فصل: في قِسْمَةِ الْبُيُوتِ وَالْغُرَفِ وَالسُّطُوحِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)



.مَا جَاءَ في أَرْزَاقِ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَأَجْرِ الْقُسَّامِ عَلَى مَنْ هُوَ:

قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: هَلْ كَانَ يَكْرَهُ مَالِكٌ أَرْزَاقَ الْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ؟
قَالَ: أَمَّا الْعُمَّالُ فَكَانَ يَقُولُ: إذَا عَمِلُوا عَلَى حَقٍّ فَلَا بَأْسَ بِأَرْزَاقِهِمْ، وَأَمَّا أَرْزَاقُ الْقُضَاةِ فَلَمْ أَرَ مَالِكًا يَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ قُسَّامَ الْمَغَانِمِ، أَيَصْلُحُ أَنْ يَأْخُذُوا عَلَيْهَا أَجْرًا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في قُسَّامِ الْقَاضِي: لَا أَرَى أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى الْقَسْمِ أَجْرًا، فَقُسَّامُ الْمَغَانِمِ عِنْدِي لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا عَلَى ذَلِكَ أَجْرًا.
قُلْت: لِمَ كَرِهَ مَالِكٌ أَرْزَاقَ الْقُسَّامِ وَجَوَّزَ أَرْزَاقَ الْعُمَّالِ؟
قَالَ: لِأَنَّ أَرْزَاقَ الْقُسَّامِ إنَّمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْوَالِ الْيَتَامَى، وَأَرْزَاقَ الْعُمَّالِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ.
قُلْت: أَفَرَأَيْتَ إنْ جَعَلَ لِلْقُسَّامِ أَرْزَاقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ؟
قَالَ: أَرَى أَنَّهُ إذَا جَعَلَ لِلْقُسَّامِ أَرْزَاقًا مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ أَشْيَاءُ مِنْ أُمُورِ النَّاسِ مِمَّا يَنُوبُهُمْ، يَبْعَثُ فيهَا السُّلْطَانُ إنَّمَا ذَلِكَ عَلَى السُّلْطَانِ يُرْزَقُونَ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اسْتَأْجَرَ قَوْمٌ قَاسِمًا يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ دَرَاهِمَ؟
قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا.
قَالَ: وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْقَوْمِ يَكُونُ لَهُمْ عِنْدَ الرَّجُلِ الْمَالُ فيسْتَأْجِرُونَ رَجُلًا يَكْتُبُ بَيْنَهُمْ الْكِتَابَ وَيَسْتَوْثِقُ لَهُمْ جَمِيعًا، عَلَى مَنْ تَرَى جَعْلَ ذَلِكَ؟
قَالَ: أَرَاهُ بَيْنَهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: أَتَرَى عَلَى الَّذِي يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الْمَالُ شَيْئًا وَإِنَّمَا الْمَالُ لِهَؤُلَاءِ؟
قَالَ: نَعَمْ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَوْثِقُ لَهُ وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدِي بِمَنْزِلَةِ الدَّارِ تَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ فيطْلُبُ بَعْضُهُمْ الْقَسْمَ وَلَا يَطْلُبُ بَعْضُهُمْ الْقَسْمَ، فيسْتَأْجِرُونَ الرَّجُلَ فيكُونُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ طَلَبَ وَعَلَى مَنْ لَمْ يَطْلُبْ، وَإِنَّمَا وَجْهُ مَا رَأَيْتُ مَالِكًا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَجْعَلَ الْقَاضِي لِلْقُسَّامِ أَرْزَاقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ أَهْلُ الْمَغْنَمِ نَحْنُ نَرْضَى أَنْ يُعْطَى هَذَا الْقَاسِمُ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَنَا؟
قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا وَأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَفيفًا.
قَالَ: وَإِنَّمَا رَأَيْتُ مَالِكًا كَرِهَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ الْإِمَامُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ، بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ السُّوقِ وَيَرْزُقَهُ مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ.
فَهَذَا الَّذِي كَرِهَ وَقَالَ إنَّمَا يَحْمِلُ هَذَا الْإِمَامُ، فَأَمَّا إنْ رَضُوا عَلَى أَنْ يُعْطُوا مَنْ يَقْسِمُ بَيْنَهُمْ مَغْنَمَهُمْ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ.

.فيمَنْ دَبَّرَ في الصِّحَّةِ وَالْمَرَضِ وَالْعِتْقِ في الْمَرَضِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبِيدًا لَهُ في مَرَضِهِ لَا يَحْمِلُهُمْ الثُّلُثُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْرَعُ بَيْنُهُمْ.
قَالَ: فَقُلْت لِمَالِكٍ: فَإِنْ دَبَّرَهُمْ جَمِيعًا؟
قَالَ مَالِكٌ: مَا دَبَّرَ في الصِّحَّةِ وَفي الْمَرَضِ عَتَقَ مِنْهُمْ مَبْلَغُ الثُّلُثِ، وَمَا دَبَّرَ مِنْهُمْ جَمِيعًا في مَرَضٍ كَانَ أَوْ في صِحَّةٍ في كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يَكُنْ تَدْبِيرُ بَعْضِهِمْ قَبْلَ بَعْضٍ، فَإِنَّهُمْ يُعْتَقُ مِنْهُمْ جَمِيعًا مَا حَمَلَ الثُّلُثُ، لَا يَبْدَأُ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَبْلَ صَاحِبِهِ، إنْ أَعْتَقَ مِنْهُمْ أَنْصَافَهُمْ عَتَقَ مِنْهُمْ أَنْصَافَهُمْ كُلَّهُمْ أَوْ ثُلُثَهُمْ أَوْ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِهِمْ، وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُمْ رَقِيقًا، وَعَلَى هَذَا يُحْسَبُونَ، وَمَا دَبَّرَ بَعْضَهُمْ قَبْلَ بَعْضٍ في صِحَّةٍ كَانَ أَوْ في مَرَضٍ بُدِئَ بِالْأَوَّلِ فَالْأَوَّلِ، يُبْدَأُ بِالْمُدَبَّرِ في الصِّحَّةِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ وَكُلُّ مَا كَانَ في الصِّحَّةِ عَلَى مَا كَانَ في الْمَرَضِ وَيُبْدَأُ بِمَا دُبِّرَ في الْمَرَضِ الْأَوَّلُ فَالْأَوَّلُ.
قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يُشْبِهُ الْعِتْقُ التَّدْبِيرَ في الْقُرْعَةِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ مَنْ أَعْتَقَ ثَلَاثَةَ أَعْبُدٍ لَهُ وَالثُّلُثُ يَحْمِلُ مِنْهُمْ عَبْدَيْنِ وَنِصْفًا؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَعْتِقُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ مِنْهُمْ بِالسِّهَامِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُقَوَّمُونَ ثُمَّ يُضْرَبُ بَيْنَهُمْ بِالسِّهَامِ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا بَيْنَهُمْ عَلَى الْقِيمَةِ، ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ فينْظَرُ إلَى الَّذِي خَرَجَ السَّهْمُ عَلَيْهِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ وَحْدَهُ كَفَافَ الثُّلُثِ وَالِاثْنَانِ الْبَاقِيَانِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَرُقَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ وَرُقَّ صَاحِبَاهُ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَ الَّذِي خَرَجَ عَلَيْهِ السَّهْمُ هُوَ أَقَلُّ مِنْ الثُّلُثِ عَتَقَ جَمِيعُهُ ثُمَّ ضُرِبَ السَّهْمُ في الِاثْنَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الَّذِي يَقَعُ عَلَيْهِ السَّهْمُ هُوَ أَقَلُّ مِنْ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ عَتَقَ كُلُّهُ وَعَتَقَ مِنْ الْآخَرِ الْبَاقِي تَمَامُ الثُّلُثِ وَرُقَّ مِنْهُ مَا بَقِيَ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ السَّهْمُ هُوَ أَكْثَرُ مِنْ بَقِيَّةِ الثُّلُثِ عَتَقَ مِنْهُ تَمَامُ الثُّلُثِ وَرُقَّ مَا بَقِيَ مِنْهُ، وَصَاحِبُهُ كُلُّهُ رَقِيقٌ.
قَالَ: وَكَذَلِكَ فَسَّرَ لِي مَالِكٌ كَمَا فَسَّرْتُ لَكَ.
قُلْت: فَهَلْ يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ الثِّيَابِ لَا يَنْقَسِمُ أَوْ مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ مِنْ الرَّقِيقِ؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ لِي مَالِكٌ: رَأْسَانِ بَيْنَ عَشَرَةِ رِجَالٍ أَوْ ثَوْبٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَهَذَا لَا يَنْقَسِمُ.
قُلْت: وَقَوْلُ مَالِكٍ في الْقِسْمَةِ عَلَى الْقِيمَةِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تُقْسَمُ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا عَلَى الْقِيمَةِ ثُمَّ يُضْرَبُ بِالسِّهَامِ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الدَّارِ بِالْأَذْرُعِ عَلَى السِّهَامِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ دَارٌ بَيْنِي وَبَيْنَ صَاحِبِي فَاقْتَسَمْنَاهَا مُذَارَعَةً، ذَرَعْنَا نِصْفَهَا في نَاحِيَةٍ وَنِصْفَهَا في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يُضْرَبَ بَيْنَنَا بِالسِّهَامِ، فَحَيْثُمَا خَرَجَ سَهْمُ أَحَدِنَا أَخَذَهُ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا سَوَاءً وَقَسَمَاهَا بِالذِّرَاعِ سَوَاءً، فَلَا بَأْسَ أَنْ يَضْرِبَا هَذَا بِالسِّهَامِ، وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ مُخْتَلِفَةً بَعْضُهَا أَجْوَدُ مِنْ بَعْضٍ فَقَسَمَاهَا بِحَالِ مَا وَصَفْتَ لِي، فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَضْرِبَا عَلَيْهَا بِالسِّهَامِ عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ لَا يَدْرِي أَحَدُهُمَا أَيَخْرُجُ سَهْمُهُ عَلَى الْجَيِّدِ أَمْ عَلَى الرَّدِيءِ فَلَا خَيْرَ في هَذَا.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ الدَّارُ كُلُّهَا سَوَاءً فَقَسَمَاهَا، فَجَعَلَا في نَاحِيَةٍ أَكْثَرَ مِمَّا في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يَضْرِبَا عَلَى ذَلِكَ بِالسِّهَامِ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في هَذَا أَيْضًا عِنْدَ مَالِكٍ؛ لِأَنَّ هَذَا مُخَاطَرَةٌ.
قُلْت: فَإِنْ رَضِيَا أَنْ يُعْطِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ طَائِفَةً مِنْ الدَّارِ وَبَعْضُ ذَلِكَ أَكْثَرُ مِنْ بَعْضٍ أَوْ أَفْضَلُ مِنْ بَعْضٍ؟
قَالَ: هَذَا جَائِزٌ عِنْدَ مَالِكٍ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ فيهِ مُخَاطَرَةٌ.
قُلْت: وَلَا تَجُوزُ في قَوْلِ الْقِسْمَةِ بِالسِّهَامِ إلَّا أَنْ يَقْسِمَا الدَّارَ عَلَى قِيمَةِ عَدْلٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، لَا يَجُوزُ إلَّا عَلَى قِيمَةِ الْعَدْلِ إذَا كَانَ أَصْلُ الْقِسْمَةِ الْقُرْعَةَ.

.مَا جَاءَ في قِسْمَةِ الدُّورِ وَالسَّاحَةِ وَالْمُرْفَقِ بِالسَّاحَةِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ الدَّارَ تَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ لَهُمْ سَاحَةٌ وَلَهَا بُنْيَانٌ، كَيْفَ يَقْتَسِمُونَهَا؟ أَيَقْتَسِمُونَ الْبُنْيَانَ عَلَى حِدَةٍ وَالسَّاحَةَ عَلَى حِدَةٍ، أَمْ يَقْتَسِمُونَ الْبُنْيَانَ وَلَا يَقْتَسِمُونَ السَّاحَةَ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ السَّاحَةُ عَلَى حِدَةٍ لَمْ يَقْتَسِمُوا الْبُنْيَانَ وَلَا يَقْتَسِمُونَ السَّاحَةَ.
قَالَ: وَإِذَا كَانَتْ السَّاحَةُ، إذَا قُسِمَتْ مَعَ الْبُنْيَانِ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ في حِصَّتِهِ مِنْ السَّاحَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ في مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَرْبِطِ دَوَابِّهِ وَمَرَافِقِهِ، فَإِنْ كَانَتْ هَكَذَا قُسِمَتْ السَّاحَةُ وَالْبُنْيَانُ جَمِيعًا، وَإِنْ كَانَتْ السَّاحَةُ إذَا قُسِمَتْ مَعَ الْبُنْيَانِ لَا يَكُونُ في نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ في مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَحَوَائِجِهِ، أَوْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ مِنْ السَّاحَةِ لَا يَكُونُ في نَصِيبِهِ مِنْ السَّاحَةِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ في مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَمَرَافِقِهِ، وَكَانَ بَقِيَّتُهُمْ يَكُونُ في نَصِيبِهِمْ مَا يَرْتَفِقُونَ بِهِ، فَلَا تُقْسَمُ السَّاحَةُ وَتُتْرَكُ السَّاحَةُ بَيْنَهُمْ وَيُقْسَمُ الْبِنَاءُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ أَحَدُهُمْ قَلِيلَ النَّصِيبِ، فَكَانَ الَّذِي يَصِيرُ لَهُ مِنْ السَّاحَةِ قَدْرَ مَدْخَلِهِ وَمَخْرَجِهِ وَقَدْرَ طَرِيقِهِ فَقَطْ، وَبَقِيَّتُهُمْ يَصِيرُ حَظُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِنْ السَّاحَةِ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ فَأَرَادُوا الْقِسْمَةَ؟
قَالَ: لَا تُقْسَمُ السَّاحَةُ؛ لِأَنَّ الْقَلِيلَ النَّصِيبِ إنْ اقْتَسَمُوا لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَكْثَرَ مِنْ الْمَدْخَلِ وَالْمَخْرَجِ وَهُمْ يَرْتَفِقُونَ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا مُرْتَفَقُ السَّاحَةِ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ الْقَلِيلُ النَّصِيبِ وَالْكَثِيرُ النَّصِيبِ في ذَلِكَ سَوَاءٌ في الِانْتِفَاعِ بِالسَّاحَةِ.
