فصل: باب القصاص فيما دون النفس

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب القصاص فيما دون النفس

لما فرغ من بيان القصاص في النفس شرع في بيان القصاص فيما دون النفس؛ لأن الجزء يتبع الكل قال رحمه الله‏:‏ تعالى ‏(‏يقتص بقطع اليد من المفصل، وإن كانت يد القاطع أكبر وكذا الرجل ومارن الأنف والأذن‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والجروح قصاص‏}‏ أي ذو قصاص لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسن بالسن‏}‏ والقصاص ينبني على المماثلة فكل ما أمكن فيه رعاية للمماثلة يجب فيه القصاص وما لا فلا وقد أمكن في هذه الأشياء التي ذكرناها ولا عبرة بكبر العضو؛ لأنه لا يوجب التفاوت في المنفعة وإذا قلنا أن المدار عن التساوي في المنفعة فلا تقطع اليمنى باليسرى ولا الصحيحة بالشلاء ولا يد المرأة بيد الرجل ولا يد الحر بيد العبد وقيد بقوله من المفصل؛ لأنه لو قطع ذلك من غير المفصل لا قصاص فيه وفي النوادر روى الحسن عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى أنه إذا قطع شحمة أذنه يقتص منه، وإن قطع نصف أذنه، وكان يقدر أن يقتص مثل ذلك اقتص منه؛ لأن شحمة الأذن لها حد معلوم وللأذن مفاصل معلومة فإذا قطع منها شيء يعلم أن القطع من أي المفصل أمكن القصاص، وكذلك إذا قطع غضروف الأذن قطعا يستطاع فيه القصاص اقتص منه يعمل ذلك بحديدة أو بغير حديدة، وإن جذب أذنه فانتزع شحمته لا قصاص فيه وعليه الأرش في ماله، وإن كان أذن القاطع سكا أي صغيرة الخلقة وأذن المقطوع صحيحة كبيرة كان بالخيار إن شاء ضمنه نصف الدية، وإن شاء قطعها على صغرها، وكذلك لو كانت أذن القاطع مقطوعة أو خرماء أو مشقوقة كان المقطوع بالخيار، وإن كانت الناقصة هي المقطوعة كان له حكومة عدل لا قصاص فيه وفي نوادر ابن سماعة عن محمد، ولو قطع المارن، وهو أرنبة الأنف ففيها القصاص، وإن قطع من أصله لا قصاص عليه؛ لأنه عظم، وليس بمفصل ولا قصاص في العظم قال أبو حنيفة‏:‏ لو قطع ذكره من أصله أو من الحشفة اقتص منه؛ لأنه أمكن استيفاؤه على سبيل المساواة إذ له حد معلوم فأشبه اليد من الكوع‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والعين إن ذهب ضوءها، وهي قائمة، وإن قلعها لا والسن، وإن تفاوتا وكل شجة تتحقق فيها المماثلة‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ يعني لو ضرب العين فأذهب ضوءها، وهي قائمة يجب القصاص؛ لأنه أمكن بأن تحمى لها المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتشد عينه الأخرى ثم تقرب المرآة من عينه بخلاف ما إذا انقلعت حيث لا يقتص منه لعدم إمكان رعاية المماثلة، وكانت هذه الحادثة وقعت في زمن عثمان رضي الله تعالى عنه فشاور الصحابة فقال علي رضي الله تعالى عنه يجب القصاص فبين إمكان الاستيفاء بالطريق التي ذكرناها ثم هنا لم يعتبر الكبر والصغر حتى أجري القصاص في الكل باستيفاء الكل واعتبر بالشجة في الرأس إذا كانت استوعبت رأس المشجوج، وهي لم تستوعبه رأس الشاج فأثبت للمشجوج الخيار إن شاء اقتص وأخذ بقدر شجته، وإن شاء أخذ أرش ذلك؛ لأن ما لحقه من الشين أكثر؛ لأن الشجة المستوعبة لما بين قرنيه أكثر شينا من الشجة التي لم تستوعب ما بين قرنيه بخلاف قطع العضو، فإن الشين فيه لا يختلف، وكذا منفعته لا تختلف فلم يمكن إلا القصاص لوجود المساواة فيه من كل وجه، وإذا قلعت لا يجب حيث لا يمكن المماثلة إذ لا قدرة لنا أن نفعل به كما فعل من غير زيادة ولا نقصان؛ فلهذا لا يجب القصاص، وفي الهداية، ولو قلع السن من أصله يقلع الثاني تماثلا قال صاحب الكافي‏:‏ وعامة شراح الكتاب في هذا المقام، ولو قلع السن من أصله لا يقلع سنه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فربما تفسد به المماثلة، ولكن تبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن، وعزاه الشارح إلى المبسوط‏.‏ أقول‏:‏ أسلوب تحريرهم هاهنا محل تعجب، فإن أحدا منهم لم يتعرض لما ذكر في الكتاب لا بالرد ولا بالقبول بل ذكروا المسألة على خلاف ما ذكر في الكتاب، وكان من دأب الشراح التعرض لما في الكتاب إما بالقبول، وإما بالرد فكأنهم لم يروا أصلا نعم القول الذي نقلته هاهنا عن المصنف غير مذكور في بعض النسخ لكنه واقع في كثير من النسخ ليس بمثابة أن لا يطلع عليه أحد من الشرائع كيف، وقد أخذه صاحب الوقاية فذكره في متنه حيث قال ولا قود في عظم إلا في السن فتقلع إن قلعت وتبرد إن كسرت، وكان ما أخذه متن الوقاية هو الهداية كما صرح به صاحبه، وكذا ذكره في كثير من المتون ثم إن التحقيق هاهنا هو أنه إذا قلع سن غيره هل يقلع سنه قصاصا أم يبرد بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم فيه روايتان كما أفصح عنه في المحيط البرهاني حيث قال إن كانت الجناية بكسر بعض السن يؤخذ من سن الكاسر بالمبرد مقدار ما كسر من سن الآخر، وهذا بالاتفاق، وإن كانت الجناية بقلع سن ذكر القدوري أنه لا يقلع سن القالع، ولكن يبرد سن القالع بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم ويسقط الباقي وإليه مال شمس الأئمة السرخسي وذكر شيخ الإسلام في شرحه أنه يقلع سن القالع، وإليه أشار محمد في الجامع الصغير حيث ذكر بلفظ النزع والنزع والقلع واحد وفي الزيادات نص على القلع إلى هنا لفظ المحيط‏.‏ وأما الشفتان ففي كل واحد منهما نصف الدية إن كان خطأ، وأما إذا كان عمدا فذكر الطحاوي في شرحه عن الإمام إذا قطع شفة رجل السفلى أو العليا، وكان يستطاع أن يقتص منه بقدر ما فعل يجب القصاص، وإن قطع بعضه لا يجب ويقتص العليا بالعليا والسفلى بالسفلى وقوله والسن إن تفاوتت يعني يجب قطع السن بالسن إذا أمكنت المماثلة، وإن تفاوتا في الصغر والكبر وإلا فلا، وفي المنتقى إذا أراد أن يقلع سن آخر ظلما فله أن يقتله إذا كان في موضع لا يغيثه الناس، وفي الذخيرة، ومن أراد أن يبرد سن آخر فليس له أن يقتله، وإن كان لا يغاث وفي الأصل ينبغي أن يؤخذ الضرس بالضرس والثنية بالثنية والناب بالناب ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل بل بالأعلى، وفي الخلاصة الحاصل أن النزع مشروع والأخذ بالمبرد احتياط وفي الجامع الصغير وإذ كسر سن إنسان وسن الكاسر أكبر يقتص منه، وكذلك في القلع ولا قصاص في السن الزائدة، وإنما فيها حكومة عدل، وإذا كسر سن إنسان، والسن المكسورة مثل ربع سن الكاسر يقتص منه ولا يكون على قدر الصغر والكبر بل يكون على قدر ما كسره من السن وفي الحاوي، فإن كان سن المنزوع أطول وأعظم لم يكن له إلا القصاص، وإن كسر إن كان مستويا يمكن استيفاء القصاص منه اقتص منه بمبرد، وإن لم يكن مستويا ولا يستطاع أن يقتص كان عليه أرشه، وفي الخلاصة، وإن كسر ثلثا ليس بمستو بحيث لا يستطاع أن يقتص منه فعليه أرش ذلك في كل سن خمس من الإبل أو من البقر‏.‏ وفي المنتقى إذا كسر من سن رجل طائفة منها انتظر بها حولا، فإذا تم الحول ولم يكمل فعليه القصاص تبرد بالمبرد ويطلب لذلك طبيب عالم أو يقال لها قيمتها كم ذهب منها‏؟‏، فإن قال ذهب منها النصف يبرد من سن القالع النصف وفيه أيضا إذا كسر من رجل بعضها وسقط ما بقي، فإن أبا يوسف كان يقول يجب القصاص وفي القدوري لا قصاص في المشهور وروى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة إذا نزع الرجل سن رجل فنبت نصفها فعليه نصف أرشها ولا قصاص في ذلك، فإن نبتت بيضاء تامة ثم نزعها آخر ينتظر بها سنة، فإن نبتت وإلا اقتص منه ولا شيء على الأول وقال ابن أبي مالك قال أبو يوسف‏:‏ يجب عليه، فإن نبتت صفراء، فعليه حكومة عدل، وقال ابن سماعة في السن إذا نزعت ينتظر بها سنة، فإن لم تنبت اقتص منه، وفي جامع الفتاوى في الإملاء يقتص من ساعته، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل وروى ابن مالك عن أبي حنيفة في السن إذا نزعت ينتظر بها البرد ثم يقتص من الجاني، وفي شرح الطحاوي إذا كسر بعض سن إنسان عمدا ثم اسود الباقي بذلك أو احمرت أو اخضرت أو دخلها عيب بوجه من الوجوه فلا قصاص‏.‏ ويجب الأرش في مال الجاني، وبهذه الرواية تبين أن ما ذكره القاضي الإمام صدر الإسلام والصدر الشهيد في الجامع الصغير فإذا كسر بعض سن إنسان واسود الباقي يجب فيها حكومة عدل ليس بصحيح، ولو قال المجني عليه أنا أستوفي القصاص في المكسور وأترك ما اسود ليس له ذلك وإذا ضرب سن إنسان فتحرك ينتظر فيه حولا، فإن احمر أو اخضر أو اسود تجب الدية كاملة في مال الجاني، وإن اصفر اختلف المشايخ فيه هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه قال بعضهم‏:‏ يجب كمال أرش السن كما في الأسود والأحمر، وقال بعضهم يجب حكومة عدل وذكر شيخ الإسلام أحمد الطواويسي في شرحه أن في هذا الفصل اختلاف الروايات وروى عن أبي يوسف أنه يلزمه كمال الأرش كما في الأسود وعن محمد أنه قال ينظر في ذلك، فإن كان يلحقه من الشين بسبب الاصفرار ما يلحقه من الشين بسبب الاسوداد يلزمه كمال الأرش وإلا فيقدر الشين وعن أبي حنيفة أنه يلزمه حكومة عدل وذكر القدوري أن هشاما روى عن محمد عن أبي حنيفة أن سن الحر إذا اصفرت فلا شيء، وإن كان عبدا ففيه حكومة عدل وعن أبي يوسف عن أبي حنيفة أن فيه الحكومة وروي عن أبي مالك عن أبي يوسف أن الصفرة إذا اشتدت حتى صارت كالخضرة ففيها كمال الأرش، وإن كانت دون ذلك ففيها الحكومة ثم إن محمدا أوجب كمال الأرش باسوداد السن ولم يفصل بين أن يكون السن من الأضراس التي لا ترى أو من القوارض التي ترى قالوا ويجب أن يكون الجواب فيها على التفصيل إن كان السن من الأضراس التي لا ترى إن فاتت منفعة المضغ بالاسوداد يجب الأرش كاملا، وإن لم تفت منفعة المضغ يجب فيه حكومة عدل‏.‏ وإن كان السن قائمة من القوارض التي ترى وتظهر من الأسنان فيجب كمال الأرش بالاسوداد، وإن لم تفت منفعته‏.‏

وفي الينابيع، ولو ضرب سن إنسان فتحركت سنه الأخرى فجاء للقاضي ليظهر أثر فعله، فإن أجله القاضي حولا وقد سقطت سنه فاختلفا قبل السنة فقال المضروب من ضربك وقال الضارب لا بل من ضرب رجل آخر فالقول للمضروب، وإن جاء بعد السنة واختلفا القول للضارب، ولو لم تسقط لا شيء على الضارب وعن أبي يوسف أنه تجب حكومة عدل في الألم وفي شرح الطحاوي، ومن ضرب رجلا حتى سقط أسنانه كلها، وهي اثنان وثلاثون سنا منها عشرون أضراس وأربعة أنياب وأربع ثنايا وأربع ضواحك، فإن عليه دية وثلاثة أخماس الدية، وهي من الدراهم ستة عشر ألفا في السنة الأولى ثلثا الدية ثلث من الدية الكاملة وثلث من ثلاثة أخماس الدية وفي السنة الثانية ثلث الدية وفي السنة الثالثة، وهي ما بقي من الدية والثلاثة أخماس، وإذا قلع الرجل سن رجل خطأ ثم نبتت فلا شيء على القالع عند علمائنا وروي عنهما في النوادر أنه يجب الأرش والصحيح ما قلنا؛ لأن القياس يأبى وجوب الأرش بالقلع، وإن لم تنبت؛ لأن المتلف ليس بمال ولكنا تركنا القياس بالنص، وإنما أوجب النص الأرش إذا لم تنبت مكانه أخرى فإذا نبتت مكانه أخرى يقع على أصل القياس فإذا نبتت أخرى سوداء بقي الأرش على حاله وإذا نزع سن رجل عمدا أو انتزع المنزوع سنه سن النازع ثم نبتت سن الأول فعلى الأول أرش سن الثاني، ولو نبت معوجا يجب حكومة عدل‏.‏ وإن نبتت سوداء جعل كأنها لم تنبت وفي الكافي، ولو قلع سن غيره فردها صاحبها إلى مكانها ونبت عليها اللحم فعلى القالع كمال الأرش وقال الشافعي في قول‏:‏ عليه الضمان بخلاف ما لو قطع شجرة رجل فنبتت مكانها أخرى حيث لا يسقط الضمان السغناقي ذكر في المبسوط، ولو قلع سن رجل فنبتت كما كانت فلا شيء عليه في ظاهر الرواية ويرجع على الجاني بقدر ما يحتاج إليه من ثمن الدواء وأجرة الأطباء وأبو حنيفة رحمه الله تعالى يقول لا يجب شيء، وفي الينابيع وقال أبو يوسف‏:‏ لو نبتت سن البالغ بعد القلع لا يسقط الأرش بل تلزمه الدية كاملة بخلاف سن الصبي وقال أبو حنيفة‏:‏ لا شيء في سن الصبي وقال أبو يوسف‏:‏ فيها حكومة عدل، وإذا لم تنبت يجب فيها الأرش كاملا، وإذا قلع الرجل ثنية رجل عمدا واقتص له من ثنية القالع ثم نبتت ثنيته لم يكن للمقتص له أن يقلع تلك الثنية التي نبتت ثانيا، ومثله لو نبتت ثنية المقتص له، ولم تنبت ثنية المقتص منه غرم المقتص للمقتص منه أرش ثنيته قال في الأصل‏:‏ إذا قلع الرجل سن رجل فأخذ المقلوع سنه وأثبتها في مكانها فثبتت فقد كان القلع خطأ فعلى القالع أرش السن كاملا قال شيخ الإسلام‏:‏ وهذا إذا لم يعد إلى حالته الأولى بعد الثبات في المنفعة والجمال، والغالب أن لا يعود إلى تلك الحالة، وإذا تصور عود الجمال والمنفعة بالإثبات لم يكن على القالع شيء كما لو نبتت السن المقلوعة‏.‏ قال في الأصل إذا نزع ثنية رجل وثنية الجاني سوداء فالمجني عليه بالخيار، وعلى نحو ما ذكرنا في مسألة العين وتفريع هذه المسألة على نحو تفريع مسألة العين، وفي السغناقي عن أبي يوسف فيما إذا قلع سن رجل بالغ ثم نبت مكانها أخرى يجب حكومة العدل لمكان الألم فيقوم، وبه هذا الألم فيجب ما انتقص منه بسبب الألم من القيمة، ولو نزع ثنية رجل وثنية النازع سوداء، فلم يتخير المجني عليه شيئا حتى سقطت السن السوداء، ونبتت مكانها أخرى صحيحة فقد بطل حق المجني عليه، وفي الكافي وكذا إذا لم يكن للقالع ثنية حين قلع ثم نبتت، فلا قصاص له وله الأرش، ولو قلع رجل ثنية رجل وثنية القالع مقلوعة فنبتت ثنيته بعد القلع، فلا قصاص فيه وللمقلوع ثنيته أرشها، وفي المجرد عن أبي حنيفة إذا نزع سن إنسان ينبغي للقاضي أن يأخذ ضمينا من النازع ثم يؤجله سنة من النزع فإذا مضت سنة، ولم تنبت اقتص منه، وعلى هذا إذا ضرب إنسان إنسانا واسود السن فقال الضارب‏:‏ إنما اسودت من ضربة حدثت فيها بعد ضربتي فالقول للمضروب استحسانا هكذا ذكر المسألة في الأصل وهكذا روى ابن سماعة عن أبي يوسف، وفي المنتقى في الباب الأول من الجنايات رواية الحسن عن أبي حنيفة في عين هذه الصورة أن القول قول الضارب، وليس هذا في شيء من الجنايات إلا في السن للأثر‏.‏ وفي النوازل سئل عن رجل ضرب على وجه رجل فتناثرت أسنانه كلها قال يجب لكل سن دية خمسمائة قال الفقيه إن كانت جملتها اثنين وثلاثين، ويجب عليه ستة عشر ألفا، وإن كانت أسنانه ثلاثين فعليه خمسة عشر ألفا، ولو كانت ثمانية وعشرين، فعليه أربعة عشر ألفا، وفي السراجية في سن الرجل خمسمائة وفي سن المرأة نصف ذلك وفي الفتاوى أمره بنزع سنه ثم اختلفا فقال الآمر‏:‏ أمرتك بغير هذا، فإنه قال القول قول الآمر مع يمينه، فإذا حلف فأرش السن على عاقلة المأمور أو في ماله لا رواية في هذا وفي المنتقى قالوا وليس في نفس الآدمي شيء من الأعضاء ديته زائدة على دية النفس إلا الأسنان رجلان قاما في اللعب ليتضاربا بالوكز يعني ‏(‏مسه درن حابرل‏)‏ فركب أحدهما الآخر وكسر سنه فعلى الضارب القصاص ولكن بالشرائط التي قلنا؛ لأن هذا عمد والمسألة كانت واقعة الفتوى على هذا وفي الظهيرية، ولو قال كل واحد منهما ‏(‏درن‏)‏ فوكز أحدهما صاحبه لا شيء عليه، وهو الصحيح بمنزلة قوله اقطع يدي فقطعها، وإذا قلع سن صبي آخر حولا فمات الصبي قبل تمام الحول فلا شيء على الجاني في قول أبي حنيفة، وقال أبو يوسف‏:‏ فيه حكومة عدل وفي الكبرى قال فيه حكومة عدل، وإذا ضرب سن رجل فاسود سن الرجل ثم جاء آخر فنزعها فعلى الأول تمام أرشها، وفي الخانية خمسمائة وعلى الثاني حكومة عدل وإذا نزع سن رجل وسن الثاني سوداء أو صفراء أو حمراء أو خضراء والنزع كان عمدا يخير المجني عليه إن شاء اقتص منه‏.