فصل: ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **


 ذكر صورة الأرض وموضع الأقاليم منها

ولما تقدّم في الأفلاك من القول ما يتبين به لمن ألهمه الله تعالى كيف تكون الحركة التي بها الليل والنهار وتركب الشهور والأعوام منهما جاز حينئذِ الكلام على الأرض‏.‏

فأقول‏:‏ الجهات من حيث هي ست‏:‏ الشرق وهو حيث تطلع الشمس‏.‏

والقمر وسائر الكواكب في كل قطر من الأفق والغرب وهو حيث تغرب والشمال وهو حيث مدار الجدي والفرقدين والجنوب وهو حيث مدار سهيل والفوق وهو مما يلي السماء والتحت وهو مما يلي مركز الأرض‏.‏

والأرض جسم مستدير كالكرة وقيل‏:‏ ليست بكرية الشكل وهي واقفة في الهواء بجميع جبالها وبحارها وعامرها وغامرها والهواء محيط بها من جميع جهاتها كالمُحّ في جوف البيضة وبعدها من السماء متساوٍ من جميع الجهات وأسفل الأرض ما تحقيقه هو عمق باطنها مما يلي مركزها من أيّ جانب كان‏.‏

ذهب الجمهور إلى أن الأرض كالكرة موضوعة في جوف الفلك كالمح في البيضة وأنها في الوسط وبعدها في الفلك من جميع الجهات على التساوي‏.‏

وزعم هشام بن الحكم‏:‏ أن تحت الأرض جسمًا من شأنه الارتفاع وهو المانع للأرض من الانحدار وهو ليس محتاجًا إلى ما بعده لأنه ليس يطلب الانحدار بل الارتفاع وقال‏:‏ إن اللّه تعالى وقفها بلا عماد‏.‏

وقال ديمقراطس‏:‏ أنها تقوم على الماء وقد حصر الماء تحتها حتى لا يجد مخرجًا فيضطرّ إلى الانتقال وقال آخر‏:‏ هي واقفة على الوسط على مقدار واحد من كلّ جانب والفلك يجذبها من كل وجه فلذلك لا تميل إلى ناحية من الفلك دون ناحية لأنّ قوة الأجزاء متكافئة وذلك كحجر المغناطيس في جنبه الحديد فإن الفلك بالطبع مغناطيس الأرض فهو يجذبها فهي واقفة في الوسط وسبب وقوفها في الوسط سرعة تدوير الفلك ودفعه إياها من كل جهة إلى الوسط‏.‏

كما إذا وضعت ترابًا في قارورة وأعرتها بقوّة فإنّ التراب يقوم في الوسط‏.‏

وقال محمد بن أحمد الخوارزمي‏:‏ الأرض في وسط السماء والوسط هو السفلى بالحقيقة وهي مدوّرة مضرسة من جهة الجبال البارزة والوهاد الغائرة وذلك لا يخرجها عن الكرية إذا اعتبرت جملتها لأنّ مقادير الجبال وإن شمخت يسيرة بالقياس إلى كرة الأرض فإن الكرة التي قطرها فراع أو فراعان مثلًا إذا أنتأ منها شيء أو غار فيها لا يخرجها عن الكرية ولا هذه التضاريس لإحاطة الماء بها من جميع جوانبها وغمرها بحيث لا يظهر منها شيء‏.‏

فحينئذٍ تبطل الحكمة المؤدّية المودعة في المعادن والنبات والحيوان فسبحان من لا يعلم أسرار حكمه إلا هو‏.‏

وأما سطحها الظاهر المماس للهواء من جميع الجهات فإنه فوق والهواء فوق الأرض يحيط بها ويجذبها من سائر الجهات وفوق الهواء الأفلاك المذكورة فيما تقدّم واحدًا فوق آخر إلى الفلك التاسع الذي هو أعلى الأفلاك ونهاية المخلوقات بأسرها وقد اختلف فيما وراء ذلك فقيل‏:‏ خلا‏.‏

وقيل‏:‏ ملاء وقيل‏:‏ لا خلاء ولا ملاء وكل موضع يقف فيه الإنسان من سطح الأرض فإنّ رأسه أبدًا يكون مما يلي السماء إلى فوق ورجلاه أبدًا تكون أسفل مما يلي مركز الأرض وهو دائمًا يرى من السماء‏:‏ نصفها ويستر عنه النصف الآخر حدبة الأرض وكلما انتقل من موضع إلى آخر ظهر له من السماء بقدر ما خفي عنه‏.‏

