فصل: (بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: العناية شرح الهداية



.(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ):

قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ يَضِيقُ الثُّلُثُ عَنْ حَقِّهِمَا إذْ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، وَالْمَحِلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا يُدْلِي بِسَبَبٍ صَحِيحٍ وَضَاقَ الثُّلُثُ عَنْ حَقَّيْهِمَا فَيَقْتَسِمَانِهِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا كَمَا فِي أَصْحَابِ الدُّيُونِ فَيُجْعَلُ الْأَقَلُّ سَهْمًا وَالْأَكْثَرُ سَهْمَيْنِ فَصَارَ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ: سَهْمٌ لِصَاحِبِ الْأَقَلِّ وَسَهْمَانِ لِصَاحِبِ الْأَكْثَرِ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِلْآخَرِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ، فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا عَلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ عِنْدَهُمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: الثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ) لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ أَنَّ الْمُوصِي قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ وَالتَّفْضِيلَ، وَامْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ وَأُخْتَيْهَا.
وَلَهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِجَازَةِ مِنْ الْوَرَثَةِ، إذْ لَا نَفَاذَ لَهَا بِحَالٍ فَيَبْطُلُ أَصْلًا، وَالتَّفْضِيلُ يَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الِاسْتِحْقَاقِ فَبَطَلَ بِبُطْلَانِهِ كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّ لَهَا نَفَاذًا فِي الْجُمْلَةِ بِدُونِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَالِ سَعَةٌ فَتُعْتَبَرُ فِي التَّفَاضُلِ لِكَوْنِهِ مَشْرُوعًا فِي الْجُمْلَةِ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ).
لَمَّا كَانَ أَقْصَى مَا يَدُورُ عَلَيْهِ مَسَائِلُ الْوَصَايَا عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ثُلُثَ الْمَالِ ذَكَرَ تِلْكَ الْمَسَائِلَ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهِ فِي هَذَا الْبَابِ بَعْدَ ذِكْرِ مُقَدِّمَاتِ هَذَا الْكِتَابِ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ إلَخْ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ ثُمَّ أَوْصَى لِآخَرَ أَيْضًا بِذَلِكَ فَالْوَرَثَةُ إمَّا أَنْ يُجِيزُوهُمَا أَوْ لَا، فَإِنْ أَجَازُوا فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، إذْ لَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ حِينَئِذٍ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنْ الْآخَرِ فَتَسَاوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ، وَالتَّسَاوِي فِيهِ يُوجِبُ التَّسَاوِيَ فِي الِاسْتِحْقَاقِ، فَإِنْ كَانَ الْمَحَلُّ يَقْبَلُ الشَّرِكَةَ جُعِلَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَرَجُلَيْنِ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى نِكَاحِ امْرَأَةٍ تَبْطُلُ الْبَيِّنَتَانِ جَمِيعًا، وَقَوْلُهُ (وَإِنْ أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِالثُّلُثِ وَلِلْآخَرِ بِالسُّدُسِ) وَاضِحٌ، وَقَوْلُهُ (وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ) أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ فِي مَالِهِ سَهْمًا: أَيْ جَعَلَ مَفْعُولَ لَا يَضْرِبُ مَحْذُوفًا: أَيْ لَا يَضْرِبُ شَيْئًا وَصُورَةُ الْمُحَابَاةِ عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ حَصَلَتْ الْمُحَابَاةُ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ؛ لِأَنَّهُ فِي حَالِ الْمَرَضِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يُضْرَبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ فِي أَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ. وَصُورَةُ السِّعَايَةِ أَنْ يُوصِيَ بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي.
وَصُورَةُ الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ: أَيْ الْمُطْلَقَةِ هِيَ أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِلْآخَرِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَلَا كَذَلِكَ فِيمَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِ مَالِهِ أَوْ بِجَمِيعِ مَالِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ فِي مَخْرَجِهِ لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّ مَالَهُ لَوْ كَثُرَ أَوْ خَرَجَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَدْخُلُ فِيهِ تِلْكَ الْوَصِيَّةُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ (لَهُمَا فِي الْخِلَافِيَّةِ) وَهِيَ مَا إذَا أَوْصَى لِأَحَدِهِمَا بِجَمِيعِ مَالِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ (أَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ شَيْئَيْنِ الِاسْتِحْقَاقَ) عَلَى الْوَرَثَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ وَتَفْضِيلَ بَعْضِ أَهْلِ الْوَصَايَا عَلَى بَعْضٍ (وَقَدْ امْتَنَعَ الِاسْتِحْقَاقُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ وَلَا مَانِعَ مِنْ التَّفْضِيلِ فَيَثْبُتُ كَمَا فِي الْمُحَابَاةِ) وَالسِّعَايَةِ وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَقَعَتْ بِغَيْرِ الْمَشْرُوعِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ التَّفْضِيلَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِنَاءً عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ؛ وَإِذَا بَطَلَ الِاسْتِحْقَاقُ بَطَلَ مَا ثَبَتَ فِي ضِمْنِهِ (كَالْمُحَابَاةِ الثَّابِتَةِ فِي ضِمْنِ الْبَيْعِ) تَبْطُلُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَمَّا بَطَلَتْ بَقِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُوصًى لَهُ بِالثُّلُثِ وَفِي ذَلِكَ يَتَسَاوَيَانِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا (بِخِلَافِ مَوَاضِعِ الْإِجْمَاعِ) يَعْنِي الْمُحَابَاةَ وَأُخْتَيْهَا وَهُوَ وَاضِحٌ. وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ وَقِيمَتُهُ تَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فَإِنَّهُ يَضْرِبُ بِالثُّلُثِ وَإِنْ احْتَمَلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ، لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقُّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ هَلَكَ وَاسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ، وَفِي الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ لَوْ هَلَكَتْ التَّرِكَةُ تَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ يَكُنْ مُتَعَلِّقًا بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ.
قَالَ (وَإِذَا أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ.
وَلَوْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ، لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالثَّانِيَ وَصِيَّةٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِهِ فَيَجُوزُ، وَقَالَ زُفَرُ: يَجُوزُ فِي الْأَوَّلِ أَيْضًا فَيُنْظَرُ إلَى الْحَالِ وَالْكُلُّ مَالُهُ فِيهِ وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِعَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ) صُورَةُ نَقْضٍ تَرِدُ عَلَى الْمَسَائِلِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا.
وَقَوْلُهُ (وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَزِيدَ الْمَالُ فَيَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ عَبْدًا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَبِثُلُثِ مَالِهِ لِآخَرَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَى الْعَبْدِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَإِنْ اُحْتُمِلَ أَنْ يَكْتَسِبَ هَذَا الْعَبْدُ مَالًا فَتَصِيرُ رَقَبَتُهُ مُسَاوِيَةً لِثُلُثِ الْمَالِ أَوْ يَظْهَرُ لَهُ مَالٌ بِحَيْثُ يَصِيرُ الْعَبْدُ ثُلُثَ الْمَالِ.
وَقَوْلُهُ؛ (لِأَنَّ هُنَاكَ الْحَقَّ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ) يَعْنِي أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ تَعَلَّقَ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ الْعَيْنُ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ اسْتَفَادَ مَالًا آخَرَ، وَحَقُّ الْوَرَثَةِ أَيْضًا يَتَعَلَّقُ بِعَيْنِ التَّرِكَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ الْحَقَّيْنِ، بِخِلَافِ الْأَلْفِ الْمُرْسَلَةِ؛ وَلِهَذَا لَوْ هَلَكَتْ يَنْفُذُ فِيمَا يُسْتَفَادُ فَلَمْ تَتَعَلَّقْ بِعَيْنِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَلَا يَلْزَمُ بُطْلَانُهُ.
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ) وَمَنْ أَوْصَى بِنَصِيبِ ابْنِهِ وَهُوَ مَوْجُودٌ بَطَلَتْ وَصِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ (وَإِنْ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِهِ جَازَ) كَانَ لَهُ ابْنٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ (لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ؛ لِأَنَّ نَصِيبَ الِابْنِ مَا يُصِيبُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ) بِنَصِّ الْكِتَابِ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَالِ الْغَيْرِ لَا تَجُوزُ (وَالثَّانِي وَصِيَّةٌ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ، وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ وَإِنْ كَانَ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) وَقَالَ زُفَرُ: جَازَتْ الْأُولَى كَالثَّانِيَةِ نَظَرًا إلَى حَالِ الْوَصِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْمَالَ كُلَّهُ لَهُ فِي ذَلِكَ الْحَالِ لِكَوْنِهِ حَيًّا بَعْدُ وَلِلْمَالِكِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي مِلْكِهِ كَيْفَ يَشَاءُ (وَجَوَابُهُ مَا قُلْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ وَصِيَّةٌ بِمَالِ الْغَيْرِ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَرَثَةُ) لِأَنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدَ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لاسيما فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ بِهِ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ، إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ.
