فصل: سؤر الآدمي والفرس وما يؤكل لحمه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


سؤر الآدمي والفرس وما يؤكل لحمه

‏(‏قوله‏:‏ وسؤر الآدمي والفرس وما يؤكل لحمه طاهر‏)‏ أما الآدمي؛ فلأن لعابه متولد من لحم طاهر، وإنما لا يؤكل لكرامته ولا فرق بين الجنب والطاهر والحائض والنفساء والصغير والكبير والمسلم والكافر والذكر والأنثى كذا ذكر الزيلعي رحمه الله يعني أن الكل طاهر طهور من غير كراهة وفيه نظر فقد صرح في المجتبى من باب الحظر والإباحة أنه يكره سؤر المرأة للرجل وسؤره لها ولهذا لم يذكر الذكر والأنثى في كثير من الكتب لكن قد يقال الكراهة المذكورة إنما هو في الشرب لا في الطهارة واستثنوا من هذا العموم سؤر شارب الخمر إذا شرب من ساعته، فإن سؤره نجس لا لنجاسة لحمه بل لنجاسة فمه كما لو آدمي فوه أما لو مكث قدر ما يغسل فمه بلعابه ثم شرب لا ينجس في كثير من الكتب وفي الخلاصة والتجنيس رجل شرب الخمر إن تردد في فيه من البزاق بحيث لو كان ذلك الخمر على ثوب طهرها ذلك البزاق طهر فمه‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا هو الصحيح من مذهب أبي حنيفة وأبي يوسف ويسقط اعتبار الصب عند أبي يوسف للضرورة ونظيره لو أصاب عضوه نجاسة فلحسها حتى لم يبق أثرها أو قاء الصغير على ثدي أمه ثم مصه حتى زال الأثر طهر خلافا لمحمد في جميعها بناء على عدم جواز إزالة النجاسة بغير الماء المطلق كما سيأتي إن شاء الله تعالى وفي بعض شروح القدوري، فإن كان شارب الشارب طويلا ينجس الماء، وإن شرب بعد ساعات؛ لأن الشعر الطويل كما تنجس لا يطهر باللسان ا هـ‏.‏ وكأنه؛ لأنه لا يتمكن اللسان من استيعابه بإصابة بله إياه بريقه ثم أخذ ما عليه من البلة النجسة مرة بعد أخرى، وإلا فهو ليس دون الشفتين والفم في تطهيره بالريق تفريعا على قول أبي حنيفة وأبي يوسف في جواز التطهير من النجاسة بغير الماء كذا في شرح منية المصلي فإن قيل ينبغي أن يتنجس سؤر الجنب على القول بنجاسة المستعمل لسقوط الفرض به قلنا ما يلاقي الماء من فمه مشروب سلمنا أنه ليس بمشروب لكن لحاجة فلا يستعمل به كإدخال يده في الحب لإخراج كوزه على ما قدمناه في المياه وقد نقلوا روايتين في رفع الحدث بهذا الشرب وظاهر كلامهم ترجيح أنه رافع فلا يصير الماء مستعملا للحرج لكن صرح يعقوب باشا بأن الصحيح أن الفرض لا يسقط به ويدل على طهارة سؤر الآدمي مطلقا ما رواه مالك من طريق الزهري عن أنس بن مالك‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن» وروى مسلم وغيره‏:‏ «عن عائشة رضي الله عنها كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في» ولما أنزل النبي صلى الله عليه وسلم بعض المشركين في المسجد ومكنه من المبيت فيه على ما في الصحيحين على أن المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما المشركون نجس‏}‏ النجاسة في اعتقادهم وقد روي‏:‏ «أن النبي صلى الله عليه وسلم لقي حذيفة فمد يده ليصافحه فقبض يده وقال إني جنب فقال عليه السلام المؤمن ليس بنجس» ذكره البغوي في المصابيح، وأما سؤر الفرس ففيه روايتان عن أبي حنيفة فظاهر الرواية عنه طهوريته من غير كراهة، وهو قولهما؛ لأن كراهة لحمه عنده لاحترامه؛ لأنه آلة الجهاد لا لنجاسة فلا يؤثر في كراهة سؤره، وهو الصحيح كذا في البدائع وغيره، وأما سؤر ما يؤكل لحمه؛ فلأنه متولد من لحم طاهر فأخذ حكمه ويستثنى منه الإبل الجلالة والبقر الجلالة والدجاجة المخلاة كما سيأتي والجلالة التي تأكل الجلة بالفتح وهي في الأصل البعرة وقد يكنى بها عن العذرة، وهي هنا من هذا القبيل كما أشار إليه في المغرب ويلحق بما يؤكل ما ليس له نفس سائلة مما يعيش في الماء وغيره كذا في التبيين‏.‏

سؤر الكلب والخنزير وسباع البهائم

‏(‏قوله‏:‏ والكلب والخنزير وسباع البهائم نجس‏)‏ أي سؤر هذه الأشياء نجس والمراد بسباع البهائم نحو الأسد والفهد والنمر قال الزيلعي رحمه الله قوله والكلب إلى آخره بالرفع أجود على أنه حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وذلك جائز بالاتفاق إذا كان الكلام مشعرا بحذفه وقد وجد هنا ما يشعر بحذفه، وهو تقدم ذكر السؤر، ولو جر على أنه معطوف على ما قبله من المجرور ولا يجوز عند سيبويه؛ لأنه يلزم منه العطف على عاملين، وهو ممتنع عند البصريين ويجوز عند الفراء، ولو قيل إنه مجرور على أنه حذف المضاف وترك المضاف إليه على إعرابه كان جائزا إلا أنه قليل نحو قولهم ما كل سوداء تمرة ولا كل بيضاء شحمة ويشترط أن يتقدم في اللفظ ذكر المضاف ا هـ‏.‏ وقد أطال رحمه الله الكلام مع عدم التحريم؛ لأن قوله؛ لأنه يلزم منه العطف على عاملين مجازا إنما يلزم منه العطف على معمولي عاملين؛ لأن الكلب معطوف على الآدمي، وهو معمول للمضاف أعني سؤر ونجس معطوف على طاهر، وهو معمول المبتدأ أعني سؤر فكان فيه العطف على معمولين وهما الآدمي وطاهر لعاملين وهما المضاف والمبتدأ هذا إذا كان المضاف عاملا في المضاف إليه أما إذا كان العامل هو الإضافة فلا إشكال أنه من باب العطف على معمولي عاملين مختلفين قال في المغني وقولهم على عاملين فيه تجوز قال الشمني يعني بحذف المضاف قال الرضي معنى قولهم العطف على عاملين أن تعطف بحرف واحد معمولين مختلفين كانا في الإعراب كالمنصوب والمرفوع أو متفقين كالمنصوبين على معمولي عاملين مختلفين نحو إن زيدا ضرب عمرا وبكرا خالدا فهو عطف متفقي الإعراب على معمولي عاملين مختلفين وقولك إن زيدا ضرب غلامه وبكرا أخوه عطف مختلفي الإعراب ولا يعطف المعمولان على عاملين بل على معموليهما فهذا القول منهم على حذف المضاف ا هـ‏.