فصل: مسألة: إذا مات المكفول به‏ سقطت الكفالة ولم يلزم الكفيل شيء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


فصل‏:‏

وإن كفل إلى أجل مجهول‏,‏ لم تصح الكفالة وبهذا قال الشافعي لأنه ليس له وقت يستحق مطالبته فيه وهكذا الضمان وإن جعله إلى الحصاد والجزاز والعطاء خرج على الوجهين‏,‏ كالأجل في البيع والأولى صحتها هنا لأنه تبرع من غير عوض جعل له أجلا لا يمنع من حصول المقصود منه‏,‏ فصح كالنذر وهكذا كل مجهول لا يمنع مقصود الكفالة وقد روي مهنا عن أحمد في رجل كفل رجلا آخر‏,‏ فقال‏:‏ إن جئت به في وقت كذا وإلا فما عليه على فقال‏:‏ لا أدري ولكن إن قال‏:‏ ساعة كذا لزمه فنص على تعيين الساعة وتوقف عن تعيين الوقت‏,‏ ولعله أراد وقتا متسعا أو وقت شيء يحدث مثل وقت الحصاد ونحوه فأما إن قال‏:‏ وقت طلوع الشمس‏,‏ ونحو ذلك صح وإن قال‏:‏ إلى الغد أو شهر كذا تعلق بأوله على ما ذكرنا في السلم‏.‏

فصل‏:‏

وإذا تكفل برجل إلى أجل‏,‏ إن جاء به فيه وإلا لزمه ما عليه صح وبه قال أبو حنيفة وأبو يوسف‏:‏ وقال محمد بن الحسن والشافعي‏:‏ لا تصح الكفالة‏,‏ ولا يلزمه ما عليه لأن هذا تعليق الضمان بخطر فلم يصح كما لو علقه بقدوم زيد ولنا أن هذا موجب الكفالة ومقتضاها‏,‏ فصح اشتراطه كما لو قال‏:‏ إن جئت به في وقت كذا وإلا فلك حبسي ومبنى الخلاف ها هنا على الخلاف في أن هذا مقتضي الكفالة‏,‏ وقد دللنا عليه وأما إن قال‏:‏ إن جئت به في وقت كذا وإلا فأنا كفيل ببدن فلان أو فأنا ضامن لك مالك على فلان أو قال‏:‏ إذا جاء زيد فأنا ضامن لك ما عليه أو إذا قدم الحاج فأنا كفيل بفلان أو قال‏:‏ أنا كفيل بفلان شهرا فقال القاضي‏:‏ لا تصح الكفالة وهو مذهب الشافعي ومحمد بن الحسن لأن ذلك خطر فلم يجز تعليق الضمان والكفالة به‏,‏ كمجيء المطر وهبوب الريح ولأنه إثبات حق لآدمي معين فلم يجز تعليقه على شرط‏,‏ ولا توقيته كالهبة وقال الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب‏:‏ تصح‏,‏ وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف لأنه أضاف الضمان إلى سبب الوجود فيجب أن يصح كضمان الدرك والأول أقيس فإن قال‏:‏ كفلت بفلان إن جئت به في وقت كذا وإلا فأنا كفيل بفلان‏,‏ أو ضامن المال الذي على فلان لم يصح فيهما عند القاضي لأن الأول مؤقت والثاني معلق على شرط وقال أبو الخطاب‏:‏ يصح فيهما فأما إن قال‏:‏ كفلت بأحد هذين الرجلين لم يصح في قولهم جميعا لأنه غير معلوم في الحال ولا في المآل‏.‏

