فصل: في تَفْسِيرِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.في الرَّجُلِ يَبِيعُ السِّلْعَةَ وَبِهَا عَيْبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ وَبِهِ عَيْبٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلَمْ يَبْرَأْ إلَيْهِ الْمُشْتَرِي مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ قَطَعَهُ الْمُشْتَرِي فَظَهَرَ الْمُشْتَرِي عَلَى عَيْبٍ وَقَدْ كَانَ في الثَّوْبِ عَيْبٌ عِنْدَ الْبَائِعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَكُونُ الْبَرَاءَةُ في الثِّيَابِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَإِنْ بَاعَهُ الْبَائِعُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَقَطَعَهُ الْمُبْتَاعُ ثُمَّ وَجَدَ الْمُبْتَاعُ بَعْدَ مَا قَطَعَهُ بِهِ عَيْبًا فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ وَمَا نَقَصَهُ الْقَطْعُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُمْسِكَهُ وَيَأْخُذَ قِيمَةَ الْعَيْبِ فَذَلِكَ لَهُ، وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ مَنْ عَلِمَ أَنَّ في ثَوْبِهِ عَيْبًا حِينَ بَاعَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ بِثَوْبِهِ عَيْبًا.
قُلْت: وَالْعُرُوضُ كُلُّهَا عِنْدَ مَالِكٍ مِثْلُ الثِّيَابِ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ مَالِكٍ إلَّا أَنِّي أَرَى مَا كَانَ مِنْ الْعُرُوضِ الَّتِي تُشْتَرَى لَأَنْ يَعْمَلَ بِهَا كَمَا يَصْنَعُ بِالثِّيَابِ مِنْ الْقَطْعِ مِثْلَ الْجُلُودِ تُقْطَعُ أَخْفَافًا، وَمِثْلَ جُلُودِ الْبَقَرِ تُقْطَعُ نِعَالًا، وَمَا أَشْبَهَ هَذِهِ الْوُجُوهَ رَأَيْتُهُ مِثْلَ الثِّيَابِ وَالْخَشَبِ، وَمَا أَشْبَهَهَا مِمَّا يَشْتَرِيهَا الرَّجُلُ فيقْطَعُهَا فيكُونُ الْعَيْبُ في دَاخِلِهَا لَيْسَ بِظَاهِرٍ لِلنَّاسِ فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ في الْخَشَبِ: إذَا كَانَ الْعَيْبُ في دَاخِلِ الْخَشَبِ إنَّهُ لَيْسَ بِعَيْبٍ.
قَالَ: وَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِيَ إذَا قَطَعَهَا فَظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ قَالَ: وَنَزَلْتُ فَحَكَمَ فيهَا مَالِكٌ بِذَلِكَ.

.مَا جَاءَ في الْخَشَبِ وَالْبَيْضِ وَالرَّاتِجِ وَالْقِثَّاءِ يُوجَدُ بِهِ عَيْبٌ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كُلُّ مَا أَشْبَهَ الْخَشَبَ مِمَّا لَا يَبْلُغُ عِلْمُ النَّاسِ مَعْرِفَةَ الْعَيْبِ فيهِ لِأَنَّهُ بَاطِنٌ وَإِنَّمَا يُعْرَفُ عَيْبُهُ بَعْدَ أَنْ يُشَقَّ شَقًّا فَفَعَلَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ الْبَاطِنِ بَعْدَ مَا شَقَّهُ فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ.
فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَالرَّاتِجُ وَهُوَ الْجَوْزُ الْهِنْدِيُّ وَالْجَوْزُ وَالْقِثَّاءُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَيْضُ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ فيجِدُهُ فَاسِدًا؟
قَالَ: أَمَّا الرَّاتِجُ وَالْجَوْزُ فَلَا أَرَى أَنْ يُرَدَّ وَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي، وَأَمَّا الْبَيْضُ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ وَيُرَدُّ، وَأَمَّا الْقِثَّاءُ فَإِنَّ أَهْلَ الْأَسْوَاقِ يَرُدُّونَهُ إذَا وَجَدُوهُ مُرًّا.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَدْرِي بِمَا رَدُّوا ذَلِكَ اسْتِنْكَارًا لِمَا عَلِمُوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ في رَدِّهِمْ إيَّاهُ فيمَا رَأَيْتُهُ حِينَ كَلَّمَنِي فيهِ وَلَا أَرَى أَنْ يُرَدَّ.
قُلْت: فَلِمَ رَدَّ مَالِكٌ الْبَيْضَ مِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ؟
قَالَ: لِأَنَّ مَعْرِفَةَ فَسَادِ الْبَيْضِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ ظَاهِرٌ يُعْرَفُ لَيْسَ بِبَاطِنٍ مِثْلُ غَيْرِهِ.

.في الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ يَجِدُ بِهِمْ الْمُشْتَرِي الْعَيْبَ دَلَّسَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يُدَلِّسْهُ:

قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: الْعَيْبُ في الْجَوَارِي وَالْعَبِيدِ مَنْ دَلَّسَ، وَمَنْ لَمْ يُدَلِّسْ إذَا حَدَثَ عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ مُفْسِدٌ لَمْ يَرُدَّهُ إلَّا وَمَا نَقَصَ الْعَيْبُ مِنْهُ لَيْسَ هُوَ مِثْلُ الثِّيَابِ في ذَلِكَ.
قُلْت: فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ الثِّيَابِ وَالرَّقِيقِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لِأَنَّ الثَّوْبَ حِينَ دَلَّسَهُ قَدْ بَاعَهُ إيَّاهُ لِيَقْطَعَهُ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا تُشْتَرَى الثِّيَابُ لِلْقَطْعِ وَأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ يُشْتَرَى عَلَى أَنْ تُفْقَأَ عَيْنُهُ وَلَا تُقْطَعَ يَدُهُ فَهَذَا فَرْقُ مَا بَيْنَهُمَا.
