فصل: ثم دخلت سنة ستين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ستين ومائة

فمن الحوادث فيها خروج يوسف بن إبراهيم من خراسان منكرًا هو ومن معه على رأيه على المهدي الحال التي هو بها وسيرته التي يسير بها واجتمع معه بشر كثير من الناس فتوجه إلى يزيد بن مزيد فاقتتلا حتى صارا إلى المعانقة فأسره يزيد وبعث به إلى المهدي وبعث معه من وجوه أصحابه بعده فلما انتهى بهم إلى النهروان حمل يوسف على بعير قد حول وجهه إلى ذنب البعير وأصحابه على بعير فأدخلوهم الرصافة على تلك الحال فأدخلوا على المهدي فأمر هرثمة بن أعين بقطع يدي يوسف ورجليه وضرب عنقه وأعناق أصحابه وصلبهم على جسر دجلة الأعلى مما يلي عسكر المهدي وإنما أمر هرثمة بقتله لأنه كان قتل أخًا لهرثمة بخراسان ‏.‏ وفيها‏:‏ خلع عيسى بن موسى مما كان له من البيعة بعد المهدي وذلك أنه أحضر وجوه رؤساء الشيعة وألح عليه المهدي فرضي بالخلع والتسليم فخلع يوم الأربعاء لأربع بقين من المحرم بعد صلاة العصر وبايع للمهدي ولموسى من بعده يوم الخميس لثلاث بقين من المحرم وقت ارتفاع النهار ثم أذن المهدي لأهل بيته فأخذ بيعتهم لنفسه ولموسى بن المهدي من بعده ثم خرج إلى مسجد الجماعة بالرصافة فصعد المنبر وصعد موسى فقام دونه وقام عيسى على أول عتبة من المنبر فحمد الله وأثنى عليه أعني المهدي وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وأخبر بنا أجمع عليه أهل بيته وشيعته وقواده وأنصاره من خلع عيسى وتصيير الأمر الذي كان عقد له في أعناق المسلمين لموسى ابن أمير المؤمنين لاختيارهم له ورضاهم به وأن عيسى قد خلع نفسه وحللهم مما كان له من البيعة في أعناقهم وأن ما كان له من ذلك فقد صار لموسى عامل فيهم بكتاب الله وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأحسن السيرة وأعدلها وقرأ على عيسى كتاب ذكر الخلع فأمر بذلك وتتابع أهل بيت المهدي و القواد يبايعون للمهدي ثم لموسى ويمسحون على أيديهما ثم نزل المهدي ووكل ببيعته من بقي من الخاصة والعامة لخالد بن يزيد بن منصور وكتب على عيسى بخلعه كتاب ليكون حجة عليه وفيه‏:‏ أنه قد نزل عما كان حقًا له لموسى بن المهدي وأنه إن لم يف بذلك فكل زوجة هي عنده من يوم كتب هذا الكتاب أو يتزوجها طالق ثلاثًا البتة إلى ثلاثين سنة وكل مملوك له عنده اليوم أو يملكه إلى ثلاثين سنة أحرارًا لوجه الله وكل مال له من نقد أو عرض أو أرض أو قليل أو كثير ويستفيد إلى ثلاثين سنة صدقة على المساكين وعليه من مدينة السلام المشي حافيًا إلى بيت الله العتيق نذرًا واجبًا ثلاثين سنة وأشهد على نفسه بإقراره هذا مائة وثلاثين رجلًا من بني هاشم والموالي والوزراء والقضاة وكتب في صفر سنة ستين وختم عليه عيسى بن موسى ‏.‏ - وفي هذه السنة‏:‏ وصل عبد الملك بن شهاب المسمعي في خلق كثير من المطوعة وغيرهم إلى بلد الكفار فنصبوا عليها المجانيق وفتحوها عنوة وقتلوا أهلها واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون رجلًا وهاج البحر فلم يقدروا على ركوبه وأقاموا إلى أن سكن فأصابهم في أفواههم داء فمات منهم نحو من ألف رجل فيهم الربيع بن صبيح ثم انصرفوا وسبي منهم ابنة الملك ‏.‏ وفيها‏:‏ جعل أبان بن صدقة كاتبًا للمهدي ووزيرًا له ‏.‏ وفيها‏:‏ عزل أبو عون عن خراسان وولي مكانه معاذ بن مسلم ‏.‏ وفيها‏:‏ غزا ثمامة بن الوليد الصائفة وغزا الغمر بن العباس الخثعمي بحر الشام ‏.‏ وفيها‏:‏ رد المهدي إلى أبي بكرة من نسبهم في ثقيف إلى ولاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وألحقهم به وأخرج آل زياد من قريش والعرب وكان يقول ابن سمية الزانية ويقبح استلحاق معاوية زيادًا ‏.‏ وفيها‏:‏ ولى المدينة أعني قضاءها عبد الله بن محمد بن عمران الطلحي‏.‏