‏ وإن شاء ضمنه أرش سنه خمسمائة، وإن كان المعيوب سن المجني عليه فله حكومة عدل ولا يقتص سنه لسنه وفي الخانية، ولو ضرب سن إنسان فاسودت وسن الجاني سوداء أو حمراء أو خضراء أو صفراء كان المجني عليه بالخيار إن شاء ضمنه، وإن شاء استوفى القصاص ناقصا وفي الكبرى، ولو نزع سن رجل فنبت نصفها فعليه نصف أرشها، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا قصاص في عظم‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قصاص في العظم» وقال عمر وابن مسعود‏:‏ لا قصاص في عظم إلا في السن، وهذا هو المراد بالحديث وبموضوع صاحب الكتاب؛ ولأن القصاص ينبني عن المساواة، وقد تعذر اعتبارها في غير السن، واختلف الأطباء في السن هل هو عظم أو طرف عصب يابس فمنهم من ينكر أنه عظم؛ لأنه يحدث وينمو بعد تمام الخلقة ويلين بالخل فعلى هذا لا يحتاج إلى الفرق بينه، وبين سائر العظام؛ لأنه ليس بعظم فلعل صاحب الكتاب ترك السن لذلك؛ لأنه لم يدخل تحت الاسم؛ ولذا لم يستثنه في الحديث ولئن قلنا بأنه عظم فالفرق بينه وبين سائر العظام أن المساواة فيه ممكنة بأن يبرد بالمبرد بقدر ما كسر منه وكذلك إن قلع سنه، فإنه لا يقلع سنه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فيه فلربما تفسد به، وإنما يبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن كذا ذكره في النهاية معزيا إلى الذخيرة والمبسوط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وطرفي رجل وامرأة وحر وعبد وعبدين‏)‏ أي لا قصاص في الطرف بين الرجل والمرأة فقوله وطرف رجل وامرأة إلى آخره، فإن قيل سلمنا وجود التفاوت في القيمة في الأطراف، وأنه يمنع الاستيفاء لكن المعقول منه منع استيفاء الأكمل بالأنقص دون العكس، فإن الشلاء تقطع بالصحيحة، وأنتم لا تقطعون يد المرأة بيد الرجل ولا يد عبد بحر‏.‏ والجواب إنا قد ذكرنا أن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال؛ لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال، فالواجب أن يعتبر التفاوت المالي شائعا مطلقا، والشلل ليس منه، فيعتبر مانعا من جهة الأكمل كذا في العناية، ولا مماثلة بين طرفي الذكر والأنثى للتفاوت بينهما في القيمة بتقسيم الشارع، ولا بين الحر والعبد ولا بين العبدين للتفاوت في القيمة، وإن تساويا فيها بالظن، فصار شبهة منع القصاص، فإن قيل إن استقام عدم المماثلة في الحر والعبد لم يستقم بين العبدين لإمكان تساوي قيمتهما بتقويم المقومين أجيب بأن التساوي إنما يكون بالحزر والظن والمماثلة المشروطة شرعا لا تثبت بذلك كالمماثلة في الأموال الربوية بخلاف طرفي الحرين؛ لأن استواءهما متيقن بتقويم الشرع وبخلاف الأنفس؛ لأن الخلاف فيها متعلق بإزهاق الروح، ولا تفاوت فيه قال صاحب الكفاية‏:‏ فإن قيل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن‏}‏ مطلق يتناول موضع النزاع فيكون حجة عليكم قلنا قد خص منه الحربي‏.‏ والمستأمن والعام إذا خص منه شيء يجوز تخصيصه بخبر الواحد فخصصناه بما روي عن عمران بن حصين أنه قال‏:‏ «قطع عبد لقوم فقراء أذن عبد لقوم أغنياء فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقض بالقصاص»ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فيه نظر أما أولا‏:‏‏؟‏ فلأنه قد تقرر في علم الأصول أن النص العام إذا خص منه شيء بكلام مستقل موصول به يكون ذلك العام المخصص منه البعض ظنيا في الباقي فيجوز تخصيصه بخبر الواحد، وأما إذا خرج من النص العام شيء مما هو مفصول عنه غير موصول به فلا يكون ذلك ظنيا في الباقي بل يكون باقيا على حالته الأولى، ولا شك أن مخرج الحربي والمستأمن من الآية المذكورة ليس بكلام موصول بها فتكون باقية على قطعيتها الأصلية فلا يجوز تخصيصها بخبر الواحد وقد مر منا غير مرة نظير هذا النظر في محاله‏.‏ وأما ثانيا؛ فلأن حديث عمران بن حصين إنما يفيد عدم جريان القصاص في الأطراف بين العبدين ولا يفيد عدم جريانه فيما بين الرجل والمرأة ولا بين الحر والعبد فبقي الاعتراض بإطلاق الآية المذكورة في هاتين الصورتين ولم يتم الجواب‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وطرف الكافر والمسلم سيان‏)‏ أي مثلان فيجري القصاص بينهما للتساوي في الأرش وقال الشافعي‏:‏ لا يجري لما ذكرنا من أصله قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وقطع يد من نصف ساعد وجائفة برئ منها ولسان وذكر إلا أن تقطع الحشفة‏)‏ أي لا قصاص في هذه الأشياء لعدم المماثلة فيها؛ لأن في القطع من نصف الساعد كسر العظم ويتعذر التساوي فيها إذ لا ضابط له، وفي الجائفة البرء نادر فلا يمكن أن يخرج الثاني جائفة على وجه يبرأ منه، فيكون إهلاكا، فلا يجوز والذكر واللسان ينقبضان وينبسطان فلا يمكن اعتبار المماثلة فيهما إلا أن يقطع من الحشفة؛ لأن موضع القطع معلوم فيصار إليه وعن أبي يوسف أنه إذا قطع من أصلهما يجب بخلاف ما إذا قطع بعضها لتعذر اعتبار المماثلة فيه قال في الينابيع‏:‏ إذا قطع اليد من العضو والرجل من الفخذ فعندهما فيه الدية، وما فوق الكتف والقدم، ففيه حكومة عدل وعند أبي يوسف ما فوق الكعب والقدم مع الأصابع وفي الخلاصة دية اليد تجب مؤجلة في سنتين ثلثاها في السنة الأولى والباقي في السنة الثانية وإذا كسر يد عبد رجل أو رجله لا يجب في الحال شيء‏.‏ ولو قطع أصبعا زائدة وفي يده مثلها لا قصاص بالإجماع وقال أبو حنيفة في الأقطعين والأشلين إنه لا قصاص، وهو قول أبي يوسف في رواية الحسن عنه وكذلك مقطوع الإبهام أو الأصابع كلها إذا قطع إنسان يده فلا قصاص في قول أبي حنيفة إنه لا قصاص فيه، وفيه حكومة عدل، ولو كسر عظما من ساعد أو ساق أو غيره ففيه حكومة عدل وفي ثدي المرأة دية كاملة ولا ذكر له في الكتب وفي كسر الصلب دية كاملة إن منعه عن الجماع وأحدبه فأما إذا لم يحدبه ولم يمنعه من الجماع فهذا على نوعين‏:‏ إما أن يبقى للجراحة أثر ففيه حكومة عدل ولم يجب كمال الدية، وأما إذا لم يبق لها أثر لم يجب فيه شيء، وقد مر هذا فيما تقدم، وفي الظهيرية وكذا صدر المرأة إذا انكسر وانقطع الماء منه ففيه الدية وفي الصلب إذا دق لكن يقدر على الجماع ففيه حكومة عدل، وإن لم يقدر وصار أحدب فدية كاملة، وإن عاد إلى حبله ولم ينقص ولكن فيه أثر الضرب ففيه حكومة عدل، وإن لم يكن فيه أثر فلا شيء فيه في قول أبي حنيفة، وعندهما تجب أجرة الطبيب وفي الذكر كمال الدية وفي ذكر الخصي حكومة عدل سواء كان يتحرك أو لا يقدر الخصي على الوطء أو لا يقدر وعلى هذا الخلاف ذكر العنين‏.‏ وأما ذكر الشيخ الكبير إن كان يتحرك ولا يقدر على الوطء فالجواب فيه كالجواب في ذكر الخصي وذكر العنين وفي التهذيب، وفي ذكر الخصي والعنين حكومة عدل، وهو ما يرى القاضي بمشورة أهل البصيرة، وقيل يقوم إن لو كان عبدا مجبوبا وغيره فتجب نسبة النقصان من ديته كما لو نقص عشر القيمة يجب عشر الدية والأول أصح‏.‏

وفي التجريد المرأة إذا أفضاها فصارت لا تستمسك البول والغائط أو أحدهما ففيه دية كاملة وفي الأنثيين كمال الدية وإذا قطع الحشفة يجب كمال الدية، فإن قطع باقي الذكر، فإن كان قبل تخلل البرء تجب دية كاملة ويجعل كأنه قطع الذكر بدفعة واحدة، وإن تخلل بينهما برء فيجب كمال الدية في الحشفة وحكومة العدل في الباقي، وإذا قطع الذكر والأنثيين من الرجل الصحيح خطأ إن بدأ بقطع الذكر ففيه ديتان، وفي التجريد، وكذا إذا قطعها من جانب واحد، ولو بدأ بقطع الأنثيين ثم بالذكر ففي الأنثيين الدية كاملة وفي الذكر حكومة عدل، وإن قطعهما من جانب الفخذ معا فعليه ديتان وفي التحفة وفي الأنثيين إذا قطعهما مع الذكر جملة واحدة في حالة واحدة يجب عليه ديتان دية بإزاء الذكر ودية بإزاء الأنثيين، وإذا قطع الذكر أولا ثم الأنثيين يجب ديتان أيضا؛ لأن بقطع الذكر قطع منفعة الأنثيين، وهي إمساك المني فأما إذا قطع الأنثيين أولا ثم الذكر تجب الدية بقطع الأنثيين وتجب بقطع الذكر حكومة العدل‏.‏ وفي الأليتين إذا قطعتا كمال الدية وفي الظهيرية وفي أحدهما نصف الدية وفي المنتقى عن محمد إذا قطع إحدى أنثييه وانقطع ماؤه دية ونصف قال ولا نعلم ذهاب الماء إلا بإقرار الجاني فإذا قطع الباقي من إحدى الأنثيين يجب نصف الدية ولم يذكر في الكتاب الحكم في العمد والظاهر الأنثيين أنه يجب فيه القصاص حالة العمد وفي الرجلين كمال الدية في الخطأ وفي أحدهما نصف الدية وفي كل أصبع من أصابع الرجلين عشر الدية وفي الرجلين في العمد القصاص إذا قطع من مفصل القدم أو من مفصل الركبة أو من مفصل الورك، وإن قطعت من غير المفصل لا يجب القصاص وفي الذخيرة وكذلك الحكم في أصابع الرجلين إن قطعت من المفصل عمدا يجب القصاص، وإذا قطع الرجل خطأ من نصف الساق تجب الدية لأجل القدم وحكومة العدل فيما وراء القدم والكلام فيه نظير الكلام في اليد إذا قطعت من نصف الساعد، وإن كسر فخذه فبرئت واستقامت فلا شيء عليه، وفي قول أبي يوسف حكومة عدل وذكر أبو سليمان عن محمد في كتاب الخراج قال أبو حنيفة‏:‏ ما انكسر من إنسان يدا أو رجلا أو غير ذلك وبرئ وعاد كهيئته فليس فيه عقل، وإن كان فيه نقص بأن برئ العظم وبقي فيه ورم ففيه من عقله بحساب ما نقص، وكذلك في الجراحة الجسد إذا برئ وعاد كهيئته، فليس فيه شيء، ولو كان في شيء من ذلك شلل ففيه حكومة عدل إلا الجائفة، فإن فيها ثلث دية النفس‏.‏ وإذا طعن برمح أو غيره في دبره وصار لا يستمسك الطعام في جوفه ففيه الدية وإذا ضرب فسلسل بوله، وصار بحال لا يستمسكه ففيه الدية، وإذا ضرب فقطع فرج امرأة وصارت بحال لا يمكن جماعها ففيه الدية وفي الينابيع وكذا لو قطع فرجها من الجانبين حتى وصل إلى العظم، وإن قطع أحدهما ففيه نصف الدية وفي فتاوى سمرقند، فإن جامع امرأة لا يجامع مثلها فماتت فعلى عاقلته ديتها وفي جنايات المنتقى إذا جامع امرأة فأفضاها حتى لا تستمسك البول فلا شيء عليه، وهذا قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف‏:‏ إن كانت لا تستمسك البول فعليه الدية في ماله، وإن كانت تستمسك فعليه ثلث الدية، وفي الكبرى، وإن كانت بحيث تستمسك ففيها ثلث الدية، وفي فتاوى الخلاصة رجل جامع صغيرة لا يجامع مثلها فماتت، فإن كانت أجنبية، فالدية على العاقلة، وإن كانت منكوحته فالدية على العاقلة، والمهر على الزوج، ولو أزال بكارة امرأة بالحجر أو غيره يجب المهر وفي الينابيع، وإن زنى بها مطاوعة وأفضاها فلا شيء عليه عندهما، وقال أبو يوسف‏:‏ تجب الدية على عاقلته، وفي الينابيع وإذا ضرب امرأة فأفضاها وصارت بحيث لا تستمسك، فإن كانت بكرا يجب جميع الدية ولا يجب المهر عندهما‏.‏ وقال محمد رحمه الله يجمع بينهما وفي التجريد وقال أبو يوسف‏:‏ وإذا وطئ امرأة بشبهة فأفضاها وصارت لا تستمسك البول تجب الدية ولا مهر لها وقال محمد‏:‏ لها المهر والدية، ولو دق فخذها أو يدها من الوطء فأرش ذلك في ماله؛ لأنه قد يقع على جسدها وفي المجامع يتعمد ذلك فهذا منه عمد وعن أبي يوسف عن محمد رجل جامع امرأة ومثلها يجامع فماتت من ذلك فلا شيء عليه وقال أبو يوسف‏:‏ إذا جامع امرأة فذهب منها عين أو أفضاها إن ماتت فهو ضامن، وقال محمد‏:‏ يضمن في هذا كله إلا الإفضاء والقتل في الجماع، وهو قول أبي حنيفة فيما حكى عن هشام عن محمد قال‏:‏ وهو قول أبي يوسف وعن الفقيه أبي نصر الدبوسي إذا دفع أجنبية فوقعت وذهبت عذرتها فعلى الدافع مهر مثلها والتعزير وعن الشيخ الإمام أبي حفص الكبير سئل عمن دفع امرأة فذهبت عذرتها ثم طلقها قبل الدخول بها كان عليه نصف المهر في قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أبي يوسف عليه جميع المهر بكر دفعت بكرا أخرى فزالت عذرتها قال محمد على الدافعة مهر مثل الأخرى

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وخير بين الأرش والقود إن كان القاطع أشل أو ناقص الأصابع أو كان رأس الشاج أكبر‏)‏ قيد بحالة القطع فجعلها قيدا في التخيير؛ لأنها لو تغيرت بعد القطع لا يخير كما سيأتي بيانه وأطلق في الشلاء فشمل ما إذا كان ينتفع بها أو لا فلو قيد في الشلاء فقال شلاء ينتفع بها لكان أولى كما سنبينه أيضا أما الأول، فهو ما إذا كانت يد القاطع شلاء أو ناقصة الأصابع ويد المقطوع صحيحة كاملة الأصابع؛ فلأن استيفاء حقه متعذر فيخير بين أن يتجوز بدون حقه في القطع وبين أن يأخذ الأرش كاملا ثم إذا استوفى القصاص سقط حقه في الزيادة، وقال الشافعي‏:‏ يضمنه النقصان؛ لأنه قدر على استيفاء البعض فيستوفى ما قدر عليه، وما تعذر استيفاؤه يضمنه ولنا أن الباقي وصف فلا يضمن بانفراده فصار كما لو تجوز بالرديء مكان الجيد، ولو سقطت يده المعيبة قبل اختيار المجني عليه بطل حقه ولا شيء له عليه، فإن حقه تعين في القصاص لما مر أن موجب العمد القود عينا وحقه ثابت فيه قبل اختياره بخلاف ما إذا قطعت بقود أو سرقة حيث يجب عليه الأرش وقال الشافعي يجب عليه الأرش في الموضعين؛ لأنه لما تعذر استيفاء الحق ظهر أنه كان مستحقا عليه بخلاف النفس إذا وجبت على القاتل فقتل بجناية أخرى حيث لا يضمن، وأما الثاني، وهو ما إذا كانت رأس الشاج أكبر بأن كانت استوعبت ما بين قرني المشجوج وفي استيفاء ما بين قرني الشاج زيادة على ما فعل، وفي استيفاء قدر حقه لا يلحق الشاج من الشين مثل ما يلحق المشجوج فيتخير ثم لو اختار القود يبدأ من أي الجانبين شاء؛ لأنه حقه في ذلك المحل، فكان له أن يتخير‏.‏ ولو كانت رأس المشجوج أكبر تخير أيضا لتقرير الاستيفاء كملا وفي السراجية ولا يقطع الإبهام بالسبابة ولا بالوسطى‏.‏ والحاصل أنه لا يؤخذ شيء من الأعضاء إلا بمثله من القاطع قال محمد في الأصل وإذا قطع الرجل يد آخر وفيها ظفر سوداء يجب القصاص، وإن لم يكن ظفر يد القاطع مسودا؛ لأن الاسوداد لا يوجب نقصانا في منفعة اليد، وهي البطش ألا ترى أنه لو قطع إنسان يده خطأ كان على عاقلة القاطع نصف الدية وإذا لم يكن للاسوداد في الظفر أثر في نقصان دية اليد صار وجود هذا العيب وعدمه بمنزلة اليد الشلاء، وإن كان نقصانا يوهن في البطش حتى يجب بقطعها حكومة عدل لا نصف الدية كان بمنزلة اليد الشلاء واليد الصحيحة لا تقطع بالشلاء وإذا قطع يد رجل عمدا ويد القاطع ناقصة فهذا على وجهين إما أن تكون ناقصة من حيث الصفة بأن كانت شلاء أو كانت ناقصة من حيث الأصابع بأن كانت ناقصة أصبع أو أصبعين، فإن كان النقصان من حيث الصفة فالمقطوع يده بالخيار، فإن اختار القطع فلا شيء له مع القطع عندهم جميعا، وإن شاء لم يقطع واحد يده حتى يصل إليه بدل حقه على الكمال من ماله، وكان الشهيد برهان الأئمة يقول إنما يثبت الخيار للمقطوعة يده في هذه الصورة إذا كانت اليد الشلاء مما ينتفع بها مع ذلك، فأما إذا كانت غير منتفع بها فهي ليست بمحل القصاص فلا يخير المجني عليه حينئذ بل له دية صحيحة كما لو لم يكن للقاطع يد أصلا‏.