فصل: (فرع: موت أحد الشريكين)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان في مذهب الإمام الشافعي



.[فرع: قبول أحد الشريكين بالبيع والتلف]

وإن أقر أحد الشريكين: أنه باع، وقبض الثمن، وتلف في يده وهو مأذون له، فأنكر شريكه البيع، أو القبض.. فهل يقبل قول المأذون له؟ فيه قولان، نذكرهما في (الوكالة) إن شاء الله تعالى.

.[مسألة: عزل الشريك نفسه عن التصرف لا يمنعه من التصرف بنصيبه مشاعا]

إذا اشتركا، وأذن كل واحد منهما لصاحبه بالتصرف، ثم عزل أحدهما صاحبه عن التصرف في نصيبه، أو عزل أحدهما نفسه عن التصرف في نصيب شريكه.. كانت الشركة باقية، إلا أن المعزول لا يتصرف إلا في نصيب نفسه مشاعا، ولا ينعزل الآخر عن التصرف في نصيب صاحبه ما لم يعزله صاحبه، أو يعزل نفسه؛ لأن تصرف كل واحد منهما في نصيب شريكه بالإذن، فإذا عزله المالك، أو عزل نفسه.. انعزل.
وإن عزل كل واحد منهما صاحبه، أو قال أحدهما: عزلت نفسي عن التصرف في نصيب شريكي، وعزلته عن التصرف في نصيبي.. انعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب شريكه، ولا تبطل الشركة بذلك.
فإن قال أحدهما: فسخت الشركة.. انعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب شريكه؛ لأن ذلك يقتضي العزل من الجانبين، ولا يبطل الاشتراك، فإن اتفقا على القسمة.. قسما، وإن اتفقا على البيع، أو التبقية.. كان لهما ذلك، وإن دعا أحدهما إلى البيع، والآخر إلى القسمة.. أجيب من دعا إلى القسمة، كالمال الموروث بين الورثة.
وإن جن أحدهما، أو أغمي عليه.. انفسخت الشركة، وانعزل كل واحد منهما عن التصرف في نصيب شريكه؛ لأن الإذن عقد جائز، فبطل بالجنون، والإغماء، كالوكالة.

.[فرع: موت أحد الشريكين]

وإن مات أحدهما.. انفسخت الشركة، وانعزل الباقي منهما عن التصرف في نصيب الآخر؛ لأن الإذن عقد جائز، فبطل بالموت، كالوكالة.
إذا ثبت هذا: فإن لم يكن على الميت دين، ولا أوصى بشيء، فإن كان الوارث بالغا رشيدا.. فله أن يقيم على الشركة بأن يأذن للآخر في التصرف، ويأذن الشريك له، وله أن يقاسم؛ لأن الحق لهما، فكان لهما أن يفعلا ما شاءا.
قال أبو إسحاق: غير أن الأولى أن يقاسم؛ لأنه ربما كان هناك دين، أو وصية لم يعلم بها الوارث.
وللوارث إذا كان بالغا رشيدا أن يقاسم وإن كان الحظ في الشركة، وله أن يقيم على الشركة وإن كان الحظ في القسمة؛ لأن الحق له، وهو رشيد.
وإن كان الوارث مولى عليه.. كان النظر في مال المولى عليه إلى وليه فإن كان الحظ في الشركة.. لم يجز له أن يقاسم، وإن كان الحظ في القسمة.. لم يجز له أن يقيم على الشركة؛ لأن الناظر في مال المولى عليه لا ينفذ تصرفه فيه، إلا فيما له فيه حظ، وسواء كان المال نقدا أو عرضا.. فإن الشركة تجوز؛ لأن الشركة إنما لا تجوز ابتداء على العروض، وهذا استدامة للشركة، وليس بابتداء عقد.
وإن مات وعليه دين.. لم يجز للوارث أن يأذن في التصرف بمال الشركة؛ لأن الدين يتعلق بجميع المال، فهو كالمرهون، فإن قضى الدين من غير مال الشركة.. كان كما لو مات ولا دين عليه، وهكذا إن قضى الدين ببعض مال الشركة.. كان كما لو مات ولا دين، وللوارث أن يأذن له في التصرف فيما بقي.
وإن وصى بثلث ماله، أو بشيء من مال الشركة، فإن كانت الوصية لمعين.. كان الموصى له شريكا كالوارث، وله أن يفعل ما يفعل الوارث، وإن كانت الوصية لغير معين.. لم يجز للوصي الإذن للشريك في التصرف؛ لأنه قد وجب دفعه إليهم، بل يعزل نصيبهم، ويفرقه عليهم، فإن كان قد أوصى بثلث ماله، فأعطى الوارث ثلث الموصى لهم من غير ذلك المال مثله.. لم يجز ذلك؛ لأن الموصى لهم قد استحقوا ثلث ذلك المال بعينه، فلا يجوز أن يعطوه من غيره. والله أعلم، وبالله التوفيق