وفيها‏:‏ خرج عبد السلام بن هاشم اليشكري الخارجي وسيأتي خبر مقتله ‏.‏ وفيها‏:‏ عزل بسطام بن عمرو عن السند واستعمل عليها روح بن حاتم ‏.‏ وفيها‏:‏ حج المهدي بالناس واستخلف على مدينة السلام ابنه موسى وترك معه يزيد بن المنصور بأمر المهدي وزيرًا له ومدبرًا لأموره وخرج مع المهدي ابنه هارون وجماعة من أهل بيته فكان ممن شخص معه يعقوب بن داود على منزلته التي كانت عنده فأتاه حين وافى مكة بالحسن بن إبراهيم بن عبد الله الذي أستأمن له يعقوب فأحسن المهدي صلته وجائزته وأقطعه مالًا من الصوافي بالحجاز ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ نزع المهدي كسوة الكعبة التي كانت عليها وكساها كسوة جديدة وذلك أن حجبة الكعبة رفعوا إليه أنهم يخافون على الكعبة لكثرة ما عليها من الكسوة فأمر أن يكشف عنها فكشف ما عليها حتى بقيت مجردة ثم طلي البيت كله بالخلوق ولما بلغوا إلى كسوة هشام وجدوها ديباجًا ثخينًا ووجدوا كسوة من كان قبله عامتها من متاع اليمن ‏.‏ وقسم المهدي في هذه السنة في أهل مكة والمدينة مالًا كثيرًا فذكر أنه قسم في تلك السفرة ثلاثين ألف ألف درهم حملت معه ووصل يه من مصر ثلاثة ماية ألف دينار ومن اليمن مائتا ألف دينار قسم كل ذلك كله وفرق من الثياب مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بنزع المقصورة التي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعت وأراد أن ينقض منبر مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعيده إلى ما كان عليه ويلقي ما كان معاوية زاده فيه فشاور في ذلك فقيل له‏:‏ إن المسامير الذي أحدثه معاوية في الخشب الأول وهو عتيق لا نأمن إن خرجت المسامير التي فيه وزعزعت أن ينكسر فتركه على حاله وأمر المهدي أيام مقامه بالمدينة بإثبات خمسمائة رجل من الأنصار ليكونوا معه حرسًا له بالعراق وأنصارًا وأجرى عليهم أرزاقًا سوى أعطياتهم وأقطعهم عند قدومهم معه بندينة السلام قطيعة تعرف بهم ودخل عليه عثمان بن طلحة أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد الصمد بن محمد بن نصر بن مكرم قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل قال‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثنا أبو الفضل الربعي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ استقصى بعض أمراء المدينة عثمان بن طلحة بن عمر بن عبيد الله بن معمر فامتنع عليه فأشرف عليه بضرب السياط فلما رأى ذلك قضى بين الناس حتى استوجب رزق عشرة أشهر وقدم المهدي المدينة حاجًا فدخل عليه عثمان بن طلحة فسأل أن يعزله عن القضاء فقال‏:‏ ليس إلى ذلك سبيل قال له عثمان‏:‏ والله يا أمير المؤمنين لو علمت أن بلد الروم تجيرني ولا تمنعني من الصلاة لاستجرت به قال المهدي‏:‏ وإنك على ما قلت ‏.‏ قال‏:‏ فإني والله لعلى ما قلت قال‏:‏ فإني قد عزلتك فاقبض لك عندنا من الرزق ‏.‏ قال‏:‏ والله ما في عنه غنى ولكن كان لي نظر وأشباه ذلك يكرهون من هذا العمل ما أكره ثم أكرهوا عليه فدخلوا فيه فلما عزلوا كرهوا العزل فلم أجد معناهم في كراهتهم العزل إلا هذا الرزق فلذلك كرهت أخذه ‏.‏ وتزوج المهدي في أيام مقامه بالمدينة رقية بنت عمرو العثمانية ‏.‏ وفيها‏:‏ رد المهدي على أهل بيته وغيرهم قطائعهم التي كانت مقبوضة عنهم ‏.‏ وفيها‏:‏ حمل محمد بن سليمان الثلج للمهدي حتى وافى مكة فكان المهدي أول من حمل له الثلج من الخلفاء إلى مكة ‏.‏ وفيها‏:‏ تزوج الهادي لبابة بنت جعفر بن المنصور وهي أخت زبيدة ‏.‏ وكان في هذه السنة على صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي وعلى قضائها شريك بن عبد الله النخغي وعلى صلاة البصرة وأحداثها وأعمالها وعلى كور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس محمد بن سليمان وكان على قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن وعلى خراسان معاذ بن سالم وعلى الجزيرة الفضل بن صالح وعلى السند رواح بن حاتم ‏.‏ وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى مصر سليمان بن علي‏.‏ ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر إبراهيم بن أدهم بن منصور بن يزيد بن جابر العجلي ويقال‏:‏ التميمي ‏.‏ أصله من بلخ وكان من أولاد الملوك وروى عن جماعة من التابعين كأبي إسحاق السبيعي وأبي حازم وقتادة ومالك بن دينار وأبان والأعمش واشتغل بالتزهد عن الرواية وكان بالكوفة ثم بالشام ‏.‏

أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد البغدادي قال‏:‏ أخبرنا عبد الوهاب بن أبي د الله بن منده قال‏:‏ أخبرنا أبي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن محمد بن الحارث قال‏:‏ سمعت إسماعيل بن بشر البلخي قال‏:‏ سمعت عبد الله بن محمد العابد يقول‏:‏ سمعت يونس بن سليمان البلخي يقول‏:‏ كان إبراهيم بن أدهم من الأشراف وكان أبوه كثير المال والخدم فخرج إبراهيم يومًا إلى الصيد مع الغلمان والخدم والجنائب والبزاة فبينا إبراهيم في ذلك وهو على فرسه يركضه إذا هو بصوت من فوقه‏:‏ يا إبراهيم ما هذا العبث ‏{‏أفحسبتم أنما خلقناكم عبثًا وأنكم إلينا لا ترجعون‏}‏ اتق الله وعليك بالزاد ليوم الفاقة قال‏:‏ فنزل عن دابته و رفض الدنيا وأخذ في عمل الآخرة ‏.‏ أخبرنا محمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا الغطريفي قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن ديمهر قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن سعيد قال‏:‏ حدثنا بشر بن المنذر قال‏:‏ كنت إذا رأيت إبراهيم بن أدهم كأنه ليس فيه روح لو نفخته الريح لوقع قد اسود متدرعًا بعباءة ‏.‏ أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناده عن شقيق بن إبراهيم يقول‏:‏ قلت‏:‏ لإبراهيم بن أدهم‏:‏ تركت خراسان قال‏:‏ ما تهنيت بالعيش إلا في بلاد الشام أفر بديني من شاهق إلى شاهق ومن جبل إلى جبل فمن يراني يقول‏:‏ موسوس ومن يراني يقول‏:‏ حمال ‏.‏ عن أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ سمعت أحمد بن داود يقول‏:‏ مر يزيد بإبراهيم بن أدهم وهو ينظر كرمًا فقال‏:‏ ناولني من هذا العنب فقال‏:‏ ما أذن لي صاحبه فقلت‏:‏ السوط وجعل يقنع رأسه فطأطأ إبراهيم رأسه وقال‏:‏ اضرب رأسًا طال ما عصى الله ‏.‏ قال‏:‏ فأعجز الرجل عنه ‏.‏ أخبرنا محمد قال‏:‏ أخبرنا حمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عبد الله قال‏:‏ حدثنا أبو الحسين بن محمد بن محمد الجرجاني قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي الطوسي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سعيد الدارمي قال‏:‏ حدثنا محبوب بن موسى قال‏:‏ أخبرني علي بن بكار قال‏:‏ كنا جلوسًا بالمصيصة وفينا إبراهيم بن أدهم فقدم رجل من خراسان فقال‏:‏ أيكم إبراهيم بن أدهم فقال القوم‏:‏ هذا ‏.‏