‏ وبه يفتى وتفريع المسألة بعد هذا على حسب ما ذكرنا في العين والسن الكبرى وكذا لو كان القاطع صحيح اليد عند القطع فشلت يده بعد ذلك لا خيار للمجني عليه بين القصاص والأرش بل يقطع الشلاء أو يترك ولا شيء له، وإن كانت ناقصة بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد، وإن كانت ناقصة من حيث القدر فكذلك يتخير، فإن اختار القطع فلا شيء له على القاطع وقال الشافعي رحمه الله‏:‏ أخذ منه أرش ما كان فائتا من الأصابع هذا إذا كانت ناقصة وقت القطع فأما إذا انتقصت بعد القطع فهذا على وجهين إن كان النقصان حاصلا لا بفعل أحد بأن سقط أصبع من أصابعه بآفة سماوية الجواب فيه كالجواب فيما إذا كانت ناقصة وقت القطع، وكل جواب عرفته ثم فهو الجواب هنا، وإن كان بفعل أحد بأن قطع أصبعا من أصابعه ظلما أو قطع القاطع أصبعا أو قضى به حقا واجبا عليه فالجواب فيه كالجواب في اليد هكذا ذكر شيخ الإسلام في شرحه فهذا إشارة إلى أن للمقطوع يده الخيار في الفصول كلها غير أن النقصان إذا كان بآفة سماوية واختار قطع اليد لا شيء له من الأرش عنده، وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرحه أنه إن قطع أصبعه بقصاص وجب عليه في الأصبع فللمقطوعة يده الخيار، وإن قطع يده ظلما فلا خيار للقاطع، وليس له إلا القصاص‏.‏ وأشار إلى الفرق فقال‏:‏ إذا قطع أصبعه قصاصا فقد قضى بها حقا مستحقا عليه فيصير متلفا بعد حق صاحب الحق فيكون له الخيار ولا كذلك ما إذا قطع يده ظلما، وهذا الفرق إشارة إلى أنها لو سقطت بآفة سماوية فلا خيار له ذكر الشيخ أحمد الطواويسي في شرحه أنها إذا قطعت بقصاص فله الخيار وإذا قطعت ظلما أو بآفة سماوية فلا خيار له هذا إذا كانت يد القاطع قائمة وقت القطع فأما إذا كانت فائتة وقت القطع بأن قطع يمين رجل ولا يمين للقاطع فحق المقطوع في الأرش في ماله؛ لأنه لا يجد عين حقه، وكان له بدل حقه، وإن كانت يد القاطع قائمة وقت القطع ثم فاتت بعد ذلك، فهذا على وجهين أما إن فاتت لا بفعله بأن فاتت بآفة سماوية بأن وقعت فيها أكلة فسقطت أو قطعها إنسان ظلما أو فاتت من جهته بأن قضى حقا واجبا، وإن أتلفه بنفسه بأن قطع يمينه، فإن فاتت بعد القطع لا بفعله، فإنه يبطل حق المقطوع يده، وذلك؛ لأن حق المقطوع يده في العين فيفوت حقه بفوات العين كالعبد الجاني إذا هلك وكمال الزكاة إذا هلك ولا يضمن القاطع يده، وإذا قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل عمدا أو اقتص منه ثم قطع أحدهما بعد ذلك يد صاحبه عمدا فلا قصاص بينهما، وفي النوازل مقطوع الإبهام من يده اليمنى إذا قطع ساعد مثله لا قصاص‏.‏

وقال محمد إذا قطع الرجل أصبع رجل من المفصل ثم قطع يد آخر وبدأ باليد ثم قطع الأصبع وذلك كله في يد واحد بأن كان في اليمنى وفي اليسرى وحضر صاحب الأصبع والمقطوعة يده وطلبا من القاضي القصاص، فإن القاضي يقطع أولا لصاحب الأصبع ثم يخير صاحب اليد، فإن شاء قطع الثاني لجهته ولا شيء له من أرش الأصبع، وإن شاء لم يقطع يده، وكان له دية اليد في ماله فرق بين هذا وبين ما إذا قطع يمنى رجلين ثم جاءا أو طلبا حقهما من القاضي، فإن القاضي لا يبدأ بأحدهما بل يقضي لهما بالقصاص في يمينه ودية في ماله هذا الذي ذكرنا إذا كان صاحب الأصبع، وصاحب اليد حاضرين، فأما إذا كان أحدهما حاضرا، والآخر غائبا، فإن كان الحاضر صاحب الأصبع فلا يقطع الأصبع له، وإن كان الحاضر صاحب اليد، فإنه يقطع له، وإذا جاء صاحب الأصبع بعد ذلك، فإنه يأخذ أرش الأصبع من ماله، ولو قطع رجل أصبع رجل من المفصل الأعلى ثم آخر قطع من المفصل الأوسط ثم آخر قطع أصبعا أخرى من المفصل السفلى، وذلك كله في أصبع واحد هذا على وجهين إما أن يكون صاحب الأصابع حضورا أو بعضهم غائبا، فإن كان الكل حضورا وطلبوا من القاضي حقهم، فإن القاضي يقطع من المفصل الأعلى لصاحب المفصل الأعلى، وإن كان صاحب الأسفل والأوسط ثابتا في الأعلى؛ لأنهما لا حق لهما في قطع المفصل الأعلى إلا على سبيل الشركة؛ لأن القاطع لم يضع السكين على المفصل من أصابعهما، وإنما وضع على صاحب المفصل إلا على حق صاحب الأعلى من كل وجه ثم خير صاحب المفصل الأوسط، وإنما وضع على صاحب المفصل الأوسط من كل وجه؛ لأن حقه كان في مفصلين؛ لأن الفائت منفصلان فبفوات أحدهما يتخير كما خير صاحب اليد بعدما قطعنا الأصبع لصاحب الأصبع‏.‏ فإن شاء قطع من القاطع مفصله الوسطى ولا شيء له من دية الأصبع، وإن شاء لم يقطع وضمنه ثلث دية الأصبع؛ لأنه فوت عليه من أصبع مفصلين فيضمن ثلث دية الأصبع، وإن حضر أحدهم وغاب الآخران، فإن كان الحاضر صاحب المفصل الأعلى يقطع، فإن قطع المفصل الأعلى له ثم حضر الآخران، فإنهما يخيران على الوجه الذي ذكرنا، فإن اختار القطع لم يضمن لأحد منهما شيئا، وإن قطع كف رجل من مفصل ثم قطع الآخر مرفقه، وكانا حاضرين، فإنه يبدأ بحق صاحب الكف وفي الكافي قطع يمين رجلين فقطع أحدهما إبهامه وقطع الآخر كفه فعلى قاطع اليدين خمسة آلاف درهم لقاطع الإبهام أربعة آلاف ولقاطع الكف ألف درهم، وإن بدأ الأجنبي فقطع أصبعا من أصابع القاطع ثم قطع أحد صاحبي القصاص بعد ذلك أصبعا من أصابع اليدين ثم عاد الأجنبي فقطع أصبعا من أصابع القاطع ثم إن الذي لم يقطع شيئا من أصابع القاطع قطع الكف وعليها أصبع، فإن القاضي يقضي على القاطع بدية يديه وأخذ ربعها للذي أخذ الكف وثلاثة أرباع للذي قطع الأصبع ولا يجعل الأصبع الذي قطعه الأجنبي قبل قطع صاحبي القصاص قائما حكما، فإن اجتمع صاحب القصاص على قطع الكف مع الأصبعين فالدية المأخوذة تقسم بينهم لقاطع الأصبع، والآخر الخمسة إتمامها وفي الجامع الصغير رجل قطع يد رجل من المفصل وليس في الكف إلا أصبع واحد ففيه عشر الدية‏.‏ فإن كان فيه أصبعان فالخمس ولا شيء في الكف وقالا ينظر إلى أرش الأصبع بالكف، فيكون عليه الأكثر، ويدخل القليل في الكثير سئل أبو يوسف ومحمد عن رجل قطع يد رجل خطأ ثم قطع رجله من خلاف خطأ ماذا يجب عليه فقالا يجب عليه دية كاملة لكل عضو نصفها وفي الجامع الصغير الحسامي رجل قطعت يده فاقتص له من اليد ثم مات يقتل المقتص منه وعن أبي يوسف أنه لا يقتص‏.‏

فصل في ‏[‏الصلح‏]‏

لما كان تصور الصلح بعد تصور الجناية أتبع الصلح ذلك في فصل على حدة قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن صولح على مال وجب حالا وسقط القود‏)‏ يعني إذا صالح القاتل أولياء المقتول على مال عن القصاص سقط القصاص ووجب المال حالا قليلا كان المال أو كثيرا لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن عفي له من أخيه شيء‏}‏ الآية ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أولياء المقتول بين خيرتين أن يأخذوا المال أو يقتلوا القاتل» بخلاف حق القذف، فإنه حق الله تعالى فلا يجري فيه العفو ولا التعويض وبخلاف ما إذا كان القليل خطأ حيث لا يجوز بأكثر من الدية؛ لأنه دين ثابت في الذمة فيكون أخذ أكثر منها ربا، وإنما وجب حالا؛ لأنه دين وجب بالعقد والأصل في مثله الحلول كالثمن والمهر بخلاف الدية؛ لأنها لم تجب بالعقد، وإنما وجبت بسقوط القود؛ ولأنه موجب العقد؛ ولأنه لم يرض ببذل المال إلا مقابلا به فيوفر عليه مقصوده، وهو الحال‏.