فصل: فَوَائِدُ: (في أحكام النياحة على الميت)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل ***


فائدة‏:‏ ‏[‏تلقين الميت‏]‏

يُسْتَحَبُّ تَلْقِينُ الْمَيِّتِ بَعْدَ دَفْنِهِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ اسْتَحَبَّهُ الْأَكْثَرُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ الْقَاضِي وَأَصْحَابُهُ وَأَكْثَرُنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِمْ فَيَجْلِسُ الْمُلَقِّنُ عِنْدَ رَأْسِهِ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ تَلْقِينُهُ بَعْدَ دَفْنِهِ مُبَاحٌ عِنْدَ أَحْمَدَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وقال الْإِبَاحَةُ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَلَا يُكْرَهُ‏.‏

قال أبو الْمَعَالِي لو انْصَرَفُوا قَبْلَهُ لم يَعْرِفُوا لِأَنَّ الْخَبَرَ قبل انْصِرَافِهِمْ‏.‏

وقال الْمُصَنِّفُ لم نَسْمَعْ في التَّلْقِينِ شيئا عن أَحْمَدَ وَلَا أَعْلَمُ فيه لِلْأَئِمَّةِ قَوْلًا سِوَى ما رَوَاهُ الْأَثْرَمُ قال قُلْت لِأَبِي عبد اللَّهِ فَهَذَا الذي يَصْنَعُونَ إذَا دَفَنُوا الْمَيِّتَ يَقِفُ الرَّجُلُ فيقول يا فُلَانَ بن فُلَانَةَ إلَى آخِرِهِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا فَعَلَ هذا إلَّا أَهْلَ الشَّامِ حِين مَاتَ أبو الْمُغِيرَةِ‏.‏

وقال في الْكَافِي سُئِلَ أَحْمَدُ عن تَلْقِينِ الْمَيِّتِ في قَبْرِهِ فقال ما رَأَيْت أَحَدًا يَفْعَلُهُ إلَّا أَهْلَ الشَّامِ وقد رَوَى الطَّبَرَانِيُّ وابن شَاهِينَ وأبو بَكْرٍ في الشَّافِي وَغَيْرُهُمْ في ذلك حَدِيثًا وقال في الْفُرُوعِ وفي تَلْقِينِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ وَجْهَانِ بِنَاءً‏.‏

على نُزُولِ الْمَلَكَيْنِ إلَيْهِ وَسُؤَالِهِ وَامْتِحَانِهِ النَّفْيُ قَوْلُ الْقَاضِي وابن عَقِيلٍ وَالْإِثْبَاتُ قَوْلُ أبي حَكِيمٍ وَغَيْرِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ أبي الْخَطَّابِ قال ابن حَمْدَانَ في نِهَايَةِ الْمُبْتَدِئِ قال ابن عَبْدُوسٍ يُسْأَلُ الْأَطْفَالُ عن الْأَوَّلِ حين الذُّرِّيَّةِ وَالْكِبَارُ يُسْأَلُونَ عن مُعْتَقَدِهِمْ في الدُّنْيَا وَإِقْرَارِهِمْ الْأَوَّلِ قال في الْمُسْتَوْعِبِ قال شَيْخُنَا يُلَقَّنُ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَحَكَاه ابن عَبْدُوسٍ الْمُقَدَّمُ عن الْأَصْحَابِ قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وهو أَصَحُّ‏.‏

فَعَلَى هذا يَكُونُ الْمَذْهَبُ التَّلْقِينُ وَالنَّفْسُ تَمِيلُ إلَى عَدَمِهِ وَالْعَمَلِ عليه وَأَطْلَقَهُمَا ابن تَمِيمٍ في مُخْتَصَرِهِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَطْيِينِهِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ يُسْتَحَبُّ وهو من الْمُفْرَدَاتِ وقال أبو حَفْصٍ يُكْرَهُ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ تَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ وَالْكِتَابَةُ عليه‏.‏

أَمَّا تَجْصِيصُهُ فَمَكْرُوهٌ بِلَا خِلَافٍ نَعْلَمُهُ وَكَذَا الْكِتَابَةُ عليه وَكَذَا تَزْوِيقُهُ وَتَخْلِيقُهُ وَنَحْوُهُ وهو بِدْعَةٌ‏.‏

وَأَمَّا الْبِنَاءُ عليه فَمَكْرُوهٌ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ سَوَاءٌ لَاصَقَ الْبِنَاءُ الْأَرْضَ أَمْ لَا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ قال في الْفُرُوعِ أَطْلَقَهُ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ وقال صَاحِبُ الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمَجْدُ وابن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ لَا بَأْسَ بِقُبَّةٍ وَبَيْتٍ وَحَظِيرَةٍ في مِلْكِهِ وَقَدَّمَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ لَكِنْ اخْتَارَ الْأَوَّلَ وقال الْمَجْدُ‏.‏

يُكْرَهُ ذلك في الصَّحْرَاءِ لِلتَّضْيِيقِ وَالتَّشْبِيهِ بِأَبْنِيَةِ أَهْلِ الدُّنْيَا وقال في الْمُسْتَوْعِبِ وَيُكْرَهُ إنْ كان في مُسَبَّلَةٍ قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُ الصَّحْرَاءُ وقال في الْوَسِيلَةِ وَيُكْرَهُ الْبِنَاءُ الْفَاخِرُ كَالْقُبَّةِ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُهُ لَا بَأْسَ بِبِنَاءٍ وَعَنْهُ مَنْعُ الْبِنَاءِ في وَقْفٍ عَامٍّ وقال أبو حَفْصٍ تَحْرُمُ الْحُجْرَةُ بَلْ تُهْدَمُ وَحَرُمَ الْفُسْطَاطُ أَيْضًا وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إنْ بَنَى ما يَخْتَصُّ بِهِ فيها فَهُوَ غَاصِبٌ وقال أبو الْمَعَالِي فيه تَضْيِيقٌ على الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ في مِلْكِهِ إسْرَافٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ وقال في الْفُصُولِ الْقُبَّةُ وَالْحَظِيرَةُ وَالتُّرْبَةُ إنْ كان في مِلْكِهِ فَعَلَ ما شَاءَ وَإِنْ كان في مُسَبَّلَةٍ كُرِهَ لِلتَّضْيِيقِ بِلَا فَائِدَةٍ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالًا لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لم تُوضَعْ له‏.‏

قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ وَالْوَطْءُ عليه وَالِاتِّكَاءُ إلَيْهِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَكَرَاهَةُ الْمَشْيِ في الْمَقَابِرِ بِالنَّعْلَيْنِ من مُفْرَدَاتِ الْمَذْهَبِ وَجَزَمَ بِهِ نَاظِمُهَا وقال الْقَاضِي في التَّعْلِيقِ لَا يَجُوزُ وَقَالَهُ في الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَ بن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ له الْمَشْيُ عليه لِيُصَلِّ إلَى من يَزُورُهُ لِلْحَاجَةِ وَفَعَلَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَسَأَلَهُ عبد اللَّهِ يُكْرَهُ دَوْسُهُ وَتَخَطِّيهِ فقال نعم يُكْرَهُ دَوْسُهُ ولم يَكْرَهْ الْآجُرِّيُّ تَوَسُّدُهُ لِفِعْلِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه رَوَاهُ مَالِكٌ قال في الْفُرُوعِ فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ في الْجُلُوسِ‏.‏

فائدة‏:‏

لَا يَجُوزُ التَّخَلِّي عليه على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال في نِهَايَةِ الْأَزَجِيِّ يُكْرَهُ التَّخَلِّي‏.‏

قُلْت فَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْكَرَاهَةِ التَّحْرِيمَ وَإِلَّا فَبَعِيدٌ جِدًّا‏.‏

وَيُكْرَهُ التَّخَلِّي بَيْنَهَا وَكَرِهَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ زَادَ حَرْبٌ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً‏.‏

وقال في الْفُصُولِ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةٌ وَلِهَذَا يُمْنَعُ من جَمِيعِ ما يؤذى الْحَيَّ أَنْ يَنَالَ بِهِ كَتَقْرِيبِ النَّجَاسَةِ منه انْتَهَى‏.‏