قُلْت: فَإِنْ أَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَبْنِيَ في السَّاحَةِ بِنَاءً كَانَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في قِسْمَةِ الْبُيُوتِ وَالْغُرَفِ وَالسُّطُوحِ:

قُلْت: فَلَوْ أَنَّ دَارًا لَهَا غُرَفٌ وَبُيُوتٌ سُفْلٌ، وَلِلْغُرَفِ سَطْحٌ وَلِلْبُيُوتِ سَاحَةٌ بَيْنَ يَدَيْهَا فَاقْتَسَمُوا الْبُنْيَانَ عَلَى الْقِيمَةِ، أَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْغُرَفِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِسَاحَةِ الدَّارِ؟
قَالَ: نَعَمْ، لِصَاحِبِ الْغُرَفِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالسَّاحَةِ أَسْفَلَ الدَّارِ فيمَا قَالَ مَالِكٌ لَنَا، كَمَا يَرْتَفِقُ صَاحِبُ الْبُيُوتِ السُّفْلَ وَلَا يَكُونُ لِصَاحِبِ السُّفْلِ أَنْ يَرْتَفِقَ بِسَطْحٍ بَيْنَ يَدَيْ الْغُرْفَةِ، إنَّمَا الْمُرْفَقُ في سَاحَةِ الدَّارِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ في السُّطُوحِ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ، قُلْت: أَرَأَيْتَ السَّطْحَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ الْغُرَفِ إذَا أَرَادَ الْقُسَّامُ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُنْيَانَ بَيْنَهُمْ، أَيُقَوِّمُونَ السَّطْحَ فيمَا يُقَوِّمُونَ مِنْ الْبُنْيَانِ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ نَعَمْ، يُقَوِّمُونَ السَّطْحَ فيمَا يُقَوِّمُونَ مِنْ الْبُنْيَانِ؛ لِأَنَّ السَّطْحَ لَيْسَ بِسَاحَةٍ عِنْدَ مَالِكٍ، وَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنْ السَّاحَةِ فَلَا بُدَّ لِلْقُسَّامِ مِنْ أَنْ يُقَوِّمُوهُ وَيُدْخِلُوهُ في الْقِسْمَةِ، يُقَوِّمُونَ الْغُرْفَةَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا مِنْ الْمُرْفَقِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ خَشَبَ هَذَا السَّطْحِ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْ هَذِهِ الْغُرْفَةِ، عَلَى مَنْ يُقَوِّمُونَ خَشَبَ السَّطْحِ هَؤُلَاءِ الْقُسَّامُ؟
قَالَ: إنْ كَانَ تَحْتَ هَذَا السَّطْحِ بَيْتٌ جَعَلَ الْقُسَّامُ قِيمَةَ خَشَبِ هَذَا السَّطْحِ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تَحْتَهُ، وَاَلَّذِي سَقْفُهُ هَذَا السَّطْحُ جُعِلَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ.
قُلْت: فَلَوْ كَانَتْ غُرْفَةٌ فَوْقَ بَيْتٍ، فَأَرَادَ الْقُسَّامُ أَنْ يَقْتَسِمُوا الْبُنْيَانَ، كَيْفَ يُقَوِّمُونَ خَشَبَ سَقْفِ هَذَا الْبَيْتِ وَعَلَيْهِ خَشَبُ الْغُرْفَةِ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْسَمُ خَشَبُ سَقْفِ الْبَيْتِ الَّذِي فَوْقَهُ غُرْفَةٌ مَعَ الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ وَلَا يُقْسَمُ مَعَ الْغُرْفَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ إنْ انْكَسَرَتْ خَشَبَةٌ مِنْ سَقْفِ هَذَا الْبَيْتِ وَفَوْقَهَا غَرْفَةٌ لِغَيْرِهِ، كَانَ عَلَى رَبِّ هَذَا الْبَيْتِ الْأَسْفَلِ إصْلَاحُ هَذِهِ الْخَشَبَةِ.
قَالَ مَالِكٌ: وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا لِأَنَّ فَوْقَهَا غُرْفَةٌ.
قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ هَذَا الْبَيْتُ الَّذِي فَوْقَهُ غُرْفَةٌ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَيْتِ إذَا رَثَّتْ حِيطَانُ الْبَيْتِ، كَانَ عَلَى رَبِّ الْبَيْتِ السُّفْلِيِّ إصْلَاحُ الْحِيطَانِ لِئَلَّا تَنْهَدِمَ غُرْفَةُ الْأَعْلَى.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ أَنْ يُدَعِّمَ عُلُوَّهُ حَتَّى يَبْنِيَ صَاحِبُ السُّفْلِيِّ سَقْفَهُ وَيَفْرُغَ مِنْهُ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ السُّفْلِيِّ أَنْ يَبْنِيَ سُفْلِيَّةً إلَّا بِمَا كَانَ مَبْنِيًّا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى صَاحِبِ الْعُلُوِّ.
قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: فَإِذَا انْهَدَمَتْ الْغُرْفَةُ فَسَقَطَتْ عَلَى الْبَيْتِ فَهَدَمَتْهُ، أُجْبِرَ رَبُّ الْبَيْتِ السُّفْلِيِّ عَلَى أَنْ يَبْنِيَ بَيْتَهُ لِصَاحِبِ الْغُرْفَةِ حَتَّى يَبْنِيَ صَاحِبُ الْغُرْفَةِ غُرْفَتَهُ، فَإِنْ أَبَى صَاحِبُ السُّفْلِيِّ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَبِيعَ بَيْتَهُ مِمَّنْ يَبْنِيهِ.