‏ وفي المغني الحق جواز العطف على معمولي عاملين في نحو في الدار زيد والحجرة عمرو ا هـ‏.‏ أما سؤر الكلب فهو طاهر عند مالك ومن تبعه ولكن يغسل الإناء منه سبعا تعبدا وقال الشافعي إنه نجس ويغسل الإناء منه سبعا إحداهن بالتراب لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه عنه صلى الله عليه وسلم أنه‏:‏ «قال يغسل الإناء إذا ولغ فيه الكلب سبع مرات أولاهن وأخراهن بالتراب» رواه الأئمة الستة في كتبهم وفي لفظ لمسلم وأبي داود‏:‏ «طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات» ورواه أيضا مسلم من حديث أبي هريرة‏:‏ «إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليرقه ثم ليغسله سبع مرات» روى مالك في الموطإ عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات» قال ابن عبد البر إن حديث أبي هريرة تواترت طرقه وكثرت عنه والأمر بالإراقة دليل التنجس وكذا الطهور؛ لأنه مصدر بمعنى الطهارة فيستدعي سابقيه الحدث أو الخبث ولا حدث في الإناء فتعين الثاني؛ ولأنه متى دار الحكم بين كونه تعبديا ومعقول المعنى كان جعله معقول المعنى هو الوجه لندرة التعبد وكثرة التعقل ولنا قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «يغسل الإناء من ولوغ الكلب ثلاثا» روي عن أبي هريرة فعلا وقولا مرفوعا وموقوفا من طريقتين‏:‏ الأول‏:‏ أخرجه الدارقطني بإسناد صحيح عن عطاء عن أبي هريرة‏:‏ «إذا ولغ الكلب في الإناء فأهرقه ثم اغسله ثلاث مرات» وأخرجه بهذا الإسناد عن أبي هريرة أنه قال‏:‏ «إذا ولغ الكلب في الإناء أهرقه وغسل ثلاث مرات» قال الشيخ تقي الدين في الإلمام هذا إسناد صحح الطريق الثاني أخرجه ابن عدي في الكامل عن الحسين بن علي الكرابيسي بسنده إلى عطاء عن أبي هريرة قال‏:‏ «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليهرقه وليغسله ثلاث مرات» ولم يرفعه غير الكرابيسي قال ابن عدي قال لنا أحمد الحسين الكرابيسي يسأل عنه وله كتب مصنفة ذكر فيها اختلاف الناس من المسائل وذكر فيها أخبارا كثيرة وكان حافظا لها ولم أجد له منكرا غير هذا الحديث والذي حمل أحمد بن حنبل عليه إنما هو من أجل اللفظ بالقرآن فأما في الحديث فلم أر به بأسا ا هـ‏.‏ ومن المعلوم أن الحكم بالضعف والصحة إنما هو في الظاهر أما في نفس الأمر فيجوز صحة ما حكم بضعفه ظاهرا وثبوت كون مذهب أبي هريرة ذلك كما تقدم بالسند الصحيح قرينة تفيد أن هذا مما أجاده الراوي المضعف وحينئذ يعارض حديث السبع ويقدم عليه؛ لأن مع حديث السبع دلالة التقدم للعلم بما كان من التشديد في أمر الكلاب أول الأمر حتى أمر بقتلها والتشديد في سؤرها يناسب كونه إذ ذاك وقد ثبت نسخ ذلك فإذا عارض قرينه معارض كانت التقدمة له ولو طرحنا الحديث بالكلية كان في عمل أبي هريرة على خلاف حديث السبع، وهو رواية كفاية لاستحالة أن يترك القطعي بالرأي منه، وهذا؛ لأن ظنية خبر الواحد إنما هو بالنسبة إلى غير راويه فأما بالنسبة إلى راويه الذي سمعه من في النبي صلى الله عليه وسلم فقطعي حتى ينسخ به الكتاب إذا كان قطعي الدلالة في معناه فلزم أنه لا يتركه إلا لقطعه بالناسخ إذ القطعي لا يترك إلا لقطعي فبطل تجويزهم تركه بناء على ثبوت ناسخ في اجتهاده المحتمل للخطأ، وإذا علمت ذلك كان تركه بمنزلة روايته للناسخ بلا شبهة فيكون الآخر منسوخا بالضرورة كذا في فتح القدير وقال الطحاوي‏:‏ ولو وجب العمل برواية السبع ولا يجعل منسوخا لكان ما روى عبد الله بن المغفل في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى مما روى أبو هريرة لأنه زاد عليه‏:‏ «وعفروا الثامنة بالتراب» والزائد أولى من الناقص فكان ينبغي للمخالف أن يعمل بهذه الزيادة فإن تركها لزمه ما لزم خصمه في ترك السبع ومالك لم يأخذ بالتعفير الثابت في الصحيح مطلقا فثبت أنه منسوخ ا هـ‏.‏ وحديث عبد الله بن المغفل مجمع على صحته ورواه مسلم وأبو داود فكان الأخذ بروايته أحوط وقد روي عن أبي هريرة‏:‏ «إذا ولغ السنور في الإناء يغسل سبع مرات» ولم يعملوا به وكل جواب لهم عن ذلك فهو جوابنا عما زاد على الثلاث أو يحمل ما زاد على الثلاث على الاستحباب ويؤيده ما روى الدارقطني عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وسلم في‏:‏ «الكلب يلغ في الإناء أنه يغسل ثلاثا أو خمسا أو سبعا» فخيره، ولو كان التسبيع واجبا لما خيره‏.‏ ثم اعلم أن الطحاوي والوبري نقلا أن أصحابنا لم يحدوا لغسل الإناء منه حدا بل العبرة لأكبر الرأي، ولو بمرة كما هو الحكم في غسل غيره من النجاسات ذكره الطحاوي في كتاب اختلاف العلماء، وهو مخالف لما في الهداية وغيرها أنه يغسل الإناء من ولوغه ثلاثا، وهو ظاهر الحديث الذي استدلوا به وسيأتي بيان أن الثلاث هل هي شرط في إزالة الأنجاس أو لا إن شاء الله تعالى وفي النهاية الولوغ حقيقة شرب الكلب المائعات بأطراف لسانه وفي شرح المهذب أن الماضي والمضارع بفتح العين تقول ولغ يلغ وقد قدمنا أن سؤر الكلب نجس عند أصحابنا جميعا أما على القول بنجاسة عينه فظاهر، وأما على القول المصحح بطهارة عينه؛ فلأن لحمه نجس ولعابه متولد من لحمه ولا يلزم من طهارة عينه طهارة سؤره لنجاسة لحمه ولا يلزم من نجاسة سؤره نجاسة عينه، وإنما يلزم من نجاسة سؤره نجاسة لحمه المتولد منه اللعاب كما صرح به في التجنيس وفتح القدير وغيرهما وسيأتي إيضاحه في الكلام على سؤر السباع والمذكور في كتب الشافعية كالمهذب أنه لا فرق بين الولوغ ووضع بعض عضو في الإناء ولم أر هذا في كتبنا والذي يقتضيه كلامهم على القول بنجاسة عينه تنجس الماء وعلى القول بطهارة عينه عدم تنجسه أخذا من قولهم إذا ولغ الكلب في البئر كما قدمناه؛ لأن ماء البئر في حكم الماء القليل كماء الآنية كما قدمناه ولا فرق بين ولوغ كلب أو كلبين في الاكتفاء بالثلاث؛ لأن الثاني لم يوجب تنجسا كما لا يخفى، وإذا ولغ الكلب في طعام فالذي يقتضيه كلامهم أنه إن كان جامدا قور ما حوله وأكل الباقي، وإن كان مائعا انتفع به في غير الأبدان كما قدمناه، وأما سؤر الخنزير؛ فلأنه نجس العين لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو لحم خنزير فإنه رجس‏}‏ والرجس النجس، والضمير عائدا إليه لقربه وقد بسطنا الكلام فيه في الكلام على جلده‏.‏