فائدة‏:‏ ‏[‏أحكام زيارة القبور‏]‏

يُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْقُبُورِ وَالْمَشْيُ بِالنَّعْلِ وَيُسْتَحَبُّ قَلْعُهُ إلَّا خَوْفَ نَجَاسَةٍ أو شَوْكٍ وَنَحْوِهِ وَعَنْهُ لَا يُسْتَحَبُّ خَلْعُ النَّعْلِ كَالْخُفِّ وفي الشمشك وَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالنُّكَتِ وَالْفُرُوعِ وقال نَظَرًا إلَى الْمَعْنَى وَالْقَصْرِ على النَّصِّ‏.‏

أَحَدُهُمَا لَا يُكْرَهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيُّ‏.‏

الثَّانِي يُكْرَهُ كَالنَّعْلِ وَقَطَعَ بن تَمِيمٍ وابن حَمْدَانَ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بِالنِّعَالِ قال في النُّكَتِ وهو غَرِيبٌ ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْخَبَرِ وَالْمَذْهَبِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُدْفَنُ فيه اثْنَانِ إلَّا لِضَرُورَةٍ‏.‏

وَكَذَا قال ابن تَمِيمٍ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمَا وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ إذَا لم يَكُنْ ضَرُورَةً وهو الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَجَزَمَ بِهِ أبو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ اخْتَارَه ابن عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَغَيْرُهُمَا قال في الْفُرُوعِ وهو أَظْهَرُ وَقَطَعَ بِهِ الْمَجْدُ في نَبْشِهِ لِغَرَضٍ صَحِيحٌ ولم يُصَرِّحْ بِخِلَافِهِ فَدَلَّ أَنَّ الْمَذْهَبَ عِنْدَهُ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُحَرَّمُ انْتَهَى‏.‏

وَعَنْهُ يَجُوزُ نَقَلَ أبو طَالِبٍ وَغَيْرُهُ لَا بَأْسَ وَعَنْهُ يَجُوزُ ذلك في الْمَحَارِمِ وَقِيلَ يَجُوزُ فِيمَنْ لَا حُكْمَ لِعَوْرَتِهِ وهو احْتِمَالٌ لِلْمَجْدِ في شَرْحِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُقَدَّمُ الْأَفْضَلُ إلَى الْقِبْلَةِ‏.‏

يَعْنِي حَيْثُ جَوَّزْنَا دَفْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ في قَبْرٍ وَاحِدٍ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُقَدَّمُ إلَى الْقِبْلَةِ الْأَفْضَلُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَكْبَرُ وَقِيلَ يُقَدَّمُ الْأَدْيَنُ وَالْخِلَافُ هُنَا كَالْخِلَافِ في تَقْدِيمِهِمْ إلَى الأمام في الصَّلَاةِ عليهم كما تقدم ‏[‏يقدم‏]‏ وَكَذَا لو اخْتَلَفَتْ أَنْوَاعُهُمْ كَرِجَالٍ وَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ قُدِّمَ إلَى الْقِبْلَةِ من يُقَدَّمُ إلَى الْأَمَامِ في‏.‏

الصَّلَاةِ عليهم كما تَقَدَّمَ قَالَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَغَيْرِهِ فَإِنْ اسْتَوَوْا في الصِّفَاتِ قُدِّمَ أَحَدُهُمْ إلَى الْقِبْلَةِ بِالْقُرْعَةِ قَالَهُ في الْقَوَاعِدِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ بين كل اثْنَيْنِ حاجزا ‏[‏حاجز‏]‏ من التُّرَابِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ إلَّا أَنَّ الْآجُرِّيَّ قال إنَّمَا يُجْعَلُ ذلك إذَا كان رِجَالٌ وَنِسَاءٌ قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏متفرقة في أحكام الدفن‏]‏

إحْدَاهَا‏:‏ قال ابن حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ وَإِنْ جُعِلَ الْقَبْرُ طَوِيلًا وَجُعِلَ رَأْسُ كل وَاحِدٍ عِنْدَ رِجْلَيْ الْآخَرِ أو وسطة جَازَ وهو أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ وَيَكُونُ رَأْسُ الْمَفْضُولِ عِنْدَ رِجْلَيْ الْفَاضِلِ أو سَاقِهِ كَالدَّرَجِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ يُسْتَحَبُّ جَمْعُ الْأَقَارِبِ في بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ أَسْهُلُ لِزِيَارَتِهِمْ وَأَبْعَدُ لِانْدِرَاسِهِمْ وَيُسْتَحَبُّ الدَّفْنُ في الْبُقْعَةِ التي يَكْثُرُ فيها الصَّالِحُونَ وَالشُّهَدَاءُ وَكَذَا الْبِقَاعُ الشَّرِيفَةُ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ من سَبَقَ إلَى مَقْبَرَةٍ مُسَبَّلَةٍ قُدِّمَ فَإِنْ جَاءَا مَعًا أُقْرِعَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْمَجْدُ وَتَبِعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَصَاحِبُ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ إذَا جَاءَا مَعًا قُدِّمَ من له مَزِيَّةٌ شوكة ‏[‏وشوكة‏]‏ عِنْدَ أَهْلِهِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ قُلْت وَكَذَا لو كان وَاقِفُ الْأَرْضِ إنْ جَازَ أَنْ لَا يُدْفَنَ فيها كما قَدَّمْنَا من له مَزِيَّةٌ بِإِخْرَاجِ السَّبْقِ في الْمُفَاضَلَةِ ثُمَّ قال فَإِنْ تَسَاوَيَا أُقْرِعَ‏.‏

قُلْت فَإِنْ خِيفَ على أَحَدِهِمَا بِتَفْوِيتِهِ هذه الْبُقْعَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَدَّمُ ذلك كما يُقَدَّمُ الْمُضْطَرُّ على صَاحِبِ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ انْتَهَى‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ مَتَى عُلِمَ أَنَّ الْمَيِّتَ صَارَ تُرَابًا قال في الْفُرُوعِ وَمُرَادُهُمْ ظُنَّ أَنَّهُ صَارَ تُرَابًا وَلِهَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ يُعْمَلُ بِقَوْلِ أَهْلِ الْخِبْرَةِ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ‏.‏

يَجُوزُ دَفْنُ غَيْرِهِ فيه نَقَلَ أبو الْمَعَالِي جَازَ الدَّفْنُ وَالزِّرَاعَةُ وَغَيْرُ ذلك وَمُرَادُهُ إذَا لم يُخَالَفْ شَرْطُ وَاقِفِهِ لِتَعْيِينِهِ الْجِهَةَ وَقِيلَ لَا يَجُوزُ قال الْآمِدِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ‏.‏

وَأَمَّا إذَا لم يَصِرْ تُرَابًا فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الدَّفْنُ فيه نَصَّ عليه وَنَقَلَ أبو طَالِبِ تَبْقَى عِظَامُهُ مَكَانَهُ وَيُدْفَنُ اخْتَارَهُ الْخَلَّالُ‏.‏

الْخَامِسَةُ‏:‏ قال جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ منهم أبو الْمَعَالِي كما تَقَدَّمَ له حَرْثُ أَرْضِهِ إذَا بلى الْعَظْمُ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ وَقَعَ في الْقَبْرِ ماله قِيمَةٌ نُبِشَ وَأُخِذَ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَعَنْهُ الْمَنْعُ إنْ بُذِلَ له عِوَضُهُ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على رِوَايَةٍ يُمْنَعُ من نَبْشِهِ بِلَا ضَرُورَةٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُهُ بِقَوْلِهِ ماله قِيمَةٌ يَعْنِي في الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ فَإِنْ قَلَّ خَطَرُهُ قال أبو الْمَعَالِي ذَكَرَهُ أَصْحَابُنَا قال وَيُحْتَمَلُ ما يَجِبُ تَعْرِيفُهُ أو ما رَمَاهُ بِهِ فيه‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غَصْبٍ لم يُنْبَشْ لِهَتْكِ حُرْمَتِهِ‏.‏

وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالشَّرْحِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وقال الْمَجْدُ إنْ تَغَيَّرَ الْمَيِّتُ أو خُشِيَ عليه الْمُثْلَةُ لم يُنْبَشْ وَإِلَّا نُبِشَ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُنَوِّرِ‏.‏

