فصل: الفصل التاسع: ترتيب السور والآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.فواصل الآيات:

الفاصلة في اللغة هي الشيء الذي يفصل بين أمرين، وتطلق على الخرزة بين خرزتين، والفصل القضاء بين الحق والباطل، والتفصيل هو التبيين والتوضيح، وكتاب فصلناه أي بيناه ووضحناه.
واستعملت الفاصلة في القراءات القرآنية كمصطلح دال على الكلمة التي تأتي في آخر الجملة.
قال أبو عمرو الداني: الفاصلة: كلمة آخر الجملة، وفرق بين الفواصل ورءوس الآية، فالفاصلة هي الكلام المنفصل مما بعده، سواء كان رأس آية أو نهاية كلام، وتسمى بالاستراحة في مجال الخطاب، حيث يتوقف الكلام.
وقال أبو بكر الباقلاني: الفواصل حروف متشاكلة في المقاطع، يقع بها إفهام المعاني.
وقال الزركشي في البرهان: الفاصلة كلمة آخر الآية كقافية الشعر وقرينة السجع.
وقد ألف بعض العلماء في الفواصل، من هؤلاء، نجم الدين الطوفي المتوفى سنة 716 هـ الذي نسب إليه كتاب (بغية الواصل إلى معرفة الفواصل) وهو كتاب مفقود، وهناك كتاب آخر (القول الوجيز في فواصل الكتاب العزيز) لأبي عبد الله المخللاتي المتوفى سنة 1311 هـ وهو موجود في الخزانة التيمورية.
وقال الجعبري صاحب شرح الشاطبية:
لمعرفة الفواصل طريقان: توقيفي وقياسي:
أما التوقيفي فما ثبت أنه صلى الله عليه وسلم وقف عليه دائما تحققنا أنه فاصلة، وما وصله دائما تحققنا أنه ليس بفاصلة، وما وقف عليه مرة، ووصله أخرى احتمل الوقف أن يكون لتعريف الفاصلة أو لتعريف الوقف التام أو للاستراحة.
وأما القياسي: فهو ما ألحق من المحتمل غير المنصوص بالمنصوص لمناسب، ولا محذور في ذلك، لأنه لا زيادة فيه ولا نقصان.
وقال بعض العلماء:
(تقع الفاصلة عند الاستراحة بالخطاب لتحسين الكلام بها، وهي الطريقة التي يباين القرآن بها سائر الكلام، وتسمى فواصل، ولا يجوز تسميتها قوافي إجماعا، لأن الله تعالى لما سلب عنه اسم الشعر وجب سلب القافية عنه أيضا لأنها منه).
وذهب الرماني في إعجاز القرآن، والباقلاني أيضا إلى عدم وجود سجع في القرآن، وفرقوا بين الفاصلة والسجع، فالفاصلة بلاغة والسجع عين، وذهب غيرهم إلى إثبات السجع في القرآن، لأن ذلك مما يتبين فيه فضل الكلام، وإنه من الأجناس التي يقع بها التفاضل في البيان والفصاحة كالتجنيس والالتفات.
وهذا الخلاف بين من قال بإثبات السجع في القرآن، ونفيه عنه هو الرغبة في تنزيه القرآن عما لا يليق به من الأوصاف، فمن نفى السجع اعتبر أن السجع تكلف وتصنع، والقرآن لا تكلف فيه، ومن أثبت السجع في القرآن نظر إلى كلام فصحاء العرب، واعتبر أن بعض السجع فضيلة، وهو دليل فصاحة.
وقال بعضهم: (وكيف يعاب السجع على الإطلاق، وإنما نزل القرآن على أساليب الفصيح من كلام العرب، فوردت الفواصل فيه بإزاء ورود الأسجاع في كلام العرب، وإنما لم يجئ على أسلوب واحد، لأنه لا يحسن في الكلام جميعا أن يكون مستمرا على نمط واحد لما فيه من التكلف، ولما في الطبع من الملل عليه، ولأن الافتنان في ضروب الفصاحة أعلى من الاستمرار على ضرب واحد، فلهذا وردت بعض آي القرآن متماثلة المقاطع وبعضها غير متماثل).
وهذا الخلاف- على ما يبدو- ظاهري، فهو يناقش الفواصل القرآنية، ثم يقف أمام التسمية متسائلا: هل هذا النسق في النظم القرآني يعتبر سجعا، أم أنه نوع جديد من أنواع البلاغة القرآنية، فمن أنكر إنما أنكر التسمية، فكلمة (السجع) كانت تستخدم في كلام الكهان، وهي تدل على تصنع وتكلف، والقرآن منزه عن ذلك، ولو قيل بإثبات السجع في القرآن لكان الأسلوب القرآني غير خارج عن أساليب العرب، وهذا ينافي الإعجاز القرآني، الذي يؤكد تميّز القرآن عن أساليب العرب، وفضلا عن هذا فإن السجع تحكمه أوزان ولا يمكن للسجع أن يخرج عن أوزانه المعتادة، وإلا اعتبر ذلك السجع خارجا عن نطاق السجع المستحب والممدوح.
ومن أثبت السجع في القرآن، فإنه لم يعتبر أن السجع عيب في القرآن، وبخاصة إذا كان ذلك السجع خاليا من تكلف أو تصنع، ولا يمكن لسجع القرآن إلا أن يكون في أعلى درجات الفصاحة، والنهي مقتصر على سجع الكهان، لما يتصف به ذلك السجع من زيف وباطل.
ولذلك فإن الخلاف ظاهري، وهو خلاف مصطلح وتسمية، ولا يترتب عليه أي أثر، ولا شك أن أسلوب القرآن متميز، ولو وقع الالتزام بالمصطلحات القرآنية لكان أفضل، ولابتعدنا عن كثير من المزالق، فالفاصلة القرآنية ذات خصوصيات أسلوبية، وذات صيغ متعددة، وذات تعبيرات إعجازية قد تدلك بدرجات متفاوتة، فما يدركه البعض من مظاهر الإعجاز والجمال قد لا يدركه البعض الآخر.
ولا شك أن القرآن راعى المناسبة بين الفواصل، وهو أمر مألوف في اللغة، ومحمود في الأسلوب، ومؤثر في جمال العبارة، وقال شمس الدين بن الصائغ المعروف بابن أبي الفرس المتوفى سنة 776 هـ، في كتابه (إحكام الرأي من أحكام الآي): بأن المناسبة أمر مطلوب في اللغة العربية يرتكب لها أمور من مخالفة الأصول، وتتبع ذلك في القرآن، وعثر على أكثر من أربعين حكما، نورد منها أمثلة:
1- زيادة حرف كإلحاق الألف في قوله: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}، {فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا}، {وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا}.
2- حذف همزة أو حرف كقوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ}.
3- تأخير ما أصله أن يقدم: كقوله تعالى: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى}، وقوله: {وَلَقَدْ جاءَ آلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ}، فأخر الفاعل لأجل الفاصلة.
4- إفراد ما أصله أن يجمع، كقوله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ}، والأصل (الأنهار).
5- جمع ما أصله أن يفرد، كقوله تعالى: {لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خِلالٌ}، والأصل ولا خلة بالإفراد.
6- تثنية ما أصله أن يفرد، كقوله تعالى: {وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ}، وأنكر ابن قتيبة أن الغاية من التثنية هنا مراعاة الفاصلة، ومعه حق في إنكاره، لأن مراعاة الفاصلة فيما لا يضيف معنى، كزيادة حرف لا يضيف معنى.
7- تأنيث ما أصله أن يذكر، كقوله تعالى: {كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ}.
8- صرف ما أصله ألا ينصرف: كقوله تعالى: {قَوارِيرَا (15) قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ}، فنوّن الكلمتين لأجل التناسب مع الفواصل: {وَأَغْلالًا وَسَعِيراً}.
9- إمالة ما أصله ألا يمال: كقوله تعالى: {وَالضُّحى (1) وَاللَّيْلِ إِذا سَجى}، {وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها}، و:{جَلَّاها}، و:{غشاها}.
10- العدول عن صيغة الماضي إلى الاستقبال، كقوله تعالى: {فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ}، ولم يقل: (وفريقا قتلتم).
11- إيراد أحد القسمين غير مطابق للآخر: كقوله تعالى: {فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكاذِبِينَ}.
12- حذف المفعول كقوله تعالى: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى}، {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى}.
13- إثبات هاء السكت: كقوله تعالى: {مالِيَهْ}، {سُلْطانِيَهْ}، {ما هِيَهْ}.
قال الزمخشري: (لا تحسن المحافظة على الفواصل لمجردها إلا مع بقاء المعاني على سردها، على المنهج الذي يقتضيه حسن النظم والتئامه، فأما أن تهمل المعاني ويهتم بتحسين اللفظ وحده غير منظوم فيه إلى مؤداه، فليس من قبيل البلاغة، وبني على ذلك أن التقديم في وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ليس لمجرد الفاصلة بل لرعاية الاختصاص).
ويلاحظ أن فواصل القرآن إما أن تكون متماثلة أو متقاربة، فالفواصل المتماثلة دالة على حسن البيان ما لم تكن متكلفة، كقوله تعالى: {وَالطُّورِ (1) وَكِتابٍ مَسْطُورٍ (2) فِي رَقٍّ مَنْشُورٍ (3) وَالْبَيْتِ الْمَعْمُورِ (4) وَالسَّقْفِ الْمَرْفُوعِ}، [الطور]، وقوله أيضا: {وَالْعادِياتِ ضَبْحاً (1) فَالْمُورِياتِ قَدْحاً (2) فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً (3) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً (4) فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً}، [العاديات]، وقوله أيضا: {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذا يَسْرِ}، [الفجر].
أما الفواصل المتقاربة فلا تعتبر من السجع عند من يقول بإطلاق السجع في القرآن، لانعدام التماثل في الحروف، كقوله تعالى: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (3) مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}.

.الفصل التاسع: ترتيب السور والآيات:

اختلف العلماء في ترتيب القرآن، وتعددت آراؤهم وتباعدت، وذلك بسبب ما ورد من روايات مأثورة، احتج بها كل فريق على ما ذهب إليه في ترتيب القرآن من حيث هو توقيفي أو اجتهادي.
والأرجح أن الأمر يختلف بين الآيات والسور، والأصل أن كل ما يتعلق بالقرآن من حيث الترتيب لابد فيه من دليل، لأن من الصعب الاتفاق على أمر اجتهادي، ولا يمكن للاجتهاد أن يتوصل إلى معايير دقيقة للترتيب يقع عليها الإجماع، ولابد في هذه الحالة من دليل يعتمد عليه، ويحتكم إليه.
وهناك أدلة تؤكد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر كتاب الوحي بأن يضعوا كل آية في الموطن الذي يحدده لهم، ولو كان الأمر خاضعا للاجتهاد لجاءت السور متساوية في عدد الآيات، ولما كانت هناك سور طويلة وقصيرة، وكيف يتصور وجود سورة كسورة البقرة إلى جانب سور أخرى قصيرة لا تتجاوز بضع آيات، مما يؤكد وجود أدلة واضحة ثابتة حددت مواطن الآيات والسور، بالطريقة التي جاءت في القرآن.
ويبدو أن العلماء فرقوا بين الآيات والسور من حيث الحكم، لوضوح الأمر بالنسبة لترتيب الآيات، وتعدد الروايات بالنسبة لترتيب السور.

