فصل: (فرع: طلب العامل في الشركة أجرة عمله)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: إيفاء الضامن بغير إذن]

إذا ضمن الرجل لغيره دينا، وقضاه، وادعى الضامن على المضمون عنه: أنه ضمن بإذنه وقضى بإذنه ليرجع عليه، وأنكر المضمون عنه الإذن، فإن أقام الضامن بذلك بينة.. حكم له بالرجوع على المضمون عنه، وإن لم يقم بينة.. فالقول قول المضمون عنه مع يمينه؛ لأن الأصل عدم الإذن.

.[فرع: تعارض القولين ولا بينة بين الكفيل وبين المكفول له]

فإن قال: تكفلت لك ببدن فلان مؤجلا، فقال المكفول له: بل تكفلت به
معجلا، وأقام كل واحد منهما شاهدا واحدا بما قال.. ففيه وجهان، حكاهما الصيدلاني:
أحدهما: لا يلزمه إلا مؤجلا؛ لأنه لم يقر بغيره.
والثاني: يحلف كل واحد منهما مع شاهده، ويتعارضان، ويسقطان، ويبقى الضمان معجلا.

.[فرع: لا يبرأ الكفيل إلا ببينة أو يمين]

إذا ادعى الكفيل: أن المكفول له برئ من الحق، وأن الكفالة قد سقطت، وأنكر ذلك المكفول له، ولم تكن بينة.. فالقول قول المكفول له مع يمينه؛ لأن الأصل بقاء الحق له، فإذا حلف.. ثبتت الكفالة له، وإن نكل، فحلف الكفيل.. برئ الكفيل، ولا يبرأ المكفول به من الحق؛ لأنه لا يبرأ بيمين غيره.
وإن قال الكفيل: تكفلت به، ولا حق لك عليه.. فالقول قول المكفول له؛ لأن الظاهر صحة الكفالة، وهل يحلف؟ قال أبو العباس: فيه وجهان:
أحدهما: لا يحلف؛ لأن دعوى الكفيل تخالف ظاهر قوله.
والثاني: يحلف؛ لأن ما يدعيه الكفيل ممكن، فإن حلف.. فلا كلام، وإن نكل.. ردت اليمين على الكفيل؛ لأنه يجوز أن يعلم أنه لا حق للمكفول له بإقراره. وبالله التوفيق

.[كتاب الشركة]

الأصل في جواز الشركة: الكتاب، والسنة، والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} الآية [الأنفال: 41]. فجعل الخمس مشتركا بين أهل الخمس، وجعل أربعة أخماس الغنيمة مشتركة بين الغانمين.
وقَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ} [النساء: 11]، فجعل الميراث مشتركا بين الأولاد.
وقَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} الآية [التوبة: 60]. فجعل الصدقة مشتركة بين أهل الأصناف.
وقَوْله تَعَالَى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص: 24]. (والخلطاء): هم الشركاء.
وأما السنة: فما روى جابر: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: «من كان له شريك في ربع، أو
حائط.. فلا يبعه حتى يؤذن شريكه، فإن رضي أخذ، وإن كره ترك».
وروي عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: «يد الله مع الشريكين ما لم يتخاونا».
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «يقول الله عز وجل: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خان أحدهما صاحبه.. خرجت من بينهما».
قال الشيخ أبو حامد: يعني: خرجت البركة.
وروي: «أن السائب قال: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شريكي، فلما كان بعد المبعث.. أتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقلت: يا رسول الله، كنت شريكي، فكنت خير شريك، كنت لا تداري ولا تماري» يعنى: لا تخالف ولا تنازع، من قَوْله تَعَالَى: {فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} [البقرة: 72]، يعنى: اختلفتم وتنازعتم.
وأما الإجماع: فإن أحدا من العلماء لم يخالف في جوازها.
إذا ثبت هذا: فإن الشركة تنقسم على ستة أقسام:
شركة في الأعيان والمنافع، وشركة في الأعيان دون المنافع، وشركة في المنافع دون الأعيان، وشركة في المنافع المباحة، وشركة في حقوق الأبدان، وشركة في حقوق الأموال.
فأما الأولى: شركة المنافع والأعيان -: فهو: أن يكون بين الرجلين، أو بين الجماعة أرض أو عبيد أو بهائم ملكوها بالإرث، أو بالبيع، أو بالهبة مشاعا.
وأما الثانية: شركة الأعيان دون المنافع -: فمثل: أن يوصي رجل لرجل بمنفعة عبده، أو داره، فيموت، ويخلف جماعة ورثة.. فإن رقبة العبد والدار تكون موروثة للورثة دون المنفعة.
وأما الثالثة: الشركة في المنافع دون الأعيان -: فمثل: أن يوصي بمنفعة عبده لجماعة، أو يستأجر جماعة عبدا.
وأما الوقف على جماعة: فإن قلنا: إن ملك الرقبة إلى الله.. كانت الشركة بينهم في المنافع دون الأعيان، وإن قلنا: إن الملك ينتقل إليهم.. كانت الشركة بينهم في المنافع والأعيان.
وأما الرابعة: الشركة في المنافع المباحة - فمثل: أن يموت رجل وله ورثة جماعة، ويخلف كلب صيد، أو كلب، ماشية أو زرع.. فإن المنفعة مشتركة بينهم.
وأما الخامسة: الشركة في حقوق الأبدان -: فهو: أن يرث جماعة قصاصا، أو حد قذف.
وأما السادسة: الشركة في حقوق الأموال -: فهو: أن يرث جماعة الشفعة، أو الرد بالعيب، أو خيار الشرط، أو حقوق الرهن، ومرافق الطرق.