وَلَهُ أَنَّ السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِيمَا يُرْوَى، وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ، فَإِنَّ إيَاسًا قَالَ: السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَيُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا، قَالُوا: هَذَا كَانَ فِي عُرْفِهِمْ، وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهِ) مَعْنَاهُ فَلَهُ السُّدُسُ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: أَخَسُّ الْأَنْصِبَاءِ أَقَلُّهُ وَالثَّمَنُ أَقَلُّ مِنْ السُّدُسِ فَكَيْفَ جَعَلَهُ بِمَعْنَى السُّدُسِ، قُلْت: جَعَلَهُ بِمَعْنَاهُ بِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ الْأَثَرِ وَاللُّغَةِ، أَمَّا الْأَثَرُ فَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَدْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يُرْوَى أَنَّ «السَّهْمَ هُوَ السُّدُسُ».
وَأَمَّا اللُّغَةُ فَإِنَّ إيَاسَ بْنَ مُعَاوِيَةَ قَاضِي الْبَصْرَةِ قَالَ: السَّهْمُ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ عِبَارَةَ الْمَشَايِخِ وَالشَّارِحِينَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ اخْتَلَفَتْ اخْتِلَافًا لَا يَكَادُ يُعْلَمُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَسَبَبُ ذَلِكَ اخْتِلَافُ رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ.
قَالَ فِي الْكَافِي: فَعَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ جَوَّزَ أَبُو حَنِيفَةَ النُّقْصَانَ مِنْ السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَعَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ جَوَّزَ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ وَلَمْ يُجَوِّزْ النُّقْصَانَ عَنْ السُّدُسِ، وَرِوَايَةُ الْمُصَنِّفِ تُخَالِفُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمَّ لَهُ السُّدُسُ لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ) لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، فَإِمَّا أَنَّهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِمَا، وَإِمَّا أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَهُمَا (وَقَالَا: لَهُ مِثْلُ نَصِيبِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ وَلَا يُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يُجِيزَهُ الْوَرَثَةُ) وَمَفْزَعُهُمَا الْعُرْفُ (فَإِنَّ السَّهْمَ يُرَادُ بِهِ أَحَدُ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عُرْفًا لاسيما فِي الْوَصِيَّةِ، وَالْأَقَلُّ مُتَيَقَّنٌ فَيُصْرَفُ إلَيْهِ) إلَّا إذَا زَادَ: أَيْ الْأَقَلُّ (عَلَى الثُّلُثِ فَيُرَدُّ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ عِنْدَ عَدَمِ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ) وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي جَوَابِ السُّؤَالِ مِنْ أَثَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَوْلِ إيَاسٍ.
وَقَوْلُهُ؛ (وَلِأَنَّهُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ السُّدُسُ إلَخْ) مُشْكِلٌ، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْهِدَايَةِ فَيُعْطَى مَا ذَكَرْنَا، وَفِي بَعْضِهَا فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا.
وَفَسَّرَ الْأُولَى بَعْضُ الشَّارِحِينَ فَقَالَ: يَعْنِي إنْ كَانَ أَخَسُّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ أَقَلَّ مِنْ السُّدُسِ يُعْطَى السُّدُسَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ السَّهْمَ عِبَارَةٌ عَنْ السُّدُسِ، وَإِنْ كَانَ أَخَسُّ السِّهَامِ أَكْثَرَ مِنْهُ يُعْطَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّ السَّهْمَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ عَمَلًا بِالدَّلِيلَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ أَخَسَّ السِّهَامِ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ السُّدُسِ فَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَلِيلٍ لِمَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ، فَإِنَّ فِيهِ الزِّيَادَةَ عَلَى السُّدُسِ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكِتَابِ: وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُرَادُهُ السُّدُسَ فَمَا ثَمَّ عَمَلٌ بِالدَّلِيلَيْنِ.
وَأَمَّا الثَّانِيَةُ وَهُوَ قَوْلُهُ فَيُعْطَى الْأَقَلَّ مِنْهُمَا يُؤَدِّي إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ وَفِي الْكِتَابِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيُتِمَّ لَهُ السُّدُسَ.
وَأَيْضًا قَوْلُهُ (مَا ذَكَرْنَا) إنْ أَرَادَ بِهِ السُّدُسَ فَلَا تَعَلُّقَ لِقَوْلِهِ وَقَدْ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْوَرَثَةِ بِالدَّلِيلِ؛ لِأَنَّهُ يَتِمُّ بِقَوْلِ إيَاسٍ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ الْأَقَلَّ مِنْهُمَا عَادَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ الْأَدَاءُ إلَى النُّقْصَانِ عَنْ السُّدُسِ، وَأَرَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ مَا ذَكَرْنَا هُوَ الْأَقَلُّ مِنْهُمَا لِيَكُونَ مَعْنَى النُّسْخَتَيْنِ وَاحِدًا، وَأَشَارَ بِذَلِكَ إلَى رِوَايَةِ الْمَبْسُوطِ وَهِيَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ جَوَازِ النُّقْصَانِ دُونَ الزِّيَادَةِ عَلَى السُّدُسِ تَنْبِيهًا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكِتَابِ مِنْ قَوْلِهِ إلَّا أَنْ يَنْقُصَ عَنْ السُّدُسِ فَيَتِمُّ لَهُ السُّدُسُ وَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ لَيْسَ رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ رِوَايَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ هَذَا مُرَادَهُ فَهُوَ كَمَا تَرَى تَعْمِيَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ، وَجَهْدُ الْمُقِلِّ دُمُوعُهُ.
وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا أَوْصَتْ الْمَرْأَةُ بِسَهْمٍ مِنْ مَالِهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ زَوْجًا وَبِنْتًا عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْطَى السُّدُسَ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يُعْطَى الرُّبُعَ: أَيْ مِثْلَ الرُّبُعِ فَيُعْطَى الْخُمُسَ تُجْعَلُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى سِتَّةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى السُّدُسِ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ بَقِيَتْ خَمْسَةٌ لِلزَّوْجِ مِنْهُ الرُّبُعُ وَلَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِ فَيُضْرَبُ فِي أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ مَخْرَجُ الْكَسْرِ وَهُوَ أَرْبَعَةٌ تَبْلُغُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ كَانَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمٌ يُضْرَبُ فِي أَرْبَعَةٍ فَهُوَ أَرْبَعَةٌ وَهُوَ سُدُسُ الْمَالِ بَقِيَ عِشْرُونَ لِلزَّوْجِ مِنْهَا الرُّبُعُ، وَهُوَ خَمْسَةٌ وَالْبَاقِي لِلْبِنْتِ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا عَلَى خَمْسَةٍ يُزَادُ مِثْلُ أَخَسِّ سِهَامِ الْوَرَثَةِ، وَهُوَ وَاحِدٌ عَلَى الْفَرِيضَةِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ فَتَصِيرُ خَمْسَةً يُعْطَى الْمُوصَى لَهُ سَهْمًا وَالزَّوْجُ سَهْمًا وَهُوَ رُبُعُ الْبَاقِي بَعْدَ نَصِيبِ الْمُوصَى لَهُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْبِنْتِ، وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْصَى بِمِثْلِ نَصِيبِ الزَّوْجِ وَمِثْلُ الشَّيْءِ غَيْرُهُ فَيُزَادُ مِثْلُ الرُّبُعِ عَلَى الْأَرْبَعَةِ لِيَكُونَ الْمَزِيدُ مَثَلًا لِلرُّبُعِ، وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ فَتَخْرِيجُهُ كَتَخْرِيجِهِمَا، وَعَلَى هَذَا قِسْ أَمْثَالَهَا وَخَرَّجَهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ (قَالُوا) أَيْ مَشَايِخُنَا كَانَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَفِي عُرْفِنَا السَّهْمُ كَالْجُزْءِ قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ) لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ، غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مُقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ.