قال‏:‏ إن أخوتك بعثوني إليك فلما ع بذكر أخوته قام بيده فنحاه فقال‏:‏ ما جاء بك فقال‏:‏ أنا مملوك معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك قال‏:‏ إن كنت صادقًا فأنت حر وما معك لك اذهب فلا تخبر أحدًا ‏.‏ فذهب ‏.‏ عن أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ سمعت أبا علي الجرجاني يحدث أبا سليمان الداراني قال‏:‏ صلى إبراهيم بن أدهم خمس عشرة صلاة بوضوء واحد ‏.‏ قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ اقتصرت ها هنا على ما ذكرت من أخباره لأني قد جمعت أخباره في مجلد فكرهت الإعادة في التواليف ‏.‏ توفي إبراهيم بالجزيرة وحمل إلى صور فدفن هناك ‏.‏ الحسن بن أبي جعفر أبو سعيد الجفري واسم جعفر‏:‏ عجلان ‏.‏ أسند عن أبي الزبير وثابت البناني وغيرهما ‏.‏ أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا سلمة بن شبيب قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن الجنيد قال‏:‏ حدثنا القواريري قال‏:‏ حدثني أبو عمران التمار قال‏:‏ غدوت يومًا قبل الفجر إلى مسجد الجفري فإذا باب المسجد مغلق وإذا حسن جالس يدعو وإذا ضجة في المسجد وجماعة يؤمنون على دعائه فقام فأذن وفتح باب المسجد فدخلت فلم أر في المسجد أحدًا فلما أصبح وتفرق عنه الناس قلت له‏:‏ يا أبا سعيد إني والله رأيت عجبًا قال‏:‏ وما رأيت فأخبرته بالذي رأيت وسمعت قال‏:‏ أولئك جن من أهل نصيبين يجيئون فيشهدون معي ختم القرآن كل ليلة جمعة ‏.‏ زمعة بن صالح المكي روى عن سلمة بن وهرام وابن طاووس ‏.‏ وروى عنه‏:‏ وكيع ‏.‏ أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسن بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن الفتح قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الدقاق قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثنا الفضل بن غسان عن مؤمل بن إسماعيل قال‏:‏ حدثنا القاسم بن راشد الشيباني قال‏:‏ كان زمعة نازلًا عندنا وكان له أهل وبنات وكان يقوم فيصلي ليلًا طويلًا فإذا كان السحر نادى بأعلى صوته ‏.‏ أيها الركب المعرسون أكل هذا الليل ترقدون ألا تقومون فترحلون فيسمع من ها هنا باكٍ ومن ها هنا داعٍ ومن ها هنا قارئ ومن ها هنا متوضئ ‏.‏ فإذا طلع الفجر نادى بأعلى صوته‏:‏ عند الصباح يحمد القوم السرى ‏.‏ سليمان الخواص كان من المتعبدين الفطناء ‏.‏ أخبرنا أبو بكر العامري قال‏:‏ أخبرنا عبد الغفار بن محمد الشيروي قال‏:‏ حدثنا ابن باكويه قال‏:‏ حدثنا محمد بن علي بن سعيد الأموي قال‏:‏ حدثنا محمد بن سهل الكرماني قال‏:‏ حدثنا يوسف بن موسى المروزي قال‏:‏ حدثنا محمد بن سلام قال‏:‏ سمعت يزيد بن سعيد يقول‏:‏ دخل سعيد بن عبد العزيز على سليمان الخواص فقال له‏:‏ أراك في ظلمة قال‏:‏ ظلمة القبر أشد من هذا ‏.‏ قال‏:‏ أراك وحدك ‏.‏ قال‏:‏ إن للصاحب على الصاحب حقًا فخفت أن لا أقوم بحق صاحبي قال‏:‏ فأخرج سعيد صرة فيها شيء فقال له‏:‏ تنفق هذا وأنا أحلها لك من بين يدي الله تعالى إنه حلال ‏.‏ قال‏:‏ لا حاجة لي فيها فقال له‏:‏ رحمك الله ما ترى ما الناس فيه دعوة ‏.‏ قال‏:‏ فصرخ سليمان صرخة ثم قال‏:‏ ما لك يا سعيد فتنتني بالدنيا وتفتني بالدين مالي وللدعاء من أنا فخرج سعيد فأخبر بنا كان الأوزاعي فقال الأوزاعي‏:‏ دعوا سليمان لو كان سليمان من الصحابة كان مثلًا ‏.‏ أبو بسطام العتكي مولاهم واسطي الأصل بصري الدار ‏.‏

ولد بواسط سنة ثلاث ومائتين ونشأ بها وانتقل إلى البصرة ورأى الحسن وابن سيرين وسمع قتادة ويونس بن عبيد وأيوب السجستاني وخالد الحذاء وعبد الملك بن عمير وأبا إسحاق سبيعي وطلحة بن المصرف ومنصور بن المعتمر والأعمش وغيرهم ‏.‏ وقد روى عنه‏:‏ أيوب والأعمش وابن عيينة وابن المهدي وكان أكبر من سفيان الثوري بعشر سنين وكان عالمًا حافظًا للحديث صدوقًا زاهدًا متعبدًا عارفًا بالشعر ‏.‏ قال الأصمعي‏:‏ لم نر أحدًا أعلم بالشعر من شعبة ‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن محمد السراج قال‏:‏ أخبرنا أبو منصور محمد بن القاسم الضبعي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو الخفاف قال‏:‏ حدثنا الدوري قال‏:‏ حدثنا قرار أبو نوح قال‏:‏ رأى علي شعبة قميصًا فقال‏:‏ بكم أخذت هذا قال‏:‏ بثمانية دراهم ‏.‏ قال‏:‏ ويحك أما تتق الله تلبس قميصًا بثمانية دراهم ألا اشتريت قميصًا بأربعة دراهم وتصدقت بأربعة ‏.‏ قال الضبعي‏:‏ وحدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد الحيري قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ سمعت محمد بن معاوية وسليمان بن حرب إلى جنبه يقول‏:‏ خرج الليث ابن سعد يومًا فقوموا ثيابه ودابته وخاتمه وما كان عليه ثمانية عشر ألف درهم إلى عشرين ألفًا فقال سليمان بن حرب‏:‏ خرج شعبة يومًا فقوموا حماره وسرجه ولجامه بثمانية عشر درهمًا إلى عشرين درهمًا ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا أبو عبد الله بن مغلس قال‏:‏ حدثنا عمرو بن علي الفلاس قال‏:‏ سمعت أبا بحر البكراوي يقول‏:‏ ما رأيت أعبد لله من شعبة لقد عبد الله حتى جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم ‏.‏ قال مؤلف الكتاب‏:‏ كان شعبة متشاغلًا بالعلم لا يكسب شيئًا من الدنيا وكان له إخوة يقومون بأموره فاشترى أحد أخوته طعامًا من السلطان فخسر فيه فقدم شعبة على المهدي في ذلك فعابه بالدخول عليهم سفيان الثوري فقال شعبة‏:‏ هو لم يحبس أخوه ‏.‏ أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت ل‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ أخبرنا محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ حدثنا المبرد قال‏:‏ حدثنا العباس بن الفرج الرياشي قال‏:‏ حدثنا أبو عاصم قال‏:‏ اشترى أخ لشعبة من طعام السلطان فخسر هو وشركاؤه فحبس على ستة آلاف دينار تخصه فخرج شعبة إلى المهدي ليكلمه فيه فلما دخل عليه قال له‏:‏ يا أمير المؤمنين أنشدني قتادة وسماك بن حرب لأمية بن أبي الصلت‏:‏ أأذكر حاجتي أم قد كفاني حياؤك إن شيمتك الحياء فأرضك أرض مكرمة بنتها بنو تيم وأنت لهم سماء فقال‏:‏ لا يا أبا بسطام لا تذكرها قد عرفناها وقضيناها لك ادفعوا إليه أخاه ولا تلزموه شيئًا ‏.‏ أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن عبد الله المعدل قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال‏:‏ سمعت بعض أصحابنا يقول‏:‏ وهب المهدي لشعبة ثلاثين ألف درهم فقسمها وأقطعه ألف جريب بالبصرة فقدم البصرة فلم يجد شيئًا يطيب له فتركها ولم يرجع ‏.‏ توفي شعبة بالبصرة في هذه السنة وهو ابن سبع وسبعين سنة ‏.‏ عبد الله بن صفوان الجمحي والي المدينة ‏.‏ توفي فولي مكانه زفر بن عاصم ‏.‏ عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي ‏.‏ سمع القاسم بن عبد الرحمن وسلمة بن كهيل وعاصم بن بهدلة وغيرهم ‏.‏ روى عنه‏:‏ الثوري وشعبة وابن عتبة ووكيع ويزيد بن هارون وغيرهم ‏.‏ قال الأثرم‏:‏ سئل أبو عبد الله أحمد بن حنبل عن أبي عمير وعبد الرحمن المسعودي‏:‏ أيهما أحب إليك قال‏:‏ كلاهما ثقة المسعودي عبد الرحمن أكثرهما حديثًا قيل‏:‏ له إخوة قال‏:‏ نعم ‏.‏ قيل له‏:‏ هما من د عبد الله بن مسعود أو من ولد عتبة فقال‏:‏ هما من ولد عبيد الله بن عتبة بن مسعود وابن عتبة بن عبد الله بن مسعود فقال‏:‏ ابن عتبة بن عبد الله بن مسعود ‏.‏ قال‏:‏ وقال رجل للمسعودي‏:‏ إنك من ولد عتبة بن مسعود فغضب وقال‏:‏ أنا من ولد عبد الله بن مسعود ‏.‏ وقد اتفقوا على أن عبد الرحمن ثقة وإنما ذكروا أنه اختلط فيه آخر عمره ‏.‏