وأما سؤر سباع البهائم فقد قال الشافعي بطهارته محتجا بما رواه البيهقي والدارقطني عن جابر قال «قيل يا رسول الله أنتوضأ بما أفضلت الحمر قال نعم وبما أفضلت السباع كلها»‏.‏ وبما رواه مالك في الموطإ أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خرج في ركب فيهم عمرو بن العاص حتى وردوا حوضا فقال عمرو بن العاص يا صاحب الحوض هل ترد حوضك السباع فقال عمر بن الخطاب يا صاحب الحوض لا تخبره فإنا نرد على السباع وترد علينا وبما رواه ابن ماجه عن ابن عمر قال‏:‏ «خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفار فسار ليلا فمروا على رجل عند مقراة له فقال عمر يا صاحب المقراة أولغت السباع الليلة في مقراتك فقال عليه السلام يا صاحب المقراة لا تخبره هذا متكلف لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور» ولنا‏:‏ «أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع» والظاهر من الحرمة مع كونه صالحا للغذاء غير مستقذر طبعا كونه للنجاسة وخبث طباعها لا ينافيه بل ذلك يصلح مثيرا لحكم النجاسة فليكن المثير لها فيجامعها ترتيبا على الوصف الصالح للعلية مقتضاه؛ ولأنه ليس فيه ضرورة وعموم بلوى فيخرج السنور والفأرة؛ ولأن لسانه يلاقي الماء فيخرج سباع الطير لأنه يشرب بمنقاره كما سيأتي ولم تتعارض أدلته فيخرج البغل والحمار وأما حديث جابر فقد اعترف النووي بضعفه، وأما أثر الموطإ فهو، وإن صححه البيهقي وذكر أنه مرسل يحتج به على أبي حنيفة فقد ضعفه ابن معين والدارقطني، وأما حديث ابن ماجه فقد ضعفه ابن عدي وعلى تسليم الصحة يحمل على الماء الكثير أو على ما قبل تحريم لحوم السباع أو على حمر الوحوش وسباع الطير بدليل ما تمسكوا به من حديث القلتين، فإنه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثا» جوابا لسؤاله عن الماء يكون في الفلاة وما ينوبه من السباع إعطاء لحكم هذا الماء الذي ترده السباع وغيره، فإن الجواب لا بد أن يطابق أو يزيد فيندرج فيه المسئول عنه وغيره وقد قال بمفهوم شرطه فنجس ما دون القلتين، وإن لم يتغير وحقيقة مفهوم شرطه أنه إذا لم يبلغها يتنجس من ورود السباع، وهذا من الوجوه الإلزامية له قال الزيلعي رحمه الله‏.‏ ثم اعلم أن في مذهب أصحابنا في سؤر ما لا يؤكل لحمه من السباع إشكالا، فإنهم يقولون؛ لأنه متولد من لحم نجس ثم يقولون إذا ذكي طهر؛ لأن نجاسته لأجل رطوبة الدم وقد خرج بالذكاة، فإن كانوا يعنون بقولهم نجس نجاسة عينه وجب أن لا يطهر بالذكاة كالخنزير، وإن كانوا يعنون به لأجل مجاورة الدم فالمأكول كذلك يجاوره الدم فمن أين جاء الاختلاف بينهما في السؤر إذا كان كل واحد منها يطهر بالذكاة ويتنجس بموته حتف أنفه ولا فرق بينهما إلا في المذكى في حق الأكل والحرمة لا توجب النجاسة وكم من طاهر لا يحل أكله، ومن ثم قال بعضهم‏:‏ لا يطهر بالذكاة إلا جلده؛ لأن حرمة لحمه لا لكرامته آية نجاسته لكن بين الجلد واللحم جلدة رقيقة تمنع تنجس الجلد باللحم، وهذا هو الصحيح؛ لأنه لا وجه لنجاسة السؤر إلا بهذا الطريق ا هـ‏.‏ وقد ذكر في العناية حاصل هذا الإشكال وذكر أنها نكتة لا بأس بالتنبيه عليها ثم قال وحلها أن المراد باللحم الطاهر المتولد منه اللعاب ما يحل أكله بعد الذبح، وبالنجس ما يقابله، وهذا لأنهما اشتركا في النجاسة المجارة بالدم المسفوح قبل الذبح، فإن الشاة لا تؤكل إذا ماتت حتف أنفها واشتركا في الطهارة بعده لزوال المنجس، وهو الدم فلا فرق بينهما إلا أن الشاة تؤكل بعد الذبح دون الكلب ولا فرق بينهما أيضا في الظاهر إلا اختلاط اللعاب المتولد من اللحم فعلم من هذا أن اللعاب المتولد من لحم مأكول بعد الذبح طاهر بلا كراهة دون غيره إضافة للحكم إلى الفارق صيانة لحكم الشرع عن المناقضة ظاهرا هذا ما سنح لي ا هـ‏.‏ ولا يخفى ما في هذا الجواب، فإن قول الزيلعي والحرمة لا توجب النجاسة يرده بل الجواب الصحيح ما في شرح الوقاية، وهو أن الحرمة إذا لم تكن للكرامة، فإنها آية النجاسة لكن فيه شبهة أن النجاسة لاختلاط الدم باللحم إذ لولا ذلك بل نجاسته لذاته لكان نجس العين، وليس كذلك فغير مأكول اللحم إذا كان حيا فلعابه متولد من اللحم الحرام المخلوط بالدم فيكون نجسا لاجتماع الأمرين أما في مأكول اللحم فلم يوجد إلا أحدهما، وهو الاختلاط بالدم فلم يوجب نجاسة السؤر؛ لأن هذه العلة بانفرادها ضعيفة إذ الدم المستقر في موضعه لم يعط له حكم النجاسة في الحي، وإذا لم يكن حيا، فإن لم يكن مذكى كان نجسا سواء كان مأكول اللحم أو غيره؛ لأنه صار حراما بالموت فالحرمة موجودة مع اختلاط الدم فيكون نجسا، فإذا كان مذكى كان طاهرا أما في مأكول اللحم؛ فلأنه لم توجد الحرمة ولا اختلاط الدم، وأما في غير مأكول اللحم؛ فلأنه لم يوجد الاختلاط والحرمة المجردة غير كافية في النجاسة على ما مر أنها تثبت باجتماع الأمرين ا هـ‏.