والأرض غامرة بالماء كعنبة طافية فوق الماء قد انحسر عنها نحو النصف وانغمر النصف الآخر في الأرض وصار المنكشف من الأرض نصفين كأنما قسم بخط مسامت لخط معدّل النهار يمرّ تحت دائرته وجميع البلاد التي على هذا الخط لا عرض لها ألبتة والقطبان غير مرتبين فيها ويكونان هناك على دائرة الأفق من الجانبين‏.‏

وكلما بعد موضع بلد عن هذا الخط إلى ناحية الشمال قدر درجة ارتفع القطب الشماليّ الذي هو‏:‏ الجدي على أهل ذلك البلد درجة وانخفض القطب الجنوبيّ الذي هو‏:‏ سهيل درجة وهكذا ما زاد ويكون الأمر فيما بعد من البلاد الواقعة في ناحية الجنوب كذلك من ارتفاع القطب الجنوبيّ وانحطاط القطب الشماليّ وبهذا عرف عرض البلدان وصار عرض البلد عبارة عن ميل دائرة معدّل النهار عن سمت رؤوس أهله وارتفاع القطب عليهم وهو أيضًا بُعد ما بين سمت رؤوس أهل ذلك البلد وسمت رؤوس أهل بلد لا عرض له فأمّا ما انكشف من الأرض مما يلي الجنوب من خط الاستواء فإنه خراب والنصف الآخر الذي يلي الشمال من خط الاستواء فهو الربع العامر وهو المسكون من الأرض وخط الاستواء لا وجود له في الخارج وإنما هو فرض بوهمنا أنه خط ابتداؤه من المشرق إلى المغرب تحت مدار رأس الحمل وسُمي بذلك من أجل أنَّ النهار والليل هناك أبدًا سواء لا يزيد ولا ينقص أحدهما عن الآخر شيئًا ألبتة في سائر أوقات السنة كلها ونقطتا هذا الخط ملازمتان للأفق إحداهما على مدار سهيل في ناحية الجنوب والأخرى مما يلي الجدي في ناحية الشمال‏.‏

والعمارة من المشرق إلى المغرب مائة وثمانون درجة من الجنوب إلى الشمال من خط أريس إلى بنات نعش‏:‏ ثمان وأربعون درجة وهو مقدار ميل الشمس مرّتين وخلف خط أريس وهو مقدار‏:‏ ستة عشر درجة وجملة معمور الأرض نحو من‏:‏ سبعين درجه لاعتدال مسير الشمس في هذا الوسط ومرورها على ما وراء الحمل والميزان مرّتين في السنة وأما الشمال والجنوب فالشمس لا تحاذيهما إلاّ مرّة واحدة ولأنّ أوج الشمس مرّتين في جهة الشمال كانت العمارة فيه لارتفاعها وانتفاء ضرر قربها عن ساكنيه ولأن حضيضها في الجنوب عدمت العمارة هنالك‏.‏

وقد اختلف الناس في مسافة الأرض فقيل‏:‏ مسافتها خمسمائة عام ثلث عمران وثلث خراب وثلث بحار وقيل‏:‏ المعمور من الأرض مائة وعشرون سنة‏:‏ تسعون ليأجوج ومأجوج واثنا عشر‏:‏ للسودان وثمانية للروم وثلاثة للعرب وسبعة لسائر الأمم‏.‏

وقيل‏:‏ الدنيا سبعة أجزاء‏:‏ ستة ليأجوج ومأجوج وواحد لسائر الناس وقيل‏:‏ الأرض خمسمائة عام‏:‏ البحار ثلثمائة ومائة خراب ومائة عمران وقيل‏:‏ الأرض أربعة وعشرون ألف فرسخ‏:‏ للسودان اثنا عشر ألف وللروم ثمانية آلاف ولفارس ثلاثة آلاف وللعرب ألف‏.‏

