ مَالًا.
قَالَ مَالِكٌ: رَأَيْتُهُمْ أَحْرَارًا.
قُلْتُ: مَا مَعْنَى قَوْلِ مَالِكٍ وَلَمْ يَنْفُذْ ذَلِكَ؟
قَالَ: إنَّ السُّلْطَانَ عِنْدَهُمْ بِالْمَدِينَةِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَزِيدُ وَإِلَّا أَنْفَذَ الْبَيْعَ لِلَّذِي اشْتَرَاهُ.
قُلْتُ: وَيَجُوزُ هَذَا الْبَيْعُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنَّهُ قَبَضَ الْمَالَ مَا لَمْ يَقْتَسِمْهُ الْغُرَمَاءُ إذَا أَفَادَ الثَّمَنَ الْمُفْلِسُ قَبْلَ ذَلِكَ، أَعْتَقَ الرَّقِيقَ وَيَرُدُّ الْمَالَ إلَى الْمُشْتَرِي وَيَقْضِي الْغُرَمَاءَ مِنْ هَذَا الْمَالِ الَّذِي أَفَادَ، وَهُوَ وَجْهُ مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ، وَكَذَلِكَ يَقُولُ أَشْهَبَ.
قال سَحْنُونٌ: لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ وَلَا أَنْظُرُ فِيهِ وَإِذَا وَقَعَ الْبَيْعُ مِنْ السُّلْطَانِ فَقَدْ تَمَّ قَرِيبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ قَرِيبٍ.
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يُعْتِقُ عَبْدَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ قِيمَةَ الْعَبْدِ، وَلِلْعَبْدِ أَوْلَادٌ أَحْرَارٌ، وَلَمْ يَعْلَمْ الْغُرَمَاءُ بِعِتْقِ السَّيِّدِ إيَّاهُ، فَمَاتَ بَعْضُ وَلَدِ الْعَبْدِ أَيَرِثُهُ الْعَبْدُ وَقَدْ أُعْتِقَ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ ابْنُهُ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَرِثَهُ؛ لِأَنَّهُ عَبْدٌ حَتَّى يَعْلَمَ الْغُرَمَاءُ بِالْعِتْقِ فَيُجِيزُونَ ذَلِكَ أَوْ يُفِيدُ السَّيِّدُ مَالًا قَالَ: وَكَيْفَ أَوْرَثَ مَنْ لَوْ شَاءَ الْغُرَمَاءُ أَنْ يَرُدُّوهُ فِي الرِّقِّ رَدُّوهُ، وَإِنْ شَاءُوا أَنْ يُجِيزُوا عِتْقَهُ أَجَازُوهُ وَلَا أَوْرَثَ إلَّا مَنْ قَدْ بَتَلَ عِتْقُهُ وَلَا يَرْجِعُ فِي الرِّقِّ عَلَى حَالٍ مِنْ الْحَالَاتِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ أَنْ يَرُدَّهُ فِي الرِّقِّ وَلَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ عَبْدَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَهُ أَمْوَالٌ مُفْتَرِقَةٌ وَفِيهَا مَا يُخْرِجُ الْعَبْدَ مِنْ الثُّلُثِ، إذَا جُمِعَتْ فَلَمْ تُجْمَعْ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى هَلَكَ الْعَبْدُ.
فَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْرَارُ، فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ وَمَا أَخْبَرْتُكَ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إنَّمَا يَتِمُّ بَعْدَ جَمْعِهِمْ الْمَالَ وَتَقْوِيمِهِمْ إيَّاهُ، لِأَنَّهُ لَوْ ضَاعَ الْمَالُ كُلُّهُ وَلَمْ يُعْتَقْ مِنْ الْعَبْدِ إلَّا الثُّلُثُ.
وَلِذَلِكَ إنْ بَقِيَ مِنْ الْمَالِ مَالًا يُخْرِجُ الْعَبْدَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى مَا ضَاعَ مِنْ الْمَالِ فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى مَسْأَلَتِكَ.