.[مسألة: مشاركة غير المسلم]

تجوز الشركة في التجارة؛ لما روي: «أن البراء بن عازب، وزيد بن أرقم - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، كانا شريكين، فاشتريا فضة بنقد ونسيئة، فبلغ ذلك رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فأمرهما، وقال: «ما كان بنقد.. فأجيزوه، وما كان بنسيئة فردوه».
ويكره للمسلم أن يشارك الكافر، سواء كان المسلم هو المتصرف، أو الكافر، أو هما.
وقال الحسن - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: إن كان المسلم هو المتصرف.. لم يكره، وإن كان الكافر هو المتصرف، أو هما.. كره.
دليلنا: ما روي عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: أنه قال: (أكره أن يشارك المسلم اليهودي والنصراني). ولا مخالف له.
ولأنهم لا يمتنعون من الربا، ومن بيع الخمور، ولا يؤمن أن يكون ماله الذي عقد عليه الشركة من ذلك، فكره. فإن عقد الشركة معه.. صح؛ لأن الظاهر مما هو بأيديهم أنه ملكهم، وقد «اقترض النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من يهودي شعيرا، ورهنه درعه».

.[مسألة: الشركة في العروض]

قال المزني: والذي يشبه قول الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -: أنه لا تجوز الشركة في العروض، ولا فيما يرجع في حال المفاصلة إلى القيم؛ لتغير القيم.
وجملة ذلك: أن عقد الشركة يصح على الدراهم والدنانير؛ لأنهما قيم المتلفات، وثمن الأشياء غالبا، وبهما تعرف قيم الأموال، وما يزيد فيها من الأرباح، وأما غير النقود: فضربان:
ضرب لا مثل له، وضرب له مثل.
فأما ما لا مثل له، كالثياب، والحيوان، وما أشبههما: فلا يصح عقد الشركة عليهما، وبه قال أبو حنيفة.
وقال مالك: (يصح عقد الشركة عليها، ويكون رأس المال فيها قيمتها).
دليلنا: أن موضوع الشركة على أن لا ينفرد أحد الشريكين بربح مال أحدهما، وهذه الشركة تفضي إلى ذلك؛ لأنه قد تزيد قيمة عرض أحدهما، ولا تزيد من قيمة عرض الآخر، فيشاركه من لم تزد قيمة عرضه عند المفاصلة، وهذا لا سبيل إليه، فإن كان لكل واحد منهما عبد يساوي مائة، وأرادا الشركة.. باع أحدهما نصف عبده بنصف عبد صاحبه، ثم يتقاصان، ويأذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف، وإن كانت قيمة أحدهما مائتين، وقيمة الآخر مائة.. باع من قيمة عبده مائتان ثلث عبده بثلثي عبد الآخر، وإن شاءا.. باع كل واحد منهما من صاحبه بعض عرضه بثمن في ذمته، ثم تقاصا، وإن شاءا.. اشتريا عرضا من رجل بثمن في ذمتهما، ثم دفعا عرضيهما عما في ذمتهما.
وأما ما له مثل، كالحبوب، والأدهان: فهل يصح عقد الشركة فيها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز، وهو ظاهر ما نقله المزني؛ لأنه قال: ولا فيما يرجع حال المفاصلة إلى القيم. وما له مثل.. لا يرجع إلى قيمته، ولأنهما مالان إذا خلطا.. لم يتميز أحدهما عن الآخر، فصح عقد الشركة عليهما، كالدراهم، والدنانير.
والثاني: لا يجوز؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قال في " البويطي ": (ولا تجوز الشركة في العروض). وما له مثل من العروض، ولأنها شركة على عروض، فلم تصح، كالثياب، والحيوان.
قال أبو إسحاق في " الشرح ": فإذا قلنا: تصح الشركة فيها، فإن كانت قيمتهما سواء.. أخذ كل واحد منهما مثل سلعته يوم المفاصلة، واقتسما ما بقي من الربح، وإن كانت قيمتهما مختلفة، مثل: أن كانت حنطة أحدهما جيدة، وحنطة الآخر مسوسة.. كان لكل واحد منهما قيمة حنطته يوم عقد الشركة، واقتسما ما بقي من الربح.

