فصل: ثم دخلت تسع وعشرين ومائتين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثمان وعشرين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الواثق توج أشناس وألبسه وشاحين بالجواهر وذلك في رمضان ‏.‏

وفيها‏:‏ غلا السعر بطريق مكة فبلغ رطل خبز بدرهم وراوية ماء بأربعين درهم وأصاب الناس بالموقف حر شديد ثم مطر شديد فيه برد فأصابهم الحر ثم أضر بهم البرد وذلك كله في ساعة ومطروا بمنى مطرًا شديدًا لم يروا مثله وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحاج ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة‏:‏ محمد بن داود ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسحاق بن بشر بن مقاتل أبو يعقوب الكاهلي من أهل الكوفة ويروي عن مالك وأبي معشر وكامل أبي العلاء وغيرهم أحاديث منكرة قال أبو بكر بن أبي شيبة‏:‏ هو كذاب ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

بشار بن موسى أبو عثمان العجلي الخفاف بصري الأصل حدث عن‏:‏ أبي عوانة وشريك بن عبد الله روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل وقال‏:‏ كان صاحب سنة ‏.‏

وقال ابن المديني‏:‏ ما كان ببغداد أصلب منه في السنة وكان يحسن القول فيه فأما يحيى بن معين فإنه لم يوثقه ‏.‏

وقال الفلاس‏:‏ هو ضعيف الحديث ‏.‏

وقال البخاري‏:‏ منكر الحديث توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

حاجب بن الوليد بن ميمون أبو أحمد الأعور سمع جعفر بن ميسرة وبقية وغيرهما وروى عنه‏:‏ أبو بكر بن أبي الدنيا والبغوي وكان ثقة توفي ببغداد في رمضان هذه السنة وكان أعور‏.‏

حبيب بن أوس بن الحارث بن قيس أبو تمام الطائي الشاعر ولد سنة تسعين ومائة شامي الأصل كان بمصر في حداثته يسقي الماء في المسجد الجامع ثم جالس الأدباء وأخذ عنهم وكان فطنًا وكان يحب الشعر فلم يزل يعانيه حتى قال الشعر فأجاد وبلغ المعتصم خبره فحمله إليه وهو بسامراء فمدحه فأجازه وقدمه على الشعراء وقدم بغداد وجالس بها الأدباء وكان ظريفًا حسن الأخلاق كريم النفس فأقر له الشعراء بالتقدم ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر علي بن ثابت أخبرنا أحمد بن عمر بن روح النهرواني قال‏:‏ أخبرني المعافى بن زكريا حدثنا محمد بن محمود الخزاعي حدثنا علي بن الجهم قال‏:‏ كان الشعراء يجتمعون كل جمعة في القبة المعروفة بهم من جامع المدينة فيتناشدون الشعر ويعرض كل واحد منهم على صاحبه ما أحدث من القول بعد مفارقتهم في الجمعة التي قبلها فبينا أنا في جمعة من تلك الجمع ودعبل وأبو الشيص ‏.‏

وابن أبي فنن والناس يستمعون إنشاد بعضنا بعضًا أبصرت شابًا في أخريات الناس جالسًا في زي الأعراب وهيئتهم فلما قطعنا الإنشاد قال لنا‏:‏ قد سمعت إنشادكم منذ اليوم فاسمعوا إنشادي قلنا‏:‏ هات فأنشدنا‏:‏ فحواك عين على نجواك يا مذل حتام لا يتقضى قولك الخطل وإن أسمع من نشكو إليه جوى من كان أحسن شيء عنده العذل ما أقبلت أوجه اللذات سافرة مذ أدبرت باللوى أيامنا الأول إن شئت أن لا ترى صبر اليقين بها فانظر على أي حال أصبح الطلل كأنما جاد مغناه فغيره دموعنا يوم بانوا وهي تنهمل ولو ترانا وإياهم وموقفنا في موقف اليأس لاستهلالنا زجل من حرقة أطلقتها فرقة أسرت قلبًا ومن غزل في نحره عذل ثم مر فيها حتى انتهى إلى قوله في مدح المعتصم‏:‏ تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل ثم مر فيها إلى آخرها ‏.‏

قلنا له‏:‏ زدنا ‏.‏

فأنشدنا‏:‏ حتى أتى على آخرها وهو يمدح المأمون فاستزدناه فأنشدنا قصيدته التي أولها‏:‏ قدك اتئد أربيت في الغلواء كم تعذلون وأنتم سجرائي حتى انتهى إلى آخرها فقلنا له‏:‏ لمن هذا الشعر فقال‏:‏ لمن أنشدكموه قلنا‏:‏ ومن تكون قال‏:‏ أنا أبو تمام حبيب بن أوس الطائي فقال له أبو الشيص‏:‏ تزعم أن هذا الشعر لك تقول‏:‏ تغاير الشعر فيه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل قال‏:‏ نعم لأني سهرت في مدح ملك ولم أسهر في مدح سوقة فقربناه حتى صار معنا في موضعنا ولم نزل نتهاداه بيننا وجعلناه كأحدنا واشتد إعجابنا به لدماثته وظرفه وكرمه وحسن طبعه وجودة شعره وكان ذلك اليوم أول يوم عرفناه فيه ثم ترافعت حاله حتى كان من أمره ما كان ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرني علي بن أيوب القمي أخبرنا محمد بن عمران الكاتب قال‏:‏ أخبرني الصولي قال‏:‏ حدثني الحسين بن إسحاق قال‏:‏ قلت للبحتري‏:‏ الناس يزعمون أنك أشعر من أبي تمام فقال‏:‏ والله ما ينفعني هذا القول ولا يضير أبا تمام والله ما أكلت الخبز إلا به ولوددت أن الأمر كما قالوا ولكني والله تابع له لائذ به أجد نسيمي يركد عند هوائه وأرضي تنخفض عن سمائه ‏.‏

يا طالبًا مسعاتهم لينالها هيهات منك غبار ذاك الموكب يعطي عطاء المحسن الخضل الندى عفوًا ويعتذر اعتذار المذنب سجر يطم على العفاة وإن تهج ريح السؤال بمدحه يغلولب أولى المديح بأن يكون مهذبًا ما كان منه في أغر مهذب غربت خلائقه وأغرب شاعر فيه وأحسن مغرب في مغرب لما كرمت نطقت فيك بمنطق حق فلم أنم ولم الحزب وله‏:‏ فسواء أجابني غير داع ودعائي بالقاع غير مهيب رب خفض تحت الثرى وعناء من عناء ونصرة من شحوب لست أدلي بحرمة لي مزيدًا في وداد منكم ولا في نصيب غير أن العليل ليس بمذمو م على شرح حاله للطبيب لو رأينا التثويب خطة عجزها ما شفعنا الأذان بالتثويب كالغيث إن جئته وافاك ريقه وإن تحملت عنه كان في الطلب كأنما هو في أخلافه أبدًا وإن ثوى وحده في عسكر لجب وله في أخرى‏:‏ وكأن قسًا في عكاظ يخطب وكأن ليلى الأخيلية تندب وكثير عزة يوم بين ينسب وابن المقفع في اليتيمة سهب وله أيضًا‏:‏ أأيامنا ما كنت إلا مواهبا وكنت بإسعاف الحبيب حبائبا سيغرب تجديد لعهدك في الهوى فما كنت في الأيام إلا غرائبا كواعب زادت في ليال قصيرة تخيلن لي من حسنهن كواعبا سلبن غطاء الحسن عن حر أوجه تظل للب السالبيها سوالبا وجوه لو أن الأرض فيها كواكب توقد للساري لكن كواكبا سلي هل عمرت النفر وهو سباسب وغادرت ربعي من ركابي سباسبا وآفة ذا أن لا يصادف مضربًا وآفة ذا أن لا يصادف ضاربا وملآن من ضعن كواه توقلي إلى الهمة العليا سنامًا وغاربا شهدت جسيمات العلى وهو غائب ولو كان أيضًا شاهدًا كان غائبا وكنت آمرًا ألقى الزمان مسالمًا تعاليت لا ألقاه إلا محاربا ثوى ماله نهب المعالي فأوجبت عليه زكاة الجود ما ليس واجبا وتحسن في عينيه إن جئت زائرًا ويزداد حسنًا كلما جئت طالبا خدين العلى أبقى له البذل والتقى عواقب من عرف كفته العواقبا تطول استشارات التجارب رايه إذا ما ذوو الرأي استشاروا التجاربا وله أيضًا‏:‏ إذا أمه العافون ألفوا حياضه ملاء وألفوا ربعه غير محدب أخو عرفات بذله بذل محسن إلينا ولكن عذره عذر مذنب وله أيضًا‏:‏ بين البين فقدها قل ما تعرف قعدا للشمس حتى تعبا إذا المرء لم يستخلص الحزم نفسه فذروته للحادثات وغاربه أعاذلتي ما أخشن الليل مركبًا وأخشن منه في الملمات راكبه ذريني وأهوال الزمان أنالها فأهواله العظمى تلتها رغائبه ألم تعلمي أن الزماع على السرى أخو النجح عند النائبات وصاحبه وله‏:‏ وإذا أراد الله نشر فضيلة طويت أتاح لها لسان حسود لولا اشتعال النار فيما جاورت ما كان يعرف طيب عرف العود وله‏:‏ وطول مقام المرء في الحي مخلق لديباجتيه فاغترب تتجدد فإني رأيت الشمس زيدت محبة إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد محاسن أصناف المغنين جمة وما قصبات السبق إلا لمعبد وله‏:‏ وأنجدتم من بعد إتهام داركم فيا دمع أنجدني على ساكني نجد وأيضًا له‏:‏ نقل فؤادك حيث شئت من الهوى ما الحب إلا للحبيب الأول كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبدًا لأول منزل وله أيضًا‏:‏ هو البحر من أي النواحي أتيته فلجته المعروف والجود ساحله تعود بسط الكف حتى لو أنه ثناها لقبض لم تطعه أنامله ولو لم يكن في كفه غير نفسه لجاد بها فليتق الله سائله وله‏:‏ إذا آمل رجاه قرطس في المنى بأسهمه حتى لؤمل آمله وله‏:‏ إذا أحسن الأقوام أن يتطاولوا بلا منة أحسنت أن تتطولا تعظمت عن ذاك التعظم بينهم وأوصاك قل القدر أن لا تنبلا وله‏:‏ أنت في حل فزدني سقما أفن صبري واجعل الدمع دما وله أيضًا‏:‏ ذاك السؤال شجى في الخلق مقبوض من دونه شرق من خلفه حوض مروءة ذهبت أثمارها شبه وهمية جوهر أثمارها عرض وله أيضًا‏:‏ أرى ألفات قد كتبن على رأسي بأقلام شيب في مفارق قرطاس فإن تسأليني من يخط حروفها فكف الليالي تستمد بأنفاسي جرت في قلوب الغانيات لهبتني قشعريرة من يعدلن دانياس وقد كنت أجري من حشاهن مرة مجاري جاري الماء في غصن الآس فإن أمس من وصل الكواعب أيسًا فاخرا مال العباد إلى اليأس وله‏:‏ ليس الغبي بسيد في قومه لكن سيد قومه المتغابي أخبرنا أبو منصور قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ أخبرنا الأزهري قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إبراهيم أخبرنا إبراهيم بن عرفة قال‏:‏ سنة ثمان وعشرين فيها مات أبو تمام الطائي ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة إحدى وثلاثين ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة اثنتين وثلاثين ‏.‏

