فصل: 1147 - مسألة‏:‏ إِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


1135 - مسألة‏:‏

وَالْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا، وَعَلَى أَنْ يُطِيعَ، أَوْ عَلَى أَنْ يَعْصِيَ، أَوْ عَلَى مَا لاَ طَاعَةَ فِيهِ، وَلاَ مَعْصِيَةَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إنْ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ الْحِنْثَ، أَوْ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ بِقَلْبِهِ فَلاَ كَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ‏}‏ فَالْكَفَّارَةُ وَاجِبَةٌ فِي كُلِّ حِنْثٍ قَصَدَهُ الْمَرْءُ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ‏:‏ فَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ لَغْوَ الْيَمِينِ هُوَ الْيَمِينُ فِي الْغَضَبِ، وَلاَ كَفَّارَةَ فِيهَا‏.‏

قال أبو محمد‏:‏

وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ بِخِلاَفِهِ‏:‏

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو هُوَ الرَّقِّيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ عَاصِمٍ عَنْ زَهْدَمٍ الْجَرْمِيِّ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللَّهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا‏.‏ فَصَحَّ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْيَمِينِ فِي الْغَضَبِ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ‏}‏ وَالْحَالِفُ فِي الْغَضَبِ مُعَقِّدٌ لِيَمِينِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

وَأَمَّا الْيَمِينُ فِي الْمَعْصِيَةِ‏:‏ فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ‏:‏ أَنَّ رَجُلاً أَضَافَهُ رَجُلٌ فَحَلَفَ أَنْ يَأْكُلَ، فَحَلَفَ الضَّيْفُ أَنْ لاَ يَأْكُلَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ‏:‏ كُلْ وَإِنِّي لاَ أَظُنُّ أَنَّ أَحَبَّ إلَيْك أَنْ تُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِك فَلَمْ يَرَ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ إِلاَّ اسْتِحْبَابًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ دَاوُد بْنِ هِنْدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَابِسٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَلَفَ أَنْ يَجْلِدَ غُلاَمَهُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، ثُمَّ لَمْ يَجْلِدْهُ، قَالَ‏:‏

فَقُلْنَا لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَرَ مَا صَنَعْت تَرَكْته، فَذَاكَ بِذَاكَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ قَالَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى مِلْكِ يَمِينِهِ‏:‏ أَنْ يَضْرِبَهُ، فَإِنَّ كَفَّارَةَ يَمِينِهِ أَنْ لاَ يَضْرِبَهُ، وَهِيَ مَعَ الْكَفَّارَةِ حَسَنَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ الْمُغِيرَةِ عَنْ إبْرَاهِيمَ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ يَضْرِبَ مَمْلُوكَهُ قَالَ إبْرَاهِيمُ‏:‏ لاََنْ يَحْنَثَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ يَضْرِبَهُ، قَالَ الْمُعْتَمِرُ‏:‏ وَحَلَفْت أَنْ أَضْرِبَ مَمْلُوكَةً لِي، فَنَهَانِي أَبِي وَلَمْ يَأْمُرْنِي بِكَفَّارَةٍ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، حَدَّثَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْجُمَحِيُّ قَالَ‏:‏ سُئِلَ طَاوُوس عَمَّنْ حَلَفَ‏:‏ أَنْ لاَ يَعْتِقَ غُلاَمًا لَهُ فَأَعْتَقَهُ فَقَالَ طَاوُوسٌ‏:‏ تُرِيدُ مِنْ الْكَفَّارَةِ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ هُشَيْمٍ عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لَغْوِ الْيَمِينِ قَالَ‏:‏ هُوَ الرَّجُلُ يَحْلِفُ عَلَى الْحَرَامِ فَلاَ يُؤَاخِذُهُ اللَّهُ بِتَرْكِهِ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ‏:‏ اللَّغْوُ فِي الْيَمِينِ كُلُّ يَمِينٍ فِي مَعْصِيَةٍ فَلَيْسَتْ لَهَا كَفَّارَةٌ، مَنْ يُكَفِّرُ لِلشَّيْطَانِ وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجَبِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهِ‏:‏ لاَ يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ فِيهِ نَزَلَتْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الرَّجُلِ يَحْلِفُ أَنْ لاَ يَصِلَ أَبَاهُ وَأُمَّهُ، قَالَ‏:‏ كَفَّارَتُهُ تَرْكُهُ، فَسَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ فَقَالَ‏:‏ لَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا لِيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ‏.‏

وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَارِثِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى قَطِيعَةِ رَحِمٍ فَلاَ يَمِينَ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا الْمُنْذِرُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الأَخْنَسِ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لاَ نَذْرَ، وَلاَ يَمِينَ فِيمَا لاَ يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ، وَلاَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلاَ فِي قَطِيعَةِ رَحِمٍ، وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَدَعْهَا وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ، فَإِنَّ تَرْكَهَا كَفَّارَتُهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ قَالَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ فَهُوَ كَفَّارَتُهَا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ لاَ يَمِينَ عَلَيْكَ، وَلاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، وَلاَ فِي قَطِيعَةِ الرَّحِمِ، وَفِيمَا لاَ تَمْلِكُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُسْتَمِرِّ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ بْنِ شُعَيْبِ بْنِ دِرْهَمٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى مَمْلُوكِهِ لَيَضْرِبَنَّهُ فَإِنَّ كَفَّارَتَهُ أَنْ يَدَعَهُ، وَلَهُ مَعَ كَفَّارَتِهِ خَيْرٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَزْمُ بْنُ أَبِي حَزْمٍ الْقَطَعِيُّ سَمِعْت الْحَسَنَ يَقُولُ‏:‏ بَلَغَنَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ لاَ نَذْرَ لأَبْنِ آدَمَ فِي مَالِ غَيْرِهِ، وَلاَ يَمِينَ فِي مَعْصِيَةٍ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ كُلُّ هَذَا لاَ يَصِحُّ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ صَحِيفَةٌ، وَلَكِنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، وَالْحَنَفِيِّينَ فِي أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَتِهِ إذَا وَافَقَتْهُمْ وَيُصَحِّحُونَهَا حِينَئِذٍ، فَإِذَا خَالَفَتْهُمْ كَانَتْ حِينَئِذٍ صَحِيفَةً ضَعِيفَةً‏.‏ مَا نَدْرِي كَيْفَ يَنْطِقُ بِهَذَا مَنْ يُوقِنُ أَنَّهُ‏:‏ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ أَمْ كَيْفَ تَدِينُ بِهِ نَفْسٌ تَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى‏}

وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَمُنْقَطِعٌ، لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ شَيْئًا إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ الْمُزَنِيّ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَطْ، وَهَؤُلاَءِ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْمُنْقَطِعَ، وَالْمُتَّصِلَ سَوَاءٌ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْ هَذَا الأَثَرِ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ فَعَنْ يَحْيَى بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ سَاقِطٌ مَتْرُوكٌ ذَكَرَ ذَلِكَ مُسْلِمٌ، وَغَيْرُهُ‏.‏

وَأَمَّا حَدِيثُ مُسْلِمِ بْنِ عَقْرَبٍ فَفِيهِ شُعَيْبُ بْنُ حَيَّانَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي مُعَاذٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ‏.‏ وَحَدِيثُ الْحَسَنِ مُرْسَلٌ فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏ وَوَجَدْنَا نَصَّ الْقُرْآنِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ فِي ذَلِكَ بِعُمُومِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْهُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ إنَّ هَذَا فِيمَا كَانَ فِي كِلَيْهِمَا خَيْرٌ إِلاَّ أَنَّ الآخَرَ أَكْثَرُ خَيْرًا

قلنا‏:‏ هَذِهِ دَعْوَى، بَلْ كُلُّ شَرٍّ فِي الْعَالَمِ، وَكُلُّ مَعْصِيَةٍ، فَالْبِرُّ وَالتَّقْوَى خَيْرٌ مِنْهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏آللَّهُ خَيْرٌ أَمْا يُشْرِكُونَ‏}‏‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَيْرٌ مِنْ الأَوْثَانِ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ الْخَيْرِ فِي الأَوْثَانِ‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً‏}‏، وَلاَ خَيْرَ فِي جَهَنَّمَ أَصْلاً‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثنا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ وَاَللَّهِ لاََنْ يَلِجَّ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ فِي أَهْلِهِ آثَمُ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يُعْطِيَ كَفَّارَتَهُ الَّتِي فَرَضَ اللَّهُ‏.‏ فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ فِي الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ الَّتِي يَكُونُ التَّمَادِي عَلَى الْوَفَاءِ بِهَا إثْمًا وَقَدْ رُوِّينَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ رَأَى فِي ذَلِكَ الْكَفَّارَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَاضِرِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1136 - مسألة‏:‏