.[فرع: اشتركا في سبيكتي فضة]

قال الشيخ أبو حامد: فإن أخرج كل واحد منهما نقرة فضة، واشتركا فيها، فإن كانتا على صفة لا تتميزان بعد الخلط.. لم يصح عقد الشركة؛ لمعنى واحد، وهو أن كل واحد منهما يرجع عند المفاصلة إلى القيمة، فأشبه العروض، وإن كانتا متميزتين بعد الخلط.. لم يصح؛ لما ذكرناه، ولأنهما مالان لا يختلطان، فشابه العبيد والثياب.

.[مسألة: أنواع الشركة]

والشركة أربعة:
شركة العنان، وشركة الأبدان، وشركة المفاوضة، وشركة الوجوه، ولا يصح من هذه الشركة عندنا، إلا شركة العنان، وهو: أن يخرج كل واحد منهما مالا من جنس مال الآخر، وعلى صفته، ويخلطا المالين، ولا خلاف في صحة هذه الشركة، واختلف الناس لم سميت شركة العنان:
فقيل: سميت شركة العنان؛ لظهورها، وهو أنهما ظاهرا بإخراج المالين، يقال عن الشيء إذا ظهر، ومنه قول امرئ القيس:
فعن لنا سرب كأن نعاجه ** عذارى دوار في ملاء مذيل

وقيل: سميت: عنانا؛ لاشتراكهما فيما يعن من الربح، أي: فيما يفضل من الربح، يقال عن الشيء إذا عرض.
وقيل: سميت: عنانا، من المعاننة، وهي المعارضة، فكل واحد من الشريكين عارض شريكه بمثل ماله.
وقيل: سميت بذلك، مأخوذا من عنان دابتي الرهان؛ لأن الفارسين إذا استبقا.. تساوى عنانا فرسيهما، كذلك هذه الشركة من شأنها أن يتساوى الشريكان فيها في المال والربح.
وقيل: سميت: شركة العنان، مأخوذا من عنان فرسي الرهان، لجهة أخرى؛ لأن الإنسان يحبس نفسه في الشركة من التصرف بالمال في سائر الجهات، إلا عن الجهة التي يتفق عليها الشريكان، كما أن الإنسان يحبس الدابة إذا ركبها بالعنان عن السير إلى سائر الجهات، إلا عن الجهة التي يريدها.
وقال أبو بكر الرازي: سميت بذلك، مأخوذا من العنان؛ لأن الإنسان يأخذ عنان الدابة بإحدى يديه، ويحبسه عليها، ويده الأخرى مرسلة، يتصرف بها كيف شاء، كذلك هذه الشركة كل واحد من الشريكين بعض ماله مقصور عن التصرف فيه من جهة الشركة، وبعض ماله يتصرف فيه كيف شاء.