وعن وهب بن منبه‏:‏ ما العمارة من الدنيا في الخراب إلا كفسطاط في الصحراء‏.‏

وقال أزدشير بن بابك‏:‏ الأرض أربعة أجزاء‏:‏ جزء منها للترك وجزء للعرب وجزء للفرس وجزء للسودان وقيل‏:‏ الأقاليم سبعة‏:‏ والأطراف أربعة والنواحي خمسة وأربعون والمدائن عشرة آلاف والرساتيق مائتا ألف وستة وخمسون ألفًا وقيل‏:‏ المدن والحصون أحد وعشرون ألفًا وستمائة مدينة وحصن ففي الإقليم الأوّل ثلاثة آلاف ومائة مدينة كبيرة وفي الثاني ألفان وسبعمائة وثلاثة عشر مدينة وقرية كبيرة وفي الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون مدينة وقرية وفي الرابع وهو بابل ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون مدينة وفي الخامس ثلاثة آلاف مدينة وست مدائن وفي السادس ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان مدن وفي السابع ثلاثة آلاف وثلاثمائة مدينة في الجزائر‏.‏

وقال الخوارزميّ‏:‏ قطر الأرض سبعة آلاف فرسخ وهو نصف سدس الأرض والجبال والمفاوز والبحار والباقي خراب يباب لا نبات فيه ولا حيوان وقيل‏:‏ المعمور من الأرض مثل‏:‏ طائر رأسه الصين والجناح الأيمن الهند والسند والجناح الأيسر الخزر وصدره مكة والعراق والشام ومصر وذنبه الغرب وقيل‏:‏ قطر الأرض سبعة آلاف وأربعمائة وأربعة عشر ميلًا ودورها عشرون ألف ميل وأربعمائة ميل وذلك جميع ما أحاطت به من برّ وبحر‏.‏

وقال أبو زيد أحمد بن سهل البلخيّ‏:‏ طول الأرض من أقصى المشرف إلى أقصى المغرب نحو أربعمائة مرحلة وعرضها من حيث العمران الذي من جهة الشمال وهو مساكن يأجوج ومأجوج إلى حيث العمران الذي من جهة الجنوب وهو مساكن السودان مائتان وعشرون مرحلة وما بين براري يأجوج ومأجوج إلى البحر المحيط في الشمال وما بين براري السودان والبحر المحيط في الجنوب خراب ليس فيه عمارة ويقال‏:‏ إن مسافة ذلك‏:‏ خمسة آلاف فرسخ وهذه والطريق في معرفة مساحة الأرض أنَّا لو سرنا على خط نصف النهار من الجنوب إلى الشمال بقدر ميل دائرة معدّل النهار عن سمت رؤوسنا إلى الجنوب درجة من درج الفلك التي هي جزء من ثلاثمائة وستين جزءًا وارتفع القطب علينا درجة نظير تلك الدرجة فإنا نعلم أنا قد قطعنا من محيط جرم الأرض جزءًا من ثلاثمائة وستين جزءًا وهو نظير ذلك الجزء من الفلك فلو قسنا من ابتداء مسيرنا إلى انتهاء مكاننا الذي وصلنا إليه حيث ارتفع القطب علينا لحرجة فإنا نجد حقيقة الحرجة الواحدة من الفلك قد قطعت من الأرض ستة وخمسين ميلًا وثلثي ميل عنها خمسة وعشرون فرسخًا فإذا ضربنا حصة الدرجة الواحدة وهو ما ذكر من الأميال في ثلاثمائة وستين خرج من الضرب عشرون ألفًا وأربعمائة ميل وذلك مساحة دور الأرض فإذا قسمنا هذه الأميال التي هي مساحة دور الأرض على ثلاثة وسبع خرج من القسمة ستة آلاف وأربعمائة وأربعون ميلًا وهي مساحة قطر الأرض فلو ضربنا هذا القطر في مبلغ دور الأرض لبلغت مساحة بسط الأرض بالتكسير مائة ألف ألف واثنين وثلاثين ألف ألف وستمائة ألف ميل بالتقريب‏.‏

فعلى هذا مساحة ربع الأرض المسكون بالتكسير ثلاثة وثلاثون ألف ألف ميل ومائة وخمسون ألف ميل وعرض المسكون من هذا الربع بقدر بُعد مدار السرطان عن القطب وهو خمسة وخمسون جزءًا وسدس جزء وهذا هو سدس الأرض وانتهاؤه إلى جزيرة تولي في برطانية وهي آخر المعمور من الشمال وهو من الأميال ثلاثة آلاف وسبعمائة وأربعة وستون ميلًا فإذا ضربنا هذا السدس الذي هو مساحة عرض الأرض في النصف وهو مقدار الطول كان المعمور من الشمال قدر نصف سدس الأرض‏.‏