قُلْت: فَإِنْ اشْتَرَاهُ مُشْتَرٍ عَلَى أَنْ يَبْنِيَهُ فَقَالَ لَا أَبْنِيهِ؟
فَقَالَ: يُجْبَرُ أَيْضًا عَلَى أَنْ يَبْنِيَهُ أَوْ يَبِيعَهُ أَيْضًا مِمَّنْ يَبْنِيهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ الْبَيْتَ إذَا كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ إذَا قُسِمَ لَمْ يُنْتَفَعْ بِهِ، أَيُقْسَمُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُقْسَمُ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى يَقُولُ: {مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا} [سُورَةُ النِّسَاءِ].
قُلْت: فيكُونُ لِصَاحِبِ هَذَا الْقَلِيلِ النَّصِيبِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَسْكُنَهُ أَوْ يَرْتَفِقَ مِنْ السَّاحَةِ في حَوَائِجِهِ، بِمِثْلِ مَا يَرْتَفِقُ بِهِ الْكَثِيرُ النَّصِيبِ في حَوَائِجِهِ؟
قَالَ: إنْ سَكَنَ مَعَهُمْ فَلَهُ أَنْ يَرْتَفِقَ، وَإِنْ لَمْ يَسْكُنْ مَعَهُمْ فَأَرَادَ أَنْ يَرْتَفِقَ بِالسَّاحَةِ وَهُوَ سَاكِنٌ في دَارٍ أُخْرَى فَأَرَى ذَلِكَ لَهُ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَنَا أَرَى أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَنْقَسِمُ مِنْ الدُّورِ وَالْمَنَازِلِ وَالْأَرَضِينَ وَالْحَمَّامَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ في قِسْمَتِهِ الضَّرَرُ وَلَا يَكُونُ فيمَا يُقْسَمُ مِنْهُ مُنْتَفَعٌ، فَأَرَى أَنْ يُبَاعَ وَيُقْسَمَ ثَمَنُهُ عَلَى الْفَرَائِضِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» وَهَذَا ضَرَرٌ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَ نَصِيبُ أَحَدِهِمْ لَا يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى سُكْنَاهُ، فَقَالَ أَصْحَابُ الدَّارِ شُرَكَاؤُهُ نَحْنُ نَقْسِمُ السَّاحَةَ وَجَمِيعَ الْبُنْيَانِ لِيَنْتَفِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِنَصِيبِهِ مِنْ السَّاحَةِ، يَبْنِي وَيَصْنَعُ فيهِ مَا يَشَاءُ.
وَقَالَ الْقَلِيلُ النَّصِيبِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ في نَصِيبِهِ مِنْ الْبُنْيَانِ مَا يُسْكَنُ لَا تَقْتَسِمُوا السَّاحَةَ؟
قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في هَذَا شَيْئًا، وَأَرَى إذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَا تُقْسَمُ عَلَيْهِ السَّاحَةُ وَتُتْرَكُ عَلَى حَالِهَا.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَسَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ رَجُلٍ هَلَكَ وَتَرَكَ وَلَدًا وَامْرَأَةً وَتَرَكَ أَرْضًا وَدُورًا؟
قَالَ مَالِكٌ: تُقَسَّمُ الدُّورُ وَالْأَرْضُ أَثْمَانًا، فيضْرَبُ لِلْمَرْأَةِ بِثُمُنِهَا في إحْدَى النَّاحِيَتَيْنِ، وَيُضْرَبُ لِلْوَرَثَةِ في النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى وَلَا يُضْرَبُ لَهَا بِثُمُنِهَا وَسَطَ الْأَرْضِ وَلَا وَسَطَ الدَّارِ.
قُلْت: وَكَيْفَ يُضْرَبُ لَهَا في أَحَدِ الطَّرَفينِ؟
قَالَ: تُقَسَّمُ الدَّارُ أَثْمَانًا، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى الثُّمُنَيْنِ مِنْ الطَّرَفينِ الَّذِي مِنْ هَذِهِ النَّاحِيَةِ وَاَلَّذِي مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فيسْهَمُ لِلْمَرْأَةِ عَلَيْهِمَا وَلَا يُسْهَمُ إلَّا عَلَيْهِمَا، فَأَيُّ الطَّرَفينِ خَرَجَ لِلْمَرْأَةِ أَخَذَتْهُ الْمَرْأَةُ وَضُمَّ مَا بَقِيَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ فيقْسَمُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ أَيْضًا.

.فيمَنْ أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ في أَرْضِهِ حَمَّامًا أَوْ فُرْنًا أَوْ رَحًى:

قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ لِي عَرْصَةٌ إلَى جَانِبِ دُورِ قَوْمٍ، فَأَرَدْتُ أَنْ أُحْدِثَ في تِلْكَ الْعَرْصَةِ حَمَّامًا أَوْ فُرْنًا أَوْ مَوْضِعًا لِرَحًا فَأَبَى عَلَيَّ الْجِيرَانُ ذَلِكَ، أَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُونِي في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إنْ كَانَ مَا يُحْدِثُ ضَرَرًا عَلَى الْجِيرَانِ مِنْ الدُّخَانِ وَمَا أَشْبَهَهُ، فَلَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوكَ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: يُمْنَعُ مِنْ ضَرَرِ جَارِهِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا ضَرَرًا مُنِعَ مِنْ ذَلِكَ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ حَدَّادًا فَاِتَّخَذَ فيهَا كِيرًا أَوْ اتَّخَذَ فيهَا أَفْرَانًا يَسِيلُ فيهَا الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ، أَوْ اتَّخَذَ فيهَا أَرْحِيَةً تَضُرُّ بِجُدْرَانِ الْجِيرَانِ أَوْ حَفَرَ فيهَا آبَارًا أَوْ كَنِيفًا قُرْبَ جُدْرَانِ جِيرَانِهِ مَنَعْتَهُ مِنْ ذَلِكَ؟
قَالَ: نَعَمْ، كَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ في غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ هَذَا في الدُّخَانِ وَغَيْرِهِ.
قُلْت: هَلْ تَرَى التَّنُّورَ ضَرَرًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَأَرَى التَّنُّورَ خَفيفًا.
قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: أَرَأَيْتَ إنْ كَانَتْ دَارُ الرَّجُلِ إلَى جَنْبِ دَارِ قَوْمٍ، فَفَتَحَ في غُرْفَتِهِ كُوًى أَوْ أَبْوَابًا يُشْرِفُ مِنْهَا عَلَى دُورِ جِيرَانِهِ، أَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ.

.في قِسْمَةِ الدُّورِ وَالرَّقِيقِ إذَا كَانَتْ الْقِيمَةُ وَاحِدَةً:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دُورًا، وَرَقِيقًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَقَوَّمُوا الرَّقِيقَ فَكَانَتْ قِيمَةُ الرَّقِيقِ أَلْفَ دِينَارٍ، وَقَوَّمُوا الدُّورَ فَكَانَتْ قِيمَةُ الدُّورِ أَيْضًا أَلْفَ دِينَارٍ، فَأَرَادَا أَنْ يَجْعَلَا الرَّقِيقَ في نَاحِيَةٍ وَالدُّورَ في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى الدُّورِ وَالرَّقِيقِ؟
قَالَ: لَا يَجُوزُ هَذَا.