.[مسألة: في صحة الشركة]

قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: (والشركة الصحيحة: أن يخرج كل واحد من الشريكين دنانير، مثل دنانير صاحبه، ويخلطاها، فيكونا شريكين).
وجملة ذلك: أن من شرط صحة شركة العنان، أن يكون مالهما المشترك بينهما من جنس واحد، وسكة واحدة، فإن كان مال أحدهما دراهم، ومال الآخر دنانير، أو كان مال أحدهما ملكية، ومال الآخر مشرقية أو مغربية، أو كان مال أحدهما صحاحا، ومال الآخر مكسرا.. لم تصح شركة العنان. وقال أبو حنيفة: (تصح).
دليلنا: أنهما مالان مختلفان، فوجب أن لا ينعقد عليهما عقد الشركة، كما لو كان مال أحدهما حنطة، ومال الآخر شعيرا.
فإن خالفا، وأخرج أحدهما عشرة دنانير، والآخر عشرة دراهم، وخلطا ذلك، وابتاعا به متاعا.. فإن ذلك يكون ملكا لهما على قدر مالهما، فإن كان نقد البلد دنانير.. قومت الدراهم، فإن كانت قيمتها خمسة دنانير.. كان لصاحب الدنانير ثلثا المتاع، ولصاحب الدراهم ثلثه، وكذلك يقسم الربح والخسران بينهما، وإن كان نقد البلد من غير جنس ما أخرجاه.. قوم ما أخرج كل واحد منهما بنقد البلد، فإن تساويا.. كان ذلك بينهما نصفين، وإن تفاضلا.. كان الحكم في ملك المتاع لهما كذلك.
ولا تصح الشركة حتى يخلطا المالين، ثم يقولا: تشاركنا، أو اشتركنا، فإن عقدا الشركة قبل خلط المالين.. لم تصح.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (تصح الشركة وإن لم يخلطا المالين، بل مال كل واحد منهما بيده يتصرف فيه كيف شاء، ويشتركان في الربح).
وقال مالك رحمة الله عليه: (من شرط صحة عقد الشركة أن تكون أيديهما على المالين أو يد وكيلهما وإن لم يكونا مخلوطين).
دليلنا: أنهما مالان يتميز أحدهما عن الآخر، فلم تصح الشركة عليهما، كما لو كانا حنطة وشعيرا، أو كما لو لم تكن أيديهما على المالين، ولأنا لو صححنا عقد الشركة قبل الخلط... لأدى إلى أن يأخذ أحدهما ربح مال الآخر؛ لأنه قد يربح بمال أحدهما دون الآخر.
وهل من شرط صحة هذه الشركة أن يتساويا في قدر ماليهما؟ فيه وجهان:
أحدهما قال أبو القاسم الأنماطي: لا تصح حتى يتساويا في قدر ماليهما، فإن كان مال أحدهما عشرة دنانير، ومال الآخر خمسة.. لم تصح؛ لأن الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - شرط أن يخرج أحدهما مثل ما يخرج الآخر، ولأنهما إذا تفاضلا في المال.. فلا بد أن يتفاضلا في الربح؛ لأن الربح على قدر المالين، فلم يجز أن يتفاضلا في الربح مع تساويهما في العمل، كما لا يجوز أن يتساويا في المال، ويتفاضلا في الربح مع تساويهما في العمل، فكذلك هاهنا.
والثاني: قال عامة أصحابنا: تصح الشركة وإن كانا متفاضلين في المالين؛ لأن المقصود في الشركة أن يشتركا في ربح ماليهما، وذلك يمكن مع تفاضل المالين، كما يمكن تساويهما، وما قال الشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ -.
فأراد به المثل من جهة الجنس والسكة، لا من جهة القدر، وأما اعتبار الربح بالعمل: فغير صحيح؛ لأن عمل الشريكين في مال الشركة لا تأثير له؛ لأنه تابع، وقد يعمل أحدهما في مال الشركة أكثر من عمل الآخر مع استوائهما في المال، وقد يعمل أحدهما في مال الشركة، وحده من غير شرط في العقد، ويصح ذلك كله، ولا يؤثر في الربح.