.[كتاب الوكالة]

الأصل في جواز الوكالة: الكتاب، والسنة، والإجماع:
أما الكتاب: فقوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ} الآية [الكهف: 19].
وقَوْله تَعَالَى: {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي} [يوسف: 93]. وهذا وكالة.
وأما السنة: «فروى جابر، قال: أردت الخروج إلى خيبر، فأتيت النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فسلمت عليه، وقلت له: إني أريد الخروج إلى خيبر، فقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إذا لقيت وكيلي بخيبر.. فخذ منه خمسة عشر وسقا من تمر، فإن ابتغى منك آية.. فضع يدك على ترقوته» يعني: إن طلب منك أمارة: فأخبر أن له وكيلا.
وروى: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل عمرو بن أمية الضمري في قبول نكاح أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب»، و: «وكل أبا رافع في قبول نكاح ميمونة»، و: «وكل عروة البارقي في شراء شاة»، و: «وكل حكيم بن حزام في شراء شاة».
وأجمعت الأمة على جواز التوكيل، ولأن بالناس حاجة إلى التوكيل؛ لأن من الناس من لا يتمكن من فعل ما يحتاج، إما لقلة معرفته بذلك، أو لكثرته، أو تنزهه عن ذلك، فجاز التوكيل فيه.
إذا ثبت هذا: فإن العبادات التي لا مدخل للمال فيها لا يجوز التوكيل فيها، فمنها: الطهارة لا تجوز الوكالة فيها بأن يتطهر أحد عن أحد؛ لأنها عبادة محضة لا تتعلق بالمال، ولكن له أن يوكل من يقرب إليه الماء، ويصبه عليه، ويوكل من يطهر ثوبه وبدنه من النجاسة.
وأما الصلاة: فلا تصح النيابة فيها إلا في ركعتي الطواف على سبيل التبع للحج.
وأما الزكاة والكفارات كلها: فتجوز الوكالة في أدائها من مال الآمر والمأمور، وقد مضى ذلك في الزكاة.
وأما الصوم: فلا تدخله النيابة في حال الحياة، وفيما بعد الموت قولان، مضى ذكرهما في الصوم.
وأما الاعتكاف: فلا تدخله النيابة بحال.
وأما الحج: فتدخله النيابة، وقد مضى ذكره.
قال ابن الصباغ: ولا يصح التوكيل في النذور.
ويجوز التوكيل في البيع والشراء؛ لما روي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دفع إلى حكيم بن حزام دينارا ليبتاع له شاة للأضحية، فابتاع به شاة، وأعطي بها ربحا، فباعها بدينارين، ثم اشترى شاة بدينار، فأتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ومعه شاة ودينار، فأمره أن يتصدق بالدينار، ويضحي بالشاة».
وروي: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعطى عروة البارقي دينارا ليشتري به أضحية، فابتاع شاتين بدينار، ثم باع إحداهما بدينار، وأتاه بشاة ودينار، فقال له النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «بارك الله لك في صفقة يمينك»، يعني: في الربح. فكان لو اشترى ترابا لربح فيه.
وتجوز الوكالة في عقد الرهن، وقبضه، وإقباضه، ولا تتصور الوكالة في التفليس، ويجوز للحاكم أن يوكل من يتولى الحجر، ويصح التوكيل في الصلح، والحوالة، والضمان، والشركة، والوكالة، والعارية، ولا يصح التوكيل في الغصب، فإن فعل.. كان الغاصب هو الوكيل؛ لأنه فعل محرم، فلا تدخله النيابة، وتصح الوكالة في طلب الشفعة، وأخذها، وفي القراض، والمساقاة، والإجارة، والهبة، والوقف.
قال ابن الصباغ: وأما الالتقاط، والاغتنام.. فلا يصح التوكيل فيه، فإذا أمره، فالتقطه.. كان أحق به من الآمر.. وينبغي أن يكون كالاصطياد على قولين.
وأما الميراث: فلا نيابة فيه إلا في قسمته وقبضه.
وتصح الوكالة في الوصايا، والودائع، وقسم الفيء والغنيمة، ويصح التوكيل في النكاح من الزوج؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وكل عمرو بن أمية ليقبل له نكاح أم حبيبة»، و «وكل أبا رافع ليقبل له نكاح ميمونة».
ويصح التوكيل في الطلاق والخلع، ولا يصح في القسم؛ لأنه متعلق بيد الزوج، ولا يصح في الظهار، والإيلاء، والأيمان، وفي الرجعة وجهان:
أحدهما: لا يجوز، كما لا يجوز في الإيلاء، والظهار.
والثاني: يصح، وهو الصحيح، كما قلنا في عقد النكاح.
وهل يصح التوكيل في تملك المباحات، كالاصطياد، والاحتشاش، وإحياء الموات، واستقاء الماء؟ فيه قولان:
أحدهما: يجوز، كما يجوز في البيع والهبة.
والثاني: لا يجوز، كما لا يجوز في الاغتنام.
ويصح التوكيل في العتق، والتدبير، والكتابة، كما قلنا في البيع والهبة، ولا يصح التوكيل في العدد، والرضاع، والاستيلاد، لأن ذلك متعلق بالبدن.