وَالْيَمِينُ مَحْمُولَةٌ عَلَى لُغَةِ الْحَالِفِ وَعَلَى نِيَّتِهِ، وَهُوَ مُصَدِّقٌ فِيمَا ادَّعَى مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ فِي حَقٍّ لِخَصْمِهِ عَلَيْهِ وَالْحَالِفُ مُبْطِلٌ فَإِنَّ الْيَمِينَ هَهُنَا عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهُ‏.‏ وَمَنْ قِيلَ لَهُ‏:‏ قُلْ كَذَا أَوْ كَذَا فَقَالَ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلاَمُ يَمِينًا بِلُغَةٍ لاَ يُحْسِنُهَا الْقَائِلُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْلِفْ وَمَنْ حَلَفَ بِلُغَتِهِ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَهُمْ فَهُوَ حَالِفٌ، فَإِنْ حَنِثَ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا هِيَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَمَّا يَلْتَزِمُ بِيَمِينِهِ تِلْكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ فَإِنَّمَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِلُغَتِهِ، وَعَمَّا فِي ضَمِيرِهِ‏.‏ فَصَحَّ مَا قُلْنَاهُ، وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى‏.‏

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ‏}‏‏.‏ وَلِلَّهِ تَعَالَى فِي كُلِّ لُغَةٍ اسْمٌ، فَبِالْفَارِسِيَّةِ‏:‏ أوزمز، وَبِالْعِبْرَانِيَّةِ‏:‏ أذوناي، والوهيم، والوهاء، وَإِسْرَائِيلُ، وَبِاللَّاتِينِيَّةِ‏:‏ داوش، وقريطور، وبالصقلبية‏:‏ بغ، وَبِالْبَرْبَرِيَّةِ‏:‏ يكش‏.‏ فَإِنْ حَلَفَ هَؤُلاَءِ بِهَذِهِ الأَسْمَاءِ فَهِيَ يَمِينٌ صَحِيحَةٌ ‏;‏ وَفِي الْحِنْثِ فِيهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لَزِمَتْهُ يَمِينٌ لِخَصْمِهِ وَهُوَ مُبْطِلٌ فَلاَ يَنْتَفِعُ بِتَوْرِيَتِهِ، وَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِي جُحُودِهِ الْحَقَّ، عَاصٍ لَهُ فِي اسْتِدْفَاعِ مَطْلَبِ خَصْمِهِ بِتِلْكَ الْيَمِينِ، فَهُوَ حَالِفُ يَمِينٍ غَمُوسٍ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ يَمِينُكَ عَلَى مَا يُصَدِّقُكَ عَلَيْهِ صَاحِبُكَ‏.‏ وَقَدْ قِيلَ‏:‏ عَبَّادٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ وَاحِد، وَلاَ يَكُونُ صَاحِبُ الْمَرْءِ إِلاَّ مَنْ لَهُ مَعَهُ أَمْرٌ يَجْمَعُهُمَا يَصْطَحِبَانِ فِيهِ، وَلَيْسَ إِلاَّ ذُو الْحَقِّ الَّذِي لَهُ عَلَيْك يَمِينٌ تُؤَدِّيهَا إلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ لاَ يَمِينَ لَهُ عِنْدَك فَلَيْسَ صَاحِبَك فِي تِلْكَ الْيَمِينِ‏.‏

1137 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ صُدِّقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ جَرَى لِسَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1137 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ نَوَيْت بَعْضَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اللَّفْظُ الَّذِي نَطَقَ صُدِّقَ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ جَرَى لِسَانِي وَلَمْ يَكُنْ لِي نِيَّةٌ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ، فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَمْ أَنْوِ شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ حُمِلَ عَلَى عُمُومِ لَفْظِهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1139 - مسألة‏:‏

وَيَمِينُ الأَبْكَمِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ لاَزِمَانِ عَلَى حَسَبِ طَاقَتِهِ مِنْ صَوْتٍ يُصَوِّتُهُ أَوْ إشَارَةٍ إنْ كَانَ مُصْمَتًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ الأَيْمَانَ إخْبَارٌ مِنْ الْحَالِفِ عَنْ نَفْسِهِ، وَالأَبْكَمُ، وَالْمُصْمَتُ، مُخَاطَبَانِ بِشَرَائِعِ الإِسْلاَمِ كَغَيْرِهِمَا‏.‏ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا‏}‏‏.‏

وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَائْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏ فَوَجَبَ عَلَيْهِمَا مِنْ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ مَا اسْتَطَاعَاهُ، وَأَنْ يُسْقِطَ عَنْهُمَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِمَا، وَأَنْ يَقْبَلَ مِنْهُمَا مَا يُخْبِرَانِ بِهِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا حَسْبَ مَا يُطِيقَانِ وَيَلْزَمُهُمَا مَا الْتَزَمَاهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1140 - مسألة‏:‏