.[فرع: التصرف بمال الشركة]

وإذا عقدا الشركة على مال لهما نصفين.. فإن كل واحد منهما يملك التصرف في نصف المال مشاعا من غير إذن شريكه؛ لأنه ملكه، وهل له أن يتصرف في النصف الآخر من غير إذن شريكه؟ فيه وجهان؛ حكاهما المسعودي [في "الإبانة" ق \ 288]:
أحدهما: يملك ذلك، وبه قال أبو حنيفة؛ لأن هذا مقتضى عقد الشركة، فلم يحتج إلى إذن الآخر، كما لو عقد القراض على مال له.
والثاني: وهو طريقة البغداديين من أصحابنا -: أنه لا يملك ذلك من غير إذن شريكه؛ لأن المقصود من الشركة هو أن يشتركا في ربح ماليهما، وذلك يقتضي التوكيل من كل واحد منهما لصاحبه.
إذا ثبت هذا: فإن أذن كل واحد منهما لصاحبه في التصرف بنصيبه.. تصرف كل واحد منهما بجميع مال الشركة، وإن أذن أحدهما لصاحبه دون الآخر.. صح تصرف المأذون له في جميع المال، ولا يتصرف من لم يؤذن له إلا في نصفه مشاعا، ولا يتجر المأذون له في نصيب شريكه إلا في النوع المأذون له فيه من الأمتعة، سواء كان يعم وجوده أو لا يعم وجوده؛ لأن ذلك توكيل، وللإنسان أن يوكل غيره يشتري له نوعا من الأمتعة وإن لم يكن عام الوجود، بخلاف القراض، فإن المقصود منه الربح، وذلك لا يحصل إلا في الإذن بالتجارة فيما يعم وجوده.
قال ابن الصباغ: وإن أذن له أن يتجر في جميع التجارات.. جاز ذلك أيضا، ولا يبيع المأذون له نصيب شريكه إلا بنقد البلد حالا بثمن المثل، كما نقول في الوكيل.

.[فرع: قسمة الربح والخسران على قدر المالين]

وإذا اشترك الرجلان، وتصرفا، فإن ربحا.. قسم الربح بينهما أو الخسران على قدر المالين، سواء شرطا ذلك في العقد أو أطلقا؛ لأن هذا مقتضى الشركة، وإن شرطا التفاضل في الربح أو الخسران مع تساوي المالين، أو شرطا التساوي في الربح أو الخسران مع تفاضل المالين.. لم يصح هذا الشرط. وقال أبو حنيفة: (يصح).
دليلنا: أنه شرط ينافي مقتضى الشركة، فلم يصح كما لو شرطا الربح لأحدهما فإن تصرفا مع هذا الشرط.. صح تصرفهما؛ لأن الشرط لا يسقط الإذن، فإن ربحا أو خسرا.. قسم الربح والخسران على قدر ماليهما؛ لأنه مستفاد بمالهما، فكان على قدرهما، كما لو كان بينهما نخيل، فأثمرت، ويرجع كل واحد منهما على صاحبه بأجرة عمله في ماله؛ لأنه إنما عمل بشرط، ولم يسلم له الشرط.

.[فرع: طلب العامل في الشركة أجرة عمله]