.[مسألة: التوكيل في الخصومة]

وتجوز الوكالة في إثبات الأموال، والخصومة فيها؛ لما روي: (أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وكل عقيل بن أبي طالب، وقال: ما قضي له.. فلي، وما قضي عليه.. فعلي).
قال الشافعي: (ولا أحسبه كان يوكله إلا عند عمر بن الخطاب، ولعله عند أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، ووكل علي عبد الله بن جعفر عند عثمان، فقبل عثمان - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ذلك).
ولأن الإنسان قد يدعي حقا، أو يدعى عليه بحق، ولا يحسن الخصومة في ذلك، أو يكره أن يتولى ذلك بنفسه، فجاز أن يوكل فيه.
وتجوز الوكالة من غير رضا الخصم، سواء كان الموكل حاضرا، أو غائبا، صحيحا كان أو مريضا، رجلا كان أو امرأة.
وقال أبو حنيفة: (لا يصح التوكيل في الخصومة من غير رضا الخصم إلا في ثلاث مسائل:
إحداهن: أن يكون الموكل غائبا.
الثانية: أن يكون مريضا.
الثالثة: أن يكون امرأة مخدرة.
ولا يلزم الخصم إجابة الوكيل إلا في هذه الثلاثة المواضع).
ودليلنا: ما روي: (أن طلحة بن عبيد الله نازع علي بن أبي طالب في قفيز أخذه في أرضه في زمان عثمان، فوكل علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عبد الله بن جعفر، وقال علي: إن الخصومات يتقحمها الشيطان، وإني أكره أن أحضرها)، وروي: أنه قال: (إن للخصومات قحما)، يعني: مهالك، ولم ينكر أحد من الصحابة ذلك. ولأنه توكيل في حقه، فلم يكن من شرط لزومه رضا الموكل عليه، كما لو وكله في استيفاء حق له على غيره، ولأنه توكيل، فصح من غير رضا الخصم، كما لو كان الموكل غائبا، أو مريضا، أو امرأة غير برزة.

.[فرع: الوكالة في إثبات الحدود]