وَالرِّجَالُ، وَالنِّسَاءُ، الأَحْرَارُ، وَالْمَمْلُوكُونَ، وَذَوَاتُ الأَزْوَاجِ وَالأَبْكَارُ، وَغَيْرُهُنَّ، فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَنَذْكُرُ سَوَاءٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ‏:‏ ‏{‏ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إذَا حَلَفْتُمْ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الأَيْمَانَ‏}‏‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ وَقَالَ فِي الأَسْتِثْنَاءِ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ، وَلاَ ذَاتِ زَوْجٍ مِنْ أَيِّمٍ، وَلاَ بِكْرٍ مِنْ ثَيِّبٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا‏.‏ وَالتَّحَكُّمُ فِي الدِّينِ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ قَدْ وَافَقُونَا‏:‏ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَاطَبٌ بِالصَّلاَةِ، وَبِالصِّيَامِ، وَتَحْرِيمِ مَا يُحَرَّمُ، وَتَحْلِيلِ مَا يَحِلُّ سَوَاءٌ، فَأَنَّى لَهُمْ تَخْصِيصُ بَعْضِ ذَلِكَ مِنْ بَعْضٍ بِالْبَاطِلِ، وَالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُحَمَّدٍ ابْنَيْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِمَا‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لاَ يَمِينَ لِوَلَدٍ مَعَ يَمِينِ وَالِدٍ، وَلاَ يَمِينَ لِزَوْجَةٍ مَعَ يَمِينِ زَوْجٍ، وَلاَ يَمِينَ لِلْمَمْلُوكِ مَعَ يَمِينِ مَلِيكِهِ، وَلاَ يَمِينَ فِي قَطِيعَةٍ، وَلاَ نَذْرَ فِي مَعْصِيَةٍ، وَلاَ طَلاَقَ قَبْلَ نِكَاحٍ، وَلاَ عَتَاقَةَ قَبْلَ الْمِلْكِ، وَلاَ صَمْتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ، وَلاَ مُوَاصَلَةَ فِي الصِّيَامِ، وَلاَ يُتْمَ بَعْدَ الْحُلُمِ، وَلاَ رَضَاعَةَ بَعْدَ الْفِطَامِ، وَلاَ تَغَرُّبَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ، وَلاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَحَرَامُ بْنُ عُثْمَانَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ، وَيَلْزَمُ مَنْ قَلَّدَ رِوَايَتَهُ فِي اسْتِظْهَارِ الْمُسْتَحَاضَةِ بِثَلاَثٍ بَعْدَ أَيَّامِهَا، فَأَسْقَطَ بِهَا الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةَ وَالصِّيَامَ الْمَفْرُوضَ، وَحَرَّمَ الْوَطْءَ الْمُبَاحَ أَنْ يَأْخُذُوا بِرِوَايَتِهِ هَهُنَا، وَإِلَّا فَهُمْ مُتَلاَعِبُونَ بِالدِّينِ‏.‏ بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ خَالَفُوا أَكْثَرَ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ وَأَمَّا نَحْنُ فَوَاَللَّهِ لَوْ صَحَّ بِرِوَايَتِهِ الثِّقَاتُ مُتَّصِلاً لَبَادَرْنَا إلَى الْقَوْلِ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1141- مسألة‏:‏

وَلاَ يَمِينَ لِسَكْرَانَ، وَلاَ لِمَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ، وَلاَ لِهَاذٍ فِي مَرَضِهِ، وَلاَ لِنَائِمٍ فِي نَوْمِهِ، وَلاَ لِمَنْ لَمْ يَبْلُغَ‏.‏ وَوَافَقَنَا فِي كُلِّ هَذَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَالَفُونَا فِي السَّكْرَانِ وَحْدَهُ، وَوَافَقَ فِي السَّكْرَانِ أَيْضًا قَوْلُنَا هَهُنَا قَوْلَ الْمُزَنِيّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَالطَّحَاوِيِّ، وَالْكَرْخِيُّ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَغَيْرِهِمْ‏.‏ وَحُجَّتُنَا فِي السَّكْرَانِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ‏}‏ فَمَنْ شَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ، فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُهُ بِمَا لاَ يَدْرِي مَا هُوَ مِنْ قَوْلِهِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَعْقِدْ الْيَمِينَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُ إِلاَّ بِمَا عَقَّدَ مِنْهَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ هُوَ أَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏

فَقُلْنَا‏:‏ نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا وَمَا تَقُولُونَ فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ فَجُرِحَ جِرَاحَةً أَقْعَدَتْهُ، أَوْ جَرَحَهَا نَفْسَهُ عَابِثًا عَاصِيًا، أَيَنْتَقِلُ إلَى حُكْمِ مَنْ أُقْعِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ بِمَرَضٍ مِنْ عِنْدِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي جَوَازِ الصَّلاَةِ قَاعِدًا، وَفِي وُجُوبِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ فِي مَرَضِهِ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ نَعَمْ، فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ‏.‏ وَكُلُّ مَنْ صَارَ إلَى حَالٍ يَبْطُلُ اخْتِيَارُهُ فِيهَا بِأَيِّ وَجْهٍ صَارَ إلَيْهَا، فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ صَارَ إلَيْهَا بِغَلَبَةٍ، لأََنَّ النُّصُوصَ لَمْ تَسْتَثْنِ هَهُنَا مِنْ أَحْوَالِ الْمَصِيرِ إلَى تِلْكَ الْحَالِ شَيْئًا‏.‏ وَالْعَجَبُ مِنْ الْمَالِكِيِّينَ الْقَائِلِينَ فِيمَنْ خَرَجَ قَاطِعًا لِلطَّرِيقِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ‏:‏ إنَّ لَهُ أَنْ يُقَوِّيَ نَفْسَهُ بِأَكْلِهَا، وَالْقُرْآنُ جَاءَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى التَّوْبَةِ ثُمَّ يَأْكُلُ حَلاَلاً فَلاَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، ثُمَّ لاَ يَرَى السَّكْرَانَ فِي حُكْمِ مَنْ ذَهَبَ عَقْلُهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ هُوَ أَدْخَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ‏.‏ وَالْعَجَبُ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَرَى أَنَّ النَّائِمَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ إنْ أَكَلَ فِي حَالِ نَوْمِهِ، أَوْ شَرِبَ مَا دَسَّ فِي فَمِهِ، أَنَّهُ مُفْطِرٌ، ثُمَّ يَرَاهُ هَهُنَا غَيْرَ حَالِفٍ ثُمَّ يُلْزِمُ السَّكْرَانَ يَمِينَهُ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ لَعَلَّهُ مُتَسَاكِرٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ‏.‏

قلنا‏:‏ وَلَعَلَّ الْمَجْنُونَ مُتَجَنِّنٌ، مُتَحَامِقٌ، وَمَنْ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، أَوْ أَحْمَقُ وَجَوَابُنَا هَهُنَا أَنَّهُ مِنْ حَيْثُ يَدْرِي أَنَّهُ مَجْنُونٌ، يَدْرِي أَنَّهُ سَكْرَانُ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ وَفِي الصَّبِيِّ يَحْلِفُ‏:‏ خِلاَفٌ نَذْكُرُهُ‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى عَنْ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ طَاوُوس قَالَ‏:‏ إذَا حَلَفَ الصَّبِيُّ ثُمَّ حَنِثَ بَعْدَ مَا يَكْبَرُ كَفَّرَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَقَدْ صَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ‏:‏ عُمَرَ، أَوْ عُثْمَانَ‏:‏ إقَامَةُ الْحَدِّ عَلَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَةَ أَشْبَارٍ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ وَيَلْزَمُ مَنْ يَرَى مِنْ الْمَالِكِيِّينَ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْ الصَّبِيِّ يُصِيبُ لِصَيْدٍ فِي إحْرَامِهِ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْهُ إنْ حَنِثَ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَالْحُجَّةُ فِي هَذَا‏:‏ هُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ‏:‏ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمُبْتَلَى حَتَّى يَبْرَأَ، وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَكْبَرَ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ السَّكْرَانُ مُبْتَلًى بِلاَ شَكٍّ فِي عَقْلِهِ‏.‏

1142 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي كُفْرِهِ ثُمَّ حَنِثَ فِي كُفْرِهِ، أَوْ بَعْدَ إسْلاَمِهِ فَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ، لأََنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِطَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدِينُ اللَّهِ تَعَالَى لاَزِمٌ لَهُمْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ‏}‏، وَلاَ يَجْزِيهِ أَنْ يُكَفِّرَ فِي حَالِ كُفْرِهِ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْكَفَّارَةِ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ مُصَدِّقًا أَنَّهَا دِينُ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ‏}‏‏.‏