الشَّرْحُ:
(وَلَوْ أَوْصَى بِجُزْءٍ مِنْ مَالِهِ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ أَعْطُوهُ مَا شِئْتُمْ؛ لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ غَيْرَ أَنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ وَالْوَرَثَةُ قَائِمُونَ مَقَامَ الْمُوصِي فَإِلَيْهِمْ الْبَيَانُ) وَلَوْ أَوْصَى بِبَعْضٍ مِنْ مَالِهِ أَوْ بِطَائِفَةٍ أَوْ بِنَصِيبٍ أَوْ بِشَيْءٍ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قَالَ (وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ لَهُ ثُلُثُ مَالِي وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ وَيَدْخُلُ السُّدُسُ فِيهِ، وَمَنْ قَالَ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ أَوْ فِي غَيْرِهِ سُدُسُ مَالِي لِفُلَانٍ فَلَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ) لِأَنَّ السُّدُسَ ذُكِرَ مُعَرَّفًا بِالْإِضَافَةِ إلَى الْمَالِ، وَالْمَعْرِفَةُ إذَا أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ هُوَ الْمَعْهُودُ فِي اللُّغَةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَلَهُ ثُلُثُ الْمَالِ) فَإِنْ قِيلَ: إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ لِقَوْلِهِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَائِدَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ؛ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأَوَّلِ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إيجَابَ الثُّلُثِ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْمَعْرِفَةُ مَتَى أُعِيدَتْ يُرَادُ بِالثَّانِي عَيْنُ الْأَوَّلِ) قَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ مُسْتَوْفًى بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ) وَقَالَ زُفَرُ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تُوِيَ مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً.
وَلَنَا أَنَّ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمِيعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَفِيهِ جَمْعٌ وَالْوَصِيَّةُ مُقَدَّمَةٌ فَجَمَعْنَاهَا فِي الْوَاحِدِ الْبَاقِي وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ كَالدِّرْهَمِ، بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ فِيهَا جَبْرًا فَكَذَا تَقْدِيمًا.
قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَاهَا وَبَقِيَ ثُلُثُهَا وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ إلَّا ثُلُثَ مَا بَقِيَ مِنْ الثِّيَابِ، قَالُوا: هَذَا) إذَا كَانَتْ الثِّيَابُ مِنْ أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَلَوْ كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الدَّرَاهِمِ، وَكَذَلِكَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ بِمَنْزِلَتِهَا لِأَنَّهُ يَجْرِي فِيهِ الْجَمْعُ جَبْرًا بِالْقِسْمَةِ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقِهِ فَمَاتَ اثْنَانِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلَّا ثُلُثُ الْبَاقِي، وَكَذَا الدُّورُ الْمُخْتَلِفَةُ) وَقِيلَ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهَا.
وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا الْقَاضِي أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ، وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ) وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ بِثُلُثِ غَنَمِهِ (فَهَلَكَ ثُلُثَا ذَلِكَ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ، وَقَالَ زُفَرَ: لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْهَالِكِ وَالْبَاقِي (مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يَتْوَى مَا تَوَى مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَيْهَا، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً) وَهُوَ الْقِيَاسُ (وَلَنَا أَنَّ هَذَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَالْجِنْسُ الْوَاحِدُ يُمْكِنُ فِيهِ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ) أَيْ يُمْكِنُ جَمْعُ حَقٍّ شَائِعٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي (فَرْدٍ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ) مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ، وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جَمْعًا حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْمُعَيَّنِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ الْوَرَثَةِ بِقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ، فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَالتَّبَعِ وَحَقُّ الْمُوصِي لَهُ كَالْأَصْلِ، وَالْأَصْلُ فِي مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنْ يُجْعَلَ الْهَالِكُ مِنْ التَّبَعِ دُونَ الْأَصْلِ، كَمَالِ الْمُضَارَبَةِ إذَا كَانَ فِيهِ رِبْحٌ وَهَلَكَ بَعْضُهُ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الرِّبْحِ الَّذِي هُوَ تَبَعٌ لَا إلَى رَأْسِ الْمَالِ (وَصَارَتْ الدَّرَاهِمُ) أَيْ صَارَتْ الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الدَّرَاهِمِ كَالْوَصِيَّةِ بِالدِّرْهَمِ الْوَاحِدِ.
وَلَوْ أَوْصَى بِدِرْهَمٍ وَلَهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ فَهَلَكَ دِرْهَمَانِ وَبَقِيَ دِرْهَمٌ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ كَانَ لَهُ الدِّرْهَمُ فَكَذَلِكَ هَذَا.
وَقَوْلُهُ (بِخِلَافِ الْأَجْنَاسِ الْمُخْتَلِفَةِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْجَمْعَ فِيهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، فَإِنَّهُ إذَا تَرَكَهَا وَطَلَبَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ الْقِسْمَةَ وَأَبَى الْبَاقُونَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْقِسْمَةِ الِانْتِفَاعُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَهِيَ فِيهَا مُتَعَذِّرَةٌ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ تَعَذَّرَ التَّقْدِيمُ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْجَمْعَ فَبَقِيَ الْكُلُّ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ أَثْلَاثًا، فَمَا هَلَكَ هَلَكَ عَلَى الشَّرِكَةِ وَمَا بَقِيَ بَقِيَ عَلَيْهَا أَثْلَاثًا، وَظَهَرَ مِنْ هَذَا قَوْلُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ ثِيَابِهِ، وَأَمَّا إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ رَقِيقِهِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثُلُثِ ثَلَاثَةٍ مِنْ الدُّورِ فَلَيْسَ لَهُ إلَّا الثُّلُثُ الْبَاقِي لِكَثْرَةِ التَّفَاوُتِ، هَكَذَا أَجَابَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ.
وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ (فَقِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ) فِيهَا فَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَالدُّورُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَلِكَ الرَّقِيقُ، فَيَكُونُ لِلْمُوصَى لَهُ الْعَبْدُ الْبَاقِي وَالدَّارُ الْبَاقِيَةُ؛ لِأَنَّ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ قِسْمَةً وَاحِدَةً فَيَجْمَعَ نَصِيبَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي عَبْدٍ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ، وَإِلَى هَذَا مَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَالْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ.
وَقِيلَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ قَوْلُ الْكُلِّ؛ لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَجِبُ عَلَى الْقَاضِي الْقِسْمَةُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ (أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَجْمَعَ وَبِدُونِ ذَلِكَ) أَيْ بِدُونِ اجْتِهَادِ الْقَاضِي وَجَمْعِهِ (يَتَعَذَّرُ الْجَمْعُ) وَإِذَا هَلَكَ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فِعْلٌ مِنْ الْقَاضِي فَكَانَ الْمَالُ عَلَى الشَّرِكَةِ مَا بَقِيَ وَمَا هَلَكَ (وَالْأَوَّلُ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافٌ (أَشْبَهَ لِلْفِقْهِ الْمَذْكُورِ) وَهُوَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يَرَى الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةِ فِي الرَّقِيقِ وَالدُّورِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ لِأَنَّهُ يَجْعَلُهَا أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً، وَهُمَا يَرَيَانِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمَا يَجْعَلَانِهَا جِنْسًا وَاحِدًا. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ، فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ دُفِعَ إلَى الْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إيفَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ مِنْ غَيْرِ بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ دُفِعَ إلَيْهِ ثُلُثُ الْعَيْنِ، وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أَخَذَ ثُلُثَهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ، وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ لِلْعَيْنِ فَضْلًا عَنْ الدَّيْنِ، وَلِأَنَّ الدَّيْنَ لَيْسَ بِمَالٍ فِي مُطْلَقِ الْحَالِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا عِنْدَ الِاسْتِيفَاءِ فَإِنَّمَا يَعْتَدِلُ النَّظَرُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ) وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ (وَلَهُ مَالٌ عَيْنٌ وَدَيْنٌ فَإِنْ خَرَجَ الْأَلْفُ مِنْ ثُلُثِ الْعَيْنِ) بِأَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ نَقْدًا (دُفِعَ) الْأَلْفُ مِنْهُ (إلَى الْمُوصَى لَهُ) وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَإِنْ كَانَ النَّقْدُ أَلْفًا دُفِعَ مِنْهُ إلَيْهِ ثُلُثُهُ (وَكُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ أُخِذَ ثُلُثُهُ حَتَّى يُسْتَوْفَى الْأَلْفُ؛ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ) وَالْأَصْلُ فِي الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ أَنْ يُوَفِّيَ حَقَّ كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِلَا بَخْسٍ، وَلَا بَخْسَ فِي حَقِّ أَحَدٍ بِتَخْصِيصِ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْنِ فِي الْأَوَّلِ فَيُصَارُ إلَيْهِ، وَفِي الثَّانِيَةِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ بِتَخْصِيصِ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفَيْنِ؛ (لِأَنَّ لِلْعَيْنِ فَضْلًا عَلَى الدَّيْنِ) عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ فَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا تَعْدِيلُ النَّظَرِ لِلْجَانِبَيْنِ.