قُلْت: لِمَ؟
قَالَ: لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمُخَاطَرَةِ.
قُلْت: كَيْفَ يَكُونُ هَذَا مُخَاطَرَةً، وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ أَلْفُ دِينَارٍ وَقِيمَةُ الدُّورِ أَلْفُ دِينَارٍ؟
قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ سَوَاءً لِأَنَّ هَذَيْنِ شَيْئَانِ مُخْتَلِفَانِ، الدُّورُ غَيْرُ الرَّقِيقِ وَالرَّقِيقُ غَيْرُ الدُّورِ، فَإِنَّمَا تَخَاطَرَا عَلَى أَنَّ مَنْ خَرَجَ سَهْمُهُ عَلَى الرَّقِيقِ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الدُّورِ فَلَا خَيْرَ في هَذَا.
وَإِنَّمَا يَنْبَغِي لِهَذَا أَنْ يَقْسِمُوا الدُّورَ عَلَى حِدَةٍ وَالرَّقِيقَ عَلَى حِدَةٍ.
قُلْت: لِمَ كَرِهْتَ هَذَا في الدُّورِ وَالرَّقِيقِ، وَأَنْتَ تُجِيزُهُ فيمَا هُوَ مِثْلُ هَذَا الدَّارِ تَكُونُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ، أَوْ الدَّارَيْنِ تَكُونَانِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ - هُمَا في الْمَوْضِعِ وَالنَّفَاقِ سَوَاءٌ عِنْدَ النَّاسِ - فَقَسَمَهَا الْقَاسِمُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَكَانَ بُنْيَانُ إحْدَى الدَّارَيْنِ ضِعْفَ بُنْيَانِ الْأُخْرَى في الْقِيمَةِ؛ لِأَنَّ بُنْيَانَهَا قَدْ رَثَّ وَبُنْيَانَ الْأُخْرَى أَحْسَنُ وَأَطْرَى، فَقَسَمَهَا الْقَاسِمُ عَلَى الْقِيمَةِ فَجَعَلَ مَكَانَ الْبُنْيَانِ الْمُرْتَفِعِ ضِعْفَهُ مِنْ الْبُنْيَانِ الرَّثِّ، أَوْ قَسَمَ الدَّارَ الْوَاحِدَةَ الَّتِي بَيْنَهُمَا فَكَانَتْ نَاحِيَةٌ مِنْ الدَّارِ قَدْ تَقَادَمَ بُنْيَانُهَا وَرَّثَ وَنَاحِيَةٌ مِنْ الدَّارِ الْأُخْرَى جَدِيدَةَ الْبُنْيَانِ، فَصَارَ الْبُنْيَانُ الَّذِي تَقَادَمَ في الْقَسْمِ ضِعْفَ الْبُنْيَانِ الْجَدِيدِ، فَضَرَبَا عَلَى ذَلِكَ بِالسِّهَامِ فَجَوَّزَهُ مَالِكٌ.
وَأَنْتَ تُجِيزُهُ.
فَمَا فَرْقُ مَا بَيْنَ هَذَا وَمَا بَيْنَ الرَّقِيقِ وَالدُّورِ، وَهَذَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ خَاطَرَ بِالْبُنْيَانِ الْجَدِيدِ؟
قَالَ: لَيْسَ هَذَا مِثْلَ الرَّقِيقِ وَالدُّورِ؛ لِأَنَّ الرَّقِيقَ يُقْسَمُ عَلَى حِدَةٍ وَالدُّورَ عَلَى حِدَةٍ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الدُّورُ بِحَالِ مَا وَصَفْتُ لَكَ مِنْ أَنَّ نَاحِيَةً مِنْهَا حَسَنَةُ الْبُنْيَانِ وَنَاحِيَةً أُخْرَى دُونَ ذَلِكَ، لَمْ يَكُنْ لِلْقَاسِمِ بُدٌّ مِنْ أَنْ يَقْسِمَ عَلَى الْقِيمَةِ وَيَجْعَلَ حَظَّ كُلِّ إنْسَانٍ في مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَيُسْهِمَ بَيْنَهُمْ، فَإِنْ خَرَجَ سَهْمُهُ في الْبُنْيَانِ الْجَدِيدِ أَخَذَهُ بِقِيمَتِهِ، وَإِنْ خَرَجَ في غَيْرِ الْجَدِيدِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، فَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا، وَذَلِكَ في الرَّقِيقِ وَالدُّورِ، يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَقْسِمَ الرَّقِيقَ عَلَى حِدَةٍ وَالدُّورَ عَلَى حِدَةٍ، وَأَمَّا الدُّورُ وَالرَّقِيقُ فَذَلِكَ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّهُ إنْ كَانَ هَوَاهُمَا جَمِيعًا في الدُّورِ، فَجَعَلَا الرَّقِيقَ في نَاحِيَةٍ وَالدُّورَ في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمَا فَكَأَنَّهُمَا تَخَاطَرَا فيمَا هَوَاهُمَا فيهِ؟
قُلْت: فَإِنْ تَرَاضَى هَذَانِ في الدُّورِ وَالرَّقِيقِ فَأَخَذَ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الدُّورَ وَالْآخَرُ الرَّقِيقَ؟
قَالَ: فَذَلِكَ جَائِزٌ إنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ قُرْعَةٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ وَرِثَا رَقِيقًا وَدَنَانِيرَ، فَجَعَلَا الرَّقِيقَ في نَاحِيَةٍ وَالدَّنَانِيرَ في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى ذَلِكَ، وَقِيمَةُ الرَّقِيقِ مِثْلُ الدَّنَانِيرِ سَوَاءٌ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا؟ وَكَيْفَ إنْ كَانَتْ دُورًا وَدَنَانِيرَ فَجَعَلَا الدُّورَ في نَاحِيَةٍ وَالدَّنَانِيرَ في نَاحِيَةٍ.
أَوْ كَانَتْ دُورًا وَثِيَابًا فَجَعَلَا الدُّورَ في نَاحِيَةٍ وَالثِّيَابَ في نَاحِيَةٍ - وَقِيمَةُ الدُّورِ وَالثِّيَابِ سَوَاءٌ - أَوْ كَانَتْ ثِيَابًا وَحَيَوَانًا قِيمَةُ الْحَيَوَانِ مِثْلُ قِيمَةِ الثِّيَابِ - فَجَعَلَا الثِّيَابَ في نَاحِيَةٍ وَالْحَيَوَانَ في نَاحِيَةٍ عَلَى أَنْ يَسْتَهِمَا عَلَى ذَلِكَ - وَقِيمَةُ الْحَيَوَانِ وَقِيمَةُ الثِّيَابِ سَوَاءٌ؟
قَالَ: لَا خَيْرَ في ذَلِكَ كُلِّهِ؛ لِأَنَّ الصِّنْفينِ إذَا اخْتَلَفَا دَخَلَهُ الْمُخَاطَرَةُ وَالْغَرَرُ إلَّا أَنْ يَقْتَسِمَا ذَلِكَ بِغَيْرِ الْقُرْعَةِ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ صِنْفًا وَاحِدًا، جَازَ أَنْ يَقْتَسِمَا ذَلِكَ بِالْقُرْعَةِ إذَا عَدَلَا الْقَسْمَيْنِ في الْقِيمَةِ؟
قَالَ: نَعَمْ.