1143 - مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ‏:‏ وَاللَّاتِ، وَالْعُزَّى، فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يَقُولُهَا مَرَّةً ‏;‏ أَوْ يَقُولُ‏:‏ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ وَيَنْفُثُ عَنْ شِمَالِهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَيَتَعَوَّذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ لاَ يَعُدْ فَإِنْ عَادَ عَادَ لِمَا ذَكَرْنَا أَيْضًا‏.‏ وَمَنْ قَالَ لأَخَرَ‏:‏ تَعَالَ أُقَامِرْك فَلْيَتَصَدَّقْ، وَلاَ بُدَّ بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ قَلَّ أَمْ كَثُرَ‏:‏ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَا مَخْلَدٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ‏:‏ حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِك ثَلاَثًا، وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ، ثُمَّ لاَ تَعُدْ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ أَعْيَنَ ثِقَةٌ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ حَلَفْتُ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى فَقَالَ لِي أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ بِئْسَ مَا قُلْتَ ائْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ فَإِنَّا لاَ نَرَاكَ إِلاَّ قَدْ كَفَرْتَ فَلَقِيتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ لِي‏:‏ قُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ وَانْفُثْ عَنْ شِمَالِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ تَعُدْ لَهُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ‏:‏ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏‏:‏ مَنْ حَلَفَ مِنْكُمْ فَقَالَ فِي حَلِفِهِ‏:‏ بِاللَّاتِ، فَلْيَقُلْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَنْ قَالَ لِصَاحِبِهِ‏:‏ تَعَالَ أُقَامِرْكَ فَلْيَتَصَدَّقْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فِي هَذَا إبْطَالُ التَّعَلُّقِ بِقَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ فَقَدْ قَالَ الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم لِسَعْدٍ‏:‏ مَا نَرَاك إِلاَّ قَدْ كَفَرْت، وَلَمْ يَكُنْ كَفَرَ‏.‏

1144- مسألة‏:‏

وَمَنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَمِينٌ، مِثْلُ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ أَكَلْت الْيَوْمَ، وَوَاللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا، وَوَاللَّهِ لاَ دَخَلْت دَارِهِ أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَهِيَ أَيْمَانٌ كَثِيرَةٌ إنْ حَنِثَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ‏.‏ فَإِنْ عَمِلَ آخَرَ فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى، فَإِنْ عَمِلَ ثَالِثًا فَكَفَّارَةٌ ثَالِثَةٌ وَهَكَذَا مَا زَادَ، لأََنَّهَا أَيْمَانٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَأَفْعَالٌ مُتَغَايِرَةٌ، وَأَحْنَاثٌ مُتَغَايِرَةٌ، إنْ حَنِثَ فِي يَمِينٍ لَمْ يَحْنَثْ بِذَلِكَ فِي أُخْرَى بِلاَ شَكٍّ، فَلِكُلِّ يَمِينٍ حُكْمُهَا‏.‏

1145- مسألة‏:‏

فَلَوْ حَلَفَ كَذَلِكَ ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهَا‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَوْ اسْتَثْنَى بِشَيْءٍ مَا، فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ مَوْصُولاً فَهُوَ مُصَدَّقٌ فِيمَا نَوَى، فَإِنْ قَالَ أَرَدْت بِالأَسْتِثْنَاءِ جَمِيعَ الأَيْمَانِ، فَلاَ حِنْثَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْهَا‏.‏ وَإِنْ قَالَ‏:‏ نَوَيْت آخِرَهَا، فَهُوَ كَمَا قَالَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ‏:‏ الأَسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى جَمِيعِ الأَيْمَانِ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ لاَ يَكُونُ الأَسْتِثْنَاءُ إِلاَّ لِلْيَمِينِ الَّتِي تَلِي الأَسْتِثْنَاءَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لأََنَّهُ قَدْ عَقَّدَ الأَيْمَانَ السَّالِفَةَ وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِيهَا وَقَطَعَ الْكَلاَمَ فِيهَا، وَأَخَذَ فِي كَلاَمٍ آخَرَ، فَبَطَلَ أَنْ يَتَّصِلَ الأَسْتِثْنَاءُ بِهَا، فَوَجَبَ الْحِنْثُ فِيهَا إنْ حَنِثَ وَالْكَفَّارَةُ، وَكَانَ الأَسْتِثْنَاءُ فِي الْيَمِينِ الَّتِي اتَّصَلَ بِهَا كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1146 - مسألة‏:‏

