فصل: كِتَابُ السِّيَرِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الجوهرة النيرة شرح مختصر القدوري ***


كِتَابُ السِّيَرِ

هُوَ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ الطَّرِيقَةُ فِي الْأُمُورِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَا يَخْتَصُّ بِسِيرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَغَازِيهِ وَالسِّيَرُ هَا هُنَا هُوَ الْجِهَادُ لِلْعَدُوِّ وَهُوَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَالْأَصْلُ فِي وُجُوبِهِ قَوْله تَعَالَى ‏{‏كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ‏}‏ أَيْ فُرِضَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ شَاقٌّ عَلَيْكُمْ وقَوْله تَعَالَى ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏ وقَوْله تَعَالَى ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ‏}‏ أَيْ لَا يَكُونَ شِرْكٌ ‏{‏وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ ‏(‏الْجِهَادُ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ إذَا قَامَ بِهِ فَرِيقٌ مِنْ النَّاسِ سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ‏)‏ يَعْنِي إذَا كَانَ بِذَلِكَ الْفَرِيقِ كِفَايَةٌ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِمْ كِفَايَةٌ فُرِضَ عَلَى الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ الْعَدُوِّ إلَى أَنْ تَقَعَ الْكِفَايَةُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ أَحَدٌ أَثِمَ جَمِيعُ النَّاسِ بِتَرْكِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عَلَى الْكُلِّ إلَّا أَنَّ فِي اشْتِغَالِ الْكُلِّ بِهِ قَطْعَ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ بُطْلَانِ الزِّرَاعَةِ وَمَنَافِعِ الْمَعِيشَةِقَوْلُهُ ‏(‏وَقِتَالُ الْكُفَّارِ وَاجِبٌ عَلَيْنَا وَإِنْ لَمْ يَبْدَءُونَا‏)‏ لِأَنَّ قِتَالَهُمْ لَوْ وُقِفَ عَلَى مُبَادَأَتِهِمْ لَنَا لَكَانَ عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ وَهَذَا الْمَعْنَى يُوجَدُ فِي الْمُسْلِمِينَ إذَا حَصَلَ مِنْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ الْأَذِيَّةُ وَقِتَالُ الْمُشْرِكِينَ مُخَالِفٌ لِقِتَالِ الْمُسْلِمِينَقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجِبُ الْجِهَادُ عَلَى صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا عَبْدٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدٍ وَلَا أَقْطَعَ‏)‏ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا وَالْعَبْدُ لِتَقَدُّمِ حَقِّ الْمَوْلَى؛ وَلِأَنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ فَرْضُ الْحَجِّ وَالْجُمُعَةِ وَهُمَا مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْمَرْأَةُ يَسْقُطُ عَنْهَا فَرْضُ الْجُمُعَةِ فَسُقُوطُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ عَنْهَا أَوْلَى وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَالْأَقْطَعُ عَاجِزُونَ وَلِهَذَا سَقَطَ عَنْهُمْ فَرْضُ الْحَجِّ وَسَوَاءٌ كَانَ أَقْطَعَ الْأَصَابِعِ أَوْ أَشَلَّ؛ وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي الْقِتَالِ إلَى يَدٍ يَضْرِبُ بِهَا وَيَدٍ يَتَّقِي بِهَا فَإِنْ أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي الْقِتَالِ خَرَجَ إلَيْهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ لِحَقِّهِ وَقَدْ رَضِيَ بِإِسْقَاطِهِقَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ هَجَمَ الْعَدُوُّ عَلَى بَلَدٍ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ الدَّفْعُ تَخْرُجُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا وَالْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَرْضَ عَيْنٍ وَمِلْكُ الْيَمِينِ وَرِقُّ النِّكَاحِ لَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي حَقِّ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُونَ دَارَ الْحَرْبِ فَحَاصَرُوا مَدِينَةً أَوْ حِصْنًا دَعَوْهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ أَجَابُوهُمْ كَفُّوا عَنْ قِتَالِهِمْ‏)‏ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ امْتَنَعُوا دَعَوْهُمْ إلَى أَدَاءِ الْجِزْيَةِ‏)‏ يَعْنِي فِي حَقِّ مَنْ يَقْبَلُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ احْتِرَازًا عَنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ بَذَلُوهَا‏)‏ أَيْ قَبِلُوهَا ‏(‏فَلَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْهِمْ‏)‏ أَيْ يَكُونُ دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ كَدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ امْتَنَعُوا قَاتَلُوهُمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ قَدْ أَعْذَرُوا إلَيْهِمْ فَأَبَوْا فَوَجَبَ قِتَالُهُمْقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَدْعُوَهُمْ‏)‏ فَإِنْ قَاتَلُوهُمْ قَبْلَ الدَّعْوَةِ أَثِمُوا وَلَا غَرَامَةَ عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ قَالَ الْيَنَابِيعُ إنَّمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَاتِلَ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ أَمَّا فِي زَمَانِنَا فَلَا حَاجَةَ إلَى الدَّعْوَةِ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ قَدْ فَاضَ وَاشْتَهَرَ فَمَا مِنْ زَمَانٍ أَوْ مَكَان إلَّا وَقَدْ بَلَغَهُ بَعْثَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُعَاؤُهُ إلَى الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ الْإِمَامُ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْبَعْثِ إلَيْهِمْ وَتَرْكِهِ وَلَهُ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ جَهْرًا وَخُفْيَةً قَوْلُهُ ‏(‏وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْعُوَ مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ إلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يَجِبُ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَغَارَ عَلَى بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ أَيْ غَافِلُونَ وَنَعَمُهُمْ تَسْتَقِي عَلَى الْمَاءِ‏}‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِتَالِ مِنْ غَيْرِ تَجْدِيدِ الدَّعْوَةِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَبَوْا اسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّاصِرُ لِأَوْلِيَائِهِ وَالْمُدَمِّرُ لِأَعْدَائِهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَنَصَبُوا عَلَيْهِمْ الْمَجَانِيقَ‏)‏ أَيْ يَنْصِبُونَهَا عَلَى حُصُونِهِمْ وَيَهْدِمُونَهَا كَمَا نَصَبَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ قَوْلُهُ ‏(‏وَحَرَّقُوهُمْ‏)‏ لِأَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَقَ الْبُوَيْرَةَ‏}‏ وَهُوَ مَوْضِعٌ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ فِيهِ نَخْلٌ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَأَرْسَلُوا عَلَيْهِمْ الْمَاءَ وَقَطَعُوا شَجَرَهُمْ وَأَفْسَدُوا زَرْعَهُمْ‏)‏ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ وَتَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاصَرَ بَنِي النَّضِيرِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ نَخِيلِهِمْ وَحَاصَرَ أَهْلَ الطَّائِفِ وَأَمَرَ بِقَطْعِ كُرُومِهِمْ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِرَمْيِهِمْ وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ مُسْلِمٌ أَسِيرٌ أَوْ تَاجِرٌ‏)‏ يَعْنِي يَرْمِيهِمْبِالنُّشَّابِ وَالْحِجَارَةِ وَالْمَنْجَنِيقِ لِأَنَّ فِي الرَّمْيِ دَفْعَ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِالذَّبِّ عَنْ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَتْلُ التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ ضَرَرٌ خَاصٌّ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ تَتَرَّسُوا بِصِبْيَانِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ بِالْأُسَارَى لَمْ يَكُفُّوا عَنْ رَمْيِهِمْ وَيَقْصِدُونَ بِالرَّمْيِ الْكُفَّارَ‏)‏ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجُوزُ اعْتِمَادُ قَتْلِهِ فَإِنْ أَصَابُوا أَحَدًا مِنْ الصِّبْيَانِ أَوْ الْأُسَارَى فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِمْ مِنْ دِيَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ النِّسَاءِ وَالْمَصَاحِفِ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إذَا كَانَ عَسْكَرٌ عَظِيمٌ يُؤْمَنُ مَعَهُمْ‏)‏ لِأَنَّ الْغَالِبَ هُوَ السَّلَامَةُ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ وَكَذَلِكَ كُتُبُ الْفِقْهِ بِمَنْزِلَةِ الْمَصَاحِفِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْعَجَائِزُ يَخْرُجْنَ فِي الْعَسْكَرِ الْعَظِيمِ لِإِقَامَةِ عَمَلٍ يَلِيقُ بِهِنَّ كَالطَّبْخِ وَالسَّقْيِ وَالْمُدَاوَاةِ فَأَمَّا الشَّوَابُّ فَمُقَامُهُنَّ فِي الْبُيُوتِ أَدْفَعُ لِلْفِتْنَةِ وَلَا يُبَاشِرْنَ الْقِتَالَ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى ضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُنَّ لِلْمُبَاضَعَةِ وَالْخِدْمَةِ فَإِنْ كَانُوا لَا بُدَّ مُخْرَجِينَ فَالْإِمَاءُ دُونَ الْحَرَائِرِ وَقَدْ ‏{‏كَانَ النِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجِهَادِ قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ غَزَوْت مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ غَزَوَاتٍ كُنْت أُصْلِحُ لَهُمْ الطَّعَامَ وَأُدَاوِي الْجَرْحَى وَأَقُومُ بِالْمَرْضَى وَكَذَلِكَ أُمُّ سُلَيْمٍ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَاتَلَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ حِينَ انْهَزَمَ النَّاسُ عَنْهُ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ إخْرَاجُ ذَلِكَ فِي سَرِيَّةٍ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَعْرِيضَ النِّسَاءِ لِلضَّيَاعِ وَالْفَضِيحَةِ وَخَوْفَ السَّبْيِ وَالِاسْتِرْقَاقِ وَكَذَلِكَ الْمَصَاحِفُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا مِنْ أَنْ تَنَالَهَا أَيْدِي الْكُفَّارُ فَيَسْتَخِفُّونَ بِهَا مُغَايَظَةًلِلْمُسْلِمِينَ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ‏}‏قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تُقَاتِلُ الْمَرْأَةُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَلَا الْعَبْدُ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ إلَّا أَنْ يَهْجُمَ الْعَدُوُّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِقَوْلُهُ ‏(‏وَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ لَا يَغْدِرُوا وَلَا يَغُلُّوا‏)‏ الْغَدْرُ الْخِيَانَةُ وَنَقْضُ الْعَهْدِ وَالْخَفْرِ بِالْأَمَانِ وَالْغُلُولُ السَّرِقَةُ مِنْ الْمَغْنَمِ وَالْخِيَانَةُ فِيهِ بِأَنْ يُمْسِكَ شَيْئًا لِنَفْسِهِ وَلَا يُظْهِرُهُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ الْغُلُولُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمِ وَالْغُلُولُ فِي اللُّغَةِ أَخْذُ الشَّيْءِ فِي الْخُفْيَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُمَثِّلُوا‏)‏ وَهُوَ أَنْ يَقْطَعُوا أَطْرَافَ الْأُسَارَى أَوْ أَعْضَاءَهُمْ كَالْأُذُنِ وَالْأَنْفِ وَاللِّسَانِ وَالْأُصْبُعِ ثُمَّ يَقْتُلُوهُمْ أَوْ يُخَلُّوا سَبِيلَهُمْ وَقِيلَ هُوَ أَنْ يَقْطَعُوا رُءُوسَهُمْ وَيَشُقُّوا أَجْوَافَهُمْ وَيَقْطَعُوا مَذَاكِيرَهُمْ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنَّمَا تُكْرَهُ الْمُثْلَةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ أَمَّا قَبْلَهُ فَلَا بَأْسَ بِهَا قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقْتُلُوا امْرَأَةً وَلَا صَبِيًّا وَلَا مَجْنُونًا وَلَا شَيْخًا فَانِيًا وَلَا أَعْمًى وَلَا مُقْعَدًا‏)‏ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ إلَّا إذَا قَاتَلُوا أَوْ حَرَّضُوا عَلَى الْقِتَالِ وَكَانُوا مِمَّنْ يُطَاعُ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ وَقَوْلُهُ وَلَا شَيْخًا فَانِيًا يَعْنِي الَّذِي لَا رَأْيَ لَهُ فِي الْحَرْبِ أَمَّا إذَا كَانَ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ قُتِلَ ثُمَّ إذَا قُتِلَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دِيَةٌ وَلَا كَفَّارَةٌ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَمْدًا وَعَلَيْهِ الِاسْتِغْفَارُ‏.‏

وَإِذَا لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يُؤْسَرُوا وَيُحْمَلُوا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ إذَا قَدَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَتْرُكُونَهُمْ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ النِّسَاءَ إذَا تُرِكْنَ تَقَوَّى بِهِمْ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَا الصِّبْيَانُ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَكَذَا الْمَعْتُوهُ وَالْأَعْمَى وَالْمُقْعَدُ وَمَقْطُوعُ الْيَدِ وَالرِّجْلِ لَا يُتْرَكُونَ فِي دَارٍ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُمْ يَطَئُونَ النِّسَاءَ فَيَنْسِلُونَ وَفِي ذَلِكَ تَكْثِيرُ عَدَدِ الْكُفَّارِ، وَأَمَّا الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي لَا يُقَاتِلُ وَلَا رَأْيَ لَهُ وَلَا هُوَ مِمَّنْ يُلَقِّحُ فَإِنْشَاءُوا أَسَرُوهُ وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهُ؛ لِأَنَّهُ لَا مَنْفَعَةَ لِلْكُفَّارِ فِيهِ لَا بِرَأْيِهِ وَلَا بِنَسْلِهِ وَكَذَا الْعَجُوزُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي لَا يُرْجَى وِلَادَتُهَا إنْ شَاءُوا أَسَرُوهَا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوهَا وَيَجُوزُ قَتْلُ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ كَالصَّحِيحِ وَكَذَا يَجُوزُ قَتْلُ الْأَخْرَسِ وَالْأَصَمِّ وَأَقْطَعِ الْيَدِ الْيُسْرَى وَأَقْطَعِ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ بِيَمِينِهِ وَيُمْكِنُ الْآخَرَ أَنْ يُقَاتِلَ رَاكِبًا وَكَذَا الْمَرْأَةُ إذَا قَاتَلَتْ يَجُوزُ قَتْلُهَا لِأَنَّهَا إذَا قَاتَلَتْ صَارَتْ كَالرَّجُلِ قَوْلُهُ ‏(‏إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَؤُلَاءِ مِمَّنْ لَهُ رَأْيٌ فِي الْحَرْبِ‏)‏ لِأَنَّ مَنْ لَهُ رَأْيٌ يُسْتَعَانُ بِرَأْيِهِ أَكْثَرُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِمُقَاتَلَتِهِ فَلِهَذَا يُقْتَلُ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِلْكَهُ‏)‏ لِأَنَّ فِي قَتْلِهَا تَفْرِيقًا لِجَمْعِهِمْ وَكَذَا إذَا كَانَ مِلْكُهُمْ صَبِيًّا صَغِيرًا فَأَحْضَرُوهُ مَعَهُمْ الْوَقْعَةَ وَكَانَ فِي قَتْلِهِ تَفْرِيقَ جَمْعِهِمْ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقْتُلُوا مَجْنُونًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ فَيُقْتَلُ دَفْعًا لِشَرِّهِ إلَّا أَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يُقْتَلَانِ إلَّا مَا دَامَا يُقَاتِلَانِ وَيُكْرَهُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبْتَدِئَ أَبَاهُ الْحَرْبِيَّ بِالْقَتْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا‏}‏؛ وَلِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ إحْيَاؤُهُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهِ وَفِي قَتْلِهِ مُنَاقَضَةٌ لِذَلِكَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعَالِجَهُ لِيَقْتُلَهُ غَيْرُهُ كَمَا إذَا ضَرَبَ قَوَائِمَ فَرَسِهِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فَإِنْ قَصَدَ الْأَبُ قَتْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْتُلَهُ لِأَنَّ مَقْصُودَهُ الدَّفْعُ فَأَمَّا مَنْ سِوَى الْوَالِدَيْنِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ كَالْأَبِ سَوَاءٌ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ أَبَاعُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ أَبَاهُ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَلِكَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قَتَلَ أَخَاهُ عُبَيْدَةَ بْنَ عُمَيْرٍ يَوْمَ أُحُدٍ وَكَذَا عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَتَلَ خَالَهُ الْعَاص بْن هِشَامٍ يَوْمَ بَدْرٍقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُصَالِحَ أَهْلَ الْحَرْبِ أَوْ فَرِيقًا مِنْهُمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْمُوَادَعَةَ جِهَادٌ إذَا كَانَتْ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ حَاصِلٌ بِهِ وَقَدْ وَادَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةٌ بِأَنْ يَكُونُوا أَقْوَى مِنْ الْكُفَّارِ فَلَا يَجُوزُ مُصَالَحَتُهُمْ وَمُوَادَعَتُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ‏}‏ أَيْ لَا تَضْعُفُوا عَنْ قِتَالِ الْكُفَّارِ وَتَدْعُوهُمْ إلَى الصُّلْحِ وَأَنْتُمْ الْأَعْلَوْنَ بِمَا وَعَدَكُمْ اللَّهُ مِنْ النَّصْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْكَرَامَةِ فِي الْآخِرَةِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ وَأَنْتُمْ الْغَالِبُونَ وَاَللَّهُ مَعَكُمْ بِالْعَوْنِ وَالنَّصْرِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَطْلُبَ الْمُسْلِمُونَ مُوَادَعَةَ الْمُشْرِكِينَ إذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِنْهُمْ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ الْمُسْلِمُونَ مَالًا عَلَى ذَلِكَ ‏{‏لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْطِي الْمُؤَلَّفَةَ مَالًا لِدَفْعِ ضَرَرِهِمْ عَنْ الْمُسْلِمِينَ‏}‏‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ صَالَحَهُمْ مُدَّةً ثُمَّ رَأَى أَنَّ نَقْضَ الصُّلْحِ أَنْفَعَ نَبَذَ إلَيْهِمْ وَقَاتَلَهُمْ‏)‏ أَيْ طَرَحَ إلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ فَسَخَ الْعَهْدَ الَّذِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ حَتَّى يَبْرَأَ مِنْ الْغَدْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ يَبْلُغُ فِيهَا خَبَرُ النَّبْذِ إلَى جَمِيعِهِمْ وَيُكْتَفَى فِي ذَلِكَ بِمُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ فِيهَا مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ مِنْ إنْفَاذِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ لِأَنَّ بِذَلِكَ يَنْتَفِي الْغَدْرُ وَقَدْ كَانَ ‏{‏النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاهَدَ جَمَاعَةً مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَنْظُرَ فِي عُهُودِهِمْ فَيُقِرَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى عَهْدِهِ إلَى أَنْ تَمْضِيَ وَيَحُطَّ مَنْ كَانَ عَهْدُهُأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَيَرْفَعَ عَهْدَ مَنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهَا إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَقَالَ تَعَالَى ‏{‏بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ إلَى تَمَامِ عَشْرِ آيَاتٍ فَبَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى مَكَّةَ وَمَعَهُ هَذِهِ الْعَشْرُ الْآيَاتُ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ بَرَاءَةٌ وَأَمَرَهُ أَنْ يَقْرَأَهَا عَلَى الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ النَّحْرِ حَيْثُ مُجْتَمَعُهُمْ وَيَنْبِذَ إلَى كُلِّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مُتَوَجِّهًا إلَى مَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ لَا يُبَلِّغُ عَنْك إلَّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِك فَبَعَثَ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَ لَهُ كُنْ أَنْتَ الَّذِي تَقْرَأُ الْآيَاتِ فَسَارَ حَتَّى لَحِقَ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاجْتَمَعَ أَهْلُ الشِّرْكِ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ قَامَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْكُمْ فَقَالُوا بِمَاذَا قَالَ بِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلَّا مُؤْمِنٌ وَلَا يَحُجَّنَّ هَذَا الْبَيْتَ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ‏.‏

وَمَنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَإِنَّ أَجَلَهُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِذَا مَضَتْ فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ثُمَّ قَرَأَ ‏{‏بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ‏}‏ إلَى آخِرِ الْآيَاتِ‏}‏ وَالْبَرَاءَةُ هِيَ رَفْعُ الْعِصْمَةِ وَقَوْلُهُ ‏{‏فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ‏}‏ أَيْ فَسِيرُوا فِيهَا عَلَى الْمَهْلِ وَأَقْبِلُوا وَأَدْبِرُوا آمَنِينَ غَيْرَ خَائِفِينَ مِنْ قَتْلٍ وَلَا أَسْرٍ وَلَا نَهْبٍ إلَى أَنْ تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍفَإِنَّكُمْ وَإِنْ أُجِّلْتُمْ هَذِهِ الْمُدَّةَ فَلَنْ تُعْجِزُوا اللَّهَ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ‏}‏ فِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَفِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ ‏{‏وَأَذَانٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ‏}‏ أَيْ وَإِعْلَامٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إلَى النَّاسِ يَعْنِي الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ ‏{‏أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ‏}‏ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ‏{‏فَإِنْ تُبْتُمْ‏}‏ مِنْ الشِّرْكِ ‏{‏فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ‏}‏ مِنْ الْإِقَامَةِ عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْرَضْتُمْ ‏{‏فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ‏}‏ وقَوْله تَعَالَى ‏{‏إلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ‏}‏ وَهْم حَيٌّ مِنْ كِنَانَةَ عَاهَدَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِأَنْ لَا يُمَالِئُوا عَلَيْهِ عَدُوًّا وَلَا يَأْتِي الْمُسْلِمِينَ مِنْهُمْ أَذًى فَلَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا مِمَّا عَاهَدْتُمُوهُمْ عَلَيْهِ وَلَمْ يُمَالِئُوا عَلَيْكُمْ عَدُوًّا وَكَانَ بَقِيَ لَهُمْ مِنْ عَهْدِهِمْ تِسْعَةُ أَشْهُرٍ فَأَمَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ إلَى مُدَّتِهِمْ‏.‏

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ‏}‏ أَيْ إذَا مَضَتْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي حُرِّمَ الْقِتَالُ فِيهَا بِالْعَهْدِ ‏{‏فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ‏}‏ فِي الْحِلِّ أَوْ فِي الْحَرَمِ ‏{‏وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ‏}‏ وَامْنَعُوهُمْ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ ‏{‏وَاقْعُدُوا‏}‏ لِقِتَالِهِمْ كُلَّ طَرِيقٍ يَأْخُذُونَ فِيهِ إلَى الْبَيْتِ أَوْ إلَى التِّجَارَةِ وَهَذَا أَمْرٌ بِتَضْيِيقِ السُّبُلِ عَلَيْهِمْ وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِيَ شَوَّالٌ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ وَلَيْسَتْ هِيَ الْأَرْبَعَةُ الْحُرُمُ الْمَعْرُوفَةُقَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةٍ قَاتَلَهُمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ يَصِيرُونَ نَاقِضِي الْعَهْدِ وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى وَقْتٍ مَعْلُومٍ فَمَضَى الْوَقْتُ فَقَدْ بَطَلَ الْعَهْدُ بِغَيْرِ نَبْذٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يُغِيرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤَقَّتَ يَبْطُلُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ دَخَلَ إلَيْنَا بِتِلْكَ الْمُوَادَعَةِ فَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي دَارِنَا فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَعُودَ إلَى مَأْمَنِهِ وَلَا يَحِلُّ دَمُهُ وَلَا سَبْيُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا خَرَجَ عَبِيدُهُمْ إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فَهُمْ أَحْرَارٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ أَحْرَزُوا أَنْفُسَهُمْ بِالْخُرُوجِ إلَيْنَا مُرَاغِمِينَ لِمَوَالِيهِمْ وَكَذَا إذَا أَسْلَمُوا هُنَاكَ وَلَمْ يَخْرُجُوا إلَيْنَا وَظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِمْ كَانُوا أَحْرَارًا وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَحَدٍ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ أَنْ يَعْلِفَ الْعَسْكَرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَيَأْكُلُوا مِمَّا وَجَدُوهُ مِنْ الطَّعَامِ‏)‏ كَالْخُبْزِ وَاللَّحْمِ وَالسَّمْنِ وَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ وَلَمْ يُقَيِّدْ الشَّيْخُ ذَلِكَ بِالْحَاجَةِ وَفِيهِ اخْتِلَافٌ فَفِي رِوَايَةٍ يُشْتَرَطُ الْحَاجَةُ كَمَا فِي الثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ بَلْ يَجُوزُ تَنَاوُلُهَا لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي طَعَامِ خَيْبَرَ ‏{‏كُلُوا وَاعْلِفُوا وَلَا تَحْمِلُوا‏}‏ وَكَذَا لَا يَبِيعُوا مِنْهُ بِذَهَبٍ وَلَا فِضَّةٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَيَسْتَعْمِلُوا الْحَطَبَ‏)‏ وَفِي نُسْخَةٍ وَيَسْتَعْمِلُوا الطِّيبَ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَدْهُنُوا بِالدُّهْنِ‏)‏ يَعْنِي الدُّهْنَ الْمَأْكُولَ مِثْلَ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ وَالْخَلِّ وَهُوَ السَّلِيطُ، وَأَمَّا مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْهُ كَالْبَنَفْسَجِ وَدُهْنِ الْوَرْدِ وَمَا أَشْبَهَهُ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَدْهُنُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلزِّينَةِ فَهُوَ كَالثِّيَابِ وَإِنْ دَخَلَ التُّجَّارُ مَعَ الْعَسْكَرِ لَا يُرِيدُونَ الْقِتَالَ لَمْيَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهُ شَيْئًا وَلَا يَعْلِفُوا دَوَابَّهُمْ إلَّا بِالثَّمَنِ لِأَنَّ التَّاجِرَ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ فَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا مِنْهُ أَوْ عَلَفَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَسْتَقِرَّ فِيهِ، وَأَمَّا الْعَسْكَرُ فَلَهُمْ أَنْ يُطْعِمُوا عَبِيدَهُمْ وَنِسَاءَهُمْ وَصِبْيَانَهُمْ لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِمْ فَكَانُوا مِثْلَهُمْ، وَأَمَّا الْأَجِيرُ لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَأْكُلُ لِأَنَّ نَفَقَتَهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الْأُجْرَةَ وَإِنْ دَخَلَ النِّسَاءُ لِمُدَاوَاةِ الْجَرْحَى وَالْمَرْضَى أَكَلْنَ وَعَلَفْنَ وَأَطْعَمْنَ رَقِيقَهُنَّ لِأَنَّ لَهُنَّ حَقًّا فِي الْغَنِيمَةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُرْضَخُ لَهُنَّ فَصِرْنَ كَالرِّجَالِ وَلَوْ أَنَّ الْعَسْكَرَ ذَبَحُوا الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْإِبِلَ فَأَكَلُوا اللَّحْمَ رَدُّوا الْجُلُودَ إلَى الْمَغْنَمِ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ فِي الْأَكْلِ وَالْعَلَفِ فَهِيَ كَالثِّيَابِ قَوْلُهُ ‏(‏وَيُقَاتِلُونَ بِمَا يَجِدُونَهُ مِنْ السِّلَاحِ كُلُّ ذَلِكَ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ‏)‏ يَعْنِي إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ بِأَنْ انْقَطَعَ سَيْفُهُ أَوْ انْكَسَرَ رُمْحُهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِلَاحٌ وَكَذَا إذَا دَعَتْهُ حَاجَةٌ إلَى رُكُوبِ فَرَسٍ مِنْ الْمَغْنَمِ لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ فَإِذَا زَالَتْ الْحَاجَةُ رَدَّهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَسْتَعْمِلَ مِنْ الدَّوَابِّ وَالثِّيَابِ وَالسِّلَاحِ شَيْئًا لِيَقِيَ بِهِ دَابَّتَهُ وَثِيَابَهُ وَسِلَاحَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ إيَّاكُمْ وَرِبَا الْغُلُولِ وَلِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لَكِنْ لَيَصُونَ ثِيَابَهُ وَفَرَسَهُ وَسِلَاحَهُ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ إذَا هَلَكَ مِنْهُ شَيْءٌ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ لَمْ يَسْتَقِرَّ لِلْغَانِمِينَ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَتَمَوَّلُونَهُ‏)‏ يَعْنِي لِكَيْ يَتَمَوَّلُوهُ حَتَّى لَوْ بَاعَ شَيْئًا بِطَعَامٍ جَازَ بِشَرْطِ أَنْ يَأْكُلَهُ وَلَا يَبِيعُهُ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْعُرُوضِ ‏{‏وَسُئِلَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ أَحَدٌ أَحَقُّ بِشَيْءٍ مِنْ الْمَغْنَمِ قَالَ لَا حَتَّى السَّهْمِ يَأْخُذُهُ أَحَدُكُمْ مِنْ جَنْبِهِ فَلَيْسَ هُوَ أَحَقَّ بِهِ مِنْ أَخِيهِ وَأَخَذَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَرَةً مِنْ سَنَامِ بَعِيرٍ فَقَالَ أَيُّهَا النَّاسُ هَذِهِ مِنْ غَنَائِمِكُمْ فَأَدُّوا الْخَيْطَ وَالْمَخِيطَ وَمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا فَوْقَهُ فَإِنَّ الْغُلُولَ عَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَنَارٌ وَشَنَارٌ‏}‏قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَحْرَزَ بِإِسْلَامِهِ نَفْسَهُ وَأَوْلَادَهُ الصِّغَارَ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا وَيَكُونُونَ أَحْرَارًا قَوْلُهُ ‏(‏وَكُلُّ مَالٍ هُوَ فِي يَدِهِ‏)‏ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ‏}‏‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ أَوْ وَدِيعَةٍ فِي يَدِ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ‏)‏ لِأَنَّ مَا فِي يَدِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَهُوَ مُحْرَزٌ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا صَحِيحَةً مُحْتَرَمَةً فَهِيَ كَمَا لَوْ كَانَتْ فِي يَدِهِ إذْ يَدُ مُودِعِهِ يَدٌ لَهُ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي يَدِ حَرْبِيٍّ فَهُوَ فَيْءٌ لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ لَيْسَ لَهُ يَدٌ صَحِيحَةٌ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَعَقَارُهُ فَيْءٌ‏)‏ لِأَنَّ الْعَقَارَ بُقْعَةٌ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ حَقِيقَةً فَكَانَتْ غَنِيمَةً وَالزَّرْعُ إذَا كَانَ غَيْرَ مَحْصُودٍ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْعَقَارِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ مَا كَانَ مَنْقُولًا فَهُوَ لَهُ كَالدَّرَاهِمِ وَالثِّيَابِ وَالْعَبِيدِ وَالْجَوَارِي وَلَا يَكُونُ فَيْئًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَبْدُ يُقَاتِلُ فَإِنَّهُ يَكُونُ فَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَاتَلَ خَرَجَ مِنْ يَدِ الْمَوْلَى، وَأَمَّا مَا كَانَ غَيْرَ مَنْقُولٍ كَالدُّورِ وَالْعَقَارِ وَالزَّرْعِ غَيْرِ الْمَحْصُودِ فَهُوَ فَيْءٌ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْمَنْقُولُ وَغَيْرُ الْمَنْقُولِ سَوَاءٌ وَلَا يَكُونُ فَيْئًا قَوْلُهُ ‏(‏وَزَوْجَتُهُ فَيْءٌ‏)‏ لِأَنَّهَا كَافِرَةٌ حَرْبِيَّةٌ لَا تَتْبَعُهُ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ ‏(‏وَحَمْلُهَا فَيْءٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَا دَامَ مُتَّصِلًا بِأُمِّهِ فَهُوَ كَعُضْوٍ مِنْهَا بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَتْبَعُهَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَالتَّدْبِيرِ وَالْكِتَابَةِ فَقُلْنَا هُوَ رَقِيقٌ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِلْأَبِ فِي الْإِسْلَامِ وَرَقِيقٌ فِي الْحُكْمِ تَبَعًا لِلْأُمِّ وَالْمُسْلِمُ قَدْ يَكُونُ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ تَبَعًا لِغَيْرِهِ بِخِلَافِ الْمُنْفَصِلِ فَإِنَّهُ حُرٌّ لِانْعِدَامِ الْجُزْئِيَّةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ فَيْءٌ‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ حَرْبِيُّونَ وَلَا تَبَعِيَّةَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى حُكْمِ أَنْفُسِهِمْ وَمَنْ قَاتَلَ مِنْ عَبِيدِهِ فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَرَّدَ عَلَى مَوْلَاهُ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ وَصَارَ تَبَعًا لِأَهْلِ الْحَرْبِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُبَاع السِّلَاحُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى قِتَالِنَا لِأَنَّ السِّلَاحَ لَا يَصْلُحُ إلَّا لِلْحَرْبِ وَكَذَا الْحَدِيدُ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ السِّلَاحِ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَيْنَا وَكَذَا لَا يُبَاع مِنْهُمْ رَقِيقُ أَهْلِ الذِّمَّةِ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَعَانُ بِهِمْ عَلَى الْقِتَالِ وَلَوْ دَخَلَ الْحَرْبِيُّ دَارَنَا فَاشْتَرَى سِلَاحًا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يُمَكَّنُ مِنْ إدْخَالِهِ إلَيْهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُفَادَوْنَ بِالْأُسَارَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ يَعْنِي لَا يُفَادَى أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ بِأُسَارَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ عَلَيْنَا وَدَفْعَ شَرِّ حَرْبِهِ خَيْرٌ مِنْ اسْتِنْفَاذِ أَسِيرِنَا قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى بِهِمْ أُسَارَى الْمُسْلِمِينَ‏)‏ لِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ فَهُوَ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ، وَأَمَّا مُفَادَاةُ أُسَارَى الْمُشْرِكِينَ بِمَالٍ نَأْخُذُهُ مِنْهُمْ فَلَا يَجُوزُ فِي الْمَشْهُورِ مِنْ الْمَذْهَبِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَعُونَةِ لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْحَرْبِ وَالْقِتَالِ فَصَارَ كَبَيْعِ السِّلَاحِ مِنْهُمْ بِالْمَالِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَ بِالْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ اسْتِدْلَالًا بِأُسَارَى بَدْرٍ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَادَى الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ الْفَانِيَةُ بِالْمَالِ إذَا كَانَ لَا يُرْجَى مِنْهُمَا الْوَلَدُ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَلَا يُفَادَى بِهِمْ إلَّا أَنْ يَضْطَرَّ الْمُسْلِمُونَ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْفَانِيَ لَا قِتَالَ فِيهِ وَلَا يُولَدُ لَهُ وَلَدٌ فَلَيْسَ فِي رَدِّهِ إلَيْهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ، وَأَمَّا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ فَفِي رَدِّهِمْ مَعُونَةٌ لَهُمْ لِأَنَّ الصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ فَيُقَاتِلُونَ وَالنِّسَاءَ يَلِدْنَ فَيَكْثُرُ نَسْلُهُمْ قَالَ مُحَمَّدٌ وَكَذَلِكَ الْخَيْلُ وَالسِّلَاحُ إذَا أَخَذْنَاهُ مِنْهُمْ فَطَلَبُوا مُفَادَاتَهُ بِالْمَالِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُفْعَلَذَلِكَ لِأَنَّ فِيهِ مَعُونَةً لَهُمْ بِمَا يَخْتَصُّ بِالْقِتَالِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ‏)‏ ‏(‏الْمَنُّ عَلَيْهِمْ‏)‏ أَيْ عَلَى الْأُسَارَى بِأَنْ يُطْلِقَهُمْ مَجَّانًا مِنْ غَيْرِ خَرَاجٍ وَلَا جِزْيَةٍ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَسْرِ ثَبَتَ حَقُّ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ فَلَا يَجُوزُ إسْقَاطُهُ مِنْهُمْ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَأَمَّا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي الطَّبَرَانِيَّ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ لَا يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا‏)‏ ‏(‏فَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا عَنْوَةً‏)‏ أَيْ قَهْرًا ‏(‏فَهُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ‏)‏ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ شَاءَ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ وَعَلَى أَرَاضِيِهِمْ الْخَرَاجَ‏)‏ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ بِمُوَافَقَةِ الصَّحَابَةِ وَقِيلَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَسِّمَهَا عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَأَنْ يَتْرُكَ قِسْمَتَهَا عِنْدَ عَدَمِ حَاجَتِهِمْ وَهَذَا فِي الْعَقَارِ أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِرَدِّهِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَهُوَ فِي الْأُسَارَى بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ قَتَلَهُمْ‏)‏ إلَّا أَنْ يُسْلِمُوا لِأَنَّ فِي قَتْلِهِمْ حَسْمَ مَادَّةِ الْفَسَادِ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ لِمَا يَخَافُ مِنْ غَدْرِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ شَاءَ اسْتَرَقَّهُمْ‏)‏ سَوَاءٌ أَسْلَمُوا أَوْ لَمْ يُسْلِمُوا إذَا كَانُوا مِمَّنْ يَجُوزُ اسْتِرْقَاقُهُمْ بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ الْعَرَبِ وَأَيُّ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتَلَ أَسِيرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يَقْسِمُوا وَقَبْلَ أَنْ يُسْلِمُوا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ دِيَةٍ وَلَا قِيمَةٍ وَلَا كَفَّارَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ فَإِنْ قَسَّمَهُمْ الْإِمَامُ أَوْ بَاعَهُمْ حُرِّمَتْ دِمَاؤُهُمْ فَإِنْ قَتَلَهُمْ قَاتِلٌ غَرِمَ قِيمَتَهُمْ وَوَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إذَا قَتَلَهُمْ خَطَأً لِأَنَّ الْقِسْمَةَ وَالْبَيْعَ تَقْرِيرٌ لِلرِّقِّ فِيهِمْ وَإِسْقَاطٌ لِحُكْمِ الْقَتْلِ عَنْهُمْ فَصَارَ الْقَاتِلُ جَانِيًا كَمَنْ قَتَلَ عَبْدَ غَيْرِهِ وَلَا يَجِبُعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ الَّتِي كَانَتْ فِي الْأَصْلِ شُبْهَةٌ وَالْقِصَاصُ يَسْقُطُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ أَسْلَمَ الْأَسِيرُ قَبْلَ أَنْ يُقَسِّمَ حُرِّمَ دَمُهُ وَقُسِّمَ فِي الْغَنِيمَةِ لِأَنَّ الْقَتْلَ عُقُوبَةٌ عَلَى الْكُفْرِ فَيَرْتَفِعُ بِالْإِسْلَامِ، وَأَمَّا الْقِسْمَةُ فَلِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي الِاسْتِرْقَاقَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ‏)‏ إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَإِنَّهُ لَا يَتْرُكُهُمْ وَإِنَّمَا لَهُمْ الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِمَا بَيَّنَّا مِنْ قَبْلُ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَرُدَّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ‏)‏ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ أَسْلَمُوا لَا يَقْتُلُهُمْ وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِقَّهُمْ تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ بَعْدَ انْعِقَادِ السَّبَبِ وَهُوَ الْأَخْذُ بِخِلَافِ إسْلَامِهِمْ قَبْلَ الْأَخْذِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْعَقِدْ السَّبَبُقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ذَبَحَهَا وَحَرَقَهَا‏)‏ لِأَنَّ ذَبْحَ الْحَيَوَانِ يَجُوزُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ وَلَا غَرَضَ أَصَحُّ مِنْ كَسْرِ شَوْكَةِ أَعْدَاءِ اللَّهِ، وَأَمَّا تَحْرِيقُهَا بَعْدَ الذَّبْحِ فَلِقَطْعِ مَنْفَعَةِ الْكُفَّارِ بِلُحُومِهَا وَجُلُودِهَا وَلَا يَجُوزُ تَحْرِيقُهَا قَبْلَ الذَّبْحِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَلَا يَعْقِرُهَا؛ لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا‏)‏ مَعْنَاهُ لَا يَعْقِرُهَا وَلَا يَتْرُكُهَا مَعْقُورَةً وَلَا يَتْرُكُهَا ابْتِدَاءً بِدُونِ الْعَقْرِ فَهَاتَانِ مَسْأَلَتَانِ لَا مَسْأَلَةٌ وَاحِدَةٌ وَقَوْلُهُ وَلَا يَعْقِرُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَعْقِرُهَا وَقَوْلُهُ وَلَا يَتْرُكُهَا احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِنْدَهُ يَتْرُكُهَا مِنْ غَيْرِ عَقْرٍ وَلَا ذَبْحٍ وَمَا كَانَ مِنْ سِلَاحٍ يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ حَرَقَهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ تَحْرِيقُهُ كَالْحَدِيدِ فَإِنَّهُ يَدْفِنُهُ فِي مَوْضِعٍ لَا يَجِدُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ وَكَذَلِكَ يُكَسِّرُ آنِيَتَهُمْ وَأَثَاثَهُمْ بِحَيْثُ لَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ وَيُرَاقُ جَمِيعُ أَدْنَانِهِمْ وَجَمِيعُ الْمَائِعَاتِ مُغَايَظَةً لَهُمْ، وَأَمَّا السَّبْيُ إذَا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَى نَقْلِهِمْ فَإِنَّهُ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ وَالشُّيُوخَ فِي أَرْضٍ مُضَيِّعَةٍ لِيَهْلِكُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَكَذَا إذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَيَكْسِرُونَ أَنْيَابَ الْحَيَّةِ وَلَا يَقْتُلُونَهُمَا قَطْعًا لِضَرَرِهِمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا دَامُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَإِبْقَاءً لِنَسْلِهِمَا كَذَا فِي الْمُحِيطِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ‏)‏ الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْكَرَاهَةُ لَا عَدَمُ الْجَوَازِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بَأْسَ بِقِسْمَتِهَا هُنَاكَقَوْلُهُ ‏(‏وَالرِّدْءُ وَالْمُبَاشِرُ سَوَاءٌ‏)‏ الرِّدْءُ الْمُعِينُ النَّاصِرُ يُقَالُ فُلَانٌ رِدْءُ فُلَانٍ إذَا كَانَ يَنْصُرُهُ وَيَشُدُّ ظَهْرَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءًا‏}‏ أَيْ عَوْنًا وَالْمُبَاشِرُ هُوَ الَّذِي يُبَاشِرُ الْقِتَالَ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ لَحِقَهُمْ مَدَدٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِزُوا الْغَنِيمَةَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ شَارَكُوهُمْ فِيهَا‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَوْ قَبْلَ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا حَقَّ لِأَهْلِ سُوقِ الْعَسْكَرِ فِي الْغَنِيمَةِ إلَّا أَنْ يُقَاتِلُوا‏)‏ وَكَذَا لَا يُسْهِمُ لِلتَّاجِرِ وَلَا لِلْأَجِيرِ فَإِنْ قَاتَلَ التَّاجِرُ مَعَ الْعَسْكَرِ أُسْهِمَ لَهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا الْأَجِيرُ إنْ تَرَكَ خِدْمَةَ صَاحِبِهِ وَقَاتَلَ مَعَ الْعَسْكَرِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْخِدْمَةَ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ دَخَلَ عَلَى نِيَّةِ الْقِتَالِ اسْتَحَقَّ السَّهْمَ سَوَاءٌ قَاتَلَ أَمْ لَا وَمَنْ دَخَلَ لِغَيْرِ الْقِتَالِ لَا يُسْهَمُ لَهُ إلَّا أَنْ يُقَاتِلَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ وَمَنْ دَخَلَ لِيُقَاتِلَ فَلَمْ يُقَاتِلْ لِمَرَضٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلَهُ سَهْمُهُ إنْ كَانَ فَارِسًا فَفَارِسٌ أَوْ رَاجِلًا فَرَاجِلٌ وَكَذَا إذَا دَخَلَ مُقَاتِلًا فَأُسِرَ ثُمَّ تَخَلَّصْ قَبْلَ إخْرَاجِ الْغَنِيمَةِ فَلَهُ سَهْمُهُقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَمِنَ رَجُلٌ حُرٌّ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ كَافِرًا أَوْ جَمَاعَةً أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ صَحَّ أَمَانُهُمْ‏)‏ أَمَّا أَمَانُ الرَّجُلِ لِوَاحِدٍ فَلِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏الْمُسْلِمُونَ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَيَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ‏}‏ أَيْ أَقَلُّهُمْ وَهُوَ الْوَاحِدُ وَمَعْنَى تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ أَنَّ دَمَ الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ فِي الْقِصَاصِ وَالدِّيَةِ سَوَاءٌ وَمَعْنَى قَوْلِهِ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ أَيْ يُقَاتِلُونَ مَنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا أَوْ يُؤَدُّوا الْجِزْيَةَ، وَأَمَّا أَمَانُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ جَائِزٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ‏{‏زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّنَتْ زَوْجَهَا أَبَا الْعَاصِ وَأَجَازَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَانَهَا‏}‏ فَقَالَ قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ أَجَازَتْ حَمَوَيْنِ لَهَا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ فَتَفَلَّتَ أَخُوهَا عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ عَلَيْهِمَا لِيَقْتُلَهُمَا وَقَالَ أَتُجِيرِينَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ وَاَللَّهِ لَا تَقْتُلُهُمَا حَتَّى تَقْتُلَنِي قَبْلَهُمَا ثُمَّ أَغْلَقَتْ دُونَهُ الْبَابَ وَمَضَتْ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَقِيت مِنْ ابْنِ أَبِي وَأُمِّي وَذَكَرَتْ لَهُ الْقِصَّةَ فَقَالَ مَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ قَدْ أَجَرْنَا مِنْ أَجَرْت وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْت‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قِتَالُهُمْ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهِ مَفْسَدَةٌ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ الْإِمَامُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يَلْحَقُ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ وَهَنٌ وَمَذَلَّةٌ كَانَ لِلْإِمَامِ نَقْضُهُ فَيَنْبِذُ إلَيْهِمْ كَمَا إذَا أَمَّنَهُمْ الْإِمَامُ بِنَفْسِهِ قَالَ فِي الْكَرْخِيِّ وَالْمُرَاهِقُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ عِنْدَ أَبِيحَنِيفَةَ حَتَّى يَبْلُغَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ كَالْبَالِغِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْعُقُودَ وَالْأَمَانُ عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ ذِمِّيٍّ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يَقْصِدُ تَقْوِيَةَ الْكُفَّارِ وَإِظْهَارَ كَلِمَتِهِمْ؛ وَلِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا الْأَسِيرِ وَلَا التَّاجِرِ الَّذِي يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ‏)‏ وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْلَمَ هُنَاكَ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ يَضْطَرُّونَ إلَى مَا يُرِيدُهُ الْكُفَّارُ لِيَتَخَلَّصُوا بِذَلِكَ مِنْ الضَّرَرِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ أَمَانُ الْعَبْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ مَوْلَاهُ فِي الْقِتَالِ‏)‏ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ الْقِتَالَ بِنَفْسِهِ فَهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ فَلَا يَصِحُّ أَمَانُهُ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْوِلَايَةَ فَصَارَ كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَصِحُّ أَمَانُهُ‏)‏ أَذِنَ لَهُ فِي الْقِتَالِ أَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانَ الْأَمَانَ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدٌ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا الْكَلَامَ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا غَلَبَ التُّرْكُ عَلَى الرُّومِ فَسَبَوْهُمْ وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ مَلَكُوهَا‏)‏ يَعْنِي أَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ وَاسْتَرَقُّوا أَوْلَادَهُمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَ ذَلِكَ وَإِنْ قُطِعَ حَقُّ الْأَوَّلِينَ عَنْهَا فَصَارَتْ مَالًا لَهُمْ وَكَذَا إذَا غَلَبَ الرُّومُ عَلَى التُّرْكِ فَهُوَ كَذَلِكَ وَالتُّرْكِيُّ حَرْبِيٌّ مِثْلُ الرُّومِيِّ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ غَلَبْنَا عَلَى التُّرْكِ حَلَّ لَنَا مَا نَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ‏)‏ أَيْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَوْلَادِهِمْ وَلَا يَمْنَعُ صُلْحُنَا مَعَ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْأَخْذَ مِنْهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشِّرَاءِ وَلَوْ اشْتَرَيْنَاهُ مِنْهُمْ مَلَكْنَاهُ فَكَذَا إذَا غَلَبْنَاهُمْ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِنَا وَأَحْرَزُوهَا بِدَرَاهِم مَلَكُوهَا‏)‏ اعْلَمْ أَنَّ الْكُفَّارَ إذَا غَلَبُوا عَلَى أَمْوَالِ الْمُسْلِمِينَ وَأَحْرَزُوهَا بِدَارِهِمْ مَلَكُوهَا عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ثُمَّ عِنْدَنَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يُسْلِمُوا وَيَغْلِبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِهَا عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ‏}‏ وَإِنْ غَلَبَهُمْ الْمُسْلِمُونَ وَاسْتَنْفَذُوهَا مِنْ أَيْدِيهمْ فَإِنْ جَاءَ أَرْبَابُهَا فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا وَهُوَ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُونَ فَوَجَدُوهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَهِيَ لَهُمْ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ أَحَبُّوا‏)‏، وَأَمَّا إذَا كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُهُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ رَدُّوا مِثْلَهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ مِنْ رَجُلٍ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي بَاعَهُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرٌ فَاشْتَرَى ذَلِكَ بِثَمَنٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَالِكُهُ الْأَوَّلُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ بِالثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُالتَّاجِرُ بِهِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ‏)‏ لِأَنَّ التَّاجِرَ يَتَضَرَّرُ بِأَخْذِهِ مِنْهُ مَجَّانًا؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ فِيهِ فَكَانَ أَعْدَلَ النَّظَرِ فِيمَا قُلْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِعَرَضٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَرَضِ وَإِنْ اشْتَرَاهُ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَإِنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَمْلِكُ عَلَيْنَا أَهْلُ الْحَرْبِ بِالْغَلَبَةِ مُدَبَّرِينَا وَأُمَّهَاتِ أَوْلَادِنَا وَمُكَاتَبِينَا وَأَحْرَارَنَا وَنَمْلِكُ عَلَيْهِمْ جَمِيعَ ذَلِكَ‏)‏ لِأَنَّ أَحْرَارَهُمْ يَجُوزُ أَنْ يُمْلَكُوا بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَكَذَا بِالسَّبْيِ لِأَنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ وَجَعَلَهُمْ أَرِقَّاءَ وَمُدَبَّرُونَا وَمُكَاتَبُونَا وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِنَا قَدْ تَعَلَّقَ بِهِمْ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ فَكَذَا لَا يَجُوزُ سَبْيُهُمْ فَلِهَذَا لَمْ يَدْخُلُوا تَحْتَ مِلْكِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا أَبَقَ عَبْدُ الْمُسْلِمِ فَدَخَلَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ لَمْ يَمْلِكُوهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمَّا خَرَجَ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ زَالَتْ يَدُ مَوْلَاهُ عَنْهُ لِامْتِنَاعِ أَنْ تَبْقَى يَدُهُ مَعَ اخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَحَصَلَ الْعَبْدُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَإِذَا ظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ صَارَتْ مَعْصُومَةً فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلتَّمَلُّكِ فَإِذَا لَمْ يَمْلِكُوهُ كَانَ لِصَاحِبِهِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ عِنْدَهُ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَمْلِكُونَهُ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ فَصَارَ كَالْبَعِيرِ أَوْ الْفَرَسِ إذَا نَدَّ إلَيْهِمْ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ نَدَّ إلَيْهِمْ بَعِيرٌ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ‏)‏ لِتَحَقُّقِ الِاسْتِيلَاءِ إذْ لَا يَدَ لِلْعَجْمَاءِ تَظْهَرُ عِنْدَ الْخُرُوجِ فَإِذَا أَخَذُوهُ صَارُوا آخِذِينَ لَهُ مِنْ يَدِ صَاحِبِهِ فَلِذَلِكَ مَلَكُوهُ بِخِلَافِ الْعَبْدِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ اشْتَرَاهُ رَجُلٌ وَدَخَلَ بِهِ دَارَ الْإِسْلَامِ فَصَاحِبُهُ يَأْخُذُهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِنْ أَبَقَ عَبْدٌ إلَيْهِمْ وَذَهَبَ مَعَهُ بِفَرَسٍ أَوْ مَتَاعٍ فَأَخَذَ الْمُشْرِكُونَ ذَلِكَ كُلَّهُ وَاشْتَرَى رَجُلٌ ذَلِكَ كُلَّهُ وَأَخْرَجَهُ إلَيْنَا فَإِنَّ الْمَوْلَى يَأْخُذُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ شَيْءٍ وَالْفَرَسَ وَالْمَتَاعَ بِالثَّمَنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ وَمَا مَعَهُ بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّدَارَنَا بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَ الْحَرْبِ عَتَقَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ عَنْ ذُلِّ الْكَافِرِ وَاجِبٌ فَيُقَامُ الشَّرْطُ وَهُوَ تَبَايُنُ الدَّارَيْنِ مُقَامَ الْعِلَّةِ وَهِيَ تَخْلِيصُنَا لَهُ كَمَا تُقَامُ ثَلَاثُ حِيَضٍ مَقَامَ التَّفْرِيقِ فِيمَا إذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ فِي دَارِ الْحَرْبِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَعْتِقُقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ حَمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنِيمَةَ قَسَّمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ‏)‏ لَا قِسْمَةَ تَمْلِيكٍ ‏(‏لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَرْتَجِعُهَا مِنْهُمْ وَيَقْسِمُهَا‏)‏ هَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مُطْلَقًا وَلَمْ يَشْتَرِطْ رِضَاهُمْ وَهِيَ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا وَجَدَ فِي الْمَغْنَمِ حَمُولَةً حَمَلَ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ لِأَنَّ الْحَمُولَةَ وَالْمَحْمُولَ مَالٌ لَهُمْ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمَالِ حَمُولَةٌ حَمَلَهَا عَلَيْهَا لِأَنَّهَا مَالُ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ كَانَتْ الدَّوَابُّ لِلْغَانِمَيْنِ أَوْ لِبَعْضِهِمْ فَإِنَّهُ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى حَمْلِهَا عَلَى دَوَابِّهِمْ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ بَلْ يَسْتَأْجِرُهَا مِنْهُمْ لِذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ صَاحِبُهَا لَمْ يَحْمِلْهَا عَلَيْهَا‏.‏

وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَحْمِلُهَا عَلَيْهَا بِالْأَجْرِ وَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ الضَّرَرِ الْعَامِّ بِتَحَمُّلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ وَإِنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ يَقْدِرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى حَمْلِهِ قَسَّمَهَا بَيْنَهُمْ قِسْمَةَ إيدَاعٍ وَإِنْ كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْحَمْلِ وَلَا يَجِدُونَ الدَّوَابَّ بِالْإِجَارَةِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقْتُلُ الرِّجَالَ إذَا كَانُوا لَمْ يُسْلِمُوا وَيَتْرُكُ النِّسَاءَ وَالذَّرَارِيَّ وَالشُّيُوخَ فِي الطَّرِيقِ لِيَمُوتُوا جُوعًا وَعَطَشًا وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ وَيُحَرِّقُهَا بِالنَّارِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لِأَحَدٍ فِيهَا قَبْلَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِالطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِلْحَاجَةِ وَمَنْ أُبِيحَ لَهُ تَنَاوُلُ شَيْءٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ كَمَنْ أَبَاحَ طَعَامًا لِغَيْرِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْغَنِيمَةِ‏)‏ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ لَا يَثْبُتُ فِيهَا مَا لَمْ يُحْرِزُوهَا بِدَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يَمْلِكُونَهَا إلَّا بِالْقِسْمَةِ فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْهَا شَيْئًا قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ مَاتَ مِنْهُمْ بَعْدَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَنَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَاتَ بَعْدَ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِيهَاقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ أَنْ يُنْفِلَ الْإِمَامُ فِي حَالِ الْقِتَالِ وَيُحَرِّضَ بِالنَّفْلِ عَلَى الْقَتْلِ‏)‏ ذَكَرَهُ بِلَفْظٍ لَا بَأْسَ بِهِ‏.‏ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ التَّحْرِيضُ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ‏}‏ أَيْ رَغِّبْهُمْ وَالتَّحْرِيضُ التَّرْغِيبُ فِي الشَّيْءِ وَالتَّنْفِيلُ نَوْعُ تَحْرِيضٍ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ الشُّجْعَانَ يَرْغَبُونَ فِي ذَلِكَ فَيُخَاطِرُونَ بِأَنْفُسِهِمْ وَيُقْدِمُونَ عَلَى الْقِتَالِ قَوْلُهُ ‏(‏فَيَقُولُ مَنْ قَتَلَ‏)‏ مِنْكُمْ ‏(‏قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ‏)‏ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ التَّنْفِيلُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ أَوْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَمْلِكُ الْإِمَامُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِأَجْلِ التَّحْرِيضِ عَلَى الْقِتَالِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ لَا تَحْرِيضَ ثُمَّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ فَهُوَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَمَّا أَنْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ أَوْ يَقُولَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا وَلَمْ يَقُلْ مِنْكُمْ أَمَّا إذَا قَالَ مَنْ أَخَذَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ تَحْتَ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا دَخَلَ الْإِمَامُ تَحْتَ ذَلِكَ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا دَخَلَ هُوَ حَتَّى لَوْ قَتَلَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَلَهُ سَلَبُهُ‏.‏

وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ فَإِنَّ الْإِمَامَ لَا يَدْخُلُ ثُمَّ إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ قَتِيلًا فَقَتَلَ رَجُلٌ رَجُلَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَهُ سَلَبُ الْكُلِّ وَإِنْ كَانَ رَجُلَانِ أَوْ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ قَتَلُوا رَجُلًا فَإِنَّك تَنْظُرُ إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُبَارِزًا يُقَاوِمُ كُلًّا مِنْهُمْ كَانَ لَهُ سَلَبُهُ وَإِنْ كَانَ لَا يُقَاوِمُهُمْ صَارَ عَاجِزًا فَلَا يَسْتَحِقُّونَ سَلَبَهُ وَيَكُونُ غَنِيمَةً لِجَمِيعِ الْجَيْشِ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَايَقُولُ هَذَا لِإِظْهَارِ الْجَلَادَةِ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَلَا جَلَادَةَ فِي قَتْلِهِ وَقَوْلُهُ قَتِيلًا سَمَّاهُ قَتِيلًا وَهُوَ حَيٌّ اعْتِبَارًا بِمَا يَئُولُ إلَيْهِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى ‏{‏قَالَ أَحَدُهُمَا إنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا‏}‏ وَإِنَّمَا يَعْصِرُ عِنَبًا لَكِنَّهُ لَمَّا كَانَ يَئُولُ إلَى الْخَمْرِ سُمِّيَ خَمْرًا وَلَوْ قَتَلَهُ رَجُلَانِ اشْتَرَكَا فِي سَلَبِهِ فَإِنْ بَدَا أَحَدُهُمَا فَضَرَبَهُ ثُمَّ أَجْهَزَهُ الْآخَرُ إنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ أَثْخَنَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُقَاتِلَ وَلَا يُعِينَ بِقَوْلٍ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَقْتُولِ وَإِنْ كَانَ ضَرْبُ الْأَوَّلِ لَمْ يُصَيِّرْهُ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ ‏{‏مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ ضَرَبَ مَرْحَبًا فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ وَضَرَبَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عُنُقَهُ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَرَدْت قَتْلَهُ لَقَتَلْته وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ أُعَذِّبَهُ كَمَا عَذَّبَ أَخِي فَأَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَبَهُ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ‏}‏ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ضَرْبَهُ جَعَلَهُ بِحَيْثُ لَا يُقَاتِلُ وَلَا يُعِينُ عَلَى الْقِتَالِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِذَا لَمْ يُجْعَلْ السَّلَبُ لِلْقَاتِلِ فَقَتَلَ رَجُل قَتِيلًا فَسَلَبُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَوْلُهُ ‏(‏أَوْ يَقُولُ لِلسَّرِيَّةِ قَدْ جَعَلْت لَكُمْ الرُّبْعَ بَعْدَ الْخُمُسِ‏)‏ أَيْ بَعْدَ مَا يَرْفَعُ الْخُمْسَ وَكَذَا إذَا قَالَ الثُّلُثُ بَعْدَ الْخُمْسِ أَوْ النِّصْفُ بَعْدَ الْخُمْسِ مَعْنَاهُ أَنْتُمْ مُنْفَرِدُونَ بِالرُّبْعِ مِنْ جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ خُمْسُ ذَلِكَ وَيَكُونُ لَهُمْ مَا سُمِّيَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَ الْخُمْسِ وَمَا زَادَ عَلَى مَا سُمِّيَ لَهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَسْكَرَ فِيهِ وَإِنْ قَالَ فَلَكُمْ الرُّبْعُ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمْسِ لَمْ يُخَمَّسْ الرُّبْعُ وَصَارَ لَهُمْ النَّفَلُ بِخَمْسَةٍ وَكَذَا إذَا قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ لَمْيُخَمِّسْ الْأَسْلَابَ وَإِنْ قَالَ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ بَعْدَ الْخُمْسِ خَمَّسَ الْأَسْلَابَقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُنْفِلُ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إلَّا مِنْ الْخُمْسِ‏)‏ لِأَنَّهَا إذَا أُحْرِزَتْ تَعَلَّقَ بِهَا حَقُّ جَمِيعِ الْجَيْشِ، وَأَمَّا الْخُمْسُ فَلَا حَقَّ لِلْجَيْشِ فِيهِ فَيَجُوزُ التَّنْفِيلُ مِنْهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا لَمْ يَجْعَلْ السَّلَبَ لِلْقَاتِلِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْغَنِيمَةِ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ‏)‏‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا قَتَلَ كَافِرًا مُقْبِلًا غَيْرَ مُدْبِرٍ فَلَهُ سَلَبُهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَالسَّلَبُ مَا عَلَى الْمَقْتُولِ مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَرْكَبِهِ‏)‏ وَكَذَا مَا عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ السَّرْجِ وَالْآلَةِ وَمَا مَعَهُ عَلَى مَرْكَبِهِ مِنْ مَالِهِ فِي حَقِيبَتِهِ أَوْ عَلَى وَسَطِهِ، وَأَمَّا جَنِيبُهُ وَغُلَامُهُ وَمَا كَانَ مَعَ غُلَامِهِ عَلَى دَابَّةٍ أُخْرَى وَمَا كَانَ عَلَى فَرَسٍ آخَرَ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِسَلَبٍ وَهُوَ غَنِيمَةٌ لِجَمِيعِ الْجَيْشِ وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ مَالِكٍ بَارَزَ الْمَرْزُبَانَ فَقَتَلَهُ وَأَخَذَ سَلَبَهُ فَكَانَ عَلَيْهِ مِنْطَقَةٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهَا جَوْهَرٌ فَقُوِّمَ عَلَيْهِ فَبَلَغَ ثَلَاثِينَ أَلْفًا فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّا كُنَّا لَا نُخَمِّسُ الْأَسْلَابَ وَإِنَّ هَذَا بَلَغَ مَالًا عَظِيمًا وَإِنَّا نَأْخُذُ خُمْسَهُقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَعْلِفُوا مِنْ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَأْكُلُوا مِنْهَا شَيْئًا‏)‏ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ وَالْحَاجَةَ إلَى ذَلِكَ قَدْ ارْتَفَعَتْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُمْ يَجِدُونَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ الطَّعَامَ وَالْعَلَفَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ التَّنَاوُلُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ فَضَلَ مَعَهُ عَلَفٌ أَوْ طَعَامٌ رَدَّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ‏)‏ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ قَدْ ارْتَفَعَتْ فَإِنْ انْتَفَعُوا بِشَيْءٍ مِنْ أَكْلٍ أَوْ عَلَفٍ فَيَنْبَغِي لِمَنْ كَانَ غَنِيًّا أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَوْ رَدُّ قِيمَتِهِ فِي الْمَغْنَمِ إنْ كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَدَّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَلَمْ يَلْزَمْهُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا يَرُدُّهُ الْغَنِيُّ إذَا كَانَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ رَدُّهُ إلَى الْغَنِيمَةِ، وَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَقَدْ يَعْذُرُ إيصَالُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لِتَفَرُّقِ الْغَانِمِينَ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ فَيَرُدُّهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَمُوجِبُهُ التَّصَدُّقُ وَهُوَ مَحَلٌّ لِلتَّصَدُّقِ؛ لِأَنَّهُ فَقِيرٌقَوْلُهُ ‏(‏وَيَقْسِمُ الْإِمَامُ الْغَنِيمَةَ فَيُخْرِجُ خُمُسَهَا‏)‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَقْسِمُ الْأَرْبَعَةَ أَخْمَاسٍ بَيْنَ الْغَانِمِينَ لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ‏)‏ يَعْنِي سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ ‏(‏وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏)‏ وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ وَهُوَ قَوْلُ الْعِرَاقِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ وَالْبَصْرِيِّينَ قَوْلُهُ ‏(‏وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لِلْفَارِسِ ثَلَاثُ أَسْهُمٍ‏)‏ مَعْنَاهُ سَهْمٌ لَهُ وَسَهْمَانِ لِفَرَسِهِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْحِجَازِ لِأَنَّ مُؤْنَةَ الْفَرَسِ أَكْثَرُ مِنْ مُؤْنَةِ الْآدَمِيِّ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ سَهْمُهُ أَكْثَرَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَمْنَعُ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْفَرَسِ؛ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَاتِ كَالْقَوْسِ وَالرُّمْحِ وَالسَّيْفِ وَالنَّصْلِ وَإِنَّمَا تُرِكَ الْقِيَاسُ لِلْخَبَرِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي بَعْضِهَا أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ‏}‏ وَرُوِيَ ‏{‏أَنَّهُ أَعْطَاهُ ثَلَاثَةً‏}‏ فَلَمَّا اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ أُسْقِطَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ وَأُثْبِتَ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْفَارِسِ أَعْظَمُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْفَرَسِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْفَرَسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُقَاتِلُ وَالْفَارِسَ بِانْفِرَادِهِ يُقَاتِلُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْتَحِقَّ بِالْفَرَسِ أَكْثَرَ مِمَّا يَسْتَحِقُّ بِصَاحِبِهِ‏.‏

وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا فَضْلَ لِبَهِيمَةٍ عَلَى إنْسَانٍ وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسَّمَ غَنَائِمَ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَكَانَ الْجَيْشُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ مِنْهَا ثَلَاثُمِائَةِ فَارِسٍ وَأَلْفٌ وَمِائَتَا رَاجِلٍ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ سَهْمًا لَهُ وَسَهْمًا لِفَرَسِهِ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا وَاحِدًا‏}‏ وَوَجْهُ التَّخْرِيجِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ أَنَّكَ تَقُولُ الرَّجَّالَةُ اثْنَا عَشَرَ مِائَةً فَيَجْعَلُهَا اثْنَيْ عَشَرَ سَهْمًا كُلَّمِائَةٍ سَهْمًا وَتَقُولُ الْفُرْسَانُ ثَلَاثُمِائَةٍ فَتَجْعَلُهَا ثَلَاثَةً مِنْ الْعَدَدِ كُلُّ مِائَةٍ وَاحِدًا ثُمَّ تُضَعِّفُ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَهْمَيْنِ فَتَكُونُ سِتَّةً وَتَضُمُّهَا إلَى اثْنَيْ عَشَرَ تَكُونُ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَكُونُ لَلْفُرْسَانِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ ثُلُثُ الْجَمِيعِ وَلِلرَّجَّالَةِ الثُّلُثَانِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُسْهَمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ‏)‏ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَالْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةَ لِأَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى فَرَسَيْنِ أَحَدُهُمَا يَرْكَبُهُ وَالْآخَرُ يَكُونُ جَنِيبَهُ فَإِذَا أَعْيَا الَّذِي تَحْتَهُ رَكِبَ الْآخَرَ فَقَاتَلَ عَلَيْهِ وَلَهُمْ مَا رُوِيَ أَنَّ ‏{‏الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ حَضَرَ يَوْمَ خَيْبَرَ بِأَفْرَاسٍ فَلَمْ يُسْهِمْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ‏}‏ وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَكُونُ إلَّا عَلَى فَرَسٍ وَاحِدٍ وَلَا يَكُونُ عَلَى فَرَسَيْنِ دُفْعَةً وَاحِدَةً‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَالْبَرَاذِينُ وَالْعُتَّاقُ سَوَاءٌ‏)‏ لِأَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَشْتَمِلُ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ وَالْإِرْهَابُ مُضَافٌ إلَى جَمِيعِ جِنْسِ الْخَيْلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ‏}‏ وَاسْمُ الْخَيْلِ يُطْلَقُ عَلَى الْبَرَاذِينِ وَالْعُتَّاقِ وَالْهَجِينِ وَالْمُقْرِفِ إطْلَاقًا وَاحِدًا وَلِأَنَّ الْعَتِيقَ إذَا كَانَ فِي الطَّلَبِ وَالْهَرَبِ أَقْوَى فَالْبِرْذَوْنُ أَصْبَرُ وَأَلْيَنُ عَطْفًا فَفِي كُلٍّ مِنْهُمْ مَنْفَعَةٌ فَاسْتَوَى الْبِرْذَوْنُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَالْعَتِيقُ الَّذِي لَا دَنَاءَةَ فِيهِ لَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهِ وَلَا مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ بَلْ كِلَاهُمَا عَرَبِيَّانِ وَالْهَجِينُ الَّذِي فِيهِ الدَّنَاءَةُ مِنْ قِبَلِ أُمِّهِ وَالْمُقْرِفُ دَنِيءُ الْأَبَوَيْنِ جَمِيعًا بِأَنْ يَكُونَا أَعْجَمِيَّيْنِ وَفِي الصِّحَاحِ الْمُقْرِفُ هُوَ الدَّنِيءُ الْهُجْنَةِ مِنْ الْفَرَسِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ الَّذِي أُمُّهُ عَرَبِيَّةٌ وَأَبُوهُلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِقْرَافَ إنَّمَا هُوَ مِنْ قِبَلِ الْفَحْلِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُسْهِمُ لِرَاحِلَةٍ وَلَا بَغْلٍ‏)‏ يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ بَعِيرٌ أَوْ بَغْلٌ أَوْ حِمَارٌ فَهُوَ وَالرَّاجِلُ سَوَاءٌ لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي فِي الْخَيْلِ مَعْدُومٌ فِيهِمْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَمَنْ دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ‏)‏ وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهِمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَوْلُهُ فَنَفَقَ أَيْ مَاتَ يُقَالُ نَفَقَتْ الدَّابَّةُ وَمَاتَ الْإِنْسَانُ وَتَنْبَلَ الْبَعِيرُ كُلُّهُ بِمَعْنَى هَلَكَ وَسَوَاءٌ بَقِيَ فَرَسُهُ مَعَهُ حَتَّى حَصَلَتْ الْغَنِيمَةُ أَوْ مَاتَ حِينَ دَخَلَ بِهِ أَوْ أَخَذَهُ الْعَدُوُّ أَوْ كُسِرَ أَوْ عَرَجَ قَبْلَ حُصُولِ الْغَنِيمَةِ أَوْ بَعْدَهَا فَإِنَّهُ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا مَاتَ فَرَسُهُ قَبْلَ الْقِتَالِ فَهُوَ رَاجِلٌ وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا حَالَةُ الْمُجَاوَزَةِ وَعِنْدَهُ حَالَةُ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السَّبَبُ وَقُلْنَا الْمُجَاوَزَةُ نَوْعُ قِتَالٍ؛ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمْ الْخَوْفُ بِهَا وَإِنْ دَخَلَ فَارِسًا ثُمَّ بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعَارَهُ فَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَبْطُلُ سَهْمُ الْفَرَسِ وَيَأْخُذُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِالْمُجَاوَزَةِ الْقِتَالَ فَارِسًا وَلِأَنَّ بَيْعَهُ لَهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ إذَا نَفَقَ فَرَسُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ رِضًا بِإِسْقَاطِ حَقِّهِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُضْرَبُ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقِ قَدْ حَصَلَ وَهُوَ دُخُولُهُ فَارِسًا وَبَيْعُ الْفَرَسِ كَمَوْتِهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَرَسِ وَكَذَا إذَا بَاعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ عِنْدَ الْبَعْضِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّ بَيْعَهُ فِي حَالَةِ الْقِتَالِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ التِّجَارَةُفِيهِ إلَّا أَنَّهُ يَنْتَظِرُ عِزَّتَهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ دَخَلَ رَاجِلًا فَاشْتَرَى فَرَسًا اسْتَحَقَّ سَهْمَ رَاجِلٍ‏)‏ وَكَذَا إذَا اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ بِحَالَةِ الدُّخُولِ وَقَالَ الْحَسَنُ إذَا دَخَلَ رَاجِلًا وَاشْتَرَى فَرَسًا أَوْ وُهِبَ لَهُ قَبْلَ أَنْ يَغْنَمَ الْعَسْكَرَ شَيْئًا ثُمَّ قَاتَلَ عَلَيْهِ مَعَهُمْ حَتَّى غَنِمُوا ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِ فَارِسٍ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالدُّخُولِ الْقِتَالُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ حَالَةَ الْقِتَالِ أَكْثَرُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ حَالَةَ الدُّخُولِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ دَخَلَ فَارِسًا فَقَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ يَسْتَحِقُّ سَهْمَ الْفُرْسَانِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا بَاعَ فَرَسَهُ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ أَعَارَهُ بَعْدَ الدُّخُولِ سَقَطَ سَهْمُ فَرَسِهِ فَإِنْ اشْتَرَى مَكَانَهُ آخَرَ أَسْهَمَ لَهُ سَهْمَ فَارِسٍقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يُسْهَمُ لِمَمْلُوكٍ وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ وَلَا مَجْنُونٍ وَلَا ذِمِّيٍّ وَلَكِنْ يَرْضَخُ لَهُمْ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى‏)‏ وَلَا يَبْلُغُ بِهِ السَّهْمَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّبِيَّ عَاجِزَانِ وَالْعَبْدَ لِمَوْلَاهُ أَنْ يَمْنَعَهُ إلَّا أَنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ تَحْرِيضًا عَلَى الْقِتَالِ وَالْمُكَاتَبُ بِمَنْزِلَةِ الْعَبْدِ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِيهِ وَتَوَهُّمِ عَجْزِهِ فَيَمْنَعُهُ الْمَوْلَى عَنْ الْخُرُوجِ إلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لِلْعَبْدِ إذَا قَاتَلَ وَكَذَا الْمَرْأَةُ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهَا إذَا كَانَتْ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى أَمَّا إذَا دَخَلَتْ لِخِدْمَةِ زَوْجِهَا أَوْ الْعَبْدُ لِخِدْمَةِ مَوْلَاهُ وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْ الْعَبْدِ قَتْلٌ وَلَا مِنْ الْمَرْأَةِ مُدَاوَاةٌ وَلَا نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ لَا يَرْضَخُ لَهُمْ أَصْلًا وَكَذَا الذِّمِّيُّ إنَّمَا يَرْضَخُ لَهُ إذَا قَاتَلَ أَوْ دَلَّ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ لَا يَسْتَعِينَ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْقِتَالِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ غَدْرُهُمْ وَخِيَانَتُهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنَّهُمْ إذَا حَضَرُوا وَقَاتَلُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَرْضَخُ لَهُمْ وَلَا يَبْلُغُ لِرَجَّالَتِهِمْ سَهْمَ الرَّجَّالَةِ وَلَا لِفُرْسَانِهِمْ سَهْمَ الْفُرْسَانِ لِنُقْصَانِ مَنْزِلَتِهِمْ وَانْحِطَاطِ رُتْبَتِهِمْقَوْلُهُ ‏(‏فَأَمَّا الْخُمْسُ فَيُقَسَّمُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِلْيَتَامَى‏)‏ وَيُشْتَرَطُ فِيهِمْ الْفَقْرُ قَوْلُهُ ‏(‏وَسَهْمٌ لِلْمَسَاكِينِ وَسَهْمٌ لِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ‏)‏ وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُنْقَطِعُ عَنْ مَالِهِ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَدْخُلُ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى فِيهِمْ‏)‏ أَيْ أَيْتَامُ ذَوِي الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْيَتَامَى وَمَسَاكِين ذَوَى الْقُرْبَى يَدْخُلُونَ فِي سَهْمِ الْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءُ السَّبِيلِ مِنْ ذَوَى الْقُرْبَى كَذَلِكَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ ذَوِي الْقُرْبَى يَعْنِي قَرَابَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ ‏(‏وَيُقَدَّمُونَ‏)‏ أَيْ يُقَدَّمُ ذَوُو الْقُرْبَى عَلَى الطَّوَائِفِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَهُمْ فِي الْآيَةِ فَقَالَ تَعَالَى ‏{‏وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَدْفَعُ إلَى أَغْنِيَائِهِمْ شَيْئًا‏)‏؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَحَقُّ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ قَوْلُهُ ‏(‏فَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ فِي كِتَابِهِ مِنْ الْخُمْسِ فَإِنَّمَا هُوَ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بِمَوْتِهِ كَمَا سَقَطَ الصَّفِيُّ‏)‏ وَهُوَ شَيْءٌ كَانَ يَصْطَفِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ مِثْلُ دِرْعٍ أَوْ سَيْفٍ أَوْ جَارِيَةٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَسَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى كَانُوا يَسْتَحِقُّونَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنُّصْرَةِ‏)‏ وَبِمَوْتِهِ زَالَتْ النُّصْرَةُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَبَعْدَهُ بِالْفَقْرِ‏)‏ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ وَكَانَ أَوْلَادُ عَبْدِ مَنَافٍ أَرْبَعَةً هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ وَعَبْدُ شَمْسٍ وَنَوْفَلٌ فَبَنُو عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنُو نَوْفَلٍ لَا يُعْطَوْنَ مِنْهُ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ خَاصَّةً لِمَا رُوِيَ أَنَّ ‏{‏جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْبَنِي نَوْفَلٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَسَمَ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ قَسَمْت يَا رَسُولَ اللَّهِ لِإِخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَبَنِي هَاشِمٍ وَلَمْ تُعْطِنَا شَيْئًا وَقَرَابَتُنَا مِثْلُ قَرَابَتِهِمْ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ إنَّمَا هَاشِمٌ وَالْمُطَّلِبُ شَيْءٌ وَاحِدٌ إنَّهُمْ لَمْ يُفَارِقُونَا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ إنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَيْءٌ وَاحِدٌ هَكَذَا ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا رَبَّوْنَا صِغَارًا وَحَمَلْنَاهُمْ كِبَارًا‏}‏ وَرُوِيَ أَنَّ ‏{‏النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَعْطَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَلَمْ يُعْطِ بَنِي نَوْفَلٍ وَبَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَتَاهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَجُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ وَهُوَ مِنْ بَنِي نَوْفَلٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَؤُلَاءِ بَنُو هَاشِمٍ لَا نُنْكِرُ فَضْلَهُمْ لِلْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعَك اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ فَمَا بَالُ إخْوَانِنَا مِنْ بَنِي الْمُطَّلِبِ أَعْطَيْتَهُمْ وَمَنَعْتَنَا وَقَرَابَتُنَا وَاحِدَةٌ فَقَالَ إنَّا وَبَنُو الْمُطَّلِبِ لَمْ نَفْتَرِقْ فِي جَاهِلِيَّةٍ وَلَا إسْلَامٍ وَإِنَّمَا بَنُو الْمُطَّلِبِ وَبَنُو هَاشِمٍ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ‏}‏ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا هُوَ بِالنُّصْرَةِ لَا بِالْقَرَابَةِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ دَارَ الْحَرْبِ مُغِيرِينَ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ هِيَ الْمَأْخُوذَةُ قَهْرًا وَغَلَبَةً لَا اخْتِلَاسًا وَسَرِقَةً، وَأَمَّا إذَا دَخَلَ الْوَاحِدُ وَالِاثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخَمَّسُ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَصَابَهُ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُخَمَّسُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى طَرِيقِ التَّلَصُّصِ وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ الْإِمَامُ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ بِظَهْرِهِ لَا بِالتَّلَصُّصِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ دَخَلَ جَمَاعَةٌ لَهُمْ مَنْعَةٌ فَأَخَذُوا شَيْئًا خُمِّسَ وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ الْإِمَامُ‏)‏ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ لَهَا مَنْعَةٌ فَكَانَ الْمَأْخُوذُ قَهْرًا وَغَنِيمَةً وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً لَا مَنَعَةَ لَهُمْ وَدَخَلُوا بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ وَأَخَذُوا شَيْئًا لَمْ يُخَمَّسْ لِأَنَّ الْمَأْخُوذَ لَيْسَ بِغَنِيمَةٍ إذْ الْغَنِيمَةُ مَا أُخِذَتْ بِالْغَلَبَةِ وَالْقَهْرِ وَهَؤُلَاءِ كَاللُّصُوصِ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَسِرُّونَ بِمَا يَأْخُذُونَهُ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ غَنِيمَةً فَمَا أَخَذَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهُوَ لَهُ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ صَاحِبُهُ؛ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ الْمُسْلِمُ دَارَ الْحَرْبِ تَاجِرًا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِشَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَا مِنْ دِمَائِهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ بِالِاسْتِئْمَانِ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَ ذَلِكَ يَكُونُ غَدْرًا وَالْغَدْرُ حَرَامٌ بِخِلَافِ الْأَسِيرِ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ فَيُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ غَدَرَ بِهِمْ وَأَخَذَ شَيْئًا وَخَرَجَ بِهِ مَلَكَهُ مِلْكًا مَحْظُورًا وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِسَبَبِ الْغَدْرِ فَأَوْجَبَ ذَلِكَ خُبْثًا فِيهِ فَكَانَ مَحْظُورًا فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا دَخَلَ الْحَرْبِيُّ إلَيْنَا بِأَمَانٍ لَمْ يُمَكَّنْ أَنْ يُقِيمَ فِي دَارِنَا سَنَةً‏)‏؛ لِأَنَّهُ إذَا أَقَامَ فِي دَارِنَا وَقَفَ عَلَى عَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ فَلَمْ يُؤْمَنْ أَنْ يَدُلَّ عَلَيْنَا الْمُشْرِكِينَ فَيَكُونُ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ رَغْبَةٌ فِي دِينِ الْإِسْلَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلِأَنَّ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ قَطْعُ الْجَلَبِ وَسَدُّ بَابِ التِّجَارَةِ وَالْمِيرَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ بِالْمُسْلِمِينَ وَالْمُدَّةُ الطَّوِيلَةُ هِيَ السَّنَةُ وَالْيَسِيرَةُ مَا دُونَهَا قَوْلُهُ ‏(‏وَيَقُولُ لَهُ الْإِمَامُ إذَا أَقَمْت تَمَامَ السَّنَةِ وَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ‏)‏ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْجِزْيَةَ تُوضَعُ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الدُّخُولِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقُولَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ مَا دَخَلَ وَتُضْرَبُ لَهُ مُدَّةٌ عَلَى مَا يُرَى وَيَكُونُ دُونَ السَّنَةِ نَحْوَ الشَّهْرَيْنِ وَالثَّلَاثَةِ وَيَقُولُ لَهُ إذَا جَاوَزَتْهَا جَعَلْتُك ذِمِّيًّا وَوَضَعْت عَلَيْك الْجِزْيَةَ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَقَامَ سَنَةً أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَصَارَ ذِمِّيًّا وَلَمْ يُتْرَكْ أَنْ يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بَعْدَ هَذَا صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ فَإِذَا أُخِذَتْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ صَارَ ذِمِّيًّا وَالذِّمِّيّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ إلَى دَارِ الْحَرْبِقَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ عَادَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ وَتَرَكَ وَدِيعَةً عِنْدَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِمْ فَقَدْ صَارَ دَمُهُ مُبَاحًا بِالْعَوْدِ‏)‏؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ بِرُجُوعِهِ إلَى دَارِ الْحَرْبِ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِالْأَمَانِ حَظَرَ دَمَهُ وَمَالَهُ وَزَوَالُ الْحَظْرِ عَنْ دَمِهِ لَا يُزِيلُ الْحَظْرَ عَنْ مَالِهِ فَبَقِيَ مَالُهُ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أُسِرَ أَوْ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَقُتِلَ سَقَطَتْ دُيُونُهُ وَصَارَتْ الْوَدِيعَةُ فَيْئًا‏)‏ أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودِعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّ الْيَدَ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ الْيَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُقَوْلُهُ ‏(‏وَمَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ‏)‏ أَيْ أَسْرَعُوا إلَى أَخْذِهِ ‏(‏مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ‏)‏ الْإِيجَافُ هُوَ الْإِسْرَاعُ وَالْإِزْعَاجُ لِلْغَيْرِ وَالْوَجِيفُ نَوْعٌ مِنْ السَّيْرِ فَوْقَ التَّقْرِيبِ وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ مَا أَوْجَفَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَمْوَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ قِتَالٍ صُرِفَ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ مِثْلُ الْأَرَضِينَ الَّتِي أَجْلَوْا أَهْلَهَا عَنْهَا لَا خُمْسَ فِيهَا وَقَوْلُهُ كَمَا يُصْرَفُ الْخَرَاجُ فَائِدَتُهُ أَنَّهُ لَا يُقْسَمُ قِسْمَةَ الْغَنِيمَةِ وَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخُمُسُقَوْلُهُ ‏(‏وَأَرْضُ الْعَرَبِ كُلُّهَا أَرْضُ عَشْرٍ وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ إلَى حَدِّ الشَّامِ‏)‏ الْعُذَيْبُ قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ وَقَوْلُهُ حَجَرٍ هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدُ الْأَحْجَارِ مَهْرَةُ مَوْضِعٌ بِالْيَمَنِ مُسَمَّاةٌ بِمَهْرَةَ بْنِ حَيْدَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ تُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ قَوْلُهُ ‏(‏وَالسَّوَادُ كُلُّهَا أَرْضٌ خَرَاجٍ‏)‏ يَعْنِي سَوَادَ الْعِرَاقِ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِخُضْرَةِ أَشْجَارِهِ وَزَرْعِهِ وَسَوَادُ الْعِرَاقِ أَرَاضِيهِ‏.‏

وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ سَوَادُ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ قُرَاهُمَا قَوْلُهُ ‏(‏وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةِ حُلْوَانَ وَمِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ‏)‏ عَقَبَةُ حُلْوَانَ حَدُّ سَوَادِ الْعِرَاقِ عَرْضًا وَالْعَلْثُ قَرْيَةٌ بِالْعِرَاقِ شَرْقِيَّ دِجْلَةَ وَعَبَّادَانُ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَطُولُ سَوَادِ الْعِرَاقِ مِائَةٌ وَثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَعَرْضُهُ ثَمَانُونَ فَرْسَخًا وَمِسَاحَتُهُ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ وَقِيلَ سِتَّةٌ وَثَلَاثُونَ أَلْفَ أَلْفِ جَرِيبٍ قَوْلُهُ ‏(‏وَأَرْضُ السَّوَادِ كُلُّهَا مَمْلُوكَةٌ لِأَهْلِهَا يَجُوزُ بَيْعُهُمْ لَهَا وَتَصَرُّفُهُمْ فِيهَا‏)‏ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَوُضِعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجُ فِي أَرْضِهِمْ وَالْجِزْيَةُ عَلَى رُءُوسِهِمْ فَبَقِيَتْ الْأَرْضُ مَمْلُوكَةً لَهُمْقَوْلُهُ ‏(‏وَكُلُّ أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا عَلَيْهَا أَوْ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِّمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ فَهِيَ أَرْضُ عُشْرٍ‏)‏ يَعْنِي مَا سِوَى أَرْضِ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْخَرَاجِ وَالْعَشْرُ أَلْيَقُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ طُهْرَةٌ وَعِبَادَةٌ وَكَذَلِكَ مَا سِوَى أَرْضِ السَّوَادِ قَوْلُهُ ‏(‏وَكُلُّ أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً فَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا فَهِيَ أَرْضُ خَرَاجٍ‏)‏ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجُ أَلْيَقُ وَهَذَا إذَا وَصَلَ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَكُلُّ أَرْضٍ لَا يَصِلُ إلَيْهَا مَاءُ الْأَنْهَارِ وَإِنَّمَا تُسْقَى بِعَيْنٍ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا سَقَتْهُ مَاءُ السَّمَاءِ فَفِيهِ الْعُشْرُ وَمَاءُ الْعَيْنِ فِي مَعْنَى مَاءِ السَّمَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ‏}‏قَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ مُعْتَبَرَةٌ بِحَيْزِهَا‏)‏ أَيْ بِقُرْبِهَا وَالْحَيْزُ الْقُرْبُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ‏)‏ هَذَا إذَا كَانَ الْمُحْيِي لَهَا مُسْلِمًا أَمَّا إذَا كَانَ ذِمِّيًّا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْعُشْرِ وَكَانَ الْقِيَاسُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَنْ تَكُونَ الْبَصْرَةُ خَرَاجِيَّةً لِأَنَّهَا مِنْ حَيْزِ أَرْضِ الْخَرَاجِ إلَّا أَنَّ الصَّحَابَةَ وَضَعُوا عَلَيْهَا الْعُشْرَ فَتُرِكَ الْقِيَاسُ لِإِجْمَاعِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَالْبَصْرَةُ عِنْدَنَا عُشْرِيَّةٌ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ‏)‏ لِمَا بَيَّنَّاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَحْيَاهَا بِبِئْرٍ حَفَرَهَا أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا أَوْ مَاءِ دِجْلَةَ أَوْ الْفُرَاتِ أَوْ الْأَنْهَارِ الْعِظَامِ الَّتِي لَا يَمْلِكُهَا أَحَدٌ فَهِيَ عُشْرِيَّةٌ‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَاءُ الْعُشْرِيُّ مَاءُ السَّمَاءِ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَالْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ الْأَنْهَارُ الَّتِي شَقَّهَا الْأَعَاجِمُ وَمَاءُ سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ عُشْرِيٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَخَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذَكَرَهُ فِي بَابِ زَكَاةِ الزُّرُوعِ وَالثِّمَارِ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ أَحْيَاهَا بِمَاءِ الْأَنْهَارِ الَّتِي احْتَفَرَهَا الْأَعَاجِمُ كَنَهْرِ الْمَلِكِ وَنَهْرِ يَزْدَجْرِدْ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ‏)‏ يَزْدَجْرِدُ مِنْ مُلُوكِ فَارِسَ وَهُوَ آخِرُ مُلُوكِهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَالْخَرَاجُ الَّذِي وَضَعَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى أَهْلِ السَّوَادِ فِي كُلِّ جَرِيبٍ يَبْلُغُهُ الْمَاءُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ وَهُوَ الصَّاعُ وَدِرْهَمُ‏)‏ الْخَرَاجِ عَلَى ضَرْبَيْنِ خَرَاجُ مُقَاطَعَةٍ وَخَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ فَخَرَاجُ الْمُقَاطَعَةِ هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الشَّيْخُ وَخَرَاجُ الْمُقَاسَمَةِ هُوَ مَا إذَا افْتَتَحَ الْإِمَامُ بَلَدًا وَمَنَّ عَلَيْهِمْ أَوْ رَأَى أَنْ يَضَعَ عَلَيْهِمْ جُزْءًا مِنْالْخَرَاجِ أَمَّا نِصْفُ الْخَرَاجِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبْعُهُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ الْعُشْرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ مَعَ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْعُشْرِ وَيُوضَعُ ذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ وَمِنْ حُكْمِهِ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمْسِ ضِعْفِ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْجَرِيبُ أَرْضٌ طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا وَعَرْضُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا يَزِيدُ عَلَى ذِرَاعِ الْعَامَّةِ بِقَبْضَةٍ وَذَكَرَ الصَّيْرَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الذِّرَاعَ الْمُعْتَبَرَ سَبْعٌ قَبَضَاتٍ مِنْ غَيْرِ الْإِبْهَامِ وَقَوْلُهُ قَفِيزُهَا شَمِّيٌّ هُوَ ثَلَاثَةُ أَرْطَالٍ بِالْعِرَاقِيِّ مِثْلُ الصَّاعِ الْحِجَازِيِّ وَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَمْنَاءٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَكُونُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ‏.‏

وَقَالَ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ يَكُونُ مِنْ الْحِنْطَةِ أَوْ الشَّعِيرِ كَذَا فِي الْمُسْتَصْفَى وَقَوْلُهُ وَدِرْهَمٌ مَعْنَاهُ يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ وَزْنِ سُبْعِهِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَفِي جَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَفِي جَرِيبِ الْكَرْمِ الْمُتَّصِلِ وَالنَّخْلِ الْمُتَّصِلِ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ‏)‏ الْمُتَّصِلُ مَا لَا يُمْكِنُ الزِّرَاعَةُ تَحْتَهُ وَلِأَنَّ الْمُؤَنَ مُتَفَاوِتَةٌ فَالْكَرْمُ أَخَفُّهَا مُؤْنَةً وَالزَّرْعُ أَكْثَرُهَا مُؤْنَةً وَالرَّطْبَةُ بَيْنَهُمَا وَالْوَظِيفَةُ تَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِهَا فَجُعِلَ الْوَاجِبُ فِي الْكَرْمِ أَعْلَاهَا وَفِي الزَّرْعِ أَدْنَاهَا وَفِي الرَّطْبَةِ أَوْسَطُهَا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا التَّقْدِيرُ مَنْقُولٌ عَنْ عُمَرَ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْأَصْنَافِ يُوضَعُ عَلَيْهَا بِحَسَبِ الطَّاقَةِ‏)‏ مَعْنَاهُ كَالزَّعْفَرَانِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ عُمَرُ الطَّاقَةَ فِي الْمُوَظَّفِ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا وَنِهَايَةُ الطَّاقَةِ أَنْيَبْلُغَ الْوَاجِبُ نِصْفَ الْخَارِجِ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النِّصْفَ عَيْنُ الْأَنْصَافِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَفِي جَرِيب الزَّعْفَرَانِ الْخَرَاجُ قَدْرَ مَا يُطِيقُ إنْ كَانَ يَبْلُغُ قَدْرَ غَلَّةِ الْأَرْضِ الْمَزْرُوعَةِ يُؤْخَذُ مِنْهُ قَدْرُ خَرَاجِ الْمَزْرُوعَةِ وَإِنْ كَانَ يَبْلُغُ غَلَّةَ الرَّطْبَةِ فَفِيهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْخَرَاجَ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ فِي السَّنَةِ الْوَاحِدَةِ خَرَاجٌ وَاحِدٌ سَوَاءٌ زَرَعَهَا فِي السَّنَةِ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا بِخِلَافِ الْعُشْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرٌ إلَّا بِوُجُودِهِ فِي كُلِّ خَارِجٍ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ لَمْ تُطِقْ مَا وُضِعَ عَلَيْهَا نَقَصَهَا الْإِمَامُ‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ النَّقْصُ عِنْدَ قِلَّةِ الرِّيعِ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عِنْدَ زِيَادَةِ الرِّيعِ فَجَائِزَةٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ أَيْضًا اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَنْبَغِي لِلْوَالِي أَنْ يَزِيدَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إذَا كَانَتْ أَرَاضِيهمْ تَحْمِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَخْرَجَتْ الْأَرْضُ قَدْرَ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ وَإِنْ أَخْرَجَتْ مِثْلَيْ الْخَرَاجِ أُخِذَ الْخَرَاجُ كُلُّهُ وَيُؤْخَذُ الْخَرَاجُ مِنْ أَرْضِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ غَلَبَ عَلَى أَرْضِ الْخَرَاجِ الْمَاءُ وَانْقَطَعَ عَنْهَا أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ فَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ فَاتَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْأَرْضُ نَزَّةً أَوْ سَبِخَةً وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي إذَا ذَهَبَ كُلُّ الْخَارِجِ أَمَّا إذَا ذَهَبَ بَعْضُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ قَفِيزَيْنِ وَدِرْهَمَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ أُخِذَ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يَنْظُرَ أَوَّلًا مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْخَارِجِ فَيَحْسِبُ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ عَلَى نَحْوِ مَا بَيَّنَّاهُ وَمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْخَرَاجَ يَسْقُطُ بِالِاصْطِلَامِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ أَمَّا إذَا بَقِيَ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَقَوْلُهُ أَوْ اصْطَلَمَ الزَّرْعَ آفَةٌ يَعْنِي سَمَاوِيَّةً لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالِاحْتِرَاقِ وَنَحْوِهِ أَمَّا إذَا كَانَتْ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَنْعَامِ وَنَحْوِهِ لَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ عَلَى الْأَصَحِّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ وَهَلَاكَهُ بَعْدَ الْحَصَادِ لَا يُسْقِطُهُ وَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ خَرَاجُ الْأَرْضِ مِنْ تَرِكَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي زَكَاةِ الْأَصْلِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ بِخِلَافِ الْعُشْرِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِمَوْتِ مَنْ هُوَ عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ يَسْقُطُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ عَطَّلَهَا صَاحِبُهَا فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَهُوَ الَّذِي فَوَّتَ الزِّرَاعَةَ وَهَذَا إذَا كَانَالْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ وَمَنْ انْتَقَلَ إلَى أَخَسِّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَعَلَيْهِ خَرَاجُ الْأَعْلَى؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي ضَيَّعَ الزِّيَادَةَ وَهَذَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْتَى بِهِ كَيْ لَا تَتَجَزَّأَ الظُّلْمَةُ عَلَى أَخْذِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْهِدَايَةِقَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ أُخِذَ مِنْهُ الْخَرَاجُ عَلَى حَالِهِ‏)‏ لِأَنَّ الْأَرْضَ اتَّصَفَتْ بِالْخَرَاجِ فَلَا تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الْمَالِكِقَوْلُهُ ‏(‏وَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ مِنْ الذِّمِّيِّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ وَلَا عُشْرَ فِي الْخَارِجِ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ‏)‏ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ أَرْضَ الْخَرَاجِ فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَا غَيْرَ وَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ وَلَا يَجْتَمِعُ خَرَاجٌ وَعُشْرٌ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ وَجَبَا فِي مَحَلَّيْنِ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَلَا يَتَنَافَيَانِ فَقَوْلُهُ حَقَّانِ مُخْتَلِفَانِ يَعْنِي أَنَّ أَحَدَهُمَا مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَهُوَ الْخَرَاجُ وَالثَّانِي مُؤْنَةٌ فِي مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَهُوَ الْعُشْرُ وَقَوْلُهُ فِي مَحَلَّيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَعْنِي أَنَّ مَحَلَّ الْخَرَاجِ الذِّمَّةُ وَمَحَلَّ الْعُشْرِ الْخَارِجُ وَقَوْلُهُ بِسَبَبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَسَبَبُ وُجُوبِ الْعُشْرِ النَّمَاءُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ وُجُودُ الْخَارِجِ وَسَبَبُ الْخَرَاجِ النَّمَاءُ التَّقْدِيرِيُّ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا يَجْتَمِعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ‏}‏ وَلِأَنَّ الْخَرَاجَ يَجِبُ فِي أَرْضٍ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقَهْرًا وَالْعُشْرُ فِي أَرْضٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا وَالْوَصْفَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي أَرْضٍ وَاحِدَةٍ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الزَّكَاةُ مَعَ أَحَدِهِمَا كَمَا إذَا اشْتَرَى أَحَدُهُمَا أَرْضَ عُشْرٍ أَوْ أَرْضُ خَرَاجٍ لِلتِّجَارَةِ كَانَ فِيهَا الْعُشْرُ أَوْ الْخَرَاجُ دُونَ زَكَاةِ التِّجَارَةِقَوْلُهُ ‏(‏وَالْجِزْيَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ‏)‏ كَمَا ‏{‏صَالَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي نَجْرَانَ عَلَى أَلْفٍ وَمِائَتَيْ حُلَّةٍ‏}‏ وَلِأَنَّ الْمُوجِبَ هُوَ التَّرَاضِي فَلَا يَجُوزُ التَّعَدِّي إلَى غَيْرِ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَجِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بِوَضْعِهَا إذَا غَلَبَ الْإِمَامُ عَلَى الْكُفَّارِ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ الظَّاهِرِ الْغِنَى فِي كُلِّ سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا يَأْخُذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ‏)‏ وَالظَّاهِرُ الْغِنَاءِ هُوَ صَاحِبُ الْمَالِ الْكَثِيرِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي يَمْلِكُ عَشْرَةَ آلَافٍ ثُمَّ إذَا كَانَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ غَنِيًّا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْأَغْنِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي أَكْثَرِهَا فَقِيرًا أُخِذَ مِنْهُ جِزْيَةُ الْفُقَرَاءِ وَمَنْ مَرِضَ أَكْثَرَ السَّنَةِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ جِزْيَةٌ لِأَنَّ الْمَرِيضَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ فَهُوَ كَالزَّمِنِ وَكَذَا إذَا مَرِضَ نِصْفَ السَّنَةِ لِأَنَّ الْمُوجِبَ وَالْمُسْقِطَ تَسَاوَيَا فِيمَا طَرِيقُهُ الْعُقُوبَةُ فَكَانَ الْحُكْمُ لِلْمُسْقِطِ كَالْحُدُودِ فَإِنْ صَحَّ أَكْثَرَ السَّنَةِ فَعَلَيْهِ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ‏)‏ الْمُتَوَسِّطِ الْحَالِ الَّذِي لَهُ مَالٌ لَكِنَّهُ لَا يَسْتَغْنِي بِهِ عَنْ الْعَمَلِ وَقِيلَ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا قَوْلُهُ ‏(‏وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا فِي كُلٍّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ‏)‏ الْمُعْتَمِلُ هُوَ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْسِنُ الْحِرْفَةَ أَصْلًا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَمِلُ صَحِيحًا وَيُكْتَفَى بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ، وَأَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي لَيْسَ بِمُعْتَمِلٍ فَلَا جِزْيَةَ عَلَيْهِ عِنْدَنَاقَوْلُهُ ‏(‏وَتُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِيِّ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ وَلَا تُوضَعُ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَلَا عَلَى الْمُرْتَدِّينَ‏)‏ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا مُشْرِكُو الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَإِنَّهُ كَفَرَ بَعْدَ مَا هُدِيَ لِلْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْ الْفَرِيقَيْنِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ زِيَادَةً فِي الْعُقُوبَةِ؛ وَلِأَنَّهُمْ لَا يُقَرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ بِالرِّقِّ فَلَا يَجُوزُ إقْرَارُهُمْ عَلَيْهِ بِالْجِزْيَةِقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا جِزْيَةَ عَلَى امْرَأَةٍ وَلَا صَبِيٍّ‏)‏ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ وَجَبَتْ بَدَلًا عَنْ الْقِتَالِ أَوْ الْقَتْلِ وَهُمَا لَا يُقْتَلَانِ وَلَا يُقَاتِلَانِ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا عَلَى زَمِنٍ وَلَا عَلَى أَعْمًى‏)‏ وَكَذَا الْمَفْلُوجُ وَلَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ لِمَا بَيَّنَّا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ إذَا كَانُوا أَغْنِيَاءَ؛ لِأَنَّهُمْ يُقْتَلُونَ فِي الْجُمْلَةِ إذَا كَانَ لَهُمْ رَأْيٌ وَلَنَا أَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ الْقِتَالِ فَأَشْبَهُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَلَا عَلَى فَقِيرٍ غَيْرِ مُعْتَمِلٍ‏)‏ وَكَذَا لَا تُوضَعُ عَلَى الْمَمْلُوكِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَلَا يُؤَدِّي عَنْهُمْ مَوَالِيهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الَّذِينَ لَا يُخَالِطُونَ النَّاسَ‏)‏ هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ إذَا كَانُوا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ فَعَلَيْهِمْ الْجِزْيَةُ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ فِيهِمْ مَوْجُودَةٌ وَهْم الَّذِينَ ضَيَّعُوهَا فَصَارَ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِقَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ أَسْلَمَ وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ‏)‏ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْعُقُوبَةِ فَتَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَالْقَتْلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى وَجْهِ الْإِذْلَالِ وَذَلِكَ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْإِسْلَامِ وَكَذَا إذَا مَاتَ ذِمِّيًّا وَعَلَيْهِ جِزْيَةٌ سَقَطَتْ عَنْهُ لِمَا مَضَى وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَهَذَا كُلُّهُ عِنْدَنَا‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا تَسْقُطُ عَنْهُ فِي الْوَجْهَيْنِ أَعْنِي إذَا أَسْلَمَ أَوْ مَاتَ كَافِرًاقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ اجْتَمَعَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَدَاخَلَتْ الْجِزْيَةُ‏)‏ يَعْنِي تَدْخُلُ إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى وَيُقْتَصَرُ عَلَى جِزْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى وَلَمْ تُؤْخَذْ حَتَّى دَخَلَتْ السَّنَةُ الْأُخْرَى وَوَجَبَتْ جِزْيَةٌ أُخْرَى اجْتَمَعَ عَلَيْهِ عُقُوبَتَانِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَجِبُ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا كَالْحُدُودِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُؤْخَذُ مِنْهُ لِأَنَّهَا حَقٌّ فِي مَالٍ فَلَا يَتَدَاخَلَانِ كَالدُّيُونِ وَالْخَرَاجِ وَالْأُجْرَةِ وَإِنْ مَاتَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا إنْ مَاتَ فِي بَعْضِ السَّنَةِ وَقِيلَ خَرَاجُ الْأَرْضِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ الْجِزْيَةُ تَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا أَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُؤْخَذُ الْجِزْيَةُ حَتَّى تَدْخُلَ السَّنَةُ وَيَمْضِيَ شَهْرَانِ مِنْهَاقَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ إحْدَاثُ بِيعَةً وَلَا كَنِيسَةٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ‏)‏ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ لَهُمْ بِيَعٌ وَكَنَائِسُ قَدِيمَةٌ لَمْ يُتَعَرَّضْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ لِأَنَّا أَقْرَرْنَاهُمْ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ فَلَوْ أَخَذْنَاهُمْ بِنَقْضِهَا كَانَ فِيهِ نَقْضٌ لِعَهْدِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا انْهَدَمَتْ الْكَنَائِسُ وَالْبِيَعُ الْقَدِيمَةُ أَعَادُوهَا‏)‏ إلَّا أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يُحَوِّلُوهَا مِنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي هِيَ فِيهِ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْ الْمِصْرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يُتْرَكَ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ كَنِيسَةٌ وَلَا بِيعَةٌ وَلَا يُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ مِصْرًا كَانَ أَوْ قَرْيَةً وَيُمْنَعُ أَهْلُ الذِّمَّةِ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ مَسْكَنًا أَوْ وَطَنًا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ‏}‏ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَإِنْ عِشْت إلَى قَابِلٍ لَأُخْرِجَنَّ النَّصَارَى مِنْ نَجْرَانَ‏}‏قَوْلُهُ ‏(‏وَيُؤْخَذُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ بِالتَّمْيِيزِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فِي زِيِّهِمْ وَمَرَاكِبِهِمْ وَسُرُوجِهِمْ وَمَلَابِسِهِمْ‏)‏ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَتَبَ إلَى أُمَرَاءِ الْأَجْنَادِ أَنْ يَأْمُرُوا أَهْلَ الذِّمَّةِ أَنْ يَخْتِمُوا فِي رِقَابِهِمْ بِالرَّصَاصِ وَأَنْ يُظْهِرُوا مَنَاطِقَهُمْ وَأَنْ يَجْدِفُوا بَرَاذِينَهُمْ وَلَا يَتَشَبَّهُوا بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَثْوَابِهِمْ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ لَا تَجُوزُ مُوَالَاتُهُ وَلَا تَعْظِيمُهُ فَإِذَا اخْتَلَطَ زِيُّهُمْ وَلَمْ يَتَمَيَّزُوا لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نُوَالِيَهُمْ ظَنًّا مِنَّا أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏لَا تَبْدَءُوهُمْ بِالسَّلَامِ وَأَلْجِئُوهُمْ إلَى أَضْيَقِ الطَّرِيقِ‏}‏ فَإِذَا لَمْ نَعْرِفْهُمْ لَمْ نَأْمَنْ أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالسَّلَامِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمْ وَهُوَ غَيْر مُتَمَيِّزٍ بِزِيِّهِ فَنُصَلِّي عَلَيْهِ وَنَدْفِنُهُ فِي مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَنَسْتَغْفِرُ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ يَتَشَبَّهُ فِي لِبَاسِهِ بِالْمُسْلِمِ وَلَا فِي مَرْكَبِهِ وَهَيْئَتِهِ وَلَا يَلْبَسُوا طَيَالِسَةً مِثْلَ طَيَالِسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا أَرِدْيَةً مِثْلَ أَرْدِيَتِهِمْ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَلْبَسُوا لِبَاسًا يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْعِلْمِ وَالزُّهْدِ وَالشَّرَفِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذُوا حَتَّى يَجْعَلَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَسَطِهِ زُنَّارًا وَهُوَ خَيْطٌ عَظِيمٌ مِنْ الصُّوفِ يَعْقِدُهُ عَلَى وَسَطِهِ وَيَكُونُ فِي الْغِلَظِ بِحَيْثُ يَظْهَرُ لِلرَّائِي وَيَلْبَسُ قَلَنْسُوَةً طَوِيلَةً سَوْدَاءَ مِنْ اللِّبَدِ يُعْرَفُ بِهَا لَا تُشْبِهُ قَلَانِسَ الْمُسْلِمِينَ وَيُجْعَلُ عَلَى بُيُوتِهِمْ عَلَامَاتٌ كَيْ لَا يَقِفُ عَلَيْهَا سَائِلٌ يَدْعُو لَهُمْ بِالْمَغْفِرَةِ وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ يَتَمَيَّزَ نِسَاؤُهُمْ عَنْ نِسَائِنَا فِي الزِّيِّ وَالْهَيْئَةِ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَرْكَبُونَ الْخَيْلَ وَلَا يَحْمِلُونَ السِّلَاحَ‏)‏ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ وَقَدْ أُمِرْنَا بِالتَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّا لَا نَأْمَنُ إذَافَعَلُوا ذَلِكَ أَنْ تَقْوَى شَوْكَتُهُمْ فَيَعُودُوا إلَى حَرْبِنَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي دِيَارِ الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً وَلَا يُدْخِلُونَ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا قُرَاهُمْ؛ لِأَنَّهُ فِسْقٌ وَلَا يَحِلُّ إظْهَارُ الْفِسْقِ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَظْهَرُوهُ لَمْ يُؤْمَنْ أَنْ تَأْلَفَهُ الْمُسْلِمُونَقَوْلُهُ ‏(‏وَمَنْ امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ لَمْ يَنْتَقِضْ عَهْدُهُ‏)‏ أَمَّا إذَا امْتَنَعَ مِنْ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ أَمْكَنَ الْإِمَامَ أَخْذُهَا مِنْهُ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَمْكَنَ الْإِمَامَ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مِنْهُ وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَكُونُ نَقْضًا لِلْعَهْدِ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَهُ لَا يَمْنَعُهُ فَالطَّارِئُ لَا يَرْفَعُهُ وَلِأَنَّ سَبَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْرِي مَجْرَى سَبِّ اللَّهِ تَعَالَى وَهْم يَسُبُّونَ اللَّهَ تَعَالَى فَيَقُولُونَ لَهُ وَلَدٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَنْتَقِضُ الْعَهْدُ إلَّا أَنْ يَلْحَقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ يَغْلِبُوا عَلَى مَوْضِعٍ فَيُحَارِبُونَا‏)‏؛ لِأَنَّهُمْ إذَا لَحِقُوا بِدَارِ الْحَرْبِ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيَعْرَى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحِرَابِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ كَانَتْ لَهُ شُبْهَةٌ كُشِفَتْ لَهُ‏)‏ لِأَنَّ الْعَرْضَ عَلَى مَا قَالُوا غَيْرُ وَاجِبٍ لِأَنَّ الدَّعْوَةَ قَدْ بَلَغَتْهُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ إذَا ارْتَدَّ الْبَالِغُ عَنْ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَأَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ مَكَانَهُ وَمَنْ سَبَّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ طَعَنَ فِيهِمَا يَكْفُرُ وَيَجِبُ قَتْلُهُ ثُمَّ إنْ رَجَعَ وَتَابَ وَجَدَّدَ الْإِسْلَامَ هَلْ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ أَمْ لَا قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَإِسْلَامُهُ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ وَأَبُو نَصْرٍ الدَّبُوسِيُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إلَّا إذَا طَلَبَ أَنْ يُؤَجَّلَ فَإِنَّهُ يُؤَجَّلُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا وَلَا تُقْبَلُ مِنْهُ جِزْيَةٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَيُحْبَسُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ‏)‏ هَذَا إذَا اسْتَمْهَلَ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ لَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُسْتَحَبُّ الْإِمْهَالُ وَإِنْ لَمْ يَسْتَمْهِلْ وَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا‏.‏

وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْإِمْهَالَ فَيُحْتَمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ فَإِنْ قَتَلَهُ قَاتِلٌ قَبْلَ عَرْضِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهِ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاتِلِ‏)‏ لِأَنَّ الْقَتْلَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ بِكُفْرِهِ وَالْكُفْرُ يُبِيحُ الدَّمَ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَةِ غَيْرُ وَاجِبٍقَوْلُهُ ‏(‏وَأَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَلَا تُقْبَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ‏)‏ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً إلَّا أَنَّ الْأَمَةَ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَيُفَوَّضُ ضَرْبَهَا وَتَأْدِيبَهَا إلَيْهِ وَلَا يَطَؤُهَا وَكَيْفِيَّةُ حَبْسِ الْمَرْأَةِ أَنْ يَحْبِسَهَا الْقَاضِي ثُمَّ يُخْرِجُهَا فِي كُلِّ يَوْمٍ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ ضَرَبَهَا أَسْوَاطًا ثُمَّ يَعْرِضُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَإِنْ أَبَتْ حَبَسَهَا يَفْعَلُ بِهَا هَكَذَا كُلَّ يَوْمٍ أَبَدًا حَتَّى تُسْلِمَ أَوْ تَمُوتَ وَالْعَبْدُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ أَسْلَمَ وَإِلَّا قُتِلَ وَاكْتِسَابُهُ يَكُونُ لِمَوْلَاهُ وَإِذَا ارْتَدَّ الصَّبِيُّ عَنْ الْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ فَارْتِدَادُهُ ارْتِدَادٌ عِنْدَهُمَا وَيُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَا يُقْتَلُ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ حَتَّى لَا يَرِثَ أَبَوَيْهِ الْكَافِرَيْنِ وَإِذَا مَاتَ مُرْتَدًّا لَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ ارْتِدَادُهُ لَيْسَ بِارْتِدَادٍ وَإِسْلَامُهُ إسْلَامٌ وَاَلَّذِي يَعْقِلُ هُوَ الَّذِي يَعْرِفُ أَنَّ الْإِسْلَامَ سَبَبُ النَّجَاةِ وَيَمِيزُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِقَوْلُهُ ‏(‏وَيَزُولُ مِلْكُ الْمُرْتَدِّ عَنْ أَمْلَاكِهِ بِرِدَّتِهِ‏)‏ زَوَالًا مُرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَزُولُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَتْ أَمْلَاكُهُ عَلَى حَالِهَا وَإِنْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ عَلَى رِدَّتِهِ انْتَقَلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ إلَى وَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَيْئًا‏)‏ يَعْنِي أَنَّهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا إذَا لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا كِلَا الْكَسْبَيْنِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كِلَاهُمَا فَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَالْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ وَلَهُمَا أَنَّ مِلْكَهُ فِي الْكَسْبَيْنِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فَيَنْتَقِلُ بِمَوْتِهِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَسْتَنِدُ التَّوْرِيثُ إلَى مَا قَبْلَ رِدَّتِهِ إذْ الرِّدَّةُ سَبَبُ الْمَوْتِ فَيَكُونُ تَوْرِيثَ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ وَلِأَنَّ الرِّدَّةَ لَمَّا كَانَتْ سَبَبًا لِلْمَوْتِ جُعِلَتْ مَوْتًا حُكْمًا فَكَانَ آخِرُ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ آخِرَ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ حُكْمًا فَيَرِثُ الْوَارِثُ الْمُسْلِمُ مَا كَانَ مِلْكًا لَهُ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَسْبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ كَسْبُ مُبَاحِ الدَّمِ وَلَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ فَكَانَ فَيْئًا كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَإِنَّمَا احْتَرَزْنَا بِقَوْلِنَا لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ لِأَحَدٍ عَنْ الْمُكَاتَبِ إذَا ارْتَدَّ وَاكْتَسَبَ مَالًا فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ فَيْئًا وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لِأَنَّ حَقَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِوَرَثَتِهِ الْمُسْلِمِينَ‏.‏

قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُعْتَبَرُ حَالُ وَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ بِيَوْمِ ارْتِدَادِهِ لَا بِيَوْمِ مَوْتِهِ وَلَا قَبْلَهُ فَإِنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا يَوْمئِذٍ وَرِثَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا أَوْ كَافِرًا لَمْ يَرِثْ وَإِنْ أُعْتِقَ أَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُقْتَلَ الْمُرْتَدُّ أَوْ يَمُوتَ لَمْ يَرِثْ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَوَمُحَمَّدٌ يُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ يَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ أَوْ يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ بِدَارِ الْحَرْبِ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِمَا أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ الْقَتْلِ أَوْ الْحُكْمِ بِاللَّحَاقِ فَاعْتُبِرَ حَالُ الْوَارِثِ فِي تِلْكَ الْحَالِ وَمِنْ أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مِلْكَ الْمُرْتَدِّ يَزُولُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ إسْلَامِهِ كَمَا يَزُولُ مِلْكُ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاتِهِ فَكَمَا وَجَبَ اعْتِبَارُ حَالِ وَارِثِ الْمُسْلِمِ يَوْمَ الْمَوْتِ فَكَذَا يُعْتَبَرُ حَالُ وَارِثِ الْمُرْتَدِّ يَوْمَ الرِّدَّةِ كَذَا فِي شَرْحِهِ‏.‏

وَفِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا حَالَةَ الرِّدَّةِ وَبَقِيَ وَارِثًا إلَى وَقْتِ مَوْتِهِ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ حَتَّى أَنَّ مَنْ مَاتَ قَبْلَ ذَلِكَ لَا يَرِثُ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ يَرِثُهُ مَنْ كَانَ وَارِثًا لَهُ عِنْدَ الرِّدَّةِ وَلَا يَبْطُلُ اسْتِحْقَاقُهُ بِمَوْتِهِ بَلْ يَخْلُفُهُ وَارِثُهُ لِأَنَّ الرِّدَّةَ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ قَالُوا وَهِيَ رِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ عَنْهُ وَالْمُرْتَدَّةُ كَسْبُهَا لِوَرَثَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَا حِرَابَ مِنْهَا فَلَمْ يُوجَدْ سَبَبُ الْفَيْءِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَرِثُهَا زَوْجُهَا الْمُسْلِمُ إنْ ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ لِأَنَّهَا فَارَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَا يَرِثُهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ حَقُّهُ بِمَالِهَا بِالرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ فَإِنَّهُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ لِأَنَّ الزَّوْجَ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي الْمَرَضِقَوْلُهُ ‏(‏وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْحَاكِمُ بِلَحَاقِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ‏)‏ يَعْنِي مِنْ الثُّلُثِ وَحَلَّتْ الدُّيُونُ الَّتِي عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ زَوَالَ مِلْكِهِ بِالرِّدَّةِ مُرَاعًى وَالْحُكْمُ بِاللَّحَاقِ بِمَنْزِلَةِ مَوْتِهِ وَلَوْ مَاتَ اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ وَعَتَقَ مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ، وَأَمَّا عَلَى أَصْلِهِمَا فَإِنَّ مِلْكَهُ لَمْ يَزُلْ بِالرِّدَّةِ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالْمَوْتِ أَوْ بِاللَّحَاقِ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ فَاتَّفَقَ الْجَوَابُ فِيهِ، وَأَمَّا مُكَاتَبُهُ فَيُؤَدِّي مَالَ الْكِتَابَةِ إلَى وَرَثَتِهِ وَيَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمُرْتَدِّ كَمَا يَكُونُ وَلَاؤُهُ لِلْمَوْلَى الْمَيِّتِ وَإِذَا اسْتَقَرَّ زَوَالُ مِلْكِهِ بِاللَّحَاقِ حَلَّتْ دُيُونُهُ الْمُؤَجَّلَةُ كَمَا لَوْ مَاتَ قَوْلُهُ ‏(‏وَنُقِلَ مَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ إلَى وَرَثَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ‏)‏؛ لِأَنَّهُ بِاللَّحَاقِ صَارَ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ وَهْم أَمْوَاتٌ فِي حَقِّ أَحْكَامِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِانْقِطَاعِ وِلَايَةِ الْإِلْزَامِ كَمَا هِيَ مُنْقَطِعَةٌ عَنْ الْمَوْتَى فَصَارَ كَالْمَوْتِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَسْتَقِرُّ لَحَاقُهُ إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي لِاحْتِمَالِ الْعَوْدِ إلَيْنَا فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ قَوْلُهُ ‏(‏وَتُقْضَى الدُّيُونُ الَّتِي لَزِمَتْهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ وَمَا لَزِمَهُ مِنْ الدُّيُونِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ‏)‏ يُقْضَى مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ رِدَّتِهِ وَهَذِهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ قَوْلُ زُفَرَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ دُيُونَهُ كُلَّهَا مِمَّا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ لَمْ تَفِ كَانَ الْبَاقِي فِيمَا اكْتَسَبَهُ فِي حَالِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ كَسْبَ الْإِسْلَامِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَكَسْبَ الرِّدَّةِ خَالِصُ حَقِّهِ فَكَانَ قَضَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ أَوْلَى إلَّا إذَا لَمْ يَفِ فَحِينَئِذٍ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِقَوْلُهُ ‏(‏وَمَا بَاعَهُ أَوْ اشْتَرَاهُ أَوْ تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ أَمْوَالِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ مَوْقُوفٌ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ‏)‏ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَصَرُّفَاتُهُ جَائِزَةٌ إلَّا أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ فَلَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِ وَلَا يُحْكَمُ بِلَحَاقِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هِيَ كَتَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ فَيَصِحُّ كَمَا يَصِحُّ مِنْ الْمَرِيضِ لِأَنَّ الِارْتِدَادَ يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ظَاهِرًا فَإِذَا مَاتَ أَوْ حُكِمَ بِلَحَاقِهِ جَازَ عِتْقُهُ وَهِبَتُهُ وَصَدَقَتُهُ وَمُحَابَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ كَمَا يَكُونُ مِنْ الْمَرِيضِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ فَإِنَّهَا لَا تُقْتَلُ فَتَصَرُّفَاتُهَا كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ قَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا عَادَ الْمُرْتَدُّ بَعْدَ الْحُكْمِ بِلَحَاقِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ مُسْلِمًا فَمَا وَجَدَهُ فِي يَدِ وَرَثَتِهِ مِنْ مَالِهِ بِعَيْنِهِ أَخَذَهُ‏)‏ لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ عَنْهُ فَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا إذَا بَاعَهُ الْوَارِثُ قَبْلَ الرُّجُوعِ أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ زَالَ عَمَّنْ يَمْلِكُهُ فَصَارَ كَمِلْكِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إذَا زَالَ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ حَقُّ الرُّجُوعِ كَذَلِكَ هَذَا وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ فِيمَا تَصَرَّفَ فِيهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ عَلَى ظَاهِرِ مِلْكِهِ كَتَصَرُّفِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَحِقَ وَحُكِمَ بِلَحَاقِهِ أَمَّا إذَا رَجَعَ مُسْلِمًا قَبْلَ أَنْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ فَجَمِيعُ أَمْوَالِهِ عَلَى حَالِهَا وَلَا يَعْتِقُ مُدَبَّرُوهُ وَلَا أُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِقَوْلُهُ ‏(‏وَالْمُرْتَدَّةُ إذَا تَصَرَّفَتْ فِي مَالِهَا فِي حَالِ رِدَّتِهَا جَازَ تَصَرُّفُهَا‏)‏ لِأَنَّ مِلْكَهَا لَا يَزُولُ بِرِدَّتِهَا ثُمَّ هِيَ لَا تُقْتَلُ وَلَكِنْ تُحْبَسُ وَتُجْبَرُ عَلَى الْإِسْلَامِ فَإِنْ مَاتَتْ فِي الْحَبْسِ أَوْ لَحِقَتْ كَانَ مَالُهَا مِيرَاثًا لِوَرَثَتِهَا وَلَا يَرِثُ زَوْجُهَا مِنْهُ شَيْئًا لِأَنَّ الْفُرْقَةَ وَقَعَتْ بِالرِّدَّةِ إلَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ حِينَئِذٍ يَرِثُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ فَأَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِقَوْلُهُ ‏(‏وَنَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ يُؤْخَذُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الزَّكَاةِ‏)‏ وَهْم قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى الْعَرَبِ بِقُرْبِ الرُّومِ طَلَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةَ فَقَالُوا نَحْنُ قَوْمٌ لَنَا شَوْكَةٌ نَأْنَفُ مِنْ ذُلِّ الْجِزْيَةِ فَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا الْجِزْيَةَ فَإِنَّا نَلْحَقُ بِأَعْدَائِك بِأَرْضِ الرُّومِ وَإِنْ أَرَدْت أَنْ تَأْخُذَ مِنَّا ضِعْفَ مَا تَأْخُذُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَكَ ذَلِكَ فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْمُضَاعَفَةِ وَقَالَ لَهُمْ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَكَانَ ذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَتُوضَعُ عَلَى مَوَالِي التَّغْلِبِيِّ الْجِزْيَةُ وَخَرَاجُ الْأَرْضِ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ يُضَاعَفُ عَلَيْهِمْ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏{‏مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ‏}‏ أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ يَلْحَقُ بِهِ فِي حَقِّ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ وَلَنَا أَنَّ أَخْذَ مُضَاعَفَةِ الزَّكَاةِ تَخْفِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ وَصْفُ الصَّغَارِ فَالْمَوْلَى فِيهِ لَا يَلْحَقُ بِالْأَصْلِ وَلِهَذَا تُوضَعُ الْجِزْيَةُ عَلَى مَوْلَى الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ نَصْرَانِيًّا قَوْلُهُ ‏(‏وَيُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ صِبْيَانِهِمْ شَيْءٌ‏)‏ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الزَّكَاةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالزَّكَاةُ تَجِبُ عَلَى النِّسَاءِ دُونَ الصِّبْيَانِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ‏.‏

وَقَالَ زُفَرُ لَا يُؤْخَذُ مِنْ نِسَائِهِمْ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ جِزْيَةٌ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ جِزْيَةٌ فَسَمُّوهَا مَا شِئْتُمْ وَلِهَذَا تُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسَاءِ وَلَنَا أَنَّ هَذَا مَالٌ وَجَبَ بِالصُّلْحِ وَالْمَرْأَةُ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِ مِثْلِهِ عَلَيْهَا وَفِي أَرْضِ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ التَّغْلِبِيَّيْنِ مَا فِي أَرْضِ الرَّجُلِ مِنْهُمْ يَعْنِي الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي الْعُشْرِ وَالْخَرَاجَ الْوَاجِبَ فِي الْخَرَاجِيَّةِ ثُمَّ عَلَى الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ إذَا كَانَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ الْعُشْرُ فَكَذَايُضَعَّفُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَا مِنْ بَنِي تَغْلِبَ وَإِذَا اشْتَرَى التَّغْلِبِيُّ أَرْضَ عُشْرٍ فَعَلَيْهِ عُشْرَانِ عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ مُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ فَإِنْ أَسْلَمَ التَّغْلِبِيُّ أَوْ بَاعَهَا مِنْ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْعُشْرَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ عُشْرٌ وَاحِدٌ قَوْلُهُ ‏(‏وَمَا جَبَاهُ الْإِمَامُ مِنْ الْخَرَاجِ وَمِنْ أَمْوَالِ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ وَمَا أَهْدَاهُ أَهْلُ الْحَرْبِ إلَى الْإِمَامِ وَالْجِزْيَةِ تُصْرَفُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَيُسَدُّ بِهِ الثُّغُورُ‏)‏ الثَّغْرُ مَوْضِعُ الْمَخَافَةِ وَإِمْكَانُ دُخُولِ الْعَدُوِّ مِنْهُ قَوْلُهُ ‏(‏وَتُبْنَى بِهِ الْقَنَاطِرُ وَالْجُسُورُ‏)‏ وَفَائِدَةُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُخَمَّسُ وَلَا يُقَسَّمُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ قَوْلُهُ ‏(‏وَيُعْطَى قُضَاةُ الْمُسْلِمِينَ وَعُمَّالُهُمْ وَعُلَمَاؤُهُمْ مِنْهَا مَا يَكْفِيهِمْ وَيُدْفَعُ مِنْهُ أَرْزَاقُ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ‏)‏؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُعَدٌّ لِمَصَالِح الْمُسْلِمِينَ وَهَؤُلَاءِ عَمَلَتُهُمْ وَنَفَقَةُ الذَّرَارِيِّ عَلَى الْآبَاءِ فَلَوْ لَمْ يُعْطَوْا كِفَايَتَهُمْ لَاحْتَاجُوا إلَى الِاكْتِسَابِ فَلَمْ يَتَفَرَّغُوا إلَى الْقِتَالِ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ إنَّمَا يَقْبَلُ الْإِمَامُ هَدِيَّةَ أَهْلِ الْحَرْبِ إذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْمُشْرِكَ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ الدِّينِ لَا لِطَلَبِ الدُّنْيَا أَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ يَغْلِبُ الظَّنُّ عَلَى أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَ طَمَعًا لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ وَقِيلَ إنَّمَا تُقْبَلُ مِنْ شَخْصٍ لَا يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ أَمَّا مَنْ يُطْمَعُ فِي إيمَانِهِ إذَا رُدَّتْ هَدِيَّتُهُ لَا تُقْبَلُ مِنْهُقَوْلُهُ ‏(‏وَإِذَا تَغَلَّبَ قَوْمٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بَلَدٍ وَخَرَجُوا عَنْ طَاعَةِ الْإِمَامِ دَعَاهُمْ إلَى الْعَوْدِ إلَى جَمَاعَتِهِمْ وَكَشَفَ عَنْ شُبْهَتِهِمْ‏)‏ يَعْنِي يَسَالُهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ إنْ كَانَ لِأَجْلِ ظُلْمٍ أَزَالَهُ عَنْهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ خُرُوجُهُمْ لِذَلِكَ وَلَكِنَّهُمْ قَالُوا الْحَقُّ مَعَنَا وَادَّعَوْا الْوِلَايَةَ فَهُمْ بُغَاةٌ وَلِلسُّلْطَانِ أَنْ يُقَاتِلَهُمْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ وَيَجِبُ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُعِينُوا السُّلْطَانَ وَيُقَاتِلُوهُمْ مَعَهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ أَيْ حَتَّى تَرْجِعَ عَنْ الْبَغْيِ إلَى كِتَابِ اللَّهِ وَالصُّلْحِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَالْبَغْيُ هُوَ الِاسْتِطَالَةُ وَالْعُدُولُ عَنْ الْحَقِّ وَعَمَّا عَلَيْهِ جَمَاعَةُ الْمُسْلِمِينَ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا يَبْدَؤُهُمْ بِقِتَالٍ حَتَّى يَبْدَءُوهُ‏)‏ هَذَا اخْتِيَارُ الْقُدُورِيِّ وَذَكَرَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّ عِنْدَنَا يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِقِتَالِهِمْ إذَا تَعَسْكَرُوا وَاجْتَمَعُوا؛ لِأَنَّهُ إذَا انْتَظَرَ حَقِيقَةَ قِتَالِهِمْ رُبَّمَا لَا يُمْكِنُهُ الدَّفْعُ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ بَدَءُونَا قَاتَلْنَاهُمْ حَتَّى نُفَرِّقَ جَمْعَهُمْ‏)‏ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ‏{‏فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ‏}‏ قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ أُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَاتُّبِعَ مُوَلِّيهِمْ‏)‏ أَيْ إذَا كَانَتْ لَهُمْ فِئَةٌ يَلْجَئُونَ إلَيْهَا قُتِلَ مُدْبِرُوهُمْ إذَا انْهَزَمُوا وَهَرَبُوا وَأُجْهِزَ عَلَى جَرِيحِهِمْ أَيْ أُسْرِعَ فِي قَتْلِهِ وَالْإِجْهَازُ الْإِسْرَاعُ وَيُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَزُولَ بَغْيُهُمْ وَإِنْ رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُخَلِّيَ الْأَسِيرَ خَلَّاهُ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ إذَا أَخَذَ أَسِيرًا اسْتَحْلَفَهُ أَنْ لَا يُعِينَ عَلَيْهِ وَخَلَّاهُ‏.‏

‏(‏قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فِئَةٌ لَمْ يُجْهَزْ عَلَى جَرِيحِهِمْ وَلَمْ يُتْبَعْ مُوَلِّيهمْ‏)‏ لِانْدِفَاعِ شَرِّهِمْ بِدُونِ ذَلِكَ قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا تُسْبَى لَهُمْذُرِّيَّةٌ وَلَا يُقَسَّمُ لَهُمْ مَالٌ‏)‏ لِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلُ أَسِيرُهُمْ وَلَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ وَلَا يُؤْخَذُ مَالٌ وَهُوَ الْقُدْوَةُ فِي هَذَا الْبَابِ فَقَوْلُهُ لَا يُكْشَفُ لَهُمْ سِتْرٌ مَعْنَاهُ لَا يُسْبَى لَهُمْ نِسَاءٌ وَقَوْلُهُ فِي الْأَسِيرِ تَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِئَةٌ فَإِذَا كَانَتْ لَهُمْ يُقْتَلُ الْأَسِيرُ إنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهُ‏.‏

قَوْلُهُ ‏(‏وَلَا بَأْسَ أَنْ يُقَاتَلُوا بِسِلَاحِهِمْ إنْ احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهِ‏)‏ وَالْكُرَاعُ كَذَلِكَ فَإِذَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا رَدَّ عَلَيْهِمْ سِلَاحَهُمْ وَكُرَاعَهُمْ لِأَنَّ مَالَهُمْ لَا يُمْلَكُ بِالْغَلَبَةِ وَإِنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْهُ حَتَّى لَا يَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِذَا زَالَ بَغْيُهُمْ رُدَّ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ ‏(‏وَيَحْبِسُ الْإِمَامُ أَمْوَالَهُمْ وَلَا يَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يُقَسِّمُهَا حَتَّى يَتُوبُوا فَيَرُدُّهَا عَلَيْهِمْ‏)‏ إلَّا أَنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُ الْكُرَاعَ وَيَحْبِسُ ثَمَنَهُ لِأَنَّ ذَلِكَ أَنْظَرُ وَأَيْسَرُ لِأَنَّ الْكُرَاعَ يَحْتَاجُ إلَى مُؤْنَةٍ وَقَدْ تَأْتِي عَلَى قِيمَتِهِ فَكَانَ بَيْعُهُ أَنْفَعَ لِصَاحِبِهِ وَمَا أَصَابَ الْخَوَارِجُ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ أَوْ أَصَابَ أَهْلُ الْعَدْلِ مِنْهُمْ مِنْ دَمٍ أَوْ جِرَاحَاتٍ أَوْ مَا اسْتَهْلَكَهُ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ عَلَى صَاحِبِهِ فَذَلِكَ كُلُّهُ هَدَرٌ لَا ضَمَانَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى الْآخَرِ، وَأَمَّا مَا فَعَلُوا قَبْلَ الْخُرُوجِ أَوْ بَعْدَ تَفْرِيقِ جَمْعِهِمْ أُخِذُوا بِهِ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ قَتْلَى أَهْلِ الْعَدْلِ شُهَدَاءُ يُصْنَعُ بِهِمْ مَا يُصْنَعُ بِالشُّهَدَاءِ يُدْفَنُونَ بِدِمَائِهِمْ وَلَا يُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ، وَأَمَّا قَتْلَى أَهْلِ الْبَغْيِ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَيُدْفَنُونَقَوْلُهُ ‏(‏وَمَا جَبَاهُ أَهْلُ الْبَغْيِ مِنْ الْبِلَادِ الَّتِي غَلَبُوا عَلَيْهَا مِنْ الْخَرَاجِ وَالْعُشْرِ لَمْ يَأْخُذْهُ الْإِمَامُ ثَانِيًا‏)‏ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يُجِيبُوا فَلِلْإِمَامِ الْعَدْلِ أَنْ يُطَالِبَهُمْ‏.‏

وَفِي الْمَبْسُوطِ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ سِنِينَ فِي عَسْكَرِ الْخَوَارِجِ ثُمَّ تَابَ لَمْ يُؤْخَذْ بِهَا لِعَدَمِ حِمَايَةِ الْإِمَامِ إذْ لَا يَجْرِي حُكْمُهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاتَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْحَقَّ يَلْزَمُهُ لِتَقَرُّرِ سَبَبِهِ وَكَذَا مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَرَفَ وُجُوبَ الزَّكَاةِ فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا قَوْلُهُ ‏(‏فَإِنْ كَانُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ أَجْزَأَ مَنْ أَخَذَ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا صَرَفُوهُ فِي حَقِّهِ وَأَفْتَى أَهْلُهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُعِيدُوا ذَلِكَ‏)‏ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِمْ فِي الْخَرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ مُقَاتِلَةٌ فَكَانُوا مَصَارِفَ وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ وَفِي الْعُشْرِ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْعُشْرَ حَقُّ الْفُقَرَاءِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الشَّيْخِ عَلَى الْعُشْرِ وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ بَاغِيًا وَهُوَ وَارِثُهُ فَهُوَ يَرِثُهُ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ بِحَقٍّ فَلَا يُمْنَعَ الْإِرْثَ وَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاغِي وَقَالَ كُنْت عَلَى حَقٍّ وَأَنَا الْآنَ عَلَى حَقٍّ أَيْضًا فَإِنَّهُ يَرِثُهُ وَإِنْ قَالَ قَتَلْته وَأَنَا أَعْلَمُ أَنِّي عَلَى بَاطِلٍ لَمْ يَرِثْهُ وَهَذَا عِنْدَهُمَا‏.‏

وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَرِثُ الْبَاغِي فِي الْوَجْهَيْنِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