وأما الطول فإنه يقل لتضايق أقسام كرة الأرض ومقداره مثل خمس الدور وهو بالتقريب أربعة آلاف وثمانون ميلًا وفي الربع المسكون من الأرض‏:‏ سبعة أبحر كبار وفي كل بحرِ منها عدة جزائر وفيه خمسة عشر بحيرة منها ملح وعذب وفيه مائتا جبل طوال ومائتا نهر وأربعون نهرًا طوالًا ويشتمل على سبعة أقاليم تحتوي على سبعة عشر ألف مدينة كبيرة‏.‏

وقال في كتاب هروشيوس‏:‏ لما استقامت طاعة بوليس الملقب قيصر الملك في عامّة الدنيا تخير أربعة من الفلاسفة سماهم فأمرهم أن يأخذوا له وصف خدود الدنيا وعدّة بحارها وكورها أرباعًا فولّى أحدهم أخذ وصف جزء المشرق وولى آخر أخذ وصف جزء المغرب وولى الثالث أخذ وصف جزء الشمال‏.‏

وولى الرابع أخذ وصف جزء الجنوب فتمت كتابة الجميع على أيديهم في نحو من ثلاثين سنة فكانت جملة البحار المسماة في الدنيا تسعة وعشرين بحرًا قد سَمُّوها‏:‏ منها بجزء الشرق ثمانية وبجزء الغرب ثمانية وبجزء الشمال أحد عشر وبجزء الجنوب اثنان وعدّة الجزائر المعروفة الأمهات‏:‏ إحدى وسبعون جزيرة منها‏:‏ في الشرق ثمان وفي الغرب ست عشرة وفي جهة الشمال إحدى وثلاثون وفي جهة الجنوب ست عشرة‏.‏

وعدة الجبال الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وثلاثون وهي أمّهات الجبال وقد سموها فيما فسروه منها‏:‏ في جهة الشرق سبعة وفي جهة المغرب خمسة عشر وفي الشمال اثنا عشر وفي الجنوب اثنان والبلدان الكبار ثلاثة وستون منها‏:‏ فيم المشرق سبعة وفي المغرب خمسة وعشرون وفي الشمال تسعة عشر وفي الجنوب اثنا عشر‏.‏

وقد سموها والكور الكبار المعروفة تسع ومائتان منها‏:‏ في المشرق خمس وسبعون وفي المغرب ست وستون وفي الشمال ست وفي الجنوب اثنان وستون‏.‏

والأنهار الكبار المعروفة في جميع الدنيا ستة وخمسون منها‏:‏ لجزء الشرق سبعة عشر ولجزء الغرب ثلاثة عشر ولجزء الشمال تسعة عشر ولجزء الجنوب سبعة‏.‏

والأقاليم السبعة كل إقليم منها كأنه بساط مفروش قد مدّ طوله من الشرق إلى الغرب وعرضه من الشمال إلى الجنوب وهذه الأقاليم مختلفة الطول والعرض‏.‏

فالإقليم الأوّل منها يمرّ وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ثلاثة عشر ساعة والسابع منها يمرّ وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ست عشر ساعة لأن ما حاذى حدّ الإقليم الأوّل إلى نحو الجنوب يشتمل عليه البحر ولا عمارة فيه وما حاذى الإقليم السابع إلى الشمال لا يعلم فيه عمارة فجعل طول الأقاليم السبعة من الشرق إلى الغرب مسافة اثنتي عشرة ساعة من دور الفلك وصارت عروضها تتفاضل نصف ساعة من ساعات النهار الأطول فأطولها وأعرضها الإقليم الأوّل وطوله من المشرق إلى المغرب نحو ثلاثة آلاف فرسخ وعرضه من الشمال إلى الجنوب مائة وخمسون فرسخًا‏.‏