‏ فحاصله أن نجاسة اللحم لحرمته مع اختلاط الدم المسفوح به، وقد فقد الثاني في المذكى من السباع فكان طاهرا واجتمعا في حالتي الموت والحياة فكان نجسا وفقد الأول في الشاة حالة الحياة والذكاة فكان طاهرا واجتمعا حالة الموت فكان نجسا فظهر من هذا كله أن طهارة العين لا تستلزم طهارة اللحم؛ لأن السباع طاهرة العين باتفاق أصحابنا كما نقله بعضهم مع أن لحمها نجس فثبت بهذا ما قدمناه من أن الكلب طاهر العين ولحمه نجس ونجاسة سؤره لنجاسة لحمه لكن بقي هاهنا كلام، وهو أن قولهم بين الجلد واللحم جلدة رقيقة تمنع تنجس الجلد باللحم مشكل، فإنه يقتضي طهارة الجلد من غير توقف على الذكاة أو الدباغة كما لا يخفى وفي مبسوط شيخ الإسلام ذكر محمد نجاسة سؤر السباع، ولم يبين أنها خفيفة أم غليظة فعن أبي حنيفة في رواية الأصول غليظة وعن أبي يوسف أن سؤر ما لا يؤكل لحمه كبول ما يؤكل لحمه كذا في معراج الدراية ومما سيأتي في سبب التغليظ والتخفيف يظهر وجه كل من الروايتين فالذي يظهر ترجيح الأولى لما عرف من أصله‏.‏

سؤر الهرة والدجاجة المخلاة وسباع الطير وسواكن البيوت

‏(‏قوله‏:‏ والهرة والدجاجة المخلاة وسباع الطير وسواكن البيوت مكروه‏)‏ أي سؤر هذه الأشياء مكروه، وفي التبيين وإعرابه بالرفع أجود على ما تقدم قال المصنف في المستصفى ويعني من السؤر المكروه أنه طاهر لكن الأولى أن يتوضأ بغيره ا هـ‏.‏ واعلم أن المكروه إذا أطلق في كلامهم فالمراد منه التحريم إلا أن ينص على كراهة التنزيه فقد قال المصنف في المستصفى‏:‏ لفظ الكراهة عند الإطلاق يراد بها التحريم قال أبو يوسف‏:‏ قلت لأبي حنيفة رحمه الله إذا قلت في شيء أكره فما رأيك فيه قال‏:‏ التحريم ا هـ‏.‏ وقد صرحوا بالخلاف في كراهة سؤر الهرة فمنهم كالطحاوي ومن مال إلى أنها كراهة تحريم نظر إلى حرمة لحمها، ومنهم كالكرخي من مال إلى كراهة التنزيه نظرا إلى أنها لا تتحامى النجاسة قالوا، وهو الأصح، وهو ظاهر ما في الأصل، فإنه قال‏:‏ وإن توضأ بغيره أحب إلي لكن صرح بالكراهة في الجامع الصغير فكانت للتحريم لما تقدم، وأما سؤر الدجاجة المخلاة فلم أر من ذكر خلافا في المراد من الكراهة بل ظاهر كلامهم أنها كراهة تنزيه بلا خلاف؛ لأنها لا تتحامى النجاسة وكذا في سباع الطير وسواكن البيوت أما سؤر الهرة فظاهر ما في شروح الهداية أن أبا يوسف مع أبي حنيفة ومحمد في ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه لا بأس بسؤرها وظاهر ما في المنظومة وغيرها أن أبا يوسف مخالف لهما مستدلا بما روي عن كبشة بنت كعب بن مالك، وكانت تحت أبي قتادة قالت دخل عليها أبو قتادة فسكبت له وضوء فجاءت هرة تشرب منه فأصغى لها الإناء حتى شربت قالت كبشة فرآني أنظر إليه فقال أتعجبين يا ابنة أخي فقلت نعم قال‏:‏ «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ليست بنجس إنها من الطوافين عليكم والطوافات» رواه أبو داود والترمذي وابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك ومالك في الموطإ وابن خزيمة في صحيحه وقال الترمذي‏:‏ حديث أبي قتادة حسن صحيح، وهو أحسن شيء في الباب وقال البيهقي إسناده صحيح وعليه الاعتماد والنجس بفتحتين كل ما يستقذر قال النووي أما لفظ أو الطوافات فروي بأو وبالواو قال صاحب مطالع الأنوار يحتمل أن تكون للشك ويحتمل أن تكون للتقسيم ويكون ذكر الصنفين من الذكور والإناث، وهذا الذي قاله محتمل والأظهر أنه للنوعين قال أهل اللغة الطوافون الخدم والمماليك وقيل هم الذين يخدمون برفق وعناية ومعنى الحديث أن الطوافين من الخدم والصغار الذين سقط في حقهم الحجاب والاستئذان في غير الأوقات الثلاثة التي هي قبل الفجر وبعد العشاء وحين الظهيرة التي ذكرها الله تعالى إنما سقط في حقهم دون غيرهم للضرورة وكثرة مداخلتهم بخلاف الأحرار البالغين فلهذا يعفى عن الهرة للحاجة ا هـ‏.‏ ولهما أنه لا نزاع في سقوط النجاسة، المفاد بالحديث بعلة الطوف المنصوصة يعني أنها تدخل المضايق ولازمه شدة المخالطة بحيث يتعذر معه صون الأواني منها بل صون النفس متعذر فللضرورة اللازمة من ذلك سقطت النجاسة إنما الكلام بعد هذا في ثبوت الكراهة فإن كانت الكراهة كراهة تحريم كما قال الطحاوي لم ينهض به وجه فإن قال سقطت النجاسة فبقيت كراهة التحريم منعت الملازمة إذ سقوط وصف أو حكم شرعي لا يقتضي ثبوت آخر إلا بدليل والحاصل أن إثبات كل حكم شرعي يستدعي دليلا فإثبات كراهة التحريم والحالة هذه بغير دليل، وإن كانت كراهة تنزيه على الأصح كفى فيه أنها لا تتحامى النجاسة فيكره كماء غمس الصغير يده فيه وأصله كراهة غمس اليد في الإناء للمستيقظ قبل غسلها نهي عنه في حديث المستيقظ لتوهم النجاسة فهذا أصل صحيح منتهض يتم به المطلوب من غير حاجة إلى التمسك بالحديث، وهو ما رواه الحاكم وصححه عن أبي هريرة قال‏:‏ «قال رسول الله‏:‏ صلى الله عليه وسلم السنور سبع» ووجه التمسك به على ما ذكره المصنف في المستصفى أنه عليه السلام لم يرد الحقيقة؛ لأنه ما بعث لبيان الحقائق فيكون المراد به الحكم والحكم أنواع نجاسة السؤر وكراهته وحرمة اللحم ثم لا يخلو إما أن يلحق به في حق جميع الأحكام وهو غير ممكن؛ لأن فيه قولا بنجاسة السؤر مع كراهته وأنه لا يجوز أو في حرمة اللحم وأنه لا يجوز لما أنها ثابتة بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي ناب من السباع أو في كراهة السؤر، وهو المرام أو في نجاسته، وهو أنه لا يجوز أيضا إذ النجاسة منتفية بالإجماع أو بالحديث أو بالضرورة فبقيت الكراهة أو في الأول مع الثاني أو في الأول مع الثالث أو في الثاني مع الثالث وأنه لا يجوز لما مر فإن قيل إنما يستقيم هذا الكلام أن لو كان هذا الحديث واردا بعد تحريم السباع قلنا حرمة لحم السباع قبل ورود هذا الحديث لا يخلو إما أن تكون ثابتة أو لم تكن، فإن كانت ثابتة فظاهر، وإن لم تكن ثابتة لا تكون الحرمة من لوازم كونه سبعا فلا يمكن جعله مجازا عنها أو نقول ابتداء لا يجوز أن تكون حرمة اللحم مرادة من هذا الحديث؛ لأن فيه حمل كلام الرسول عليه الصلاة والسلام على الإعادة لا على الإفادة سواء كان هذا الحديث سابقا أو مسبوقا تأمل تدر ا هـ‏.