ويجوز التوكيل في تثبيت القصاص، وحد القذف، وبه قال عامة العلماء.
وقال أبو يوسف: لا يصح.
دليلنا: أنه حق لأدمي، فجاز التوكيل في تثبيته، كالدين.
ولا يصح التوكيل في تثبيت حدود الله، كحد الزنا، والشرب، والسرقة؛ لأن الحق فيها لله، وقد أمر بسترها، ودرئها.
ويجوز التوكيل في استيفاء الأموال؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يبعث العمال لقبض الصدقات والجزية».
ويصح التوكيل لاستيفاء حدود الله؛ لـ: «أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بعث أنيسا لاستيفاء حد
الزنا»، و: (وكل عثمان عليا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - بإقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة).
ويجوز للوكيل أن يستوفي القصاص لموكله، وحد القذف بحضور الموكل؛ لأن الإنسان قد يكون له قصاص، أو حد قذف، ولا يحسن استيفاءه، فجاز له التوكيل في استيفائه، وهل يجوز استيفاؤه من غير حضور الموكل؟
قال الشافعي في (الوكالة): (لا يستوفي). وقال في (الجنايات): (لو وكله في استيفاء القصاص، فتنحى به الوكيل، ثم عفا عنه الموكل، وضرب الوكيل عنقه.. فهل يجب عليه الضمان؟ فيه قولان). وهذا يدل على جواز التوكيل في الاستيفاء مع غيبة الموكل.
واختلف أصحابنا في ذلك على ثلاث طرق:
أحدهما ـ وهو قول أبي إسحاق، واختيار الشيخ أبي حامد، والقاضي أبي الطيب الطبري ـ أنه يجوز، قولا واحدا؛ لأن كل ما جاز استيفاؤه بحضرة الموكل.. جاز بغيبته، كسائر الحقوق، وما قال في (الوكالة).. محمول على الاستحباب.
والثاني: منهم من قال: لا يجوز، قولا واحدا. وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه إذا غاب الموكل احتمل أن يكون عنده شبهة في سقوط القصاص، بأن يكون قد عفا، وما قال في (الجنايات).. فمحمول على أنه يتنحى به عن مجلسه؛ لئلا يترشش عليه الدم، ولم يغب عن عينه.
والثالث منهم من قال: فيه قولان:
أحدهما: يجوز.
والثاني: لا يجوز. ووجههما ما ذكرناه.

.[مسألة: التوكيل في الإبرام والحل للعقود]

ويصح التوكيل في فسخ العقود، كما يصح في عقدها، ويصح التوكيل في الإبراء من الحقوق والديون، كما يصح في إثباتها.
إذا ثبت هذا: فإنه لا يبرأ إلا من القدر الذي يأذن له فيه الموكل؛ لأنه إنما يستفاد ذلك من قبله، فلا يجوز إلا ما أذن له فيه.

.[فرع: الوكالة في الإقرار]

وإن وكله بالإقرار.. فهل يصح التوكيل؟ فيه وجهان مشهوران:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه إخبار عن حق، فلم يصح التوكيل فيه، كالشهادة.
والثاني: يصح، كما لو قال: أخبره عني: أن له علي ألفا.
والوجه الثالث ـ حكاه أبو علي السنجي ـ: إن وكله بالإقرار بحق معين.. صح التوكيل، وإن وكله بالإقرار بحق مجهول.. لم يصح.
فإذا قلنا: لا يصح التوكيل فيه.. فهل يكون التوكيل إقرارا من الموكل؟ فيه وجهان:
أحدهما: يكون إقرارا منه؛ لأنه لم يوكله بذلك إلا وهو واجب عليه.
والثاني: لا يكون إقرارا منه، كما لا يكون التوكيل في الإبراء إبراء، ولا في البيع بيعا.
فإذا قلنا: يصح التوكيل فيه.. لم يلزم على الموكل شيء حتى يقر عنه الوكيل.
فإذا قلنا بهذا، أو قلنا: يكون التوكيل إقرارا من الموكل.. نظرت:
فإن وكله بأن يقر عنه بحق معلوم.. أقر عنه بذلك.
وإن وكله أن يقر عنه بمال، أو بشيء.. أقر عنه بذلك، ورجع إلى الموكل في بيان ذلك.
فأما إذا قال الموكل: أقر له عني، وسكت، فقال الوكيل: أقررت لك عن موكلي.. ففيه وجهان، حكاهما الشيخ أبو حامد:
أحدهما: يكون كما لو قال: أقر له عني بشيء.. فيرجع إلى بيان الموكل فيه؛ لأن قوله: أقر له عني، لا يحتمل إلا ذلك.
والثاني ـ وهو الصحيح ـ: أنه لا يلزم الموكل بذلك حق؛ لأنه لم يأمره أن يقر له بشيء معلوم، ولا مجهول، فلم يلزمه شيء، كما لو قال الرجل لغيره: أنا أقر لك، أو أنا مقر لك.. فإنه لا يلزمه بذلك مال، بل يحتمل: أقر له عني بالعلم، أو بالفضل، أو بالشجاعة، والأصل براءة ذمته من المال، فلم يلزمه بالشك. هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، وأكثر أصحابنا. وذكر الشيخ أبو إسحاق: إذا قلنا: يصح التوكيل بالإقرار.. لم يجز حتى يتبين جنس ما يقر به، وقدر ما يقر به. وهذا موافق للوجه الذي حكاه السنجي.