وأقصرها طولًا وعرضًا الإقليم السابع وطوله من الشرق إلى الغرب ألف وخمسمائة فرسخ وعرضه من الشمال إلى الجنوب نحو من سبعين فرسخًا وبقية الأقاليم الخمسة فيما بين ذلك وهذه الأقاليم خطوط متوهمة لا وجود لها في الخارج وضعها القدماء الذين جالوا في الأرض ليقفوا على حقيقة حدودها ويتيقنوا مواضع البلدان منها ويعرفوا طرق مسالكها هذا حال الربع المسكون وأما الثلاثة الأرباع الباقية فإنها خراب فجهة الشمال واقعة تحت مدار الجدي قد أفرط هناك البرد وصارت ستة أشهر ليلًا مستمرًّا وهي مدة الشتاء عندهم لا يعرف فيها نهار ويظلم الهواء ظلمة شديدة وتجمد المياه لقوّة البرد فلا يكون هناك نبات ولا حيوان ويقابل هذه الجهة الشمالية ناحية الجنوب حيث مدار سهيل فيكون النهار ستة أشهر بغير ليل وهي مدّة الصيف عندهم فيحمي الهواء ويصير سمومًا محرقًا يهلك بشدّة حرّه الحيوان والنبات فلا يمكن سلوكه ولا السكنى فيه وأما ناحية الغرب فيمنع البحر المحيط من السلوك فيه لتلاطم أمواجه وشدة ظلماته وناحية الشرق تمنع من سلوكها الجبال الشامخة وصار الناس أجمعهم قد انحصروا في الربع المسكون من الأرض ولا علم لأحد منهم بالأرض أي بالثلاثة الأرباع الباقية والأرض كلها بجميع ما عليها من الجبال والبحار نسبتها إلى الفلك كنقطة في دائرة وقد اعتبرت حدود الأقاليم السبعة بساعات النهار وذلك أن الشمس إذا حلت برأس الحمل تساوى طول النهار والليل في سائر الأقاليم كلها فإذا انتقلت في درجات برج الحمل والثور والجوزاء اختلفت ساعات نهار كل إقليم فإذا بلغت آخر الجوزاء وأوّل برج السرطان بلغ طول النهار في وسط الإقليم الأوّل ثلاث عشرة ساعة سواء وصارت في وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة وصارت في وسط الإقليم الثاني ثلاث عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الإقليم الثالث أربع عشرة ساعة وفي وسط الإقليم الرابع أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الإقليم الخامس خمس عشرة ساعة وفي وسط الإقليم السادس خمس عشرة ساعة ونصف ساعة وفي وسط الإقليم السابع ست عشرة ساعة سواء وما زاد على ذلك إلى عرض تسعين درجة يصير نهار كلّه‏.‏

ومعنى طول البلد‏:‏ هو بعدها من أقصى العمارة في الغرب وعرضها هو بعدها عن خط الاستواء وخط الاستواء كما تقدّم هو الموضع الذي يكون فيه الليل والنهار طول الزمان سواء فكل بلد على هذا الخط لا عرض له وكل بلد في أقصى الغرب لا طول له ومن أقصى الغرب إلى أقصى الشرق مائة وثمانون درجة وكل بلد يكون طوله تسعين درجة فإنه في وسط ما بين الشرق والغرب وكل بلد كان طوله أقل من تسعين درجة فإنه أقرب إلى الغرب وأبعد من الشرق وما كان طوله من البلاد أكثر من تسعين درجة فإنه أبعد عن الغرب وأقرب إلى الشرق‏.‏

وقد ذكر القدماء أن العالم السفليّ مقسوم سبعة أقسام كل فسم يقال له‏:‏ إقليم فإقليم الهند لزحل وإقليم بابل للمشتري وإقليم الترك للمرّيخ وإقليم الروم للشمس وإقليم مصر لعطارد وإقليم الصين للقمر‏.‏

وقال قوم‏:‏ الحمل والمشتري لبابل والجدي وعطارد للهند والأسد والمريخ للترك والميزان والشمس للروم ثم صارت القسمة على اثني عشر برجًا فالحمل ومثلاه للمشرق والثور ومثلاه للجنوب والجوزاء ومثلاها للمغرب والسرطان ومثلاه للشمال قالوا وفي كل إقليم مدينتان عظيمتان بحسب بَيْتَيْ كل كوكب إلا إقليم الشمس وإقليم القمر فإنه ليس في كل إقليم منهما سوى مدينة واحدة عظيمة‏.‏