قِيلَ الْمُوصَى بِهِ أَلْفٌ مِنْ الْمَالِ وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ أَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ لَمْ يَحْنَثْ بِدُيُونٍ لَهُ عَلَى النَّاسِ.
سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَرَثَةِ مُطْلَقًا، فَإِنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِشَيْءٍ مُعَيَّنٍ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَهَلَكَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْوَارِثِ، وَلَوْ كَانَ شَرِيكًا لَهُ لَوَجَبَ عَلَى الْوَارِثِ حِصَّةُ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْأَوَّلِ أَنَّ الْمُوصَى بِهِ أَلْفٌ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالًا فِي الْحَالِ، أَوْ فِي الْمَآلِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ وَكِلَاهُمَا تَرِكَةٌ.
وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ إذَا كَانَتْ فِي غَيْرِ مُعَيَّنٍ.
وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَإِنَّ الْوَارِثَ كَالْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَتَعَدَّ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِذَا عَمْرٌو مَيِّتٌ فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَجِدَارٍ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِمَوْتِهِ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ صَحِيحَةٌ لِعَمْرٍو فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْمَيِّتِ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِلْحَيِّ، وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ زَيْدٍ وَعَمْرٍو وَزَيْدٌ مَيِّتٌ كَانَ لِعَمْرٍو نِصْفُ الثُّلُثِ، لِأَنَّ قَضِيَّةَ هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي لِزَيْدٍ وَسَكَتَ كَانَ لَهُ كُلُّ الثُّلُثِ، وَلَوْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَ فُلَانٍ وَسَكَتَ لَمْ يَسْتَحِقَّ الثُّلُثَ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو بِثُلُثِ مَالِهِ) وَاضِحٌ، وَانْدَفَعَ بِقَوْلِهِ (فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ) مَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَهُمَا بِالْحَيَاةِ فَمَاتَ ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّ لِلْبَاقِي نِصْفَ الثُّلُثِ؛ لِوُجُودِ الْمُزَاحَمَةِ بَيْنَهُمَا حَالَ الْمِلْكِ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ مَوْتُ أَحَدِهِمَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهُ بَلْ يَقُومُ وَارِثُهُ فِيهِ مَقَامَهُ كَمَوْتِ أَحَدِ الْوَرَثَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُورَثِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ عِلْمِ الْمُوصِي بِحَيَاتِهِ وَعَدَمِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْحَيِّ مِنْهُمَا لِجَمِيعِ الثُّلُثِ بِعَدَمِ الْمُزَاحَمَةِ عِنْدَ إيجَابِ الْمُوصِي، وَفِي هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ، وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عِنْدَهُ لِلْمُوصِي وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ وَاكْتَسَبَ مَالًا اسْتَحَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثُلُثَ مَا يَمْلِكُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمَالِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلَهُ، وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا لِمَا بَيَّنَّا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ) ظَاهِرٌ. وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ، وَهَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ، لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بِلَفْظِ الْمَالِ تَصِحُّ، فَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ، وَهَذَا لِأَنَّ وُجُودَهُ قَبْلَ الْمَوْتِ فَضْلٌ وَالْمُعْتَبَرُ قِيَامُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ؛ وَلَوْ قَالَ لَهُ شَاةٌ مِنْ مَالِي وَلَيْسَ لَهُ غَنَمٌ يُعْطِي قِيمَةَ شَاةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ إذْ مَالِيَّتُهَا تُوجَدُ فِي مُطْلَقِ الْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى بِشَاةٍ وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ قِيلَ لَا يَصِحّ لِأَنَّ الْمُصَحَّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا تُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَمَعْنَاهَا، وَقِيلَ تَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكَهُ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ؛ وَلَوْ قَالَ شَاةٌ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ فَالْوَصِيَّة بَاطِلَةٌ، لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عَلِمْنَا أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جَعَلَهَا جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَهُ إلَى الْمَالِ وَعَلَى هَذَا يُخَرَّجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ إلَى مَالٍ خَاصٍّ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْيِينِ كَمَا لَوْ أَوْصَى بِهَذِهِ الشَّاةِ وَلَمْ تَكُنْ فِي مِلْكِهِ ثُمَّ مَلَكَ فَإِنَّهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ.
قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ: هَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِصَحِيحٍ عِنْدَنَا؛ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْوَصِيَّةَ إلَى غُنْمٍ مُرْسَلٍ بِغَيْرِ تَعْيِينٍ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ إضَافَتِهِ إلَى ثُلُثِ الْمَالِ.
وَقَوْلُهُ (وَعَلَى هَذَا يَخْرُجُ كَثِيرٌ مِنْ الْمَسَائِلِ) فَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ لَوْ قَالَ بِقَفِيزٍ مِنْ حِنْطَةٍ مِنْ مَالِي وَبِثَوْبٍ مِنْ مَالِي فَإِنَّهُ يَصِحُّ الْإِيجَابُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ مَنْ حِنْطَتِي أَوْ مِنْ ثِيَابِي فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُوجَدْ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ فَلَا شَيْءَ لِلْمُوصَى لَهُ، وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرْنَاهُ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ فَلَهُنَّ ثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ مِنْ خَمْسَةِ أَسْهُمٍ) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ لَهُنَّ ثَلَاثَةٌ وَلِكُلِّ فَرِيقٍ سَهْمَانِ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ وَالْفُقَرَاءُ وَالْمَسَاكِينُ جِنْسَانِ، وَفَسَّرْنَاهُمَا فِي الزَّكَاةِ لِمُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الْمَذْكُورَ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ نَجِد ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ فَكَانَ مِنْ كُلِّ فَرِيقِ اثْنَانِ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ ثَلَاثٌ فَلِهَذَا يُقْسَمُ عَلَى سَبْعَةٍ.
وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ، وَأَنَّهُ بِتَنَاوُلِ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ، لاسيما عِنْدَ تَعَذُّرِ صَرْفِهِ إلَى الْكُلِّ فَيُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ فَرِيقٍ وَاحِدٌ فَبَلَغَ الْحِسَابُ خَمْسَةً وَالثَّلَاثَةُ لِلثَّلَاثِ.
قَالَ (وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِهِ لِفُلَانٍ وَلِلْمَسَاكِينِ فَنِصْفُهُ لِفُلَانِ وَنِصْفُهُ لِلْمَسَاكِينِ عِنْدَهُمَا) وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ ثُلُثُهُ لِفُلَانٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ، وَلَوْ أَوْصَى لِلْمَسَاكِينِ لَهُ صَرْفُهُ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَا يُصْرَفُ إلَّا إلَى مِسْكِينَيْنِ بِنَاءً عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ) مَا ذَكَرَهُ وَاضِحٌ صُورَةً وَتَعْلِيلًا، خَلَا قَوْلِهِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ جَائِزَةٌ فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى بَعْضِ بَيَانٍ، وَهُوَ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُنَّ جَائِزَةٌ اسْتِحْسَانًا.
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، فَإِنَّمَا تَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ بَعْدَ مَوْتِ مَوْلَاهَا وَذَلِكَ حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا فَالْعِتْقُ يُحِلُّهَا وَهِيَ أَمَةٌ فَتَسْتَحِقُّ الْوَصِيَّةَ وَهِيَ أَمَةٌ، وَالْوَصِيَّةُ لِأَمَتِهِ بِشَيْءٍ غَيْرِ رَقَبَتِهَا بَاطِلَةٌ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مُضَافَةٌ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا لَا حَالَ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهَا بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِهِ أَنْ يَقْصِدَ وَصِيَّةً صَحِيحَةً لَا بَاطِلَةً، وَالصَّحِيحَةُ هِيَ الْمُضَافَةُ إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهَا.