.[مسألة: صحة التصرف تصحح الوكالة نيابة]

قال الشافعي: (والتوكيل من كل موكل، من رجل، أو امرأة) الفصل إلى آخره. وجملة ذلك: أن من صح تصرفه في شيء تدخله النيابة.. جاز أن يوكل فيه غيره، كالحُرّ الرشيد، والحرة الرشيدة، والحر الفاسق، والحرة الفاسقة، والمسلم، والكافر فيما يملكون من التصرف، وكذلك المكاتب يجوز له أن يوكل غيره في البيع والشراء.
وأما من لا يملك التصرف في شيء بنفسه: فلا يجوز له أن يوكل غيره فيه، فلا يصح للصبي، والمجنون، والمحجور عليه لسفه أن يوكل غيره في بيع ماله؛ لأنه إذا لم يملك ذلك بنفسه.. فلأن لا يملك غيره ذلك من جهته أولى، إلا أن المحجور عليه يملك أن يوكل غيره في طلاق امرأته، وفي خلعها.
وأما المحجور عليه للفلس: فلا يصح أن يوكل غيره في بيع أعيان ماله، ويجوز أن يوكل من يشتري له بثمن في ذمته؛ لأنه يملك ذلك بنفسه، فملك التوكيل فيه.
وأما الرجل الفاسق: فلا يصح أن يوكل من يزوج ابنته، أو أخته إذا قلنا: ليس بولي لها؛ لأنه لا يملك ذلك بنفسه، وكذلك إذا وكلت المرأة غيرها أن يزوجها.. لم يصح ذلك؛ لأنها لا تملك أن تعقد النكاح على نفسها، فلا يصح توكيلها فيه.
وأما العبد المأذون له في التجارة والوكيل لغيره: فلا يجوز لهما التوكيل فيما أذن لهما فيه إلا بالإذن؛ لأنهما لا يملكان تصرفهما إلا بإذن، فكذلك توكيلهما لغيرهما.
وأما الأب والجد: فيجوز لهما أن يوكلا من يزوج ابنتهما البكر بغير إذنها؛ لأنهما يملكان ذلك بأنفسهما، وهل لغيرهما من الأولياء، كالأخ، والعم، إذا أذن لهما في النكاح أن يوكلا فيه غيرهما من غير إذن المرأة؟ فيه وجهان: أحدهما: يجوز؛ لأنه ولي في النكاح، فجاز له التوكيل فيه، كالأب، والجد.
والثاني: لا يجوز؛ لأنهما لا يملكان العقد إلا بإذنها، فكذلك الوكالة.

.[فرع: من فقد التصرف لا يصح أن يتوكل]