.ترتيب الآيات:

أجمع العلماء على أن ترتيب الآيات توقيفي، لوضوح الأدلة في ذلك، وثبت أن جبريل عليه السلام كان يرشد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ما ينزل عليه بالوحي أن يضع كل آية في موقعها من السورة، ولا تتصور تلاوة القرآن إلا في ظل وضوح ترتيب الآيات ومراعاة هذا الترتيب أثناء الحفظ.
روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن عثمان بن أبي العاص قال: كنت جالسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ شخص ببصره ثم صوبه، ثم قال: «أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من السورة: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى» إلى آخرها.
وروى مسلم عن عمر قال: ما سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء أكثر مما سألته عن الكلالة، حتى طعن بإصبعه في صدري، وقال: «تكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء».
قال السيوطي في الإتقان:
(الإجماع والنصوص المترادفة على أن ترتيب الآيات توقيفي لا شبهة في ذلك، وأما الإجماع فنقله غير واحد، منهم الزركشي في البرهان وأبو جعفر بن الزبير في مناسباته، وعبارته: ترتيب الآيات في سورها واقع بتوقيفه صلى الله عليه وسلم وأمره من غير خلاف في هذا بين المسلمين).
وقال الزركشي في البرهان:
(وأما ما يتعلق بترتيبه، فأما الآيات في كل سورة ووضع البسملة أوائلها فترتيبها توقيفي بلا شك، ولا خلاف فيه، ولهذا لا يجوز تعكيسها).
وقال القاضي أبو بكر:
(ترتيب الآيات أمر واجب وحكم لازم، فقد كان جبريل يقول: ضعوا آية كذا في موضع كذا.
وجاء في كتاب فضائل القرآن لأبي عبيد: قيل لابن مسعود: إن فلانا يقرأ القرآن منكوسا، فقال: ذلك منكوس القلب).
وهذه الأدلة واضحة كل الوضوح ومؤكدة كل التأكيد أن ترتيب الآيات توقيفي، ولا مجال للاجتهاد في ذلك، بل لا يتصور الاجتهاد في مجال ترتيب الآيات لوضوح النصوص المؤكدة للتوقيف.
وجاءت كلمة (الآية) في اللغة دالة على معاني عدة:
الأول: الجماعة: تقول العرب: خرج العرب بآيتهم أي بجماعتهم.
الثاني: للدلالة على التفوق والإعجاب: فلان آية في الجمال. وتفيد معنى الإعجاز: {كَمْ آتَيْناهُمْ مِنْ آيَةٍ بَيِّنَةٍ}.
الثالث: العلامة: قال تعالى: {إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ}، أي علامة ملكه.
الرابع: العبرة: {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً}، أي عبرة، وجاءت في القرآن الكريم بمعنى البرهان، في قوله تعالى: وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ.
واستعملت في القرآن دالة على مقاطع مستقلة من السور القرآنية، بحيث تنقسم السورة إلى آيات، كل آية دالة على معنى مستقل، وبفضل هذا التقسيم أصبحت قراءة القرآن ميسرة، ومعانيه واضحة، فضلا عما تمثله كل آية من مظاهر الإعجاز البياني.
وحاول بعض علماء اللغة تعريف معنى الآية، قال بعضهم: هي طائفة من القرآن منقطعة عما قبلها وما بعدها ليس بينها شبه بما سواها، وقال آخرون:
الصحيح أنها إنما تعلم بتوقيف من الشارع لا مجال للقياس فيه لمعرفة السورة، فالآية طائفة حروف من القرآن علم بالتوقيف انقطاعها معنى عن الكلام الذي بعدها في أول القرآن، وعن الكلام الذي قبلها في آخر القرآن.
وقال الزمخشري: الآيات علم توقيف لا مجال للقياس فيه:
واستشهد بما ذهب إليه العلماء من اعتبار (الم) آية حيث وقعت من السورة المفتتح بها، وكذلك (المص) و: (المر) و: (الر) ليست بآية، وليست هناك قاعدة قياسية للحروف الواردة في القرآن، ولو كان الأمر خاضعا للاجتهاد لكانت المعايير قياسية وموحدة.