توفي سنة ستين وقيل‏:‏ سنة خمس وستين والأول أصح ‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وستين ومائة

فمن الحوادث فيها خروج حكيم المقنع بخراسان من قرية من قرى مرو وكان فيما ذكر يقول بتناسخ الأرواح فاستغوى بشرًا كثيرًا وسار إلى ما وراء النهر فوجه المهدي لقتاله عدة من قواده فيهم معاذ بن سالم وهو يومئذ على خراسان ومعه عقبة بن سالم وجبرئيل بن يحيى وليث مولى المهدي ثم أفرد المهدي لمحاربته سعيد الحرشي وضم إليه هؤلاء القواد فابتدأ المقنع يجمع الطعام في قلعة بكش عدة للحصار ‏.‏ وفيها‏:‏ ظفر بشر بن محمد بن الأشعث الخزاعي بعبد الله بن مروان بالشام فقدم به على المهدي ولم يعرض له ‏.‏ وفيها‏:‏ غزا الصائفة ثمامة بن الوليد وخرج إلى الروم وأصيب من المسلمين عدة ‏.‏ وفيها‏:‏ أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة أوسع من القصور التي كان أبو العباس بناها من القادسية إلى زبالة وأمر بالزيادة في قصور أبي العباس وترك منازل أبي جعفر التي كان بناها على حالها وأمر باتخاذ المصانع في كل منهل وبتجديد الأميال والبرد وحفر الركايا مع المصانع وولى ذلك يقطين بن موسى فلم يزل ذلك إليه إلى سنة إحدى وسبعين ومائة وكان خليفة يقطين في ذلك أخوه أبو موسى ‏.‏ وفيها‏:‏ أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام ومسجد المدينة ومسجد الجامع بالبصرة فزيد في مقدمته مما يلي القبلة وعن يمينه مما يلي رحبة بني سليم وولى ذلك محمد بن سليمان وهو يومئذ والي البصرة ‏.‏ وفيها‏:‏ أمر المهدي بنزع المقاصير وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي مر عليه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم وكتب بذلك إلى الآفاق فعمل به ‏.‏ وفيها‏:‏ أمر المهدي يعقوب بن داود بتوجيه الأمناء في جميع الآفاق ففعل وكان لا ينفذ للمهدي كتاب إلى عامل فيجوز حتى يكتب يعقوب إلى ثقة وأمينه بإنفاذ ذلك ‏.‏ وفيها‏:‏ اتضعت منزلة أبي عبيد الله وزير المهدي وسبب ذلك أن الموالي كانوا يشنعون عليه عند المهدي ويحرضونه عليه ولما رأى أبو عبيد الله غلبة الموالي على المهدي وخلوتهم به ضم إلى المهدي رجالًا من قبائل شتى من أهل الأدب والعلم وكانوا في صحابته ولم يكونوا ليدعوا الموالي يخلون به ولما تولى الربيع أمر البيعة للمهدي وقدم على أبي عبيدة فلم يتحرك له ولم يكرمه ولم يسأله كيف كان أمر البيعة فابتدأ الربيع يحدثه فقال‏:‏ قد بلغنا نبأكم فخرج الربيع مجتهدًا في أذى أبي عبيد الله فاتهم ابنه محمد ببعض حرم المهدي حتى استحكمت الظنة عند المهدي بن حمد بن أبي عبيد الله فأمر فأحضر فقال‏:‏ يا محمد اقرأ فاستعجمت عليه القراءة فقال‏:‏ يا معاوية ألم تعلمني أن ابنك جامع للقرآن فقال‏:‏ بلى ولكن فارقني منذ سنين فنسي فقال‏:‏ قم فتقرب إلى الله تعالى بدمه ‏.‏