إذا كان بين رجلين ثلاثة آلاف درهم، لأحدهما ألف، وللآخر ألفان، وعقدا الشركة على أن يكون الربح بينهما نصفين، فإن شرط صاحب الألفين على نفسه شيئا من العمل.. كانت الشركة فاسدة، فإذا عملا.. قسم الربح والخسران بينهما على قدر
ماليهما، ويرجع كل واحد على صاحبه بأجرة عمله في ماله.
وقال أبو حنيفة - رَحِمَهُ اللَّهُ -: (الشركة فاسدة، ولا يرجع أحدهما على الآخر بأجرة عمله في ماله).
دليلنا: أنه عقد يُبتغى به الربح في ثاني الحال، فإذا كان فاسدا.. استحق أجرة عمله فيه، كالقراض.
فإن عمل صاحب الألفين على مال الشركة عملا أجرته ثلاثمائة، وعمل صاحب الألف على مال الشركة عملا أجرته مائة وخمسون.. فإن كل واحد منهما يستحق على شريكه مائة، فيتقاصان.
وإن عمل صاحب الألف على مال الشركة عملا أجرته ثلاثمائة، وعمل صاحب الألفين على مال الشركة عملا أجرته مائة وخمسون.. فإن صاحب الألف يستحق على صاحب الألفين مائتين، ويستحق عليه صاحب الألفين خمسين، فيقاصه بها، ويبقى لصاحب الألف على صاحب الألفين مائة وخمسون.
وإن عمل كل واحد منهما على مال الشركة عملا أجرته مائة وخمسون.. فإن صاحب الألف يستحق على صاحب الألفين مائة، ويستحق صاحب الألفين عليه خمسين، فيقاصه بها، ويبقى لصاحب الألف على صاحب الألفين خمسون.
وإن شرط صاحب الألفين جميع العلم على صاحب الألف، وشرط له نصف الربح.. فإن هذه الشركة صحيحة، وقراض صحيح؛ لأن صاحب الألف يستحق ثلث الربح بالشركة؛ لأن له ثلاث المال، ولصاحب الألفين ثلثا الربح، فلما شرط جميع العمل على صاحب الألف، وشرط له نصف الربح.. فقد شرط لعمله سدس الربح، فجاز، كما لو قارضه على سدس الربح.
فإن قيل: كيف صح عقد القراض على مال مشاع؟ قلنا: إنما صح؛ لأن الإشاعة مع العامل، فلا يتعذر تصرفه، وإنما لا يصح إذا كانت الإشاعة في رأس المال مع غيره؛ لأنه لا يتمكن من التصرف.

.[فرع: عمل الشريك من غير اشتراط عوض تبرع]

وإن كان بين رجلين ألفا درهم، لكل منهما ألف، فأذن أحدهما لصاحبه أن يعمل في ذلك، ويكون الربح بينهما نصفين.. فإن هذا ليس بشركة ولا قراض؛ لأن مقتضى الشركة: أن يشتركا في العمل والربح، ومقتضى القراض: أن للعامل نصيبا من الربح، ولم يشترط له هاهنا شيئا.
إذا ثبت هذا: فعمل، وربح.. كان الربح بينهما نصفين؛ لأنه نماء مالهما.
قال ابن الصباغ: ولا يستحق العامل بعمله في مال شريكه أجرة؛ لأنه لم يشترط لنفسه عوضا، فكان عمله تبرعا.

.[مسألة: شركة الأبدان]

وأما شركة الأبدان: فهي أن يعقد خياطان أو صباغان على أن ما كسب كل واحد منهما يكون بينهما.. في شركة باطلة، سواء اتفقت صنعتاهما، أو اختلفتا.
قال ابن الصباغ: ومن أصحابنا من قال: للشافعي - رَحِمَهُ اللَّهُ - قول آخر: (أن هذه الشركة جائزة)؛ لأنه قال: (لو أقر أحد الشريكين على صاحبه بمال.. لم يقبل، سواء كانا شريكين في المال أو العمل).
وقال أكثرهم: ليس بقول له؛ لأن ذلك لا يتضمن صحة الشركة.
وقال أبو حنيفة: (تصح الشركة فيما يضمن بالعقد، كالصنائع كلها، مثل: الخياطة، والصباغة، سواء اتفقتا أو اختلفتا، فأما ما لا يضمن بالعقد، كالاصطياد، والاحتطاب، والاحتشاش، والاغتنام؛ فلا يصح عقد الشركة عليه).
وقال مالك: (تصح الشركة إذا اتفقت صنعتاهما، ولا تصح إذا اختلفتا).
وقال أحمد: (تصح شركة الأبدان في الصنع كلها، وفي جميع الأشياء المباحة، كالاصطياد والاحتشاش، والاغتنام).
دليلنا: ما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن الغرر». وفي الشركة غرر؛ لأنه لا يدرى كم يكسب كل واحد منهما، ولأنهما عقدا الشركة على أن يدخل كل واحد منهما في كسب صاحبه، فلم يصح، كما لو اشتركا فيما يكتسبان بالاصطياد، والاحتشاش، ولأنهما عقدا الشركة على منافع أعيان متميزة، فلم يصح، كما لو اشتركا في الغنم على أن يكون الدر والنسل بينهما، فإن عملا، وكسبا.. اختص كل واحد منهما بأجرة عمله؛ لأنه بدل عمله، فاختص به.