فصل‏:‏

فإن قال‏:‏ كفلت ببدن فلان على أن يبرأ فلان الكفيل أو على أن تبرئه من الكفالة لم يصح لأنه شرط شرطا لا يلزم الوفاء به‏,‏ فيكون فاسدا وتفسد الكفالة به ويحتمل أن تصح الكفالة لأنه شرط تحويل الوثيقة التي على الكفيل إليه فعلى هذا لا تلزمه الكفالة إلا أن يبرئ المكفول له الكفيل الأول لأنه إنما كفل بهذا الشرط فلا تثبت كفالته بدون شرطه وإن قال‏:‏ كفلت لك بهذا الغريم‏,‏ على أن تبرئني من الكفالة بفلان أو ضمنت لك هذا الدين بشرط أن تبرئني من ضمان الدين الآخر أو على أن تبرئني من الكفالة بفلان خرج فيه الوجهان‏,‏ والأولى أنه لا يصح لأنه شرط فسخ عقد في عقد فلم يصح كالبيع بشرط فسخ بيع آخر وكذلك لو شرط في الكفالة أو الضمان أن يتكفل المكفول له أو المكفول به بآخر‏,‏ أو يضمن دينا عليه أو يبيعه شيئا عينه أو يؤجره داره‏,‏ لم يصح لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏

ولو تكفل اثنان بواحد صح وأيهم قضى الدين برئ الآخران لما ذكرنا في الضمان وإن سلم المكفول به نفسه برئ كفيلاه لأنه أتى بما يلزم الكفيلين‏,‏ وهو إحضار نفسه فبرئت ذمتهما كما لو قضى الدين وإن أحضر أحد الكفيلين‏,‏ لم يبرأ الآخر لأن إحدى الوثيقتين انحلت من غير استيفاء فلم تنحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما‏,‏ أو انفك أحد الرهنين من قضاء الحق وفارق ما إذا سلم المكفول به نفسه لأنه أصل لهما فإذا برئ الأصل مما تكفل به عنه برئ فرعاه‏,‏ وكل واحد من الكفيلين ليس بفرع للآخر فلم يبرأ ببراءته ولذلك لو أبرأ المكفول به برئ كفيلاه ولو أبرئ أحد الكفيلين برئ وحده دون صاحبه‏.‏

فصل‏:‏

ولو تكفل واحد لاثنين‏,‏ فأبرأه أحدهما أو أحضره عند أحدهما لم يبرأ من الآخر لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين‏,‏ فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما فإذا أحضره عند واحد برئ منه‏,‏ وبقي حق الآخر كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لرجلين‏,‏ فوفى أحدهما حقه ‏"‏

فصل‏:‏

وإذا قال رجل لآخر‏:‏ اضمن عن فلان أو اكفل بفلان ففعل كان الضمان والكفالة لازمين للمباشر دون الآمر لأنه كفل باختيار نفسه‏,‏ وإنما الأمر إرشاد وحث على فعل خير فلم يلزمه به بشيء‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏فإن مات برئ المتكفل‏]‏ وجملته أنه إذا مات المكفول به‏,‏ سقطت الكفالة ولم يلزم الكفيل شيء وبهذا قال شريح والشعبي وحماد بن أبي سليمان وأبو حنيفة‏,‏ والشافعي وقال الحكم ومالك والليث‏:‏ يجب على الكفيل غرم ما عليه وحكى ذلك عن ابن شريح لأن الكفيل وثيقة بحق فإذا تعذرت من جهة من عليه الدين استوفى من الوثيقة كالرهن ولأنه تعذر إحضاره‏,‏ فلزم كفيله ما عليه كما لو غاب ولنا أن الحضور سقط عن المكفول به‏,‏ فبرئ الكفيل كما لو برئ من الدين ولأن ما التزمه من أجله سقط عن الأصل فبرئ الفرع‏,‏ كالضامن إذا قضى المضمون عنه الدين أو أبرئ منه وفارق ما إذا غاب‏,‏ فإن الحضور لم يسقط عنه ويفارق الرهن فإنه علق به المال فاستوفى منه‏.‏

فصل‏:‏

إذا قال الكفيل‏:‏ قد برئ المكفول به من الدين‏,‏ وسقطت الكفالة أو قال‏:‏ لم يكن عليه دين حين كفلته فأنكر المكفول له فالقول قوله لأن الأصل صحة الكفالة وبقاء الدين وعليه اليمين‏,‏ فإن نكل قضى عليه ويحتمل أن لا يستحلف فيما إذا ادعى الكفيل أنه تكفل بمن لا دين عليه لأن الكفيل مكذب لنفسه فيما ادعاه فإن من كفل بشخص معترف بدينه في الظاهر والأول أولى لأن ما ادعاه محتمل‏.‏