ومن لا يملك التصرف في شيء في حق نفسه لنقص فيه.. لا يصح أن يتوكل فيه لغيره، كالمرأة لا تتوكل لغيرها في إيجاب النكاح، ولا في قبوله، وكالصبي، والمجنون في جميع العقود؛ لأنه إذا لم يملك ذلك في حق نفسه.. فلأن لا يملك ذلك في حق غيره أولى.
وأما المحجور عليه لسفه: فلا يصح أن يوكل في البيع والشراء، ويصح أن يوكل في الطلاق، والخلع، والقصاص اعتبارا بتصرفه في ذلك في حق نفسه.
وأما المحجور عليه للفلس: فالذي يقتضي المذهب: أنه يصح لغيره أن يوكله في التصرف في أعيان المال، وفي الذمة؛ لأن المنع من تصرفه في أعيان ماله لأجل حقوق غرمائه، وهذا لا يوجد في تصرفه في أعيان مال غيره.
وأما من يملك التصرف في شيء تدخله النيابة في حق نفسه: فيجوز أن يتوكل فيه لغيره، إلا في أربع مسائل، اختلف أصحابنا فيها:
منها: الفاسق يجوز أن يقبل النكاح لنفسه، وهل يصح أن يتوكل لغيره في قبول النكاح؟ فيه وجهان، حكاهما ابن الصباغ:
أحدهما: ولم يذكر في "المهذب" غيره -: أنه يصح، كما يصح ذلك في حق نفسه.
والثاني - ولم يذكر الشيخ أبو حامد في "التعليق"، والمحاملي غيره - أنه لا يصح، ولم يذكرا له وجها.
الثانية: هل يصح للفاسق أن يتوكل في إيجاب النكاح إذا قلنا: إنه ليس بولي؟ فيه وجهان:
أحدهما: لا يصح؛ لأنه موجب للنكاح، فلم يصح أن يكون فاسقا، كالولي.
والثاني: يصح؛ لأنه ليس بولي، وإنما الولي الموكل، وهو عدل.
الثالثة: يجوز للعبد أن يقبل النكاح لنفسه بغير إذن سيده، ولا يجوز أن يقبل النكاح لغيره بغير إذن سيده، وجها واحدا.
وهل يصح أن يتوكل لغيره في قبول النكاح بإذن سيده؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح، كما يصح ذلك في حق نفسه.
والثاني: لا يصح؛ لأنه إنما جاز قبوله لنفسه لحاجته إلى ذلك، ولا حاجة به إلى قبول النكاح لغيره.
والذي يقتضي المذهب: أنه لا يصح أن يتوكل في إيجاب النكاح وإن كان بإذن السيد، وجها واحدا، لأنه ليس من أهل إيجاب النكاح بحال من الأحوال، ولو قيل: إنه كتوكيل الفاسق في الإيجاب.. كان محتملا.
الرابعة: يجوز للرجل أن يوكل زوجته في طلاقها، وهل يصح توكيلها في طلاق غيرها؟ فيه وجهان:
أحدهما: يصح، كما يصح في طلاق نفسها.
والثاني: لا يصح؛ لأنه إنما صح توكيلها في طلاق نفسها للحاجة، ولا حاجة بنا إلى توكيلها في طلاق غيرها.

.[فرع: وكالة ذمي في شراء خمر لمسلم]

وإن وكل المسلم ذميا في شراء خمر.. لم يصح، وإذا اشترى له الذمي.. لم يصح الشراء للمسلم.
وقال أبو حنيفة: (يصح ذلك للمسلم).
دليلنا: أن كل ما لا يجوز أن يعقد عليه المسلم لنفسه.. لا يجوز أن يوكل فيه الذمي، كالعقد على المجوسية.
وإن وكل المسلم ذميا ليقبل له النكاح على ذمية.. صح؛ لأن الذمي يملك قبول نكاحها لنفسه، فصح توكيله فيها.
وإن وكله المسلم ليقبل له نكاح مسلمة.. لم يصح؛ لأنه لا يملك قبول نكاحها لنفسه، فلم يصح أن يتوكل فيه لغيره.

.[مسألة: شرط الوكالة إيجاب وقبول]

ولا تصح الوكالة إلا بالإيجاب والقبول؛ لأنه عقد يتعلق به حق كل واحد منهما. فافتقر إلى الإيجاب والقبول، كالبيع، والهبة، والإجارة، وفيه احتراز من الطلاق، والعتاق، ويصح القبول على الفور بلا خلاف، وهل يصح القبول على التراخي؟ فيه وجهان:
أحدهما قال القاضي أبو حامد: لا يصح؛ لأنه عقد في حال الحياة يفتقر إلى القبول، فاشترط أن يكون القبول فيه على الفور، كالبيع، وفيه احتراز من الوصية، والعتق.
والثاني ـ وهو المشهورـ: أنه يصح.
قال الشيخ أبو حامد: ووجهه: أن الوكالة تصح بالمعلوم، والمجهول، والمعدوم، والموجود، وذلك: أنه وكله في إثبات حق بعينه، أو خصومة شخص بعينه.. جاز، ولو وكله باستيفاء جميع حقوقه، وإثباتها، وخصوماته، وما وجب له، وما يستجد فيما بعد.. جاز، وكل ما يصح في المعلوم، والمجهول..
كان القبول فيه على التراخي، كالوصية.
قال الصيمري: فإذا كتب إلى رجل: أنه وكله في شيء، فوصل إليه الكتاب فقرأه، وقبله.. صح، وإن فارق المجلس ولم يقبل.. لم يجز أن يقبل فيما بعد.