فصل: أقوال العلماء في وجوه الإعجاز:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل إلى علوم القرآن الكريم



.أقسام الوقف عند ابن الانبارى:

وقسم ابن الأنباري الوقف إلى ثلاثة أقسام:
الوقف التام: وهو الذي يحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده ولا يكون بعده ما يتعلق به، كقوله تعالى: {وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}.
الوقف الحسن: وهو الذي يحسن الوقف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده كقوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ}، ولا يحسن الابتداء بـ: {رَبِّ الْعالَمِينَ}. لأنه صفة لما قبله..
الوقف القبيح: وهو الذي ليس بتمام ولا حسن، كالوقف على قوله: (بسم) من قوله: (بسم الله) ولا يتم الوقف على المضاف دون المضاف إليه، ولا المنعوت دون نعته ولا الرافع دون مرفوعه، ولا الناصب دون منصوبه، ولا المؤكد دون توكيده ولا المعطوف دون المعطوف عليه ولا البدل دون مبدله وهكذا، بالنسبة للاسم والخبر والاستثناء والموصول...

.أقسام الوقف عند معظم القراء:

ومعظم القراء يقسمون الوقف إلى أربعة أقسام:
الأول: تام مختار: وهو الذي لا يتعلق بشيء مما بعده، وأكثر ما يكون عند رءوس الآيات، وأحيانا يوجد قبل انقضاء الفاصلة عند ما ينتهي الكلام كقوله تعالى: {وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً}، وهنا انتهى كلام بلقيس، وكقوله تعالى: {مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ}، لأنه معطوف على المعنى، أي الصبح وبالليل.
الثاني: الكافي: منقطع في اللفظ متعلق في المعنى فيحسن الوقف عليه، والابتداء بما بعده، كقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ}، هنا الوقف، ثم يبتدئ بما بعد ذلك.
الثالث: الحسن: وهو الذي يحسن الوقوف عنده، ولا يحسن الابتداء بما بعده، لتعلقه به في اللفظ والمعنى، كقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ}، وقوله: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.
الرابع: القبيح: وهو الذي لا يفهم منه المراد.
ومن الوقف القبيح الوقف على قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا}. والابتداء بقوله: {إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}، ومن تعمد الوقف وقصد معناه فقد كفر.. ومن الوقف القبيح الوقف على قوله: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ}، والوقف على النفي دون الإيجاب في قوله: {لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ}.
وقال ابن الجزري في النشر:
(وأقرب ما قلته في ضبطه أن الوقف ينقسم إلى اختياري واضطراري، لأن الكلام إما أن يتم أولا، فإن تم كان اختياريا، وكونه تاما لا يخلو إما أن لا يكون له تعلق بما بعده وإن كان له تعلق فلا يخلو هذا التعلق إما أن يكون من جهة المعنى فقط وهو الوقف المصطلح عليه بالكافي للاكتفاء به عما بعده).
وأكثر ما يكون الوقف التام في رءوس الآي وانقضاء القصص، ويكثر الوقف الكافي في الفواصل، ويختلف حكم الوقف القبيح بحسب درجة القبح في المعنى من حيث فساد ذلك المعنى...
وفرق العلماء بين الوقف والقطع والسكت، فالوقف: عبارة عن قطع الصوت على الكلمة زمنا بتنفس فيه عادة بنية استئناف القراءة إما بما يلي الحرف الموقوف عليه أو بما قبله، والقطع: عبارة عن قطع القراءة رأسا للانتهاء من القراءة، ولا يكون إلا على رءوس الآيات، والسكت: عبارة عن قطع الصوت زمنا هو دون زمن الوقف عادة من غير تنفس، واختلفت ألفاظ الأئمة في التأدية عنه مما يدل على طوله وقصره، وهي وقفة قصيرة، وقال الداني: وقفة لطيفة من غير قطع، كالسكت عند قوله: ص. ق. ن، واتفقت أقوال العلماء على أن السكت زمنه دون زمن الوقف العادي، وقال الجعبري: السكت قطع الصوت زمانا قليلا أقصر من زمن إخراج النفس، لأنه إن طال صار وقفا يوجب البسملة.
ووضع علماء القراءات معايير دقيقة للوقف والابتداء، وقاموا بدراسات مفصلة لكل حالة من الحالات ولكل لفظة من الألفاظ، مثل كلا وبلى، ونعم، والذين، وأوضحوا حالات الوقف عليها وحالات الابتداء بها، متى يجب ومتى يجوز ومتى يمتنع، ويختلف الأمر بحسب موضع الكلمة من الآية وبحسب ما تدل عليه...
وهذا كله يدلنا على مدى العناية التي بذلها علماء القرآن بكل ما يتعلق بقراءة القرآن وكيفية أدائه، وسلامة تلاوته، لكي تكون القراءة صحيحة مؤدية المعنى المراد بها...