‏ فثبت بهذا كراهة سؤرها ويحمل إصغاء أبي قتادة الإناء على زوال ذلك التوهم بأن كانت بمرأى منه في زمان يمكن فيه غسلها فمها بلعابها وأما على قول محمد فيمكن كونه بمشاهدة شربها من ماء كثير أو مشاهدة قدومها عن غيبة يجوز معها ذلك فيعارض هذا التجويز تجويز أكلها نجسا قبيل شربها فيسقطه فتبقى الطهارة دون كراهة؛ لأنها ما جاءت إلا من ذلك التجويز وقد سقط وعلى هذا لا ينبغي إطلاق كراهة أكل فضلها والصلاة إذا لحست عضوا قبل غسله كما أطلقه شمس الأئمة وغيره بل يقيد بثبوت ذلك التوهم، فأما لو كان زائلا بما قلنا فلا وقد تسامح في غاية البيان حيث قال‏:‏ ومن الواجب على العوام أن يغسلوا مواضع لحس الهرة إذا دخلت تحت لحافهم لكراهة ما أصابه فمها، فإنا قدمنا أن الصحيح أنه تنزيهية وترك المكروه كراهة تنزيه مستحب لا واجب إلا أن يراد بالواجب الثابت ولا يخفى أن كراهة أكل فضلها تنزيها إنما هو في حق الغني؛ لأنه يقدر على غيره أما في حق الفقير فلا يكره كما صرح به في السراج الوهاج، وهو نظير ما قالوا إن السؤر المكروه إنما يكون عند وجود غيره أما عند عدم غيره فلا كراهة أصلا‏.‏ واعلم أن قولهم إن الأصل في سؤر الهرة أن يكون نجسا، وإنما سقطت النجاسة بعلة الطواف يفيد أن سؤر الهرة الوحشية نجس، وإن كان النص بخلافه لعدم العلة وهي الطواف؛ لأن العلة إذا كانت ثابتة بالنص وعرف قطعا أن الحكم متعلق بها فالحكم يدور على وجودها لا غير كعدم حرمة التأفيف للوالدين إذا لم يعلم الولد معناه أو استعمله بجهة الإكرام ذكره في كشف الأسرار في بحث دلالة النص وأما سؤر الدجاجة المخلاة؛ فلأنها تخالط النجاسة فمنقارها لا يخلو عن قذر وكذا البقر الجلالة والإبل الجلالة إلا أن تكون محبوسة واختلفوا في تفسيرها فقيل هي التي تحبس في بيت ويغلق بابه وتعلف هناك لعدم النجاسة على منقارها لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار؛ لأنها لا تجد عذرات غيرها حتى تجول فيها، وهي في عذرات نفسها لا تجول، وإليه ذهب شيخ الإسلام في مبسوطه وحكي عن الإمام الحاكم عبد الرحمن أنه قال لم يرد بكونها محبوسة أن تكون محبوسة في بيتها؛ لأنها، وإن كانت محبوسة تجول في عذرات نفسها فلا يؤمن من أن يكون على منقارها قذر فيكره كما لو كانت مخلاة، وإنما المراد أن تحبس في بيت لتسمن للأكل فيكون رأسها وعلفها وماؤها خارج البيت فلا يمكنها أن تجول في عذرات نفسها كذا في معراج الدراية واختار الثاني صاحب الهداية وغيره وفي فتح القدير والحق أنها لا تأكله بل تلاحظ الحب بينه فتلتقطه وأما سؤر سباع الطير كالصقر والبازي فالقياس نجاسته لنجاسة لحمها لحرمة أكله كسباع البهائم ووجه الاستحسان أن حرمة لحمها، وإن اقتضت النجاسة لكنها تشرب بمنقارها، وهو عظم جاف طاهر لكنها تأكل الميتات والجيف غالبا فأشبه الدجاجة المخلاة فأورث الكراهة بخلاف سباع البهائم، فإنها تشرب بلسانها وهو رطب بلعابها المتولد من لحمها، وهو نجس فافترقا؛ ولأن في سباع الطير ضرورة وبلوى، فإنها تنقض من الهواء فتشرب ولا يمكن صون الأواني عنها خصوصا في البراري وعن أبي يوسف أن الكراهة لتوهم النجاسة في منقارها لا لوصول لعابها إلى الماء حتى لو كانت محبوسة يعلم لصاحبها أنه لا قذر في منقارها لا يكره التوضؤ بسؤرها واستحسن المشايخ المتأخرون هذه الرواية وأفتوا بها كذا في النهاية وفي التجنيس يجوز أن يفتى بها، وأما سؤر سواكن البيوت كالحية والفأرة؛ فلأن حرمة اللحم أوجبت النجاسة لكنها سقطت النجاسة بعلة الطواف وبقيت الكراهة والعلة المذكورة في‏.‏ الحديث في الهرة موجودة بعينها في سواكن البيوت وهي الطوف فيثبت ذلك الحكم المترتب عليها، وهو سقوط النجاسة وتثبت الكراهة لتوهمها

فرع تكره الصلاة مع حمل ما سؤره مكروه كالهرة كذا في التوشيح نكتة قيل ست تورث النسيان سؤر الفأرة وإلقاء القملة وهي حية والبول في الماء الراكد وقطع القطار ومضغ العلك وأكل التفاح ومنهم من ذكره حديثا لكن قال أبو الفرج بن الجوزي‏:‏ إنه حديث موضوع‏.‏

سؤر الحمار والبغل

‏(‏قوله‏:‏ والحمار والبغل مشكوك‏)‏ أي سؤرهما مشكوك فيه هذه عبارة أكثر مشايخنا وأبو طاهر الدباس أنكر أن يكون شيء من أحكام الله تعالى مشكوكا فيه وقال سؤر‏:‏ الحمار طاهر لو غمس فيه الثوب جازت الصلاة معه إلا أنه محتاط فيه فأمر بالجمع بينه وبين التيمم ومنع منه حالة القدرة والمشايخ قالوا المراد بالشك التوقف لتعارض الأدلة لا أن يعني بكونه مشكوكا الجهل بحكم الشرع؛ لأن حكمه معلوم، وهو وجوب الاستعمال وانتفاء النجاسة وضم التيمم إليه، والقول بالتوقف عند تعارض الأدلة دليل العلم وغاية الورع وبيان التعارض على ما في المبسوط تعارض الأخبار في أكل لحمه، فإنه روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر» وروى غالب بن أبجر قال لم يبق لي مال إلا حميرات فقال عليه السلام‏:‏ «كل من سمين مالك» قال شيخ الإسلام خواهر زاده في مبسوطه، وهذا لا يقوى؛ لأن لحمه حرام بلا إشكال؛ لأنه اجتمع المحرم والمبيح فغلب المحرم على المبيح كما لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة مجوسي والآخر أنه ذبيحة مسلم لا يحل أكله لغلبة الحرمة فكان لحمه حراما بلا إشكال، ولعابه