.في الرَّجُلِ يُرِيدُ أَنْ يَفْتَحَ بَابًا في زُقَاقٍ نَافِذٍ أَوْ غَيْرِ نَافِذٍ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ زُقَاقًا نَافِذًا أَوْ غَيْرَ نَافِذٍ، فيهِ دُورٌ لِقَوْمٍ شَتَّى، فَأَرَادَ أَحَدُهُمْ أَنْ يَجْعَلَ لِدَارِهِ بَابَيْنِ يَفْتَحُ ذَلِكَ في الزُّقَاقِ، أَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ بَابَ دَارِهِ إلَى مَوْضِعٍ مِنْ السِّكَّةِ فَمَنَعَهُ أَهْلُ السِّكَّةِ، أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمْ أَمْ لَا؟
قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُحْدِثَ بَابًا حِذَاءَ بَابِ دَارِ جَارِهِ أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ إذَا كَانَتْ السِّكَّةُ غَيْرَ نَافِذَةٍ؛ لِأَنَّ جَارَهُ يَقُولُ قَدْ كَانَ هَذَا الْمَوْضِعُ مِنْ السِّكَّةِ الَّذِي هُوَ حِيَالُ الَّذِي تُرِيدُ أَنْ تَفْتَحَ فيهِ بَابًا لِدَارِكَ، لِي فيهِ مُرْتَفَقٌ، أَفْتَحُ بَابِي فَأَنَا في سُتْرَةٍ، وَأُقَرِّبُ حُمُولَتِي إلَى بَابِ دَارِي فَلَا أُؤْذِي أَحَدًا، وَلَا أَتْرُكُكَ تَفْتَحُ حِيَالَ بَابِ دَارِي أَوْ قُرْبَ ذَلِكَ فَتَتَّخِذَ عَلَيَّ فيهِ الْمَجَالِسَ وَمَا أَشْبَهَ هَذَا.
فَإِذَا كَانَ هَذَا ضَرَرًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ عَلَى جَارِهِ مَا يَضُرُّهُ بِهِ، وَإِنْ كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً فَلَهُ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ وَيُحَوِّلَ بَابَهُ إلَى أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ.
قُلْت: وَإِذَا كَانَتْ السِّكَّةُ نَافِذَةً، فَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ هُوَ قَوْلُهُ.
قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ دَارَيْنِ، أَحَدُهُمَا في جَوْفِ الْأُخْرَى - الدَّارُ الدَّاخِلَةُ لِقَوْمٍ شَتَّى وَالْخَارِجَةُ لِغَيْرِهِمْ - إلَّا أَنَّ لِأَهْلِ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ الْمَمَرَّ في هَذِهِ الدَّارِ الْخَارِجَةِ وَالطَّرِيقُ لَهُمْ فيهَا، فَاقْتَسَمَ أَهْلُ الدَّارِ الدَّاخِلَةِ دَارَهُمْ بَيْنَهُمْ فَأَرَادَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَ مَا اقْتَسَمُوا أَنْ يَفْتَحَ في حِصَّتِهِ بَابًا إلَى الدَّارِ الْخَارِجَةِ، لِأَنَّ لَهُمْ فيهَا الْمَمَرَّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ الْخَارِجَةِ: لَا أَتْرُكُكُمْ تَفْتَحُونَ هَذِهِ الْأَبْوَابَ عَلَيَّ وَإِنَّمَا لَكُمْ الْمَمَرُّ عَنْ مَوْضِعِكُمْ الَّذِي كَانَ؟
قَالَ: لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَكُونُ لَهُمْ أَنْ يُحْدِثُوا بَابًا إلَى الدَّارِ الْخَارِجَةِ إلَّا الْبَابَ الَّذِي كَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوا.
وَقَالَ مَالِكٌ في حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ في الْخَلِيجِ الَّذِي أَمَرَّهُ في أَرْضِ الرَّجُلِ بِغَيْرِ رِضَاهُ.
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ دَارًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ اقْتَسَمَاهَا - وَلِرَجُلٍ في جَنْبِهِمْ دَارٌ لَصِيقَةُ أَحَدِ النَّصِيبَيْنِ - فَاشْتَرَى هَذَا الرَّجُلُ النَّصِيبَ الَّذِي هُوَ مُلَاصِقُهُ فَفَتَحَ بَابًا في هَذَا النَّصِيبِ وَأَحْدَثَ الْمَمَرَّ - مَمَرَّ دَارِهِ في طَرِيقِ هَذَا النَّصِيبِ - فَأَبَى عَلَيْهِ صَاحِبُ النَّصِيبِ الْآخَرِ ذَلِكَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إذَا كَانَ إنَّمَا جَعَلَ في النَّصِيبِ الَّذِي اشْتَرَى لِيَرْتَفِقَ بِذَلِكَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِمَّنْ سَكَنَ مِنْ وَلَدِهِ وَيَتَوَسَّعَ بِالنَّصِيبِ وَيَكُونَ مَمَرُّهُ فيهِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَهَا سِكَّةً نَافِذَةً لِلنَّاسِ يَدْخُلُونَ مِنْ بَابِ دَارِهِ يَتَحَرَّفُونَ إلَى النَّصِيبِ وَيَمُرُّونَ في النَّصِيبِ إلَى مَخْرَجِ النَّصِيبِ حَتَّى يَتَّخِذَ مَمَرًّا شِبْهَ الْمَمَرِّ في الزُّقَاقِ، فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَالِكٌ حِينَ سَأَلْتُهُ عَنْهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَسْكَنَ مَعَهُ غَيْرَهُ أَوْ آجَرَ الدَّارَ، أَيَكُونُ لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا في النَّصِيبِ كَمَا كَانَ لَهُ؟
قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: وَإِنَّمَا رَأَيْتُ مِنْ كَرَاهِيَةِ مَالِكٍ أَنْ يَجْعَلَهَا سِكَّةً نَافِذَةً فَقَطْ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمُوا الْبُنْيَانَ بِالْقِيمَةِ وَالسَّاحَةَ مُذَارَعَةً، أَيَجُوزُ هَذَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: إذَا كَانَتْ السَّاحَةُ مِمَّا تَحْمِلُ الْقِسْمَةَ، أَوْ كَانَتْ السَّاحَةُ كُلُّهَا سَوَاءً وَتَسَاوَوْا في الذَّرْعِ فيمَا بَيْنَهُمْ جَازَ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مُتَفَاضِلَةً فَلَا أَرَى ذَلِكَ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ قَالَ بَعْضُهُمْ: لَا نُقَسِّمُ السَّاحَةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نُقَسِّمُ السَّاحَةَ، وَفي السَّاحَةِ في نَصِيبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يَنْتَفِعُ بِهِ وَيَرْتَفِقُ بِهِ؟
قَالَ: تُقَسَّمُ السَّاحَةُ إذَا كَانَتْ بِحَالِ مَا وَصَفْتَ لِي عِنْدَ مَالِكٍ.
قُلْت: أَيَجُوزُ أَنْ نَقْسِمَ بَيْتًا بَيْنِي وَبَيْنَ شَرِيكِي مُذَارَعَةً ثُمَّ نَسْتَهِمْ في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ: لَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَسِمَا شَيْئًا مِنْ الْأَشْيَاءِ مُسَاهَمَةً إذَا كَانَ أَحَدُ النَّصِيبَيْنِ أَفْضَلَ مِنْ الْآخَرِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَكُونُ مُخَاطَرَةً.
وَأَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُسَاهَمَةٍ يَأْخُذُ هَذَا نَاحِيَةً وَهَذَا نَاحِيَةً تَرَاضِيًا بِذَلِكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ.

.في قَسْمِ الدَّارِ الْغَائِبَةِ وَقَسْمِ الْوَصِيِّ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ وَالصِّغَارِ:

قُلْت: أَرَأَيْتَ دَارًا وَرِثْنَاهَا عَنْ رَجُلٍ - وَالدَّارُ غَائِبَةٌ عَنَّا بِبَلَدٍ مَنْ الْبُلْدَانِ - وَقَدْ وُصِفَتْ لَنَا الدَّارُ وَبُيُوتُهَا وَمَا فيهَا مَنْ سَاحَتِهَا، فَأَرَدْنَا أَنْ نَقْسِمَهَا عَلَى صِفَةِ مَا وَصَفُوهَا لَنَا يَعْرِفُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا نَاحِيَتَهُ وَمَوْضِعَهُ وَمَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْبُنْيَانِ، أَيَجُوزُ هَذَا أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْغَائِبَةَ قَدْ تُبَاعُ بِالصِّفَةِ عِنْدَ مَالِكٍ، فَإِذَا جَازَ الْبَيْعُ فيهَا جَازَتْ الْقِسْمَةُ فيهَا.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَتَرَكَ دُورًا وَعَقَارًا وَأَمْوَالًا وَلَمْ يُوصِ، وَتَرَكَ وَرَثَةً كُلُّهُمْ غُيَّبٌ إلَّا رَجُلًا وَاحِدًا حَاضِرًا مَنْ الْوَرَثَةِ، فَأَرَادَ هَذَا الْحَاضِرُ أَنْ يَقْسِمَ هَذِهِ الدُّورَ وَالرِّبَاعَ وَالْعُرُوضَ وَيَأْخُذَ حَقَّهُ مَنْ الْعُرُوضِ وَنَصِيبَهُ مَنْ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ، فيوَكِّلُ السُّلْطَانُ وَكِيلًا يَقْسِمُ لِلْحَاضِرِ وَالْغَائِبِ جَمِيعًا، فَمَا صَارَ لِلْغَائِبِ عَزَلَهُ لَهُ السُّلْطَانُ وَأَحْرَزَهُ لَهُ.
قَالَ: وَعَنْ هَذَا بِعَيْنِهِ سَأَلْتُ مَالِكًا فَقَالَ مِثْلَ مَا قُلْت لَكَ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ قَدْ أَوْصَى - وَالْوَرَثَةُ غُيَّبٌ كُلُّهُمْ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَأَرَادَ الْحَاضِرُ أَنْ يَقْسِمَ نَصِيبَهُ مِنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، أَيَكُونُ الْوَصِيُّ هَهُنَا بِمَنْزِلَةِ السُّلْطَانِ في نَصِيبِ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: إنْ كَانَ الْغُيَّبُ كِبَارًا كُلُّهُمْ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَصِيُّ لَهُمْ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ حَتَّى يُقَاسِمَهُ لَهُمْ.
وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ الْغُيَّبُ صِغَارًا كُلُّهُمْ جَازَتْ مُقَاسَمَةُ الْوَصِيِّ لَهُمْ وَعَلَيْهِمْ.
قُلْت: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ؟
قَالَ: هَذَا رَأْيِي.
قَالَ: وَلَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ امْرَأَةٍ حَلَفَتْ لِإِخْوَتِهَا لَتُقَاسِمَنَّهُمْ دَارًا بَيْنَهَا وَبَيْنَهُمْ، فَقَالَ لَهَا إخْوَتُهَا: أَمَّا إذَا حَلَفْت فَنَحْنٌ نُقَاسِمُكِ؟
قَالَ مَالِكٌ: أَرَى أَنْ تَرْفَعَ هَذَا إلَى السُّلْطَانِ فيقْسِمُ لَهَا.
قُلْت: لِمَ قَالَ مَالِكٌ هَذَا؟
قَالَ: خَوْفًا مِنْ الدُّلْسَةِ فَتَحْنَثُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إذَا كَانَ كَبِيرٌ مِنْ الْوَرَثَةِ غَائِبًا وَجَمِيعُ الْوَرَثَةِ صِغَارٌ وَهُمْ حُضُورٌ عِنْدَ الْوَصِيِّ، أَيَقْسِمُ الْوَصِيُّ الدَّارَ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْغَائِبِ أَمْ لَا؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعَيْنِهَا: لَا يَقْسِمُ الْوَصِيُّ لِلْغَائِبِ، وَلَكِنْ يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فيقْسِمُهَا بَيْنَهُمْ وَيَعْزِلُ نَصِيبَ الْكَبِيرِ فيحُوزُهُ لَهُ.
قُلْت: فَإِنْ كَانَ الصِّغَارُ غُيَّبًا وَالْكَبِيرُ حَاضِرًا، فَأَرَادَ الْكَبِيرُ أَنْ يُقَاسِمَ الْوَصِيَّ، أَوْ الْوَصِيُّ أَرَادَ أَنْ يُقَاسِمَ الْكَبِيرَ لِلْأَصَاغِرِ، أَيَجُوزُ ذَلِكَ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْكَبِيرُ حَاضِرًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى مَغِيبِ الصَّغِيرِ إذَا كَانَ الْوَصِيُّ حَاضِرًا.
قَالَ: وَهَذَا رَأْيِي.