قُلْت: فَالْحَيَوَانُ مِثْلُ الرَّقِيقِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْجَارِيَةَ فيقِرُّهَا عِنْدَهُ وَتَشِبُّ ثُمَّ يَجِدُ بِهَا عَيْبًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً صَغِيرَةً فَكَبِرَتْ عِنْدِي فَصَارَتْ جَارِيَةً شَابَّةً فَزَادَتْ خَيْرًا فَأَصَبْتُ بِهَا عَيْبًا كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ بَاعَنِيهَا وَبِهَا الْعَيْبُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: مَنْ بَاعَ صَغِيرًا فَكَبِرَ عِنْدَ صَاحِبِهِ قَالَ: أَرَاهُ فَوْتًا عَلَيْهِ وَيَرُدُّ قِيمَةَ الْعَيْبِ فَأَرَى أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْعَيْبِ وَلَا يُشْبِهُ عِنْدِي الْفَرَاهِيَةَ وَتَعْلِيمَ الصِّنَاعَاتِ وَغَيْرَهَا وَذَلِكَ لَيْسَ بِفَوْتٍ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهَا رَدَّهَا، وَالصَّغِيرُ إذَا كَبِرَ يَرُدُّ الْبَائِعُ قِيمَةَ الْعَيْبِ عَلَى مَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ وَرَآهُ مَالِكٌ فَوْتًا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: قَالَ مَالِكٌ: وَالْمُشْتَرِي لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ إذَا كَانَ فَوْتًا يُجْبَرُ الْبَائِعَ عَلَى أَنْ يَرُدَّ عَلَى الْمُبْتَاعِ قِيمَةَ الْعَيْبِ مِنْ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّهَا فَاتَتْ وَلَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا خِيَارٌ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ اشْتَرَاهَا صَبِيَّةً فَكَبِرَتْ كِبَرًا فَانِيًا فَأَصَابَ بِهَا مُشْتَرِيهَا عَيْبًا دَلَّسَهُ الْبَائِعُ لَهُ؟
قَالَ: هَذَا فَوْتٌ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا كَبِرَتْ فَهُوَ فَوْتٌ إذَا اشْتَرَاهَا صَغِيرَةً ثُمَّ كَبِرَتْ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ لِصَاحِبِ الصَّغِيرِ إذَا كَبِرَ أَنْ يَرُدَّ وَيُبَيِّنَ لَكَ أَنَّ الْكِبَرَ فَوْتٌ، وَيُجْبَرُ الْبَائِعَ عَلَى أَدَاءِ قِيمَةِ الْعَيْبِ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ إذَا فَاتَ، وَقَدْ عَلِمَ مَكْرُوهَهُ، وَقَدْ فَاتَ بِنَمَاءٍ أَوْ نُقْصَانٍ أَوْ اخْتِلَافِ أَسْوَاقٍ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَالسِّلْعَةُ قَدْ نَمَتْ وَهِيَ خَيْرٌ مِنْهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَتْ أَرْفَعَ في الْقِيمَةِ يَوْمَ يُرِيدُ رَدَّهَا وَلَا حُجَّةَ لَهُ في أَنْ يَرُدَّهَا.

.(في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ بَائِعِهَا أَوْ غَيْرِهِ):

في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَبِيعُهَا مِنْ بَائِعِهَا أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ يَعْلَمُ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَيْبٍ كَانَ دَلَّسَهُ بِهِ الْبَائِعُ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً بِهَا عَيْبٌ دَلَّسَهُ لِي الْبَائِعُ ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنِّي الْبَائِعُ نَفْسُهُ ثُمَّ ظَهَرْتُ مِنْهَا عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَهُ لِي الْبَائِعُ أَلِي أَنْ أَرْجِعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ أَرَى أَنْ تَرْجِعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ إنْ كُنْتَ بِعْتَهَا بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَيْتَهَا بِهِ مِنْهُ، وَلَا حُجَّةَ لِلْبَائِعِ الَّذِي دَلَّسَ بِالْعَيْبِ أَنْ يَقُولَ لِلْمُشْتَرِي: رُدَّهَا عَلَيَّ وَهِيَ في يَدَيْهِ، فَلِذَلِكَ رَأَيْتُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ الْأَوَّلِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا اشْتَرَاهَا بِهِ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَدَلَّسَ لَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْمُشْتَرِي بِشَيْءٍ إذَا اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَهُ بِهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّهُ إذَا بَاعَهَا مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلَا أَرَى أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ، وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ إنْ كَانَ بَاعَ بِنُقْصَانٍ وَقَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَقَدْ رَضِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ بِالْعَيْبِ فَإِنَّمَا نَقَصَ مِنْ غَيْرِ الْعَيْبِ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْتُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَهَبَهَا لِلْبَائِعِ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ لَهُ الْبَائِعُ؟
قَالَ: يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً وَقَدْ دَلَّسَ لِي بَائِعُهَا فيهَا بِعَيْبٍ فَبِعْتُ نِصْفَهَا ثُمَّ ظَهَرْتُ عَلَى الْعَيْبِ الَّذِي دَلَّسَ بِهِ؟
قَالَ: يُقَالُ لِلْبَائِعِ: إمَّا إنْ رَدَدْتَ نِصْفَ قِيمَةِ الْعَيْبِ عَلَى الْمُشْتَرِي وَإِمَّا قَبِلْتَ النِّصْفَ الْبَاقِي الَّذِي في يَدَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْكَ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ.

.في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ الْخُفينِ أَوْ الْمِصْرَاعَيْنِ فيجِدُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت خُفينِ أَوْ نَعْلَيْنِ أَوْ مِصْرَاعَيْنِ أَوْ شَيْئًا مَنْ الْأَشْيَاءِ مِمَّا يَكُونُ فيهِ زَوْجٌ فَأَصَبْتُ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا بَعْدَ مَا قَبَضْتُهُ أَوْ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ؟
قَالَ: لَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَرُدَّ إلَّا جَمِيعًا أَوْ تَحْبِسَ إلَّا جَمِيعًا.
قُلْت: وَكُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذَا لَيْسَ بِزَوْجٍ وَلَا بِأَخٍ لِصَاحِبِهِ إنَّمَا اشْتَرَاهُمَا أَفْرَادًا اشْتَرَى نِعَالًا فُرَادَى فَأَصَابَ بِأَحَدِهِمَا عَيْبًا كَانَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا؟
قَالَ: نَعَمْ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ في أَوَّلِ الْكِتَابِ في اشْتِرَاءِ الْجُمْلَةِ وَغَيْرِهَا.

.في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ النَّخْلَ أَوْ الْحَيَوَانَ فيغْتَلُّهُمْ ثُمَّ يُصِيبُ بِهِمْ عَيْبًا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت شَاةً أَوْ بَقَرَةً أَوْ نَاقَةً فَاحْتَلَبْتُ لَبَنَهُنَّ زَمَانًا أَوْ جَزَزْت أَصْوَافَهُنَّ وَأَوْبَارَهُنَّ ثُمَّ أَصَبْت عَيْبًا دَلَّسَ لِي بِذَلِكَ الْبَائِعُ أَيَكُونُ لِي أَنْ أَرُدَّهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ وَلَا يَكُونُ عَلَيَّ فيمَا احْتَلَبْت وَلَا فيمَا اجْتَزَزْت شَيْءٌ وَكَيْفَ إنْ كَانَ اللَّبَنُ وَالصُّوفُ وَالْوَبَرُ قَائِمًا بِعَيْنِهِ لَمْ يَتْلَفْ؟
قَالَ: لَا شَيْءَ عَلَيْكَ في ذَلِكَ كُلِّهِ كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا غَلَّةٌ، وَالْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ وَيَرُدُّ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالنَّاقَةَ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ اشْتَرَاهَا وَعَلَيْهَا صُوفٌ تَامٌّ فَجَزَّهُ أَنَّهُ يَرُدَّهُ إنْ كَانَ قَائِمًا، وَإِنْ كَانَ قَدْ أَتْلَفَهُ رَدَّ مِثْلَهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ فيهَا لَبَنٌ يَوْمَ اشْتَرَاهَا فَحَلَبَهَا ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا بَعْدَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ فَأَرَادَ رَدَّهَا أَيَرُدُّ مَعَهَا مِثْلَ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ في ضُرُوعِهَا؟
قَالَ: لَيْسَ اللَّبَنُ مِثْلَ الصُّوفِ وَهُوَ خَفيفٌ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ لِلَّبَنِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ضَامِنًا وَهَذَا بِمَنْزِلَةِ غَلَّةِ الدُّورِ وَهُوَ تَبَعٌ لِمَا اشْتَرَى.