فذهب يقوم فوقع فقال العباس بن محمد‏:‏ إن رأيت يا أمير المؤمنين أن تعفي الشيخ ففعل وأمر به فضربت عنقه ثم اتهم المهدي أبا عبيد الله في نفسه فقال له الربيع قتلت ابنه وليس ينبغي أن يوثق به فأوحش المهدي ه واشتفى الربيع ‏.‏ وروى القاسم بن الربيع قال‏:‏ دخل الربيع على المهدي وأبو عبيد الله يعرض عليه كتبًا فقال أبو عبيد الله‏:‏ مر هذا أن يتنحى يعني الربيع فقال له‏:‏ تنح قال‏:‏ لا افعل قال‏:‏ كأنك تراني بالعين الأولى قال‏:‏ لا بل أراك بالعين التي أنت بها قال‏:‏ فلم لا تتنحى إذ أمرتك قال‏:‏ أنت ركن الإسلام وقد قتلت ابن هذا فلا آمن أن يكون معه حديدة يغتالك بها فقام المهدي مذعورًا وأمر بتفتيشه فوجد بين جوربه وخفه سكينًا فردت الأمور كلها إلى الربيع وعزل أبو عبيد الله وولي يعقوب بن داود مكانه وكان بلغ المهدي من قبل الربيع أن ابن أبي عبيد الله زنديق فأتي به فأقر بذلك فاستتيب فلم يتب فقتله وصلبه على باب أبي عبيد الله ‏.‏ أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال‏:‏ حدثني أبو الحسين علي بن هشام قال‏:‏ حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد الكاتب المعروف بابن أبي عمر قال‏:‏ حدثنا محمد بن محمد العتابي قال‏:‏ حدثنا خالي أبو محمد قال‏:‏ سمعت إبراهيم بن العباسي الصوفي يقول‏:‏ حدثت عن المأمون عن الرشيد أنه سمع المهدي يقول‏:‏ بعد زوال أبي عبيد الله عن الوزارة وتفويض الأمر إلى يعقوب بن داود ما رأيت أحزم ولا أفهم ولا أعف ولا أكفأ من أبي عبيد الله ولقد كنت أحبه وأجريه مجرى الوالد ومنذ خدمني اجتهدت أن يدعوني إلى داره فيمتنع ويزعم أنه لا تتسع همته ولا نعمته لذلك فاعتل فكتب إلي باستعلاله وأنه على الركوب إلي عازم بعد يوم أو يومين فسابقته فركبت إليه وقلت‏:‏ قد كنت أجتهد بك أن تدعوني فتأبى وقد جئتك جامعًا للعيادة والتهئنة بالعافية والدعوة فقال‏:‏ والله يا أمير المؤمنين‏:‏ مالي طعام ولا غلمان ولا زبي يصلح لدعوتك فقلت‏:‏ قد فرغت لك من ذلك وتقدمت إلى غلماني بحمل الآلات والطعام وإنما أردت تشريفك والأنس بك وجاء الغلمان بالآلات لسنا فأكلنا وجعل يتحفني بالفاخر من الفرش والآنية والآلات التي في بيته هدية لي فأخذت أحسنها فازداد ابتهاجًا فلما الانصراف قال لي‏:‏ أريد أن أبكي وأنا أتطير أن أبكي بعد انصراف أمير المؤمنين وأنا أستأذن في البكاء بحضرته وانحدرت دموعه بعد عقيب الكلام وبكى بكاء شديدًا فقلت‏:‏ يا هذا أنا أعلم فيك سخاء نسميه حسن تدبير فإن كان بك ما أهديته فهو مرده عليك ‏.‏ فحلف بأيمان عظيمة أنه ما بكى لذلك وقال‏:‏ كيف أبكي على ما أسر به حيث جعلتني أهلًا لقبوله قلت‏:‏ فلم قال‏:‏ لم يبق مرتبة تنال إلا وقد نلتها وبلغتها بفضل أمير المؤمنين حتى انتهت بي الحال إلى أن يعودني أمير المؤمنين أو يهنئني بحال تورده أو يصير إلى دعوتي فلما كان اليوم جمع لي أمير المؤمنين ذلك فعلمت أني قد بلغت النهاية وأنه ليس بعدها إلا الانحطاط فبكيت لذلك فرققت له وعلمت فضله وقلت له‏:‏ أما في أيامي فأنت آمن من ذاك واعتقدت أن لا أنكبه فلما رأى الربيع منزلته حسده فجد في السعاية إلي به والفساد بيننا والحيلة عليه إلى أن في أمر جرى ابنه وإقراره بالزندقة ما لم يسع معه إلا أن يقتل فقتله وخفت أن يكون قد استوحش لذلك فلم آمنه على نفسي فاحتجت إلى صرفه فصرفته وكان الأمر على ظنه من النقصان بعد التناهي ‏.‏ وفيها‏:‏ غزا الغمر بن العباس الخثعمي في البحر ‏

وفيها‏:‏ ولي نصر بن محمد الأشعث السند مكان روح بن حاتم وشخص إليها ثم عزل وولي مكانه محمد بن سليمان فوجه إليها عبد الملك بن شهاب المسمعي وأبا نصر بن محمد على السند فرجع إلى عمله وإنما أقام بها عبد الملك ثمانية عشر يومًا ورجع إلى البصرة ‏.‏ وفيها استقصى المهدي عافية بن يزيد الأزدي فكان هو وابن غلاثة يقضيان في عسكر المهدي بالرصافة وكان القاضي لمدينة الشرقية عمر بن حبيب العدوي ‏.‏ وفيها‏:‏ عزل الفضل بن صالح عن الجزيرة واستعمل عليها عبد الصمد بن علي وولي يزيد بن منصور سواد الكوفة وحسان الشروري الموصل وبسطام بن عمر أذربيجان ‏.‏ وفيها‏:‏ صرف أبان بن صدقة عن هارون بن المهدي إلى موسى بن المهدي وجعل كاتبًا له ووزيرًا وجعل مكانه يحيى بن خالد بن برمك ‏.‏ وفيها‏:‏ عزل محمد بن سليمان عن مصر في ذي الحجة ووليها سلمة بن رجاء ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس موسى بن المهدي وهو في عهد أبيه وكان عامل مكة والطائف والمدينة جعفر بن سليمان وعامل اليمن علي بن سليمان وكان على صلاة الكوفة وأحداثها إسحاق بن الصباح الكندي ‏.‏

وعلى سوادها يزيد بن منصور‏.‏ ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر زند بن الجون أبو دلامة الشاعر ‏.‏ قال المؤلف‏:‏ ومن قال‏:‏ زيد فقد صحف وكان كوفيًا أسود مولى لبني أسد وكان أبوه عبدًا لرجل منهم يقال له‏:‏ قصاقص فأعتقه أدرك آخر بني أمية أعني أبو دلامة لكن لم يكن له نباهة في أيامهم ونبغ في أيام بني العباس فانقطع إلى السفاح والمنصور والمهدي وكانوا يقدمونه ويفضلونه ويستطيبون نوادره ومدح المنصور وذكر قتل أبا مسلم فقال فيها‏:‏ أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى عليك بنا خوفتني الأسد الورد أبا مسلم ما غير الله نعمة على عبده حتى يغيرها العبد وأنشدها المنصور في محفل من الناس فقال‏:‏ له عشرة آلاف درهم فأمر له بها فلما خلا به قال له‏:‏ أما والله لو تعديتها لقتلتك ‏.‏ وقد قيل إ المهدي بقي إلى خلافة رشيد ولا يثبت ‏.‏ وكان مطبوعًا كثير النوادر ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن أبي بكر قال‏:‏ أخبرنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد قال‏:‏ سمعت ثعلبًا يقول‏:‏ لما ماتت حمادة بنت عيسى امرأة المنصور وقف المنصور والناس معه على حفرتها ينتظرون مجيء الجنازة وأبو دلامة فأقبل عليه المنصور فقال‏:‏ يا أبا دلامة ما أعددت لهذا المصرع قال‏:‏ حمادة بنت عيسى يا أمير المؤمنين فأضحك القوم ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا ابن دريد قال‏:‏ حدثنا ابن أخي الأصمعي قال‏:‏ سمعت الأصمعي يقول‏:‏ أمر المنصور أبا دلامة بالخروج نحو عبد الله بن علي فقال له أبو دلامة‏:‏ نشدتك الله يا أمير المؤمنين أن تحضرني شيئًا من عساكرك فإني شهدت تسعة عساكر انهزمت كلها وأخاف أن يكون عسكرك العاشر ‏.‏

فضحك منه وأعفاه ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن علي بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ حدثنا تمام بن المنتصر قال‏:‏ حدثنا أبو العيناء قال‏:‏ أخبرني العتابي قال‏:‏ دخل أبو دلامة على المهدي فطلب كلبًا فأعطاه ثم قائده فأعطاه ثم دابة ثم جارية تطبخ الصيد فأعطاه قال‏:‏ من يعولها أقطعني ضيعة أعيش فيها وعيالي ‏.‏ قال‏:‏ قد أقطعك أمير المؤمنين مائة جريب من العامر ومائة من الغامر قال‏:‏ وما الغامر قال‏:‏ الخراب الذي لا ينبت قال أبو دلامة‏:‏ قد اقطعت أمير المؤمنين خمسمائة جريب من الغامر أرض بني أسد قال‏:‏ فهل بقيت لك من حاجة قال‏:‏ نعم قال‏:‏ تأذن لي أن أقبل يدك قال‏:‏ ما إلى ذلك سبيل قال‏:‏ والله ما رددتني عن حاجة أهون علي فقدًا منها ‏.‏

أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين الحاجي وحدثنا عنه محمد بن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله أحمد بن أحمد بن سليمان الواسطي قال‏:‏ أخبرنا أبو أحمد عبيد الله بن محمد الفرضي قال‏:‏ أخبرنا أبو عمرو محمد بن عبد الواحد النحوي ل‏:‏ حدثنا ثعلب عن محمد بن سلام قال‏:‏ لقي روح بن حاتم بعض الحروب فقال لأبي دلامة وقد دعاه رجل منهم إلى البراز تقدم إليه قال‏:‏ لست بصاحب قتال قال‏:‏ لتفعلن قال‏:‏ إني جائع فأطعمني فدفع إليه خبزًا ولحمًا وتقدم فهم به الرجل فقال له أبو دلامة‏:‏ اصبر يا هذا أي محارب تراني ثم قال‏:‏ أتعرفني قال‏:‏ لا قال‏:‏ فهل أعرفك قال‏:‏ لا قال‏:‏ فما في الدنيا أحمق منا ودعاه للغداء فتغديا جمعيًا وافترقا فسأل روح عما فعل فحدث فضحك ودعا به وسأله عن القصة فقال‏:‏ إني أعوذ بروح أن تقدمني إلى القتال فيخزي بي بني أسد إن المهلب حب الموت ورثكم ولا ورثت لحب الموت من أحد سفيان بن سعيد بن مسروق أبو عبد الله الثوري ‏.‏

من أهل الكوفة ولد في خلافة سليمان بن عبد الملك وسمع خلقًا كثيرًا وكان من كبار أئمة المسلمين لا يختلف في إمامته وأمانته وحفظه وعلمه وزهده ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق قال‏:‏ حدثنا عثمان بن أحمد قال‏:‏ حدثنا سهل بن علي الدوري قال‏:‏ حدثني الحسين بن علي بن يزيد الصدائي قال‏:‏ حدثنا البراء بن رستم قال‏:‏ سمعت يونس بن عبيد يقول‏:‏ ما رأيت أفضل من سفيان الثوري فقال له‏:‏ يا أبا عبد الله رأيت سعيد بن جبير وإبراهيم وعطاء ومجاهدًا وتقول هذا قال‏:‏ هو ما أقول ما رأيت أفضل من سفيان الثوري ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن عمر بن برهان قال‏:‏ حدثنا عبد الباقي بن قانع قال‏:‏ حدثنا بشر بن موسى قال‏:‏ حدثنا عمرو بن علي قال‏:‏ سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول‏:‏ ما عاشرت في الناس رجلًا أرق من سفيان الثوري وكنت أرمقه في الليلة بعد الليلة ينهض مرعوبًا ينادي‏:‏ النار النار شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي ل‏:‏ أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد قال‏:‏ أخبرنا الوليد بن بكر الأندلسي قال‏:‏ حدثنا علي بن أحمد بن زكريا الهاشمي قال‏:‏ حدثنا صالح بن أحمد العجلي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ دخل سفيان الثوري على المهدي فقال السلام عليكم كيف أنتم ‏.‏ ثم جلس فقال‏:‏ حج عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأنفق في حجته ستة عشر دينارًا وأنت حججت فأنفقت في حجتك بيوت الأموال قال‏:‏ فأي شيء تريد أكون مثلك قال‏:‏ فوق ما أنا فيه ودون ما أنت فيه ‏.‏ فقال وزيره أبو عبيد الله‏:‏ يا أبا عبد الله قد كانت كتبك تأتينا فننفذها ‏.‏

قال‏:‏ من هذا قال‏:‏ أبو عبيد الله وزيري ‏.‏ قال‏:‏ احذره فإنه كذاب أنا كتبت إليك ‏.‏ ثم قام فقال له المهدي‏:‏ إلى أين يا أبا عبد الله قال‏:‏ أعود وكان قد ترك نعله حين قام فعاد فأخذها ثم مضى فانتظره المهدي فلم يعد قال‏:‏ وعدنا أن يعود فلم يعد قيل‏:‏ إنه عاد لأخذ نعله فغضب ‏.‏ وقال‏:‏ قد آمن الناس إلا سفيان الثوري ويونس بن فروة الزنديق فإنه ليطلب وإنه لفي المسجد الحرام فذهب فألقى نفسه بين النساء فجللنه قيل له‏:‏ لم فعلت قال‏:‏ إنهن أرحم ثم خرج إلى البصرة فلم يزل بها حتى مات ‏.‏ فلما احتضر قال‏:‏ ما أشد الغربة انظروا إلي هاهنا أحدًا من أهل بلادي فنظروا فإذا أفضل رجلين من أهل الكوفة عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر والحسن بن عياش أخو أبي بكر فأوصى إلى الحسن في تركته وأوصى إلى عبد الرحمن بالصلاة عليه ‏.‏ توفي بالبصرة في هذه السنة ‏.‏ قال مؤلف الكتاب وقد أوردت أخبار سفيان الثوري في كتاب كبير فلهذا اقتصرت هاهنا على هذا المقدار ‏.‏ المؤمل بن أميل المحاربي الشاعر ‏.‏ مدح المهدي وله أشعار ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ قرأت على الجوهري عن أبي عبد الله المرزباني قال‏:‏ أخبرني محمد بن العباس قال‏:‏ ذكر المؤمل بين يدي المبرد فقال‏:‏ كانوا يقولون المؤمل بارد ‏.‏ فقال أبو العباس في شعره ذلك ولكنه شاعر قال‏:‏ أنشدني له عبد الصمد بن المعدل‏:‏ لا تغضبن علي قوم تحبهم فليس ينجيك من أحبابك الغضب ولا تخاصمهم يومًا وإن ظلموا إن القضاة إذا ما خوصموا غلبوا لسنا إلى غيركم منكم نفر إذا جرتم ولكن إليكم منكم الهرب قال المرزباني‏:‏ وأخبرني الصولي قال‏:‏ يقال إن المؤمل لما قال‏:‏ شفى المؤمل يوم الحيرة النظر ليت المؤمل لم يخلق له بصر عمي فرأى في منامه إنسانًا يقول له‏:‏ هذا ما تمنيت في شعرك ‏.‏ نصر بن مالك صاحب الشركة ‏.‏ توفي من فالج أصابه ودفن في مقابر بني هاشم وصلى عليه المهدي وولي الشرطة بعده حمزة بن مالك ‏.‏

 ثم دخلت سنة اثنتين وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ مقتل عبد السلام الخارجي بقنسرين وكان قد خرج بالجزيرة وكثر بها اتباعه واشتدت شوكته فلقيه من قواد المهدي عدة فهزمهم إلى أن بعث المهدي إليه جنودًا كثيرة فهرب منهم إلي قنسرين فلحقوه فقتلوه بها ‏.‏