قُلْت: مَا قَوْلُ مَالِكٍ في الْحَمَّامِ وَالْجِدَارِ يَكُونُ بَيْنَ الشَّرِيكَيْنِ، أَيُقْسَمُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْحَمَّامِ يَكُونُ بَيْنَ الشُّرَكَاءِ: إنَّهُ يُقْسَمُ وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ في الْجِدَارِ شَيْئًا.
قُلْت: لِمَ جَوَّزَ مَالِكٌ قِسْمَةَ الْحَمَّامِ، وَهُوَ إذَا قُسِّمَ بَطَلَ الْحَمَّامُ إذَا أَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ حِصَّتَهُ مِنْهُمَا؟
قَالَ: هُوَ مِثْلُ الْبَيْتِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْبَيْتَ قَدْ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ الْكَثِيرِ، وَهُمْ إنْ اقْتَسَمُوهُ لَمْ يَصِرْ في حَظِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا يُسْكَنُ وَلَا يَصِيرُ لَهُ فيهِ مَنْفَعَةٌ، فيقْسَمُ بَيْنَهُمْ، فَكَذَلِكَ الْحَمَّامُ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ رَجُلًا هَلَكَ وَأَوْصَى لِرَجُلٍ بِالثُّلُثِ وَتَرَكَ دُورًا وَعَقَارًا وَتَرَكَ وَرَثَةً غُيَّبًا، فَأَرَادَ الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ أَنْ يَقْسِمَ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ؟
قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ في هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَارِثِ، يَرْفَعُ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ فيوَكِّلُ رَجُلًا يَقْسِمُ مَالَ الْمَيِّتِ، وَيُعْطِي السُّلْطَانُ هَذَا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ حَقَّهُ وَيَحُوزُ ذَلِكَ.
قُلْت: أَلَيْسَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ هُوَ أَوْلَى بِمَا بَيْنَ يَدَيْ بَابِ بَيْتِهِ مَنْ السَّاحَةِ في الِارْتِفَاقِ بِهَا؟
قَالَ: نَعَمْ عِنْدِي.
قَالَ: وَلَا يَطْرَحُ في السَّاحَةِ بَيْنَ يَدَيْ بَابِ غَيْرِهِ الْحَطَبَ وَالْعَلَفَ إذَا كَانَ في الدَّارِ سَعَةٌ عَنْ ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَإِنْ احْتَاجَ إلَى طَرْحِ ذَلِكَ في السَّاحَةِ وَوَضْعِ بَعْضِ ذَلِكَ عَلَى بَابِ غَيْرِهِ طَرَحَهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ في ذَلِكَ ضَرَرٌ بِمَنْ يَطْرَحُ ذَلِكَ عَلَى بَابِهِ ذَلِكَ، فيمْنَعَ مِنْ أَنْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَا الْبُنْيَانَ وَسَاحَةَ الدَّارِ، أَيَكُونُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَتْرُكَ الطَّرِيقَ لَا يَعْرِضُ فيهَا لِصَاحِبِهِ؟
قَالَ: نَعَمْ، تُقَرُّ الطَّرِيقُ عَلَى حَالِهَا في قَوْلِ مَالِكٍ.
قُلْت: فَإِنْ اقْتَسَمَاهَا عَلَى أَنْ يَصْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَابًا في نَاحِيَةٍ أُخْرَى وَلَا يَتْرُكَا طَرِيقًا وَرَضِيَا بِذَلِكَ؟
قَالَ: فَالْقِسْمَةُ جَائِزَةٌ، وَلَا يَكُونُ لَهُمَا طَرِيقٌ يَرْتَفِقَانِ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَكِنْ يَأْخُذُ هَذَا حِصَّتَهُ فيصْرِفُ بَابَهُ حَيْثُ شَاءَ إذَا كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَصْرِفُ بَابَهُ إلَيْهِ وَكَذَلِكَ صَاحِبُهُ.
قُلْت: تَحْفَظُهُ عَنْ مَالِكٍ؟
قَالَ: نَعَمْ.
أَرَأَيْتَ إنْ قَسَمَا الْبُنْيَانَ ثُمَّ قَسَمَا السَّاحَةَ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَذْكُرَا الطَّرِيقَ أَنَّهُمَا يَرْتَفِقَانِ بِهِ بَيْنَهُمَا وَلَا يَرْتَفِقَانِ الطَّرِيقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قَسَمَا الدَّارَ عَلَى هَذَا فَصَارَ بَابُ الدَّارِ في حِصَّةِ أَحَدِهِمَا، أَتَرَى هَذَا قَطْعًا لِلطَّرِيقِ بَيْنَهُمَا، أَوْ تَأْمُرُ الَّذِي صَارَ بَابُ الدَّارِ لِغَيْرِهِ أَنْ يَفْتَحَ في نَصِيبِهِ بَابًا لِأَنَّ بَابَ الدَّارِ قَدْ صَارَ لِغَيْرِهِ وَقَدْ رَضِيَ بِذَلِكَ؟
قَالَ: إذَا لَمْ يَذْكُرَا في قِسْمَتِهِمَا أَنْ يَجْعَلَ أَحَدُهُمَا، وَلَا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَخْرَجَهُ مِنْ الدَّارِ في حِصَّتِهِ يَفْتَحُ في نَصِيبِهِ بَابًا، فَأَرَى الطَّرِيقَ بَيْنَهُمَا عَلَى حَالِهَا، وَبَابُ الدَّارِ الَّذِي صَارَ لَهُ في حِصَّتِهِ، وَلَكِنَّ الْمَمَرَّ لَهُمَا جَمِيعًا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَمْنَعَ شَرِيكَهُ الَّذِي قَاسَمَهُ مِنْ الْمَمَرِّ في ذَلِكَ.
قَالَ: وَلَا أَحْفَظُ ذَلِكَ عَنْ مَالِكٍ.
قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ اقْتَسَمَا دَارًا بَيْنَهُمَا، فَأَخَذَ أَحَدُهُمَا دُبُرَ الدَّارِ وَأَعْطَى صَاحِبَهُ مُقَدَّمَ الدَّارِ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ طَرِيقٌ في حِصَّةِ صَاحِبِهِ؟
قَالَ: ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا شَرَطَا وَرَضِيَا إذَا كَانَ لَهُ مَوْضِعٌ يَصْرِفُ إلَيْهِ بَابَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَوْضِعٌ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ.
مَالِكٌ فيهَا، وَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في قَوْمٍ اقْتَسَمُوا دَارًا عَلَى أَنْ أَخَذَ بَعْضُهُمْ غُرَفًا عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ طَرِيقٌ في الدَّارِ فَكَرِهَ ذَلِكَ.
وَكَانَ لَيْسَ لِلْغُرَفِ طَرِيقٌ يَصْرِفُ إلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ: لَا يَجُوزُ.
ذَلِكَ.
قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَلَوْ كَانَ لَهَا طَرِيقٌ يُفْتَحُ بَابُهَا إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ بِذَلِكَ بَأْسٌ.