قُلْت: فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ في الرَّجُلِ يَشْتَرِي الدَّارَ فيغْتَلَّهَا زَمَانًا ثُمَّ يَظْهَرُ عَلَى عَيْبٍ بِالدَّارِ كَانَ عِنْدَ الْبَائِعِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرُدُّ الدَّارَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ في الْغَلَّةِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ قَدْ أَصَابَهَا عِنْدَ الْمُشْتَرِي عَيْبٌ آخِرُ أَيَرُدُّ مَعَهَا الْمُشْتَرِي مَا أَصَابَهَا عِنْدَهُ مِنْ الْعَيْبِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت غَنَمًا أَوْ بَقَرًا فَحَلَبْتُ أَوْ جَزَزْت وَتَوَالَدَتْ أَوْلَادًا عِنْدِي ثُمَّ أَصَبْت بِالْأُمَّهَاتِ عَيْبًا أَلِي أَنْ أَرُدَّ الْأُمَّهَاتِ وَأَحْبِسَ أَصْوَافَهَا وَأَوْلَادَهَا وَأَلْبَانَهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: أَمَّا الْأَوْلَادُ فيرَدُّونَ مَعَ الْأُمَّهَاتِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْعَيْبَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَمَّا أَصْوَافُهَا وَأَوْبَارُهَا وَسُمُونُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُرَدُّ مَعَ الْغَنَمِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْغَلَّةِ.
قُلْت: أَتَحْفَظُ عَنْ مَالِكٍ في النَّخْلِ شَيْئًا إذَا اشْتَرَاهَا رَجُلٌ فَاسْتَغَلَّهَا زَمَانًا ثُمَّ أَصَابَ عَيْبًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا اشْتَرَى نَخْلًا فَاسْتَغَلَّهَا زَمَانًا ثُمَّ أَصَابَ بِهَا عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّتْ أَنَّهُ يَرْجِعُ عَلَى بَائِعِهِ بِالثَّمَنِ وَتَكُونُ لَهُ الْغَلَّةُ بِالضَّمَانِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت نَخْلًا فيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ فَمَكَثَتْ عِنْدِي النَّخْلُ حَتَّى جَزَزْت الثَّمَرَةَ ثُمَّ أَصَبْت عَيْبًا فَأَرَدْتُ أَنْ أَرُدَّ النَّخْلَ وَأَحْبِسَ الثَّمَرَةَ؟
قَالَ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ وَعَلَيْكَ أَنْ تَرُدَّ الثَّمَرَةَ مَعَ النَّخْلِ إنْ أَرَدْتَ الرَّدَّ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَكَ.
قُلْت: لِمَ، وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ النَّخْلَ وَفيهَا ثَمَرٌ لَمْ تَزْهُ وَإِنَّمَا اشْتَرَيْتُ النَّخْلَ وَفيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ فَبَلَغَ عِنْدِي حَتَّى صَارَ ثَمَرًا وَجَدَّدْتُهُ؟
قَالَ: لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ» فَلَمَّا كَانَتْ الثَّمَرَةُ لِلْبَائِعِ إذَا بَاعَ النَّخْلَ وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُبْتَاعِ إلَّا بِاشْتِرَاطٍ مِنْهُ رَأَيْتُ أَنْ يَرُدَّ الثَّمَرَةَ مَعَ الْحَائِطِ هَذَا الْمُشْتَرِي حِينَ اشْتَرَى النَّخْلَ وَفيهَا ثَمَرٌ قَدْ أُبِّرَ وَيُعْطِي الْمُشْتَرِي أَجْرَ الْمِثْلِ لِعَمَلِهِ وَسَقْيِهِ فيمَا عَمِلَ لِأَنِّي إذَا رَدَدْتُ الْحَائِطَ وَأَرَدْتُ أَنْ أُلْزِمُهُ الثَّمَرَةُ بِحِصَّتِهَا مِنْ الْحَائِطِ لَمْ تَكُنْ كَغَيْرِهَا مِنْ السِّلَعِ مِثْلُ الرَّأْسَيْنِ أَوْ الثَّوْبَيْنِ لِأَنِّي إذَا رَدَدْتُ أَحَدَ الرَّأْسَيْنِ أَوْ أَحَدَ الثَّوْبَيْنِ كَانَ بَيْعُ الْآخَرِ حَلَالًا وَإِذَا رَدَدْتُ الْحَائِطَ وَأَرَدْتُ أَنْ أَجْعَلَ لِلثَّمَرَةِ ثَمَنًا بِقَدْرِ مَا كَانَ يُصِيبُهُ مِنْ ثَمَنِ الْحَائِطِ كُنْتُ قَدْ بِعْتُ الثَّمَرَةَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلَاحُهَا فَأَرَى أَنْ يَرُدَّهَا وَيُعْطِيَ الْمُشْتَرِي أَجْرَ عَمَلِهِ فيمَا عَمِلَ فَإِنْ أَصَابَهَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ذَهَبَ بِالثَّمَرَةِ رَدَّ الْحَائِطَ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ لِلثَّمَرَةِ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنَّمَا مَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ مَا قَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ يَشْتَرِيهِ الرَّجُلُ وَيَشْتَرِطُ مَالَهُ فينْتَزِعُهُ مِنْهُ ثُمَّ يَجِدُ بِهِ عَيْبًا فيرِيدُ رَدَّهُ إنَّهُ لَا يَرُدُّهُ إلَّا وَمَا انْتَزَعَ مِنْ مَالِهِ مَعَهُ.