وجميع مدائن الأقاليم السبعة وحصونها أحد وعشرون ألف وقال هرمس‏:‏ إذا جعلت هذه الدقائق روابع كانت أناس هذه الأقاليم وإذا مات أحد ولد نظيره ويقال‏:‏ إن عدد مدن الإقليم الأول من مطلع الشمس وقراها ثلاثة آلاف ومائة مدينة وقرية كبيرة وأن في الثاني ألفان وسبعمائة وثلاث عشرة مدينة وقرية كبيرة وفي الثالث ثلاثة آلاف وتسع وسبعون وفي الرابع وهو بابل ألفان وتسعمائة وأربع وسبعون وفي الخامس ثلاثة آلاف وست مدن وفي السادس ثلاثة آلاف وأربعمائة وثمان مدن وفي السابع ثلاثة آلاف وثلاثمائة مدينة وقرية كبيرة في الجزائر‏.‏

فالإقليم الأوّل يمرّ وسطه بالمواضع التي طول نهارها الأطول ثلاث عشرة ساعة ويرتفع القطب الشماليّ فيها عن الأفق ست عشرة درجة وثلثا درجة وهو العرض وانتهاء عرض هذا الإقليم من حيث يكون طول النهار الأطول فيه ثلاث عشرة ساعة وربع ساعة وارتفاع القطب الشماليّ وهو العرض عشرون درجة ونصف درجة وهو مسافة أربعمائة وأربعين ميلًا وابتداؤه من أقصى بلاد الصين فيمرّ فيها إلى ما يلي الجنوب ويمرّ بسواحل الهند ثم ببلاد السند ويمرّ في البحر على جزيرة العرب وأرض اليمن ويقع بحر القلزم فيمر ببلاد الحبشة ويقطع نيل مصر إلى بلاد الحبشة ومدينة دنقلة من أرض النوبة ويمرّ في أرض المغرب على جنوب بلاد البربر إلى نحو البحر المحيط وفي هذا الإقليم عشرون جبلًا فيها ما طوله من عشرين فرسخًا إلى ألف فرسخ وفيه ثلاثون نهرًا طويلًا منها ما طوله ألف فرسخ إلى عشرين فرسخًا وفيه خمسون مدينة كبيرة وعامّة أهل هذا الإقليم سود الألوان ولهذا الإقليم من البروج الحمل والقوس وله من الكواكب السيارة المشتري وهو مع فرط حرارته كثير المياه كثير المروج وزرع أهله الذرة والأرز إلا أنَّ الاعتدال عندهم معدوم فلا يثمر عندهم كرم ولا حنطة والبقر عندهم كثير لكثرة المروج وفي مشرقه البحر الخارج وراء خط الاستواء بثلاث عشرة درجة وفي مغربه النيل وبحر الغرب ومن هذا الإقليم يأتي نيل مصر وشرقهم معمور بالبحر الشرقيّ الذي هو بحر الهند واليمن‏.‏

والإقليم الثاني‏:‏ حيث يكون طول النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف ويرتفع القطب الشماليّ فيه قمر أربعة وعشرين جزءًا وعشر جزء وعرضه من حدّ الإقليم الأوّل إلى حيث يكون النهار الأطول ثلاث عشرة ساعة ونصف وربع ساعة وارتفاع القطب الشماليّ وهو العرض سبعة وعشرون درجة ونصف درجة ومساحة هذا الإقليم أربعمائة ميل ويبتدئ من بلاد الشرق مارًا ببلاد الصين إلى بلاد الهند والسند ثم بملتقى البحر الأخضر وبحر البصرة ويقطع جزيرة العرب في أرض نجد وتهامة فيدخل في هذا الإقليم اليمامة والبحران وهجر ومكة والمدينة والطائف وأرض الحجاز ويقطع بحر القلزم فيمرّ بصعيد مصر الأعلى ويقطع النيل فيصير فيه مدينة قوص واخميم وأسنى وأنصنا وأسوان ويمرّ في أرض المغرب على وسط بلاد إفريقية فيمرّ على بلاد البربر إلى البحر في المغرب وفي هذا الإقليم سبعة عشر جبلًا وسبعة عشر نهرًا طوالًا وأربعمائة وخمسون مدينة كبيرة وألوان أهل هذا الإقليم ما بين السمرة والسواد وله من البروج الجدي ومن السيارة زحل ويسكن هذا الإقليم الرحالة ففي المغرب منهم حُدًا له وصنهاجة ولمتونة ومسوفة ويتصل بهم رحالة مصر من ألواح وفي هذا الإقليم يكون يحل وفيه مكة والمدينة ومنه السماوة من أهل العراق إلى رحالة الترك‏.‏

