فصل: ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنة ثلاث وستين ومائة

هلاك المقنع وذلك أن سعيدًا الحرشي حصره بكش فاشتد عليه الحصار فلما أحس بالهلكة شري سمًا وسقاه نساءه ‏.‏ فمات ومتن فدخل المسلمون قلعته فاجتروا رأسه ووجهوا به إلى المهدي ‏.‏ وفيها‏:‏ قطع المهدي البعوث للصائفة على جميع الأجناد من أهل خراسان وغيرهم وخرج فعسكر بالبردان فأقام بها نحوًا من شهرين ويعطي الجنود وأخرج ا صلات لأهل بيته الذين خرجوا معه ‏.‏ وتوفي عيسى بن علي في آخر جمادى الآخر ‏.‏ وخرج المهدي من الغد من البردان متوجهًا إلى الصائفة واستخلف بمدينة السلام ابنه موسى وكاتبه يومئذٍ أبان بن صدقة وعلى خاتمه عبد الله بن علاثة وعلى حرسه علي بن عيسى وعلى شرطته عبد الله بن خازم وإنما خرج مشيعًا لولده هارون وضم إليه الربيع والحسن بن قحطبة وخالد بن برمك والحسن وسليمان ابني برمك ‏.‏ ووجه معه على أمر العسكر ونفقاته والقيام مع ابنه هارون بإمرة يحيى بن خالد وكان أمر هارون كله إليه ففتح الله عليهم فتوحًا كثيرة ‏.‏ وفي مسيرة المهدي مع ابنه هارون عزل عبد الصمد بن علي عن الجزيرة وولى مكانه زفر بن عاصم الهلالي ‏.‏

وكان السبب أن المهدي سلك في سفرته هذه طريق الموصل وعلى الجزيرة عبد الصمد فلما بلغ أرض الجزيرة ولم يتلقه عبد الصمد ولا هيأ له ولا أصلح القناطر فاضطعن ذلك عليه فلما لقيه تجهمه وأظهر له جفاء فبعث إليه عبد الصمد بألطاف لم يرضها فردها وأزداد عليه سخطًا وأغلظ له فرد عليه عبد الصمد فأمر بحبسه وعزله عن الجزيرة ولم يزل في حبسه إلى أن رضي عنه ‏.‏

وأتي المهدي وهو بحلب بزنادقة فقتلهم وصلبهم وقطع كتبًا كانت معهم ثم عرض بها جنده وأمر بالرحلة وأشخص جماعة ومن وافاه من أهل بيته مع ابنه هارون إلى الروم وشيع المهدي ابنه هارون حتى قطع الدروب وبلغ جيحان وارتاد بها المدينة التي تسمى المهدية وددع هارون على نهر جيحان فسار هارون حتى نزل رستاقًا من رساتيق أرض الروم فيه قلعة فأقام عليها ثمانيًا وثلاثين ليلة ونصب عليها المجانيق ففتحها الله تعالى بعد أن أصاب الناس يعني أهلها عطش وجوع وأصاب المسلمون قتل وجراح وقفل هارون بالمسلمين ‏.‏

وفي هذه السفرة صار المهدي ى بيت المقدس فصلى فيه ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى المهدي ابنه هارون المغرب كله وأذربيجان وأرمينية وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى وعلى رسائله يحيى بن خالد بن برمك ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل زفر بن عاصم عن الجزيرة وولى مكانه عبد الله بن صالح بن علي ‏.‏

وعزل معاذ بن مسلم عن خراسان ووليها المسيب بن زهير وعزل يحيى الحرشي عن أصبهان وولي الحكم بن معبد مكانه ‏.‏

وعزل سعيد بن دعلج عن طبرستان والرويان ووليها عمر بن العلاء ‏.‏

وعزل مهلهل بن صفوان عن جرجان ووليها هشام بن سعيد ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس علي بن المهدي ‏.‏

وكان على مكة والمدينة والطائف واليمامة جعفر بن سليمان وعلى الصلاة والأحداث بالكوفة إسحاق بن الصباح الكندي وعلى قضائها شريك وعلى البصرة وأعمالها وكور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وكور فارس‏:‏ محمد بن سليمان وعلى خراسان المسيب بن زهير وعلى السند نصر بن محمد بن الأشعث ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إبراهيم بن طهمان أبو سعيد الخراساني ‏.‏

ولد بهراة ونشأ بنيسابور ورحل في طلب العلم فلقي جماعة من التابعين مثل‏:‏ عبد الله بن دينار مولى ابن عمر وأبي الزبير محمد بن مسلم وعمرو بن دينار وأبي حازم الأعرج وأبي إسحاق الشيباني ‏.‏

وورد بغداد وحدث بها ثم انتقل إلى مكة فسكنها إلى آخر عمره ‏.‏

وكان ثقة صالحًا دينًا جوادًا وكان يميل إلى الإرجاء ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمر بن بكير قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن أحمد قال‏:‏ حدثنا أحمد بن ياسين قال‏:‏ سمعت إسحاق بن محمد يقول‏:‏ قال مالك بن سليمان كان لإبراهيم بن طهمان جراية من بيت المال فاخرة وكان يسخو بذلك فسئل يومًا مسألة في مجلس الخليفة فقال‏:‏ لا أدري ‏.‏

فقالوا له‏:‏ تأخذ في كل شهر كذا ذا ولا تحسن مسألة قال‏:‏ إنما آخذه على ما أحسن ولو أخذت على ما لا أحسن لفني بيت المال ولا يفنى ما لا أحسن ‏.‏

فأعجب أمير المؤمنين جوابه وأمر له بجائزة فاخرة وزاد في جرايته ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن أحمد بن يعقوب قال‏:‏ أخبرنا محمد بن نعيم قال‏:‏ حدثني أبو محمد عبد الله بن محمد الفقيه قال‏:‏ حدثنا محمد بن صالح الصيمري قال‏:‏ حدثنا أبو زرعة قال‏:‏ سمعت أحمد بن حنبل وذكر عنده إبراهيم بن طهمان وكان متكئًا من علة فاستوى جالسًا وقال‏:‏ لا ينبغي أن يذكر الصالحون متكئ ثم قال أحمد‏:‏ حدثني رجل من أصحاب ابن المبارك قال‏:‏ رأيت ابن المبارك في المنام ومعه شيخ مهيب فقلت‏:‏ من هذا معك قال‏:‏ أما تعرف هذا سفيان الثوري ‏.‏

قلت‏:‏ من أين أقبلتم قال‏:‏ نحن نزور كل يوم إبراهيم بن طهمان ‏.‏

قلت‏:‏ وأين تزورونه قال‏:‏ في دار الصديقين دار يحيى بن زكريا ‏.‏

توفي إبراهيم بن طهمان بمكة في هذه السنة ‏.‏

جرير بن عثمان بن عفان بن خبير بن أحمد بن أسعد بن عثمان وقيل‏:‏ أبو عون الرحبي الحمصي ‏.‏

سمع عبد الله بن بشير صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلقًا كثيرًا من التابعين ‏.‏

روى عنه‏:‏ إسماعيل بن عياش وبقية ويزيد بن هارون واتفق العلماء على أنه ثقة ثبت لكنه اتهموه بأنه كان يننتقض لعلي بن أبي طالب عليه السلام ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن أبي جعفر قال‏:‏ أخبرنا يوسف بن أحمد الصيدلاني قال‏:‏ حدثنا محمد بن عمرو العقيلي قال‏:‏ حدثنا محمد بن إسماعيل قال‏:‏ حدثنا الحسن بن علي الخولاني قال‏:‏ حدثنا عثمان بن أبان قال‏:‏ سمعت جرير بن عثمان يقول لأخيه‏:‏ قتل إياي يعني عليًا عليه السلام ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن عبد الله بن روح الجواليقي قال‏:‏ حدثني هارون بن رضى مولى محمد بن عبد الرحمن إسحاق القاضي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سنان قال‏:‏ سمعت يزيد بن هارون يقول‏:‏ رأيت رب العزة تعالى في المنام فقال لي‏:‏ يا أبا يزيد لا تكتب عن جرير بن عثمان فقلت‏:‏ يا رب ما علمت منه إلا خيرًا فقال لي‏:‏ يا أبا يزيد لا تكتب عنه فإنه يسب عليًا ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن الحسين بن محمد الأزرق قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين النقاش قال‏:‏ مسيح بن حاتم قال‏:‏ حدثنا سعيد بن شادي الواسطي قال‏:‏ كنت في مجلس أحمد بن حنبل فقال له رجل‏:‏ يا أبا عبد الله رأيت يزيد بن هارون في المنام فقلت له‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ غفر لي ورحمني وعاتبني فقلت‏:‏ غفر لك ورحمك وعاتبك فقال‏:‏ نعم قال لي‏:‏ يا يزيد بن هارون كتبت عن جرير بن عثمان قلت‏:‏ يا رب العزة ما علمت إلا خيرًا قال‏:‏ إنه كان يبغض أبا الحسن علي بن أبي طالب ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وقد روينا من طريق آخر قال‏:‏ والله ما سببته قط وإني أترحم عليه ‏.‏

توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة ست وستين ‏.‏

سليمان بن القاسم بن عبد الرحمن مولى قريش ثم مولى لبني سهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ عبد الله بن وهب وغيره وكان من العابدين الزهاد ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

عثمان بن الحكم الجذامي روى عن موسى بن عقبة وغيره وكان فقيهًا متدينًا عرض عليه القضاء بنصر فلم يقبل وكان الليث أشار بولايته فهجر الليث لذلك ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

عبد الحميد بن سالم مولى مهرة روى عنه ابن وهب مقطعات وكان كاتبًا في ديوان مصر في خلافة بني أمية ‏.‏

قال المؤلف‏:‏ وليس بعبد الحميد الذي يضرب به المصل في الكتابة ذلك كما ذكرنا توفي قبل هذا ‏.‏

وهذا توفي عبد الرحمن بن خالد بن يزيد أبو الحسن مولى بني جمح روى عنه‏:‏ الليث وابن وهب ورشدين بن سعد وكان فقيهًا وهو أول من قدم سائل مالك إلى مصر ‏.‏

وتوفي بالإسكندرية في هذه السنة ‏.‏

عيسى بن علي بن عبد الله بن عباس عم السفاح المنصور حدث عن أبيه وروى عنه‏:‏ شيبان بن عبد الرحمن التميمي وإليه ينسب ببغداد قصر عيسى ونهر عيسى ‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ كان له مذهب جميل وكان معتزلًا للسلطان ‏.‏

أخبرنا القزاز‏:‏ قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أنبأنا إبراهيم بن مخلد قال‏:‏ أخبرنا إسماعيل بن علي الخطبي قال‏:‏ توفي عيسى بن علي في سنة ثلاث وستين ومائة وصلى عليه موسى بن المهدي ومشى في جنازته من قصر عيسى إلى مقابر قريش وكان سنه ثمانيًا وسبعين سنة رحمه الله ‏.‏

وفي رواية‏:‏ أن المهدي عسكر بالبردان في سنة أربع وستين يريد لاشام وتوفي عيسى فرجع من عسكره فصلى عليه في مقابر قريش وعاد إلى عسكره ‏.‏

بكت من خشية الله عز وجل أربعين سنة حتى ذهب بصرها ‏.‏

أخبرنا عبيد الله بن علي المقرئ قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن أحمد بن طلحة قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبيد الله الحنائي قال‏:‏ حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم الختلي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن معلى الكوفي عن يحيى بن بسطام قال‏:‏ حدثني سلمة الأفقم قال‏:‏ قلت لعبيدة بنت أبي كلاب ما تشتهي قالت‏:‏ الموت قلت‏:‏ ولم قالت‏:‏ لأني والله في كل يوم أصبح أخشى أن أجني على نفسي جناية يكون فيها عطبي أيام الآخرة ‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا محمد بن هبة الله قال‏:‏ أخبرنا ابن بشران قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثني عيسى بن مرحوم قال‏:‏ حدثني عبيدة بنت أبي كلاب قالت‏:‏ رأيت رابعة في المنام قلت‏:‏ ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت‏:‏ هيهات سبقتنا والله إلى الدرجات العلى ‏.‏

قلت‏:‏ وبن وقد كنت عند الناس أكبر منها ‏.‏

قلت‏:‏ إنها لم تكن تبالي على ما أصبحت من الدنيا وأمست ‏.‏

محمد بن النضر الحارثي ويكنى أبا عبد الرحمن ‏.‏

كان كثير التعبد مؤثرًا للعزلة ‏.‏

أخبرنا أبو بكر العامري قال‏:‏ حدثنا ابن أبي صادق قال‏:‏ أخبرنا ابن باكويه قال‏:‏ حدثنا محمد بن يوسف بن إبراهيم قال‏:‏ حدثنا سعيد بن عمر قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن محمد الكرماني عن أبي أسامة قال‏:‏ قلت‏:‏ لمحمد بن النضر كأنك تكره أن تزار قال‏:‏ أجل قلت‏:‏ أما تستوحش قال‏:‏ كيف استوحش وهو يقول‏:‏ ‏"‏ أنا جليس من ذكرني ‏"‏‏!‏ موسى بن علي بن رباح قيصر بن القشب أبو عبد الرحمن اللخمي أمير مصر لأبي جعفر المنصور ‏.‏

ولد بأفريقية سنة تسعين قدم وافدًا على هشام بن عبد الملك سنة عشرة ومائة ‏.‏

وكان يخضب بالسواد ‏.‏

روى عنه‏:‏ الليث بن سعد وابن المبارك وابن وهب ‏.‏

توفي بالإسكندرية في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة أربع وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ غزوة عبد الكريم بن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب فأقبل إليه بطريق في تسعين ألفًا فعجز عبد الكريم فانهزم فأراد المهدي ضرب عنقه فكلم فيه فحبسه‏.‏

وفيها‏:‏ بنى المهدي بعيساباذ الكبرى قصرًا من لبن إلى أن أسس قصره الذي بالآجر وكان تأسيسه إياه يوم الأربعاء في شهر ذي القعدة ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل المهدي محمد بن سليمان عن أعماله ووجه صالح بن داود على ما كان إلى محمد بن سليمان ‏.‏

أنبأنا محمد بن عبد الملك قال‏:‏ أنبأنا الحسن بن علي الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن علي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن سعيد قال‏:‏ حدثنا الزبير بن بكار قال‏:‏ حدثني مصعب قال‏:‏ لما بنى المهدي عيساباذ نزل منزله بها فأمر أن يكتب له أبناء المهاجرين وأبناء الأنصار فكتبوا ودعا نقباءهم وجلس مجلسًا عامًا لهم ففرق فيهم ثلاثة آلاف ألف درهم فأغنى كل عائل وجبر كل كسير وفرج عن كل مكروب ثم قامت الخطباء فخطبت ودخل الشعراء فأنشدوا رق فيهم خمسمائة ألف درهم ثم دعا بغدائه وحضر خاصته وبطانته وأهل المراتب من قوداه فطعموا فلم ينصرف واحد منهم إلا بحباء وكرامة فكثر الدعاء له في الطرقات والبوادي وقال الناس‏:‏ هذا مفتاح الخير هذا مهدي هذه الأمة الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم ‏.‏

وقام في هذا اليوم مروان بن أبي حفصة فأنشده‏:‏ ما يلمع البرق إلا حسن مغترب كأنه من دواعي شوقه وصب مجالس الأنس غيثًا طل وابله علي من راحة المهدي ينسكب شمسًا فما اختطفتنا من مخايله سحابة صوبها الأوراق والذهب أعطيت سبعين الفًا غير متبعها منًا ولست بننانٍ بنا تهب قد لاح للناس بالمهدي نور هدىً يضيء والصبح في الظلماء محتجب خليفة طاهر الأثواب معتصم بالحق ليس له في غيره أدب وفيها‏:‏ شخص المهدي حين أسس هذا القصر إلى الكوفة حاجًا فأقام برصافة الكوفة أيامًا ثم خرج متوجهًا إلى الحج حتى انتهى إلى العقبة فعرف قلة الماء وأخذته حمى فرجع من العقبة وعطش الناس فغضب على يقطين لأنه كان صاحب المصانع فرجع المهدي وبعث أخاه صالح بن المنصور فحج بالناس ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل عبد الله بن سليمان عن اليمن عن سخطة ووجه من يستقبله ويفتش متاعه ويحصي ما معه ثم حبسه عند الربيع حين قدم حتى أقر من المال والجوهر والعنبر بنا أقربه واستعمل مكانه بن يزيد ‏.‏

وكان العامل على مكة والمدينة والطائف واليمامة جعفر بن سليمان وعلى اليمن منصور بن يزيد وعلى صلاة الكوفة حداثها وكور دجلة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس صالح بن داود بن علي ‏.‏

وعلى خراسان المسيب بن زهير وعلى الموصل محمد بن الفضل وعلى قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن وعلى مصر إبراهيم بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن خالد وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي وعلى الري خلف بن ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر حماد الراوية‏:‏ وهو حماد بن ميسرة مولى بني شيبان وقيل‏:‏ هو حماد بن سابور ‏.‏

وكان من أعلم الناس بأيام العرب وأخبارها وأشعارها وأنسابها ‏.‏

وكانت بنو أمية تقدمه وتسني عطاءه ودخل على المنصور والمهدي ‏.‏

وروى المدائني أن الوليد بن يزيد قال لحماد‏:‏ لم سميت الراوية وما بلغ من حفظك حتى استحقيت هذا الاسم فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن كلام العرب تجري على ثمانية وعشرين حرفًا أنا أنشدك على كل حرف منها مائة قصيدة ‏.‏

فقال‏:‏ هات فأنشد حتى مل الوليد ثم استخلف من يسمع منه حتى وفاه ما قال فأجزل صلته ‏.‏

وفي رواية أنه أنشده ألفين وسبعمائة قصيدة للجاهلية فأمر له بنائة ألف درهم وقال الطرماح‏:‏ أنشدت حماد الرواية قصيدة لي ستين بيتًا فسكت ساعة ثم قال‏:‏ أهذه لك قلت‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ ليس الأمر كذلك ثم ردها علي كلها وزيادة عشرين بيتًا زادها في وقته ‏.‏

قال‏:‏ إسحاق بن إبراهيم الموصلي‏:‏ دخل مطيع بن إياس ويحيى بن زياد على حماد الراوية فإذا سراجه على ثلاث قصبات قد جمع أعلاهن وأسفلهن بطين فقال يحيى‏:‏ يا حماد إنك لمسرف متبذل تحر المتاع فقال له مطيع‏:‏ ألا تبيع هذه المنارة وتشتري أقل منها ثمنًا منها وتنفق علينا وعلى نفسك الباقي وتتسع فقال له يحيى‏:‏ ما أحسن ك به ومن أين له هذه المنارة هذه وديعة أو عارية فقال مطيع‏:‏ إنه لعظيم الأمانة عند الناس ‏.‏

قال لا يحيى‏:‏ وعلى عظم أمانته فما أجمل من يخرج هذه من داره ويأمن عليها غيره ‏.‏

قال مطيع ما أظنها عارية ولا وديعة ولكني أظنها مرهونة عنده على مال وإلا فمن يخرج هذه من بيته فقال حماد‏:‏ شر منكما من يدخلكما إلى بيته ‏.‏

وقال الجاحظ‏:‏ كان حماد الراوية وحماد بن الزبرقان وحماد عجرد ووالبه بن الحباب وبشار بن برد اللاحقي كلهم كان متهمًا في دينه ‏.‏

شيبان بن عبد الرحمن أبو معاوية التميمي المؤدب البصري وذكر أبو أحمد العسكري أن شيبان النحوي ينسب إلى بطن يقال لهم بنو نحو بن شمس بضم الشين من بطن من الأزد ‏.‏