فصل‏:‏

وإذا قال المكفول له للكفيل‏:‏ أبرأتك من الكفالة برئ لأنه حقه‏,‏ فيسقط بإسقاطه كالدين وإن قال‏:‏ قد برئت إلى منه أو قد رددته إلى برئ أيضا لأنه معترف بوفاء الحق فهو كما لو اعترف بذلك في الضمان وكذلك إذا قال‏:‏ برئت من الدين الذي كفلت به يبرأ الكفيل في هذه المواضع دون المكفول به ولا يكون إقرارا بقبض الحق وهذا قول محمد بن الحسن وقيل‏:‏ يكون إقرارا بقبض الحق‏,‏ فيما إذا قال‏:‏ برئت من الدين الذي كفلت به والأول أصح لأنه يمكن براءته بدون قبض الحق بإبراء المستحق أو موت المكفول به فأما إن قال للمكفول به‏:‏ أبرأتك عما لي قبلك من الحق أو برئت من الدين الذي قبلك فإنه يبرأ من الحق‏,‏ وتزول الكفالة لأنه لفظ يقتضي العموم في كل ما قبله وإن قال‏:‏ برئت من الدين الذي كفل به فلان برئ وبرئ كفيله‏.‏

فصل‏:‏

فإذا قال‏:‏ أعط فلانا ألفا ففعل لم يرجع على الآمر‏,‏ ولم يكن له ذلك كفالة ولا ضمانا إلا أن يقول‏:‏ أعطه عني وقال أبو حنيفة‏:‏ يرجع عليه إذا كان خليطا له لأن العادة أن يستقرض من خليطه ولنا أنه لم يقل‏:‏ أعطه عني فلم يلزمه الضمان‏,‏ كما لو لم يكن خليطا ولا يلزم إذا كان له عليه مال فقال‏:‏ أعطه فلانا حيث يلزمه لأنه لا يلزمه لأجل هذا القول بل لأن عليه حقا يلزمه أداؤه‏.‏

فصل‏:‏

إذا كانت السفينة في البحر‏,‏ وفيها متاع فخيف غرقها فألقي بعض من فيها متاعه في البحر لتخف‏,‏ لم يرجع به على أحد سواء ألقاه محتسبا بالرجوع أو متبرعا لأنه أتلف مال نفسه باختياره من غير ضمان فإن قال له بعضهم‏:‏ ألق متاعك فألقاه فكذلك لأنه لا يكرهه على إلقائه ولا ضمن له وإن قال‏:‏ ألقه‏,‏ وعلى ضمانه فألقاه فعلى القائل ضمانه ذكره أبو بكر لأن ضمان ما لم يجب صحيح وإن قال‏:‏ ألقه وأنا وركبان السفينة ضمناء له ففعل فقال أبو بكر يضمنه القائل وحده‏,‏ إلا أن يتطوع بقيتهم قال القاضي‏:‏ إن كان ضمان اشتراك فليس عليه إلا ضمان حصته لأنه لم يضمن الجميع إنما يضمن حصته‏,‏ وأخبر عن سائر ركبان السفينة بضمان سائره فلزمته حصته ولم يقبل قوله في حق الباقين‏,‏ وإن كان ضمان اشتراك وانفراد بأن يقول‏:‏ كل واحد منا ضامن لك متاعك أو قيمته لزم القائل ضمان الجميع وسواء قال هذا والباقون يسمعون فسكتوا‏,‏ أو قالوا‏:‏ لا نفعل أو لم يسمعوا لأن سكوتهم لا يلزمهم به حق‏.‏

فصل‏:‏

قال مهنا‏:‏ سألت أحمد عن رجل له على رجل ألف درهم فأقام بها كفيلين‏,‏ كل واحد منهما كفيل ضامن فأيهما شاء أخذه بحقه فأحال رب المال عليه رجلا بحقه‏؟‏ فقال‏:‏ يبرأ الكفيلان قلت‏:‏ فإن مات الذي أحاله عليه بالحق ولم يترك شيئا‏؟‏ قال‏:‏ لا شيء له‏,‏ ويذهب الألف‏.‏