وَقِيلَ يُنْبَشُ مُطْلَقًا وَيُؤْخَذُ الْكَفَنُ صَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ في الْإِفَادَاتِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُنَّ بن تَمِيمٍ وابن حَمْدَانَ في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَأَطْلَقَ الْأَوَّلَ وَالْأَخِيرَ في التَّلْخِيصِ‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُغْرَمُ ذلك من تِرْكَتِهِ كما قال الْمُصَنِّفُ وهو الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ قال ابن تَمِيمٍ قَالَهُ أَصْحَابُنَا وقال الْمَجْدُ يَضْمَنُهُ من كَفَنِهِ فيه لِمُبَاشَرَتِهِ الْإِتْلَافَ عَالِمًا فَإِنْ جَهِلَ فَالْقَرَارُ على الْغَاصِبِ‏.‏

وَلَوْ كان الْمَيِّتَ وَجَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

فائدة‏:‏

حَيْثُ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ قَوْلًا وَاحِدًا‏.‏

قَوْلُهُ أو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ غُرِمَ ذلك من تِرْكَتِهِ‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُنَوِّرِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ وَمَالَ إلَيْهِ الشَّارِحُ‏.‏

وَقِيلَ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ منه صَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَهُ في النَّظْمِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَأَطْلَقَهُمَا في التَّلْخِيصِ وَالشَّرْحِ وَالْفَائِقِ‏.‏

فَعَلَى هذا الْقَوْلِ لو كان ظَنَّهُ مِلْكَهُ فَوَجْهَانِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وَمُخْتَصَرِ بن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَةِ الْكُبْرَى‏.‏

قُلْت الصَّوَابُ نَبْشُهُ‏.‏

وقال الْمَجْدُ هُنَا كما قال في التي قَبْلَهَا واطلقهن في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يُغْرَمُ الْيَسِيرُ من تِرْكَتِهِ وَجْهًا وَاحِدًا وما هو بِبَعِيدٍ وَحَيْثُ قُلْنَا يُغْرَمُ من تِرْكَتِهِ فَتَعَذَّرَ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ إنْ بُذِلَتْ قِيمَتُهُ لم يُشَقَّ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَالشَّارِحُ وقال بَعْضُ الْأَصْحَابِ أَيْضًا إنْ بَذَلَهَا وَارِثٌ لم يُشَقَّ وَإِلَّا شُقَّ وَقِيلَ لم يُشَقَّ مُطْلَقًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَفْهُومُ قَوْلِهِ أو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ أَنَّهُ لو بَلَعَ مَالَ نَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ وهو الصَّحِيحُ وهو الْمَذْهَبُ قَدَّمَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُنْبَشَ إذَا كان له قِيمَةٌ وقال في الْمُبْهِجِ يُحْسَبُ من ثُلُثِهِ‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُؤْخَذُ إذَا بلى وَعَلَى الْمَذْهَبِ أَيْضًا لو كان عليه دَيْنٌ نُبِشَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ جَزَمَ بِهِ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ أَنَّهُ لَا يُنْبَشُ‏.‏

فائدة‏:‏

لو بَلَعَ مَالَ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ أُخِذَ إذَا بلى الْمَيِّتُ وَلَا يُعْرَضُ له قَبْلَهُ وَلَا يَضْمَنُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ هو كَمَالِهِ‏.‏

وقال في الْفُصُولِ إنْ بَلَعَهُ بِإِذْنِهِ فَهُوَ الْمُتْلِفُ لِمَالِهِ كَقَوْلِهِ أَلْقِ مَتَاعَك في الْبَحْرِ فَأَلْقَاهُ قال وَكَذَا لو رَآهُ مُحْتَاجًا إلَى رَبْطِ أَسْنَانِهِ بِذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ خَيْطًا من ذَهَبٍ أو أَنْفًا من ذَهَبٍ فَأَعْطَاهُ فَرَبَطَهُ بِهِ وَمَاتَ لم يَجِبْ قَلْعُهُ وَرَدُّهُ لآن فيه مُثْلَةً قال في الْفُرُوعِ كَذَا قال‏.‏

فائدة‏:‏

لو مَاتَ وَلَهُ أَنْفُ ذَهَبٍ لم يُقْلَعُ لَكِنْ إنْ كان بَائِعُهُ لم يَأْخُذْ ثَمَنَهُ أَخَذَهُ من تِرْكَتِهِ وَمَعَ عَدَمِ التَّرِكَةِ يَأْخُذُهُ إذَا بلى وَهَذَا الْمَذْهَبُ‏.‏

وَقِيلَ يُؤْخَذُ في الْحَالِ قال في الْفُرُوعِ فَدَلَّ على أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلرُّجُوعِ حَيَاةُ الْمُفْلِسِ في قَوْلٍ مع أَنَّ فيه هُنَا مُثْلَةً‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏حول دفن الشهيد‏]‏

دَفْنُ الشَّهِيدِ بِمَصْرَعِهِ سُنَّةٌ نَصَّ عليه حتى لو نُقِلَ رُدَّ إلَيْهِ وقال في الْكَافِي وَحَمْلُ الْمَيِّتِ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ لِغَيْرِ حَاجَةٍ مَكْرُوهٌ وَيَجُوزُ نَقْلُ غَيْرِهِ أَطْلَقَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ قال في الْفُرُوعِ وَالْمُرَادُ وهو ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أن إمن تَغَيُّرُهُ وَذَكَرَ الْمَجْدُ إنْ لم يُظَنَّ تَغَيُّرُهُ انْتَهَى‏.‏

وَلَا يُنْقَلُ إلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَبُقْعَةٍ شَرِيفَةٍ وَمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ قال في الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ وَلَوْ رضي بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أبو الْمَعَالِي فقال يَجِبُ نَقْلُهُ لِضَرُورَةٍ نَحْوِ كَوْنِهِ بِدَارِ حَرْبٍ أو مَكَان يُخَافُ فيه نَبْشُهُ وَتَحْرِيقُهُ أو المثلة بِهِ قال فَإِنْ تَعَذَّرَ نَقْلُهُ بِدَارِ حَرْبٍ فَالْأَوْلَى تَسْوِيَتُهُ بِالْأَرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ مَخَافَةَ الْعَدُوِّ وَمَعْنَاهُ كَلَامُ غَيْرِهِ فيعايي بها‏.‏

وَتَقَدَّمَ في أَوَّلِ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ من هذا الْبَابِ لو دُفِنَ قبل غُسْلِهِ أو تَكْفِينِهِ أو الصَّلَاةِ عليه هل يُنْبَشُ أَمْ لَا وَهَلْ يَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ فَلْيُرَاجَعْ هُنَاكَ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَتْ حَامِلٌ لم يُشَقَّ بَطْنُهَا‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ‏.‏

قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَنْصُوصُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُشَقَّ بَطْنُهَا إذَا غَلَبَ على الظَّنِّ أَنَّهُ يحيى‏.‏

وهو وَجْهٌ في بن تَمِيمٍ وَغَيْرِهِ فَعَلَى الْمَذْهَبِ تَسْطُو عليه الْقَوَابِلُ فَيُخْرِجْنَهُ إذَا اُحْتُمِلَ حَيَاتُهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ إنْ لم يُوجَدْ أَمَارَاتُ الظُّهُورِ بِانْفِتَاحِ الْمَخَارِجِ وَقُوَّةِ الْحَرَكَةِ فَلَا تَسْطُو الْقَوَابِلُ‏.‏

فَعَلَى الْأَوَّلِ إنْ تَعَذَّرَ إخْرَاجُهُ بِالْقَوَابِلِ فَالْمَذْهَبُ أَنَّهُ لَا يُشَقُّ بَطْنُهَا قَالَهُ في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَاخْتَارَ بن هُبَيْرَةَ أَنَّهُ يُشَقُّ وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ‏.‏

قُلْت وهو أَوْلَى‏.‏

فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُتْرَكُ وَلَا يُدْفَنُ حتى يَمُوتَ قال في الْفُرُوعِ هذا الْأَشْهَرُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي وَالْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ التَّلْخِيصِ وَغَيْرُهُمْ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وَعَنْهُ يَسْطُو عليه الرِّجَالُ وَالْأَوْلَى بِذَلِكَ الْمَحَارِمُ اخْتَارَهُ أبو بَكْرٍ وَالْمَجْدُ كَمُدَاوَاةِ الْحَيِّ وَصَحَّحَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وهو أَقْوَى من الذي قَبْلَهُ وَأَطْلَقَهُمَا ابن تَمِيمٍ ولم يُقَيِّدْهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بِالْمَحْرَمِ وَقَيَّدَه ابن حَمْدَانَ بِذَلِكَ‏.‏

فائدة‏:‏

لو خَرَجَ بَعْضُ الْحَمْلِ حَيًّا شُقَّ بَطْنُهَا حتى يَكْمُلَ خُرُوجُهُ فَلَوْ مَاتَ قبل خُرُوجِهِ وَتَعَذَّرَ خُرُوجُهُ غُسِّلَ ما خَرَجَ منه وَأَجْزَأَ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

قُلْت فيعايي بها وَأَوَّلُ من أَفْتَى في هذه الْمَسْأَلَةِ بن عَقِيلٍ وَقِيلَ تُيَمَّمُ لِمَا لم يَخْرُجْ وهو احْتِمَالٌ لِابْنِ الْجَوْزِيِّ‏.‏

قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَتْ ذِمِّيَّةٌ حَامِلٌ من مُسْلِمٍ دُفِنَتْ وَحْدَهَا إنْ أَمْكَنَ وَإِلَّا دُفِنَتْ مع الْمُسْلِمِينَ‏.‏

وَهَذَا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وَاخْتَارَ الْآجُرِّيُّ تُدْفَنُ بِجَنْبِ مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الْمَرُّوذِيَّ قال كَلَامُ أَحْمَدَ لَا بَأْسَ بِهِ مَعَنَا لِمَا في بَطْنِهَا‏.‏

قَوْلُهُ وَيُجْعَلُ ظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ‏.‏

يَعْنِي وَتَكُونُ على جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ لِيَكُونَ وَجْهُ الْجَنِينِ إلَى الْقِبْلَةِ على جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ‏.‏

فَائِدَتَانِ‏:‏

إحْدَاهُمَا لَا يُصَلَّى على هذا الْجَنِينِ لِأَنَّهُ ليس بِمَوْلُودٍ وَلَا سِقْطٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ يُصَلَّى عليه إنْ مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ قال في الْفُرُوعِ وَلَعَلَّ مُرَادَهُ إذَا انْفَصَلَ‏.‏

الثَّانِيَةُ يُصَلَّى على الْمُسْلِمَةِ الْحَامِلِ بِلَا نِزَاعٍ ويصلي على حَمْلِهَا إنْ كان قد مَضَى زَمَنُ تَصْوِيرِهِ وَإِلَّا صلى عليها دُونَهُ هذا الصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ وقال ابن عَقِيلٍ في فُنُونِهِ لَا يَنْوِي بِالصَّلَاةِ على حَمْلِهَا وَعَلَّلَهُ بِالشَّكِّ في وُجُودِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ في أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ‏.‏

وَهَذَا الْمَذْهَبُ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَنَصَّ عليه‏.‏

قال الشَّارِحُ هذا الْمَشْهُورُ عن أَحْمَدَ‏.‏

قال الْخَلَّالُ وَصَاحِبُ الْمَذْهَبِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ لَا تُكْرَهُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ منهم الْقَاضِي وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وابن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ تُكْرَهُ اخْتَارَهَا عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَاخْتَارَهَا أَيْضًا أبو حَفْصٍ‏.‏

قال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ نَقَلَهَا جَمَاعَةٌ وَهِيَ قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَعَلَيْهَا قُدَمَاءُ أَصْحَابِهِ وَسَمَّى الْمَرُّوذِيُّ انْتَهَى‏.‏

قُلْت قال كَثِيرٌ من الْأَصْحَابِ رَجَعَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن هذه الرِّوَايَةِ فَقَدْ رَوَى جَمَاعَةٌ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ مَرَّ بِضَرِيرٍ يَقْرَأُ عِنْدَ قَبْرٍ فَنَهَاهُ وقال الْقِرَاءَةُ عِنْدَ الْقَبْرِ بِدْعَةٌ فقال محمد بن قُدَامَةَ الْجَوْهَرِيُّ يا أَبَا عَبْدَ اللَّهِ ما تَقُولُ في حَبَشٍ الْحَلَبِيِّ فقال ثِقَةٌ فقال حدثني مُبَشِّرٌ عن أبيه أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا وقال سَمِعْت بن عُمَرَ يُوصِي بِذَلِكَ فقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ ارْجِعْ فَقُلْ لِلرَّجُلِ يَقْرَأُ فَهَذَا يَدُلُّ على رُجُوعِهِ‏.‏

وَعَنْهُ لَا يُكْرَهُ وَقْتَ دَفْنِهِ دُونَ غَيْرِهِ قال في الْفَائِقِ وَعَنْهُ يُسَنُّ وَقْتَ الدَّفْنِ اخْتَارَهَا عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ وَشَيْخُنَا‏.‏

وَعَنْهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ بِدْعَةٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ من فِعْلِهِ عليه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ وَلَا فِعْلِ أَصْحَابِهِ‏.‏

فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَيُسْتَحَبُّ على الصَّحِيحِ قال في الْفَائِقِ يُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ نَصَّ عليه أَخِيرًا‏.‏

قال ابن تَمِيمٍ لَا تُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ بَلْ تُسْتَحَبُّ نَصَّ عليه وَقِيلَ تُبَاحُ قال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَتُبَاحُ الْقِرَاءَةُ على الْقَبْرِ نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَالْحَاوِيَيْنِ قال في الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ بن رَزِينٍ لَا بَأْسَ بِالْقِرَاءَةِ عِنْدَ الْقَبْرِ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ‏.‏

قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك‏.‏

وهو الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَقَطَعَ بِهِ كَثِيرٌ منهم وهو‏.‏

من الْمُفْرَدَاتِ وقال الْقَاضِي في الْمُجَرَّدِ من حَجَّ نَفْلًا عن غَيْرِهِ وَقَعَ عَمَّنْ حَجَّ لِعَدَمِ إذْنِهِ‏.‏

فائدة‏:‏

نَقَلَ الْمَرُّوذِيُّ إذَا دَخَلْتُمْ الْمَقَابِرَ فاقرأوا ‏[‏فاقرءوا‏]‏ آيَةَ الْكُرْسِيِّ وَثَلَاثَ مَرَّاتٍ ‏{‏قُلْ هو اللَّهُ أَحَدٌ‏}‏ ثُمَّ قُولُوا اللَّهُمَّ إنَّ فَضْلَهُ لِأَهْلِ الْمَقَابِرِ يَعْنِي ثَوَابَهُ وقال الْقَاضِي لَا بُدَّ من قَوْلِهِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْتَ أَثَبْتَنِي على هذا فَقَدْ جَعَلْتُ ثَوَابَهُ أو ما تَشَاءُ منه لِفُلَانٍ لِأَنَّهُ قد يَتَخَلَّفُ فَلَا يَتَحَكَّمُ على اللَّهِ وقال الْمَجْدُ من سَأَلَ الثَّوَابَ ثُمَّ أَهْدَاهُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اثبني على عَمَلِي هذا أَحْسَنَ الثَّوَابِ وَاجْعَلْهُ لِفُلَانٍ كان أَحْسَنَ وَلَا يَضُرُّ كَوْنُهُ مَجْهُولًا لِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَقِيلَ يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قبل فِعْلِ الْقُرْبَةِ وقال الْحَلْوَانِيُّ في التَّبْصِرَةِ يُعْتَبَرُ أَنْ يَنْوِيَهُ بِذَلِكَ قبل فِعْلِ الْقُرْبَةِ وقال ابن عَقِيلٍ في مُفْرَدَاتِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ تتقدمه ‏[‏تتقدم‏]‏ نِيَّةٌ ذلك وَتُقَارِنُهُ‏.‏

قال في الْفُرُوعِ فَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْإِهْدَاءِ وَنَقْلِ الثَّوَابِ أَنْ يَنْوِيَ الْمَيِّتَ بِهِ ابْتِدَاءً كما فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَبَعْدَهُ فَهُوَ مع مُخَالَفَتِهِ لِعُمُومِ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ لَا وَجْهَ له في أَثَرٍ له وَلَا نَظَرٍ وَإِنْ أَرَادُوا أَنَّهُ يَصِحُّ أَنْ تَقَعَ الْقُرْبَةُ عن الْمَيِّتِ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ له فَهَذَا مُتَّجَهٌ وَلِهَذَا قال ابن الْجَوْزِيِّ ثَوَابُ الْقُرْآنِ يَصِلُ إلَى الْمَيِّتِ إذَا نَوَاهُ قبل الْفِعْلِ ولم يُعْتَبَرْ الْإِهْدَاءُ فَظَاهِرُهُ عَدَمُهُ وهو ظَاهِرُ ما سَبَقَ في التَّبْصِرَةِ‏.‏

وقال ابن عَقِيلٍ في الْفُنُونِ قال حَنْبَلُ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ النِّيَّةِ لِأَنَّ ما تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ من الْأَعْمَالِ لَا يَحْصُلُ لِلْمُسْتَنِيبِ إلَّا بِالنِّيَّةِ من النَّائِبِ قبل الْفَرَاغِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا وَجَعَلَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك وَكَذَا لو أَهْدَى بَعْضَهُ كَنِصْفِهِ أو ثُلُثِهِ وَنَحْوِ ذلك كما تَقَدَّمَ عن الْقَاضِي وَغَيْرِهِ‏.‏

وَهَذِهِ قد يُعَايَى بها فَيُقَالُ أَيْنَ لنا مَوْضِعٌ تَصِحُّ فيه الْهَدِيَّةُ مع جَهَالَةِ المهدي بها ذَكَرَهَا في النُّكَتِ‏.‏

وَتَقَدَّمَ في أَوَاخِرِ بَابِ الْجُمُعَةِ كَرَاهَةُ إيثَارِ الْإِنْسَانِ بِالْمَكَانِ الْفَاضِلِ وهو إيثَارٌ بِفَضِيلَةٍ فَيُحْتَاجُ إلَى تَفْرِقَةٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إهْدَاءِ الْقُرَبِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

شَمِلَ قَوْلُهُ وَأَيُّ قُرْبَةٍ فَعَلَهَا الدُّعَاءَ وَالِاسْتِغْفَارَ وَالْوَاجِبَ الذي تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ وَصَدَقَةَ التَّطَوُّعِ وَالْعِتْقَ وَحَجَّ التَّطَوُّعِ فإذا فَعَلَهَا الْمُسْلِمُ وَجَعَلَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ الْمُسْلِمِ نَفَعَهُ ذلك إجْمَاعًا وَكَذَا تَصِلُ إلَيْهِ الْقِرَاءَةُ وَالصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ‏.‏

فَائِدَتَانِ‏:‏

إحْدَاهُمَا قال الْمَجْدُ يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم قال في الْفُنُونِ يُسْتَحَبُّ إهْدَاءُ الْقُرَبِ حتى لِلنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمَنَعَ من ذلك الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فلم يَرَهُ لِمَنْ له ثَوَابٌ بِسَبَبِ ذلك كَأَجْرِ الْعَامِلِ كَالنَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم وَمُعَلِّمِ الْخَيْرِ بِخِلَافِ الْوَالِدِ فإن له أَجْرًا كَأَجْرِ الْوَلَدِ‏.‏

الثَّانِيَةُ الْحَيُّ في كل ما تَقَدَّمَ كَالْمَيِّتِ في انْتِفَاعِهِ بِالدُّعَاءِ وَنَحْوِهِ وكذا الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا قال الْقَاضِي لَا نَعْرِفُ رِوَايَةً بِالْفَرْقِ بين الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ قال الْمَجْدُ هذا أَصَحُّ قال في الْفَائِقِ هذا أَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

وقيل لَا يَنْتَفِعُ بِذَلِكَ الْحَيُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ هُنَا وَأَطْلَقَهُمَا ابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَجَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ في حَجِّ النَّفْلِ عن الْحَيِّ لَا يَنْفَعُهُ ولم يَسْتَدِلَّ له وقال ابن عَقِيلٍ في الْمُفْرَدَاتِ الْقِرَاءَةُ وَنَحْوُهَا لَا تَصِلُ إلَى الْحَيِّ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُصْلَحَ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ طَعَامٌ يُبْعَثُ بِهِ إلَيْهِمْ‏.‏

بِلَا نِزَاعٍ وزاد الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وَيَكُونُ ذلك ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وقال إنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا قَصَدَ أَهْلَ الْمَيِّتِ فَأَمَّا لِمَا يَجْتَمِعُ عِنْدَهُمْ فَيُكْرَهُ لِلْمُسَاعَدَةِ على الْمَكْرُوهِ انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يُصْلِحُونَ هُمْ طَعَامًا لِلنَّاسِ‏.‏

يَعْنِي لَا يُسْتَحَبُّ بَلْ يُكْرَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ إلَّا لِحَاجَةٍ وَقِيلَ يُحَرَّمُ قال الزَّرْكَشِيُّ ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهُ يُبَاحُ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَلَا يُبَاحُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وقال غَيْرُهُ يُسَنُّ لِغَيْرِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَيُكْرَهُ لِأَهْلِهِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ زِيَارَةُ الْقُبُورِ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا نَصَّ عليه وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهُ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ النَّوَوِيُّ إجْمَاعًا قال في الشَّرْحِ لَا نَعْلَمُ خِلَافًا بين أَهْلِ الْعِلْمِ في اسْتِحْبَابِ زِيَارَةِ الرِّجَالِ الْقُبُورَ وَأَمَّا الْمُصَنِّفُ في الْمُغْنِي فقال لَا نَعْلَمُ خِلَافًا في إبَاحَةِ زِيَارَتِهَا لِلرِّجَالِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ يُسْتَحَبُّ في ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ قال الزَّرْكَشِيُّ هذا الْمَنْصُوصُ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

وَعَنْهُ لَا بَأْسَ بِزِيَارَتِهَا وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ وَغَيْرِ وَاحِدٍ من الْأَصْحَابِ وقد أَخَذَ أبو الْمَعَالِي وَالْمَجْدُ وَالزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُمْ الْإِبَاحَةَ من كَلَامِ الْخِرَقِيِّ فَقَالُوا وَقِيلَ يُبَاحُ وَلَا يُسْتَحَبُّ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ قالوا الِاسْتِحْبَابُ لِقَرِينَةِ تَذَكُّرِ الْمَوْتِ أو لِلْأَمْرِ‏.‏

قَوْلُهُ وَهَلْ يُكْرَهُ لِلنِّسَاءِ على رِوَايَتَيْنِ‏.‏

وَأَطْلَقَهُمَا في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْكَافِي وَالتَّلْخِيصِ وابن تَمِيمٍ وَالشَّرْحِ‏.‏

إحْدَاهُمَا يُكْرَهُ لَهُنَّ وَهِيَ الْمَذْهَبُ جَزَمَ بِهِ الْخِرَقِيُّ وَالْوَجِيزُ وَالْمُنَوِّرُ وَغَيْرُهُمْ وَصَحَّحَه ابن عَقِيلٍ وابن مَنْجَا في الْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْفَائِقِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا اظهر الرِّوَايَاتِ قال في النَّظْمِ وهو أَوْلَى وَرَجَّحَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ‏.‏

وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ لَا يُكْرَهُ فَيُبَاحُ‏.‏

وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ يَحْرُمُ كما لو عَلِمْت أَنَّهُ يَقَعُ منها مُحَرَّمٌ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ وَاخْتَارَ هذه الرِّوَايَةَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ وَحَكَاهَا ابن تَمِيمٍ وَجْهًا‏.‏

قال في جَامِعِ الِاخْتِيَارَاتِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ تَرْجِيحُ التَّحْرِيمِ لِاحْتِجَاجِهِ بِلَعْنِهِ عليه الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ زَوَّارَاتِ الْقُبُورِ وَتَصْحِيحُهُ إيَّاهُ وَأَطْلَقَهُنَّ في الْحَاوِيَيْنِ وَتَقَدَّمَ في فَصْلِ الْحَمْلِ أَنَّهُ يُكْرَهُ لَهُنَّ اتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏في زيارة القبور‏]‏

إحْدَاهَا‏:‏ يَجُوزُ للمسلم زِيَارَةُ قَبْرِ الْكَافِرِ قَالَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ يَجُوزُ زِيَارَتُهُ لِلِاعْتِبَارِ وقال ايضا لَا يُمْنَعُ الْكَافِرُ من زِيَارَةِ قَبْرِ أبيه الْمُسْلِمِ‏.‏

الثَّانِيَةُ‏:‏ الْأَوْلَى لِلزَّائِرِ أَنْ يَقِفَ أَمَامَ الْقَبْرِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ‏.‏

وَعَنْهُ يَقِفُ حَيْثُ شَاءَ وَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ حَالَ الزِّيَارَةِ قَائِمًا على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَعَنْهُ قُعُودُهُ كَقِيَامِهِ ذَكَرَهُ أبو الْمَعَالِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَقْرُبَ منه كَزِيَارَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ ذَكَرَهُ في الْوَسِيلَةِ وَالتَّلْخِيصِ‏.‏

الثَّالِثَةُ‏:‏ ظَاهِرُ كَلَامِ الْأَصْحَابِ اسْتِحْبَابُ كَثْرَةِ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وهو ظَاهِرُ كَلَامِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ قال في رِوَايَةِ أبي طَالِبٍ وقال له رَجُلٌ كَيْفَ يَرِقُّ قَلْبِي قال أدخل الْمَقْبَرَةَ وهو ظَاهِرُ الحديث‏.‏

زُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْآخِرَةَ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال في الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى وَيُكْرَهُ الْإِكْثَارُ من زِيَارَةِ الْمَوْتَى‏.‏

قُلْت وهو ضَعِيفٌ جِدًّا ولم يُعْرَفْ له سَلَفٌ‏.‏

الرَّابِعَةُ‏:‏ يَجُوزُ لَمْسُ الْقَبْرِ من غَيْرِ كَرَاهَةٍ قَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ وَعَنْهُ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَهُمَا في الْحَاوِيَيْنِ وَالْفَائِقِ وابن تَمِيمٍ وَعَنْهُ يُسْتَحَبُّ قال‏.‏

أبو الْحُسَيْنِ في تَمَامِهِ وَهِيَ أَصَحُّ وقال في الْوَسِيلَةِ هل يُسْتَحَبُّ عِنْدَ فَرَاغِ دَفْنِهِ وَضْعُ يَدِهِ عليه وَجُلُوسُهُ على جانبيه ‏[‏جانييه‏]‏ فيه رِوَايَتَانِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيَقُولُ إذَا زَارَهَا أو مَرَّ بها سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ إلَى آخِرِهِ‏.‏

نَكَّرَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَفْظَ السَّلَامِ وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَوَرَدَ الْحَدِيثُ فيه من طَرِيقِ أَحْمَدَ من رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَجَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ من الْأَصْحَابِ أَنَّهُ يقول مُعَرِّفًا فيقول السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَنَصَّ عليه الْإِمَامُ احمد قال في الْفُرُوعِ وهو الْأَشْهَرُ في الْأَخْبَارِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ من رِوَايَةِ أبي هُرَيْرَةَ وَبُرَيْدَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَجَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَخَيَّرَهُ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ بَيْنَهُمَا منهم صَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَقَدَّمَه ابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَالُوا نَصَّ عليه وَقَدَّمَهُ في الْفَائِقِ وقال ابن نَاصِرٍ يقول لِلْمَوْتَى عَلَيْكُمْ السَّلَامُ‏.‏

فائدة‏:‏

إذَا سَلَّمَ على الْحَيِّ فَالصَّحِيحُ من الْمَذْهَبِ أَنَّهُ يُخَيَّرُ بين التَّعْرِيفِ وَالتَّنْكِيرِ قَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وقال ذَكَرَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ‏.‏

قُلْت منهم الْمَجْدُ وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ‏.‏

وَعَنْهُ تَعْرِيفُهُ أَفْضَلُ قال النَّاظِمُ كَالرَّدِّ وَقِيلَ تَنْكِيرُهُ أَفْضَلُ اخْتَارَه ابن عَقِيلٍ وَرَدَّهُ الْمَجْدُ وقال ابن الْبَنَّا سَلَامُ التَّحِيَّةِ مُنَكَّرٌ وَسَلَامُ الْوَدَاعِ مُعَرَّفٌ‏.‏

قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلُ الْمَيِّتِ‏.‏

يَعْنِي سَوَاءً كان قبل الدَّفْنِ أو بَعْدَهُ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال الْقَاضِي في الْخِلَافِ في التَّعْزِيَةِ بَعْدَ الدَّفْنِ أَوْلَى لِلْإِيَاسِ التَّامِّ منه‏.‏

فائدة‏:‏

يُكْرَهُ تَكْرَارُ التَّعْزِيَةِ نَصَّ عليه فَلَا يُعَزِّي عِنْدَ الْقَبْرِ من عَزَّى قبل ذلك قَالَهُ في الْفُرُوعِ وَقَالَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ‏.‏

وَعَنْهُ يُكْرَهُ عِنْدَ الْقَبْرِ لِمَنْ عَزَّى وقال ابن تَمِيمٍ قال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَكْرَهُ التَّعْزِيَةَ عِنْدَ الْقَبْرِ إلَّا لِمَنْ لم يُعَزِّ وَأَطْلَقَ جَوَازَ ذلك في رِوَايَةٍ أُخْرَى انْتَهَى‏.‏

وَتُكْرَهُ التَّعْزِيَةُ لِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ لِلْفِتْنَةِ قال في الْفُرُوعِ يُتَوَجَّهُ فيه ما في تَشْمِيتِهَا إذَا عَطَسَتْ‏.‏

وَيُعَزَّى من شَقَّ ثَوْبَهُ نَصَّ عليه لِزَوَالِ الْمُحَرَّمِ وهو الشَّقُّ وَيُكْرَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ تَنْبِيهَانِ‏.‏

أَحَدُهُمَا ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ وغيره ‏[‏فغيره‏]‏ أَنَّ التَّعْزِيَةَ لَيْسَتْ مُحَدَّدَةً بِحَدٍّ وهو قَوْلُ جَمَاعَةٍ من الْأَصْحَابِ فَظَاهِرُهُ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا وهو ظَاهِرُ الْخَبَرِ وَقِيلَ آخِرُهَا يوم الدَّفْنِ وَقِيلَ تُسْتَحَبُّ إلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمُسْتَوْعِبِ وابن تَمِيمٍ وَالْفَائِقِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَذَكَرَ بن شِهَابٍ وَالْآمِدِيُّ وأبو الْفَرَجِ وَالْمَجْدُ وابن تَمِيمٍ وَغَيْرُهُمْ يُكْرَهُ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِتَهْيِيجِ الْحُزْنِ قال الْمَجْدُ لاذن الشَّارِعِ في الْإِحْدَادِ فيها وقال لم أَجِدْ في آخِرِهَا كَلَامًا لِأَصْحَابِنَا وقال أبو الْمَعَالِي اتَّفَقُوا على ‏[‏لكراهيته‏]‏ كراهيته بَعْدَهَا وَلَا يَبْعُدُ تَشْبِيهُهَا بِالْإِحْدَادِ على الْمَيِّتِ وقال إلَّا أَنْ يَكُونَ غَائِبًا فَلَا بَأْسَ بِتَعْزِيَتِهِ إذَا حَضَرَ وَاخْتَارَهُ النَّاظِمُ وقال ما لم تُنْسَ الْمُصِيبَةُ‏.‏

الثَّانِي قَوْلُهُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْزِيَةُ أَهْلِ الْمَيِّتِ‏.‏

وَهَكَذَا قال غَيْرُهُ من الْأَصْحَابِ قال في النُّكَتِ وَقَوْلُ الْأَصْحَابِ أَهْلُ الْمَيِّتِ خَرَجَ على الْغَالِبِ وَلَعَلَّ الْمُرَادَ أَهْلُ الْمُصِيبَةِ وَقَطَعَ بِه ابن عبد الْقَوِيِّ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ مَذْهَبًا لِأَحْمَدَ لَا تَفَقُّهًا من عِنْدِهِ قال في النُّكَتِ فَيُعَزَّى الْإِنْسَانُ في رَفِيقِهِ وَصَدِيقِهِ وَنَحْوِهِمَا كما يُعَزَّى في قَرِيبِهِ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ انْتَهَى‏.‏

قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْجُلُوسُ لها‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه قال في الْفُرُوعِ اخْتَارَهُ الْأَكْثَرُ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هذا أختيار أَصْحَابِنَا وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وابن تَمِيمٍ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَغَيْرِهِمْ وَعَنْهُ ما يُعْجِبُنِي وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ فيه لِأَنَّهُ عَزَّى وَجَلَسَ‏.‏

قال الْخَلَّالُ سَهَّلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ في الْجُلُوسِ إلَيْهِمْ في غَيْرِ مَوْضِعٍ قال في الْحَاوِيَيْنِ وَالرِّعَايَةِ الصُّغْرَى وَقِيلَ يُبَاحُ ثَلَاثًا كَالنَّعْيِ وَنُقِلَ عنه الْمَنْعُ منه‏.‏

وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ نَقَلَهُ حَنْبَلٌ وَاخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَمَعْنَاهُ اخْتِيَارُ أبي حَفْصٍ‏.‏

وَعَنْهُ الرُّخْصَةُ لِأَهْلِ الْمَيِّتِ وَلِغَيْرِهِمْ خَوْفَ شِدَّةِ الْجَزَعِ وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَمَّا وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ فَأَكْرَهُهُ وقال الْآجُرِّيُّ يَأْثَمُ إنْ لم يَمْنَعْ أَهْلَهُ وقال في الْفُصُولِ يُكْرَهُ الِاجْتِمَاعُ بَعْدَ خُرُوجِ الرُّوحِ لِأَنَّ فيه تَهْيِيجًا لِلْحُزْنِ‏.‏

فائدة‏:‏

لَا بَأْسَ بِالْجُلُوسِ بِقُرْبِ دَارِ الْمَيِّتِ لِيَتْبَعَ الْجِنَازَةَ أو يَخْرُجَ وَلِيُّهُ فَيُعَزِّيَهُ فَعَلَهُ السَّلَفُ‏.‏

قَوْلُهُ وَيَقُولُ في تَعْزِيَةِ الْمُسْلِمِ بِالْمُسْلِمِ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك‏.‏

وَلَا يَتَعَيَّنُ ذلك بَلْ إنْ شَاءَ قَالَهُ وَإِنْ شَاءَ قال غَيْرَهُ فإنه لَا يَتَعَيَّنُ فيه شَيْءٌ فَقَدْ عَزَّى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَجُلًا فقال آجَرَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكَ في هذا الرَّجُلِ وَعَزَّى أَبَا طَالِبٍ فقال أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَكُمْ وَأَحْسَنَ عَزَاءَكُمْ‏.‏

قَوْلُهُ وفي تعزيته ‏[‏تعزية‏]‏ عن كَافِرٍ أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك‏.‏

يَعْنِي إذَا عَزَّى مُسْلِمٌ مُسْلِمًا عن مَيِّتٍ كَافِرٍ فَأَفَادَنَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ‏.‏

يُعَزِّيهِ عنه وهو صَحِيحٌ وهو الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْأَصْحَابِ وَجَزَمَ بِهِ في الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ‏.‏

وَقِيلَ لَا يُعَزِّيهِ عن كَافِرٍ وهو رِوَايَةٌ في الرِّعَايَةِ قال في الرِّعَايَةِ وَقِيلَ يقول أَعْظَمَ اللَّهُ أَجْرَك وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وَصَارَ لَك خَلَفًا عنه‏.‏

قَوْلُهُ وفي تَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ أَحْسَنَ اللَّهُ عَزَاءَك وَغَفَرَ لِمَيِّتِك وفي تَعْزِيَتِهِ عن كَافِرٍ أَخْلَفَ اللَّهُ عَلَيْك وَلَا نَقَصَ عَدَدُك أو أَكْثَرَ عَدَدَك‏.‏

فَيَدْعُو لِأَهْلِ الذِّمَّةِ بِمَا يَرْجِعُ إلَى طُولِ الْعُمُرِ وَكَثْرَةِ الْمَالِ وَالْوَلَدِ وَلَا يَدْعُو لِكَافِرٍ حَيٍّ بِالْأَجْرِ وَلَا لِكَافِرٍ مَيِّتٍ بِالْمَغْفِرَةِ وقال أبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَيَقُولُ له أَيْضًا وَأَحْسَنَ عَزَاءَك وقال أبو عبد اللَّه ابن بَطَّةَ يقول أَعْطَاك اللَّهُ على مُصِيبَتِك أَفْضَلَ ما أَعْطَى أَحَدًا من أَهْلِ دِينِك وقال في الْفَائِقِ قُلْت لَا يَنْبَغِي تَعْزِيَتُهُ عن كَافِرٍ وَلَا الدُّعَاءُ بِالْإِخْلَافِ عليه وَعَدَمِ تَنْقِيصِ عَدَدِهِ بَلْ الْمَشْرُوعُ الدُّعَاء بِعَدَمِ الْكَافِرِينَ وَإِبَادَتِهِمْ كما أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عن قَوْمِ نُوحٍ انْتَهَى‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِتَعْزِيَةِ الْكَافِرِ بِمُسْلِمٍ أو عن كَافِرٍ حَيْثُ قِيلَ بِجَوَازِ ذلك من غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ اخْتَارَ ذلك أولا وَيُحْتَمَلُ أَنَّ مُرَادَهُ جَوَازُ التَّعْزِيَةِ عِنْدَهُ فَيَكُونُ قد اخْتَارَ جَوَازَ ذلك وَالْأَوَّلُ أَوْلَى‏.‏

وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّحِيحَ من الْمَذْهَبِ تَحْرِيمُ تَعْزِيَتِهِمْ على ما يَأْتِي في كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في بَابِ أَحْكَامِ الذِّمَّةِ وَلَنَا رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ قَدَّمَهَا في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَرِوَايَةٌ بِالْإِبَاحَةِ فَعَلَيْهَا يقول ما تَقَدَّمَ‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏في أحكام التعزية‏]‏

إحْدَاهَا قال في الْفُرُوعِ لم يذكر الْأَصْحَابُ هل يَرُدُّ المعزي شيئا أَمْ لَا‏.‏

وقد رَدَّ الْإِمَامُ أَحْمَدُ على من عَزَّاهُ فقال اسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَك وَرَحِمَنَا وَإِيَّاكَ انْتَهَى وَكَفَى بِهِ قُدْوَةً ومنبوعا ‏[‏ومتبوعا‏]‏‏.‏

قُلْت جَزَمَ بِهِ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمْ‏.‏

الثَّانِيَةُ مَعْنَى التَّعْزِيَةِ التَّسْلِيَةُ وَالْحَثُّ على الصَّبْرِ بِوَعْدِ الْأَجْرِ وَالدُّعَاءُ لِلْمَيِّتِ وَالْمُصَابِ‏.‏

الثَّالِثَةُ لَا يُكْرَهُ أَخْذُهُ بِيَدِ من عَزَّاهُ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ نَصَّ عليه وَعَنْهُ الْوَقْفُ وَكَرِهَهُ عبد الْوَهَّابِ الْوَرَّاقُ‏.‏

قال الْخَلَّالُ أَحَبُّ إلى أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَكَرِهَهُ أبو حَفْصٍ عِنْدَ الْقَبْرِ‏.‏

قَوْلُهُ وَيَجُوزُ الْبُكَاءُ على الْمَيِّتِ‏.‏

يَعْنِي من غَيْرِ كَرَاهَةٍ سَوَاءٌ كان قبل مَوْتِهِ أو بَعْدَهُ لِكَثْرَةِ الْأَحَادِيثِ في ذلك وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ وَوَجَّهَ في الْفُرُوعِ احْتِمَالًا يُحْمَلُ النَّهْيُ عن الْبُكَاءِ بَعْدَ الْمَوْتِ على تَرْكِ الْأَوْلَى‏.‏

قال الْمَجْدُ أو أَنَّهُ كَرِهَ كَثْرَةَ الْبُكَاءِ وَالدَّوَامِ عليه أَيَّامًا‏.‏

قال جَمَاعَةٌ الصَّبْرُ عن الْبُكَاءِ أَجْمَلُ منهم بن حَمْدَانَ‏.‏

وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ الْبُكَاءَ يُسْتَحَبُّ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ وَأَنَّهُ أَكْمَلُ من الْفَرَحِ كَفَرَحِ الْفُضَيْلِ لَمَّا مَاتَ ابْنُهُ عَلِيٌّ‏.‏

قُلْت اسْتِحْبَابُ الْبُكَاءِ رَحْمَةً لِلْمَيِّتِ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ لَا يُعْدَلُ عنها‏.‏

قَوْلُهُ وَأَنْ يَجْعَلَ الْمُصَابَ على رَأْسِهِ ثَوْبًا يُعْرَفُ بِهِ‏.‏

يَعْنِي يَجُوزُ ذلك لِيَكُونَ عَلَامَةً يُعْرَفُ بها وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وقال في الْمَذْهَبِ يُكْرَهُ لُبْسُهُ خِلَافَ زِيِّهِ الْمُعْتَادِ‏.‏

فائدة‏:‏

يُكْرَهُ لِلْمُصَابِ تَغْيِيرُ حَالِهِ من خَلْعِ رِدَائِهِ وَنَعْلِهِ وَتَغْلِيقِ حَانُوتِهِ‏.‏

وَتَعْطِيلِ مَعَاشِهِ على الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عن مَسْأَلَةٍ يوم مَاتَ بِشْرٌ فقال ليس هذا يوم جَوَابٍ هذا يَوْمُ حُزْنٍ وَأَطْلَقَهُمَا في الْفُرُوعِ وقال الْمَجْدُ لَا بَأْسَ بِهَجْرِ الْمُصَابِ الزِّينَةَ وَحُسْنَ الثِّيَابِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَجَزَمَ بِه ابن تَمِيمٍ وابن حَمْدَانَ‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ النَّدْبُ وَلَا النِّيَاحَةُ‏.‏

هذا الْمَذْهَبُ مُطْلَقًا وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ وَنَصَّ عليه في رِوَايَةِ حَنْبَلٍ وَجَزَمَ بِهِ في الْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالتَّلْخِيصِ وَالْبُلْغَةِ وَالنَّظْمِ وَالْوَجِيزِ وَالْإِفَادَاتِ وَالْمُنْتَخَبِ قال في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ اخْتَارَهُ الْمَجْدُ وَجَمَاعَةٌ من أَصْحَابِنَا وَقَدَّمَهُ في الْفُرُوعِ وَمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالزَّرْكَشِيُّ وقال هو الْمَذْهَبُ وَعَنْهُ يُكْرَه النَّدْبُ وَالنَّوْحُ الذي ليس فيه إلَّا تَعْدَادُ الْمَحَاسِنِ بِصِدْقٍ جَزَمَ بِهِ في الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْكَافِي‏.‏

قال الْآمِدِيُّ يُكْرَهُ في الصَّحِيحِ من الْمَذْهَبِ قال وَاخْتَارَه ابن حَامِدٍ وابن بَطَّةَ وأبو حَفْصٍ الْعُكْبَرِيُّ وَالْقَاضِي أبو يَعْلَى وَالْخِرَقِيُّ انْتَهَى نَقَلَهُ عنه في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وقال اخْتَارَهُ كَثِيرٌ من أَصْحَابِنَا وَأَطْلَقَهُمَا في الْفَائِقِ‏.‏

وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ عن الْإِمَامِ أَحْمَدَ ما يَدُلُّ على إبَاحَتِهِمَا وَأَنَّهُ اخْتِيَارُ الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قَالَهُ في الْفُرُوعِ‏.‏

قُلْت قد نَقَلَهُ الْآمِدِيُّ عن الْخَلَّالِ وَصَاحِبِهِ قبل الْمُصَنِّفِ ذَكَرَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ‏.‏

وَقَطَعَ الْمَجْدُ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِيَسِيرِ النَّدْبِ إذَا كان صِدْقًا ولم يَخْرُجْ مَخْرَجَ النَّوْحِ وَلَا قُصِدَ نَظْمُهُ كَفِعْلِ أبي بَكْرٍ وَفَاطِمَةَ رضي اللَّهُ عنهما وَتَابَعَهُ في مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وابن تَمِيمٍ وَالزَّرْكَشِيُّ‏.‏

قُلْت وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فيه قال في الْفَائِقِ وَيُبَاحُ يَسِيرُ النَّدْبِ الصِّدْقِ نَصَّ عليه‏.‏

قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ شَقُّ الثِّيَابِ وَلَطْمُ الْخُدُود وما أَشْبَهَ ذلك‏.‏

من الصُّرَاخِ وَخَمْشِ الْوَجْهِ وَنَتْفِ الشَّعْرِ وَنَشْرِهِ وَحَلْقِهِ‏.‏

قال جَمَاعَةٌ منهم بن حَمْدَانَ وَالنَّخَعِيُّ قال في الْفُصُولِ يَحْرُمُ النَّحِيبُ وَالتَّعْدَادُ وَالنِّيَاحَةُ وَإِظْهَارُ الْجَزَعِ‏.‏

فَوَائِدُ‏:‏ ‏[‏في أحكام النياحة على الميت‏]‏

منها قال في الْفُرُوعِ جَاءَتْ الْأَخْبَارُ الْمُتَّفَقُ على صِحَّتِهَا بِتَعْذِيبِ الْمَيِّتِ بِالنِّيَاحَةِ وَالْبُكَاءِ عليه فَحَمَلَه ابن حَامِدٍ على ما إذَا أَوْصَى بِهِ لِأَنَّ عَادَةً الْعَرَبُ كانت الْوَصِيَّةَ بِهِ فَخَرَجَ على عَادَتِهِمْ قال النَّوَوِيُّ في شَرْحِ مُسْلِمٍ هو قَوْلُ الْجُمْهُورِ وهو ضَعِيفٌ فإن سِيَاقَ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ انْتَهَى‏.‏

وَحَمَلَهُ الْأَثْرَمُ على من كَذَّبَ بِهِ حين يَمُوتُ وَقِيلَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ مُطْلَقًا وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقِيلَ يُعَذَّبُ بِذَلِكَ‏.‏

وقال في التَّلْخِيصِ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ إنْ لم يُوصِ بِتَرْكِهِ كما كان السَّلَفُ يُوصُونَ ولم يُعْتَبَرْ كَوْنُ النِّيَاحَةِ عَادَةَ اهله‏.‏

وَاخْتَارَ الْمَجْدُ إذَا كان عَادَةَ أَهْلِهِ ولم يُوصِ بِتَرْكِهِ يُعَذَّبُ لِأَنَّهُ مَتَى ظَنَّ وُقُوعَهُ ولم يُوصِ فَقَدْ رضي ولم يَنْهَ مع قُدْرَتِهِ وَقَدَّمَهُ في الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالْحَوَاشِي وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ في الْمُغْنِي أَنَّهُ يُعَذَّبُ بِالْبُكَاءِ الذي معه نَدْبٌ أو نِيَاحَةٌ بِكُلِّ حَالٍ‏.‏

وَمِنْهَا ما هَيَّجَ الْمُصِيبَةَ من وَعْظٍ أو إنْشَادِ شِعْرٍ فَمِنْ النِّيَاحَةِ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ومنها ‏[‏ومعنا‏]‏ لِابْنِ عَقِيلٍ في الْفُنُونِ‏.‏

وَمِنْهَا يُكْرَهُ الذَّبْحُ عِنْدَ الْقَبْرِ وَأَكْلُ ذلك نَصَّ عليه وَجَزَمَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِحُرْمَةِ الذَّبْحِ وَالتَّضْحِيَةِ عِنْدَهُ‏.‏

قال الْمَجْدُ في شَرْحِهِ وفي مَعْنَى ذلك ما يَفْعَلُهُ كَثِيرٌ من أَهْلِ زَمَانِنَا من‏.‏

التَّصَدُّقِ عِنْدَ الْقَبْرِ بِخُبْزٍ أو نَحْوِهِ فإنه بِدْعَةٌ وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ وَإِشْهَارٌ لِصَدَقَةِ التَّطَوُّعِ الْمَنْدُوبِ إلَى إخْفَائِهَا انْتَهَى وَتَبِعَهُ جَمَاعَةٌ قال في الْفُرُوعِ قال جَمَاعَةٌ وفي مَعْنَى الذَّبْحِ على الْقَبْرِ الصَّدَقَةُ عِنْدَهُ فإنه مُحْدَثٌ وَفِيهِ رِيَاءٌ وَسُمْعَةٌ‏.‏

وقال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إخْرَاجُ الصَّدَقَةِ مع الْجِنَازَةِ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ وهو يُشْبِهُ الذَّبْحَ عِنْدَ الْقَبْرِ وَنَقَلَ أبو طَالِبٍ لم أَسْمَعْ فيه بِشَيْءٍ وَأَكْرَهُ أَنْ أَنْهَى عن الصَّدَقَةِ‏.‏

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرَّحِيمِ‏.‏