متولد منه فيكون نجسا بلا إشكال وقيل سبب الإشكال اختلاف الصحابة، فإنه روي عن ابن عمر أنه كان يكره التوضؤ بسؤر الحمار والبغل وعن ابن عباس أنه قال الحمار‏:‏ يعلف القت والتبن فسؤره طاهر قال شيخ الإسلام‏:‏ وهذا لا يقوى أيضا؛ لأن الاختلاف في طهارة الماء ونجاسته لا يوجب الإشكال كما في إناء أخبر عدل أنه طاهر وآخر أنه نجس فالماء لا يصير مشكلا، وقد استوى الخبران وبقي العبرة بالأصل، فكذا هاهنا، ولكن الأصح في التمسك أن دليل الشك هو التردد في الضرورة، فإن الحمار يربط في الدور والأفنية فيشرب من الأواني وللضرورة أثر في إسقاط النجاسة كما في الهرة والفأرة إلا أن الضرورة في الحمار دون الضرورة فيهما لدخولهما مضايق البيت بخلاف الحمار، ولو لم تكن الضرورة ثابتة أصلا كما في الكلب والسباع لوجب الحكم بالنجاسة بلا إشكال ولو كانت الضرورة مثل الضرورة فيهما لوجب الحكم بإسقاط النجاسة فلما ثبتت الضرورة من وجه دون وجه واستوى ما يوجب النجاسة والطهارة تساقطا للتعارض فوجب المصير إلى الأصل والأصل هاهنا شيئان الطهارة في جانب الماء والنجاسة في جانب اللعاب؛ لأن لعابه نجس كما بينا وليس أحدهما بأولى من الآخر فبقي الأمر مشكلا نجسا من وجه طاهرا من وجه فكان الإشكال عند علمائنا بهذا الطريق لا للإشكال في لحمه ولا لاختلاف الصحابة في سؤره وبهذا التقرير يندفع كثير من الأسئلة منها أن المحرم والمبيح إذا اجتمعا يغلب المحرم احتياطا وجوابه أن القول بالاحتياط إنما يكون في ترجيح الحرمة في غير هذا الموضع أما هاهنا الاحتياط في إثبات الشك؛ لأنا إن رجحنا الحرمة للاحتياط يلزم ترك العمل بالاحتياط؛ لأنه حينئذ لا يجوز استعمال سؤر الحمار مع احتمال كونه مطهرا باعتبار الشك فكان متيمما عند وجود الماء في أحد الوجهين وذلك حرام فلا يكون عملا بالاحتياط ولا بالمباح وما قيل إن في تغليب الحرمة تقليل النسخ فذلك في تعارض النصين لا في الضرورة ومنها أن يقال لما وقع التعارض في سؤره وجب المصير إلى الخلف، وهو التيمم كمن له إناءان أحدهما طاهر والآخر نجس فاشتبه عليه، فإنه يسقط استعمال الماء ويجب التيمم فكذا هاهنا قلنا الماء هاهنا طاهر لما ذكرنا أن قضية الشك أن يبقى كل واحد على حاله ولم يزل الحدث؛ لأنه لما كان ثابتا بيقين فيبقى إلى أن يوجد المزيل بيقين والماء طاهر ووقع الشك في طهوريته فلا يسقط استعماله بالشك بخلاف الإناءين، فإن أحدهما نجس يقينا والآخر طاهر يقينا لكنه عجز عن استعماله لعدم عمله فيصار إلى الخلف ومنها أن التعارض لا يوجب الشك كما في إخبار عدلين بالطهارة والنجاسة حيث يتوضأ بلا تيمم قلنا في تعارض الخبرين وجب تساقطهما فرجحنا كون الماء مطهرا باستصحاب الحال والماء كان مطهرا قبله وهاهنا تعارض جهتا الضرورة فتساقطتا فأيقنا ما كان على ما كان أيضا إلا أن هاهنا ما كان ثابتا على حاله قبل التعارض شيئان جانب الماء وجانب اللعاب وليس أحدهما بأولى من الآخر فوجب الشك‏.‏ ومنها ما قيل في استعمال الماء ترك العمل بالاحتياط من وجه آخر؛ لأنه إن كان نجسا فقد تنجس العضو قلنا أما على القول بأن الشك في الطهورية فظاهر وأما على القول المرجوح من أن الشك في كونه طاهرا، فالجواب أن العضو طاهر بيقين فلا يتنجس بالشك والحدث ثابت بيقين فلا يزول بالشك فيجب ضم التيمم إليه كذا في معراج الدراية وغيره وفي الكافي ولم يتعارض الخبران في سؤر الهرة إذ قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «الهرة سبع» لا يقتضي نجاسة السؤر لما قدمنا ا هـ‏.‏ ثم اختلف مشايخنا فقيل الشك في طهارته وقيل في طهوريته وقيل فيهما جميعا والأصح أنه في طهوريته، وهو قول الجمهور كذا في الكافي هذا مع اتفاقهم أنه على ظاهر الرواية لا ينجس الثوب والبدن والماء ولا يرفع الحدث؛ فلهذا قال في كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام إن الاختلاف لفظي؛ لأن من قال الشك في طهوريته لا في طهارته أراد أن الطاهر لا يتنجس به ووجب الجمع بينه وبين التراب لا أن ليس في طهارته شك أصلا؛ لأن الشك في طهوريته إنما نشأ من الشك في طهارته لتعارض الأدلة في طهارته ونجاسته ا هـ‏.‏ وبهذا التقرير علم ضعف ما استدل به في الهداية لقول من قال الشك في طهوريته بأن لو وجد الماء المطلق لا يجب عليه غسل رأسه، فإن وجوب غسله إنما يثبت بتيقن النجاسة والثابت الشك فيها فلا يتنجس الرأس بالشك فلا يجب وعلم أيضا ضعف ما في فتاوى قاضي خان تفريعا على كون الشك في طهارته أنه لو وقع في الماء القليل أفسده؛ لأنه لا إفساد بالشك وفي المحيط تفريعا على الشك في طهوريته أنه لو وقع في الماء يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه؛ لأنه طاهر غير طهور كالماء المستعمل عند محمد ا هـ‏.‏ وكان الوجه أن يقول ما لم يساوه لما علمته في مسألة الفساقي وقد قدمنا حكم عرقه‏.‏

وأما لبنها فاختار في الهداية أنه طاهر ولا يؤكل وصححه في منية المصلي وبه اندفع ما في النهاية أنه لم يرجحه أحد وعن البزدوي أنه يعتبر فيه الكثير الفاحش وصححه التمرتاشي وصحح بعضهم أنه نجس نجاسة غليظة، وفي المحيط أنه نجس في ظاهر الرواية ومقتضى القول بطهارته القول بحل أكله وشربه ويدل عليه ما في المبسوط قيل لمحمد لم قلت بطهارة بول ما يؤكل لحمه ولم تقل بطهارة روثه قال كما قلت بطهارة بوله أبحت شربه ولو قلت بطهارة روثه لأبحت أكله ولا أحد يقول بها‏.‏ ا هـ‏.‏ فإن ظاهره أن الطهارة والحل متلازمان يلزم من القول بأحدهما القول بالآخر، ومن المشايخ من قال بنجاسة سؤر الحمار دون الأتان؛ لأن الحمار ينجس فمه بشم البول، وفي البدائع، وهذا غير سديد؛ لأنه أمر موهوم لا يغلب وجوده فلا يؤثر في إزالة الثابت وقال قاضي خان‏:‏ والأصح أنه لا فرق بينهما ولما ثبت الحكم في الحمار ثبت في البغل؛ لأنه من نسله فيكون بمنزلته قال الزيلعي هذا إذا كانت أمه أتانا فظاهر؛ لأن الأم هي المعتبرة في الحكم، وإن كانت فرسا ففيه إشكال لما ذكرنا أن العبرة للأم ألا ترى أن الذئب لو نزا على شاة فولدت ذئبا حل أكله ويجزئ في الأضحية فكان ينبغي أن يكون مأكولا عندهما وطاهرا عند أبي حنيفة اعتبار للأم، وفي الغاية إذا نزا الحمار على الرمكة لا يكره لحم البغل المتولد منهما عند محمد فعلى هذا لا يصير سؤره مشكوكا‏.‏ ا هـ‏.‏ الرمكة، وهي الفرس، وهي البرذونة تتخذ للنسل كذا في المغرب ويمكن الجواب عن الإشكال بأن البغل لما كان متولدا من الحمار والفرس فصار سؤره كسؤر فرس اختلط بسؤر الحمار فصار مشكوكا ذكره في معراج الدراية وغيره وذكر مسكين في شرح الكتاب سؤالا فقال‏:‏ فإن قلت أين ذهب قولك الولد يتبع الأم في الحل والحرمة قلت ذلك إذا لم يغلب شبهه بالأب أما إذا غلب شبهه فلا ا هـ‏.‏ وبهذا سقط أيضا إشكال الزيلعي كما لا يخفى وقال جمال الدين الرازي شارح الكتاب‏:‏ البغال أربعة بغل يؤكل بالإجماع، وهو المتولد من حمار وحشي وبقرة وبغل لا يؤكل بالإجماع، وهو المتولد من أتان أهلي وفحل وبغل يؤكل عندهما، وهو المتولد من فحل وأتان حمار وحشي وبغل ينبغي أن يؤكل عندهما، وهو المتولد من رمكة وحمار أهلي ا هـ‏.‏ وفي النوازل لا يحل شرب ما شرب منه الحمار وقال ابن مقاتل‏:‏ لا بأس به قال الفقيه أبو الليث‏:‏ هذا خلاف قول أصحابنا ولو أخذ إنسان بهذا القول أرجو أن لا يكون به بأس والاحتياط أن لا يشرب كذا في فتح القدير وفرع في المحيط على كون سؤر الحمار مشكوكا ما لو اغتسلت بسؤر الحمار تنقطع الرجعة ولا تحل للأزواج؛ لأنه مشكوك فيه، فإن كان طاهرا فلا رجعة، وإن كان نجسا لم يكن مطهرا فله الرجعة فإذا احتمل انقطعت احتياطا ولا تحل لغيره احتياطا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ توضأ به وتيمم إن فقد ماء‏)‏ أي توضأ بسؤرهما وتيمم إن لم يجد ماء مطلقا يعني يجمع بينهما والمراد بالجمع أن لا تخلو الصلاة الواحدة عنهما، وإن لم يوجد الجمع في حالة واحدة حتى لو توضأ بسؤر الحمار وصلى ثم أحدث وتيمم وصلى تلك الصلاة أيضا جاز؛ لأنه جمع بين الوضوء والتيمم في حق صلاة واحدة، وهو الصحيح كذا في فتاوى قاضي خان فأفاد أن فيها اختلافا وفي الجامع الصغير للمحبوبي وعن نصير بن يحيى في رجل لم يجد إلا سؤر الحمار قال يهريق ذلك السؤر يصير عادما للماء ثم يتيمم فعرض قوله هذا على القاسم الصفار فقال هو قول جيد وذكر محمد في نوادر الصلاة لو توضأ بسؤر الحمار وتيمم ثم أصاب ماء نظيفا ولم يتوضأ به حتى ذهب الماء ومعه سؤر الحمار فعليه إعادة التيمم وليس عليه إعادة الوضوء بسؤر الحمار؛ لأنه إذا كان مطهرا فقد توضأ به، وإن كان نجسا فليس عليه الوضوء لا في المرة الأولى ولا في الثانية كذا في النهاية وفي الخلاصة ولو تيمم وصلى ثم أراق سؤر الحمار يلزمه إعادة التيمم والصلاة؛ لأنه يتحمل أن سؤر الحمار كان طهورا ا هـ، فإن قيل هذا الطريق يستلزم أداء الصلاة بغير طهارة في إحدى المرتين لا محالة، وهو مستلزم للكفر لتأديه إلى الاستخفاف بالدين فينبغي أن لا يجوز ويجب الجمع في أداء واحد قلنا ذلك فيما أدى بغير طهارة بيقين، فأما إذا كان أداؤه بطهارة من وجه فلا لانتفاء الاستخفاف؛ لأنه عمل بالشرع من وجه، وهاهنا كذلك؛ لأن كل واحد من السؤر والتراب مطهر من وجه دون وجه فلا يكون الأداء بغير طهارة من كل وجه فلا يلزم منه الكفر كما لو صلى حنفي بعد الفصد أو الحجامة لا تجوز صلاته ولا يكفر لمكان الاختلاف، وهذا أولى بخلاف ما لو صلى بعد البول كذا في معراج الدراية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأيا قدم صح‏)‏ أي من المذكورين وهما الوضوء والتيمم أيا بدأ به جاز حتى لو توضأ ثم تيمم جاز بالاتفاق وإن عكس جاز عندنا خلافا لزفر؛ لأنه لا يجوز المصير إلى التيمم مع وجود ماء هو واجب الاستعمال فصار كالماء المطلق ولنا، وهو الأصح أن الماء إن كان طهورا فلا معنى للتيمم تقدم أو تأخر، وإن لم يكن طهورا فالمطهر هو التيمم تقدم أو تأخر ووجود هذا الماء وعدمه بمنزلة واحدة وإما يجمع بينهما لعدم العلم بالمطهر منهما عينا فكان الاحتياط في الجمع دون الترتيب كذا الاختلاف في الاغتسال به فعندنا لا يشترط تقديمه خلافا له لكن الأفضل تقديم الوضوء والاغتسال به عندنا، وفي الخلاصة اختلفوا في النية في الوضوء بسؤر الحمار والأحوط أن ينوي ا هـ‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ فيه ثلاث مسائل الأولى ما قدمناه لو أخبر عدل بأن هذا اللحم ذبيحة المجوسي وأخبر عدل آخر أنه ذبيحة المسلم، فإنه لا يحل أكله الثانية ما قدمناه لو أخبر عدل بنجاسة الماء وعدل آخر بطهارته، فإنه يحكم بطهارته الثالثة ما ذكره محمد في كتاب الاستحسان كما نقله في التوشيح لو أخبر عدل بحل طعام وآخر بحرمته، فإنه يحكم بحله، وهذا التنبيه لبيان الفرق بين الثلاث، فإنه قد يشتبه الأصل فيها أن الخبرين إذا تعارضا تساقطا، ويبقى ما كان ثابتا قبل الخبر على ما كان ففي الماء قبل الخبر الثابت إباحة شربه وطهارته فلما تعارض الدليلان تساقطا فبقي ما كان من الإباحة والطهارة وفي الطعام كذلك؛ لأن الأصل هو الحل فوجب العمل به إذ لو ترجح جانب الحرمة لزم ترجيح أحد المتساويين بلا مرجح مع ترك العمل بالأصل ولا يجوز ترجيح الحرمة بالاحتياط لاستلزامه تكذيب الخبر بالحل من غير دليل، فأما تعارض أدلة الشرع في حل الطعام