فَإِنْ حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ، كَمَنْ قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا، وَلاَ خَالِدًا، وَلاَ دَخَلْت دَارَ عَبْدِ اللَّهِ، وَلاَ أَعْطَيْتُك شَيْئًا، فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَلاَ يَحْنَثُ بِفِعْلِهِ شَيْئًا مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ حَتَّى يَفْعَلَ كُلَّ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ‏.‏ وَهَذَا قَوْلُ عَطَاءٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، لأَُمُورٍ شَتَّى قَالَ‏:‏ هُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ، وَلَكِنَّهُ خَصَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِيَمِينٍ، قَالَ‏:‏ كَفَّارَتَانِ‏.‏ وَقَالَ عَطَاءٌ فِيمَنْ قَالَ وَاَللَّهِ لاَ أَفْعَلُ كَذَا، وَكَذَا لأََمْرَيْنِ شَتَّى فَعَمَّهُمَا بِالْيَمِينِ قَالَ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلاَ نَعْلَمُ لِمُتَقَدِّمٍ فِيهَا قَوْلاً آخَرَ‏.‏

وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ‏:‏ هُوَ حَانِثٌ بِكُلِّ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ، ثُمَّ يُخَرَّجُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِكُلِّ فِعْلٍ كَفَّارَةٌ وَقَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إنَّهُ يَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ بِأَوَّلِ مَا يَحْنَثُ، ثُمَّ لاَ كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي سَائِرِ ذَلِكَ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْيَمِينُ لاَ تَكُونُ بِالنِّيَّةِ دُونَ الْقَوْلِ وَهُوَ لَمْ يَلْفِظْ إِلاَّ بِيَمِينٍ وَاحِدَةٍ، فَلاَ يَلْزَمُهُ أَكْثَرَ مِنْ يَمِينٍ أَصْلاً، إذْ لَمْ يُوجِبْ لُزُومَهَا إيَّاهُ قُرْآنٌ ‏;‏، وَلاَ سُنَّةٌ، فَإِذْ هِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِهَا عَلَى حِنْثٍ، وَفِي بَعْضِهَا عَلَى بِرٍّ ‏;‏ إنَّمَا هُوَ حَانِثٌ، أَوْ غَيْرُ حَانِثٌ‏:‏ وَلَمْ يَأْتِ بِغَيْرِ هَذَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ‏.‏ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ حَانِثًا إِلاَّ بِأَنْ يَفْعَلَ كُلَّ مَا عَقَّدَ بِتِلْكَ الْيَمِينِ أَنْ لاَ يَفْعَلَهُ وَأَيْضًا‏:‏ فَالأَمْوَالُ مَحْظُورَةٌ وَالشَّرَائِعُ لاَ تَجِبُ بِدَعْوَى لاَ نَصَّ مَعَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

1147 - مسألة‏:‏

فَإِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا كَثِيرَةً عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ، مِثْلُ‏:‏ أَنْ يَقُولَ‏:‏ بِاَللَّهِ لاَ كَلَّمْت زَيْدًا، وَالرَّحْمَنِ لاَ كَلَّمْته، وَالرَّحِيمِ لاَ كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَانِيَةً لاَ كَلَّمْته، بِاَللَّهِ ثَالِثَةً لاَ كَلَّمْته وَهَكَذَا أَبَدًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ، أَوْ فِي مَجَالِسَ مُتَفَرِّقَةٍ، وَفِي أَيَّامٍ مُتَفَرِّقَةٍ‏:‏ فَهِيَ كُلُّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ كَرَّرَهَا أَلْفَ أَلْفَ مَرَّةٍ وَحِنْثٌ وَاحِدٌ ‏;‏ وَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلاَ مَزِيدَ‏.‏ وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي هَذَا‏:‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَبَانَ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ زَوَّجَ ابْنُ عُمَرَ مَمْلُوكَهُ مِنْ جَارِيَةٍ لَهُ، فَأَرَادَ الْمَمْلُوكُ سَفَرًا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ‏:‏ طَلِّقْهَا فَقَالَ الْمَمْلُوكُ‏:‏ وَاَللَّهِ لاَ طَلَّقْتهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ وَاَللَّهِ لَتُطَلِّقُنَّهَا كَرَّرَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ قَالَ مُجَاهِدٌ لأَبْنِ عُمَرَ‏:‏ كَيْفَ تَصْنَعُ قَالَ‏:‏ أُكَفِّرُ عَنْ يَمِينِي، فَقُلْت لَهُ‏:‏ قَدْ حَلَفْت مِرَارًا قَالَ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا أَقْسَمْت مِرَارًا فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ إذَا رَدَّدَ الأَيْمَانَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ‏.‏ وَعَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ أَنَّ أَبَاهُ سُئِلَ مَنْ تَعَرَّضَتْ لَهُ جَارِيَةٌ لَهُ مِرَارًا كُلَّ مَرَّةٍ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ أَنْ لاَ يَطَأَهَا ثُمَّ وَطِئَهَا فَقَالَ لَهُ عُرْوَةُ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ، فِي مَجَالِسَ شَتَّى‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ‏:‏ إذَا حَلَفَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى قَالَ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ مِثْلَ هَذَا وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ، وَقَتَادَةَ عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ إذَا حَلَفَ فِي أَمْرٍ وَاحِدٍ فِي مَجَالِسَ شَتَّى وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٍ، وَأَحْمَدَ‏.‏ وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ‏.‏

وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ إذَا أَكَّدَ الْيَمِينَ فَعِتْقُ رَقَبَةٍ‏.‏

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ‏:‏ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ شَتَّى فَكَفَّارَاتٌ شَتَّى‏.‏ صَحَّ ذَلِكَ عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ‏:‏ يَقُولُونَ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي قَوْلٍ لَهُ‏:‏ إنْ نَوَى بِالْيَمِينِ الْأُخْرَى يَمِينًا ثَانِيَةً فَكَفَّارَتَانِ، وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَبُو ثَوْرٍ‏:‏ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَإِنْ أَرَادَ التَّغْلِيظَ فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ إِلاَّ أَنَّهُ عَبَّرَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ‏:‏ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَلِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ فَلَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ مَرَّةٍ كَفَّارَةٌ، إِلاَّ بِأَنْ يَنْوِيَ التَّكْرَارَ فَقَطْ ثُمَّ لَمْ يَشْتَرِطْ إرَادَةَ التَّغْلِيظِ‏.‏

وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ‏:‏ إنْ أَرَادَ التَّكْرَارَ فَيَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، وَأَرَادَ التَّغْلِيظَ، أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا، فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ لاَ نَعْلَمُ لِمَنْ رَأَى فِي تَأْكِيدِ الْيَمِينِ عِتْقَ رَقَبَةٍ فَقَطْ حُجَّةً، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ بَيَّنَ الرَّقَبَةَ، وَالْإِطْعَامَ، وَالْكِسْوَةَ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ هُنَالِكَ أَيْمَانًا مُؤَكَّدَةً، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏‏.‏ وَلاَ نَعْلَمُ لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ فِي مَجْلِسٍ وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي مَجْلِسَيْنِ فَصَاعِدًا حُجَّةً إِلاَّ الدَّعْوَى أَنَّهَا يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، فِي مَجْلِسٍ، وَيَمِينٌ ثَانِيَةٌ فِي الْمَجْلِسِ الثَّانِي‏.‏ وَهَذِهِ دَعْوَى لاَ يُصَحِّحُهَا بُرْهَانٌ، وَكُلُّ لَفْظٍ فَهُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ اللَّفْظِ الآخَرِ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مَجْلِسٍ غَيْرُ الْمَجْلِسِ الآخَرِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏

وَكَذَلِكَ لاَ نَدْرِي لِمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ التَّغْلِيظِ وَغَيْرِ التَّغْلِيظِ حُجَّةً أَصْلاً إِلاَّ الدَّعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ قَالَ‏:‏ إنْ نَوَى التَّكْرَارَ فَهِيَ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَإِلَّا فَهِيَ أَيْمَانٌ شَتَّى، فَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ هِيَ أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَلِكُلِّ لَفْظٍ حُكْمٌ، أَوْ أَنْ يَقِيسُوا ذَلِكَ عَلَى تَكْرَارِ الطَّلاَقِ‏.‏

قال أبو محمد‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ النَّصَّ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّ حُكْمَ الطَّلْقَةِ الثَّالِثَةِ غَيْرُ حُكْمِ الثَّانِيَةِ، وَغَيْرُ حُكْمِ الْأُولَى، وَلَمْ يَأْتِ ذَلِكَ فِي الأَيْمَانِ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّهَا أَلْفَاظٌ شَتَّى، فَنَعَمْ، إِلاَّ أَنَّ الْحِنْثَ بِهِ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لاَ بِنَفْسِ الْيَمِينِ فَإِنَّ الأَيْمَانَ لاَ تُوجِبُ الْكَفَّارَةَ أَصْلاً، وَلاَ خِلاَفَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ إِلاَّ الْحِنْثُ، فَالْحِنْثُ فِيهَا كُلِّهَا حِنْثٌ وَاحِدٌ بِلاَ شَكٍّ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِحِنْثٍ وَاحِدٍ كَفَّارَاتٌ شَتَّى، وَالأَمْوَالُ مُحَرَّمَةٌ، وَالشَّرَائِعُ سَاقِطَةٌ، إِلاَّ أَنْ يُبِيحَ الْمَالَ نَصٌّ، أَوْ يَأْتِيَ بِالشَّرْعِ نَصٌّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