قَالَ: وَلَوْ ذَهَبَ مَالُ الْعَبْدِ مِنْ يَدِ الْعَبْدِ بِأَمْرٍ يُصِيبُهُ رَدَّهُ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ في الْمَالِ شَيْءٌ فَالثَّمَرَةُ إذَا اُشْتُرِطَتْ بَعْدَ الْإِبَارِ بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْعَبْدِ إذَا اُشْتُرِطَ أَمْرُهُمَا وَاحِدٌ فيمَا يَجِدُ مِنْ الثَّمَرَةِ أَوْ يُصِيبُهَا أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ قَالَ: وَذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا أَيْضًا يَقُولُ: لَوْ أَنَّ رَجُلًا اشْتَرَى حَائِطًا لَا ثَمَرَ فيهِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَأَدْرَكَ فيهِ الشُّفْعَةَ وَفيهِ يَوْمَ أَدْرَكَ الصَّفْقَةَ ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِّرَتْ فَقَالَ مُشْتَرِي الْحَائِطِ: الثَّمَرَةُ لِي قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ بَاعَ نَخْلًا قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرُهَا لِلْبَائِعِ»، وَهَذِهِ قَدْ أُبِّرَتْ وَهِيَ لِي قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ يُعْطَى أَجْرَ قِيَامِهِ وَسَقْيِهِ فيمَا عَالَجَ وَيَأْخُذُ صَاحِبُ الشُّفْعَةِ الثَّمَرَةَ فَتَكُونُ لَهُ فَهَذَا مِثْلُهُ إذَا رُدَّتْ الثَّمَرَةُ عَلَى الْبَائِعِ أَعْطَى الْمُشْتَرِي أَجْرَ عَمَلِهِ فيمَا عَالَجَ.
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: في رَجُلٍ ابْتَاعَ دَابَّةً فَغَزَا عَلَيْهَا فَلَمَّا قَفَلَ وَجَدَ بِهَا دَاءً فَرَدَّهَا مِنْهُ، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: لَا نَرَى لِصَاحِبِهَا كِرَاءً مِنْ أَجَلِ ضَمَانِهَا وَعَلَفِهَا.

.في الرَّجُلِ يَتَبَرَّأُ مِنْ دَبَرٍ أَوْ عَيْبِ فَرْجٍ أَوْ كَيٍّ فيوجَدُ أَشْنَعُ مِمَّا يَتَبَرَّأُ مِنْهُ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَهُ بَعِيرًا أَوْ تَبْرَأَ إلَيْهِ مِنْ دَبَرِ الْبَعِيرِ، وَبِالْبَعِيرِ دَبَرَاتٌ كَثِيرَةٌ؟
قَالَ: إنْ كَانَ دَبَرُهُ دَبَرًا مُفْسَدًا مُنْغَلًا لَمْ أَرَ ذَلِكَ يُبَرِّئْهُ إنْ كَانَ مِثْلُهُ لَا يُرَى حَتَّى يُبَيِّنَ صِفَةَ الدَّبَرَةِ أَوْ يُخْبِرُهُ بِهَا؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ رُبَّمَا رَأَى رَأْسَ الدَّبَرَةِ وَلَمْ يَعْلَمْ مَا في دَاخِلِهَا، وَلَعَلَّهَا أَنْ تَكُونَ قَدْ أَعْنَتْهُ وَأَذْهَبَتْ سَنَامَهُ أَوْ تَكُونَ نَغِلَةً فَلَا أَرَى أَنْ يُبَرِّئَهُ إلَّا أَنْ يَذْكُرَ الدَّبَرَةَ وَمَا فيهَا وَمِمَّا يُشْبِهُ ذَلِكَ أَنِّي سَمِعْتُ مَالِكًا وَسُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بَاعَ عَبْدًا وَقَدْ كَانَ أَبِقَ وَتَبَرَّأَ مِنْ الْإِبَاقِ فَإِذَا إبَاقُهُ إبَاقٌ بَعِيدٌ؟
قَالَ: لَا أَرَى ذَلِكَ يُبَرِّئُهُ قَدْ يَشْتَرِي الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَيُبَرِّئُهُ صَاحِبُهُ مِنْ الْإِبَاقِ وَإِنَّمَا يَظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّ إبَاقَهُ إلَى مِثْلِ الْعَوَالِي أَوْ إبَاقِ لَيْلَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فَإِذَا إبَاقُهُ إلَى الشَّامِ أَوْ إلَى مِصْرَ.
قَالَ: لَا أَرَى بَرَاءَتَهُ تَنْفَعُهُ حَتَّى يُبَيِّنَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْ السَّرِقَةِ فيظُنُّ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ كَانَ إنَّمَا يَسْرِقُ في الْبَيْتِ الرَّغِيفَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَهُوَ عَادِيٌّ يَنْقُبُ بُيُوتَ النَّاسِ فَلَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ حَتَّى يُبَيِّنَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت جَارِيَةً وَتَبَرَّأَ إلَيَّ صَاحِبُهَا مَنْ الْكَيِّ الَّذِي بِجَسَدِهَا فَأَصَبْتُ بِظَهْرِهَا كَيًّا كَثِيرًا أَوْ بِفَخْذَيْهَا فَقُلْت لِلْبَائِعِ: إنَّمَا ظَنَنْتُ أَنَّ الْكَيَّ بِبَطْنِهَا فَأَمَّا إنْ كَانَ بِظَهْرِهَا أَوْ بِفَخْذَيْهَا فَلَا حَاجَةَ لِي بِهَا؟
قَالَ: الْجَارِيَةُ لَازِمَةٌ لِلْمُشْتَرِي إلَّا أَنْ يَأْتِيَ مِنْ الْكَيِّ أَمْرٌ مُتَفَاحِشٌ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ في الْإِبَاقِ وَالدَّبَرَةِ فَذَلِكَ لَا تُبَرِّئُهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِشُنْعِ الْكَيِّ أَوْ يُرِيَهُ إيَّاهُ.
قُلْت: وَلَا يُلْتَفَتُ في هَذَا إلَى عَدَدِ الْكَيِّ؟
قَالَ: لَا إلَّا أَنْ يَتَفَاحَشَ الْكَيُّ أَيْضًا فيكُونُ كَيًّا يُعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ مُتَفَاحِشٌ كَثِيرٌ فيكُونُ عَلَى مَا وَصَفْتُ لَكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ جَارِيَةً فَتَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ فَأَصَابَ الْمُشْتَرِي بِفَرْجِهَا عُيُوبًا كَثِيرَةً عَقْلًا أَوْ قَرْنًا؟
قَالَ: إنْ كَانَ مَا بِفَرْجِهَا مِنْ الْعُيُوبِ يَخْتَلِفُ حَتَّى يَصِيرَ بَعْضُهُ فَاحِشًا فَلَا تُجْزِئُهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ إلَيْهِ الْعُيُوبِ بِفَرْجِهَا فَإِنْ بَيَّنَ وَإِلَّا لَمْ تُجْزِئُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَهَا وَتَبَرَّأَ إلَيْهِ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ فَأَصَابَهَا رَتْقَاءُ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّ في عُيُوبِ الْفَرْجِ إذَا تَبَرَّأَ مِنْ عُيُوبِ الْفَرْجِ أَنْ تَجُوزَ بَرَاءَتُهُ في الْعَيْبِ الْيَسِيرِ الَّذِي يُغْتَفَرُ مِنْ ذَلِكَ فَإِذَا جَاءَ مِنْ ذَلِكَ عَيْبٌ فَاحِشٌ لَمْ تَجُزْهُ الْبَرَاءَةُ مِنْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَهُ وَيُبَيِّنَهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ: أَنَا أَبْرَأُ إلَيْك مِنْ رَتْقِهَا وَلَمْ يَقُلْ رَتْقَاءُ بِعِظَمٍ وَلَا بِغَيْرِ عِظَمٍ فَأَصَابَهَا مُشْتَرِيهَا رَتْقَاءَ بِعِظَمٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يُبَطَّ وَلَا يُعَالَجَ؟
قَالَ: إنْ كَانَ رَتْقًا شَدِيدًا لَا يَقْدِرُ عَلَى عِلَاجِهِ؛ لِأَنَّ مِنْهُ مَا يَقْدِرُ عَلَى عِلَاجِهِ فَكَانَ الَّذِي بِهَا مِنْ الرَّتْقِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى عِلَاجِهِ فَلَا تُجْزِئُهُ الْبَرَاءَةُ إلَّا أَنْ يُبَيِّنَ ذَلِكَ.