وحرمته فيوجب ترجيح الحرمة تقليلا للنسخ الذي هو خلاف الأصل وعملا بالاحتياط الذي هو الأصل في أمور الدين عند عدم المانع، وأما مسألة اللحم الأولى، فإنه لما تساقط الدليلان أيضا بالتعارض بقي ما كان ثابتا قبل الذبح والثابت قبله حرمة الأكل؛ لأنه إنما يحل أكله بالذبح شرعا، وإذا لم يثبت السبب المبيح لوقوع التعارض في سبب الإباحة بقي حراما كما كان فظهر الفرق بين الثلاث لكن ذكر الإمام جلال الدين الخبازي في حاشية الهداية تفصيلا حسنا في مسألة الماء تسكن إليه النفس ويميل إليه القلب فقال، فإن قيل إذا أخبر عدل بنجاسة الماء وعدل آخر بطهارته لم لا يصير الماء مشكوكا مع وقوع التعارض بين الخبرين قلنا لا تعارض ثمة؛ لأنه أمكن ترجيح أحدهما، فإن المخبر عن الطهارة لو استقصى في ذلك بأن قال أخذت هذا الماء من النهر وسددت فم هذا الإناء ولم يخالطه شيء أصلا رجحنا خبره لتأيده بالأصل، وإن بنى خبره على الاستصحاب وقال كان طاهرا فيبقى كذلك رجحنا خبر النجاسة؛ لأنه أخبر عن محسوس مشاهد وأنه راجح على الاستصحاب ا هـ‏.‏ والذي ظهر لي أنه يحمل كلام المشايخ على ما إذا لم يبين مستند إخباره فإذا لم يبين يعمل بالأصل، وهو الطهارة، وإن بين فالعبرة لهذا التفصيل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بخلاف نبيذ التمر‏)‏ يعني إن فقد ماء مطلقا ولم يجد إلا نبيذ التمر، فإنه يتوضأ ولا يجمع بينه وبين التيمم وذكر هذه المسألة هنا إما؛ لأنه ما يجوز الوضوء به على رأي أو؛ لأن محمدا لما أوجب الجمع صار عنده مشكوكا فيه فشابه سؤر الحمار كذا قيل لكن لا يخفى ضعف الثاني؛ لأن المصنف جعله مخالفا لسؤر الحمار ثم اعلم أن الكلام هاهنا في ثلاثة مواضع‏:‏ الأول‏:‏ في تفسيره الثاني في وقته الثالث في حكمه أما الأول فهو أن يلقي في الماء تميرات فيصير رقيقا يسيل على الأعضاء حلوا غير مسكر ولا مطبوخ، وإنما قلنا حلوا؛ لأنه توضأ به قبل خروج الحلاوة يجوز بلا خلاف، وإنما قلنا غير مسكر؛ لأنه لو كان مسكرا لا يجوز الوضوء به بلا خلاف لأنه حرام، وإنما قلنا غير مطبوخ؛ لأنه لو طبخ فالصحيح أنه لا يتوضأ به إذ النار قد غيرته حلوا كان أو مشتدا كمطبوخ الباقلاء كذا في المبسوط والمحيط يعني بلا خلاف بين الثلاثة، وهو الأليق بما قدمناه من أن الماء يصير مقيدا بالطبخ إذا لم يقصد به المبالغة في التنظيف وبه يظهر ضعف ما صححه في المفيد والمزيد أنه يجوز الوضوء به بعدما طبخ وقد ذكر الزيلعي أن صاحب الهداية وقع منه تناقض فإنه ذكر هنا أن النار إذا غيرته يجوز الوضوء به عند أبي حنيفة لجواز شربه وذكر في بحث المياه أنه لا يجوز الوضوء بما تغير بالطبخ ا هـ‏.‏ ولا يخفى ثبوت الخلاف في هذه المسألة؛ لأن اختلاف التصحيح ينبئ عنه فكان فيه روايتان فيحتمل أن يكون مراد صاحب الهداية نقل الرواية في الموضعين فلا تناقض حيث أمكن التوفيق وأما سائر الأنبذة، فإنه لا يجوز الوضوء بها عند عامة العلماء، وهو الصحيح؛ لأن جواز التوضؤ بنبيذ التمر ثابت بخلاف القياس بالحديث؛ ولهذا لا يجوز عند القدرة على الماء المطلق فلا يقاس عليه غيره كذا في غاية البيان‏.‏ وأما الثاني‏:‏ قال أبو حنيفة‏:‏ كل وقت يجوز التيمم فيه يجوز التوضؤ به، وإلا فلا كذا في معراج الدراية، وأما الثالث ففيه ثلاث روايات عن أبي حنيفة الأولى، وهو قوله الأول أنه يتوضأ به جزما ويضيف التيمم إليه استحبابا والثانية يجب الجمع بينه وبين التيمم كسؤر الحمار وبه قال محمد واختاره في غاية البيان ورجحه والثالثة أنه يتيمم ولا يتوضأ به قوله الآخر وقد رجع إليه، وهو الصحيح وبه قال أبو يوسف والشافعي ومالك وأحمد وأكثر العلماء واختاره الطحاوي وحكي عن أبي طاهر الدباس أنه قال إنما اختلفت أجوبة أبي حنيفة لاختلاف الأسئلة، فإنه سئل عن التوضؤ به إذا كانت الغلبة للحلاوة قال يتيمم ولا يتوضأ به وسئل مرة إذا كان الماء والحلاوة سواء قال يجمع بينهما وسئل مرة إذا كانت الغلبة للماء فقال يتوضأ به ولا يتيمم وبالجملة فالمذهب المصحح المختار المعتمد عندنا هو عدم الجواز موافقة للأئمة الثلاث فلا حاجة إلى الاشتغال بحديث ابن مسعود الدال على الجواز من‏:‏ «قوله‏:‏ عليه السلام له ليلة الجن ما في إداوتك قال نبيذ تمر قال تمرة طيبة وماء طهور» أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه؛ لأن من العلماء من تكلم فيه وضعفه وإن أجيب عنه بما ذكره الزيلعي المخرج وغيره وعلى تقدير صحته هو منسوخ بآية التيمم لتأخرها إذ هي مدنية وعلى هذا مشى جماعة من المتأخرين فإذا علم عدم جواز الوضوء به علم عدم جواز الغسل به واختلفوا على قول من يجيز الوضوء به في جواز الغسل به فصحح في المبسوط جوازه وصحح في المفيد عدمه ولا فائدة في التصحيحين بعد أن كان المذهب عدم الجواز به في الحديثين؛ لأن المجتهد إذا رجع عن قول لا يجوز الأخذ به كما صرح به في التوشيح وتشترط النية له على قول من يجيز الوضوء به ولا يخفى أن سؤر الحمار مقدم عليه على المذهب وعلى القول الأول يقدم النبيذ وعند محمد يجمع بينهما مع التيمم وإذا شرع في الصلاة بالتيمم ثم وجده، فهو كالمعدوم على المذهب وعلى الأول يقطعها وعند محمد يمضي فيها ويعيدها بالوضوء به كما لو وجد سؤر حمار، فإنه يمضي ويعيدها به بالاتفاق ولولا عبارة الوافي - أصل الكتاب - لشرحته بأن المراد أن النبيذ مخالف لسؤر الحمار حيث لا يجوز الوضوء به أصلا ليصير ما في الكتاب هو المعتمد ولقد أنصف الإمام الطحاوي ناصر المذهب حيث قال ما ذهب إليه أبو حنيفة أولا اعتمد على حديث ابن مسعود لا أصل له ا هـ والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