فَإِنْ قِيلَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ لِعَبْدِهِ جَائِزَةٌ وَلَمْ يَعْتِقْ بَعْدَ مَوْتِهِ وَأُمُّ الْوَلَدِ لَيْسَتْ أَقَلَّ حَالًا مِنْهُ فَكَيْفَ لَمْ تَصِحَّ الْوَصِيَّةُ لَهَا قِيَاسًا.
أُجِيبَ بِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِثُلُثِ الْمَالِ لِلْعَبْدِ إنَّمَا جَازَتْ لِتَنَاوُلِهِ ثُلُثَ رَقَبَتِهِ فَكَانَ وَصِيَّةً بِرَقَبَتِهِ، وَالْوَصِيَّةُ بِرَقَبَتِهِ إعْتَاقٌ وَهُوَ يَصِحُّ مُنَجَّزًا وَمُضَافًا، بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَهَا بِذَلِكَ لَيْسَتْ إعْتَاقًا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَقُ بِمَوْتِ الْمَوْلَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ وَصِيَّةٌ أَصْلًا.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الْوَصِيَّةُ بِثُلُثِ الْمَالِ إمَّا أَنْ صَادَفَهَا بَعْدَ مَوْتِ الْمَوْلَى وَهِيَ حُرَّةٌ أَوْ أَمَةٌ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ فَلَا وَجْهَ لِنَفْيِ الْقِيَاسِ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَكَذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَالْعَبْدِ الْمُوصَى لَهُ بِثُلُثِ الْمَالِ.
وَالْجَوَابُ أَنَّهَا لَيْسَتْ كَالْعَبْدِ؛ لِأَنَّ عِتْقَهَا لابد وَأَنْ يَكُونَ بِمَوْتِ الْمَوْلَى، فَلَوْ كَانَ بِالْوَصِيَّةِ أَيْضًا تَوَارَدَ عِلَّتَانِ مُسْتَقِلَّتَانِ عَلَى مَعْلُولٍ وَاحِدٍ بِالشَّخْصِ وَهُوَ ثُلُثُ رَقَبَتِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ.
وَقَوْلُهُ (وَأَدْنَاهُ فِي الْمِيرَاثِ) قَيَّدَ بِذَلِكَ احْتِرَازًا عَنْ فَصْلِ الزَّكَاةِ؛ فَإِنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ هُنَاكَ مُنْصَرِفٌ إلَى الْوَاحِدِ بِالْإِجْمَاعِ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، ثُمَّ لَمَّا كَانَ لَفْظُ الْجَمْعِ فِي الْمِيرَاثِ مَصْرُوفًا إلَى الِاثْنَيْنِ وَالْوَصِيَّةُ فِي مَعْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا تَمْلِيكُ الْمَالِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَانَ الْجَمْعُ هُنَاكَ أَيْضًا مُنْصَرِفًا إلَى الِاثْنَيْنِ.
وَقَوْلُهُ (نَجِدُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ) يُرِيدُ بِهِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} وَالْمُرَادُ بِهَا الِاثْنَانِ فَصَاعِدًا وَقَدْ عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَكَذَا قَوْلُهُ (وَإِنَّهُ يَتَنَاوَلُ الْأَدْنَى مَعَ احْتِمَالِ الْكُلِّ). قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَلِآخَرَ بِمِائَةٍ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ قَدْ أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا فَلَهُ ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لِلْمُسَاوَاةِ لُغَةً، وَقَدْ أَمْكَنَ إثْبَاتُهُ بَيْنَ الْكُلِّ بِمَا قُلْنَاهُ لِاتِّحَادِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثَا مِائَةٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْإِشْرَاكُ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَ الْكُلِّ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ كُلَّ وَاحِدٍ بِتَنْصِيفِ نَصِيبِهِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ ظَاهِرَةٌ وَدَلِيلُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ وَالْقِيَاسُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ؛ لِأَنَّ لَفْظَ الْإِشْرَاكِ يَقْتَضِي التَّسْوِيَةَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} وَقَدْ أَشْرَكَ الثَّالِثَ فِيمَا أَوْصَى بِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْمِائَةِ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ كُلِّ مِائَةٍ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَثْبَتَ الشَّرِكَةَ وَهِيَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَالْمُسَاوَاةُ إنَّمَا تَثْبُتُ إذَا أَخَذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَ الْمِائَةِ مُقْتَضَى إشْرَاكِهِ إيَّاهُمَا جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَإِنَّمَا بِأَخْذِ نِصْفِ كُلِّ مِائَةٍ لَوْ كَانَ اشْتِرَاكُهُ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مُنْفَرِدًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَلِآخَرَ بِمِائَتَيْنِ ثُمَّ كَانَ الْإِشْرَاكُ) أَيْ ثُمَّ قَالَ لِآخَرَ أَشْرَكْتُكَ مَعَهُمَا فَإِنَّ لَهُ نِصْفَ كُلِّ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ تَحَقُّقَ الْمُسَاوَاةِ فِيهِمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ (لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ) فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ لَفْظِ الْإِشْرَاكِ (فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِكُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ (عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ). قَالَ (وَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ لِوَرَثَتِهِ (فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ.
وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَوْلُهُ (فَصَدَّقُوهُ) صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا فَلَا يُعْتَبَرُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مِنْ قَصْدِهِ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ تَنْفِيذُ قَصْدِهِ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ وَقَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ مَنْ يَعْلَمُ بِأَصْلِ الْحَقِّ عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ سَعْيًا مِنْهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَبِجَعْلِهَا وَصِيَّةً جَعَلَ التَّقْدِيرَ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ، وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ عَلَى الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ.
قَالَ (وَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ يُعْزَلُ الثُّلُثُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا وَالثُّلُثَانِ لِلْوَرَثَةِ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ.
وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ، وَفِي الْإِفْرَازِ فَائِدَةٌ أُخْرَى وَهُوَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْلَمَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ خِصَامًا، وَعَسَاهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ وَبَعْدَ الْإِفْرَازِ يَصِحُّ إقْرَارُ كُلِّ وَاحِدٍ فِيمَا فِي يَدِهِ مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ (وَإِذَا عَزَلَ يُقَالُ لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَيُقَالُ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ) لِأَنَّ هَذَا دَيْنٌ فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ، فَإِذَا أَقَرَّ كُلُّ فَرِيقٍ بِشَيْءٍ ظَهَرَ أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي النَّصِيبَيْنِ (فَيُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا وَالْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا) تَنْفِيذًا لِإِقْرَارِ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ وَعَلَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ قَالَ) يَعْنِي لِوَرَثَتِهِ (عَلَيَّ لِفُلَانٍ دَيْنٌ فَصَدَّقُوهُ) يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ اسْتِحْسَانًا (وَفِي الْقِيَاسِ لَا يُصَدَّقُ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ) وَالْإِقْرَارُ بِالْمَجْهُولِ وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ إذَا اقْتَرَنَ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ بَيَانٌ وَقَدْ فَاتَ بِمَوْتِهِ، وَقَوْلُهُ (فَصَدَّقُوهُ) يَعْنِي فِيمَا قَالَ لَا يَصْلُحُ بَيَانًا لِكَوْنِهِ (صَدَرَ مُخَالِفًا لِلشَّرْعِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَتَعَذَّرَ إثْبَاتُهُ إقْرَارًا مُطْلَقًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ الْمُقِرَّ قَصَدَ بِهَذَا الْكَلَامِ تَقْدِيمَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ) وَهُوَ مَالِكٌ لِذَلِكَ فِي الثُّلُثِ وَأَمْكَنَ تَنْفِيذُهُ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ فَيَنْفُذُ.
فَإِنْ قِيلَ: لَوْ كَانَ قَصْدُهُ الْوَصِيَّةَ لَصَرَّحَ بِهَا.
أَجَابَ بِقَوْلِهِ (وَقَدْ يَحْتَاجُ) أَيْ: الْمُقِرُّ إلَى مِثْلِ هَذَا الْكَلَامِ (لِعِلْمِهِ بِأَصْلِ الْحَقِّ الَّذِي عَلَيْهِ دُونَ مِقْدَارِهِ سَعْيًا مِنْهُ فِي تَفْرِيغِ ذِمَّتِهِ فَبِجَعْلِهَا) أَيْ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ (وَصِيَّةً جُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ كَأَنَّهُ قَالَ إذَا جَاءَكُمْ فُلَانٌ وَادَّعَى شَيْئًا فَأَعْطُوهُ مِنْ مَالِي مَا شَاءَ وَهَذِهِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الثُّلُثِ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ إلَى الثُّلُثِ دُونَ الزِّيَادَةِ) وَقَوْلُهُ (فَإِنْ أَوْصَى بِوَصَايَا غَيْرِ ذَلِكَ إلَخْ) وَاضِحٌ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ لَفْظًا وَيُشْبِهُ الْوَصِيَّةَ تَنْفِيذًا فَبِاعْتِبَارِ شِبْهِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ، وَبِاعْتِبَارِ شِبْهِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يُخَصَّصُ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ) لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ وَبَطَلَ فِي الثَّانِي، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ وَالْوَارِثُ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ فَافْتَرَقَا، وَعَلَى هَذَا إذَا أَوْصَى لِلْقَاتِلِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ أَيْضًا، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ وَالشَّرِكَةَ تُثْبِتُ حُكْمًا لَهُ فَتَصِحُّ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَحِقُّهُ مِنْهُمَا وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِخْبَارٌ عَنْ كَائِنٍ، وَقَدْ أَخْبَرَ بِوَصْفِ الشَّرِكَةِ فِي الْمَاضِي، وَلَا وَجْهَ إلَى إثْبَاتِهِ بِدُونِ هَذَا الْوَصْفِ لِأَنَّهُ خِلَافُ مَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَهَا إلَى إثْبَاتِ الْوَصْفِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْوَارِثُ فِيهِ شَرِيكًا وَلِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْأَجْنَبِيُّ شَيْئًا كَانَ لِلْوَارِثِ أَنْ يُشَارِكَهُ فَيَبْطُلَ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ ثُمَّ لَا يَزَالُ يَقْبِضُ وَيُشَارِكُهُ الْوَارِثُ حَتَّى يَبْطُلَ الْكُلُّ فَلَا يَكُونُ مُفِيدًا وَفِي الْإِنْشَاءِ حِصَّةُ أَحَدِهِمَا مُمْتَازَةٌ عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ بَقَاءً وَبُطْلَانًا.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَمَنْ أَوْصَى لِأَجْنَبِيٍّ وَلِوَارِثِهِ) ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا) أَيْ هَذَا الْإِيصَاءُ (بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ بِعَيْنٍ أَوْ دَيْنٍ لِوَارِثِهِ وَلِلْأَجْنَبِيِّ حَيْثُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ) كَمَا لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْوَارِثِ؛ (لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إنْشَاءُ تَصَرُّفٍ) أَيْ ابْتِدَاءُ تَمْلِيكٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا شَرِكَةٌ قَبْلَهَا، وَالشَّرِكَةُ إنَّمَا تُثْبِتُ حُكْمًا لَهُ عَقِيبَهُ فَحَيْثُ لَمْ يَقَعْ التَّمْلِيكُ الَّذِي هُوَ السَّبَبُ صَحِيحًا لَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فَكَانَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمَا مُفْرَزًا عَنْ نَصِيبِ الْآخَرِ بِحَسَبِ صِحَّةِ السَّبَبِ وَعَدَمِهَا.
وَأَمَّا فِي الْإِقْرَارِ فَسَبَبُ الشَّرِكَةِ غَيْرُهُ وَهُوَ مَا كَانَ سَبَبُهَا قَبْلَهَا؛ فَإِنَّ الْإِقْرَارَ يَقْتَضِي سَبْقَ الْمُخْبَرِ بِهِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَهُمَا.
وَفِي ذَلِكَ: أَيْ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ إقْرَارٌ لِلْوَارِثِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ بَاطِلٌ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى ذَلِكَ أَوْ جَحَدَ الْأَجْنَبِيُّ أَوْ الْوَارِثُ ذَلِكَ أَوْ أَنْكَرَاهُ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: إذَا لَمْ يَتَصَادَقَا صَحَّ فِي حِصَّةِ الْأَجْنَبِيِّ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ مُقِرٌّ بِبُطْلَانِ حَقِّهِ وَبِبُطْلَانِ حَقِّ شَرِيكِهِ فَيَبْطُلُ فِي نَصِيبِهِ وَيَثْبُتُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ، وَقَالَا: إثْبَاتُهُ مُشْتَرَكًا هُوَ الْمُبْطِلُ وَقَدْ وُجِدَ.
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: هَذَا الْإِقْرَارُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ صَحِيحٌ، وَبِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ غَيْرُ صَحِيحٍ، فَمَا وَجْهُ تَرْجِيحِ جِهَةِ الْفَسَادِ بِحَيْثُ تَعَدَّى إلَى إبْطَالِ حَقِّ الْغَيْرِ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ وَجْهَ ذَلِكَ هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُسْتَمِرَّةُ وَهِيَ أَنَّ الْيَقِينَ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ حِصَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا غَيْرُ مُمْتَازَةٍ عَنْ غَيْرِهَا، فَفِي كُلِّ جُزْءٍ فَرَضْته يَشْتَرِكَانِ فَيَثْبُتُ لِلْأَجْنَبِيِّ الْمِلْكُ فِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى صِحَّةِ الْإِقْرَارِ لَهُ وَلَا يَثْبُتُ بِالنَّظَرِ إلَى الْوَارِثِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مِلْكٌ قَبْلَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَثْبُتُ بِالشَّكِّ.
وَقَوْلُهُ (بَقَاءً وَبُطْلَانًا) أَيْ: بَقَاءً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَبُطْلَانًا فِي حَقِّ الْوَارِثِ يَعْنِي تَبْقَى الْوَصِيَّةُ صَحِيحَةً فِي حَقِّ الْأَجْنَبِيِّ وَتَبْطُلُ فِي حَقِّ الْوَارِثِ لِامْتِيَازِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ حِصَّةِ الْآخَرِ. قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٌ وَوَسَطٌ وَرَدِيءٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ فَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هُوَ وَالْوَرَثَةُ تَجْحَدُ ذَلِكَ فَالْوَصِيَّةُ بَاطِلَةٌ) وَمَعْنَى جُحُودَهُمْ أَنْ يَقُولَ الْوَارِثُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ هَلَكَ فَكَانَ الْمُسْتَحَقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلَ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَ.
قَالَ (إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ، فَإِنْ سَلَّمُوا زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ فَيَكُونُ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَجْوَدِ، وَلِصَاحِبِ الْأَوْسَطِ ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثِ الْأَدْوَنِ فَثَبَتَ الْأَدْوَنُ، وَلِصَاحِبِ الْأَدْوَنِ ثُلُثَا الثَّوْبِ الْأَدْوَنِ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ وَسَطًا أَوْ رَدِيئًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَصَاحِبَ الرَّدِيءِ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ الْبَاقِي بِيَقِينٍ، لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ جَيِّدًا أَوْ وَسَطًا وَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِمَا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّدِيءُ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلِيُّ فَيُعْطَى مِنْ مَحِلِّ الِاحْتِمَالِ، وَإِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الْأَدْوَنِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ الْجَيِّدِ وَثُلُثُ الرَّدِيءِ فَيَتَعَيَّنُ حَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِيهِ بِعَيْنِهِ ضَرُورَةً.