‏ وقوله‏:‏ وإن صولح إلخ أطلق في العبارة فشمل ما إذا كان المقتول متعددا والقاتل واحدا قبل القضاء بالقصاص أو بعده والإطلاق في محل التقييد لا ينبغي فلو قال‏:‏ وإن صالح في واحد قبل القضاء بالقصاص أو بعده إلى آخره كان أولى؛ لأن في قولنا في واحد يخرج ما إذا كان المقتول متعددا والقاتل واحدا أو حصل العفو وبقولنا قبل القضاء أو بعده يفيد أنه إذا كان المقتول واحدا، فالعفو يسقط القصاص قبل القضاء وبعده بخلاف ما إذا كان المقتول متعددا على تفصيل يأتي بيانه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتنصف إن أمر الحر القاتل وسيد القاتل رجلا بالصلح عن دمهما على ألف ففعل‏)‏ معناه لو كان القاتل حرا وعبدا فأمر الحر القاتل ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل المأمور فالألف على الحر والعبد نصفان؛ لأنه مقابل بالقصاص، وهو عليهما على السواء فيقسم بدله عليهما بالسواء؛ ولأن الألف وجبت بالعقد، وهو مضاف إليهما فينصف موجبه، وهو الألف عليهما قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن صالح أحد الأولياء من حظه على عوض أو عفا فلمن بقي حظه من الدية‏)‏؛ لأن كل واحد منهم متمكن من التصرف في نصيبه استيفاء وإسقاطا بالعفو وبالصلح؛ لأنه يتصرف في خالص حقه فينفذ عفوه وصلحه فسقط به حقه من القصاص، ومن ضرورية سقوط حقه سقوط حق الباقين أيضا فيه؛ لأنه لا يتجزأ ألا ترى أنه لا يتجزأ ثبوتا فكذا سقوطا وفي عبارة المصنف قصور من وجهين‏:‏ الأول‏:‏ أنه يقال صالح عن كذا وذكر في الكتاب كلمة من الثاني قوله من نصيبه يوهم تجزؤ القصاص وقد قدمنا أنه لا يتجزأ قال الشارح بخلاف ما لو قتل رجلين فعفا أولياء أحدهما حيث يكون لأولياء الآخر قتله؛ لأن الواجب فيه قصاصان لاختلاف القاتل والمقتول فسقوط أحدهما لا يسقط الآخر ألا ترى أنهما يفترقان ثبوتا وكذا بقاء بخلاف ما نحن فيه‏.‏ فإذا سقط انقلب نصيب من لم يعف مالا؛ لأنه تعذر استيفاؤه، فيجب المال كما في الخطأ، فإن سقوط القصاص فيه لمعنى في القتل، وهو كونه مخطئا ولا يجب للعافي شيء؛ لأنه أسقط حقه المتعين بفعله ورضاه بلا عوض بخلاف شركائه لعدم ذلك منهم فينقلب نصيبهم مالا والورثة في ذلك كلهم سواء وقال مالك والشافعي لا حق للزوجين في القصاص، ولا في الدية؛ لأن في الوراثة خلافه، وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت وقال ابن أبي ليلى‏:‏ لا يثبت حقهما في القصاص؛ لأن سبب استحقاقهما العقد والقصاص لا يستحق بالعقد ألا ترى أن الوصي لا يثبت له حق في القصاص؛ لأن المقصود في القصاص التشفي والانتفاع، وذلك يختص به الأقارب الذين ينصر بعضهم بعضا؛ ولهذا لا يكون أحدهما عاقلة الآخر لعدم التناصر ولنا قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من ترك مالا أو حقا فلورثته» الحديث والقصاص حقه فيكون لجميعهم كالمال «وأمر عليه الصلاة والسلام بتوريث امرأة أسيم الضبابي من دية زوجها أسيم»؛ ولأن القصاص حق يجري فيه الإرث حتى إذا قتل وله ابنان فمات أحدهما عن ابن كان القصاص بين الابن وبين ابن الابن فيثبت كسائر الورثة والزوجية تبقى بعد الموت حكما كما في حق الإرث أو يثبت الإرث مستندا إلى سببه، وهو الجرح، وكان علي رضي الله عنه يقسم الدية على من أحرز الميراث والدية حكمها حكم سائر الأموال؛ ولهذا لو أوصى بثلث ماله تدخل الدية فيه‏.‏ والقصاص بدل النفس كالدية فيورث كسائر أمواله؛ ولهذا لو انقلبت مالا يقضى به دينه وتنفذ به وصاياه واستحقاق الإرث بالزوجية كاستحقاقه بالقرابة لا بالعقد ألا ترى أنه لا يرتد بالرد بخلاف الوصية؛ ولهذا يتبين أن الاستحقاق ليس بالعقد بل بالعقد ولا يلزم من عدم التناصر وعدم العقل عدم الإرث للقصاص ألا ترى أن النساء من الأقارب لا يعقلن ويرثن القصاص والدية أقرب منه إذ المرأة لا تعقل عنها أبناؤها الكبار ويرثونها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويقتل الجمع بالمفرد‏)‏ لما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا واحدا فقتلهم عمر به وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم؛ ولأن القتل بطريق التغالب والقصاص شرع حكمه للزجر فيجعل كل واحد منهم كالمنفرد به فيجري القصاص عليهم جميعا تحقيقا لمعنى الإحياء، ولولا ذلك لسد باب القصاص وفتح باب التغالب إذ لا يوجد القتل من واحد غالبا؛ لأنه يقاومه الواحد فلم يقدر عليه فلم يحصل إلا نادرا والنادر يشرع فيما يغلب لا فيما يندر قال صاحب النهاية‏:‏ هذا جواب الاستحسان، وفي القياس لا يلزمهم القصاص؛ لأن المعتبر في القصاص المساواة لما في الزيادة من الظلم على المتعدي، وفي النقصان من البخس بحق المعتدى عليه ولا مساواة بين العشرة والواحد في شيء هذا يعلم ببداهة العقل فالواحد من العشرة يكون مثلا للواحد فكيف تكون العشرة مثلا للواحد وأيد هذا القياس قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏}‏ وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس ولكن ترك هذا القياس بما روي أن سبعة من أهل صنعاء قتلوا رجلا فقضى عمر رضي الله عنه بالقصاص عليهم وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به انتهى كلامه‏.‏ أقول‏:‏ فيه بحث؛ لأنه صرح بأن هذا القياس مقيد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏}‏ وقال في بيانه وذلك ينفي مقابلة النفوس بنفس فعلى ذلك يلزم من ترك هذا القياس ترك العمل بمدلول الآية المذكورة، وذا لا يجوز بما روي عن عمر رضي الله عنه؛ لأن عمر إن كان منفردا في قضائه وقوله المزبورين فظاهر؛ لأن قول صحابي واحد وفعله لا يصلحان للمعارضة لكتاب الله تعالى فضلا عن الرجحان عليه، وإن انضم إليه إجماع الصحابة حيث كانوا متوافرين ولم ينكر عليه أحد منهم فحل محل الإجماع كما صرح به في العناية وغيرها، فكذلك إذ قد تقرر في أصول الفقه أن الإجماع لا يكون ناسخا للكتاب، ولا السنة كما لا يكون القياس ناسخا لشيء منهما فالحق في أسلوب تحرير هذا المقام أن لا يتعرض لحديث كون الآية المذكورة مؤيدة لما هو مقتضى القياس في هذه المسألة وأن يبين عدم المنافاة بين مدلول تلك الآية، وبين جواب الاستحسان هاهنا وسيجيء منا الكلام في التوفيق بينهما بعيد القول إن شاء الله تعالى قالوا القتل بطريق التغالب غالب والقصاص شرع لحكمة الزجر فيجب تحقيقا لحكمة الإحياء قال صاحب العناية لقائل أن يقول ما ذكرتم من المقتول إن لم يكن قياسا على مجمع عليه لا يكون معتبرا في الشرع، وإن كان فلا يربو عن القياس المقتضي لعدمه المؤيد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن النفس بالنفس‏}‏‏.‏ والجواب أنه قياس سائر أبواب العقوبات المرتبة على ما يوجب الفساد من أفعال العباد ويربو على ذلك بقوة الباطن، وهو إحياء كلمة الإحياء وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن النفس بالنفس‏}‏ لا ينافيه؛ لأنهم في إزهاق الروح الغير المتجزئ عن مجموعهم وجعلهم كشخص واحد ا هـ‏.‏ كلامه‏.‏ أقول‏:‏ فيه نظر؛ لأن جعل الأشخاص المتعددة الذوات في الحقيقة شخصا واحدا بمجرد صدور إزهاق الروح الغير المتجزئ عن مجموعهم وجعلهم متساوين كشخص واحد بحيث يتحقق بين ذلك الشخص الواحد وبين هؤلاء الجماعة مماثلة معتبرة في القصاص بعيد جدا عن مساعدة العقل والنقل وأيضا ينافي هذا ما سيأتي في تعليل المسألة الآتية من أن الأصل أن كل واحد منهم قاتل بوصف الكمال الصادر منهم بهذا الاعتبار فثلاث متعددة على عدد رءوسهم فحصلت المماثلة المعتبرة في القصاص ، والحق عندي هاهنا أن يقال أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أن النفس بالنفس‏}‏ لا ينافي ما قالوا في هذه المسألة إذ لا دلالة فيه على اعتبار الوحدة في النفس بل فيه مجرد مقابلة جنس النفس بجنس النفس كما ترى والمقصود منه الاحتراز عن أن تقتل النفس بما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين والأنف بالأنف‏}‏ ونحوهما، وأما أنه هل تحقق المماثلة المعتبرة في القصاص عند تعذر النفس في جانب القاتل والمقتول‏.‏ وإنما يستفاد ذلك من دليل آخر ألا ترى أن العين اليمنى لا تقتص بالعين اليسرى وكذا العكس مع أن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏والعين بالعين‏}‏ لا يدل عليه نظرا إلى ظاهر إطلاقه بل إنما يستفاد ذلك من دليل آخر فكذا هنا تبصر‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والفرد بالجمع اكتفاء‏)‏ يعني إذا قتل واحد جماعة يقتل بهم يعني إذا حضر الأولياء وطلبوا يقتل بهم وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى‏:‏ يقتل بالأول فقط ولنا أنه لو قتل كل واحد منهم بوصف الكمال فيقتل بهم لحصول التماثل، وفي الحاوي قتل رجل فقيل له لم قتلت فلانا‏؟‏ فقال قد كان ذلك كله مكتوبا في اللوح المحفوظ ثم قال آخر لم قتلت غلامي‏؟‏، فقال قتلت عدوي يقتل وفي المحيط وإذا قتل واحد رجلين يقتص بهما ولا يغرم الدية؛ لأن بقتله صار كل واحد منهما مستوفيا حقه على الكمال؛ لأن حق كل واحد منهما في عدم الحياة وبقتل الواحد حصل لهما إعدام الحياة معنى لما بينا، وإن حضر أحدهما والآخر غائب كان للحاضر أن يستوفي القصاص؛ لأن كل واحد في إتلاف كل النفس واستيفاء البعض لمكان المزاحمة ولا مزاحمة هنا؛ لأن حق الحاضر قد ظهر عند القاضي وحق الغائب لم يظهر وصار كأحد الشفيعين إذا حضر فقضى له بالجميع فكذا هذا، ولو كان قطع اليدين لهما فقطع لأحدهما والمسألة بحالها فللآخر دية يده بخلاف القصاص بالنفس إذا قضي لأحدهما وقتله لم يجب للآخر شيء؛ لأن فوات حقه في الاستيفاء يكون سببا لقصور في المحل، فإنهما إذا اجتمعا واستوفيا صار كل واحد منهما مستوفيا حقه على الكمال، فلا تجب معه الدية، وأما في الطرف فوات حقه بسبب قصور في المحل لا يضر عن إيفاء حق كل واحد منهما فيجب الضمان، ولو عفا أحدهما قبل القضاء بالقصاص أو الدية بطل حقه واقتص للآخر؛ لأن المزاحمة قد انقطعت بالعفو فبقي حق الآخر في الكل‏.‏ وإن عفا بعد القضاء بالقصاص وصالح ولي المقتول فالدية بينهما فلو قتل وقطع اليد من آخر وأخذ الدية فللساكت دية اليد عند محمد وقالا للساكت أن يقطع اليد على أن لهما حق استيفاء القصاص في يد واحدة واستيفاء دية واحدة ولا قصاص مع وجود الموافقة والملاءمة وانعدام المنازعة والمشاجرة ولكنه أقصى ما يجب لهما، وهو أن يجتمعا على القطع وأخذ الدية بينهما، فصار الحال بعد القضاء كالحال قبله، ولو أخذ الدية عن اليد ثم عفا أحدهما يكون للآخر نصف الدية؛ لأنهما لما قبضا فقد ملكاها، ومن ضرورة ثبوت الملك في المستوفى أن لا يبقى الحق في اليد فسقط حق كل واحد منهما في نصف اليد كي لا يجتمع البدل والمبدل في ملك واحد، فلا يتمكن من استيفاء كل اليد بدون نصيب العافي فبطل حقه في القصاص فامتنع القطع؛ لأن موجبه الدية في نصيبه كما إذا كان خطأ، ولو أخذا بالدية كفيلا ثم عفا أحدهما فللآخر القصاص؛ لأن الكفالة توقيف قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن حضر واحد قتل وسقط حق البقية‏)‏ كموت القاتل حتف أنفه لفوات محل الاستيفاء فصار كموت العبد الجاني وفيه خلاف الإمام الشافعي؛ لأن الواجب عنده أحدهما على ما بينا، فإن أحدهما قضى الآخر لفوات المحل وقد قدمناه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يقطع يد رجلين بيد‏)‏ معناه إذا قطع رجلان يد رجل فلا قصاص على واحد منهما وقال الإمام الشافعي تقطع أيديهما ومحل الخلاف فيما أخذ سكينا واحدا من جانب وأمراها على يده حتى انقطعت هو يعتبرها بالأنفس؛ لأن الأطراف تابعة لها، وملحقة بها فأخذت حكمها بخلاف ما إذا أمر أحدهما السكين من جانب، والآخر من جانب حتى التقت السكينان في الوسط وبانت اليد حيث لا يجب القصاص فيه على واحد منهما؛ لأنه لم يوجد من كل واحد منهما إمرار السلاح على بعض العضو ولنا أن كل واحد منهما قاطع للبعض؛ لأن ما انقطع بقوة أحدهما أن يقطع بقوة الآخر فلا يجوز أن يقطع الكل بالبعض والاثنين بالواحد لانعدام المساواة فصار كما إذا أمرها كل واحد من جانب الآخر بخلاف النفس، فإن شرط فيه المساواة في العصمة لا غير وفي الطرف يعتبر المساواة في النفع والقيمة؛ ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء والنفس السالمة من العيوب تقتل بالمفلوج والمسلول، وكذا الاثنان بالواحد فلا يصح القياس على النفس؛ ولأن زهوق الروح لا يتجزأ فأضيف إلى كل واحد كلا وقطع العضو يتجزأ ألا ترى أنه يمكن أن يقطع البعض ويترك الباقي وفي القتل لا يمكن ذلك؛ ولهذا لو أمر أحدهما السكين على قفاه والآخر على حلقه حتى التقتا في الوسط ومات منهما يجب القصاص وفي اليد لا يجب؛ ولأن القتل بطريق الإجماع غالب مخالفة الغوث لا في القطع؛ لأنه يحتاج إلى مقدمات بطيئة فيلحقه الغوث بسببها كالنداء، ويقول ثبت وجوب القصاص في النفس والاجتماع على خلاف القياس والطرف ليس مثلها، فلا يلحق بها وقوله رجلان مثال وليس بقيد قال في التجريد إذا قطع رجلان يدي رجل فلا قصاص عليهما وعليهما الدية وكذا ما زاد على هذا العدد في هذا الحكم سواء‏.‏ وقال محمد‏:‏ رحمه الله في الزيادات رجل قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل وبرئ منه ثم عاد وقطع الثاني أيضا ثم اختصما إلى القاضي فالقاضي يقضي على القاطع بالقصاص في المفصل الثاني هذا الذي ذكرنا إذا قطع المفصل الأعلى، وبرئ ثم عاد وقطع المفصل الثاني، فإنه يقطع أصبع القاطع من المفصل الأسفل، ويجعل كأنه قطع المفصلين بدفعة واحدة فمن مشايخنا من قال ما ذكر هاهنا قولهما أما على قول أبي حنيفة رحمه الله للمقطوع مفصلاه أن يقطع المفصل الأعلى ثم الأسفل ومنهم من قال هذا قول الكل، ولو قطع المفصل الأعلى واقتص من القاطع ثم عاد وقطع المفصل الثاني وبرئ يجب لوجود المساواة فرق بين هذا وبين رجلين مقطوعي الأصابع قطع أحدهما كف صاحبه لا يقطع كف القاطع أقول‏:‏ فيه نظر؛ لأن المساواة ممكنة فينبغي أن يقطع لإمكانها فتدبره وكذا إذا كان مقطوع الكف قطع أحدهما زند صاحبه لا يقطع زند القاطع، ولو قطع من أصبع رجل نصف مفصل وكسر وبرئ ثم قطع ما بقي من المفصل وبرئ فلا قصاص عليه في شيء من ذلك أما في النصف الأول فلحلول الجناية في العظم، وأما في النصف الثاني فلعدم المساواة؛ لأن أصبع القاطع حال ما قطع الثاني من المفصل صحيحة والأصبع المقطوعة من نصف المفصل ناقصة‏.‏ ولو لم يحل بينهما برء يجب القصاص في المفصل وجعل كأنه قطع المفصل بدفعة واحدة وكذلك لو قطع الأصابع من رجل وعاد وقطع الكف إن لم يحل بينهما يجب القصاص في يد كأنه قطع الكل دفعة واحدة، وإن حال بينهما برء يجب القصاص في الأصابع وحكومة عدل في الكف وكذا إذا قطع حشفة إنسان خطأ ثم عاد وقطع باقي الذكر إن كان قبل تخلل البرء تجب دية واحدة، وإن كان تخلل بينهما برء يجب كمال الدية في الحشفة وحكومة عدل في الباقي، ولو قطع المفصل الأعلى من أصبع رجل فقبل البرء قطع النصف من المفصل الثاني ثم برئ القصاص وجعل كأنه من الابتداء قطع النصف من المفصل الثاني وهناك لا يجب القصاص بل يجب الأرش فهذا ذلك، ولو برئ من القطع الأول ثم قطع النصف من المفصل الثاني يجب القصاص في المفصل الأعلى لوجود الشرط ويجب نصف الأرش في الثاني‏.‏

وفي الظهيرية، ولو قطع آخر كفه ثم قطع آخر مرفقه فمات، فإن كان عمدا فقصاص النفس على الثاني ودية القاطع على الأول، وهذا قول علمائنا الثلاثة وقال زفر‏:‏ إن كان عمدا، وإن كان خطأ ولم يتخلل البرء فدية النفس عليهما، وإن قطع أصبع رجل عمدا ثم قطع آخر كفه خطأ فمات يقتص من قاطع الأصبع، وعلى عاقلة الآخر دية النفس وقال زفر‏:‏ لا يقتص ولكل واحد منهما نصف الدية، وإذا ضرب رجل على يد رجل فشلت اليد فعليه دية كاملة، وفي النوازل وسئل شداد عن رجل قطع رأس أصبع رجل من مفصله قال يقتص منه، فإن اقتص منه ثم قطع أحدهما يد صاحبه، فقال‏:‏ ليس بينهما قصاص وفي العيون رجل قطع أصبع رجل خطأ فجاء آخر وقطع كفه عمدا فمات منها جميعا في قول الإمام لا يجب القصاص وعلى كل واحد منهما نصف الدية وبه قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى وقال أبو يوسف رحمه الله يقطع من الكف وعلى عاقلة الذي قطع الأصبع دية الأصبع وفي شرح الطحاوي، ومن قطع يد مرتد فأسلم فمات فلا شيء على القاطع، ولو قطع يده، وهو مسلم فارتد فمات فعليه دية اليد لا غير، ولو رجع إلى الإسلام ثم مات فعلى قول أبي حنيفة وأبي يوسف عليه دية النفس، وفي قول محمد عليه دية اليد وكذلك لو لحق بدار الحرب ولم يقض القاضي بلحوقه ثم عاد مسلما فمات تجب دية اليد لا غير، وفي شرح الطحاوي‏.‏ ومن قطع من رجل يدا أو رجلا أو أصبعا أو أنملة من أصبع أو ما سوى ذلك مفصلا من المفصل عمدا فعليه القصاص بعد البرء من الجناية ولا قصاص عليه قبل ذلك وإذا قطع رجل يد آخر عمدا، فإن كان القاطع والمقطوع حرين مسلمين أو كتابيين أو أحدهما مسلم والآخر كتابي يجري القصاص بينهما أو كانا امرأتين حرتين مسلمتين أو إحداهما مسلمة والأخرى كتابية أو كانتا ذميتين يجب القصاص، ولو كانا عبدين أو أحدهما عبد والآخر حر أو أحدهما ذكر والآخر أنثى فلا قصاص بينهما والأرش في ماله حالا هذا كله بيان حكم العمد رجعنا إلى بيان حكم الخطأ فنقول وبالله التوفيق اليدين إذا قطعتا خطأ الدية لفوات جنس المنفعة على الكمال وفي أحدهما نصف الدية ولا تفضل اليمين على الشمال، وإن كانت اليمين أكثر بطشا من الشمال؛ لأن العبرة في الجنايات لجنس المنفعة لا للزيادة، وفي اليد إذا قطعت من نصف الساعد دية اليد وحكومة عدل فيما وراء الكف، وهو قول الحنفي والشافعي روى صاحب الأمالي عن أبي يوسف أنه لا يجب في الساعد شيء، وهو قول زفر ومالك وسفيان والثوري، وكذلك على هذا الاختلاف إذا قطع اليد من المرفق أو المنكب، فإنه يجب في الكف دية اليد وحكومة العدل فيما وراء الكف‏.‏ وعن أبي يوسف، ومن تابعه في المسألة الأولى أنه يجب دية اليد لا غير والصحيح قول أبي حنيفة وفي الظهيرية، ولو قطع رجل ثلاث أصابع من كف رجل خطأ ثم قطع آخر أصبعين ثم شلت الكف من الجراحتين فعلى الأول دية ما قطع وعلى الثاني دية ما قطع وما بقي من الكف بعد الأصابع فهو نصفان فما يصيب صاحب الأكثر دخل أرش الأقل في الأكثر، وأما النصف الآخر إن كان الآخر قطع أصبعين فعليه خمسا دية للأصل، وهو عشر الدية وفي الأنملة حكومة عدل والظفر إذا نبت كما كان لا شيء فيه، وإن نبت على عيب فحكومة دون الأولى وفي الينابيع إذا قطع اليد من العضد والرجل من الفخذ فعندهما فيه الدية وما فوق الكف والقدم ففيه حكومة عدل‏.‏ وعند أبي يوسف ما فوق الكعب إلى القدم تبع للأصابع وإذا كسر يد عبد رجل أو رجله لا يجب في الحال شيء وفي الكافي، ولو قطع اليد وفيها ثلاث أصابع فعليه ثلاثة أخماس دية اليد ولا شيء في الكف بالإجماع وقاطع يد لا كف له فلا قصاص عليه في الساعد وقال أبو يوسف‏:‏ إذا كانا سواء اقتص منه وعلى هذا الاختلاف إذا قطع كف رجل، وفيها أصبع زائدة، وفي يد القاطع أصبع زائدة، ولو قطع أصبعا زائدا في يده مثلها لا قصاص بالإجماع وقال أبو حنيفة في الأقطعين والأشلين أنه لا قصاص، وهو قول أبي يوسف في رواية الحسن عنه وكذلك مقطوع الإبهام والأصبع كلها إذا قطع يد أشل فلا قصاص في قول أبي حنيفة وأبي يوسف وفي الخانية، ولو قطع أظافر اليدين أو الرجلين روى الحسن عن أبي حنيفة أنه لا قصاص فيه وفيه حكومة عدل، ولو كسر عظما من ساعد أو ساق أو ترقوة أو غيره ففيه حكومة عدل قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وضمنا ديتها‏)‏ أي ضمن القاطعان دية المقطوع؛ لأن التلف حصل بفعلهما فيجب عليهما نصف الدية على كل واحد منهما الربع فتجب في مالهما؛ لأن العاقلة لا تتحمل العمد‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قطع واحد يميني رجلين فلهما قطع يمينه ونصف الدية‏)‏ يعني إذ حضرا معا سواء كان القطع جملة واحدة أو على التعاقب وقال الشافعي‏:‏ إن قطعهما على التعاقب يقطع للأول منهما ويغرم أرش اليد للثاني ولنا أن المساواة في سبب الاستحقاق ويوجب المساواة في الاستحقاق ولا عبرة في التقدم والتأخر كالغريمين في الشركة، وهذا؛ لأن حق كل واحد منهما ثابت في كل اليد لتقرر السبب في حق كل واحد منهما، وهو القطع وكونه مشغولا بحق الأول لا يمنع تقرر السبب في حق الثاني؛ ولهذا لو كان القاطع لهما عبدا استويا في استحقاق رقبته، ولو كان يمنع بالأول لما شاركه الثاني بخلاف الرهن؛ لأنه استيفاء حكما فلا يثبت للثاني بعدما ثبت للأول كالاستيفاء حقيقة فإذا لم يمنع الأول بثبوت حق الثاني فيها استويا فيها يقطع لهما إذا حضرا معا لعدم الأولوية ويقضي لهما بنصف الدية يقسمانه نصفين لاستوائهما فيه بخلاف ما إذا كان القصاص في النفس حيث يكتفي فيه بالقتل لهما ولا يقضي لهما بالدية لما بينا من الفرق فيما تقدم وقدمنا له مزيد بيان فارجع إليه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن حضر واحد فقطع يده له فللآخر عليه نصف الدية‏)‏؛ لأن للحاضر أن يستوفي حقه ولا يجب عليه التأخير حتى يحضر الآخر ثبوت حقه بيقين وحق الآخر متردد لاحتمال أن لا يطلب أو يعفو مجانا أو صلحا فصار كأحد الشفيعين إذا حضر والآخر غائب حيث يقضي له بالشفعة في الكل لما قلنا‏.‏ ثم إذا حضر الآخر بعدما قطعت للآخر وطلب يقضي له بالدية؛ لأن يده وفاؤها حق مستحق عليه فيضمنها لسلامتها له، ولو قضى بالقصاص بينهما ثم عفا أحدهما قبل استيفاء الدية فللآخر القود عند أبي حنيفة وأبي يوسف وعند محمد له الأرش؛ لأن القصاص بالقضاء أثبت الشركة بينهما فعاد حق كل واحد منهما إلى البعض، فإذا عفا أحدهما فقد منع الآخر من استيفاء الكل ولهما أن الإمضاء من القضاء في العقوبات فالعفو قبله كالعفو قبل القضاء، ولو قطع أحدهما يد القاطع من المرفق سقط القصاص لذهاب اليد التي فيها القصاص بالقطع ظلما ولا ينقلب مالا كما إذا قطعها أجنبي أو سقطت بآفة سماوية ولهما نصف الدية على حالها؛ لأنها واجبة قبل قطعها ولا تسقط بالقطع ظلما ثم القاطع الأول بالخيار إن شاء قطع ذراع القاطع، وإن شاء ضمنه دية اليد وحكومة عدل في قطع الذراع إلى المرفق؛ لأن يد القاطع كانت مقطوعة من الكف حين قطع القاطع الأول من المرفق فكانت كالشلاء وعلى هذا لو كان المقطوع يده واحدا فقطع القاطع من المرفق سقط حقه في القصاص ووجب عليه القصاص وللمقطوع من المرفق الخيار إن شاء قطع من المرفق، وإن شاء أخذ الأرش لما ذكرنا وقدمنا له مزيد بيان‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أقر عبد بقتل عمد يقتص منه‏)‏‏.‏ وقال زفر‏:‏ رحمه الله لا يصح إقراره؛ لأنه يؤدي إلى إبطال حق المولى فصار كالإقرار بالقتل خطأ أو بالمال ولنا أنه غير متهم في مثله لكونه يلحقه الضرر به فيصح؛ ولأن العبد يبقى على أصل الحرية في حق الدم عملا بآدميته ألا ترى أن إقرار المولى عليه بالحدود والقصاص لا يجوز، فإذا صح لزمه إبطال حق المولى ضرورة وذلك لا يضر وكم من شيء يصح ضمنا، وإن كان لا يصح قصدا بخلاف الإقرار بالمال؛ لأنه إقرار على المولى بإبطال حقه قصدا؛ لأن موجبه بيع العبد أو الاستيفاء وكذا إقراره بالقتل خطأ؛ لأن موجبه دفع العبد أو الفداء على المولى ولا يجب على العبد شيء ولا يصح سواء كان العبد محجورا عليه أو مأذونا له في التجارة؛ لأنه باطل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن رمى رجلا عمدا فنفذ السهم منه إلى آخر يقتص للأول وللثاني الدية‏)‏؛ لأن الأول عمد والثاني أحد نوعي الخطأ، وهو الخطأ في الفعل فكأنه رمى إلى حربي وأصاب مسلما والفعل الواحد يتعدد بتعدد أثره والله تعالى أعلم‏.‏