وفيها‏:‏ وضع المهدي دواوين الأزمة وولى عليها عمر بن بزيع مولاه فولى عمر ابن بزيغ النعمان بن عثمان زمام خراج العراق ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر المهدي أن يجري على المجرمين وأهل السجون في جميع الآفاق ‏.‏

وفيها‏:‏ خرجت الروم إلى الحدث فهدموا سورها ‏.‏

وفيها‏:‏ غزا الحسن بن قحطبة الصائفة في ثمانين ألف مرتزق سوى مطوعة فأكثر التخريب والتحريق في بلاد الروم من غير أن يلقى جمعًا أو يفتح حصنًا ثم قفل بالناس سالمين وكان على قضاء عسكره وما تجمع من الفيء جعفر بن عمر بن عامر السلمي ‏.‏ وفيها‏:‏ غزا يزيد بن أبي أسيد السلمي باب قاليقلا فغنم وافتتح ثلاثة حصون وأصابوا شيئًا كثيرًا وأسرى ‏.‏ وفيها‏:‏ عزل علي بن سليمان عن اليمن وولي مكانه عبد الله بن سليمان وعزل سلمة بن رجاء عن مصر ووليها عيسى بن لقمان في المحرم ثم عزل في جمادى الآخرة ووليها واضح مولى المهدي ثم عزل في ذي القعدة ووليها يحيى الحرشي ‏.‏ وفيها‏:‏ ظهرت المحمرة بحرجان وعليهم رجل يقال له‏:‏ عبد القهار فغلب على جرجان وقتل خلقًا كثيرًا فغزاه عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القهار وأصحابه ‏.‏

وفيها‏:‏ حبس المهدي موسى بن جعفر فرأى في المنام علي بن أبي طالب وهو يقول له‏:‏ ‏{‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم‏}‏ فأرسل إليه فأطلقه ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس إبراهيم بن جعفر بن المنصور وكان العباس بن محمد استأذن المهدي في الحج بعد ذلك فعاتبه أن لا يكون استأذنه قبل أن يولي الموسم أحدًا فيوليه إياه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين عمدًا أخرت ذلك لأني لم أرد الولاية ‏.‏ وكانت عمال الأمصار في هذه السنة عمالها في السنة التي قبلها غير أن الجزيرة كانت في هذه السنة إلى عبد الصمد بن علي وطبرستان والرويان إلى سعيد بن دعلج وجرجان إلى المهلهل بن صفوان ‏.‏ ومصر في آخر السنة إلى يحيى الحرشي كما تقدم.‏ ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر إبراهيم بن أدهم العجلي كوفي ‏.‏ ليس بالزاهد المشهور قدم مصر زائر لرشدين ين بن د حفظ عنه ‏.‏ توفي في هذه السنة وقيل سنة ثلاث ‏.‏ إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي واسم أبي إسحاق‏:‏ عمر بن عبد الله الهمذاني وسبيع الذي نسب إليه هو صعب بن معاوية بن كثير بن مالك وإسرائيل‏:‏ يكنى أبا يوسف وهو كوفي ‏.‏ سمع جده أبا إسحاق وسماك بن حرب ومنصور بن المعتمر والأعمش ‏.‏ روى عنه‏:‏ وكيع وابن مهدي وأبو نعيم ‏.‏ قال‏:‏ يحيى ثقة وقال علي‏:‏ هو ضعيف ‏.‏ توفي في هذه السنة ‏.‏ وقيل‏:‏ سنة إحدى وستين ‏.‏ وقيل سنة سفيان بن حسين بن حسن مولى بني سليم ‏.‏ وقيل‏:‏ مولى عبد الرحمن بن سمرة ويكنى أبا محمد ويقال‏:‏ أبا الحسن ‏.‏ حدث عن الحسن البصري وابن سيرين والزهري وكان ثقة ‏.‏ روى عن شعبة وهشيم ويزيد بن هارون وكان من أهل واسط فقدم إلى بغداد فضمه المنصور إلى المهدي فعلمه وخرج معه إلى الري ‏.‏ وتوفي بالري في خلافة المهدي ‏.‏ عباد بن عباد أبو عتبة الخواص ‏.‏ قال المؤلف‏:‏ كذلك ذكره البخاري وغيره وقد اشتهر بأبي عبيدة الخواص كان من أهل الوجد والشوق وأسند الحديث عن الأوزاعي وغيره ‏.‏ أخبرنا أبو بكر العامري قال‏:‏ حدثنا علي بن أبي صادق قال‏:‏ أخبرنا ابن باكويه قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد قال‏:‏ حدثنا أبو زكريا قال‏:‏ حدثنا محمد بن ماهان الجويني قال‏:‏ حدثنا محمد بن يحيى الأزدي قال‏:‏ حدثنا عبد الأعلى بن سليمان قال‏:‏ رأيت ابا عبيدة الخواص على سرته خرقة وعلى رقبته خرقة وهو يمشي ويقول‏:‏ واشوقاه إلى من يراني ولا أراه ‏.‏ أخبرنا سليمان بن مسعود قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا أبو طالب محمد بن علي البيضاوي قال‏:‏ أخبرنا ابن حيوية قال‏:‏ أخبرنا عمر بن سعد قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا عبيد الله بن محمد قال‏:‏ حدثنا عقبة بن فضالة قال‏:‏ سمعت أبا عيسى بن أبي عيسى واسمه‏:‏ ماهان وكنيته‏:‏ أبو جعفر التميمي ‏.‏ أصله من مرو وسكن الري ومات بها فنسب إليها سمع عطاء بن أبي رباح وعمرو بن دينار وقتادة ومنصور بن المعتمر وغيرهم ‏.‏ حدث عنه شعبة وجرير ووكيع وكان ثقة صدوقًا ‏.‏ لكن كان سيئ الحفظ يهم كثيرًا وكان صديق سفيان فابتلي بأن صحبهم ولبس السواد وزامل المهدي إلى مكة فهجره سفيان ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا البرقاني قال‏:‏ أخبرنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا أبو الفضل جعفر بن محمد الصندلي قال‏:‏ حدثنا أبو حفص عمر بن ياسر العطار عن بشر بن الحارث قال‏:‏ كان أبو جعفر الرازي صديقًا لسفيان الثوري وكانت له نعه بضاعة وكان يكثر الحج فكان إذا قدم الكوفة تلقاه سفيان من القنطرة فإذا خرج إلى مكة شيعه إلى النجف فقدم سنة من السنين مدينة السلام فاجتمع إليه الأضراء فقالوا‏:‏ يا أبا جعفر تكلم لنا أمير المؤمنين فإنه قد ولى علينا رجلًا يقطع أرزاقنا ويشيء فيما بيننا وبينه فلم يجبهم إلى شيء فبلغ ذلك سفيان فتلقاه على القنطرة وشيعه حتى جاوز النجف وزاده في البر فلما كان العام المقبل قدم أبو جعفر وهو يريد الحج فاجتمع إليه الأضراء وكلموه بنا كلموه به في العام الماضي فرق لهم فأتى باب الذهب فقال للحاجب استأذن لي على أمير المؤمنين فأخبره أن بالباب أبا جعفر الرازي فأسرع الرسول أن أدخل فدخل على المنصور فأكرمه بغاية الكرامة وجعل يسأله عن أحواله ويسأله هل له حاجة فقال‏:‏ نعم فقص عليه قصة الأضراء فقال‏:‏ يعزل عنهم كاتبهم وولي عليهم من أحبوا ونأمر لأبي جعفر بعشرة آلاف درهم لسؤاله إيانا هذه الحاجة فلما صارت الدراهم بيده سقط في يديه وعلم أنه قد أخطأ فجلس بسور القصر ثم دعا بخرق وجعلها صررًا وفرقها على قوم فنفض ثوبه وليس معه منها شيء فبلغ ذلك سفيان الثوري فلما دخل أبو جعفر الرازي الكوفة توارى سفيان فطلبه فلم يقدر عليه وسأل عنه فلم يدل عليه فانتقض عليه لذلك بعض إخوان سفيان فقال له‏:‏ ألك إليه حاجة فقال‏:‏ نعم فقال‏:‏ اكتب كتابًا وادفعه إلي أوصله لك إليه فكتب كتابًا ودفعه إليه ‏.‏ قال‏:‏ فصرت بالكتاب إلى سفيان فإذا أنا به في غرفة وإذا هو مستلق على قفاه مستقبل القبلة فسلمت عليه وأظهرت الكتاب وقلت‏:‏ كتاب أبي جعفر الرازي فقال‏:‏ اقرأه فقرأته فقال لي‏:‏ اكتب جوابه في ظهره ‏.‏ فكتبت‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ وقلت‏:‏ ماذا أكتب قال‏:‏ اكتب ‏{‏لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود‏}‏ إلى آخر الآية ‏.‏ ‏.‏ اردد إلينا بضاعتنا لا حاجة لنا في أرباحها ‏.‏