وقال أبو الحسين بن المنادي‏:‏ المنسوب إلى القبيلة التي يقال لها نحو هو يزيد النحوي لا شيبان‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت أخبرني عبد الله بن يحيى السكري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله الشافعي قال‏:‏ حدثنا جعفر بن محمد الأزهر قال‏:‏ حدثنا ابن الغلابي عن يحيى بن معين قال‏:‏ كان شيبان بن عبد الرحمن ثقة وكان مؤدبًا قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ حدث شيبان عن الحسن البصري وقتادة ويحيى بن أبي كثير ‏.‏

وتوفي ببغداد في هذه السنة ودفن في مقابر قريش بباب التبن كذلك قال ابن سعد ‏.‏

وقال يحيى بن معين‏:‏ دفن في مقابر الخيزران ‏.‏

شبيب بن شيبة أبو معمر الخطيب المنقري البصري حدث عن الحسن وعطاء بن أبي رباح وهشام بن عروة روى عن عيسى بن يونس والأصمعي وغيرهما وقدم بغداد في أيام المنصور

فاتصل به ثم بالمهدي من بعده وكان مقدمًا عندهما ‏.‏

وقال له المنصور ني وأوجز فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين إن لله لم يرض من نفسه بأن يجعل فوقك أحدًا من خلقه فلا ترضى له من نفسك بأن يكون عبدًا له أشكر منك فقال‏:‏ والله لقد أوجزت ‏.‏

وخرج من دار المهدي فقيل له‏:‏ كيف تركت الناس فقال‏:‏ تركت الداخل راجيًا والخارج راضيًا

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران بن موسى قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى قال‏:‏ حدثنا محمد بن القاسم بن خلاد عن موسى بن إبراهيم قال‏:‏ كان شبيب بن شيبة يصلي بنا الصبح يومًا وقرأ السجدة ‏"‏ وهل أتى ‏"‏ ولما قضى الصلاة قام رجل فقال‏:‏ لا جزاك الله عني خيرًا فإني كنت غدوت لحاجة فلما أقمت الصلاة دخلت اصلي فأطلت الصلاة حتى فاتتني حاجتي ‏.‏

قال‏:‏ وما حاجتك قال‏:‏ قدمت من الثغر في شيء فيه مصلحته وكنت وعدت البكور إلى الخليفة لأتنجز ذلك قال‏:‏ فأنا أركب معك فركب معه ودخل على المهدي فأخبره الخبر وقص عليه القصة قال‏:‏ فيريد ماذا قال‏:‏ يقضي حاجته فقضى حاجته وأمر له بثلاثين ألف درهم فدفعها إلى رجل ودفع إليه شبيب من ماله أربعة آلاف درهم وقال له‏:‏ لم تضرك السورتان ‏.‏

قال مؤلف الكتاب رحمه الله‏:‏ كان شبيب بن شيبة فصيحًا ذا لسان لكنه كان يخطئ في العربية أحيانًا ‏.‏

أخبرنا محمد بن الحسين المرزباني بإسناده عن الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري قال‏:‏ أخبرنا أبي قال‏:‏ أخبرنا عبيد بن ذكوان عن الرياشي قال‏:‏ توفي ابن لبعض المهالبة فأتاه شبيب بن شيبة المنقري يعزيه وعنده بكر بن حبيب السهمي فقال شبيب‏:‏ بلغنا أن الطفل لا يزال محتبطًا على باب الجنة يشفع لأبويه فقال بكر‏:‏ إنما هو محتبطًا بالطاء غير المعجمة ‏.‏

فقال شبيل القول لي هذا وما بين لابتيها أفصح مني فقال بكر‏:‏ وهذا خطأ تأتي ماء البصرة واللوب أهلك غيرك قولهم‏:‏ ما بين لابتي المدينة يدون الحرة قال أبو أحمد‏:‏ الحرة أرض تركبها حجارة سود وهي اللابة والجمع لابات فإذا أكثرت فهي اللوب وللمدينة لابتان من جانبيها وليس للبصرة لابة ولا حرة ‏.‏

قال‏:‏ وقال أبو عبيد‏:‏ المحتبطي بغير همز‏:‏ المتعصب المستبطئ للشيء والمحتبطىء بالهمز‏:‏ العظيم البطن المنتفخ ‏.‏

وقد تكلم أصحاب الحديث في شبيب ‏.‏

سئل ابن المبارك أنأخذ عن شبيب فقال‏:‏ خذوا عنه فإنه أشرف من أن يكذب ‏.‏

وقال الساجي‏:‏ هو صدوق يهم وقال أبو علي صالح بن محمد هو صالح الحديث فأما ابن معين فقال‏:‏ ليس بثقة وقال أبو داود‏:‏ ليس بشيء عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة‏:‏ ميمون مولى آل الهدير التيمي وكنيته عبد العزيز أبو عبد الله وقيل‏:‏ أبو الأصبغ سمع الزهري وابن المنكدر وأبا حازم وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ وكيع وابن مهدي ويزيد بن هارون وكان عالمًا فقيهًا صدوقًا ثقة ثبتًا ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال‏:‏ سمعت الحربي يقول‏:‏ الماجشون فارسي وإنما سمي الماجشون لأن وجنتيه كانتا حمراوين ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ حدثنا علي بن محمد العطار قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن أبي داود قال‏:‏ حدثنا أبو طاهر قال‏:‏ حدثنا ابن وهب قال‏:‏ حججت سنة ثمان وأربعين وصائح يصيح لا يفتي الناس إلا مالك بن أنس وعبد العزيز بن أبي سلمة‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ حدثنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرني الحسين بن أبي طالب قال‏:‏ حدثنا أحمد بن محمد بن عمران قال‏:‏ حدثنا يحيى بن عبد الله العطار قال‏:‏ حدثني أبو إبراهيم أحمد بن سعيد الزهري قال‏:‏ سمعت عمرو بن خالد الحراني يقول‏:‏ أبو جعفر المنصور فشيعه المهدي فلما أراد الوداع قال‏:‏ يا بني استهدني قال‏:‏ استهدتك رجلًا عاقلًا فأهدى له عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون توفي عبد العزيز ببغداد في هذه السنة وجاء المهدي حتى صلى عليه في خلافته ودفن في مقابر قريش المبارك بن فضالة بن أمية أبو فضالة مولى زيد بن الخطاب حدث عن الحسن بن أبي الحسن البصري وثابت وحميد الطويل وخلق كثير ‏.‏

روى عنه‏:‏ يزيد بن هارون وعفان وعلي بن أبي الجعد ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا عبد الرحمن بن عبيد الله الحربي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عبد الله بن إبراهيم الشافعي قال‏:‏ حدثنا معاذ بن المثنى قال‏:‏ حدثنا سوار قال‏:‏ حدثنا أبو أمية قال‏:‏ حدثنا مبارك بن فضالة قال‏:‏ إني يومًا لعند أبي جعفر إذ أتي برجل فأمر بقتله فقلت في نفسي‏:‏ يقتل رجل من المسلمين وأنا حاضر فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ألا أحدثك حديثًا سمعته من الحسن قال‏:‏ وماهو قلت‏:‏ سمعته يقول‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد حيث يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيقوم مناد من عند الله تعالى فيقول‏:‏ ليقومن فأقبل علي فقال‏:‏ آلله سمعته من الحسن فقلت‏:‏ آلله سمعته من الحسن فقال‏:‏ خليا عنه قال المؤلف اختلف كلام يحيى بن معين في المبارك فقال مرة‏:‏ صالح وقال مرة‏:‏ ثقة وقال مرة‏:‏ ضعيف ‏.‏

توفي المبارك في هذه السنة وقيل في سنة ست وستين ‏.‏

 ثم دخلت سنة خمس وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ غزوة هارون بن المهدي الصائفة من أرض الروم وجهه أبوه في يوم السب لإحدى عشر ليلة بقيت من جمادى الآخرة غازيًا إلى بلاد الروم وضم إليه الربيع مولاه وغل هارون في بلاد الروم فلقيته خيول فقاتلها فانهزمت وسار هارون في خمسة وسبعين ألفًا وسبعمائة وثلاثة وتسعين وحمل من الفيء مائة ألف دينار وثلاثة وسبعين ألفًا وأربع مائة وخمسين دينارًا ومن الورق أحد وعشرون ألف ألف وأربعمائة ألف وأربعة عشر ألف وثمانمائة درهم وسار هارون حتى بلغ خليج البحر الذي على القسطنطينية وصاحب الروم يومئذ امرأة أليون وذلك أن زوجها هلك وابنها صغير فكان في حجرها فجرت بينها وبين هارون رسل وسفراء في طلب الصلح والموادعة وإعطاء الفدية فقبل ذلك منها هارون وشرط عليها الوفاء بنا أعطت وأن تقيم له الأدلاء والأسواق في طريقه وذلك أنه دخل مدخلًا ضيقًا مخوفًا على المسلمين فأجابته إلى ما سأل والذي وقع عليه الصلح بينه وبينها سبعون ألف دينار تؤديها في نيسان في أول سنة وفي كل سنة في حزيران فقبل ذلك منها وكتبوا كتاب الهدنة إلى ثلاث سنين وسلمت الأسارى فكان الذي أفاء الله على هارون إلى أن أذعنت الروم بالجزية خمسة آلاف رأس وستمائة وثلاثة وأربعين رأسًا وقتل من الأسارى ألفان وسبعون أسيرًا صبرًا وأفاء الله عليه من الدواب الذلل بأدواتها عشرين ألفًا وذبح من البقر والغنم مائة ألف وكانت المرتزقة سوى المطوعة وأهل الأسواق مائة ألف ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل خلف بن عبد الله عن الري ووليها عيسى مولى جعفر ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ تزوج الرشيد زبيدة بنت جعفر بن المنصور وبنى بها وسقط ببغداد ثلج قام في الأرض نحو ذراعين ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس صالح بن أبي جعفر المنصور وكانت عمال الأمصار في هذه السنة الها في السنة الماضية غير أن العامل على أحداث البصرة والصلاة بأهلها كان روح بن حاتم وعلى كور دجلة والبحرين وعمان وكسكر وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى أمير المؤمنين وعلى السند الليث مولى المهدي أمير ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر الياقوتة بنت المهدي‏:‏ توفيت فجزع عليه جزعًا شديدًا فدخل عليه شبيب بن شيبة فأنشده يقول‏:‏ فحسبي بقاء الله من كل ميت وحسبي ثواب الله من كل هالك إذا كان رب العرش عني راضيًا فإن شفاء النفس فيما هنالك فدعا بالطعام ثم أكل ‏.‏

داود بن نصير الطائي الكوفي ‏.‏

سمع عبد الملك بن عمير والأعمش ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وغيرهم ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن علية وأبو نعيم وغيرهما وكان قد اشتغل بالعلم والفقه ثم انقطع إلى العبادة ولازم المجاهدة وقدم بغداد في أيام المهدي ثم عاد إلى الكوفة وبها كانت وفاته ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا أبو علي عبد الرحمن بن محمد بن فضالة قال‏:‏ أخبرنا أبو الفضل محمد بن الفضل السلمي قال‏:‏ حدثنا أبو عمران موسى بن العباس الجويني قال‏:‏ حدثنا جعفر بن الحجاج الرقي قال‏:‏ حدثنا عبيد بن جناد قال‏:‏ سمعت عطاء يقول‏:‏ كان لداود الطائي ثلاثمائة درهم فعاش بها عشرين سنة ينفقها على نفسه وكنا ندخل على داود فلك يكن في بيته إلا بارية ولبنة يضع عليها رأسه وإجانة فيها خبز ومطهرة يتوضأ منها ومنها يشرب ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن د الله المعدل قال‏:‏ حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال‏:‏ حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن أبي حسان الأنماطي قال‏:‏ حدثنا أحمد بن أبي الحواري قال‏:‏ قال أبو سليمان الداراني ‏.‏

ورث داود الطائي من أمه دارًا فكان ينتقل في بيوت الدار كلما خرب بيت من الدار انتقل منه إلى آخر ولم يعمره حتى أتى على عامة بيوت الدار ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا ابن رزق قال‏:‏ أخبرنا جعفر الخالدي قال‏:‏ حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي قال‏:‏ حدثنا علي بن حرب قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن زبان قال‏:‏ قالت داية لداود‏:‏ يا أبا سليمان أما تشتهي الخبز قال‏:‏ يا داية بين مضغ الخبز وشرب الفتيت قراءة خمسين آية توفي في هذه السنة وقيل في سنة ستين ‏.‏

عبد الله بن العلاء بن زبر بن عطاء

ولد سنة خمس وسبعين وحدث عن القاسم بن محمد بن أبي بكر وسالم والزهري ومكحول ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن الوليد بن مسلم وشبابة وكان ثقة توفي في هذه السنة رواد العجلي ‏.‏

عاهد الله سبحانه أن لا يضحك حتى يراه ‏.‏أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك قال‏:‏ أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار قال‏:‏ أخبرنا علي بن أحمد الملطي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال‏:‏ حدثنا ابن صفوان قال‏:‏ حدثنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا عمر بن حفص قال‏:‏ حدثنا سكين بن مسكين قال‏:‏ كانت بيننا وبين رواد قرابة فسألت أختًا له كانت أصغر منه كيف كان ليله قالت‏:‏ يبكي عامة الليل ويصرخ ‏.‏

قلت‏:‏ فما كان طعامه قالت‏:‏ قرصًا من أول الليل وقرصًا في آخره عند السحر قلت‏:‏ فتحفظين من دعائه شيئًا ‏.‏

قالت‏:‏ نعم كان إذا كان السحر أو قريب من طلوع الفجر سجد ثم بكى ثم قال‏:‏

مولاي عبدك يحب الاتصال بطاعتك فأعنه عليها وفيقك ‏.‏

مولاي عبدك يحب اجتناب خطيئتك فأعنه على ذلك بننك ‏.‏

مولاي عبدك عظيم الرجاء لخيرك فلا تقطع رجاءه يوم يفرح بخيرك الفائزون ‏.‏

قالت‏:‏ فلا يزال على هذا ونحوه حتى يصبح قالت‏:‏ وكان قد كل من الاجتهاد جدًا وتغير لونه‏.‏ قال سكين‏:‏ فلما مات رواد وحمل إلى حفرته نزلوا ليدلوه في حفرته فإذا اللحد مفروش بالريحان وأخذ بعض القوم من ذلك الريحان شيئًا فمكث سبعين يومًا طريًا لا يتغير يغدوا الناس ويرحون وينظرون إليه قال فكثر الناس في ذلك حتى خاف الأمير أن يفتتن الناس فأرسل إلى الرجل فأخذ ذلك الريحان وفرق الناس وفقده الأمير من منزله لا يدري كيف ذهب ‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ قدوم هارون ومن معه من خليج القسطنطينة في المحرم لثلاث عشرة ليلة بقيت فيه وقدمت الروم بالجزية معهم وجاءوا مع المال بثلاثين ألف رطل من المرعزي ‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ المهدي البيعة لهارون على قواده بعد موسى بن المهدي وسماه الرشيد ‏.‏

وفيها‏:‏ اعتمر المهدي عمرة في شهر رمضان وأفطر بالمدينة وصلى بهم في الفطر و استقضى أبا سفيان وفيها‏:‏ عزل عبيد بن الحسن عن قضاء البصرة وولى مكانه خالد بن طليق بن عمران بن حصين فلم تحمد ولايته واستعفى أهل البصرة منه ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل جعفر بن سليمان عن مكة والمدينة وما كان إليه من العمل ‏.‏

وفيها‏:‏ سخط المهدي على يعقوب بن داود ‏.‏

وكان سبب سخطه‏:‏ أن داود بن طهمان وهو أبو يعقوب كان كاتبًا لنصر بن سيار وقد كتب قبله لبعض ولاة خراسان فلما كانت أيام يحيى بن زيد أتاه طهمان مطمئنًا لما بينه وبينه فآمنه أبو مسلم فلم يعرض نفسه وأخذ أمواله التي استفادها أيام نصر ونزل منازله بمرو وضيعة كانت له ميراثًا فلما مات داود خرج ولده أهل أدب وعلم بأيام الناس وسيرهم وأشعارهم ونظروا فإذا ليس لهم عند بني العباس منزلة فلم يطمعوا في خدمتهم لأجل أن أباهم كان كاتبًا لنصر فلما رأوا ذلك أظهروا مقالة الزيدية ودنوا من آل الحسين وطمعوا أن يكون لهم دولة فيعيشوا فيها وكان يعقوب يجوب البلاد منفردًا بنفسه ومعه إبراهيم بن عبد الله أحيانًا في طلب البيعة لمحمد بن عبد الله فلما ظهر محمد وإبراهيم كتب علي بن داود وكان أسن من يعقوب لإبراهيم بن عبد الله وخرج يعقوب مع عدة من إخوته مع إبراهيم فلما قتل محمد وإبراهيم تواروا من المنصور فجد في طلبهم فأخذ يعقوب وعليًا فحبسهما أيام حياته فلما توفي المنصور من عليهما المهدي فيمن من عليه بتخلية سبيله وكان معهما في السجن إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن وكانا لا يفارقانه ولا يفارقان إخوته المحبوسين معهم فجرت بينهم بذلك صداقة فلما خلى المهدي سبيل يعقوب مكث مدة يطلب عيسى بن زيد والحسن بن إبراهيم بن عبد الله هرب الحسن من حبسه فقال المهدي يومًا‏:‏ لو وجدت رجلًا من الزيدية له معرفة بآل الحسن وبعيسى بن زيد وله فقه فأجتلبته إلى طريق الفقه ويدخل بيني وبين أهل حسن وعيسى فدل على يعقوب فأتى به فدخل عليه ذو عمامة كرابيسي وكساء أبيض غليظ فكلمه فوجده رجلًا كاملًا فسأله عن عيسى بن زيد فوعد الدخول بينه وبينه وارتفع أمره عند المهدي وممن أرفع به استأمنه للحسن بن إبراهيم فجمع بينهما بمكة وما زال يعلو أمره عنده حتى استوزره وفوض إليه الخلافة فأرسل إلى الزيدية فأتى بهم من كل أوب وولاهم من أمر الخلافة في الشرق والغرب كل عمل نفيس ‏.‏

ومال يعقوب إلى إسحاق بن الفضل فقيل للمهدي لو أراد أخذ له الدنيا في يوم فملأ ذلك قلب المهدي عليه ودخل عليه يومًا فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين قد عرفت اضطراب مصر فأمرتني أن ألتمس لها رجلًا يجمع أمرها وقد أصبته قال‏:‏ من هو قال‏:‏ ابن عمك إسحاق بن الفضل فرأى في وجه المهدي التغير فنهض و أتبعه المهدي طرفه وقال‏:‏ قتلتني والله إن لم أقتلك ‏.‏

ولم يزل موالي المهدي يحرضونه عليه ودخل عليه يومًا وهو في مجلس متناهي الحسن وعنده جارية في غاية الكمال فقال له‏:‏ يا يعقوب كيف ترى مجلسنا قال‏:‏ على غاية الحسن فمتع الله أمير المؤمنين به فقال‏:‏ هو لك احمله بما فيه وهذه الجارية ليتم سرورك به فدعا له فقال‏:‏ ولي إليك حاجة فأحب أن تضمن لي قضاءها فقال‏:‏ الأمر لأمير المؤمنين وعلي السمع والطاعة فقال‏:‏ والله ثلاث مرات فقال‏:‏ وحياة رأسي فقال‏:‏ فحياة رأسك قال‏:‏ فضع يدك عليه فاحلف ففعل لتقضين حاجته فقال‏:‏ هذا فلان بن فلان من ولد علي أحب أن تكفيني مؤنته وتريحني منه وتعجل ذلك فقال‏:‏ أفعل قال‏:‏ فخذه إليك فحوله وحول الجارية وجميع ما كان في البيت و أمر بمائة ألف درهم فلما مضى إلى منزله لم يصبر عن الجارية فضرب بينه وبينها سترًا ودعا بالعلوي فإذا أعقل الناس فسأله عن حاله فأخبره فقال‏:‏ يا يعقوب تلقى الله بدمي وأنا من ولد فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له‏:‏ لا والله فهل فيك أنت خير قال‏:‏ إن فعلت خيرًا شكرت فقال له‏:‏ أي الطريق أحب إليك فقال‏:‏ طريق كذا وكذا ‏.‏

قال‏:‏ فمن ها هنا تأنس به وتثق بموضعه قال‏:‏ فلان وفلان فقال‏:‏ فابعث إليهما وخذ هذا المال وامض معهما مصاحبًا في ستر الله موعدك في خروجك من داري وقت كذا وكذا من الليل فسمعت الجارية ذلك فبعثت به مع خادم لها إلى المهدي وقالت‏:‏ هذا جزاؤك من الذي آثرته على نفسك فبعث المهدي من وقته فشحن تلك الطرق والمواضع برجال فلم يلبث أن جاؤوه بالعلوي وصاحبيه والمال وأصبح يعقوب من غد ذلك اليوم فإذا رسول المهدي يستحضره فدخل عليه فقال‏:‏ يا يعقوب ما فعل الرجل فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين قد أراحك الله منه قال‏:‏ مات قال‏:‏ نعم قال‏:‏ والله قال‏:‏ والله قال‏:‏ فقم فضع يدك على رأسي واحلف ففعل فقال‏:‏ يا غلام أخرج إلينا ما في هذا البيت ففتح بابه عن العلوي وصاحبيه والمال بعينه فأبلس يعقوب فقال المهدي‏:‏ لقد حل لي دمك لة آثرت إراقته ولكن احبسوه ولا أذكر به فحبسوه في مطمورة ثم أصيب فيها بصره وطال شعره إلى أن ولي الرشيد فدعا به فأدخل عليه فقيل له‏:‏ سلم على أمير المؤمنين فسلم فقال له‏:‏ أي أمير المؤمنين أنا فقال‏:‏ المهدي فقال‏:‏ رحم الله المهدي فقال‏:‏ فالهادي فقال‏:‏ رحم الله الهادي قال‏:‏ الرشيد ‏.‏

قال‏:‏ نعم فما حاجتك قال‏:‏ المقام بمكة فخرج إلى مكة فبقي قليلًا ثم مات ‏.‏

ولما عزل المهدي يعقوب أمر بعزل أصحابه عن الولايات في الشرق والغرب وأن يأخذ أهل بيته وأن يحبسوا ففعل بهم ذلك ‏.‏

وفي هذه السنة‏:‏ خرج موسى الهادي إلى جرجان وجعل على قضائه أبو يوسف بن يعقوب بن إبراهيم ‏.‏

وفيها‏:‏ تحول المهدي إلى عيساباذ فنزلها ونزل معه الناس وضرب بها الدنانير والدراهم ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر المهدي بإقامة إبل وبغال تكون بريدًا بين المدينة ومكة واليمن ‏.‏

وفيها‏:‏ أخذ داود بن روح بن حاتم وإسماعيل بن سليمان بن مجالد ومحمد بن أبي أيوب المكي ومحمد بن طيفور في الزندقة فأقروا فاستتابهم المهدي وخلى سبيلهم وبعث بداود بن روح إلى أبيه وكان عاملًا على البصرة فمن عليه وأمره بتأديبه ‏.‏

وفيها‏:‏ أخرج المهدي عبد الصمد بن علي من حبسه وعزل منصور بن يزيد بن منصور عن اليمن واستعمل مكانه عبد الله بن سليمان الربيعي ‏.‏

وفيها‏:‏ أجدبت الأرض فخرجوا للإستسقاء ‏.‏

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي قال‏:‏ أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبي عبيد الله محمد بن عمران قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الجرجاني قال‏:‏ حدثنا أحمد بن أبي خيثمة قال‏:‏ حدثنا مصعب بن عبد الله الزبيري قال‏:‏ حدثنا الفضل بن الربيع قال‏:‏ قحط الناس على المهدي سنة ست وستين ومائة فنادى في الناس أن تصوموا ثلاثة أيام وأخرجوا للإستسقاء في اليوم الرابع فخرجوا فسقوا فقال لقيط بن بكر المحاربي‏:‏ يا إمام الهدى سقينا بك الغيث وزالت عنا بك اللأواء أحسب الأرض إذ عزمت لتستسقي وجادت بالغيث منها السماء بت تعني بالناس والناس نوام عليهم من الظلام غطاء فسقينا وقد قحطنا وقلنا سنة قد تنكرت حمراء بدعاء أخلصته في سواد الليل لله فاستجب الدعاء بغيوث تحيا بها الأرض حتى أصبحت وهي زهرة خضراء وفيها‏:‏ حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد وكان عامل الكوفة على الصلاة و الأحداث روح بن حاتم وعلى قضائها خالد بن طليق وعلى كور دجلة وكسكر وأعمال البصرة والبحرين وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى أمير المؤمنين ‏.‏

وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي وعلى مصر إبراهيم بن صالح وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى طبرستان والرويان وجرجان يحيى الحرشي وعلى دنباوند وقومس مولى المهدي وعلى الري سعد مولاه أيضًا ‏.‏

وعزل المنصور يزيد بن منصور عن اليمن واستعمل مكانه عبيد الله بن سليمان ‏.‏

ولم يكن في هذه السنة صائفة لأجل الهدنة ‏.‏

وما عرفنا أحدًا من الأكابر توفي في هذه السنة ‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ توجيه المهدي ابنه موسى في جند كثيف إلى جرجان للحرب ‏.‏

وفيها‏:‏ جد المهدي في طلب الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتلهم وولى أمرهم عمر الكلواذي فأخذ يزيد بن الفيض كاتب المنصور فأقر فحبس فهرب من الحبس ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ إتهم المهدي صالح بن عبد القدوس البصري بالزندقة فأمر بحمله إليه فأحضر فلما خاطبه أعجب بغزارة علمه وأدبه وحسن ثيابه فأمر بتخلية سبيله فما ولي رده فقال‏:‏ ألست القائل‏:‏ والشيخ لا يترك أخلاقه حتى يواري في ثري رمسه قال‏:‏ بلى قال‏:‏ وأنت لا تترك أخلاقك ونحن نحكم فيك بحكمك ‏.‏

ثم أمر به فقتل وصلب على الجسر ‏.‏

قال ابن ثابت‏:‏ وقيل إنه بلغه عنه أبيات يعرض فيها بالنبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ويقال إنه كان مشهورًا بالزندقة وله الهذيل العلاف مناظرات ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل المهدي أبا عبيد الله عن ديوان الرسائل وولاه الربيع الحاجب واستخلف سعيد بن واقد عليه وكان أبو عبيد الله يدخل على مرتبته ‏.‏

وفيها‏:‏ أمر المهدي بالزيادة في المسجد الحرام فدخلت فيه دور كثيرة وولى بناء ما زيد فيه يقطين بن موسى فلم يزل في بنائه حتى توفي المهدي ‏.‏

وفيها‏:‏ عزل يحيى الحرشي عن طبرستان والرويان وما كان إليه من تلك الناحية وولاها عمر بن العلاء وولى جرجان فراشة مولى المهدي ‏.‏

وفيها‏:‏ أظلمت الدنيا ظلمة شديد لليالٍ بقين من ذي الحجة حتى تعالى النهار فكشف الله تعالى ذلك ‏.‏

وأصاب الناس غير مرة تراب أحمر يجدونه في فرشهم وعلى وجوههم وظهر سعال شديد وفشا الموت والوباء ببغداد والبصرة ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد وهو على المدينة ثم توفي بعد فراغه من الحج وقدومه المدينة بأيام وولي مكانه إسحاق بن عيسى بن علي وكان العامل على مكة والطائف عبيد الله بن قثم وعلى اليمن سليمان ين يزيد الحارثي وعلى اليمامة عبيد الله بن مصعب الزبيري وعلى صلاة الكوفة وأحداثها محمد بن سليمان ‏.‏

وعلى قضائها عمر بن عثمان التيمي وعلى كور دجلة وأعمال البصرة والبحرين وعمان وكور الأهواز وفارس وكرمان المعلى مولى المهدي وعلى خراسان وسجستان الفضل بن سليمان الطوسي وعلى مصر موسى بن مصعب وعلى إفريقية يزيد بن حاتم وعلى طبرستان والرويان عمرو بن العلاء وعلى جرجان ودنباوند وقومس فراشة وعلى الري سعيد مولى المهدي ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

بشار بن برد أبو معاذ الشاعر مولى عقيل ولد أعمى وكان يشبه الأشياء في شعره فيأتي بما لا يقدر البصراء عليه فقيل له يومًا وقد قال‏:‏

كأن مثار النقع فوق رؤسنا ** وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

ما قال أحد أحسن من هذا التشبيه فمن أين لك هذا ولم تر الدنيا قط فقال‏:‏ إن عدم النظر يقوي ذكاء القلب ويقطع عنه الشغل بما تنظر إليه من الأشياء فيتوفر حسه وتذكو قريحته ‏.‏

وكان الأصمعي يقول‏:‏ بشار خاتمة الشعراء والله لولا أن أيامه تأخرت لفضلته على كثير منهم‏.‏

قال الجاحظ‏:‏ كان بشار شاعرًا خطيبًا صاحب منثور ومرواج وسجع ورسائل وهو المقدم من الشعراء المحدثين وهو بصري قدم بغداد ‏.‏

وقال أبو تمام الطائي‏:‏ أشعر الناس وأشبههم في الشعر كلامًا بعد الطبقة الأولى بشار والسيد وأبو نواس ومسلم بن الوليد بعدهم ‏.‏

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى‏:‏ قال بشار الشعر ولم يبلغ عشر سنين وقال ثلاثة عشر ألف بيت جيد ولا يكون عدد شعر الجاهلية والإسلام هذا العدد ‏.‏

قال‏:‏ وكان بشار يهوى امرأة من أهل البصرة يقال لها عبيدة وخرجت عن البصرة مع زوجها إلى عمان فقال بشار‏:‏

هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت ** وأشهى لقلبي أن تهب جنوب

وما ذاك إلا أنها حين تنتهي ** تجيء وفيها من عبيدة طيب

عذيري من العذال يعذلونني ** شفاهًا وما في العاذلين لبي

يقولون لو عزيت قلبك لا ** رعوى فقلت وهل للعاشقين قلوب

إذا انطلق القوم الجلوس فإنني ** مكبٌ كأني في الجميع غريب

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن أيوب القمي قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ أخبرني محمد بن يحيى قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسن اليشكري قال‏:‏ قيل لأبي حاتم من أشعر الناس قال‏:‏ يقول‏:‏ ولها مبسم كثغر الأقاحي وحديث كالوشي وشي البرود عندها الصبر عن لقائي وعندي زفرات يأكلن صبر الجليد يعني‏:‏ بشارًا وكان يقدمه على جميع الناس ‏.‏

فبلغ المهدي أن بشارًا قد هجاه وشهد أنه زنديق فأمر المهدي بضربه فضرب ضرب التلف فمات في هذه السنة ‏.‏

وقيل‏:‏ في سنة ثمان وقد بلغ نيفًا وتسعين سنة ‏.‏

جعفر بن زياد أبو عبد الله وقيل‏:‏ أبو عبد الرحمن الأحمر الكوفي‏:‏ حدث عن بيان بن بشر ومنصور بن المعتمر وأبي إسحاق الشيباني‏:‏ روى عنه‏:‏ سفيان بن عبيدة ووكيع وغيرهما ‏.‏

وكان قد خرج إلى خراسان فبلغ المنصور عنه أمر يتعلق بالإمامة وأنه ممن يرى رأي الرافضة فوجه إليه من قبض عليه وحمله إلى بغداد وأودعه السجن دهرًا طويلًا ثم أطلقه ‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ هو ثقة وكان من الشيعة توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة خمس وستين‏.‏

صالح بن عبد القدوس البصري له شعر حسن في الزهد صلبه المهدي في الزندقة قال المؤلف‏:‏ وقد ذكرنا حاله في الحوداث ‏.‏

عبد الرحمن بن شريح بن عبيد الله أبو شريح المعافري روى عنه‏:‏ ابن المبارك وابن وهب وزيد بن الجباب وكانت له عبادة وفضل ‏.‏

توفي في هذه السنة بالإسكندرية ‏.‏

عيسى بن موسى بن محمد علي بن عبد الله بن عباس كان أبو العباس السفاح قد عهد عند موته إلى أخيه المنصور ومن بعده إلى عيسى بن موسى ومولد عيسى سنة ثلاث ومائة أو أربع ومائة فشرع المنصور بعد قتل محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن حسن وكان قتلهما جميعًا على يد عيسى بن موسى في تأخير عيسى وتقديم المهدي في ولاية العهد وذلك في سنة سبع وأربعين ومائة وجرت بينهما خطوب و مكاتبات وامتناع من عيسى ثم أجابه إلى ذلك فأقر به وأشهد على نفسه وخطب المنصور الناس وأعلمهم ما جرى من تقديم المهدي ورضي عيسى بذلك وتكلم عيسى وسلم الأمر للمهدي فبايع الناس للمهدي ثم لعيسى من بعده فلما ولي المهدي طالب عيسى بخلع نفسه من ولاية العهد ألبتة وتسليمه لموسى بن المهدي وألح عليه إلحاحًا شديدًا وبذل له مالًا عظيمًا وجرت في ذلك خطوب إلى أن أقدمه من الكوفة إلى بغداد وتقرر الأمر على أن يخلع نفسه ويسلم نفسه ويسلم الأمر لموسى ويدفع المهدي إليه عشرة آلاف ألف وقيل‏:‏ عشرين ألف ألف ‏.‏

وقد كان عيسى ذكر أن عليه أيمانا ‏"‏ في أهله و ماله فأحضر المهدي من القضاة والفقهاء من أفتاه في ذلك وعوضه المهدي وأرضاه فيما يلزمه من الحنث في ماله ورقيقه فقبل ذلك ورضي به وخلع نفسه في محرم سنة ستين ومائة وبايع المهدي ثم لموسى بعده وأقر بذلك على المنبر ورجع إلى الكوفة فتوفي بها لثلاث بقين من ذي الحجة في هذه السنة وصلى عليه ابنه العباس وكان المهدي واجدًا عليه ووالي على الكوفة يومئذٍ روح بن حاتم فأشهد روح على وفاته القاضي وجماعة من الوجوه ثم دفن وله خمس وستون سنة وولد له واحد وثلاثون ذكرًا وعشرون أنثى وورثه من الرجال ثلاثون رجلًا ومن النساء أربع عشرة امرأة ‏.‏

عتبة بن أبان بن ضمعة وهو الذي يقال له‏:‏ عتبة الغلام‏:‏ وإنما سمي بالغلام لجده واجتهاده لا لصغر سنه وكان كثير التعبد والبكاء خشن العيش وكان يشق الخوص ويصوم الدهر ويفطر على الخبز والملح ‏.‏

أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي قال‏:‏ أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال‏:‏ حدثنا علي بن أحمد الملطي قالب‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن يوسف قال‏:‏ أخبرنا ابن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر القرشي قال‏:‏ حدثني محمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا عمار بن عثمان الحلبي قال‏:‏ حدثنا سوار أبو عبيدة قال‏:‏ بكى عتبة الغلام في مجلس عبد الواحد بن زيد تسع سنين لا يفتر يبكي من حين يبدأ عبد الواحد في الموعظة إلى أن يقوم لا يكاد يفتر عنه فقيل لعبد الواحد‏:‏ إن لا نفهم كلامك من بكاء عتبة الغلام قال‏:‏ وأصنع ماذا يبكي عتبة على نفسه وأنهاه أنا لبئس واعظ قوم أنا ‏.‏

أخبرنا محمد بن أبي القاسم قال‏:‏ أخبرنا حمد بن أحمد قال‏:‏ أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني قال‏:‏ حدثنا محمد بن حيان قال‏:‏ حدثنا أحمد بن الحسين قال‏:‏ حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي قال‏:‏ حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن قال‏:‏ حدثني عبد الخالق المعبدي قال‏:‏ كان لعتبة بيت يتعبد فيه فلما خرج من الشام أقفله وقال‏:‏ لا تفتحوه إلا أن يبلغكم موتي فلما بلغهم قتله فتحوه فأصابوا فيه قبرًا محفورًا وغلًا من حديد ‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وستين ومائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ نقض الروم الصلح الذي جرى بينهم وبين هارون وقد تقدم ذكره وكان بين أول الصلح وبين أول الغدر اثنان وثلاثون شهرًا فوجه علي بن سليمان وهو يومئذٍ على الجزيرة وقيس بن زيد بن المنذر بن البطال سرية في خيل إلى الروم فظفروا وغنموا ‏.‏

وفيها‏:‏ وجه المهدي سعيد الحرشي إلى طبرستان في أربعين ألفًا ‏.‏

وفيها‏:‏ قتل المهدي جماعة من الزنادقة ببغداد ‏.‏

وفيها‏:‏ ولى المهدي علي بن يقطين زمام الأزمة على عمر وابن بزيع وكان عمر أول من عمل ديوان الزمام في خلافة المهدي وذلك‏:‏ أنه جمعت له الدواوين ففكر فإذا هو لا يضبطها إلا بزمام يكون له على كل ديوان فاتخذ دواوين الأزمة وولى كل ديوان رجلًا وكان واليه على ديوان الخرج إسماعيل بن صبيح ولم يكن لبني أمية دواوين أزمة ‏.‏

وفيها‏:‏ حج بالناس علي بن المهدي الذي يقال له ابن ريطة ‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أبو محمد الهاشمي المدني حدث عن أبيه وعن عكرمة روى عنه‏:‏ ابن إسحاق ومالك وابن أبي ذئب وابن أبي الزناد ‏.‏

وكان أحد الأجواد وولاه المنصور خمس سنين ثم غضب عليه فعزله واستصفى كل شيء له وحبسه ببغداد فلم يزل محبوسًا حتى مات المنصور فأخرجه المهدي عليه ما أخذ منه ولم يزل معه ‏.‏

أخبرنا أبو منصور القزاز قال‏:‏ حدثنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الحسن بن زكريا قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن محمد بن يحيى العلوي قال‏:‏ حدثنا جدي قال‏:‏ حدثني علي بن إبراهيم بن الحسن قال‏:‏ حدثني عمي عبيد الله بن حسن وعبد الله بن العباس بن محمد قلا‏:‏ كان أول ما عرف به شرف الحسن بن زيد أن أباه توفي وهو غلام وخلف دينًا أربعة آلاف دينار فحلف الحسن بن زيد أن لا يظل رأسه سقف بيت إلا سقف مسجد أو سقف بيت رجل يكلمه في حاجة يقضي دين أبيه فلم يظل رأسه بيت حتى قضي دين أبيه ‏.‏

توفي الحسن بالحاجز على خمسة أميال من المدينة وهو يريد مكة من العراق في هذه السنة وهو ابن خمس وثمانين و صلى عليه المهدي ‏.‏

قال الناقل‏:‏ وهذا الحسن هو أبو السيدة نفيسة رضي الله عنها المدفونة في الديار المصرية ‏.‏

حماد بن سلمة أبو سلمة مولى لبني تميم وهو ابن أخت حميد الطويل‏:‏ كان عالمًا عابدًا محاسبًا لنفسه لا يضيع لحظة في غير طاعة ‏.‏

قال عبد الرحمن بن محمد‏:‏ لو قيل لحماد بن سلمة إنك تموت غدًا ما قدر أن يزيد في العمل شيئًا ‏.‏

وكان يبيع الثياب فإذا ربح حبة أو حبتين نهض ‏.‏

أخبرنا المبارك بن أحمد الأنصاري قال‏:‏ أخبرنا عبد الله بن أحمد السمرقندي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا علي بن عبد الملك بن شبابة قال‏:‏ أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد الرازي قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن محمد بن مهدي قال‏:‏ حدثنا الحسن بن عمرو المروزي قال‏:‏ حدثنا مقاتل بن صالح الخرساني قال‏:‏ دخلت على حماد بن سلمة فإذا ليس في بيته إلا حصير وهو جالس عليه ومصحف يقرأ فيه وجراب فيه علمه ومطهرة يتوضأ فيها فبينا أنا عنده جالس دق داق الباب فقال‏:‏ يا صبية أخرجي فانظري من هذا فقالت‏:‏ رسول محمد بن سليمان قال‏:‏ قولي له يدخل وحده فدخل فناوله كتابًا فإذا فيه‏:‏ بسم الله الرحمن الرحيم من محمد بن سليمان إلى حماد بن سلمة أما بعد فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته وقعت مسألة فإننا نسألك عنها والسلام ‏.‏

فقال‏:‏ يا صبية هلمي الدواة ثم قال لي‏:‏ اقلب الكتاب واكتب‏:‏ أما بعد‏:‏ وأنت فصبحك الله بما صبح به أولياءه وأهل طاعته إنا أدركنا العلماء وهم لا يأتون أحدًا فإن كانت وقعت مسألة فأتنا وسلنا على ما بدا لك فإن أتيتني فلا تأتني إلا وحدك ولا تأتني بخيلك ورجلك فلا أنصحك ولا أنصح نفسي والسلام ‏.‏

فبينا أنا عنده دق الباب فقال‏:‏ يا صبية أخرجي فانظري من هذا فقالت‏:‏ محمد بن سليمان قال‏:‏ قولي له ليدخل وحده فدخل فسلم ثم جلس بين يديه فقال‏:‏ ما لي إذا نظرت إليك امتلأت رعبًا فقال حماد‏:‏ سمعت ثابت البناني يقول‏:‏ سمعت أنس بن مالك يقول‏:‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إن العالم إذا أراد بعلمه وجه الله هابه كل شيء وإذا أراد أن يكتنز به الكنوز هاب من كل شيء ‏"‏ ‏.‏

فقال‏:‏ أربعون ألف درهم تأخذها تستعين بها على ما أنت علي ‏.‏

فقال‏:‏ أرددها على من ظلمته بها فقال‏:‏ والله ما أعطيك إلا ما ورثته قال‏:‏ لا حاجة لي فيها أزوها عني زوى الله عنك أوزارك قال‏:‏ فنقسمها قال‏:‏ فلعلي إن عدلت في قسمتها أن يقول بعض من لم يرزق منها لم يعدل أزرها عني زوى الله عنك أوزارك‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ أسند حماد بن سلمة عن خلق كثير من التابعين وتوفي في هذه السنة في المسجد وهو يصلي ‏.‏

أخبرنا ابن ناصر وعلي بن أبي عمر قالا‏:‏ أخبرنا رزق الله وطراد قال‏:‏ أخبرنا علي بن محمد بن بشران قال‏:‏ أخبرنا الحسين بن صفوان قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر بن عبيد قال‏:‏ حدثني أبو عبد الله التميمي عن أبيه قال‏:‏ رأيت حماد بن سلمة في النوم فقلت‏:‏ ما فعل الله بك قال‏:‏ خيرًا ‏.‏

قلت‏:‏ فماذا قال‏:‏ قيل لي طال ما كدرت نفسك فاليوم أطيل راحتك وراحة المتعوبين في الدنيا بخ بخ ماذا أعددت لهم ‏.‏

حماد عجرد أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر الخطيب قال‏:‏ هو حماد بن عمر بن يونس بن كليب مولى لبني سوأة بن عامر بن صعصعة يكنى أبا عمرو وهو كوفي ‏.‏

ويقال‏:‏ واسطي ويقال‏:‏ إن أعرابيًا مر به وهو غلام يلعب مع الصبيان في يوم شديد البرد وهو عريان فقال له‏:‏ تعجردت يا غلام فسمي عجرد والمتعجرد المتعري وكان خليعًا ماجنًا ظريفًا ونادم الوليد بن يزيد وهاجى بشار بن برد هو فحل الشعراء المجدين فانتصف منه وكان بشار يضج منه وقدم بغداد في أيام المهدي ‏.‏أخبرنا القزاز قال‏:‏ اخبرنا الخطيب قال‏:‏ قرأت على الحسن بن علي الجوهري عن محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ وجدت بخط محمد بن القاسم بن مهروية قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن إسماعيل اليزيدي قال‏:‏ حدثني علي بن الجعد قال‏:‏ قدم علينا في أيام المهدي حماد عجرد ومطيع بن إياس الكناني ويحيى بن زياد فنزلوا بالقرب منا وكانوا لا يطاقون خبثًا ومجانة ‏.‏

قال المرزباني‏:‏ وأخبرني علي بن أبي عبد الله الفارسي قال‏:‏ أخبرني أبي قال‏:‏ حدثني العنزي قال‏:‏ حدثني عمر بن شبة قال‏:‏ كان مطيع بن إياس وحماد عجرد ويحيى بن زياد يقولون بالزندقة ‏.‏

زذكر ابم قتيبة في ‏"‏ طبقات الشعراء ‏"‏ قال‏:‏ كان بالكوفة ثلاثة يقال لهم الحمادون‏:‏ حماد عجرد وحماد الراوية وحماد بن الزبرقان النحوي وكانوا يتعاشرون وكانوا كلهم يرمون بالزندقة وحماد عجرد هو القائل‏:‏ إن الكريم لتخفى عنك عسرته حتى تراه غنيًا وهو مجهود وللبخيل على أمواله علل زرق العيون عليها أوجه سود إذا تكرمت أن تعطي القليل ولم تقدر على سعة لم يظهر الجود بيت النوال فلا يمنعك قلته فكل ما سد فقرًا فهو محمود روى حماد بن إسحاق عن أبيه قال‏:‏ اجتمع حفص بن أبي بردة وحماد عجرد وكان حفص أعمش أفطس أغصف مقبح الوجه فإخذ حفص يطعن على مرقش ويعيب شعره فقال حماد‏:‏ لقد كان في عينيك يا حفص شاغل وأنف كمثل العود عما تتبعه تتبع لحنًا في كلام مرقش وجهك مبني على اللحن أجمع فأذناك إقواء وأنفك وعيناك إيطاء فأنت مرقع عمر الكلوذاني الذي ولي على قتل الزنادقة ‏.‏

قتل في هذه السنة فولي مكانه حمدويه وهو محمد بن عيسى من أهل ميسان ‏.‏

عبيد الله بن الحسن بن الحصين بن أبي الحر العنبري قاضي البصرة سمع داود بن أبي هند وخالد الحذاء وسعيد الجريري روى عنه‏:‏ ابن مهدي وكان فقيهًا ثقة وولي القضاء سنة ست وخمسين بعد سوار بن عبد الله العنبري ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا الجوهري قال‏:‏ أخبرنا محمد بن عمران المرزباني قال‏:‏ حدثنا عبد الواحد بن محمد الخصيبي قال‏:‏ حدثني أبو عيسى بن حمدون قال‏:‏ حدثني أبو سهل الرازي قال‏:‏ لم يشرك في القضاء بين أحد قط إلا بين عبيد الله بن الحسن وبين عمر بن عامر على قضاء البصرة فكانا يجتمعان في المجلس وينظران جميعًا بين الناس ‏.‏

قال‏:‏ فقدم إليهما قوم في جارية لا تنبت فقال فيها عمر بن عامر‏:‏ هذه فضيلة في الجسم وقال عبيد الله بن الحسن‏:‏ كل ما خالف ما عليه الخلقة فهو عيب ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ أخبرنا العتيقي قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد قال‏:‏ حدثنا الحسين بن الحسن المروزي قال‏:‏ سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول‏:‏ كنا في جنازة فيها عبيد الله بن الحسن وهو على القضاء فلما وضع السرير جلس وجلس الناس حوله فسأله عن مسألة فغلط فيها فقلت‏:‏ أصلحك الله القول في هذه المسألة كذا وكذا فأطرق ساعة ثم رفع رأسه فقال‏:‏ إذن أرجع وأنا صاغر إذن ارجع وأنا صاغر لأن أكون ذنبًا في الحق أحب إلي من أن أكون رأسًا في الباطل‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال‏:‏ حدثني الخلال قال‏:‏ حدثنا أحمد بن إبراهيم بن شاذان قال‏:‏ حدثنا الحسن بن محمد بن سعدان قال‏:‏ حدثني سليمان بن يزيد قال‏:‏ حدثني أبو علي إسماعيل بن إبراهيم القرشي قال‏:‏ حدثنا أصحابنا أن المهدي كتب إلى عبيد الله بن الحسن وهو قاضي البصرة كتابًا فقرأه عبيد الله بن الحسن فرده فحمل عبيد الله إلى المهدي فعاتبه فكان فيما عاتبه فيه أن قال له‏:‏ رددت كتابي ‏.‏

فقال له‏:‏ عبيد الله‏:‏ يا أمير المؤمنين إني لم أرد كتابك ولكنه كان ملحونًا ‏.‏

فصدق المهدي مقالته وأجازه ورده إلى عمله ‏.‏

توفي عبيد الله في ذي القعدة في هذه السنة وقيل توفي سنة ثمان وسبعين ‏.‏

غوث بن سليمان بن زياد بن ربيعة بن نعيم أبو يحيى الحضرمي ولد سنة أربع وتسعين وولي القضاء بمصر ثلاث مرات في أيام المنصور و المهدي ‏.‏

روى عنه‏:‏ ابن وهب والواقدي وآخر من حدث عنه بالعراق أبو الوليد الطيالسي ‏.‏

أنبأنا محمد بن ناصر الحافظ قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم وأبو عمرو قالا‏:‏ أخبرنا أبو عبيد الله بن منده وهو والداهما قال‏:‏ حدثنا أبو سعيد بن يونس الحافظ قال‏:‏ حدثني عاصم بن زارح قال‏:‏ حدثنا بشير بن عبد الواحد قال‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ سمعت غوث بن سليمان يقول‏:‏ بعث إلي أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور فحملت إليه فقال‏:‏ لي‏:‏ يا غوث إن صاحبتكم الحميرية خاصمتني إليك في شروطها قلت‏:‏ أفيرضى أمير المؤمنين أن يحكمني عليه قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ فالحكم له شروط فيحملها أمير المؤمنين قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ يأمرها أمير المؤمنين أن توكل وكيلًا ويشهد على وكالته خادمين خيرين يعدلهما أمير المؤمنين على نفسه ففعل فوكلت خادمًا وبعثت معه بكتاب صدقها وشهد الخادمان على توكيلها فقلت له‏:‏ تمت الوكالة فإن رأى أمير المؤمنين أن يساوي الخصم في مجلسه فليفعل فانحط عن فرشه وجلس مع الخصم فدفع إلى الوكيل كتاب الصداق فقرأته عليه فقلت‏:‏ أيقرأ أمير المؤمنين بما فيه قال‏:‏ نعم قلت‏:‏ أرى في الكتاب شروطًا مؤكدة بها تم النكاح بينكما أرأيت يا أمير المؤمنين لو إنك خطبت إليها ولم تشرط لها هذا الشرط أكانت تزوجتك قال‏:‏ لا قلت‏:‏ فبهذا الشرط تم النكاح وأنت أحق من وفى لها بشروطها قال‏:‏ قد علمت إذ أجلستني هذا المجلس انك ستحكم علي ‏.‏

قلت‏:‏ أعظم جائزتي وأطلق سبيلي يا أمير المؤمنين ‏.‏

قال‏:‏ بل جائزتك على من قضيت له وأمر لي بجائزة وخلعة وأمرني أن أحكم بين أهل الكوفة فقلت‏:‏ يا أمير المؤمنين ليس البلد بلدي ولا معرفة لي بأهله ‏.‏

قال‏:‏ لا بد من ذلك ‏.‏

قلت‏:‏ يا أمير المؤمنين فأنا أحكم بينهم فإذا أنا ناديت من له حاجة بخصومة ولم يأت أحد تأذن لي بالرجوع إلى بلدي قال‏:‏ نعم ‏.‏

قال‏:‏ فجلست فحكمت بينهم ثم انقطع الخصوم فناديت الخصوم فلم يأت أحد فرحلت من وقتي إلى مصر ‏.‏

قال أبو سعيد‏:‏ وحدثنا علي بن الحسن بن فرقد قال‏:‏ حدثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن الحكم قال‏:‏ حدثنا حماد بن الميسور أبو رجاء قال‏:‏ قدمت امرأة من الريف في محفة وغوث قاضي مصر إذ ذاك فوافت غوث بن سليمان عند السراجين رائحًا إلى المسجد فشكت إليه أمرها وأخبرته بحاجتها فنزل عن دابته في بعض حوانيت السرجين ولم يبلغ المسجد فكتب لها بحاجتها وركب إلى المسجد فانصرفت المرأة وهي تقول‏:‏ أصابت والله أمك حين سمتك غوثًا أنت والله غوث توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ‏.‏

قيس بن الربيع أبو محمد الأسدي من ولد الحارث بن قيس‏:‏ الذي أسلم وعنده تسع نسوة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يمسك منهن أربعة ويفارق سائرهن ‏.‏

سمع قيس بم عمرو وابن مرة ومحارب بم دثار وهشام بن عروة في آخرين ‏.‏

روى عن سفيان الثوري وشعبة وابن المبارك وأبو معاوية وعفان وغيرهم ‏.‏

قال عفان‏:‏ كان قيس ثقة ‏.‏

وقال شريك‏:‏ ما خلف بعده مثله ‏.‏

توفي في هذه السنة وقيل‏:‏ سنة خمس وقيل‏:‏ سنة ست ‏.‏

محمد بن عبد الله بن علاثة بن علقمة بن مالك أبو اليسير العقيلي حدث عن هشام بن حسان والأوزاعي وغيرهما وروى عنه ابن المبارك ووكيع وغيرهم ‏.‏

وكان قاضيًا بالجانب الشرقي ببغداد زمن المهدي ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ قرأت في كتاب أبي الحسن بن الفرات بخطه‏:‏ أخبرني أخي أبو القاسم عبد الله بن العباس بن الفرات قال‏:‏ أخبرني علي بن سراج قال‏:‏ محمد بن عبد الله بن علاثة يقال له‏:‏ قاضي الجن وذلك أن بئرًا كانت بين حران وحصن مسلمة فكان من شرب منها خبطته الجن قال‏:‏ فوقف عليها فقال‏:‏ أيها الجن إنا قد قضينا بينكم وبين الإنس فلهم النهار ولكم الليل ‏.‏

قال‏:‏ فكان الرجل إذا استقى منها بالنهار لم يصبه شيء ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ حدثنا أبو سعيد محمد بن موسى الصيرفي قال‏:‏ سمعت أبا العباس محمد بن يعقوب الأصم يقول‏:‏ سمعت العباس بن محمد الدوري يقول سمعت يحيى بن معين يقول‏:‏ محمد بن علاثة ثقة ‏.‏

قال المصنف د روينا عن أبي الفتح الأزدي الحافظ أنه طعن في ابن علاثة ولا يحفظ هذا عن غيره إلا أن البخاري قال‏:‏ في حفظه نظر ‏.‏

توفي في هذه السنة ‏.‏

محمد بن ميمون أبو حمزة السكري المروزي سمع أبا إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير ورقبة بن مصقلة ومنصور بن المعتمر والأعمش وغيرهم وكان من أهل الفضل والفهم ‏.‏

حدث عنة ابن المبارك وغيره ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن جعفر القطيعي قال‏:‏ حدثنا محمد بن العباس قال‏:‏ أخبرنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال‏:‏ سمعت إبراهيم الحربي يقول‏:‏ قال محمد بن علي بن الحسن‏:‏ أراد جار لأبي حمزة السكري أن يبيع داره قال‏:‏ فقيل له‏:‏ بكم تبيعها قال‏:‏ بألفين ثمن الدار وألفين حق جوار أبي حمزة ‏.‏

قال‏:‏ فبلغ ذلك أبا حمزة فوجه إليه بأربعة آلاف وقال خذها ولا تبع دارك ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد علي قال‏:‏ أخبرنا أبو حازم العبدي قال‏:‏ حدثنا أبو حامد الدهان قال‏:‏ حدثنا خالي أحمد بن محمد بن يحيى قال‏:‏ أخبر نا أبو أيوب قال‏:‏ حدثنا أحمد بن عبد الله بن حكيم قال‏:‏ حدثنا معاذ بن خالد قال‏:‏ سمعت أبا حمزة السكري يقول‏:‏ ما شبعت منذ ثلاثين سنة إلا أن يكون لي ضيف ‏.‏

قال يحيى بن معين‏:‏ كان أبو حمزة السكري من ثقات الناس وكان إذا مرض عنده من قد رحل إليه ينظر إلى ما يحتاج إليه من الكفاية فيأمر بالقيام به واسمه محمد بن ميمون ولم يكن يبيع السكر وإنما سمي السكري لحلاوة كلامه ‏.‏

روى الغلابي عن يحيى بن معين‏:‏ أن أبا حمزة كان إذا مرض الرجل من جيرانه تصدق بمثل نفقة لمريض بما صرف عنه من العلة ‏.‏

قال البخاري‏:‏ محمد بن ميمون مات سنة ثمان وستين حدثنيه بشر بن محمد ‏.‏

قال مؤلف الكتاب‏:‏ وقال غيره سنة تسع وستين ‏.‏

مندل بن علي أبو عبد الله العنزي حدث عن أبي إسحاق الشيناني وعاصم والأعمش وغيرهم وقيل‏:‏ إن اسمه عمرو ولقبه مندل إلا أنه غلب عليه ‏.‏

قال يحيى‏:‏ مندل لا بأس به وقال مرة‏:‏ ضعيف ‏.‏

وقال يعقوب بن شيبة‏:‏ كان رجلًا فاضلًا صدوقًا وهو ضعيف الحديث ‏.‏

توفي في رمضان هذه السنة وقيل‏:‏ في سنة سبع ‏.‏

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال حدثنا الدسكري قال‏:‏ أخبرنا أبو بكر محمد بن المقرئ قال حدثنا محمد بن علي بن مخلد قال‏:‏ حدثنا إسماعيل بن عمروا قال‏:‏ قال معاذ بن معاذ‏:‏ دخلت الكوفة فلم أر أحدًا أروع من مندل بن علي ‏.‏

أخبرنا القزاز قال‏:‏ أخبرنا أحمد بن علي قال‏:‏ أخبرنا أبو القاسم الأزهري قال‏:‏ حدثنا محمد بن الحسين بن العباس قال‏:‏ حدثنا محمد بن القاسم الأنباري قال‏:‏ حدثنا أبي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن عمرو الرزاق قال‏:‏ حدثنا أبو هشام قال‏:‏ مرت جارية معها سلة فيها رطب بمندل بن علي وأصحاب الحديث حوله فوقفت تنظر وتسمع فنظر إليها مندل ففطن أن السلة قد أهديت له فقال‏:‏ قدميها فقدمتها فقال لمن حوله‏:‏ كلوا ما فيها وانصرفت الجارية إلى سيدها وقد احتبست فقال‏:‏ ما أسرع ما جئت فقالت‏:‏ وقفت أسمع من هذا الشيخ فقال‏:‏ قدمي السلة ففعلت فأكل الذين حوله ما فيها ‏.‏

وكان سيدها رجلًا من العرب فقال لها‏:‏ أنت حرة لوجه الله عز وجل ‏.‏