.الفصل الخامس عشر: إعجاز القرآن:

الإعجاز مأخوذ من (عجز) يقال: عجز عن الأمر، وأعجزت فلانا ألقيته عاجزا، وأعجزه الشيء فاته، والإعجاز الفوت والسبق وجاء في القرآن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ}. أي: ظانين أنهم يعجزوننا، {وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ}. أي: بقادرين على معاندة أمر الله.
وقال الزمخشري: أعجزني فلان إذا عجزت عن طلبه وإدراكه، والمعجزة أمر خارق للعادة مقترن بالتحدي، وقال القاضي عبد الجبار بأنه يتعذر على المتقدمين في الفصاحة فعل مثله في القدر الذي اختص به..
وإعجاز القرآن يعني قدرة القرآن على أن يكون في أعلى درجات التميز والتفوق في الفصاحة والبيان والأحكام بحيث يعجز البشر عن الإتيان بمثله، وقد تحدى العرب به، لأنهم كانوا يعتزون بفصاحتهم وبيانهم، فتحداهم أن يأتوا بمثل القرآن، فإن عجزوا عن ذلك فلا مناص من تسليمهم بأنه كتاب الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه..
قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}. [الإسراء: 88].
وهذه الآية جاءت بعد آيات سابقة تحدى الله بها أفصح الفصحاء في العربية بأن يأتوا بحديث مثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بعشر سور مثله، ثم تحداهم بأن يأتوا بسورة من مثله.
ولو كان بإمكان العرب أن يأتوا بمثله لما قبلوا هذا التحدي ولما استسلموا له، ولما رضخوا لحكم الله، فلما عجزوا عن كل ذلك أدركوا أن القرآن كلام الله.
أخرج الحاكم عن ابن عباس قال: جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ عليه القرآن، فكأنه رق له، فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه فقال: يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله، قال: قد علمت قريش أني من أكثرها مالا، قال: فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك كاره له، قال: وماذا أقول، فو الله ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني، ولا برجزه، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، والله إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وإنه ليعلو ولا يعلى عليه، وإنه ليحطم ما تحته، قال: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه، قال: دعني حتى أفكر، فلما فكر قال: هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره.
قال الزركشي في البرهان:
ولا خلاف بين العقلاء أن كتاب الله معجز، واختلفوا في إعجازه فقيل: إن التحدي وقع بالكلام القديم الذي هو صفة الذات، وأن العرب كلفت في ذلك ما لا تطيق، وفيه وقع عجزها، والجمهور على أنه إنما وقع بالدال على القديم وهو الألفاظ، فإذا ثبت ذلك فاعلم أنه لا يصح التحدي بشيء مع جهل المخاطب بالجهة التي وقع بها التحدي.
ثم قال بعد ذلك الإعجاز في القرآن العظيم إما أن يعني بالنسبة إلى ذاته أو إلى عوارضه من الحركات والتأليف أو إلى مدلوله أو إلى المجموع أو إلى أمر خارج عن ذلك، لا جائز أن يكون الإعجاز حصل من جهة ذوات الكلم المفردة فقط لأن العرب قاطبة كانوا يأتون بها، ولا جائز أن يكون الإعجاز وقع بالنسبة إلى العوارض من الحركات والتأليف فقط... ولو كان الإعجاز في الإعراب والتأليف المجرد لم يعجز صغيرهم عن تأليف ألفاظ معربة فضلا عن كبيرهم، ولا جائز أن يكون بالنسبة إلى المعاني فقط، لأنها ليست من صنيع البشر، وليس لهم قدرة على إظهارها، من غير ما يدل عليها، ولا جائز أن تكون إلى المجموع لأنا قد بينا بطلانه، بالنسبة إلى كل واحد، فيتعين أن يكون الإعجاز لأمر خارج عن ذلك.

.أقوال العلماء في وجوه الإعجاز:

اختلف العلماء في وجوه الإعجاز، ومنطلق الاختلاف أن كل فريق ذهب إلى تلمس الإعجاز في جانب من جوانب التميز والتفوق في القرآن، فمنهم من وجد الإعجاز في البلاغة والفصاحة، ومنهم من وجد الإعجاز في الإخبار عن أمور الغيب، مما لم يكن معروفا عند العرب، ومنهم من وجد الإعجاز في قصص الأولين، ومنهم من رأى في النظم والتأليف والتركيب والإحكام البياني مظهرا من مظاهر الإعجاز.
وهذا التعدد في الرأي دليل على الإعجاز، فالقرآن الذي وجد فيه اللغوي قمة في الإبداع، ووجد فيه البلاغي قمة في الفصاحة، ووجد فيه الفقيه تشريعا رائع الأحكام، ووجد فيه الفيلسوف رؤية شمولية للكون والحياة والإنسان، لابد إلا أن يكون معجزا في كل شيء، فالإعجاز إعجاز تحد، وهو مطلق ولا يتوقف عند حدود اللغة والبيان والفصاحة والبلاغة..
وإعجاز القرآن إعجاز مطلق، فهو معجز بكل ما فيه، ومن الخطأ أن نتصور الإعجاز في جانب محدود، فالإعجاز الإلهي إعجاز متعدد الجوانب، لا يتوقف عند حدود الزمان أو المكان، وهو مستمر إلى يوم الدين، ويمتد الإعجاز لكي يشمل حفظ الله للقرآن، ولعل الحفظ هو الإعجاز الأكبر والأوضح والأكمل، ولولا حفظ الله للقرآن لما استطاع أن يظل على امتداد السنين وتكاثر الفتن فيها، واختلاف الرأي والاجتهاد وتعدد الطوائف موحد النص، واضح العبارة، متميزا في رسمه، يحتكم إليه في كل موقف، ويحتج فيه في كل حكم، ويجد الجميع فيه ما يبتغون من هداية وإرشاد، وما وقع من خلاف فيه من حيث الجمع والرسم والقراءة، لم يتجاوز حدود الخلاف اليسير الذي لم يثر أية ريبة في سلامة النص القرآني وقطعية آياته وسوره..
ومع هذا فإننا نورد أقوال العلماء في وجوه الإعجاز، كما أوردها الزركشي في البرهان وهي:

.أولا: الإعجاز بالصرفة:

ومعنى الإعجاز بالصرفة أن الله تعالى صرف العرب عن معارضته فلم يقدروا على ذلك، ولولا الصرفة لما أعجزهم القرآن، ولما أعجزهم أن يأتوا بمثله، وهذا القول منسوب إلى ابن إسحاق إبراهيم بن سيار النظام، وهو زعيم الفرقة النظامية، وأحد أبرز رجال الفكر الاعتزالي، وكان شيخا للجاحظ، وتوفي في خلافة المعتصم.
وهذا الرأي واضح البطلان، فاسد المعنى، لأنه يجعل الإعجاز خارجا عن نطاق القرآن ذاته، متعلقا بأمر خارجي يتمثل في حفظ القرآن عن طريق صرف العرب عن الإتيان بمثله، لا لأنهم لا يقدرون على ذلك، ولكن لأن الله أراد ذلك، وبمقتضى هذا الرأي فإن القدرة على الإتيان بمثل القرآن أمر ممكن من الناحية الواقعية ولكن الله صرف العرب عن ذلك، وهذا الرأي مخالف لظاهر الآية القرآنية في قوله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً}.
والواضح من الآية أن الإعجاز ثابت ولو اجتمع الإنس والجن وتعاونوا على ذلك، لأن الإعجاز كامن في القرآن نفسه، ولا يتوقف الإعجاز في أي عصر، ومبدأ الإعجاز بالصرفة هو إلغاء للإعجاز، وإلغاء للخصوصية القرآنية، واعتبار الإعجاز أمرا خارجيا..
ونقل السيوطي عن أبي بكر الباقلاني في كتابه الإعجاز:
وما يبطل القول بالصرفة أنه لو كانت المعارضة ممكنة، وإنما منع منها الصرفة، لم يكن الكلام معجزا، وإنما يكون المنع معجزا فلا يتضمن الكلام فضيلة على غيره في نفسه، وقال أيضا: وليس هذا بأعجب من قول فريق منهم أن الكل قادرون على الإتيان بمثله، وإنما تأخروا عنه لعدم العلم بوجه ترتيب لو تعلموه لوصلوا إليه به ولا بأعجب من قول آخرين، أن العجز وقع منهم، وأما من بعدهم ففي قدرته الإتيان بمثله، وكل هذا لا يعتد به.

.ثانيا: الإعجاز بالتأليف الخاص به:

والمراد بالتأليف الخاص بالقرآن اعتدال المفردات من حيث التركيب والوزن وسمو معانيه، بحيث يكون القرآن في أعلى درجات العلو والتفوق والتميز، ونسب هذا القول الزركشي لكمال الدين الزملكاني صاحب البرهان في إعجاز القرآن..
وذهب ابن عطية وجمهور العلماء إلى أن التحدي إنما وقع بنظمه وصحة معانيه وتوالي فصاحة ألفاظه، ووجه الإعجاز في هذا أن الله أحاط بكل شيء علما ولا يمكن الإتيان بمثل القرآن، وهو أمر خارج عن قدرة البشر، ولو كان بإمكان العرب أن يأتوا بمثله وهم في موطن التحدي لفعلوا ذلك، ولكنهم كانوا عاجزين وهم أعرف الناس بعجزهم...
وذهب أبو بكر الباقلاني إلى أن وجه الإعجاز هو ما فيه من النظم والتأليف والترصيف، وأنه خارج عن جميع وجوه النظم المعتاد في كلام العرب ومباين لأساليب خطاباتهم، ولهذا لم يتمكنوا من معارضته، وليس الإعجاز القرآني متمثلا في أصناف البديع الموجود في الشعر، فذلك ليس مما يخرق العادة، وإنما يتمثل الإعجاز في النظم المتميز للقرآن الذي ليس له مثال يحتذى، ولا إمام يقتدى به، ولا يصح وقوع مثله اتفاقا، ثم تساءل الباقلاني عما وقع التحدي به، أهو الحروف المنظومة أو الكلام القائم بالذات أو غيره؟ وأجاب بأن التحدي تمثل في إتيانهم بمثل حروف القرآن من حيث النظم والأحكام..
وقال بعض الأئمة: ليس الإعجاز المتحدى به إلا في النظم لا في المفهوم، لأن المفهوم لا يمكن الإحاطة به ولا الوقوف على حقيقة المراد به..