.(فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ فِي مَرَضِهِ رَقِيقًا فَيَبْتِلُ عِتْقَهُمْ):

فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ فِي مَرَضِهِ رَقِيقًا فَيَبْتِلُ عِتْقَهُمْ أَوْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ:
قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْتَقَ عَبِيدَهُ فِي مَرَضِهِ فَبَتَلَ عِتْقَهُمْ، أَوْ أَعْتَقَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ يَغْتَرِقُ الْعَبِيدَ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ عِتْقُهُ عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ لَا يَغْتَرِقُ قِيمَةَ الْعَبِيدِ؟
قَالَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ لِلدَّيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ مِنْهُمْ سَهْمُهُ بِيعَ فِي الدَّيْنِ حَتَّى يَخْرُجَ مِقْدَارُ الدَّيْنِ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى مَا بَقِيَ فَيُعْتَقُ مِنْهُمْ الثُّلُثَ بِالْقُرْعَةِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَقَدْ وَصَفْتُ لَكَ كَيْفَ الْقُرْعَةُ أَنْ يُقَارِعُوا، فَإِذَا خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى أَحَدِهِمْ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ بِيعَ مِنْهُ مِقْدَارُ الدَّيْنِ، وَاَلَّذِي يَبْقَى مِنْهُ بَعْدَ الدَّيْنِ يُقْرَعُ عَلَيْهِ أَيْضًا فِي الْعِتْقِ مَعَ مَنْ بَقِيَ، فَإِنْ خَرَجَ مَا بَقِيَ مِنْ هَذَا الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ وَكَانَ كَفَافًا لِثُلُثِ الْمَيِّتِ عَتَقَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءٌ أَقْرَعَ أَيْضًا بَيْنَ مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ فَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى بَعْضِ مَنْ بَقِيَ وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِمَّا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَبْلَغُ الثُّلُثِ وَرَقَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ حِينَ أُقْرِعَ بَيْنَهُمْ فِي الدَّيْنِ أَنَّهُمْ يُبَاعُونَ فِي الدَّيْنِ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ عَلَى أَحَدِهِمْ وَلَيْسَ فِيهِ وَفَاءٌ بِالدَّيْنِ فَإِنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ أَيْضًا ثَابِتَةً حَتَّى يُسْتَكْمَلَ الدَّيْنُ بِالْقُرْعَةِ، وَإِنْ خَرَجَتْ الْقُرْعَةُ بَعْدَ الْأَوَّلِ عَلَى آخَرَ فِيهِ وَفَاءٌ بِبَقِيَّةِ الدَّيْنِ وَفَضَلَ بِيعَ مِنْهُ مَبْلَغُ الدَّيْنِ وَكَانَ مَا بَقِيَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِلْمَيِّتِ.
وَيُضْرَبُ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْهُ بِالسِّهَامِ مَعَ جَمِيعِ الرَّقِيقِ الَّذِينَ بَقُوا بَعْدَ الدَّيْنِ، فَمَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَتُقَ فِي ثُلُثِ الْمَيِّتِ حَتَّى يَسْتَكْمِلُوا ثُلُثَ الْمَيِّتِ، وَلَيْسَتْ تَكُونُ الْقُرْعَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ وَهَذِهِ وَصِيَّةٌ.
قُلْتُ: فَاَلَّذِي أَعْتَقَ رَقِيقَهُ فِي مَرَضِهِ فَبَتَلَهُمْ، أَوْ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ الْمَوْتِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَالْعَبِيدُ أَكْثَرُ مِنْ الدَّيْنِ، أَهُوَ سَوَاءٌ فِي قَوْلِ مَالِكٍ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّيْنِ؟
قَالَ: نَعَمْ، هُوَ سَوَاءٌ.
قُلْتُ: وَيُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِيمَا فَضَلَ بَعْدَ الدَّيْنِ فِي الْعِتْقِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَيَقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِي الْعِتْقِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ فِي الْوَجْهَيْنِ جَمِيعًا فِي الدَّيْنِ بَتَلَ عِتْقَهُمْ فِي مَرَضِهِ وَفِي الَّذِينَ أَوْصَى بِعِتْقِهِمْ إنَّمَا الْعِتْقُ فِي أَيِّ الْفَرِيقَيْنِ كَانَ بِالْقُرْعَةِ وَإِنْ كَانَ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ: فَإِنْ أَعْتَقَهُمْ فِي مَرَضِهِ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَعِنْدَهُ مِنْ الْمَالِ مِقْدَارُ الدَّيْنِ، فَتَلِفَ الْمَالُ ثُمَّ مَاتَ السَّيِّدُ وَالدَّيْنُ يَغْتَرِقُ قِيمَةَ الْعَبْدِ؟
قَالَ: هَؤُلَاءِ رَقِيقٌ كُلُّهُمْ يُبَاعُونَ فِي الدَّيْنِ؛ لِأَنَّ هَذِهِ وَصِيَّةٌ فَلَا يَكُونُ الْعِتْقُ فِي الْوَصِيَّةِ عِتْقًا، إلَّا بَعْدَ أَدَاءِ الدَّيْنِ.
قُلْتُ: وَسَوَاءٌ بَتَلَ عِتْقَهُمْ فِي مَرَضِهِ فِي مَسْأَلَتِي أَوْ أَعْتَقَهُمْ بَعْدَ مَوْتِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، هَذَا كُلُّهُ سَوَاءٌ؛ لِأَنَّهَا وَصِيَّةٌ، فَهُمْ رَقِيقٌ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الدَّيْنَ، فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَتِهِمْ فَضْلٌ عَنْ الدَّيْنِ أَسْهَمَ بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِي الْعِتْقِ فِي الثُّلُثِ.