سمع حماد بن زيد وابن عيينة سمع منه‏:‏ يحيى وأحمد وابن أبي الدنيا والبغوي وكان ثقة ‏.‏

وتوفي في صفر هذه السنة ‏.‏

سلم بن قادم أبو الليث سمع سفيان بن عيينة وبقية روى عنه‏:‏ عباس الدوري وكان ثقة ‏.‏

وتوفي في هذه السنة في ذي القعدة ‏.‏

عبيد الله بن محمد بن حفص بن عمر بن موسى بن عبيد الله بن معمر أبو عبد الرحمن التيمي ويعرف بابن عائشة لأنه من ولد عائشة بنت طلحة ابن عبيد الله التيمي ‏.‏

سمع حماد بن سلمة وسفيان بن عيينة وخلقاُ كثيرًا روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل والبرجلاني وإبراهيم الحربي والبغوي وكان من أهل البصرة فقدم بغداد وحدث بها ثم عاد إلى البصرة وكان فصيحًا أديبًا سخيًا حسن الخلق عارفًا بأيام الناس صدوقًا ‏.‏

وقال إبراهيم الحربي‏:‏ ما رأت عيني مثل ابن عائشة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد أخو الخلال أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الشطي حدثنا أبو القاسم الكريزي حدثنا محمد بن زكريا الغلابي قال‏:‏ كنت عند ابن عائشة فسأله رجل أن يهب له شيئًا فنزع جبة سعيدية كانت عليه تساوي ستة دنانير أو سبعة فدفعها إليه فقال له وكيله‏:‏ ما أخوفني عليك أن تموت فقيرًا فقال‏:‏ كيف قال‏:‏ كانت لك ست جباب فوهبتها وبقيت لك هذه الجبة فوهبتها وهذا الشتاء مقبل ‏.‏

فقال‏:‏ إليك عني فإني أريد أن أكون كما قال الأول‏:‏ وفتى خلا من ماله ومن المروة غير خالي أعطاك قبل سؤاله فكفاك مكروه السؤال وإذا رأى لك موعدًا كان الفعال مع المقال لله درك من فتى ما فيك من كرم الخصال خبرنا أبو منصور عبدالرحمن قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا الأزهري حدثنا عبد الرحمن بن عمر الخلال أخبرنا أبو بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ قال جدي‏:‏ أنفق ابن عائشة على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله حتى التجأ إلى أن باع سقف بيته

قال المصنف‏:‏ كان ابن عائشة مع معانيه الكاملة شديد القوة في اليدين فكان يمسك بيمينه ويساره شاتين إلى أن يسلخا ‏.‏

ولما حدث بواسط وشخص إلى البصرة فات بعض من سمع منه الحديث بعض ما سمع فأخذ جرة جديدة فملأها ماء وغطاها ومضى يتبعه فلما صار إلى البطائح وعدم الماء العذب أتاه بها فسر بذلك وفرقها بين أصحابه ثم قال له‏:‏ ما حاجتك فقال‏:‏ فاتني شيء من حديثك فقرأه عليه وأعطاه خمسين دينارًا ثم أعطاه دراهم وقال‏:‏ أنفق هذه في طريقك حتى تخلص لك الخمسون

توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

عبد الملك بن عبد العزيز أبو نصر التمار ‏.‏

سمع مالك بن أنس والحمادين وغيرهم روى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج في صحيحه وكان عالمًا ثقة زاهدًا يعد في الأبدال وكان ممن أجاب في المحنة وكان أحمد ينهى عن الكتابة عنه ولم يخرج للصلاة عليه كل ذلك ليعظم أمر القرآن عند الناس ‏.‏

توفي أبو نصر في أول يوم من محرم هذه السنة وقد جاوز التسعين سنة وكان بصره قد ذهب

علي بن غنام بن علي أبو الحسن العامري الكوفي ‏.‏

كان أديبًا فقيهًا حافظًا زاهدًا سمع من مالك بن أنس وحماد بن زيد وابن عيينة وغيرهم سكن نيسابور فورد عبد الله بن طاهر فبعث إليه يسأله حضور مجالسه فأبى عليه وتشفع بإسحاق بن راهويه حتى أعفاه ثم خرج من نيسابور فحج ثم سكن السوس إلى أن توفي بها في وكان لا يحدث إلا بعد الجهد ويقول‏:‏ ليس علي إلا أن أعلم رجلًا يهتم بأمر دينه فحينئذ لا يسعني أن أمنعه وكان يقول‏:‏ يفرح الرجل لدرهم يستفيده ولا يعلم أنه يحاسب عليه وكان يقول‏:‏ العلم الخشية فأما معرفة الحديث فإنما هي معرفة وقال‏:‏ اتقوا سؤال الليل يعني أصحاب التعفف والتستر ‏.‏

محمد بن أبي بلال حدث عن مالك بن أنس قال يحيى بن معين‏:‏ ليس به بأس وتوفي ببغداد هذه السنة ‏.‏

محمد بن جعفر بن زياد بن أبي هاشم أبو عمران الوركاني من أهل خراسان سكن بغداد وحدث بها عن إبراهيم بن سعد الزهري وأيوب بن جابر الحنفي ومالك بن أنس وفضيل بن عياض وغيرهم روى عنه‏:‏ يحيى بن معين ووثقه وعباس الدوري والبغوي وكان أحمد بن حنبل يكتب عنه ويوثقه وتوفي لسبع بقين من رمضان هذه السنة ‏.‏

محمد بن جعفر بن أبي مؤاتية الكلبي ‏.‏

بغدادي سكن فيد وتوفي بها وحدث عن محمد بن فضيل ووكيع وغيرهما أخرج عنه البخاري في صحيحه ‏.‏

محمد بن حسان بن خالد أبو جعفر السمتي سمع أبا يوسف بن يعقوب الماجشون وهشيم بن بشير وغيرهما قال يحيى بن معين‏:‏ ليس به بأس وقال الدارقطني‏:‏ ثقة يحدث عن الضعفى ‏.‏

وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة ‏.‏

محمد بن عبيد الله بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن عتبة بن أبي سفيان بن حرب M0 أبو عبد الرحمن العتبي بصري صاحب أخبار وروايات للأدب حدث عن سفيان بن عيينة وغيره وكان فصيحًا وروى عنه أبو حاتم والرياشي والكديمي وغيرهم وتوفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن مصعب أبو جعفر الدعاء ‏.‏

كان أحد العباد المذكورين والقراء المعروفين أثنى عليه أحمد بن حنبل ووصفه بالسنة وقد حدث عن ابن المبارك وغيره وكان يقص ويدعو قائمًا وكان مجاب الدعوة وأمر به المأمون إلى الحبس فلما دخله رفع رأسه إلى السماء وقال‏:‏ أقسمت عليك إن حبستني عندهم الليلة فأخرج في جوف الليل فصلى الغداة في منزله ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا محمد بن أحمد بن زريق أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ سمعت حسين بن الفهم يقول - وذكر محمد بن مصعب - فقال‏:‏ استسقى ماء فحطت برادة فسمع صوتها فشهق وصاح‏:‏ يا محمد بن مصعب من أين لك في النار برادة ثم رفع صوته فقرأ‏:‏ ‏{‏وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل‏}‏‏.‏

توفي ابن مصعب في ذي الحجة من هذه السنة ‏.‏

مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مطربل أبو الحسن البصري روى ابن ماكولا عن أبي علي الخالدي‏:‏ أنه مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن أرندل بن سرندل بن عرندل بن ماشك بن المستورد الأسدي ‏.‏

قال أحمد بن يونس الرقي‏:‏ جئت إلى أبي نعيم بالكوفة فقال لي‏:‏ من محدث البصرة قلت‏:‏ مسدد بن مسرهد بن مسربل الأسدي فقال‏:‏ لو كانت في هذه التسمية بسم الله الرحمن الرحيم لكانت رقية العقرب ‏.‏

نعيم بن الهيصم أبو محمد الهروي سكن بغداد وحدث بها عن فرج بن فضالة وأبي عوانة روى عنه‏:‏ البغوي وكان ثقة ‏.‏

توفي في شوال هذه السنة ‏.‏

يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن ميمون بن عبد الرحمن وميمون يلقب بسمين ويكنى يحيى‏:‏ أبا زكريا الحماني الكوفي ‏.‏

قدم بغداد وحدث بها عن إبراهيم بن سعد وشريك وحماد بن زيد وسفيان بن عيينة وأبي بكر بن عياش روى عنه‏:‏ ابن أبي الدنيا والبغوي ‏.‏

وكان ثقة توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

قال يحيى‏:‏ هو صدوق مشهور بالكوفة مثله لا يقال فيه إلا من حسد وفي رواية عنه قال‏:‏ هو ثقة وأبوه ثقة وقال أحمد بن حنبل‏:‏ كان يكذب جهارًا ‏.‏

توفي بسر من رأى في رمضان هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت تسع وعشرين ومائتين

حبس الواثق الكتاب وإلزامهم أموالًا فدفع أحمد بن أبي إسرائيل إلى إسحاق بن يحيى بن معاذ صاحب الحرس فضربه فأدى ثمانين ألف دينار وأخذ من سليمان بن وهب كاتب إيتاخ أربعمائة ألف دينار ومن أحمد بن الخصيب وكتابه ألف ألف دينار وأخذ من نجاح ستين ألف دينار ومن الحسن بن وهب أربعة عشر ألف دينار ومن أبي الوزير صالح مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار سوى ما أخذ من العمال بسبب عمالاتهم ونصب محمد بن عبد الملك لابن أبي دواد وسائر أصحاب المظالم العداوة فكشفوا وحبسوا وأجلس إسحاق بن إبراهيم فنظر في أمورهم وأقيموا للناس ولقوا كل جهد ‏.‏

وفيها‏:‏ ولي محمد بن صالح بن العباس المدينة ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن عبد الله بن زرارة أبو الحسن السكري الرقي وتوفي بالبصرة في هذه السنة ‏.‏

خلف بن هشام بن ثعلب - ويقال‏:‏ خلف بن هشام بن طالب - بن غراب أبو محمد البزار المقرئ سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد وأبا عوانة وخلقاُ كثيراُ روى عنه‏:‏ عباس الدوري وإبراهيم الحربي وأبو بكر بن أبي الدنيا والبغوي وكان آخر من حدث عنه ‏.‏

وكان ثقة فاضلًا عابدًا وكان يشرب النبيذ على رأي الكوفيين ثم تركه وصام الدهر وأعاد صلاة أربعين سنة كان يشرب فيها ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا محمد بن أحمد بن رزق حدثنا محمد بن الحسن بن زياد النقاش قال‏:‏ سمعت إدريس بن عبد الكريم يقول‏:‏ كان خلف بن هشام يشرب من الشراب على التأويل وكان ابن أخته يومًا يقرأ عليه سورة الأنفال حتى بلغ ‏{‏ليميز الله الخبيث من الطيب‏}‏ فقال‏:‏ يا خال إذا ميز الله الخبيث من الطيب أين يكون الشراب قال‏:‏ فنكس رأسه طويلًا ثم قال‏:‏ مع الخبيث قال‏:‏ أفترضى أن تكون مع أصحاب الخبيث قال‏:‏ يا بني امض إلى المنزل فاصبب كل شيء فيه وتركه فأعقبه الله الصوم فكان يصوم الدهر إلى أن مات ‏.‏

رابعة بنت إسماعيل ‏.‏

زوج أحمد بن أبي الحواري ‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن حبيب اخبرنا أبو بكر بن أبي صادق أخبرنا أبو عبد الله بن باكويه حدثنا عبد الواحد بن بكر حدثنا إسحاق بن أحمد بن علي حدثنا إبراهيم بن يوسف حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ قلت لرابعة - وهي امرأتي وقامت بليل - قد رأينا أبا سليمان وتعبدنا معه ما رأينا من يقوم من أول الليل فقالت‏:‏ سبحان الله مثلك لا يتكلم إنما أقوم إذا نوديت ‏.‏

أنبأنا حمد بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا رزق الله بن عبد الوهاب قال‏:‏ أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي حدثنا محمد بن أحمد حدثنا العباس بن حمزة حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ سمعت رابعة تقول‏:‏ ربما رأيت الحور يذهبون ويجيئون وربما رأيت الحور العين يستترون مني بأكمامهن وقالت بيدها على رأسها ‏.‏

عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان أبو جعفر البخاري المسندي وهو مولى محمد بن إسماعيل البخاري من فوق ‏.‏

سمع سفيان بن عيينة وفضيل بن عياض وعبد الرزاق وخلقًا كثيرًا وإنما قيل له‏:‏ المسندي لأنه كان يطلب الأحاديث المسندة ويرغب عن المقاطيع والمراسيل وروى عنه‏:‏ البخاري في صحيحه وأبو زرعة وأبو حاتم وغيرهم ‏.‏

توفي في ذي القعدة من هذه السنة وقيل‏:‏ في ذي الحجة ‏.‏

عباد بن موسى أبو محمد الختلي ‏.‏

سكن بغداد وحدث بها عن إبراهيم بن سعد وإسماعيل بن عياش روى عنه‏:‏ البخاري والدوري وكان ثقة ‏.‏

وتوفي بالثغر في هذه السنة خرج إلى طرسوس فمات بها ‏.‏

وقال هبة الله الطبري‏:‏ روى عباد هذا عن سفيان الثوري وإسرائيل وهذا غلط منه إنما الراوي عنهما عباد بن موسى أبو عقبة الأزرق فإنه يروي عنهما وعن إبراهيم بن طهمان وحماد بن سلمة وعبد العزيز بن أبي دواد وهو أقدم من الختلي ‏.‏

علي بن صالح صاحب المصلى ‏.‏

حدث عن القاسم بن معين المسعودي ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي اخبرنا التنوخي قال‏:‏ سمعت أبا الفرج محمد بن جعفر بن الحسن بن سليمان بن علي بن صالح صاحب المصلى وسأله أبي عن سبب تسمية جده بصاحب المصلى فقال‏:‏ إن صالحًا جدنا كان ممن جاء مع أبي مسلم إلى السفاح وكان من أولاد ملوك خراسان من هل بلخ فلما أراد المنصور إنفاذ أبي مسلم لحرب عبد الله بن علي سأله أن يخلفه وجماعة من أولاد ملوك خراسان بحضرته منهم الخرسي وغيره فخلفهم واستخدمهم المنصور فلما أنفذ أبو مسلم خزائن عبيد الله بن علي على يد يقطين بن موسى عرضها المنصور على صالح والخرسي وشبيب وغيرهم ممن كان اتخذهم من جنبة أبي مسلم واستخلصهم لنفسه وقال‏:‏ من أراد من هذه الخزائن شيئًا فليأخذه فقد وهبته له ‏.‏

فاختار كل واحد منهم شيئًا جليلًا فاختار صالح حصيرًا للصلاة من عمل مصر ذكر أنه كان في خزائن بني أمية وأنهم ذكروا أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له المنصور‏:‏ إن هذا لا يصلح أن يكون إلا في خزائن الخلفاء فقال‏:‏ قلت إنك قد وهبت لكل إنسان ما اختاره ولست أختار إلا هذا ‏.‏

فقال‏:‏ خذه على شرط أن تحمله في الأعياد والجمع فتفرشه حتى أصلي عليه ‏.‏

فقال‏:‏ نعم وكان المنصور إذا أراد الركوب إلى المصلى أو الجمعة أعلم صالحًا فأنفذ صالح الحصير ففرشه له فإذا صلى عليه أمر به فحمل إلى داره فسمي لهذا صاحب المصلى فلم تزل الحصير عندنا إلى أن انتهى إلى سليمان جدي وكان يخرجه كما كان أبوه وجده يخرجانه للخلفاء فلما مات سليمان في أيام المعتصم ارتجع المعتصم الحصير إلى خزائنه ‏.‏

بن الحارث بن همام أبو عبد الله الخزاعي المروزي سمع من إبراهيم بن طهمان حديثًا واحدًا وسمع الكثير من إبراهيم بن سعد وسفيان بن عيينة وابن المبارك روى عنه‏:‏ يحيى بن معين ووثقه البخاري وجماعة أحدهم حمزة بن محمد بن عيسى الكاتب وهذا أول من جمع المسند ‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ هو كثير الوهم ‏.‏

وكان قد سكن مصر فلم يزل مقيمًا بها حتى أشخص للمحنة في القرآن إلى سامراء في أيام المعتصم فسئل عن القرآن فأبى أن يجيبهم فسجن فمات في السجن في هذه السنة وأوصى أن يدفن في قيوده وقال‏:‏ إني مخاصم ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني الأزهري أخبرنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرفة قال‏:‏ سنة تسع وعشرين فيها مات نعيم بن حماد وكان مقيدًا محبوسًا لامتناعه من القول بخلق القرآن فجر بأقياده فألقي في حفرة ولم يكفن ولم يصل عليه فعل ذلك به صاحب ابن أبي دؤاد ‏.‏

يحيى بن يوسف بن أبي كريمة أبو يوسف الزمي من قرية بخراسان يقال لها‏:‏ زم ‏.‏

سكن بغداد وحدث بها عن شريك بن عبد الله وابن عيينة ‏.‏

روى الحاوي وكان ثقة صدوقًا ‏.‏

توفي في رجب هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ توجيه الواثق بغا الكبير التركي - ويكنى أبا موسى - إلى الأعراب وكانوا قد عاثوا بالمدينة وما حولها وكان بدو ذلك أن بني سليم كانت تتطول على الناس حول المدينة بالشر وأوقعوا بالقوم وقتلوا فوجه إليهم محمد بن صالح بن العباس الهاشمي وهو يومئذ عامل المدينة حماد بن جرير الطبري وكان الواثق قد وجه حمادًا مسلحة للمدينة لئلا يتطرقها الأعراب في مائتي فارس فتوجه إليهم حماد في جماعة فقاتلهم فغلبوه وقوي أمر بني سليم فاستباحت القرى والمناهل فيما بينها وبين مكة والمدينة فوجه إليهم الواثق بغا فشخص إلى حرة بني سليم في شعبان فواقعهم وراء السوارقية وهي قريتهم التي كانوا يأوون إليها وبالسوارقية حصون فقتل منهم نحو خمسين وانهزم الباقون ودعاهم إلى الأمان على حكم الواثق وهربت خفاف بني سليم وحبس عنده من أهل الشر منهم جماعة نحو ألف رجل وقدم بأساراهم ثم شخص إلى مكة حاجًا ثم انصرف إلى بني هلال فعرض عليهم مثل الذي عرض على بني سليم وأخذ من مردتهم نحوًا من ثلثمائة رجل ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ مات عبد الله بن طاهر فولى الواثق مكانه ابنه طاهرًا وكان الواثق قد فكر فيمن يولي فقال له ابن أبي دؤاد‏:‏ ول طاهرًا واربح إنفاق المال وإنفار الجيوش يتحدث الناس بوفائك فعقد ‏.‏

وظهر في هذه السنة في بعض قرى خوارزم عجب من امرأة رأت منامًا فكانت لا تأكل ولا تشرب وقد ذكر قصتها أبو عبد الله الحاكم في تاريخ نيسابور ‏.‏

أخبرنا زاهر بن طاهر قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر البيهقي أخبرنا الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري قال‏:‏ سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول‏:‏ سمعت أبا العباس عيسى بن محمد المروزي يقول‏:‏ وردت في سنة ثمان وثلاثين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارسف فأخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا‏:‏ كأنها أطعمت في منامها شيئًا فهي لا تأكل ولا تشرب منذ عهد عبد الله بن طاهر والي خراسان وكان قد توفي قبل ذلك بثماني سنين فمررت بها وحدثتني حديثها فلم أستعص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعًا مستفيضًا فطلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في أثرها فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البنية ظاهرة الدم متوردة الخدين فسايرتني وأنا راكب وعرضت عليها الركوب فلم تركب وحضر مجلسي أقوام فسألتهم عنها فأحسنوا القول فيها وقالوا‏:‏ أمرها عندنا ظاهر فليس فينا من يختلف فيها وذكر لي بعضهم أنهم لم يعثروا منها على كذب ولا حيلة في التلبيس وأنه قد كان من يلي خوارزم من العمال يحضرونها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل شيئًا ولا تشرب ولا يجدون لها أثر غائط ولا بول فيبرونها ويكسونها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها سألتها عن اسمها فقالت‏:‏ رحمة بنت إبراهيم وذكرت أنه كان لها زوج نجار فقير يأتيه رزقه يومًا بيوم وأنها ولدت منه عدة أولاد وأن ملك الترك عبر على النهر إليهم وقتل من المسلمين خلقًا كثيرًا قالت‏:‏ ووضع زوجي بين يدي قتيلًا فأدركني الجزع وجاء الجيران يسعدونني على البكاء وجاء الأطفال يطلبون الخبز وليس عندي شيء فصليت وتضرعت إلى الله تعالى أسأله الصبر وأن يجبر بهم فذهب بي النوم في سجودي فرأيت في منامي كأني في أرض خشناء ذات حجارة وشوك وأنا أهيم فيها وألزم خبري أطلب زوجي فناداني رجل‏:‏ إلى أين أيتها الحرة قلت‏:‏ أطلب زوجي قال‏:‏ خذي ذات اليمين فأخذت ذات اليمين فوقفت على أرض سهلة طيبة الثرى ظاهرة العشب فإذا قصور وأبنية لا أحسن وصفها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض من غير أخاديد وانتهيت إلى قوم جلوس حلقًا حلقًا عليهم ثياب خضر قد علاهم النور فإذا هم القوم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي لكنه بصرني فناداني‏:‏ يا رحمة يا رحمة فتحققت الصوت فإذا أنا به في مثل حالة من رأيت من الشهداء وجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه‏:‏ إن هذه البائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون لي أن أناولها شيئًا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز وأنا أعلم حينئذ أنه خبز ولكن لا أدري كأي خبز هو‏!‏ أشد بياضًا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلته فلما استقر في معدتي قال‏:‏ اذهبي فقد كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما بقيت في الدنيا فانتبهت من نومي وأنا شبعى ريًا لا أحتاج إلى طعام وشراب وما ذقته منذ ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئًا مما يأكله الناس ‏.‏

قال أبو العباس‏:‏ وكنا نأكل فتتنحى وتأخذ على أنفها تزعم أنها تتأذى برائحة الطعام فسألتها‏:‏ هل تتغذى بشيء غير الخبز أو تشرب شيئًا غير الماء فقالت‏:‏ لا فسألتها‏:‏ هل يخرج منها ريح قالت‏:‏ لا أو أذى قالت‏:‏ لا قلت‏:‏ فالحيض أظنها قالت‏:‏ انقطع بانقطاع الطعم قلت‏:‏ فهل تحتاجين حاجة النساء إلى الرجال قالت‏:‏ لا قلت‏:‏ فتنامين قالت‏:‏ نعم أطيب نوم قلت‏:‏ فما ترين في منامك قالت‏:‏ ما ترون قلت‏:‏ فهل يدركك اللغوب والإعياء إذا مشيت قالت‏:‏ نعم ‏.‏

وذكرت لي أن بطنها لاصقة بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها لاصقة بظهرها وإذا هي قد اتخذت كيسًا فضمنته قطنًا وشدته على بطنها ليستقيم ظهرها إذا مشيت فأجرينا ذكرها لأبي العباس أحمد بن محمد بن طلحة بن طاهر والي خوارزم فأنكر وأشخصها إليه ووكل أمه بها فبقيت عنده نحوًا من شهرين في بيت فلم يروها تأكل ولا تشرب ولا رأوا لها أثر من يأكل ويشرب فكثر تعجبه وقال‏:‏ لا تنكر لله قدرة وبرها وصرفها فلم يأت عليها إلا القليل حتى ماتت رحمها الله ‏.‏

وكانت لا تأكل شيئًا مما يأكله الناس البتة وإذا قرب الطعام تنحت ووضعت يدها على أنفها تزعم أنها تتأذى برائحته ‏.‏

وحج بالناس في هذه السنة محمد بن داود ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن أبي الحواري

كان الجنيد يقول‏:‏ هو ريحانة الشام وقال يحيى بن معين‏:‏ أظن أهل الشام يسقيهم الله به الغيث

أخبرنا ابن ناصر قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن خلف أخبرنا أبو عبد الرحمن السلمي أخبرنا محمد بن أحمد بن سعيد الرازي حدثنا العباس بن حمزة قال‏:‏ قال أحمد بن أبي الحواري‏:‏ كلما ارتفعت منزلة القلب كانت العقوبة إليه أسرع ‏.‏

أسند أحمد بن حفص بن غياث وأبي معاوية ووكيع ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

أحمد بن محمد بن شبويه مولى بديل بن ورقاء الخزاعي يكنى أبا الحسن ‏.‏

قدم مصر وكتب عنه وتوفي بطرسوس في هذه السنة ‏.‏

إسماعيل بن سعيد أبو إسحاق الكسائي الطبري يعرف بالشالنجي ‏.‏

يروي عن سفيان بن عيينة ويحيى بن سعيد القطان وعيسى بن يونس وغيرهم وكان فقيهًا فاضلًا ثقة ‏.‏

أشناس التركي أبو جعفر ‏.‏

كان من كبار الأمراء وقد ذكرنا له أفعالًا كثيرة ‏.‏

إسحاق بن إسماعيل أبو يعقوب الطالقاني ‏.‏

سمع جرير بن عبد الحميد ومحمد بن فضيل ووكيعًا وسفيان بن عيينة وغيرهم روى عنه‏:‏ الحربي والبغوي ‏.‏

قال يحيى‏:‏ هو صدوق وقال أبو داود والدارقطني‏:‏ هو ثقة ‏.‏

قال البغوي‏:‏ قطع الحديث قبل أن يموت بخمس سنين ‏.‏

وتوفي في هذه السنة وهو أول شيخ كتب عنه البغوي ‏.‏

الحسن بن عمر بن شقيق بن أسماء الجرمي البصري ‏.‏

كان يتجر إلى بلخ فعرف بالبلخي وقدم بغداد فحدث عن جعفر بن سليمان وغيره روى عنه‏:‏ أبو حاتم الرازي وقال‏:‏ صدوق توفي هذه السنة ‏.‏

سعيد بن يحيى بن مهدي أبو سفيان الحميري ‏.‏

من أهل واسط سمع حصين بن عبد الرحمن ومعمر بن راشد روى عنه ابن راهويه ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

كان المأمون قد ولاه الشام حربًا وخراجًا وكان أحد الأجواد فخرج من بغداد إليها وكان قد سوغه خراج مصر سنة فافتتحها وصعد المنبر فلم ينزل حتىأجاز بذلك كله وهو ثلاثة آلاف دينار أو نحوها وأقام بالشام حتى مات ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن عمر الغفاري أخبرنا جعفر بن محمد الخلدي أخبرنا أحمد بن محمد بن مسروق قال‏:‏ حدثني عبد الله بن الربيع قال‏:‏ وحدثني محلم بن أبي محلم الشاعر عن أبيه قال‏:‏ شخصت مع عبد الله بن طاهر إلى خراسان في الوقت الذي شخص فيه وكنت أعادله وأسامره فلما صرنا إلى الري مررنا بها سحرًا فسمعت أصوات الأطيار من القمارى وغيرها فقال لي عبد الله‏:‏ لله در أبي كثير الهذلي حيث يقول‏:‏ إلا يا حمام الأيك إلفك حاضر وغصنك مياد ففيم تنوح ثم قال‏:‏ يا أبا محلم هل يحضرك في هذا شيء فقلت‏:‏ أصلح الله الأمير كبرت سني وفسد ذهني ولعل شيئًا أن يحضرني ثم حضر شيء فقلت‏:‏ أصلح الله الأمير قد حضر شيء هل تسكعه قال‏:‏ هات ‏.‏

فقلت‏:‏ أفي كل عام غربة وتروح أما للنوى من ونية فنريح وذكرني بالري نوح حمامة فنحت وذو الشجو الحزين ينوح على أنها ناحت ولم تذر دمعة ونحت وأسراب الدموع سفوح وناحب وفرخاها بحيث تراهما ومن دون أفراخي مهامه فيح عسى جود عبد الله أن يعكس النوى فنلقي عصى التطواف وهي طريح قال‏:‏ فقال‏:‏ يا غلام أنخ لا والله لا أجزت معي حافرًا ولا خفًا حتى ترجع إلى أفراخك كم الأبيات فقلت‏:‏ ستة فقال‏:‏ يا غلام أعطه ستين ألفًا ومركبًا وكسوة ‏.‏

وودعته وانصرفت ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن خبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثني الجوهري حدثنا محمد بن العباس الخزاز أخبرنا أبو الحسين عبيد الله بن أحمد بن أبي طاهر قال‏:‏ حدثني أبي‏:‏ أن عبد الله بن طاهر لما خرج إلى المغرب كان معه كاتبه أحمد بن نهيك فلما نزل دمشق أهديت إلى أحمد بن نهيك هدايا كثيرة في طريقه وبدمشق فكان يثبت كل ما يهدى ليه في قرطاس ويدفعه إلى خازن له فلما نزل عبد الله بن طاهر دمشق أمر أحمد بن نهيك أن يغدو عليه بعمل كان يعمله فأمر خازنه أن يخرج إليه قرطاسًا فيه العمل الذي أمر بإخراجه ويضعه في المحراب بين يديه لئلا ينساه وقت ركوبه في السحر فغلط الخازن فأخرج إليه القرطاس الذي فيه ثبت ما أهدي إليه فوضعه في المحراب فلما صلى أحمد بن نهيك الفجر أخذ القرطاس من المحراب ووضعه في خفه فلما دخل على عبد الله بن طاهر وسأله عما تقدم ليه من إخراجه العمل الذي أمره به فأخرج الدرج من خفه فدفعه إليه فقرأه عبد الله بن طاهر من أوله إلى آخره وتأمله ثم أدرجه ودفعه إلى أحمد بن نهيك وقال‏:‏ ليس هذا الذي أردت فلما نظر أحمد بن نهيك فيه أسقط في يديه فلما انصرف إلى مضربه وجه إليه عبد الله بن طاهر يعلمه‏:‏ أني قد وقفت على ما في القرطاس فوجدته سبعين ألف دينار واعلم أنه قد لزمتك مؤونة عظيمة في خروجك ومعك زوار وغيرهم وأنك محتاج إلى برهم وليس مقدار ما وصل إليك يفي بمؤونتك وقد وجهت إليك بمائة ألف دينار لتصرفها في الوجوه التي ذكرتها ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني الأزهري قال‏:‏ وجدت في كتابي عن أبي نصر محمد بن أحمد الملاحمي قال‏:‏ سمعت عمرو بن إسحاق يقول‏:‏ سمعت سهل بن مبشر يقول‏:‏ لما رجع عبد الله بن طاهر من الشام صعد فوق سطح قصره فنظر إلى دخان يرتفع في جواره فقال‏:‏ ما هذا الدخان فقيل‏:‏ لعل القوم يخبزون فقال‏:‏ ويحتاج جيراننا أن يتكلفوا ذلك‏!‏ ثم دعا حاجبه وقال‏:‏ امض ومعك كاتب فأحص جيراننا ممن لا يقطعهم عنا شارع ‏.‏

فمضى فأحصاهم فبلغ عددهم أربعة آلاف نفس فأمر لكل واحد منهم كل يوم بمنوين خبزًا ومنًا لحم ومن التوابل في كل شهر عشرة دراهم والكسوة في الشتاء مائة وخمسين درهمًا وفي الصيف مائة درهم وكان ذلك دبه مدة مقامه ببغداد فلما خرج انقطعت الوظائف إلا الكسوة ما عاش أبو العباس ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد الوكيل أخبرنا إسماعيل بن سعيد المعدل أخبرنا الحسين بن القاسم الكوكبي قال‏:‏ حدثني أبو الفضل الربعي قال‏:‏ حدثني أبي قال‏:‏ قال المأمون لعبد الله بن طاهر‏:‏ أيما أطيب مجلسي أو منزلك قال‏:‏ ما عدلت بك يا أمير المؤمنين شيئًا ‏.‏

فقال‏:‏ ليس إلى هذا ذهبت إنما ذهبت إلى الموافقة في العيش واللذة قال‏:‏ منزلي يا أمير المؤمنين قال‏:‏ ولم ذلك قال‏:‏ لأني هنالك مالك وأنا هنا مملوك ‏.‏

أخبرنا أبو المعمر المبارك بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا صاعد بن سيار الهروي اخبرنا أبو بكر بن أحمد بن أبي سهل الفورجي حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحافظ إجازة أخبرنا أبو العباس بن محمد القرشي أخبرنا محمد بن أبي جعفر المنذري قال‏:‏ سمعت الحسين بن فهم يقول‏:‏ كان عبد الله بن طاهر لا يدخل خصيًا داره ويقول‏:‏ هم مع النساء رجال ومع الرجال نساء ‏.‏

توفي عبد الله بن طاهر بمرو وقيل‏:‏ بنيسابور وقيل‏:‏ بالشام من مرض أصابه في حلقه في ربيع الأول من هذه السنة وهو ابن ثمان وأربعين سنة وأيامًا وكان قبل موته قد أظهر التوبة وكسر آلات الملاهي وعمر رباطات خراسان ووقف بها الوقوف وأظهر الصدقات ووجه أموالًا عظيمة إلى الحرمين وفك أسرى المسلمين من الترك وبلغ ما أنفقه على الأسرى ألفي ألف درهم وخلف أموالًا كثيرة وكان يوصف بالإنصاف ‏.‏

علي بن الجعد بن عبيد أبو الحسن الجوهري مولى بني هاشم سمع سفيان الثوري ومالك بن أنس وشعبة وابن أبي ذؤاب وغيرهم وكتب عنه‏:‏ أحمد بن حنبل ويحيى والبخاري وأبو زرعة وإبراهيم الحربي وغيرهم والبغوي وكان ثقة ‏.‏

أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبيد الله بن أبي الفتح حدثنا عبد الله بن أحمد بن يعقوب المقرئ قال‏:‏ حدثني عبد الرزاق بن سليمان بن علي بن الجعد قال‏:‏ سمعت أبي علي بن الجعد يقول‏:‏ لما أحضر المأمون أصحاب الجوهر فناظرهم على متاع كان معهم ثم نهض المأمون لبعض حاجته ثم خرج فقام له كل من كان في المجلس إلا ابن الجعد فإنه لم يقم فنظر إليه المأمون كهيئة المغضب ثم استخلاه فقال له‏:‏ يا شيخ ما منعك أن تقوم لي كما قام أصحابك قال‏:‏ أجللت أمير المؤمنين للحديث الذي نأثره عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ وما هو قال علي بن الجعد‏:‏ سمعت المبارك بن فضالة يقول‏:‏ سمعت الحسن يقول‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من أحب أن يتمثل له الرجال قيامًا فليتبوأ مقعده من النار ‏"‏ ‏.‏

قال‏:‏ فأطرق المأمون مفكرًا في الحديث ثم رفع رأسه فقال‏:‏ لا يشترى إلا من هذا الشيخ ‏.‏

قال‏:‏ فاشترى منه ذلك اليوم بقيمة ثلاثين ألف دينار ‏.‏

قال المصنف‏:‏ وكان أحمد قد نهى ابنه عبد الله أن يسمع من علي بن الجعد وذلك أنه بلغه عنه أنه يتناول بعض الصحابة وأنه قال‏:‏ من قال إن القرآن مخلوق لم أعنفه ‏.‏

توفي ابن الجعد في رجب هذه السنة وقيل‏:‏ سنة ثلاث وقيل‏:‏ سنة أربع وقد استكمل ستًا وتسعين سنة ودفن بباب حرب ‏.‏

علي بن جعفر بن زياد الأحمر أبو الحسن التميمي الكوفي ‏.‏

قدم بغداد وحدث بها عن عبد الله بن إدريس وحفص بن غياث وأبي بكر بن عياش وروى عنه‏:‏ محمد بن عبد الله المنادي وعبد الله بن أحمد وأبو حاتم الرازي وقال‏:‏ كان ثقة صدوقًا ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة أبو عبد الله البصري ‏.‏

سمع إسماعيل بن علية ومعتمر بن سليمان ويزيد بن زريع وغيرهم وحدث ببغداد فروى توفي في ربيع الأول من هذه السنة وهو متوجه إلى طرسوس ‏.‏

محمد بن سعد بن منيع أبو عبد الله مولى بني هاشم كاتب الواقدي سمع سفيان بن عيينة وإسماعيل بن عليه ويزيد بن هارون وخلقًا كثيرًا وصنف كتاب الطبقات فذكر الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى زمانه وكان كثير العلم كثير الحديث كثير الرواية كثير الكتب من الثقات ‏.‏

وتوفي في هذه السنة ودفن في مقبرة باب الشام وهو ابن اثنتين وستين سنة ‏.‏

مرة بن عبد الواحد الكلاعي ويعرف بعبد الأعلى وله اسمان ويكنى أبا يزيدًا ‏.‏

يروي عن ضمام بن إسماعيل توفي بالبرلس في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين ومائتين

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن بغا الأمير كان قد حبس بالمدينة نحوًا من ألف وستمائة من بني سليم فنقبوا الدار ليخرجوا فإذا قد وثب عليهم من يتوكل بهم فقتلوا من الموكلين بهم رجلًا أو رجلين وخرج عامتهم وأخذوا سلاح الموكلين بهم واجتمع أهل المدينة فمنعوهم من الخروج فقاتلوا فظهر عليهم أهل المدينة فقتلوهم أجمعين ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ أخذ أحمد بن نصر الخزاعي وسنذكر قصته عند وفاته إن شاء الله تعالى ‏.‏

وفيها‏:‏ أراد الواثق الحج واستعد له فأخبر بقلة الماء في الطريق فبدا له ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى الواثق جعفر بن دينار اليمن فشخص إليها في شعبان في ستة آلاف ‏.‏

وعقد محمد بن عبد الملك الزيات لإسحاق بن إبراهيم بن أبي خميصة مولى بني قشير على اليمامة والبحرين وطريق مكة مما يلي البصرة في دار الخلافة ولم يعرف أحد عقد لأحد في دار الخلافة غير محمد بن عبد الملك ‏.‏

وفيها‏:‏ نقبت اللصوص بيت المال الذي في دار العامة في جوف القصر وأخذوا اثنين وأربعين ألف درهم وشيئًا من الدنانير فتتبعوا وأخذوا أخذهم يزيد بن الحلواني صاحب الشرطة خليفة إيتاخ ‏.‏

وفيها‏:‏ خرج محمد بن عمرو الخارجي في ثلاثة عشر رجلًا في ديار ربيعة فخرج إليه غانم بن أبي مسلم الطوسي وكان على حرب الموصل فقتل من أصحابه أربعة وأخذ محمد بن عمرو أسيرًا فبعث به إلى سامراء فبعث به إلى حبس بغداد ونصبت رؤوس أصحابه عند خشبة بابك ‏.‏

وفيها‏:‏ قدم وصيف التركي من ناحية أصبهان والجبال وفارس وكان قد شخص في طلب الأكراد لأهم كانوا قد تطرقوا إلى هذه النواحي وقدم معه بنحو خمس مائة نفس في قيود فحبسوا وأجيز وصيف بخمسة وسبعين ألف دينار وقلد سيفًا وكسي ‏.‏

وفيها‏:‏ جرى الفداء بين المسلمين وصاحب الروم ‏.‏

وجه الواثق في الفداء في آخر سنة ثلاثين فالتقوا في يوم عاشوراء سنة إحدى وثلاثين وأمر بامتحان المسلمين فمن قال‏:‏ القرآن مخلوق وأن الله لا يرى في الآخرة فودي ومن أبى ترك مع الروم وأمر من يعطي من يقول القرآن مخلوق دينارين فكان الذين فودوا ثلاثة آلاف رجل وخمسمائة امرأة وقيل‏:‏ أربعة آلاف وستمائة وفيهم من أهل الذمة أقل من خمسمائة ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن نصر بن مالك بن الهيثم من ولد عمرو بن لحي الخزاعي ‏.‏

الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار ‏"‏ لأنه أول من بحر البحيرة وسيب السائبة ‏.‏

ومالك بن الهيثم كان أحد نقباء بني العباس في ابتداء دولتهم وسويقة نصر ببغداد تنسب إلى أبيه نصر ‏.‏

وكان أحمد بن نصر من كبار العلماء أمارًا بالمعروف فعالًا للخير قوالًا للحق سمع مالك بن أنس وحماد بن زيد وهشيم بن بشير وغيرهم روى عنه‏:‏ يحيى بن معين وغيره ‏.‏

وأخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت حدثني القاضي أبو عبد الله الصيمري حدثنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرني محمد بن يحيى الصولي قال‏:‏ كان أحمد بن نصر وسهل بن سلامة - حين كان المأمون بخراسان - بايعا للناس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى أن دخل المأمون بغداد فرفق بسهل حتى لبس السواد وأخذ الأرزاق ولزم أحمد بيته ثم أن أمره ترحك ببغداد في آخر أيام الواثق فاجتمع إليه خلق من الناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر إلى أن ملكوا بغداد وتعدى رجلان من أصحابه يقال لأحدهما‏:‏ طالب في الجانب الغربي ويقال للآخر‏:‏ أبو هارون في الجانب الشرقي وكانا موسرين فبذلا مالًا وعزما على الوثوب ببغداد في آخر أيام الواثق في شعبان سنة إحدى وثلاثين ومائتين فنم عليهم قوم إلى إسحاق بن إبراهيم فأخذ جماعة منهم فيهم أحمد بن نصر وصاحباه طالب وأبو هارون طالبًا وأبا هارون فقيدهما ووجد في منزل أحدهما أعلامًا وضرب خادمًا لأحمد بن نصر فأقر أن هؤلاء كانوا يصيرون إليه ليلًا فيعرفونه ما عملوا فحملهم إسحاق مقيدين إلى سامراء فجلس لهم الواثق وقال لأحمد بن نصر‏:‏ دع ما أخذت له ما تقول في القرآن قال‏:‏ هو كلام الله قال‏:‏ أفمخلوق هو قال‏:‏ هو كلام الله قال‏:‏ أفترى ربك في القيامة قال‏:‏ كذا جاءت الرواية ‏.‏

قال‏:‏ ويحك يرى كما يرى أفمخلوق هو قال‏:‏ هو كلام الله قال‏:‏ المحدود المجسوم ويحويه مكان ويحصره الناظر أنا أكفر برب هذه صفته ما تقولون فيه فقال عبد الرحمن بن إسحاق - وكان قاضيًا على الجانب الغربي ببغداد وعزل - هو حلال الدم وقال جماعة الفقهاء‏:‏ كما قال فأظهر ابن أبي دؤاد أنه كاره لقتله ‏.‏

فقال للواثق‏:‏ يا أمير المؤمنين شيخ مختل لعل به عاهة أو تغير عقله يؤخر أمره ويستتاب فقال الواثق‏:‏ ما أراه إلا مؤذنًا بالكفر قائمًا بما يعتقده منه ‏.‏

ودعا بالصمصامة وقال‏:‏ إذا قمت إليه فلا يقومن أحد معي فإني أحتسب خطاي إلى هذا الكافر الذي يعبد ربًا لا نعبده ولا نعرفه بالصفة التي وصفه بها ثم أمر بالنطع فأجلس عليه وهو مقيد وأمر بشد رأسه بحبل وأمرهم أن يمدوه ‏.‏

ومشى إليه حتى ضرب عنقه وأمر بحمل رأسه إلى بغداد فنصبت في الجانب الشرقي أيامًا وفي الجانب الغربي أيامًا وتتبع رؤساء أصحابه فوضعوا في الحبوس ‏.‏

وفي رواية أخرى‏:‏ أن طالبًا وأبا هارون السراج فرقا على قوم مالًا ووعدهم ليلة يضربون فيها الطبل فيجتمعون في صبيحتها بالوثوب على السلطان وكان الوعد ليلة الخميس لثلاث خلون من شعبان وأعطيا رجلين من بني أشرس العابد دنانير يفرقانها في جيرانهم فاجتمع قوم منهم على نبيذ فثملوا فضربوا الطبل ليلة الأربعاء وهم يحسبونها ليلة الخميس فأكثروا الضرب فلم يجتمع إليهم أحد فوجه إليهم صاحب الشرطة وقررهم فأقروا وأخذ أحمد بن نصر فقيد وبعث به إلى الواثق فلم يذكر له ما قيل عنه في الخروج عليه لكنه قال‏:‏ ما تقول في القرآن وهل ترى ربك فذكر نحو ما تقدم إلى أن قال‏:‏ فدعا الواثق بسيف عمرو بن معد يكرب ومشى إليه وضربه ضربة وقعت على حبل العاتق ثم ضربه ضربة أخرى على رأسه ثم انتضى سيما الدمشقي سيفه فضرب عنقه وجز رأسه ثم صلب في الحظيرة التي فيها بابك وفي رجليه قيود وعليه سراويل وقميص وحمل رأسه إلى مدينة السلام فنصب في الجانب الشرقي أيامًا وفي الجانب الغربي أيامًا ثم حول إلى الشرقي وحظر على الرأس حظيرة وضرب عليه فسطاط وأقيم عليه الحرس ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب أخبرنا محمد بن علي بن يعقوب حدثنا محمد بن نعيم الضبي قال‏:‏ سمعت أبا العباس السياري يقول‏:‏ سمعت أبا العباس بن سعيد المروزي قال‏:‏ ضربت عنق أحمد بن نصر وهذه نسخة الرقعة معلقة في أذنه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم‏:‏ هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره وكتب محمد بن عبد الملك ‏.‏

فلما جلس المتوكل فدخل عليه عبد العزيز بن يحيى المكي فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ما رؤي أعجب من أمر الواثق قتل أحمد بن نصر وكان لسانه يقرأ القرآن إلى أن دفن ‏.‏

قال‏:‏ فوجد المتوكل من ذلك وساءه ما سمعه في أخيه إذ دخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات فقال له‏:‏ يا ابن عبد الملك في قلبي شيء من قتل أحمد بن نصر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين أحرقني الله بالنار إن كان قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا قال‏:‏ ودخل هرثمة فقال‏:‏ يا هرثمة في نفسي شيء من قتل أحمد بن نصر فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين قطعني إربًا إربًا إن كان قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا قال‏:‏ ودخل عليه أحمد بن أبي دؤاد فقال‏:‏ يا أحمد في قلبي من قتل أحمد بن نصر شيء فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين ضربني الله بالفالج إن كان قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرًا قال المتوكل‏:‏ أما ابن الزيات فأنا أحرقته بالنار وأما هرثمة فإنه هرب فاجتاز بقبيلة من خزاعة فقطعوه إربًا إربًا وأما ابن أبي دؤاد فقد سجنه الله في جلده ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا إبراهيم بن هبة الله الجرباذوقاني أخبرنا معمر بن أحمد الأصبهاني قال‏:‏ أخبرني أبو عمرو عثمان بن محمد العثماني إجازة قال‏:‏ حدثني علي بن محمد بن إبراهيم حدثنا إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال‏:‏ كان أحمد بن نصر خلي فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت أن الرأس يقرأ القرآن فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفًا عليه وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه فلما هدأت العيون سمعت الرأس يقرأ‏:‏ ‏{‏آلم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون‏}‏ الآية فاقشعر جلدي ثم رأيته بعد ذلك في المنام وعليه السندس والإستبرق وعلى رأسه تاج فقلت‏:‏ ما فعل الله بك يا أخي قال‏:‏ غفر لي وأدخلني الجنة إلا أني كنت مغمومًا ثلاثة أيام فقلت‏:‏ ولم قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بي فلما بلغ خشبتي حول وجهه عني فقلت له بعد ذلك‏:‏ يا رسول الله قتلت على الحق أم على الباطل قال‏:‏ أنت على الحق ولكن قتلك رجل من أهل بيتي فإذا بلغت إليك أستحي منك ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا الخطيب قال‏:‏ قرأت على أبي بكر البرقاني عن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي أخبرنا محمد بن إسحاق السراج قال‏:‏ سمعت أبا بكر المطوعي قال‏:‏ لما جيء برأس أحمد بن نصر صلبوه على الجسر فكانت الريح تديره قبل القبلة فأقعدوا له رجلًا معه قصبة أو رمح فكان إذا دار نحو القبلة أداره إلى خلاف القبلة ‏.‏

قال السراج‏:‏ قتل أحمد بن نصر يوم السبت غرة رمضان سنة إحدى وثلاثين وأنزل رأسه وأنا حاضر ببغداد يوم الثلاثاء لثلاث خلون من شوال سنة سبع وثلاثين ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا الخطيب أحمد بن علي قال‏:‏ لم يزل رأس أحمد بن نصر منصوبًا ببغداد وجسده مصلوبًا بسامراء ست سنين إلى أن حط وجمع بين رأسه وبدنه ودفن في الجانب الشرقي في المقبرة المعروفة بالمالكية ‏.‏

إبراهيم بن محمد بن عرعرة بن اليزيد أبو إسحاق الشامي البصري سكن بغداد وحدث بها عن يحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وغندر وغيرهم ‏.‏

قال أبو حاتم الرازي‏:‏ هو صدوق وقال يحيى‏:‏ هو ثقة ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

إسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر خالد بن مرداس أبو الهيثم السراج حدث عن إسماعيل بن عياش وابن المبارك روى عنه‏:‏ البغوي وكان ثقة ‏.‏

توفي في شعبان هذه السنة ‏.‏

خلف بن سالم أبو محمد المخرمي مولى المهالبة وكان سنديًا سمع أبا بكر بن عياش وهشيمًا وابن مهدي وابن علية وأبا نعيم ويزيد بن هارون روى عنه‏:‏ يعقوب بن شيبة وأحمد بن خيثمة

وقال‏:‏ أحمد بن حنبل‏:‏ لا نشك في صدقه ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة ‏.‏

سليمان بن داود بن الرشيد أبو الربيع الأحول الختلي البغدادي وليس هذا داود بن رشيد المشهور هذا آخر حدث عنه مسلم بن الحجاج وأبو زرعة الرازي وأبو يعلى الموصلي وكان ثقة توفي يوم السبت أول يوم من رمضان هذه السنة ‏.‏

ولمسلم شيخ آخر حدث عنه في صحيحه يقال له‏:‏ سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني توفي في سنة أربع وسيأتي ذكره فلا تظن أنهما واحد فقد ادعى هذا أبو بكر أحمد بن علي الأصفهاني الحافظ فإنه خرج شيوخ مسلم وجعلهما واحدًا وخطأ أبا يعلى الموصلي لأنه حدث عنهما في معجم مشايخه وفرق بينهما وأورد لكل واحد حديثًا منفردًا وأبو يعلى أعلم بمشايخه

يدل على صحة هذا أن أبا القاسم هبة الله بن أحمد الحريري أنبأنا عن العشاري عن الدارقطني أنه ذكر مشايخ مسلم الذين أخرج عنهم في الصحيح فقال‏:‏ سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني وسليمان بن داود أبو الربيع الأحول البغدادي ‏.‏

وقال البغوي‏:‏ مات سليمان بن داود أبو الربيع سنة إحدى وثلاثين ومائتين ومات سليمان بن داود أبو الربيع الزهراني سنة أربع وثلاثين ومائتين فبان وهم أبي بكر الأصبهاني ‏.‏

سليمان بن داود أبو داود المباركي ‏.‏

سمع يحيى بن أبي زائدة روى عنه‏:‏ مسلم بن الحجاج وأبو زرعة وقال‏:‏ هو ثقة ‏.‏

وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة ‏.‏

محمد بن زياد أبو عبد الله ابن الأعرابي كان الغاية في علم اللغة ومعرفة الأنساب والأيام وحدث عن أبي معاوية الضرير روى عنه‏:‏ إبراهيم الحربي وثعلب وغيرهما وكان ثقة وكان ليله أحسن ليل وتوفي بسامراء في هذه السنة وهو ابن ثمانين سنة وقيل‏:‏ توفي سنة ثلاثين والأول أصح محمد بن سعدان أبو جعفر النحوي الضرير كان أحد القراء وله كتاب في القراآت وكان ثقة وله كتاب في النحو أيضًا ‏.‏

توفي يوم عرفة في هذه السنة ‏.‏

محمد بن سلام بن عبيد الله أبو عبد الله البصري مولى قدامة بن مظعون كان من أهل الأدب وصنف كتابًا في طبقات الشعراء وحدث عن حماد بن سلمة وغيره وروى عنه‏:‏ عبد الله بن أحمد وثعلب قال صالح جزرة الحافظ‏:‏ كان محمد بن سلام صدوقًا ‏.‏

وقال أبو خيثمة‏:‏ يرمى بالقدر لا نكتب عنه الحديث إنما نكتب عنه الشعر ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرني أحمد بن بن محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ حدثني جدي محمد بن عبيد الله بن الفضل حدثنا محمد بن يحيى النديم قال‏:‏ أخبرنا حسين بن الفهم‏:‏ كان قدم علينا محمد بن سلام سنة اثنتين وعشرين ومائتين فاعتل علة شديدة فما تخلف عنه أحد وأهدى إليه الأجلاء أطباءهم وكان ابن ماسويه ممن أهدي إليه فلما جسه ونظر إليه قال له‏:‏ ما أرى بك من العلة مثل ما أرى بك من الجزع فقال‏:‏ والله ما ذاك لحرص على الدنيا مع اثنتين وثمانين سنة ولكن الإنسان في غفلة حتى يوقظ بعلة ولو وقفت بعرفات وقفة وزرت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم زورة وقضيت أشياء في نفسي لرأيت ما اشتد علي من هذا الجزع قد سهل فقال له ابن ماسويه‏:‏ فلا تجزع فقد رأيت في عرقك من الحرارة الغريزية وقوتها ما إن سلمك الله من العوارض بلغك عشر سنين أخرى قال حسين بن الفهم‏:‏ فوافق كلامه قدرًا فعاش محمد عشر سنين بعد ذلك ومات سنة اثنتين وثلاثين ومائتين ‏.‏

قال النديم‏:‏ وأخبرنا الفضل بن الحباب قال‏:‏ ابيضت لحية محمد بن سلام ورأسه وله سبع وعشرون سنة وسمعته يقول‏:‏ أفنيت ثلاثة أهلين تزوجت وأطفلت فماتوا ثم فعلت مثل ذلك فماتوا ثم فعلت الثالثة فماتوا وها أناذا في الرابعة ولي أولاد توفي محمد بن سلام في هذه السنة ببغداد ‏.‏

هارون بن معروف أبو علي المروزي ‏.‏

سكن بغداد وحدث بها عن عبد العزيز الدراوردي وابن عيينة وهيثم روى عنه‏:‏ أحمد بن حنبل والبغوي وكان ثقة ‏.‏

يوسف بن يحيى أبو يعقوب البويطي ‏.‏

منسوب إلى قرية يقال لها‏:‏ بويط وكان الشافعي رضي الله عنه يقربه ويؤثره وجلس بعده في مكانه وكان فقيهًا ثقة وكان متعبدًا زاهدًا وحمل في أيام المحنة إلى بغداد فلم يجب فحبس فمات في الحبس في هذه السنة ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إسماعيل بن علي الأستراباذي أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد الطيبي حدثنا أبو نعيم عبد الملك بن محمد قال‏:‏ سمعت الربيع قال‏:‏ سمعت أبا الوليد بن أبي الجارود يقول‏:‏ كان أبو يعقوب البويطي جاري فما كنت أنتبه ساعة من الليل إلا وأسمعه يقرأ ويصلي ‏.‏

قال الربيع‏:‏ كان أبو يعقوب أبدًا يحرك شفتيه بذكر الله تعالى أو نحو ما قال ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو منصور محمد بن عيسى بن عبد العزيز حدثنا عبد الرحمن بن أحمد الأنماطي حدثنا محمد بن حمدان الطرائقي حدثنا الربيع بن سليمان قال‏:‏ رأيت البويطي على بغل وفي عنقه غل وفي رجليه قيد وبين الغل والقيد سلسلة حديد وفيها طوبة وزنها أربعون رطلًا وهو يقول‏:‏ إنما خلق الله الخلق بكن فإذا كانت كن مخلوقة فكان مخلوقًا خلق مخلوقًا فوالله لأموتن في حديدي هذا حتى يأتي من بعدي قوم يعلمون أنه قد مات في هذا الشأن قوم في حديدهم ولئن أدخلت إليه لأصدقنه - يعني الواثق - قال الربيع‏:‏ وكتب إلي من السجن يقول‏:‏ إنه ليأتي علي أوقات لا أحس بالحديد أنه على بدني حتى تمسه يدي فإذا قرأت كتابي هذا فأحسن خلقك مع أهل حلقتك واستوص بالغرباء خاصة خيرًا فكثيرًا ما كنت أسمع الشافعي رحمه الله يتمثل بهذا البيت‏:‏ أهين لهم نفسي لكي يكرمونها ولا تكرم النفس التي لا تهينها توفي البويطي في رجب هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ سنة اثنتين وثلاثين ومائتين والأول أصح ‏.‏