قال‏:‏ فأتيته بالكتاب والناس إذ ذاك متوافرون بالكوفة فنظر في الكتاب فأجمع رأيهم على أنهم يوجهون بكتابين إلى ابن أبي ليلى ولا يعلمونه ممن الكتاب ولا من صاحب الجواب ليعرفوا ما عنده من الرأي فوجهوا بالكتابين فنظر فيهما فقال‏:‏ أما الأول‏:‏ فكتاب رجل مداهن وأما الجواب فجواب رجل يريد الله بفعله ‏.‏ محمد بن جعفر بن عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب ‏.‏ كان فاضلًا دينًا لبيبًا مشهورًا بالجود والمروءة وكان له اختصاص بالمنصور ‏.‏ أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم البزاز قال‏:‏ حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ أخبرني أبو العباس المنصوري عن يحيى بن زكريا مولى ي بن عبيد الله عن أبيه قال‏:‏ كان المنصور يعجب بنحمد بن جعفر بن عبيد الله بن العباس بؤانسته ومفاوضته ومداعبته ويلتذ لمحادثته وكان أديبًا لبيبًا لسنًا وكان لحسن منزلته عند المنصور وعظيم قدره عنده تفزع إليه الناس في حوائجهم فيكلمه فيها فيقضيها حتى أكثر عليه من الحوائج وأفرط فيها فأمر الربيع أن يحجبه فلما حجبه قعد في منزله أيامًا فظمئ المنصور إلى رؤيته وشوق إلى محادثته فقال‏:‏ يا ربيع إن جميع لذات مولاك قد اخلقن عنده ورثثن في عينه سوى لذته من محادثة محمد بن جعفر فإنها تتجدد عنده في كل يوم وقد كدرها علي ما يحملني عليه من حوائج الناس فاحتل لمولاك فيما كدر عليه من لذته فقال الربيع‏:‏ أفعل يا أمير المؤمنين وخرج من عنده فأتى محمد بن جعفر فعاتبه على ما يحمل المنصور عليه من حوائج الناس ويسأله إعفاءه عن ذلك فنضح عن نفسه فيما عاتبه وأجابه أن لا يسأله حاجة لأحد وأمره بالغدو على المنصور ورجع إلى المنصور فأعلمه بذلك وبلغ قومًا من قريش قدموا العراق بحوائجهم ما كان من أمر محمد بن جعفر ومن الربيع وأنه عازم على الغدو على المنصور فكتبوا حوائجهم في رقاع ووقفوا بها على طريق محمد بن جعفر ‏.‏ فلما غدا يريد المنصور له عليه بها ومتوا إليه بقراباتهم وتوسلوا بأرحامهم ‏.‏ وسألوه إيصال رقاعهم إليه فاعتذر إليهم وسألهم أن يعفوه من ذلك فأبوا وألحوا عليه فقال‏:‏ لست أكلم المنصور في حاجة لأحد فإن أحببتم أن تودعوا رقاعكم كمي فافعلوا فقدموا رقاعهم في كمه ومضى حتى دخل على المنصور وهو في القبة الخضراء مشرف على مدينة السلام ودجلة والصراة وما حولها من البساتين والمزارع فعاتبه فنفح عن نفسه ثم حادثه ساع فقال له المنصور‏:‏ أما ترى حسن مستشرفنا هذا قال‏:‏ أرى يا أمير المؤمنين فبارك الله لك فيما آتاك وهنأك بإتمام النعمة عليك فيما أعطاك فما ت العرب في دولة الإسلام والعجم في مدة الكفر مدينة أحصن ولا أحسن ولا أجمع للخصال المحمودة منها وقد سمجتها في عيني يا أمير المؤمنين خصلة قال‏:‏ وما هي قال‏:‏ ليس لي فيها ضيعة ‏.‏ فتبسم ثم قال‏:‏ فإني أحسنها في عينك بثلاث ضياع أقطعك في أكنافها فاغد على أمير المؤمنين يسجل لك بها فقال‏:‏ أنت والله يا أمير المؤمنين سهل الموارد كريم المصالح فجعل الله باقي عمرك أكثر من ماضيه فلقد بررت فأفضلت ووصلت فأجزلت وأنعمت فأسبغت فبدت الرقاع من كمه وهو يتشكر له فأقبل يردهن في كمه ويقول‏:‏ لترجعن خاسئات فضحك يعني الخليفة وقال‏:‏ بحق أمير المؤمنين عليك لما أخبرت خبر هذه الرقاع فأعلمه ‏.‏ فقال‏:‏ أبيت يا ابن معلم الخير إلا كرمًا فف للقوم بضمانك وألقها عن كمك لننظر في حوائجهم فطرحها بين يديه فتصفحها ثم دفعها إلى الربيع ثم التفت إليه فتمثل بقول امرئ القيس‏:‏ لسنا وإن أحسابنا كرمت يومًا على الأحساب نتكل نبني كما كانت أوائلنا تبني ونفعل مثل ما فعلوا وقال‏:‏ قد قضى أمير المؤمنين حوائجهم فأمرهم بلقاء الربيع قال محمد‏:‏ فخرجت من عنده وقد ربحت وأربحت ‏.‏