والإقليم الثالث‏:‏ وسطه حيث يكون طول النهار الأطول أربع عشرة ساعة وارتفاع القطب وهو العرض ثلاثون درجة ونصف وخمس درجة وعرض هذا الإقليم من حد الإقليم الثاني إلى حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة وربع ساعة وارتفاع القطب وهو العرض ثلاث وثلاثون درجة ومسافته ثلاثمائة وخمسون ميلًا ويبتدئ من الشرق فيمر بشمال الصين وبلاد الهند وفيه مدينة الهندهار ثم بشمال السند وبلاد كابل وكرمان وسجستان إلى سواحل بحر البصرة وفيه اصطخر وسابور وشيراز وسيراف ويمرّ بالأهواز والعراق والبصرة وواسط وبغداد والكوفة والأنبار وهيت ويمرّ ببلاد الشام إلى سلمية وصور وعكا ودمشق وطبرية وقيسارية وبيت المقدس وعسقلان وغزة ومدين والقلزم ويقطع أسفل أرض مصر من شمال انصنا إلى فسطاط مصر وسواحل البحر وفيه الفيوم والإسكندرية والعرما وتنيس ودمياط ويمر ببلاد برقة إلى إفريقية فيدخل فيه القيروان وينتهي في البحر إلى الغرب وبهذا الإقليم ثلاث وثلاثون جبلًا كبارًا واثنان وعشرون نهرًا طوالًا ومائة وثمانية وعشرون مدينة وأهله سمر الألوان ومن له من البروج العقرب ومن السيارة الزهرة وفي هذا الإقليم العمائر المتواصلة من أوله إلى آخره‏.‏

والإقليم الرابع‏:‏ وسطه حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف ساعة وارتفاع القطب الشمالي وهو العرض ست وثلاثون درجة وخمس درجة وحد هذا الإقليم من حد الإقليم الثالثَ إلى حيث يكون النهار الأطول أربع عشرة ساعة ونصف وربع ساعة والعرض تسعًا وعشرين درجة وثلث درجة ومسافة هذا الإقليم‏:‏ ثلاثمائة ميل ويبتدئ من الشرق فيمر ببلاد التبت وخراسان وخجندة وفرغانة وسمرقند وبخارى وهراة ومرو الروذ وسرخس وطوس ونيسابور وجرجان وقومس وطبرستان وقزوين والديلم والريّ وأصفهان وهمذان ونهاوند ودينور والموصل ونصيبين وآمد ورأس العين وشميساط والرقة ويمرّ ببلاد الشام فيدخل فيه بالس ومسح وملطية وحلب وأنطاكية وطرابلس والمصيصة وحماه وصيدا وطرسرس وعمورية واللاذقية ويقطع بحر الشام على جزيرة قبرس ورودس ويمرّ ببلاد طنجة فينتهي إلى بحر المغرب وفي هذا الإقليم‏:‏ خمسة وعشرون جبلًا كبارًا وخمسة وعشرون نهرًا طوالًا ومائتا مدينة واثنتا عشرة مدينة وألوان أهله ما بين السمرة والبياض وله من البروج الجوزاء ومن السيارة عطارد وفيه البحر الرومي من مغربه إلى القسطنطينية ومن هذا الإقليم ظهرت الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين ومنه انتشر الحكماء والعلماء فإنه وسط الأقاليم ثلاثة جنوبية وثلاثة شمالية وهو في قسم الشمس وبعده في الفضيلة الإقليم الثالث والخاص فإنهما على جنبيه وبقية الأقاليم منحطة أهلوها ناقصون ومنحطون عن الفضيلة لسماجة صورهم وتوحش أخلاقهم كالزنج والحبشة وأكثر أمم الإقليم الأوّل والثاني والسادس والسابع يأجوج ومأجوج والتغرغر والصقالبة ونحوهم‏.‏

والإقليم الخامس‏:‏ وسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة وارتفاع القطب الشمالي وهو العرض إحدى وأربعون درجة وثلث درجة وابتداؤه من نهاية عرض الإقليم الرابع إلى حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة ونصف ساعة والعرض ثلاثًا وأربعين درجة ومسافته خمسون ومائتا ميل ويبتدئ من المشرق إلى بلاد يأجوج ومأجوج ويمرّ بشمال خراسان وفيه خوارزم واسبيجاب وأذربيجان وبردعة وسجستان وأردن وخلاط ويمرّ على بلاد الروم إلى رومية الكبرى والأندلس حتى ينتهي إلى البحر الذي في المغرب وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال‏:‏ ثلاثون جبلًا ومن الأنهار الكبار خمسة عشر نهرًا ومن المدائن الكبار مائتا مدينة وأكثر أهله بيض الألوان وله من البروج الدلو ومن السيارة القمر‏.‏

والإقليم السادس‏:‏ وسطه حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة ونصف ساعة وارتفاع القطب الشماليّ وهو العرض خمسًا وأربعين درجة وخمسي درجة وابتداؤه من حدّ نهاية عرض الإقليم الخامس إلى حيث يكون النهار الأطول خمس عشرة ساعة ونصف وربع ساعة والعرض سبعًا وأربعين درجة وربع درجة‏.‏

ومسافة هذا الإقليم مائتا ميل وعشرة أميال ويبتدي من المشرق فيمرّ بمساكن الترك من أبحر خير والتغرغر إلى بلاد الخزر من شمال نجومهم على اللان والشرير وأرض برحان والقسطنطينية وشمال الأندلس إلى البحر المحيط الغربي وفي هذا الإقليم من الجبال الطوال‏:‏ اثنان وعشرون جبلًا ومن الأنهار الطوال‏:‏ اثنان وثلاثون نهرًا ومن المدن الكبار تسعون مدينة وأكثر أهل هذا الإقليم ألوانهم ما بين الشقرة والبياض وله من البروج السرطان ومن السيارة المرّيخ‏.‏

والإقليم السابع‏:‏ وسطه حيث يكون النهار الأطول ست عشرة ساعة سواء وارتفاع القطب الشمالي وهو العرض ثمانيًا وأربعين درجة وثلثي درجة وابتداء هذا الإقليم من حدّ نهاية الإقليم السادس إلى حيث يكون النهار الأطول ست عشرة ساعة وربع ساعة والعرض خمسين درجة ونصف درجة ومسافته مائتا وخمسة وثمانون ميلًا فتبين أن ما بين أوّل حدّ الإقليم الأوّل وآخر حدّ الإقليم السابع ثلاث ساعات ونصف وأن ارتفاع القطب الشماليّ ثمانية وثلاثون درجة تكون من الأميال ألفين ومائة وأربعين ميلًا ويبتدي الإقليم السابع من المشرق على بلاد يأجوج ومأجوج ويمرّ ببلاد الترك على سواحل بحر جرجان مما يلي الشمال ويقطع بحر الروم على بلاد جرجان والصقالبة إلى أن ينتهي إلى البحر المحيط في المغرب وبهذا الإقليم عشرة جبال طوال وأربعون نهرًا طوالًا واثنتان وعشرون مدينة كبيرة وأهله شقر الألوان وله من البروج الميزان ومن السيارة الشمس وفي كل إقليم من هذه الأقاليم السبعة أمم مختلفة الألسن والألوان وغير ذلك من الطبائع والأخلاق والآراء والديانات والمذاهب والعقائد والأعمال والصنائع والعادات والعبادات لا يشبه بعضهم بعضًا وكذلك الحيوانات والمعادن والنبات مختلفة في الشكل والطعم واللون والريح بحسب اختلاف أهوية البلدان وتربة البقاع وعذوبة المياه و ملوحتها على ما اقتضته طوالع كل بلد من البروج على أفقِهِ وممرّ الكواكب على مسامته البقاع من الأرض ومطارح شعاعاتها على المواضع كما هو مقرّر في مواضعِه من كتب الحكمة ليتدبر أولوا النهي ويعتبر ذوو الحجى بتدبير اللّه في خلقه وتقديره لما يشاء وفعله لما يريد لا إله إلاّ هو ومع ذلك فإن الربع المسكون من الأرض على تفاوت أقطاره مقسوم بين سبع أمم كبار‏:‏ وهم الصين والهند والسودان والبربر والروم والترك والفرس فجنوب مشرق الأرض في يد الصين وشماله في يد الترك ووسط جنوب الأرض في يد الهند وفي وسط شمال الأرض الروم وفي جنوب مغرب الأرض السودان وفي شمال مغرب الأرض البربر وكانت الفرس في وسط هذه الممالك قد أحاطت بهم الأمم الست‏.‏