الشَّرْحُ:
قَالَ (وَمَنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ إلَخْ) رَجُلٌ لَهُ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ جَيِّدٍ وَوَسَطٍ وَرَدِيءٍ، تَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ وَأَوْصَى بِكُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهَلَكَ أَحَدُ الْأَثْوَابِ وَلَا يَدْرِي أَيَّهَا هُوَ وَقَالَتْ الْوَرَثَةُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ قَدْ هَلَكَ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك كَانَتْ الْوَصِيَّةُ بَاطِلَةً لِكَوْنِ الْمُسْتَحِقِّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ وَهُوَ إتْمَامُ غَرَضِ الْمُوصِي (إلَّا أَنْ تُسَلِّمَ لَهُمْ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ) فَإِنَّ الْمَانِعَ حِينَئِذٍ قَدْ زَالَ فَيُقْسَمُ فِيمَا بَيْنَهُمْ عَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْكِتَابِ، وَهُوَ وَاضِحٌ إذَا ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْجَيِّدِ وَصَاحِبِ الرَّدِيءِ، وَإِنْ ابْتَدَأَ بِتَعْلِيلِ جَانِبِ صَاحِبِ الْوَسَطِ فَلَهُ وَجْهٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْهَالِكُ إنْ كَانَ أَرْفَعَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الْجَيِّدِ مِنْهُمَا، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ أَرْدَأَ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فَحَقُّ صَاحِبِ الْوَسَطِ فِي الرَّدِيءِ مِنْهُمَا، فَحَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا مَرَّةً وَبِذَلِكَ أُخْرَى، وَإِنْ كَانَ الْهَالِكُ هُوَ الْوَسَطُ فَلَا حَقَّ لَهُ فِي الْبَاقِيَيْنِ، فَإِذَا كَانَ حَقُّهُ يَتَعَلَّقُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فِي حَالٍ وَلَا يَتَعَلَّقُ فِي حَالَيْنِ فَيَأْخُذُ ثُلُثَ كُلِّ وَاحِدٍ فَبَقِيَ صَاحِبُ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ فَصَاحِبُ الْجَيِّدِ يَدَّعِي الْجَيِّدَ وَلَا يَدَّعِي الرَّدِيءَ؛ لِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِيهِ قَطْعًا، وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ يَدَّعِي الرَّدِيءَ دُونَ الْجَيِّدِ فَيُسَلَّمُ ثُلُثَا الْجَيِّدِ لِصَاحِبِ الْجَيِّدِ وَثُلُثَا الرَّدِيءِ لِصَاحِبِ الرَّدِيءِ. قَالَ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدَهُمَا بِبَيْتٍ بِعَيْنِهِ لِرَجُلٍ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ، فَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْوَصِيِّ لَهُ مِثْلُ دِرْعِ الْبَيْتِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ لَهُ أَنَّهُ أَوْصَى بِمِلْكِهِ وَبِمِلْكِ غَيْرِهِ، لِأَنَّ الدَّارَ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا مُشْتَرَكَةٌ فَيَنْفُذُ الْأَوَّلُ وَيُوقَفُ الثَّانِي، وَهُوَ أَنَّ مِلْكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ الَّتِي هِيَ مُبَادَلَةٌ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ السَّالِفَةُ، كَمَا إذَا أَوْصَى بِمِلْكِ الْغَيْرِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ، ثُمَّ إذَا اقْتَسَمُوهَا وَوَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي عَيْنِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ نِصْفُ الْبَيْتِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ تَنْفِيذًا لِلْوَصِيَّةِ فِي بَدَلِ الْمُوصَى بِهِ عِنْدَ فَوَاتِهِ كَالْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا إذَا قُتِلَتْ خَطَأً تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي بَدَلِهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُوصَى بِهِ حَيْثُ لَا تَتَعَلَّقُ الْوَصِيَّةُ بِثَمَنِهِ، لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَبْطُلُ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْبَيْعِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَلَا تَبْطُلُ بِالْقِسْمَةِ.
وَلَهُمَا أَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَسْتَقِرُّ مِلْكُهُ فِيهِ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ بِقَصْدِ الْإِيصَاءِ بِمِلْكٍ مُنْتَفَعٍ بِهِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَذَلِكَ يَكُونُ بِالْقِسْمَةِ، لِأَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُشَاعِ قَاصِرٌ وَقَدْ اسْتَقَرَّ مِلْكُهُ فِي جَمِيعِ الْبَيْتِ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِ الْإِفْرَازِ يَصِيرُ كَأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ مِنْ الِابْتِدَاءِ. وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ تَنْفُذُ فِي قَدْرِ ذُرْعَانِ جَمِيعِهِ مِمَّا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ، إمَّا لِأَنَّهُ عِوَضُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ، أَوْ لِأَنَّ مُرَادَ الْمُوصِي مِنْ ذِكْرِ الْبَيْتِ التَّقْدِيرُ بِهِ تَحْصِيلًا لِمَقْصُودِهِ مَا أَمْكَنَ، إلَّا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْبَيْتُ إذَا وَقَعَ فِي نَصِيبِهِ جَمْعًا بَيْنَ الْجِهَتَيْنِ التَّقْدِيرِ وَالتَّمْلِيكِ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ عَمِلْنَا بِالتَّقْدِيرِ، أَوْ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ وَالتَّمْلِيكَ بِعَيْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْآخَرِ، كَمَا إذَا عَلَّقَ عِتْقَ الْوَلَدِ وَطَلَاقَ الْمَرْأَةِ بِأَوَّلِ وَلَدٍ تَلِدُهُ أَمَتُهُ، فَالْمُرَادُ فِي جَزَاءِ الطَّلَاقِ مُطْلَقُ الْوَلَدِ وَفِي الْعِتْقِ وَلَدٌ حَيٌّ ثُمَّ إذَا وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ غَيْرِ الْمُوصِي وَالدَّارُ مِائَةُ ذِرَاعٍ وَالْبَيْتُ عَشَرَةُ أَذْرُعٍ يُقْسَمُ نَصِيبُهُ بَيْنَ الْمُوصَى لَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ عَلَى عَشَرَةِ أَسْهُمٍ: تِسْعَةٌ مِنْهَا لِلْوَرَثَةِ وَسَهْمٌ لِلْمُوصَى لَهُ، وَهَذَا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِخَمْسَةِ أَذْرُعٍ نِصْفِ الْبَيْتِ وَهُمْ بِنِصْفِ الدَّارِ سِوَى الْبَيْتِ وَهُوَ خَمْسَةٌ وَأَرْبَعُونَ فَيُجْعَلُ كُلُّ خَمْسَةٍ سَهْمًا فَيَصِيرُ عَشَرَةً، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ سَهْمًا لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَضْرِبُ بِالْعَشَرَةِ وَهُمْ بِخَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ فَتَصِيرُ السِّهَامُ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلَهُمْ تِسْعَةٌ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْوَصِيَّةِ إقْرَارٌ قِيلَ هُوَ عَلَى الْخِلَافِ، وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمُحَمَّدٍ.
وَالْفَرْقُ لَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ، حَتَّى إنَّ مَنْ أَقَرَّ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لِغَيْرِهِ ثُمَّ مَلَكَهُ يُؤْمَرُ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ، وَالْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ لَا تَصِحُّ، حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تَنْفُذُ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا كَانَتْ الدَّارُ بَيْنَ رَجُلَيْنِ) ظَاهِرٌ إلَى قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ تَابِعٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ (هَذَا) فَفِيهِ بَحْثٌ وَهُوَ أَنَّهُ قَالَ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ: وَالْإِفْرَازُ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَكِيلَاتِ، وَالْمُوزِنَاتِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ، وَمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ الْعُرُوضِ فَكَيْفَ كَانَتْ الْمُبَادَلَةُ فِيهِ تَابِعَةً؟ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ قَالَ هُنَاكَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْعُرُوضِ إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أُجْبِرَ الْقَاضِي عَلَى الْقِسْمَةِ عِنْدَ طَلَبِ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ كَذَلِكَ فَكَانَ مَعْنَى الْمُبَادَلَةِ فِيهِ تَابِعًا كَمَا ذُكِرَ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ لَا يَجْرِي فِي الْمُبَادَلَةِ، وَيَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ هُنَاكَ وَمَعْنَى الْمُبَادَلَةِ هُوَ الظَّاهِرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ وَالْعُرُوضِ إذَا لَمْ تَكُنْ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ الْإِفْرَازُ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ؛ وَلِهَذَا يُجْبَرُ عَلَى الْقِسْمَةِ فِيهِ) وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ.
وَقَوْلُهُ (إمَّا؛ لِأَنَّهُ عَوَّضَهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ) يَعْنِي فِي الْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا.
وَقَوْلُهُ (أَوْ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ التَّقْدِيرَ عَلَى اعْتِبَارِ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) يَعْنِي فِي وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِ الشَّرِيكِ (وَالتَّمْلِيكُ بِعَيْنِهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْوَجْهِ الْآخَرِ) يَعْنِي فِي وُقُوعِهِ فِي نَصِيبِهِ.
وَقَوْلُهُ (فَتَصِيرُ السِّهَامُ أَحَدَ عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ سَهْمَانِ وَلَهُمْ تِسْعَةٌ) فَإِنْ قِيلَ: يَنْبَغِي أَنْ يَقْسِمَ نَصِيبَ الْمُوصِي بَيْنَ الْوَرَثَةِ وَالْمُوصَى لَهُ عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٍ لِلْمُوصَى لَهُ، وَأَرْبَعَةٍ لِلْوَرَثَةِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَهُمَا فِي عَشَرَةِ أَذْرُعٍ بَقِيَ حَقُّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعِينَ.
قُلْنَا: زَعَمَ الْوَرَثَةُ أَنَّ حَقَّهُمْ فِي خَمْسَةٍ وَأَرْبَعِينَ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِي خَمْسَةٍ تَمَسُّكًا بِمَذْهَبِ مُحَمَّدٍ وَزَعَمَ الْمُوصَى لَهُ أَنَّ حَقَّهُ فِي عَشَرَةٍ وَحَقَّ الْوَرَثَةِ فِي أَرْبَعِينَ فَيُعْتَبَرُ زَعْمُ كُلِّ فَرِيقٍ، فَجَعَلْنَا كُلَّ خَمْسَةٍ سَهْمًا فَصَارَ الْكُلُّ أَحَدَ عَشَرَ.
وَقَوْلُهُ (وَقِيلَ لَا خِلَافَ فِيهِ لِمُحَمَّدٍ) بَلْ قَوْلُهُ فِي الْإِقْرَارِ كَقَوْلِهِمَا فِي الْوَصِيَّةِ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ. قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ دَفَعَهُ فَهُوَ جَائِزٌ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ) لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ، وَإِذَا أَجَازَ يَكُونُ تَبَرُّعًا مِنْهُ أَيْضًا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادِفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ وَالِامْتِنَاعِ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ، فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَنَفَذَ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي.
الشَّرْحُ:
قَالَ: (وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ) وَمَنْ أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِأَلْفٍ بِعَيْنِهَا فَبَلَغَهُ فَإِمَّا أَنْ يُجِيزَ الْوَصِيَّةَ أَوْ لَا؛ فَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ بَطَلَتْ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ جَازَتْ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ تَمَّتْ، وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ وَإِنْ أَجَازَهَا؛ لِأَنَّ هَذَا تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ إلَى قَالَ (وَإِذَا اقْتَسَمَ الِابْنَانِ تَرِكَةَ الْأَبِ أَلْفًا ثُمَّ أَقَرَّ أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ أَنَّ الْأَبَ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِ مَالِهِ فَإِنَّ الْمُقِرَّ يُعْطِيهِ ثُلُثَ مَا فِي يَدِهِ) وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ إقْرَارَهُ بِالثُّلُثِ لَهُ تَضَمَّنَ إقْرَارَهُ بِمُسَاوَاتِهِ إيَّاهُ، وَالتَّسْوِيَةُ فِي إعْطَاءِ النِّصْفِ لِيَبْقَى لَهُ النِّصْفُ.
وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقْدِيمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ، أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ، وَلِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَ مِنْهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَرُبَّمَا يُقِرُّ الِابْنُ الْآخَرُ بِهِ أَيْضًا فَيَأْخُذُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ فَيَصِيرُ نِصْفَ التَّرِكَةِ فَيُزَادُ عَلَى الثُّلُثِ.
الشَّرْحُ:
قَوْلُهُ (فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ) فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا جَمِيعَ نَصِيبِهِ دَفَعَهُ إلَيْهِ كُلَّهُ وَالْبَاقِي ظَاهِرٌ قَالَ (وَمَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِجَارِيَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً وَالْوَلَدُ تَبَعًا حِينَ كَانَ مُتَّصِلًا بِالْأُمِّ، فَإِذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَالتَّرِكَةُ قَبْلَهَا مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ حَتَّى يُقْضَى بِهَا دُيُونُهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ فَيَكُونَانِ لِلْمُوصِي لَهُ (وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضَرَبَ بِالثُّلُثِ وَأَخَذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ).
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَيَّنَ صُورَةً وَقَالَ: رَجُلٌ لَهُ سِتُّمِائَةِ دِرْهَمٍ وَأَمَةٌ تُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَوْصَى بِالْجَارِيَةِ لِرَجُلٍ ثُمَّ مَاتَ فَوَلَدَتْ وَلَدًا يُسَاوِي ثَلَاثَمِائَةِ دِرْهَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الْأُمُّ وَثُلُثُ الْوَلَدِ عِنْدَهُ.
وَعِنْدَهُمَا لَهُ ثُلُثَا كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
لَهُمَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوَلَدَ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ تَبَعًا حَالَةَ الِاتِّصَالِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِيهِمَا عَلَى السَّوَاءِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيمِ الْأُمِّ.
وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلٌ وَالْوَلَدُ تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُزَاحِمُ الْأَصْلَ، فَلَوْ نَفَّذْنَا الْوَصِيَّةَ فِيهِمَا جَمِيعًا تَنْتَقِضُ الْوَصِيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَصْلِ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْضِهِ فِي الْأَصْلِ بَلْ يَبْقَى تَامًّا صَحِيحًا فِيهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابِلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ وَلَكِنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ فِي الْبَيْعِ حَتَّى يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ بِدُونِ ذِكْرِهِ وَإِنْ كَانَ فَاسِدًا (هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَإِنْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ) لِأَنَّهُ نَمَاءُ خَالِصِ مِلْكِهِ لِتَقَرُّرِ مِلْكِهِ فِيهِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ.
الشَّرْحُ:
وَقَوْلُهُ (فَلَا يَخْرُجُ عَنْهَا بِالِانْفِصَالِ كَمَا فِي الْبَيْعِ) يَعْنِي تَسْرِي الْوَصِيَّةُ إلَى الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ كَمَا يَسْرِي الْبَيْعُ إلَى الْوَلَدِ الْحَادِثِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَإِذَا سَرَتْ الْوَصِيَّةُ إلَى الْوَلَدِ صَارَ كَأَنَّ الْوَلَدَ كَانَ مَوْجُودًا فَأَوْصَى بِهِمَا وَقِيمَتُهُمَا مِثْلُ نِصْفِ الْمَالِ تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ فِي ثُلُثَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَذَلِكَ هَاهُنَا (وَلَهُ أَنَّ الْأُمَّ أَصْلُ) يَعْنِي فِي الْوَصِيَّةِ (وَلَدٍ تَبِعَ فِيهِ) أَيْ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى تَأْوِيلِ الْإِيصَاءِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ الْأُمُّ أَصْلًا؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ تَنَاوَلَهَا قَصْدًا ثُمَّ سَرَى حُكْمُ الْإِيجَابِ إلَى الْوَلَدِ، وَلَا مُسَاوَاةَ بَيْنَ الْأَصْلِ وَالتَّبَعِ فَتَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ بِالْأُمِّ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ مِنْ الْوَلَدِ قَدْرُ مَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ، وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فِي جَمِيعِ الْأُمِّ كَانَ مُسْتَحَقًّا قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَلَا يُعْتَبَرُ بِزِيَادَةِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهَا فِي بَعْضِ الْأَصْلِ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْأَصْلِ بِالتَّبَعِ.
وَقَوْلُهُ (إلَّا أَنَّهُ لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ تَنْفِيذَ الْبَيْعِ فِي التَّبَعِ لَا يُؤَدِّي إلَى نَقْصِهِ فِي الْأَصْلِ فَإِنَّ بَعْضَ الثَّمَنِ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ وَفِيهِ نَقْضٌ لَهُ بِحِصَّتِهِ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَا يُقَابِلُهُ بَعْضُ الثَّمَنِ ضَرُورَةَ مُقَابَلَتِهِ بِالْوَلَدِ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ؛ فَإِنَّ الْعِوَضَ الْوَاحِدَ لَا يُقَابَلُ بِعِوَضَيْنِ لَكِنْ لَا يُوجِبُ ذَلِكَ النَّقْضَ فِي الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ تَابِعٌ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ.
وَقَوْلُهُ (وَإِذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَبْضُ) إنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ مُقَابَلَةَ بَعْضِ الثَّمَنِ بِالْوَلَدِ إنَّمَا يَكُونُ أَنْ لَوْ كَانَ مَقْبُوضًا بِالْأَصْلِ، حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بَلْ يَأْخُذُ الْأُمَّ بِجَمِيعِ الثَّمَنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.