قَالَ سَحْنُونٌ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ فيمَنْ بَاعَ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ شَيْئًا فَتَبَرَّأَ مِنْ الْعُيُوبِ وَسَمَّاهُ في أَشْيَاءَ يُسَمِّيهَا يَقُولُ: بَرِئْتُ مِنْ كَذَا وَمِنْ كَذَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُرَدُّ عَلَى الْبَائِعِ حَتَّى يُوقِفَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ بِعَيْنِهِ الَّذِي في الشَّيْءِ الَّذِي بَاعَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ: إنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ حَبِيبٍ الْمُحَارِبِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ إلَى عَامِلٍ مِنْ عُمَّالِهِ أَنْ امْنَعْ التُّجَّارَ أَنْ يُسَمُّوا في السِّلْعَةِ عُيُوبًا لَيْسَتْ فيهَا الْتِمَاسَ التَّلْفيقِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْبَرَاءَةِ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُبَرَّأُ مِنْهُمْ إلَّا مَنْ رَأَى الْعَيْبَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ في دِينِ اللَّهِ غِشٌّ وَلَا خَدِيعَةٌ وَالْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ عَلَى رَأْسِ أَمْرِهِمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَلَا يُجَازَ مِنْ الشُّرُوطِ في الْبَيْعِ إلَّا مَا وَافَقَ الْحَقَّ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ في رَجُلٍ بَاعَ سِلْعَةً وَبِهَا عَيْبٌ فَسَمَّى عُيُوبًا كَثِيرَةً وَأَدْخَلَ ذَلِكَ الْعَيْبَ فيمَا سَمَّى.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: إنْ لَمْ يَكُنْ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَيْبِ وَحْدَهُ أَوْ عَلِمَهُ إيَّاهُ وَحْدَهُ فَإِنَّا لَا نَرَى أَنْ تَجُوزَ الْخِلَابَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَتَبَرَّأَ مِنْ الْعَيْبِ وَحْدَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَبَرَّأَ مِنْ عَهْدٍ فَجَمَعَهَا مِنْهَا مَا كَانَ وَمِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يَرُدُّ عَلَى الْبَائِعِ كُلَّ مَا تَبَرَّأَ مِنْهُ مِنْ شَيْءٍ قَدْ عَلِمَهُ إذَا كَانَ قَدْ ضَمَّهُ مَعَ غَيْرِهِ وَلَمْ يُنَصِّصْهُ وَحْدَهُ بِعَيْنِهِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا وَضَعَهُ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لِيَلْبِسَ بِهِ عَلَى مَنْ بَاعَهُ وَلِيُخْفيهُ لِمَا ضَمَّ إلَيْهِ وَجَعَلَهُ مَعَهُ مِمَّا لَيْسَ بِشَيْءٍ.
قَالَ سَحْنُونٌ، عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ سُفيانَ، عَنْ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ قَالَ: أَبِيعُكَ لَحْمًا عَلَى بَارِعَةٍ أَبِيعُكَ مَا أَقَلَّتْ الْأَرْضُ.
قَالَ: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يُسَمِّيَ.
قَالَ سَحْنُونٌ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفيانَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَا يَبْرَأُ حَتَّى يَضَعَ يَدَهُ.

.في الرَّجُلِ يَبْتَاعُ السِّلْعَةَ ثُمَّ يَأْتِي مُشْتَرِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ فيتَبَرَّأُ إلَيْهِ مِنْ عُيُوبِهَا:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت سِلْعَةً فَلَمَّا وَجَبَتْ لِي وَقَبَضْتهَا أَتَانِي بَائِعُهَا فَقَالَ لِي: إنَّ بِهَا عُيُوبًا وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ عُيُوبًا ظَاهِرَةً تُرَى فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَ أَخَذَ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّ رَدَّ، وَإِنْ كَانَتْ عُيُوبًا غَيْرَ ظَاهِرَةٍ أَوْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهَا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ في ذَلِكَ وَكَانَ الْمُشْتَرِي عَلَى بَيْعِهِ فَإِنْ اطَّلَعَ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى مَعْرِفَةِ عُيُوبٍ كَانَتْ بِهَا عِنْدَ الْبَائِعِ بِأَمْرٍ يُثْبِتُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ أَمْسَكَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ رَدَّ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْأَمْرُ غَيْرَ الظَّاهِرِ كَانَ في ذَلِكَ مُدَّعِيًا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ الْبَائِعُ: إنَّ بِهَا دَاءً بَاطِنًا فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَتَبَرَّأَ مِنْهُ، وَقَالَ الْبَائِعُ أَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ أَنَّ هَذَا الْعَيْبَ الْبَاطِنَ هُوَ بِهَا السَّاعَةَ قَالَ: يُمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْعَيْبِ وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ أَنْ يَتَبَرَّأَ وَتُجْزِئَهُ الْبَرَاءَةُ.
قُلْت: لِمَ جَعَلَ مَالِكٌ لِلرَّجُلِ إذَا بَاعَ السِّلْعَةَ وَبِهَا عَيْبٌ لَمْ يَبْرَأْ مِنْهُ عِنْدَ عُقْدَةِ الْبَيْعِ فَأَرَادَ أَنْ يَتَبَرَّأَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ قَامَتْ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ إنْ كَانَ بَاطِنًا أَنَّ لَهُ ذَلِكَ وَيُمْكِنُهُ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَقُولُ: أَنَا أَتَبَرَّأُ السَّاعَةَ مِنْ عَيْبِ هَذِهِ الْجَارِيَةِ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَأْخُذَهَا أَخَذَهَا وَإِلَّا رَدَّهَا وَلَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَقُولَ: لَا أُصَدِّقُكَ أَنَّ بِهَا الْعَيْبَ وَهُوَ عَيْبٌ ظَاهِرٌ أَوْ تَقُومُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ ثُمَّ يَطَؤُهَا فيظْهَرُ عَلَى الْعَيْبِ بَعْدَ ذَلِكَ فيرْجِعُ يَرُدُّهَا وَقَدْ حَبَسَهَا لِيَسْتَمْتِعَ بِهَا أَوْ تَمُوتُ عِنْدَهُ فيرْجِعُ بِقَدْرِ الْعَيْبِ وَقَدْ تَبَرَّأَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ إلَيْهِ مِنْ الْعَيْبِ قَالَ: فَإِذَا لَمْ يَكُنْ الْعَيْبُ ظَاهِرًا وَلَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً عَلَى الْبَاطِنِ اتَّهَمَ الْبَائِعَ أَنْ يَكُونَ رَغِبَ فيهَا وَنَدِمَ في بَيْعِهِ فَلَا يَقْبَلُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ مُدَّعٍ إلَّا أَنْ تَقُومَ لَهُ بَيِّنَةٌ عَلَى الْعَيْبِ إنْ كَانَ بَاطِنًا أَوْ يَكُونُ ظَاهِرًا يُرَى.

.في عُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ قَوْلَ مَالِكٍ مَنْ بَاعَ بِغَيْرِ الْبَرَاءَةِ فَمَا أَصَابَ في الْعَبْدَ في الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ الْمَوْتُ وَغَيْرُهُ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ:
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَمَاتَ في الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَوْ أَصَابَهُ مَرَضٌ أَوْ عَيْبٌ في الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ أَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا بَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَمَا أَصَابَهُ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْمُشْتَرِي وَلَا شَيْءَ عَلَى الْبَائِعِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ بِغَيْرِ الْبَرَاءَةِ فَأَصَابَ الْعَبْدَ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ حُمَّى أَيُرَدُّ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ عَوَرٌ أَوْ عَمَشٌ أَوْ عَمًى؟
قَالَ: في قَوْلِ مَالِكٍ كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ في الرَّقِيقِ عَيْبًا إذَا أَصَابَهُ ذَلِكَ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ.
قُلْت: فَإِنْ أَصَابَهُ وَجَعُ صُدَاعِ رَأْسٍ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ في صُدَاعِ الرَّأْسِ شَيْئًا وَلَكِنَّ مَالِكًا قَالَ: في كُلِّ شَيْءٍ يَكُونُ عِنْدَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِالدَّاءِ أَنَّ الَّذِي أَصَابَ هَذَا الْعَبْدَ هُوَ دَاءٌ أَوْ مَرَضٌ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ.
قُلْت: فَإِنْ مَاتَ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَإِنْ غَرِقَ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ إنْ سَقَطَ مِنْ فَوْقِ بَيْتٍ فَمَاتَ أَوْ احْتَرَقَ أَيَكُونُ مِنْ الْبَائِعِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَإِنْ خَنَقَ نَفْسَهُ أَيَكُونُ مِنْ الْبَائِعِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: فَإِنْ قَتَلَهُ رَجُلٌ أَيَكُونُ مِنْ الْبَائِعِ؟
قَالَ: نَعَمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ وَذَلِكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: في عَبْدٍ خَرَجَ في أَيَّامِ الْعُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ فَقُطِعَتْ يَدُهُ أَوْ فُقِئَتْ عَيْنُهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: دِيَةُ الْجُرْحِ لِلْبَائِعِ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ مِنْهُ، وَإِنْ أَحَبَّ الْمُبْتَاعُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ وَلَا يُوضَعُ عَنْهُ لِلْجِنَايَةِ الَّتِي جُنِيَتْ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ أَخَذَهُ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ وَالْقَتْلُ مِثْلُ هَذَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اشْتَرَيْت عَبْدًا فَأَبَقَ الْعَبْدُ عِنْدَ الْبَائِعِ قَبْلَ أَنْ أَقْبِضَهُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ أَبِقَ في الْعُهْدَةِ فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَإِنْ أَبِقَ بَعْدَ الْعُهْدَةِ فَهُوَ مِنْ الْمُشْتَرِي.
قَالَ ابْنُ نَافِعٍ: وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْعَبْدِ يُبَاعُ بَيْعُ الْإِسْلَامِ وَعُهْدَةُ الْإِسْلَامِ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ الْإِبَاقِ فيأْبَقُ في عُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ فَقَالَ: أَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ لِأَنِّي لَا أَدْرِي لَعَلَّهُ عَطِبَ في الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَبَدًا مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَالِمًا فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَالِمًا فَأَمَّا إبَاقُهُ في الثَّلَاثَةِ فَلَيْسَ لَهُ عَلَى الْمُبْتَاعِ في ذَلِكَ حُجَّةٌ فَأَرَاهُ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَالِمًا، فَإِذَا عَلِمَ بِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْمُبْتَاعِ وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُوجَدَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بِيَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ في ذَلِكَ عُهْدَةً بِثَلَاثَةٍ أُخْرَى مِنْ يَوْمِ يُوجَدُ، وَلَكِنْ إذَا أُصِيبَ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ بِمَا قُلْت لَكَ رَجَعَ إلَى الْمُبْتَاعِ، وَلَا يَكُونُ لَهُ في الْإِبَاقِ عَلَى الْبَائِعِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَبَرَّأَ مِنْهُ.
قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ إذَا أَبِقَ في عُهْدَةِ الثَّلَاثَةِ فَرَأَيْتُهُ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّكَ لَا تَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ تَلِفَ في الثَّلَاثَةِ أَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ مِنْ سَاعَتِهِ أَمْ يَضْرِبُ فيهِ أَجَلًا حَتَّى يَعْلَمَ أَخَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَالِمًا أَوْ عَطِبَ فيهَا؟
قَالَ: بَلْ أَرَى أَنْ يَضْرِبَ في ذَلِكَ أَجَلًا حَتَّى يَتَبَيَّنَ مَا أَمْرُ الْعَبْدِ فَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ الثَّلَاثَةِ سَالِمًا كَانَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ عَطِبَ في الثَّلَاثَةِ هُوَ أَبَدًا في الثَّلَاثَةِ مِنْ الْبَائِعِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ خَرَجَ مِنْهَا.
قَالَ سَحْنُونٌ، عَنْ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلِيٍّ، عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ أَوْ ثَلَاثَةٌ».
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَغَيْرُهُ يَقُولُونَ: لَمْ تَزُلْ الْوُلَاةُ بِالْمَدِينَةِ في الزَّمَانِ الْأَوَّلِ يَقْضُونَ في الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السُّنَّةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ وَالْبَرَصِ إنْ ظَهَرَ بِالْمَمْلُوكِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ رَدٌّ إلَى الْبَائِعِ، وَيَقْضُونَ في عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلَاثِ لَيَالٍ فَإِنْ حَدَثَ في الرَّأْسِ في تِلْكَ الثَّلَاثِ لَيَالٍ حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ سَقَمٍ فَهُوَ مِنْ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُهْدَةُ الثَّلَاثِ مِنْ الرِّبْعِ؛ لِأَنَّ الْحُمَّى الرِّبْعَ لَا تَسْتَبِينُ إلَّا في ثَلَاثِ لَيَالٍ.
وَأَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ في رَجُلٍ بَاعَ مِنْ أَعْرَابِيٍّ عَبْدًا فَوَعَكَ الْعَبْدُ في عُهْدَةِ الثَّلَاثِ فَمَاتَ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَا عُهْدَةً عِنْدَنَا إلَّا في الرَّقِيقِ.

.مَا جَاءَ في بَيْعِ الْبَرَاءَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ عَبْدًا أَوْ دَابَّةً أَوْ سِلْعَةً مِنْ السِّلَعِ مَنْ أَيِّ الْعُيُوبِ يَتَبَرَّأُ؟
قَالَ: كَانَ مَالِكٌ مَرَّةً يَقُولُ: مَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ فَإِنَّ الْبَرَاءَةَ لَا تَنْفَعُهُ في شَيْءٍ مِمَّا يَتَبَايَعُ النَّاسُ بِهِ كَانُوا أَهْلَ مِيرَاثٍ أَوْ غَيْرَهُمْ إلَّا في بَيْعِ الرَّقِيقِ وَحْدَهُمْ فَإِنَّهُ كَانَ يَرَى الْبَرَاءَةَ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ فَإِنْ عَلِمَ عَيْبًا وَلَمْ يُسَمِّهِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ لَمْ تَنْفَعْهُ الْبَرَاءَةُ في ذَلِكَ الْعَيْبِ.
قَالَ: فَقُلْت لَهُ: فَلَوْ أَنَّ أَهْلَ مِيرَاثٍ بَاعُوا دَوَابَّ وَاشْتَرَطُوا الْبَرَاءَةَ أَوْ بَاعَهَا الْوَصِيُّ فَاشْتَرَطَ الْوَصِيُّ الْبَرَاءَةَ.
قَالَ: لَا عِلْمَ لِي بِمَا في هَذَا مِنْ الْعُيُوبِ وَإِنَّمَا هُوَ بَيْعُ مِيرَاثٍ وَإِنَّمَا كَانَ هَذَا الْمَالُ لِغَيْرِي قَالَ: لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ في الدَّوَابِّ وَلَيْسَتْ الْبَرَاءَةُ إلَّا في الرَّقِيقِ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: لَا أَرَى الْبَرَاءَةَ تَنْفَعُ في الرَّقِيقِ لَا أَهْلَ الْمِيرَاثِ وَلَا الْوَصِيَّ وَلَا غَيْرَهُمْ.
قَالَ: فَجَاءَ قَوْمٌ وَأَنَا عِنْدَهُ قَاعِدٌ فَقَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ إنَّا بِعْنَا جَارِيَةً في مِيرَاثِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ لَا نَعْلَمُ بِهَا عَيْبًا فَاشْتَرَاهَا رَجُلٌ فَانْقَلَبَ بِهَا فَوَجَدَ في فَرْجِهَا عَيْبًا؟
قَالَ: أَرَى أَنْ يَرُدَّهَا وَلَا تَنْفَعُهُ الْبَرَاءَةُ شَيْئًا فَلَمَّا خَرَجُوا كَلَّمْتُهُ فَقُلْت لَهُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْبَرَاءَةُ في الْمِيرَاثِ في الرَّقِيقِ؟
قَالَ: لَا أَرَى أَنْ تَنْفَعَ إنَّمَا كَانَتْ الْبَرَاءَةُ لِأَهْلِ الدُّيُونِ يُفْلِسُونَ فيبِيعُ عَلَيْهِمْ السُّلْطَانُ.
قَالَ مَالِكٌ: فَلَا أَرَى الْبَرَاءَةَ تَنْفَعُ أَهْلَ الْمِيرَاثِ وَلَا غَيْرَهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَيْبًا خَفيفًا قَالَ: فَعَسَى.
قَالَ مَالِكٌ: وَمِنْ ذَلِكَ الرَّجُلُ يَأْتِيهِ الرَّقِيقُ قَدْ جُلِبَتْ مِنْ الْبُلْدَانِ إلَيْهِ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِبَلَدٍ مَنْ الْبُلْدَانِ أَوْ يَكُونُ قَدْ جَلَبَهَا فيقُولُ: أَبِيعكُمْ بِالْبَرَاءَةِ وَلَا عِلْمَ لِي فَقَدْ صَدَقَ وَلَا عِلْمَ لَهُ وَلَمْ يَكْشِفْ لَهُمْ ثَوْبًا فَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِأَمْوَالِ النَّاسِ بِهَذَا الْوَجْهِ.
قَالَ: فَمَا أَرَى الْبَرَاءَةَ تَنْفَعُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَا بَاعَ السُّلْطَانُ عَلَى النَّاسِ في دُيُونِهِمْ أَيَنْفَعُ السُّلْطَانُ أَوْ صَاحِبُ السِّلْعَةِ الَّتِي بِيعَتْ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةُ؟
قَالَ: مَا وَقَّفْتُ مَالِكًا عَلَى هَذَا في أَحَدٍ إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ مِنْ قَوْلِهِ الْقَدِيمِ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى الْبَرَاءَةَ في الرَّقِيقِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلِ وَعَلَى مَا قَضَى بِهِ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَذَلِكَ جَائِزٌ وَهُوَ رَأْيِي وَإِنَّ بَيْعَ الْمُفْلِسِ وَالْمِيرَاثِ بَيْعُ بَرَاءَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَبْرَءُوا فَكَذَلِكَ بَيْعُ السُّلْطَانِ كُلُّهُ الْغَنَائِمَ وَغَيْرَهَا.

.في تَفْسِيرِ بَيْعِ الْبَرَاءَةِ:

قُلْت: وَكَيْفَ الْبَرَاءَةُ الَّتِي يَبْرَأُ بِهَا في هَذَا إذَا بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا قَالَ أَبِيعُكَ بِالْبَرَاءَةِ فَقَدْ بَرِيءَ مِمَّا يُصِيبُ الْعَبْدَ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ.
قُلْت: وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَبْرَأُ إلَيْكَ مِنْ كُلِّ مَا يُصِيبُهُ في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ؟
قَالَ: إذَا قَالَ: أَبِيعُكَ بِالْبَرَاءَةِ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ الْأَيَّامَ الثَّلَاثَةَ فَقَدْ بَرِيءَ مِنْ عُهْدَةِ الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ وَمِنْ عُهْدَةِ السَّنَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ في قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلَ إذَا كَانَ يُجِيزُ بَيْعَ الْبَرَاءَةِ في الرَّقِيقِ لَوْ أَنَّ رَجُلًا بَاعَ مِيرَاثًا وَلَمْ يَقُلْ أَبِيعُ بِالْبَرَاءَةِ فَبَاعَ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مِيرَاثٌ؟
قَالَ: فَقَدْ بَرِيءَ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ قَدْ بَرِئْتُ وَكَذَلِكَ بَيْعُ السُّلْطَانِ مَالَ مَنْ قَدْ فَلِسَ صَاحِبُهُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِيرَاثٌ فَبَاعَهُمْ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَرَاءَةَ أَيَبْرَأُ في قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلَ؟
قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِيرَاثٌ.
قُلْت: فَلَوْ لَمْ يُخْبِرْهُمْ أَنَّهُ مِيرَاثٌ وَبَاعَ بِالْبَرَاءَةِ؟
قَالَ: فَذَلِكَ لَهُ وَيَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ في قَوْلِهِ الْأَوَّلَ وَلَا يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ بَاعَ أَهْلُ الْمِيرَاثِ رَقِيقًا وَبِالرَّقِيقِ عُيُوبٌ قَدْ عَلِمُوا بِهَا وَكَتَمُوهَا فَبَاعُوهَا وَأَخْبَرُوا أَنَّهَا مِيرَاثٌ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا يَبْرَؤُنَّ إذَا عَلِمُوا حَتَّى يُسَمُّوا.
قُلْت: وَلَمْ تَكُنْ الْبَرَاءَةُ عِنْدَ مَالِكٍ إذَا كَانَ يُجِيزُ بَيْعَ الْبَرَاءَةِ إلَّا في الرَّقِيقِ وَحْدَهُمْ في الْمَوَارِيثِ وَمَا يَبِيعُ السُّلْطَانُ عَلَى الْغُرَمَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ بَاعَ رَقِيقًا فَقَالَ: إنَّ فيهَا عُيُوبًا وَأَنَا مِنْهَا بَرِيءٌ أَيَبْرَأُ مِمَّا فيهَا مَنْ الْعُيُوبِ الَّتِي عَلِمَهَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا يَبْرَأُ إلَّا أَنْ يُسَمِّيَ تِلْكَ الْعُيُوبَ بِعَيْنِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ بَاعَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَتَبَرَّأَ مِنْ الْحَمْلِ وَكَانَتْ حَامِلًا أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ أَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَيَكُونُ بَرِيئًا مِنْ الْحَمْلِ في قَوْلِ مَالِكٍ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَتْ الْجَارِيَةُ مِنْ جِوَارِي الْوَطْءِ مِنْ الْمُرْتَفِعَاتِ لَمْ أَرَ الْبَرَاءَةَ فيهَا وَرَأَيْتُهُ بَيْعًا مَرْدُودًا، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وَخْشِ الرَّقِيقِ وَالْخَدَمِ مِنْ السِّنْدِ وَالزِّنْجِ وَأَشْبَاهِهِمْ رَأَيْتُ ذَلِكَ جَائِزًا وَرَأَيْتُهَا بَرَاءَةً.
قُلْت لِمَالِكٍ: مَا حَدُّ الْمُرْتَفِعَاتِ أَتَرَى ثَمَنَ الْخَمْسِينَ وَالسِّتِّينَ مِنْ الْمُرْتَفِعَاتِ؟
قَالَ: نَعَمْ هَؤُلَاءِ مِنْ جِوَارِي الْوَطْءِ.
قَالَ: وَلِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إنَّ الْمُرْتَفِعَةَ إذَا بِيعَتْ بِبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ يَكُونُ ثَمَنُ الْجَارِيَةِ أَرْبَعَمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ وَثَلَثَمِائَةٍ دِينَارًا إنْ لَمْ تَكُنْ حَامِلًا، وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَكُنْ ثَمَنُهَا مِائَةً وَأَقَلَّ وَلَمْ تُشْتَرَ وَهُوَ عَيْبٌ شَدِيدٌ فَهَذَا خَطَرٌ شَدِيدٌ وَقِمَارٌ.
قَالَ: وَأَرَى الْوَخْشَ مِنْ الرَّقِيقِ لَا يَكُونُ ذَلِكَ فيهِنَّ خَطَرًا؛ لِأَنَّهُ إنْ وَضَعَ الْحَمْلُ مِنْ ثَمَنِهَا فَإِنَّهُ يَضَعُ قَلِيلًا وَرُبَّمَا كَانَ الْحَمْلُ أَكْثَرَ لِثَمَنِهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْعُهْدَةَ في بَيْعِ الرَّقِيقِ وَفي بَيْعِ السُّلْطَانِ عَلَى الْغُرَمَاءِ لَمْ يَكُنْ يَرَى عَلَيْهِمْ الْعُهْدَةَ في الثَّلَاثَةِ وَلَا في السَّنَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ الْأَوَّلَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَمَا يُبَاعُ في الْمِيرَاثِ، وَمَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ في دَيْنِ مَنْ فَلِسَ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ دَوَابَّ أَوْ آنِيَةٍ أَوْ عُرُوضٍ فَأَصَابَ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ عَيْبًا رَدَّهُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَكَانَ قَوْلُهُ الْقَدِيمُ يَقُولُ في الرَّقِيقِ في بَيْعِ الْمِيرَاثِ وَبَيْعِ السُّلْطَانِ عَلَى مَنْ فَلِسَ: إنْ أُصِيبَ بِالرَّقِيقِ عَيْبٌ أَوْ مَاتُوا في الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَوْ أَصَابَهُمْ جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ في السَّنَةِ لَمْ يَلْزَمْ مَنْ بَاعَهُمْ شَيْءٌ وَلَزِمَ مَنْ اشْتَرَاهُمْ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قُلْت: وَلَيْسَ الرَّقِيقُ في الْمِيرَاثِ وَبَيْعُ السُّلْطَانِ عَلَى مَنْ قَدْ فَلِسَ كَبَيْعِ غَيْرِهِمْ في عُهْدَةِ السَّنَةِ وَالثَّلَاثِ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَاهُ بَاعَ غُلَامًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَاعَهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَالَ الَّذِي ابْتَاعَ الْعَبْدَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: بِالْعَبْدِ دَاءٌ لَمْ يَسُمّهُ لِي فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَاعَنِي عَبْدًا وَبِهِ دَاءٌ وَلَمْ يُسَمِّهِ لِي، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: بِعْتُهُ بِالْبَرَاءَةِ فَقَضَى عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَهُ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ فَأَبَى عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ.
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ ابْنِ سَمْعَانَ قَالَ: سَمِعْتُ رِجَالًا مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ يَقُولُونَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنَّ مَنْ بَاعَ سِلْعَةً فيهَا عَيْبٌ قَدْ عَلِمَ بِهِ وَلَمْ يُسَمِّهِ، وَإِنْ بَاعَهَا بِالْبَرَاءَةِ فَهِيَ رَدٌّ إنْ شَاءَ الْمُبْتَاعُ؟ قَالَ ابْنُ سَمْعَانَ: فَالنَّاسُ عَلَى قَضَاءِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ.