فصل: الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البرهان في علوم القرآن (نسخة منقحة)



.الرَّابِعُ: التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ:

وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: «اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلِ».
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عَلِيٍّ: هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَيْءٍ؟ فَقَالَ مَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ أَوْ فَهْمٌ يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ.
وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الذَّوْقِ: لِلْقُرْآنِ نُزُولٌ وَتَنَزُّلٌ فَالنُّزُولُ قَدْ مَضَى وَالتَّنَزُّلُ بَاقٍ إِلَى قيام الساعة.
ومن ها هنا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَأَخَذَ كُلُّ واجد برأيه على مقتضى نَظَرِهِ فِي الْمُقْتَضَى.
وَلَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} وَقَوْلِهِ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} وقوله: {لتبين للناس ما نزل إليهم} فَأَضَافَ الْبَيَانَ إِلَيْهِمْ.
وَعَلَيْهِ حَمَلُوا قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ» أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ: غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُنْدُبٍ.
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ: هَذَا إِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ- الرَّأْيَ الَّذِي يَغْلِبُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ فَمِثْلُ هَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِهِ.
وَأَمَّا الرَّأْيُ الَّذِي يُسْنِدُهُ بُرْهَانٌ فَالْحُكْمُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ جَائِزٌ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ الصِّدِّيقِ: أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي.
وَقَالَ فِي الْمَدْخَلِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ-وَاللَّهُ أَعْلَمُ- فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَسَبِيلُهُ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ وَفِي مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ وَسَبَبِ نُزُولِهِ وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ إِلَى أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ شَاهَدُوا تَنْزِيلَهُ وَأَدَّوْا إِلَيْنَا مَنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَكُونُ تِبْيَانًا لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون}.
فَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ فَفِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ ذِكْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ وَمَا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ بَيَانٌ فَفِيهِ حِينَئِذٍ فِكْرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُ لِيَسْتَدِلُّوا بِمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ.
قَالَ: وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ وَإِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي نُكَتِهِ: قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ وَلَوْ صَحِبَتْهَا الشَّوَاهِدُ وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تعبدنا من معرفته مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.
وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يُعْلَمْ شيء بِالِاسْتِنْبَاطِ وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ وَأَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ وَإِصَابَتُهُ اتِّفَاقٌ إِذِ الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقُرْآنُ ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ مُحْتَمَلَةٍ فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ».
وَقَوْلُهُ: ذَلُولٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ يُنْطَقُ بِأَلْسِنَتِهِمْ الثَّانِي: أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تَقْصُرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ.
وَقَوْلُهُ: (ذُو وُجُوهٍ) يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ.
وَقَوْلُهُ: (فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ) يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ وَالثَّانِي: أَحْسَنِ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ اللَّهِ.
وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ: النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ لَا إِلَى جَمِيعِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه} لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فَلَوْ لَمْ يَجُزِ التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَشَأْنَ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَلَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةِ حِكْمَةً أَوْ دَلِيلًا لِحُكْمٍ فَلَا بأس به.
وَلَوْ قَالَ الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غير أن سمع مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَحُلُّ وَهُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ انْتَهَى.
وَقَالَ الرَّاغِبُ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِهِ: اختلف الناس في تفسيرالقرآن هَلْ يَجُوزُ لِكُلِّ ذِي عِلْمٍ الْخَوْضُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ وَمَنَعَ الْكَلَامَ وَلَوْ تَفَنَّنَ النَّاظِرُ فِي الْعُلُومِ وَاتَّسَعَ بَاعُهُ فِي الْمَعَارِفِ إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ عَمَّنْ شَاهَدَ التَّنْزِيلَ مِنَ الصَّحَابَةِ أَوْ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ مَنِ التَّابِعِينَ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ» وَفِي رِوَايَةِ: «مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ كَفَرَ».
وَقِيلَ: إِنْ كَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ وَأَدَبٍ فَوَاسِعٌ لَهُ تَفْسِيرُهُ وَالْعُقَلَاءُ وَالْأُدَبَاءُ فَوْضَى فِي مَعْرِفَةِ الْأَغْرَاضِ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألباب}.

.أقسام التفسير:

وَقَدْ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي تَفْسِيرِهِ: حَدَّثَنَا الثَّوْرِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَسَّمَ التَّفْسِيرَ إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ: قِسْمٌ تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فِي كَلَامِهَا وَقِسْمٌ لَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهَالَتِهِ يَقُولُ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَقِسْمٌ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ خَاصَّةً وَقِسْمٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَمَنِ ادَّعَى عِلْمَهُ فَهُوَ كَاذِبٌ.
وَهَذَا تَقْسِيمٌ صَحِيحٌ.
فَأَمَّا الَّذِي تَعْرِفُهُ الْعَرَبُ فَهُوَ الَّذِي يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى لِسَانِهِمْ وَذَلِكَ شَأْنُ اللُّغَةِ وَالْإِعْرَابِ.
فَأَمَّا اللُّغَةُ فَعَلَى الْمُفَسِّرِ مَعْرِفَةُ مَعَانِيهَا وَمُسَمَّيَاتِ أَسْمَائِهَا وَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ الْقَارِئَ ثُمَّ إِنْ كَانَ مَا تَتَضَمَّنُهُ أَلْفَاظُهَا يُوجِبُ الْعَمَلَ دُونَ الْعِلْمِ كَفَى فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالِاسْتِشْهَادُ بِالْبَيْتِ وَالْبَيْتَيْنِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُوجِبُ الْعِلْمَ لَمْ يَكْفِ ذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يستفيض ذلك اللفظ وتكثر شواهده من الشعر.
وَأَمَّا الْإِعْرَابُ فَمَا كَانَ اخْتِلَافُهُ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ عَلَى الْمُفَسِّرِ وَالْقَارِئِ تَعَلُّمُهُ لِيَتَوَصَّلَ الْمُفَسِّرُ إِلَى مَعْرِفَةِ الْحُكْمِ وَلِيَسْلَمَ الْقَارِئُ مِنَ اللَّحْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُحِيلًا لِلْمَعْنَى وَجَبَ تَعَلُّمُهُ عَلَى الْقَارِئِ لِيَسْلَمَ مِنَ اللَّحْنِ وَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُفَسِّرِ لِيَتَوَصَّلَ إِلَى الْمَقْصُودِ دُونَهُ عَلَى أَنَّ جَهْلَهُ نَقْصٌ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ.
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَمَا كَانَ مِنَ التَّفْسِيرِ رَاجِعًا إِلَى هَذَا الْقِسْمِ فَسَبِيلُ الْمُفَسِّرِ التَّوَقُّفُ فِيهِ عَلَى مَا وَرَدَ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعَالَمِ بِحَقَائِقِ اللُّغَةِ وَمَفْهُومَاتِهَا تَفْسِيرُ شَيْءٍ مِنَ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ وَلَا يَكْفِي فِي حَقِّهِ تَعَلُّمُ الْيَسِيرِ مِنْهَا فَقَدْ يَكُونُ اللَّفْظُ مُشْتَرَكًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَحَدَ الْمَعْنَيَيْنِ.
الثَّانِي: مَا لَا يُعْذَرُ وَاحِدٌ بِجَهْلِهِ وَهُوَ مَا تَتَبَادَرُ الْأَفْهَامُ إِلَى مَعْرِفَةِ مَعْنَاهُ مِنَ النُّصُوصِ الْمُتَضَمِّنَةِ شَرَائِعَ الْأَحْكَامِ وَدَلَائِلَ التَّوْحِيدِ وَكُلَّ لَفْظٍ أَفَادَ مَعْنًى وَاحِدًا جَلِيًّا لَا سِوَاهُ يُعْلَمُ أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى.
فَهَذَا الْقِسْمُ لَا يَخْتَلِفُ حُكْمُهُ وَلَا يَلْتَبِسُ تَأْوِيلُهُ إِذْ كَلُّ أَحَدٍ يُدْرِكُ مَعْنَى التَّوْحِيدِ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إله إلا الله} وَأَنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلَهِيَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ لَا مَوْضُوعَةٌ فِي اللغة للنفي وإلا لِلْإِثْبَاتِ وَأَنَّ مُقْتَضَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْحَصْرُ وَيَعْلَمُ كُلُّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ مُقْتَضَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة} وَنَحْوَهَا مِنَ الْأَوَامِرِ طَلَبُ إِدْخَالِ مَاهِيَّةِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْوُجُودِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ صِيغَةَ افْعَلْ مُقْتَضَاهَا التَّرْجِيحُ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا فَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ يَدَّعِي الْجَهْلَ بِمَعَانِي أَلْفَاظِهِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ بِالضَّرُورَةِ.
الثَّالِثُ: مَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْغُيُوبِ نَحْوُ الْآيِ الْمُتَضَمِّنَةِ قِيَامَ السَّاعَةِ وَنُزُولَ الْغَيْثِ وَمَا فِي الْأَرْحَامِ وَتَفْسِيرَ الرُّوحِ وَالْحُرُوفَ الْمُقَطَّعَةِ وَكُلُّ مُتَشَابِهٍ فِي الْقُرْآنِ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَلَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي تَفْسِيرِهِ وَلَا طَرِيقَ إِلَى ذَلِكَ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إِمَّا نَصٌّ مِنَ التَّنْزِيلِ أَوْ بَيَانٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ إِجْمَاعُ الْأُمَّةِ عَلَى تَأْوِيلِهِ فَإِذَا لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَوْقِيفٌ مِنْ هَذِهِ الْجِهَاتِ عَلِمْنَا أَنَّهُ مِمَّا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِعِلْمِهِ.
وَالرَّابِعُ: مَا يَرْجِعُ إِلَى اجْتِهَادِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَيْهِ إِطْلَاقُ التَّأْوِيلِ وَهُوَ صَرْفُ اللَّفْظِ إلى ما يئول إِلَيْهِ فَالْمُفَسِّرُ نَاقِلٌ وَالْمُؤَوِّلُ مُسْتَنْبِطٌ وَذَلِكَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ وَبَيَانُ الْمُجْمَلِ وَتَخْصِيصُ الْعُمُومِ.
وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا فَهُوَ الَّذِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ الِاجْتِهَادُ فِيهِ وَعَلَى الْعُلَمَاءِ اعْتِمَادُ الشَّوَاهِدِ وَالدَّلَائِلِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَعْتَمِدُوا مُجَرَّدَ رَأْيِهِمْ فِيهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ وَكُلُّ لَفْظٍ احْتَمَلَ مَعْنَيَيْنِ فَهُوَ قِسْمَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا أَظْهَرَ مِنَ الْآخَرِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَى الظَّاهِرِ إِلَّا أَنْ يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْخَفِيُّ دُونَ الْجَلِيِّ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ.
الثَّانِي: أَنْ يَكُونَا جَلِيَّيْنِ وَالِاسْتِعْمَالُ فِيهِمَا حَقِيقَةٌ وَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَخْتَلِفَ أَصْلُ الْحَقِيقَةِ فِيهِمَا فَيَدُورُ اللَّفْظُ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ هُوَ فِي أَحَدِهِمَا حَقِيقَةٌ لُغَوِيَّةٌ وَفِي الْآخَرِ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَالشَّرْعِيَّةُ أَوْلَى إِلَّا أَنْ تَدُلَّ قَرِينَتُهُ عَلَى إِرَادَةِ اللُّغَوِيَّةِ نَحْوُ قوله تعالى: {وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم} وَكَذَلِكَ إِذَا دَارَ بَيْنَ اللُّغَوِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَالْعُرْفِيَّةُ أولى لطريانها عَلَى اللُّغَةِ وَلَوْ دَارَ بَيْنَ الشَّرْعِيَّةِ وَالْعُرْفِيَّةِ فَالشَّرْعِيَّةُ أَوْلَى لِأَنَّ الشَّرْعَ أَلْزَمُ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: لَا تَخْتَلِفُ أَصْلُ الْحَقِيقَةِ بَلْ كِلَا الْمَعْنَيَيْنِ اسْتُعْمِلَ فِيهِمَا فِي اللُّغَةِ أَوْ فِي الشَّرْعِ أَوِ الْعُرْفِ عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ وَهَذَا أَيْضًا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَتَنَافَيَا اجْتِمَاعًا وَلَا يُمْكِنَ إِرَادَتُهُمَا بِاللَّفْظِ الْوَاحِدِ كَالْقُرْءِ حَقِيقَةٌ فِي الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ فَعَلَى الْمُجْتَهِدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْمُرَادِ مِنْهُمَا بِالْأَمَارَاتِ الدَّالَّةِ عَلَيْهِ فَإِذَا وَصَلَ إِلَيْهِ كَانَ هُوَ مُرَادَ اللَّهِ فِي حَقِّهِ وَإِنِ اجْتَهَدَ مُجْتَهِدٌ آخَرُ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَى الْمَعْنَى الْآخَرِ كَانَ ذَلِكَ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ لِأَنَّهُ نَتِيجَةُ اجْتِهَادِهِ وَمَا كُلِّفَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَرَجَّحْ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لِتَكَافُؤِ الْأَمَارَاتِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يُخَيَّرُ فِي الْحَمْلِ عَلَى أَيِّهِمَا شَاءَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَأْخُذُ بِأَعْظَمِهِمَا حُكْمًا وَلَا يَبْعُدُ اطِّرَادُ وَجْهٍ ثَالِثٍ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ بِالْأَخَفِّ كَاخْتِلَافِ جَوَابِ الْمُفْتِينَ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: أَلَّا يَتَنَافَيَا اجْتِمَاعًا فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَيَكُونُ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي الْإِعْجَازِ وَالْفَصَاحَةِ وَأَحْفَظُ فِي حَقِّ الْمُكَلَّفِ إِلَّا أَنْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا وَهَذَا أَيْضًا ضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ دَلَالَتُهُ مُقْتَضِيَةً لِبُطْلَانِ الْمَعْنَى الْآخَرِ فَيَتَعَيَّنُ الْمَدْلُولُ عَلَيْهِ لِلْإِرَادَةِ.
الثَّانِي: أَلَّا يَقْتَضِيَ بُطْلَانَهُ وَهَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: يَثْبُتُ حُكْمُ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ مُرَادًا وَلَا يُحْكَمُ بِسُقُوطِ الْمَعْنَى الْآخَرِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا أَيْضًا وَإِنْ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ مِنْ خَارِجٍ لِأَنَّ مُوجِبَ اللَّفْظِ عَلَيْهِمَا فَاسْتَوَيَا فِي حُكْمِهِ وَإِنْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: مَا تَرَجَّحَ بِدَلِيلٍ مِنْ خَارِجٍ أَثْبَتُ حُكْمًا مِنَ الْآخَرِ لِقُوَّتِهِ بِمُظَاهَرَةِ الدَّلِيلِ الْآخَرِ.
فَهَذَا أَصْلٌ نَافِعٌ مُعْتَبَرٌ فِي وُجُوهِ التَّفْسِيرِ فِي اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
إِذَا تَقَرَّرَ ذَلِكَ فَيَنْزِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» عَلَى قِسْمَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْأَرْبَعَةِ:
أَحَدُهُمَا: تَفْسِيرُ اللَّفْظِ لِاحْتِيَاجِ الْمُفَسِّرِ لَهُ إِلَى التَّبَحُّرِ فِي مَعْرِفَةِ لِسَانِ الْعَرَبِ.
الثَّانِي: حَمْلُ اللَّفْظِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْهِ لِاحْتِيَاجِ ذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُلُومِ: عِلْمِ الْعَرَبِيَّةِ وَاللُّغَةِ وَالتَّبَحُّرِ فِيهِمَا وَمِنْ عِلْمِ الْأُصُولِ مَا يُدْرَكُ بِهِ حُدُودُ الْأَشْيَاءِ وَصِيَغُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْخَبَرِ وَالْمُجْمَلُ وَالْمُبَيَّنُ وَالْعُمُومُ وَالْخُصُوصُ وَالظَّاهِرُ وَالْمُضْمَرُ وَالْمُحْكَمُ وَالْمُتَشَابِهُ وَالْمُؤَوَّلُ وَالْحَقِيقَةُ وَالْمَجَازُ وَالصَّرِيحُ وَالْكِنَايَةُ وَالْمُطْلَقُ وَالْمُقَيَّدُ وَمِنْ عُلُومِ الْفُرُوعِ مَا يُدْرَكُ بِهِ اسْتِنْبَاطًا وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَى هَذَا أَقَلُّ مَا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى خَطَرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ يَحْتَمِلُ كَذَا وَلَا يَجْزِمُ إِلَّا فِي حُكْمٍ اضْطُرَّ إِلَى الْفَتْوَى بِهِ فَأَدَّى اجْتِهَادُهُ إِلَيْهِ فَيَحْرُمُ خِلَافُهُ مَعَ تَجْوِيزِ خِلَافِهِ عِنْدَ اللَّهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا نَزَلْ مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ آيَةٍ إِلَّا وَلَهَا ظَهْرٌ وبطن ولكن حَرْفٍ حَدٌّ وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ؟
قُلْتُ: أَمَّا قَوْلُهُ: «ظَهْرٌ وَبَطْنٌ» فَفِي تَأْوِيلِهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا- وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ-: إِنَّكَ إِذَا بَحَثْتَ عَنْ بَاطِنِهَا وَقِسْتَهُ عَلَى ظاهرها وقفت على معناها.
الثاني- قول أبي عبيدة-: إِنَّ الْقَصَصَ ظَاهِرَهَا الْإِخْبَارُ بِهَلَاكِ الْأَوَّلِينَ وَبَاطِنُهَا عِظَةٌ لِلْآخَرِينَ.
الثَّالِثُ- قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّهُ مَا مِنْ آيَةٍ إِلَّا عَمِلَ بِهَا قَوْمٌ وَلَهَا قَوْمٌ سَيَعْمَلُونَ بِهَا.
الرَّابِعُ- قَالَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ-: إِنَّ ظَاهِرَهَا لَفْظُهَا وباطنها تأويلها.
وقول أبي عبيدة أَقْرَبُهَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَلِكُلِّ حَرْفٍ حَدٌّ» فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ: أَحَدُهُمَا: لِكُلِّ حَرْفٍ مُنْتَهًى فِيمَا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ مَعْنَاهُ الثَّانِي: مَعْنَاهُ أَنَّ لِكُلِّ حُكْمٍ مِقْدَارًا مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: «وَلِكُلِّ حَدٍّ مَطْلَعٌ» فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: لِكُلِّ غَامِضٍ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ مَطْلَعٌ يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَيُوقَفُ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ.
وَالثَّانِي: لِكُلِّ مَا يَسْتَحِقُّهُ مِنَ الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ مُطْلَعٌ يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ وَيَرَاهُ عِنْدَ الْمُجَازَاةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مِنْهُ مَا لَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ وَذَلِكَ آجَالٌ حَادِثَةٌ فِي أَوْقَاتٍ آتِيَةٍ كَوَقْتِ قِيَامِ السَّاعَةِ وَالنَّفْخِ فِي الصور ونزول عيسى بن مَرْيَمَ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
لِقَوْلِهِ: {لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ في السماوات والأرض} وَمِنْهُ مَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ كُلُّ ذِي عِلْمٍ بِاللِّسَانِ الَّذِي نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ وَذَلِكَ إِبَانَةُ غَرَائِبِهِ وَمَعْرِفَةُ الْمُسَمَّيَاتِ بِأَسْمَائِهَا اللَّازِمَةِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكَةِ منها والموصوفات بِصِفَاتِهَا الْخَاصَّةِ دُونَ مَا سِوَاهَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ وَذَلِكَ كَسَامِعٍ مِنْهُمْ لَوْ سَمِعَ تَالِيًا يَتْلُو: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يشعرون} لَمْ يَجْهَلْ أَنَّ مَعْنَى الْفَسَادِ هُوَ مَا يَنْبَغِي تَرْكُهُ مِمَّا هُوَ مَضَرَّةٌ وَأَنَّ الصَّلَاحَ مِمَّا يَنْبَغِي فِعْلُهُ مِمَّا هُوَ مَنْفَعَةٌ وَإِنْ جَهِلَ الْمَعَانِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ إِفْسَادًا وَالْمَعَانِيَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ إِصْلَاحًا فَأَمَّا تَعْلِيمُ التَّفْسِيرِ وَنَقْلُهُ عَمَّنْ قَوْلُهُ حُجَّةٌ فَفِيهِ ثَوَابٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ كَتَعْلِيمِ الْأَحْكَامِ مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ.