فصل: كتاب الصرف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الصرف

تقدم وجه تأخيره والكلام فيه في مواضع الأول في معناه اللغوي ذكر في القاموس أن صرف الحديث أن يزاد فيه ويحسن من الصرف في الدراهم وهو فضل بعضه على بعض في القيمة وكذلك صرف الكلام، وأما الصرف في الحديث‏:‏ «لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا» فالصرف التوبة والعدل الفدية أو هو النافلة والعدل الفريضة أو بالعكس أو هو الوزن والعدل الكيل أو هو الاكتساب والعدل الفدية أو الحيل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصحاح يقال صرفت الدراهم بالدنانير وبين الدرهمين صرف أي فضل لجودة فضة أحدهما على الآخر‏.‏ ا هـ‏.‏ والثاني‏:‏ في معناه في الشريعة وقد أفاد بقوله‏:‏ ‏(‏هو بيع بعض الأثمان ببعض‏)‏ كالذهب والفضة إذا بيع أحدهما بالآخر أي بيع ما من جنس الأثمان بعضها ببعض وإنما فسرناه به ولم نبقه على ظاهره ليدخل فيه بيع المصوغ بالمصوغ أو بالنقد فإن المصوغ بسبب ما اتصل به من الصنعة لم يبق ثمنا صريحا ولهذا يتعين في العقد ومع ذلك بيعه صرف الثالث في ركنه فما هو ركن كل بيع فهو ركنه من الإيجاب والقبول أو التعاطي والرابع في شرائطه فأربعة، الأول قبض البدلين قبل الافتراق بالأبدان، الثاني أن يكون باتا لا خيار فيه فإن شرط فيه خيار وأبطله صاحبه قبل التفرق صح وبعده لا، وأما خيار العيب فثابت فيه، وأما خيار الرؤية فثابت في العين دون الدين، وإذا رده بعيب انفسخ العقد سواء رده في المجلس أو بعده وإن كان دينا فردها في المجلس لم ينفسخ، فإذا رد بدله بقي الصرف وإن رد بعد الافتراق بطل وتمامه في البدائع، الثالث أن لا يكون بدل الصرف مؤجلا فإن أبطل صاحب الأجل الأجل قبل التفرق ونقد ما عليه ثم افترقا عن قبض من الجانبين انقلب جائزا وبعد التفرق لا، الرابع التساوي في الوزن إن كان المعقود عليه من جنس واحد فإن تبايعا ذهبا بذهب أو فضة بفضة مجازفة لم يجز فإن علما التساوي في المجلس وتفرقا عن قبض صح، وكذا لو اقتسما الجنس مجازفة لم يجز إلا إذا علم التساوي في المجلس لأن القسمة كالبيع، كذا في السراج الوهاج‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو تجانسا شرط التماثل والتقابض‏)‏ أي النقدان بأن بيع أحدهما بجنس الآخر فلا بد لصحته من التساوي وزنا ومن قبض البدلين قبل الافتراق، أما التساوي فقدمناه في باب الربا ولو تصارفا جنسا بجنس مثلا بمثل وتقابضا وتفرقا ثم زاد أحدهما صاحبه شيئا أو حط عنه شيئا وقبله الآخر فسد البيع عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف هما باطلان والصرف صحيح وعند محمد الزيادة باطلة والحط جائز بمنزلة الهبة المستقلة، واختلافهم هذا فرع اختلافهم في أن الشرط الفاسد المتأخر عن العقد في الذكر إذا ألحق به هل يلتحق أم لا فمن أصل أبي حنيفة التحاقه ويفسد العقد، ومن أصلهما عدم التحاقه فطرده أبو يوسف هنا ومحمد فرق بين الزيادة والحط ولو زاد أو حط في صرف بخلاف الجنس جاز إجماعا لكن يشترط قبض الزيادة قبل الافتراق لالتحاقها بأصل العقد، ولو حط مشتري الدينار قيراطا منه فبائع الدينار يكون شريكا له في الدينار ولو زاد مشتري السيف المحلى دينارا جاز ولا يشترط قبضه قبل الافتراق لصرف الزيادة إلى النصل والحمائل وتمامه في البدائع، وأما التقابض فالمراد التقابض قبل الافتراق بأبدانهما بأن يأخذ هذا في جهة وهذا في جهة فإن مشيا ميلا أو أكثر ولم يفارق أحدهما صاحبه فليسا بمتفرقين ولا يبطل بما يدل على الإعراض بخلاف خيار المخيرة فإنه يبطل بما يدل عليه، وتفرع على ما ذكرناه أنه لو كان لكل من رجلين على صاحبه دين فأرسل إليه رسولا فقال بعتك الدنانير التي لي عليك بالدراهم التي لك علي، وقال قبلت فهو باطل لأن حقوق العقد لا تتعلق بالرسول بل بالمرسل وهما متفرقان بأبدانهما، وكذا لو نادى أحدهما صاحبه من وراء جدار أو ناداه من بعيد لم يجز لأنهما مفترقان بأبدانهما والمعتبر افتراق المتعاقدين سواء كانا مالكين أو نائبين كالأب والوصي والوكيل لأن القبض من حقوق العقد وحقوقه متعلقة بهما ولا اعتبار بالمجلس إلا في مسألة وهي ما إذا قال الأب اشهدوا أني اشتريت هذا الدينار من ابني الصغير بعشرة دراهم ثم قام قبل أن يزن العشرة فهو باطل، كذا روي عن محمد لأن الأب هو العاقد فلا يمكن اعتبار التفرق بالأبدان فيعتبر المجلس، كذا في البدائع وفي الذخيرة لو وكل وكيلين في الصرف فتصارفا ثم ذهب أحدهما قبل القبض وقبض الآخر بطل في حصة الذاهب فقط كالمالكين إذا قبض أحدهما ولم يقبض الآخر بخلاف الوكيلين بقبض الدين إذا قبض أحدهما دون الآخر لم يجز، كذا في الذخيرة وتفرع على اشتراط القبض أنه لا يجوز الإبراء عن بدل الصرف ولا هبته والتصدق به فإن فعل لم يصح بدون قبول الآخر فإن قبل انتقض الصرف وإلا لم يصح ولم ينتقض؛ لأنه في معنى الفسخ فلا يصح إلا بتراضيهما فلو أبى الواهب أن يأخذ ما وهب أجبر على القبض وتفرع أيضا أنه لا يجوز الاستبدال ببدل الصرف قبل قبضه وسيأتي، وعلى هذا تتخرج المقاصة في ثمن الصرف إذا وجب الدين بعقد متأخر عن عقد الصرف أنه لا يصير قصاصا ببدل الصرف وإن تراضيا بذلك، وقد مر في السلم ولو قبض بدل الصرف ثم انتقض القبض فيه لمعنى أوجب انتقاضه أن يبطل الصرف وقد تقدم في السلم وتمامه في البدائع ثم إن استحق أحد بدلي الصرف بعد الافتراق فإن أجاز المستحق والبدل قائم أو ضمن الناقد وهو هالك جاز الصرف وإن استرده وهو قائم أو ضمن القابض قيمته وهو هالك بطل الصرف، كذا في البدائع قيدنا التماثل من حيث الوزن لأنه لا اعتبار به عددا، كذا في الذخيرة‏.‏

قوله ‏(‏وإن اختلفا جودة وصياغة‏)‏ لقوله عليه السلام‏:‏ «الذهب بالذهب والفضة بالفضة» إلى أن قال «مثلا بمثل سواء بسواء يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد» رواه مسلم وغيره ولا فرق في ذلك بين أن يكونا مما يتعين بالتعيين كالمصوغ والتبر أو لا يتعينان كالمضروب أو يتعين أحدهما دون الآخر لإطلاق الحديث وفي الذخيرة من البيوع من الفصل السادس، وإذا باع درهما كبيرا بدرهم صغير أو درهما جيدا بدرهم رديء يجوز لأن لهما فيه غرضا صحيحا، فأما إذا كانا مستويين في القدر والصفة فبيع أحدهما بالآخر هل يجوز وهل يصير مثله دينا في الذمة اختلفوا بعضهم قالوا لا يجوز وأشار إليه محمد في الكتاب وبه كان يفتي أبو حاتم الإمام أبو أحمد‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد إسقاط الصفة بالأثمان؛ لأنه لو باع إناء نحاسا بإناء نحاس أحدهما أثقل من الآخر فإنه يجوز وزنا مع أن النحاس وغيره مما يوزن من الأموال الربوية أيضا وذلك لأن صفة الوزن في النقدين منصوص عليها فلا يتغير بالصنعة ولا يخرج عن كونه موزونا بتعارف جعله عدديا لو تعورف ذلك بخلاف غيرهما فإن الوزن فيه بالتعارف فيخرج عن كونه موزونا بتعارف عدديته إذا صيغ وصنع وكذا في فتح القدير وفي الذخيرة حتى قالوا لو اعتادوا بيع الأواني المتخذة من هذه الأشياء بالوزن لا بالعدد لا يجوز بيعه بغير المصنوع من جنسه إلا متساويا وزنا، وإذا تعاملوا بيعها عدا لا وزنا يجوز بيع الواحد بالاثنين ا هـ‏.‏ وفي القاموس الجيد ككيس ضد الرديء والجمع جياد وجيادات وجيايد وجاد يجود جودة صار جيدا ا هـ‏.‏ وفيه والصياغة بالكسر حرفة الصائغ ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏وإلا شرط التقابض‏)‏ أي وإن لم يتجانسا يشترط التقابض قبل الافتراق دون التماثل لما رويناه من الحديث وفي فتح القدير والمعراج معزيا إلى فوائد القدوري المراد بالقبض هنا القبض بالبراجم لا بالتخلية يريد باليد‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اختلفوا في القبض فقيل شرط انعقاده صحيحا فأورد عليه أنه حينئذ لا بد من القران أو التقدم والقبض متأخر فكان حكما له لا شرطا وأجيب بأن الوجود في المجلس جعل مقارنا للعقد حكما والصحيح المختار أنه شرط بقائه على الصحة لا شرط انعقاده وقد أشار محمد إلى كل منهما، كما في الذخيرة ويدل على الثاني قوله فإن تفرقا قبل القبض بطل فلولا أنه منعقد ما بطل بالافتراق، كذا في المعراج وثمرة الخلاف تظهر فيما إذا ظهر الفساد فيما هو صرف فهل يفسد فيما ليس بصرف عند أبي حنيفة فعلى القول الضعيف يتعدى الفساد وعلى الأصح لا يتعدى، كذا في فتح القدير وقيد بالذهب والفضة لأنه لو باع فضة بفلوس أو ذهب بفلوس فإنه يشترط قبض أحد البدلين قبل الافتراق لا قبضهما، كذا في الذخيرة وقدمناه عند قوله في باب الربا وصح بيع الفلس بالفلسين، وفي الذخيرة إذا غصب قلب فضة أو ذهب ثم استهلكه فعليه قيمته مصوغا من خلاف جنسه فإن تفرقا قبل قبض القيمة جاز عندنا خلافا لزفر؛ لأنه صرف وعندنا هو صرف حكما للضمان الواجب بالغصب لا مقصودا فلا يشترط له القبض سواء كان وجوب القيمة بقضاء القاضي أو بالصلح، ولو اشترى المودع الوديعة الدراهم بدنانير وقبض الدنانير وافترقا قبل أن يجدد المودع قبضا في الوديعة بطل الصرف، بخلاف ما إذا كانت مغصوبة لأن قبض الغصب ينوب عن قبض الشراء بخلاف الوديعة ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏فلو باع الذهب بالفضة مجازفة صح إن تقابضا في المجلس‏)‏ لأن المستحق هو القبض قبل الافتراق دون التسوية لما روينا فلا يضره الجزاف ولو افترقا قبل قبضهما أو قبض أحدهما بطل لفوات الشرط قيد ببيع الجنس بخلاف الجنس؛ لأنه لو باع الجنس بالجنس مجازفة فإن علما تساويهما قبل الافتراق صح وبعده لا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يصح التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه فلو باع دينارا بدراهم ثم اشترى بها ثوبا فسد البيع في الثوب‏)‏ أي في أحد بدلي الصرف لأن كلا منهما ثمن فلا تجوز هبته ولا صدقته ولا ببيع شيء به وقدمنا أنه إن وهب أو تصدق به أو أبرأه فإن قبل الآخر انفسخ الصرف لتعذر وجود القبض وإلا فلا، وأما البيع فصورته كما ذكره المصنف باع دينارا بعشرة دراهم ولم يقبضها حتى اشترى بها ثوبا أو مكيلا أو موزونا فالبيع في الثوب فاسد لأن قبض العشرة مستحق حقا لله تعالى فلا يسقط بإسقاط المتعاقدين فلم يجز بيع الثوب والصرف على حاله يقبض بدله من عاقده معه، وأورد عليه أن فساد الصرف حينئذ حق الله تعالى وصحة بيع الثوب حق العبد فتعارضا فيقدم حق العبد لتفضل الله بذلك، وأجيب بأن ذلك بعد ثبوت الحقين ولم يثبت حق العبد بعد لأنه يفوت حق الله بعد تحققه فيمتنع لا أنه يرتفع وقد نقل عن زفر صحة بيع الثوب لأن الثمن في بيعه لم يتعين كونه بدل الصرف؛ لأن العقد لا يتعين فإضافة العقد إلى بدل الصرف كعدم إضافته فيجوز شراء ثوب بدراهم لم يصفها وجوابه أن قبض بدل الصرف واجب والاستبدال يفوته فكان شرط إيفاء ثمن الثوب من بدل الصرف شرطا فاسدا فيمتنع الجواز، وقد رجحه في فتح القدير‏.‏ ثم اعلم أنهم قرروا هنا كما في المعراج أن البدلين في باب الصرف كل منهما ثمن قبل العقد وحالته فلا يشترط وجودها في ملك المتصارفين ولا يتعينان بالإشارة ومثمن من وجه بعد العقد ضرورة أن العقد لا بد له من مثمن فلا يجوز الاستبدال بأحدهما قبل القبض لكونه بيع المبيع قبل قبضه إلى آخره وبه اندفع ترجيح ابن الهمام قول زفر كما لا يخفى، وفي الذخيرة إذا اشترى الرجل ألف درهم بعينها بمائة دينار والدراهم بيض فأعطاه مكانها سودا أو رضي بها البائع جاز ذلك لأن هذا ليس باستبدال والسود والبيض من الدراهم جنس واحد وإنما أبرأه عن صفة الجودة حين تجوز بالسود فكان مستوفيا بهذه الطريق لا مستبدلا، قال شمس الأئمة السرخسي ومراده من السود الدراهم المضروبة من النقود السود لا الدراهم البخارية لأن أخذ البخارية مكان الدراهم البيض لا يجوز؛ لأنه يكون استبدالا لاختلاف الجنس، وكذلك لو قبض مشتري الدراهم الدراهم فأراد أن يعطي ضربا آخر من الدنانير سوى ما شرط لا يجوز إلا برضا صاحبه، وإذا رضي به صاحبه كان مستوفيا لا مستبدلا لكون الجنس واحدا قيل هذا إذا أعطى ضربا دون المسمى فأما إذا أعطاه ضربا فوق المسمى فلا حاجة إلى رضا صاحبه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا جواز الرهن ببدل الصرف فإن هلك وهما في المجلس هلك بما فيه وجاز العقد وإن هلك بعد الافتراق بطل الصرف ولا يكون مستوفيا وقدمنا جواز الحوالة والكفالة به فإن سلم الكفيل أو الأصيل أو المحال عليه في المجلس صح وإن افترق المتعاقدان بطل وإن بقي الكفيل أو المحال عليه لأن حقوق العقد إنما تتعلق بالمتعاقدين، كذا في شرح السراج الوهاج‏.‏

قوله ‏(‏ولو باع أمة مع طوق قيمة كل ألف بألفين ونقد من الثمن ألفا فهو ثمن الطوق وإن اشتراها بألفين ألف نقد وألف نسيئة فالنقد ثمن الطوق‏)‏ لأن حصة الطوق يجب قبضها في المجلس لكونه بدل الصرف والظاهر منهما الإتيان بالواجب فيصرف المتأخر إلى الجارية والمقبوض والحال إلى الطوق إحسانا للظن بالمسلم، وكذا لو قال خذ منهما صرفا إلى الطوق وصح البيع فيهما تحريا للجواز، بخلاف ما لو صرح فقال خذ هذه الألف من ثمن الجارية فإن الظاهر حينئذ عارضه التصريح بخلافه، فإذا قبضه ثم افترقا بطل في الطوق كما إذا لم يقبضه، كذا في فتح القدير وقيد بتأجيل البعض لأنه لو أجل الكل فسد البيع في الكل عند أبي حنيفة، وقالا يفسد في الطوق دون الجارية لأن القبض ليس بشرط في حصتها فيتقدر الفساد بقدره ولأبي حنيفة أن الفساد مقارن فيتعدى إلى الجميع كما لو جمع بين عبد وحر في البيع بخلاف الفساد في الأولى فإنه طارئ فلا يتعدى إلى غيره، وقد اعترض الشارح على المؤلف بالتسامح في عبارته بأنه ذكر القيمة في كل منهما ولا تعتبر القيمة في الطوق وإنما يعتبر القدر حين المقابلة بالجنس وكذا لا حاجة إلى بيان قيمة الجارية لأن قدر الطوق مقابل به والباقي بالجارية قلت قيمتها أو كثرت فلا فائدة في بيان قيمتها إلا إذا قدر أن الثمن بخلاف جنس الطوق فحينئذ يفيد بيان قيمتها؛ لأن الثمن ينقسم عليهما على قدر قيمتهما ا هـ‏.‏ وقد أجاب العيني بما لا طائل تحته وفي فتح القدير ولقد وقع الإفراط في تصوير المسألة حيث جعل طوقها ألف مثقال فضة فإنه عشرة أرطال بالمصري ووضع هذا المقدار في العنق بعيد عن العادة بل نوع تعذيب وكون قيمتها مع مقدار الطوق متساويين ليس بشرط بل الأصل أنه إذا بيع نقد مع غيره بنقد من جنسه لا بد أن يزيد الثمن على النقد المضموم إليه ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ومن باع سيفا حليته خمسون بمائة ونقد خمسين فهي حصتها وإن لم يبين أو قال من ثمنهما‏)‏ أما إذا لم يبين فلما ذكرنا أن أمرهما يحمل على الصلاح، وأما إذا قال خذ هذا من ثمنهما فلأن التثنية قد يراد بها الواحد منهما قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏نسيا حوتهما‏}‏ والناسي أحدهما، وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان‏}‏ والمراد أحدهما وفي الحديث فأذنا وأقيما والمراد أحدهما فيحمل عليه لظاهر حالهما بالإسلام ونظيره في الفقه إذا حضتما حيضة أو ولدتما ولدا علق بأحدهما للاستحالة، بخلاف ما إذا لم يذكر المفعول به للإمكان وقد فاته صورتان الأولى أن يبين ويقول خذ هذا نصفه من ثمن الحلية ونصفه من ثمن السيف، الثانية أن يجعل الكل من ثمن السيف وفيهما يكون المقبوض ثمن الحلية لأنهما شيء واحد فيجعل عن الحلية لحصول مراده هكذا ذكره الشارح وفي المعراج معزيا إلى المبسوط لو قال خذ هذه الخمسين من ثمن السيف خاصة، وقال الآخر نعم أو قال لا وتفرقا على ذلك انتقض البيع في الحلية؛ لأن الترجيح بالاستحقاق عند المساواة في العقد أو الإضافة ولا مساواة بعد تصريح الدافع بكون المدفوع ثمن السيف خاصة والقول في ذلك قوله؛ لأنه هو المملك فالقول له في بيان جهته‏.‏ ا هـ‏.‏ وهكذا في العناية وفي السراج الوهاج ولو قال هذا الذي عجلته حصة السيف كان عن الحلية وجاز البيع؛ لأن السيف اسم للحلية أيضا؛ لأنها تدخل في بيعه تبعا، ولو قال هذا من ثمن الجفن والنصل خاصة فسد البيع؛ لأنه صرح بذلك وأزال الاحتمال فلم يمكن حمله على الصحة ا هـ‏.‏ ويمكن التوفيق بأن يحمل ما ذكره الشارح على ما إذا قال من ثمن السيف ولم يقل خاصة فيوافق ما في السراج الوهاج، وأما ما في المبسوط وإنما قال خاصة وحينئذ كأنه قال خذ هذا عن النصل فليتأمل وسيتضح بعد، قيد بقوله بمائة؛ لأنه لو باعه بخمسين أو بأقل منها لم يجز للربا وإن باعه بفضة لم يدر وزنها لم يجز أيضا لشبهة الربا ففي ثلاثة أوجه لا يجوز البيع وفي واحد يجوز وهو ما إذا علم أن الثمن أزيد مما في الحلية ليكون ما كان قدرها مقابلا لها والباقي في مقابلة النصل هذا إذا كان الثمن من جنس الحلية فإن كان من خلاف جنسها زكى فما كان لجواز التفاصيل ولا خصوصية للحلية مع السيف والطوق مع الجارية بل المراد إذا جمع مع الصرف غيره فإن النقد لا يخرج عن كونه صرفا بانضمام غيره إليه، وعلى هذا بيع المزركش والمطرز بالذهب أو الفضة وفي المبسوط وكان محمد بن سيرين يكره بيعه بجنسه وبه نأخذ لاحتمال الزيادة والأولى بيعه بخلاف جنسه‏.‏ قوله ‏(‏ولو افترقا بلا قبض صح في السيف دونها إن تخلص بلا ضرر وإلا بطلا‏)‏ أي بطل العقد فيهما؛ لأن حصة الصرف يجب قبضها قبل الافتراق، فإذا لم يقبضها حتى افترقا بطل فيه لفقد شرطه وكذا في السيف إن كان لا يتخلص إلا بضرر لتعذر تسليمه بدون ضرر كبيع جذع من سقف وإن كان يتخلص بدونه جاز لمقدرة على التسليم فصار كالجارية مع الطوق، وذكر الشارح هنا ما نقلناه عن المبسوط سابقا ثم قال‏:‏ قال الراجي عفو ربه‏:‏ ينبغي أن تكون هذه كالمسألة المتقدمة من أنه يصرف إلى الحلية ومن أنه على التفصيل المتقدم ذكره يعني إن كانت الحلية تتخلص بغير ضرر صح في السيف خاصة وإلا بطل في الكل وفي المحيط لو قال من ثمن النصل خاصة فإن لم يمكن التمييز إلا بضرر يكون المنقود ثمن الصرف ويصحان جميعا؛ لأنه قصد صحة البيع ولا صحة له إلا بصرف المنقود إلى الصرف فحكمنا بجوازه تصحيحا للبيع وإن أمكن تمييزها بغير ضرر بطل الصرف فعلى هذا ما ذكر في المبسوط محمول على ما إذا كانت الحلية تتخلص من غير ضرر توفيقا بينه وبين ما ذكر في المحيط ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ لأن ما في المحيط إنما هو فيما إذا صرح بالنصل دون السيف ولا شك في عدم انصرافه إلى الحلية؛ لأنه صريح كما قدمناه لكن بشرط أن يتخلص بلا ضرر وإلا صرفناها إلى الحلية وتركنا الصريح تصحيحا؛ لأنه لولا ذلك بطل في الكل وما في المبسوط إنما هو فيما إذا قال خذ هذا من ثمن السيف خاصة فذكر السيف ولم يذكر النصل‏.‏ والحاصل أنه إن ذكر السيف ولم يقل خاصة صرف إلى الحلية مطلقا، أعني سواء أمكن التمييز بلا ضرر أو لا، وإن زاد خاصة أم لم يذكر السيف وإنما ذكر النصل لا ينصرف إليها ويصرف إلى النصل إن أمكن تخليصه بلا ضرر وإلا صرفناه إلى الحلية، وفي البدائع إن ذكر أنه من ثمن السيف يقع عن الحلية وإن ذكر أنه من ثمن النصل، فإن أمكن تخليصه بلا ضرر يقع عن المذكور ويبطل الصرف بالافتراق وإلا فالمنقود ثمن الصرف ويصحان‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المغرب الحلية الزينة من الذهب أو فضة يقال حلية السيف والسرج وغيره وفي التنزيل ‏{‏وتستخرجون حلية تلبسونها‏}‏ أي اللؤلؤ والمرجان ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولو باع إناء فضة وقبض بعض ثمنه وافترقا صح فيما قبض والإناء مشترك بينهما‏)‏ يعني إذا باعه بفضة أو ذهب لأنه صرف وهو يبطل بالافتراق قبل القبض فيتقدر الفساد بقدر ما لم يقبض ولا يشيع؛ لأنه طارئ ولا يكون هذا تفريق الصفقة أيضا؛ لأن التفريق من جهة الشرع باشتراط القبض لا من العاقد ولا يثبت للمشتري خيار عيب الشركة؛ لأنها حصلت منه وهو عدم النقد قبل الافتراق، بخلاف ما إذا هلك أحد العبدين قبل القبض حيث ثبت الخيار في أخذ الباقي لعدم الصنع منه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن استحق بعض الإناء أخذ المشتري ما بقي بقسطه أو رد‏)‏؛ لأن الشركة في الإناء عيب؛ لأن التشقيص يضره وهذا العيب كان موجودا عند البائع مقارنا فإن أجاز المستحق قبل أن يحكم له بالاستحقاق جاز العقد وكان الثمن له يأخذه البائع من المشتري ويسلمه إليه إذا لم يفترقا بعد الإجازة ويصير العاقد وكيلا للمجيز فتتعلق حقوق العقد بالوكيل دون المجيز حتى لو افترق المتعاقدان قبل إجازة المستحق بطل العقد وإن فارقه المستحق قبل الإجازة والمتعاقدان باقيان في المجلس بطل العقد، كذا في السراج الوهاج أطلق الخيار فشمل ما قبل القبض وبعده‏.‏ قوله ‏(‏ولو باعه قطعة فاستحق بعضها أخذ ما بقي بقسطه بلا خيار‏)‏؛ لأن الشركة فيها ليست بعيب إذ التشقيص فيها لا يضرها بخلاف الإناء أطلقه وهو محمول على ما إذا كان بعد قبضها أما إذا استحق بعض النقرة قبل قبضها فإن له الخيار لتفرق الصفقة عليه قبل التمام، بخلاف ما بعد القبض لتمامها وفي المغرب النقرة القطعة المذابة من الذهب أو الفضة ويقال نقرة فضة على الإضافة للبيان‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي النهاية هي قطعة فضة مذابة، كذا في ديوان الأدب وعلى هذا فما وقع في بعض كتب الأوقاف المصرية كالشيخونية والصرغتمشية من الدراهم النقرة المراد منها الفضة لكن وقع الاشتباه في أنها فضة خالصة أو مغشوشة وكنت استفتيت بعض المالكية عنها فأفتى بأنه سمع ممن يوثق به أن الدرهم منها يساوي نصفا وثلاثة فلوس فليعول على ذلك ما لم يوجد خلافه‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد اعتبر ذلك في زماننا ولكن الأدنى متيقن به وما زاد عليه مشكوك فيه ولكن الأوفق بفروع مذهبنا وجوب درهم وسط لما في جامع الفصولين من دعوى النقرة لو تزوجها على مائة درهم نقرة ولم يصفها صح العقد فلو ادعت مائة درهم مهرا وجب لها مائة درهم وسط ا هـ‏.‏ فينبغي أن يعول عليه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وصح بيع درهمين ودينار بدرهم ودينارين وكر بر وشعير بضعفهما‏)‏ أي بأن يبيعهما بكري بر وكري شعير وإنما جاز؛ لأنه يجعل كل جنس مقابلا بخلاف جنسه تصحيحا للعقد ولو صرف إلى جنسه فسد؛ لأن العقد يقتضي مطلق المقابلة من غير تعرض لقيد لا مقابلة الكل بالكل شائعا ولا فردا معينا فصار كما لو باع نصف عبد مشترك بينه وبين غيره فإنه ينصرف إلى نصيبه تصحيحا للعقد وكانصراف النقد إلى المتعارف، ولا يرد علينا ما لو اشترى قلبا بعشرة وثوبا بعشرة ثم باعهما مرابحة بخمسة وعشرين فإنه لا يصح وإن أمكن صرف الربح إلى الثوب؛ لأنا لو صرفناه لصار تولية في القلب وهو خلاف المرابحة فكان إبطالا له، وكذا لا يرد لو اشترى عبدا بألف ثم باعه قبل النقد مع آخر من البائع بألف وخمسمائة فإنه لا يصح في المشترى بألف؛ لأن طريق التصحيح غير متعين لإمكان صرف الألف ومائة إليه أو مائتين إلى غير ذلك من الصور وأورد عليه أن الطرق متعددة في مسألة الكتاب لجواز أن يصرف الدينار إلى الدينار والدرهم إلى الدرهم والدينار إلى الدرهم كما يجوز أن يصرف الدرهمان إلى الدينارين والدينار إلى الدرهم وأجيب عنه بأنه أقل تغييرا فكان أولى وكذا لا يرد علينا ما لو جمع بين عبده وعبد غيره، وقال بعتك أحدهما فإنه لا يصح للتنكير وإن أمكن تصحيحه بصرفه إلى عبده وأجيب بأن البيع أضيف إلى منكر فلا ينصرف إلى المعين للتضاد إذ المنكر ليس بمحل للبيع ورد بأنه ليس بشيء؛ لأن المعرفة من مكيا النكرة فإن زيدا يصدق عليه رجل ولا شك أنه يحتمله فيجب حمله عليه، وقد قال أبو حنيفة في قوله عبدي أو حماري حر أنه يعتق العبد ويجعل استعارة المنكر للمعرف، وكذا ما قيل إن تصحيح العقد يجب في محل العقد وهو لم يضف إلى المعين وفي فتح القدير واعلم أن ما أورد على دفع النقوض المذكورة أن الخط له جواب فذاك وإلا فلا يضرك النقض في إثبات المطلوب إذ غايته أنه خطأ في محل آخر إذا اعترف بخطئه في محل النقض وذلك لا يوجب خطأ في محل النزاع‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما مسألة ما إذا باع درهما وثوبا بدرهم وثوب وافترقا بلا قبض فليس مما نحن فيه فإن العقد انعقد صحيحا وإنما طرأ الفساد بالافتراق والصرف لدفع الفساد وقد انعقد بلا فساد وكلامنا ليس في الفساد الطارئ، وفي الظهيرية معزيا إلى المبسوط باع عشرة وثوبا بعشرة وثوب وافترقا قبل القبض بطل العقد في الدرهم ولو صرف الجنس إلى خلاف جنسه لم يبطل ولكن قيل في العقود يحتال للتصحيح في الابتداء ولا يحتال للبقاء على الصحة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الإيضاح الأصل في هذا الباب أن حقيقة البيع إذا اشتملت على إبدال وجب قسمة أحد البدلين على الآخر وتظهر الفائدة في الرد بالعيب والرجوع بالثمن عند الاستحقاق ووجوب الشفعة فيما تجب فيه الشفعة فإن كان العقد مما لا ربا فيه فإن كان مما لا يتفاوت فالقسمة على الأجزاء وإن كان مما يتفاوت فالقسمة على القيمة، وأما ما فيه الربا فإنما تجب القسمة على الوجه الذي يصح به العقد مثاله باع عشرة دراهم بخمسة دراهم ودينار يصح العقد فإن الخمسة بالخمسة والخمسة الأخرى بالدينار وكذا لو قابل جنسين كما في مسألة الكتاب‏.‏ ا هـ‏.‏ ونظير المسألة المسألة التي تلي هذه وهي‏.‏ قوله ‏(‏وأحد عشر درهما بعشرة دراهم ودينار‏)‏ أي صح بيع فتكون العشرة بمثلها والدينار بالدرهم تصحيحا للعقد على ما بينا، وإنما ذكر هذه بعد التي قبلها وإن كانت قد علمت مما قبلها لبيان أن الصرف إلى خلاف الجنس لا يتفاوت في الجميع أو جزء واحد، كذا في السراج الوهاج‏.‏ قوله ‏(‏ودرهم صحيح ودرهمين غلة بدرهمين صحيحين ودرهم غلة‏)‏ أي يصح بيع للاتحاد في الجنس فيعتبر التساوي في القدر دون الوصف والغلة هي الدراهم المقطعة وقيل ما يرده بيت المال ويأخذه التجار لا تنافي لاحتمال أن تكون هي المقطعة وفي الهداية ولو تبايعا فضة بفضة أو ذهبا بذهب ومع أقلهما شيء آخر تبلغ قيمته باقي الفضة جاز البيع من غير كراهة فإن لم تبلغ فمع الكراهة وإن لم يكن له قيمة لا يجوز البيع لتحقق الربا إذ الزيادة لا يقابلها عوض فيكون ربا‏.‏ ا هـ‏.‏ وصرح في الإيضاح بأن الكراهة قول محمد، وأما أبو حنيفة فقال لا بأس به وفي المحيط إنما كرهه محمد خوفا من أن يألفه الناس ويستعملوه فيما لا يجوز وقيل‏:‏ لأنهما باشرا الحيلة لإسقاط الربا كبيع العينة فإنه مكروه وفي فتح القدير اشترى تراب الفضة بفضة لا يجوز؛ لأنه إن لم يظهر في التراب شيء فظاهر وإن ظهر فهو بيع الفضة بالفضة مجازفة ولهذا لو اشتراه بتراب فضة لا يجوز؛ لأن البدلين هما الفضة لا التراب ولو اشتراه بتراب ذهب جاز لعدم لزوم العلم بالمماثلة لاختلاف الجنس فلو ظهر أن لا شيء في التراب لا يجوز وكلما جاز فمشتري التراب بالخيار إذا رأى؛ لأنه اشترى ما لم يره‏.‏ ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏ودينار بعشرة عليه أو بعشرة مطلقة ودفع الدينار وتقاصا العشرة بالعشرة‏)‏ أي صح بيع، أما إذا قابل الدينار بالعشرة التي عليه ابتداء فلأنه جعل ثمنه دراهم لا يجب قبضها ولا تعيينها بالقبض وهو جائز إجماعا؛ لأن التعيين للاحتراز عن الربا ولا ربا في دين سقط وإنما الربا في دين يقع الخطر في عاقبته ولذا لو تصارفا دراهم دينا بدنانير دينا صح لفوات الخطر، وأما الثانية وهي ما إذا باعه بعشرة مطلقة ثم تقاصا فالمذكور هنا استحسان والقياس عدم الجواز وهو قول زفر لكونه استبدالا ببدل الصرف وجه الاستحسان أنهما لما تقاصا انفسخ الأول وانعقد صرف آخر مضافا إلى الدين فتثبت الإضافة اقتضاء كما لو جدد البيع بأكثر من الثمن الأول وفي فتح القدير ونحن نقول موجب العقد عشرة مطلقة تصير متعينة بالقبض وبالإضافة بعد العقد إلى العشرة الدين صارت كذلك غير أنه بقبض سابق ولا يبالي به لحصول المقصود من التعيين بالقبض بالمساواة، وعلى هذا التقرير لا حاجة إلى اعتبار فسخ العقد الأول بالإضافة إلى العشرة الدين بعد العقد على الإطلاق، بخلاف ما إذا باع بألف ثم بألف وخمسمائة فإن الفسخ لازم؛ لأن أحدهما لم يصدق على الآخر بخلاف العشرة مطلقا مع هذه العشرة للصدق؛ لأن الإطلاق ليس قيدا في العقد بها وإلا لم يمكن قضاؤها أصلا إذ لا وجود للمطلق بقيد الإطلاق، وعلى هذا مشوا أو تقريره أنهما لما غيرا موجب العقد فقد فسخاه إلى عقد آخر اقتضاء‏.‏ ا هـ‏.‏ أطلق في العشرة الدين فشمل ما إذا كانت عليه قبل عقد الصرف أو حدثت بعده وقيل لا يجوز التقاص بدين حادث بعده والأول أصح؛ لأن التقاص هو المتضمن لفسخ الأول وإنشاء صرف آخر فيكتفي بالدين عند التقاص، بخلاف رأس مال السلم حيث لا يجوز جعله قصاصا بدين آخر مطلقا متقدما كان أو متأخرا؛ لأن المسلم فيه دين ولو صحت المقاصة برأس مال السلم لافترقا عن دين بدين ولذا لا يجوز إضافته إلى الدين ابتداء بأن يجعل الدين الذي على المسلم إليه رأس مال السلم بخلاف الصرف، وقال الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير إذا استقرض بائع الدينار عشرة من المشتري أو غصب منه فقد صار قصاصا ولا يحتاج إلى التراضي؛ لأنه قد وجد منه القبض‏.‏ ا هـ‏.‏ وقوله وتقاصا راجع إلى الثانية، وأما الأولى فتقع المقاصصة بنفس العقد، والحاصل أن الدين إذا حدث بعد الصرف فإن كان بقرض أو غصب وقعت المقاصة وإن لم يتقاصا، وإن حدث بالشراء بأن باع مشتري الدينار من بائع الدينار ثوبا بعشرة إن لم يجعلاه قصاصا لا يصير قصاصا باتفاق الروايات وإن جعلاه قصاصا ففيه روايتان، كذا في الذخيرة ومن مسائل المقاصات وإن لم تكن من الصرف ما في المنتقى له وديعة وللمودع على صاحبها دين من جنسها لم تصر قصاصا بالدين قبل الاتفاق عليه، وإذا اجتمعا عليه لا تصير الوديعة قصاصا ما لم يرجع إلى أهله فيأخذها وإن كانت في يده فاجتمعا على جعلها قصاصا لا يحتاج إلى غير ذلك، وحكم المغصوب كالوديعة سواء والدينان إذا كانا من جنسين لا تقع المقاصة بينهما ما لم يتقاصا، وكذا إذا كان أحدهما حالا والآخر مؤجلا وكذا إذا كان أحدهما غلة والآخر صحيحا، كذا في الذخيرة أيضا من كتاب الصرف وذكر في كتاب المداينات أن الدينين إذا كانا مؤجلين لا تقع المقاصة حتى يتقاصا وذكر قبله أن التفاوت في الوصف يمنع المقاصة بنفسه ولا يمنع إذا جعلاه قصاصا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصحاح تقاص القوم إذا قاص كل واحد منهما صاحبه في حساب أو غيره‏.‏ ا هـ‏.‏ وإذا اختلف الجنس وتقاصا كأن كان له عليه مائة درهم وللمديون مائة دينار عليه، فإذا تقاصا تصير الدراهم قصاصا بمائة من قيمة الدنانير ويبقى لصاحب الدنانير على صاحب الدراهم ما بقي منها، كذا في الظهيرية وفي فروق الكرابيسي من النفقات، وإذا طلبت المرأة النفقة وكان للزوج عليها دين فقال الزوج احسبوا لها نفقتها منه كان جائزا؛ لأنها من جنس الدراهم والدنانير فتقع المقاصة عند التراضي فرق بين هذا وبين سائر الديون فإن هناك المقاصة تقع من غير التراضي وهنا شرط التراضي والفرق أن دين النفقة أدنى لما ذكرنا فلا تقع المقاصة إلا بالتراضي، كما لو كان أحد الدينين جيدا والآخر رديئا بخلاف سائر الديون؛ لأنها جنس واحد فلا يشترط التراضي‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدم شيء من فوائد التقاص في باب أم الولد فارجع إليه‏.‏

قوله ‏(‏وغالب الفضة والذهب فضة وذهب‏)‏ يعني فلا يصح بيع الخالصة بها ولا بيع بعضها ببعض إلا متساويا وزنا ولا يصح الاستقراض بها إلا وزنا؛ لأنهما لا يخلوان عن قليل غش إذ هما لا ينطبعان عادة بدونه وقد يكون خلقيا فيعسر التمييز فصار كالرديء وهو والجيد سواء عند المقابلة بالجنس فيجعل الغش معدوما فلا اعتبار له أصلا، بخلاف ما إذا غلب الغش فإن للمغلوب اعتبارا كما سيأتي‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغالب الغش ليس في حكم الدراهم والدنانير فيصح بيعها بجنسها متفاضلا‏)‏ أي وزنا وعددا؛ لأن الحكم للغالب فلا يضر التفاضل لجعل الغش مقابلا بالفضة أو الذهب الذي في الآخر ولكن يشترط التقابض قبل الافتراق لأنه صرف في البعض لوجود الفضة أو الذهب من الجانبين ويشترط في الغش أيضا؛ لأنه لا يتميز إلا بضرر، وكذا إذا بيعت بالفضة الخالصة أو الذهب الخالص لا بد أن يكون الخالص أكثر من الفضة أو الذهب الذي في المغشوش حتى يكون قدره بمثله والزائد بالغش على مثال بيع الزيتون بالزيت فاعتبر الفضة أو الذهب المغلوب بالمغشوش بالغالب حتى لا يجوز بيعه بجنسه إلا على سبيل الاعتبار ولم يعتبر الغش المغلوب بهما فجعل كأنه كله فضة أو ذهب ومنع بيعه متفاضلا‏.‏ والفرق أن الفضة أو الذهب المغلوب موجود حقيقة حالا بالوزن ومآلا بالإذابة لكونهما يخلصان منه بالإذابة فكانا موجودين حقيقة وحكما حتى يعتبرا في نصاب الزكاة بخلاف الغش المغلوب لأنه يحترق ويهلك ولا لون حتى لو عرف أن الفضة أو الذهب الذي في الغش الغالب يحترق ويهلك كان حكمه حكم النحاس الخالص فلا يعتبران أصلا ولا يجوز بيعه بجنسه متفاضلا إن كان موزونا للربا وفي الهداية ومشايخنا يعني مشايخ ما وراء النهر من بخارى وسمرقند لم يفتوا بجواز ذلك أي ببيعها بجنسها متفاضلا في العدالي والغطارفة مع أن الغش فيها أكثر من الفضة؛ لأنها أعز الأموال في ديارنا فلو أبيح التفاضل فيها ينفتح باب الربا الصريح فإن الناس حينئذ يعتادون في الأموال النفيسة فيتدرجون ذلك في النقود الخالصة والغطارفة دراهم منسوبة إلى غطريف بكسر الغين المعجمة وسكون الطاء وكسر الراء بعدها الياء وآخرها الفاء ابن عطاء الكندي أمير خراسان أيام الرشيد وقيل هو خال الرشيد والعدالي بفتح العين المهملة وتخفيف الدال المهملة وباللام المكسورة وهي الدراهم المنسوبة إلى العدال وكأنه اسم ملك نسب إليه درهم فيه غش، كذا في البناية والغش بمعنى المغشوش وهو غير الخالص، كذا في القاموس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والتبايع والاستقراض بما يروج عددا أو وزنا أو بهما‏)‏؛ لأن المعتبر فيما لا نص فيه العادة؛ لأنها صارت بغلبة الغش كالفلوس فيعتبر فيها العادة كالفلوس فإن كانت تروج بالوزن فبه وبالعد فبه وبهما فبكل منهما‏.‏ قوله ‏(‏ولا يتعين بالتعيين لكونها أثمانا‏)‏ يعني ما دامت تروج؛ لأنها بالاصطلاح صارت أثمانا فما دام ذلك الاصطلاح موجودا لا تبطل الثمنية لقيام المقتضى‏.‏ قوله ‏(‏وتتعين بالتعين إن كانت لا تروج‏)‏ لزوال المقتضى للثمنية وهو الاصطلاح وهذا لأنها في الأصل سلعة وإنما صارت أثمانا بالاصطلاح فإذا تركوا المعاملة بها رجعت إلى أصلها وإن كان يأخذها البعض فهي مثل الدراهم لا يتعلق العقد بعينها بل بجنسها إن كان البائع يعلم بحالها وإن كان لا يعلم بحالها وباعه على ظن أنها دراهم جياد تعلق حقه بالجياد لوجود الرضا بها في الأول وعدمه في الثاني وأشار بالتعيين عند عدم رواجها وبعدمه عند رواجها إلى أنها إذا هلكت قبل القبض لا يبطل العقد إن كانت رائجة ويبطل إن لم تكن وأطلق في تعيينها وهو مقيد بما إذا كانا يعلمان بحالها ويعلم كل من المتعاقدين أن الآخر يعلم فإن كانا لا يعلمان أو لا يعلم أحدهما أو يعلمان ولا يعلم كل أن الآخر يعلم، فإن البيع يتعلق بالدراهم الرائجة في ذلك البلد لا بالمشار إليه من هذه الدراهم التي لا تروج وإن كان يقبلها البعض ويردها البعض فهي في حكم الزيوف والنبهرجة فيتعلق البيع بجنسها لا بعينها كما هو في المرابحة لكن يشترط أن يعلم البائع خاصة ذلك من أمرها؛ لأنه رضي بذلك وأدرج نفسه في البعض الذين يقبلونها وإن كان البائع لا يعلم تعلق العقد على الأروج فإن استوت في الرواج جرى التفصيل الذي أسلفناه في أول كتاب البيع، كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمتساوي كغالب الفضة في التبايع والاستقراض وفي الصرف كغالب الغش‏)‏ يعني فلا يجوز البيع بها ولا إقراضها إلا بالوزن بمنزلة الدراهم الرديئة لأن الفضة موجودة فيها حقيقة ولم تصر مغلوبة فيجب الاعتبار بالوزن شرعا، وإذا أشار إليها في المبايعة كان بيانا لقدرها ووضعها ولا يبطل البيع بهلاكها قبل القبض ويعطيه مثلها لكونها ثمنا لم تتعين، وأما في الصرف فيجب بيعها بجنسها على وجه الاعتبار ولو باعها بالفضة الخالصة لم يجز حتى يكون الخالص أكثر مما فيه الفضة؛ لأنه لا غلبة لأحدهما على الآخر فيجب اعتبارهما، وفي الخانية إن كان نصفها صفرا ونصفها فضة لا يجوز التفاضل فظاهره أنه أراد به فيما إذا بيعت بجنسها وهو مخالف لما ذكر هنا ووجهه أن فضتها لما لم تصر مغلوبة جعلت كأن كلها فضة في حق الصرف احتياطا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو اشترى بها أو بفلوس نافقة شيئا وكسدت بطل البيع‏)‏ أي اشترى بالدراهم التي غلب عليها الغش أو بالفلوس وكان كل منهما نافقا حتى جاز البيع لقيام الاصطلاح على الثمنية ولعدم الحاجة إلى الإشارة لالتحاقها بالثمن ولم يسلمها المشتري إلى البائع ثم كسدت بطل البيع والانقطاع عن أيدي الناس كالكساد وحكم الدراهم كذلك، فإن اشترى بالدراهم ثم كسدت أو انقطعت بطل البيع ويجب على المشتري رد المبيع إن كان قائما ومثله إن كان هالكا وكان مثليا وإلا فقيمته وإن لم يكن مقبوضا فلا حكم لهذا البيع أصلا وهذا عند الإمام، وقالا‏:‏ لا يبطل البيع؛ لأن المتعذر إنما هو التسليم بعد الكساد وذلك لا يوجب الفساد لاحتمال الزوال بالرواج كما لو اشترى شيئا بالرطب ثم انقطع، وإذا لم يبطل وتعذر تسليمه وجبت قيمته لكن عند أبي يوسف يوم البيع وعند محمد يوم الكساد وهو آخر ما يتعامل الناس بها، وفي الذخيرة الفتوى على قول أبي يوسف وفي المحيط والتتمة والحقائق بقول محمد يفتى رفقا بالناس ولأبي حنيفة أن الثمنية بالاصطلاح فتبطل لزوال الموجب فيبقى البيع بلا ثمن والعقد بما تناول عينها بصفة الثمنية، وقد انعدمت بخلاف انقطاع الرطب فإنه يعود غالبا في العام القابل بخلاف النحاس فإنه بالكساد رجع إلى أصله فكان الغالب عدم العود‏.‏ والكساد لغة كما في المصباح من كسد الشيء يكسد من باب فتل لم ينفق لقلة الرغبات فهو كاسد وكسد يتعدى بالهمزة فيقال أكسده الله وكسدت السوق فهي كاسد بغير هاء في الصحاح وبالهاء في التهذيب ويقال أصل الكساد الفساد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفقها أن يترك المعاملة بها في جميع البلاد وإن كانت تروج في بعض البلاد لا يبطل لكنه تعيب إذا لم ترج في بلدهم فتخير البائع إذا شاء أخذه وإن شاء أخذ قيمته وحدا لانقطاع أن لا يوجد في السوق وإن كان يوجد في يد الصيارفة وفي البيوت هكذا في الرواية وفي فتح القدير ما ذكر للكساد ذكره في العيون وقالوا‏:‏ إنه على قول محمد، وأما على قولهما فلا وينبغي أن ينتفي البيع بالكساد في تلك البلدة التي وقع فيها البيع بناء على اختلافهم في بيع الفلس بالفلسين عندهما يجوز اعتبارا لاصطلاح بعض الناس وعند محمد لا يجوز اعتبارا لاصطلاح الكل فالكاسد يجب أن يكون على هذا القياس أيضا ومثله في الانقطاع والفلوس النافقة إذا كسدت كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ قيد بالكساد ومثله الانقطاع لأنها لو نقصت قيمتها قبل القبض فالبيع على حاله بالإجماع ولا يتخير البائع وعكسه لو غلت قيمتها وازدادت فكذلك البيع على حاله ولا يتخير المشتري ويطالب بألف بذلك المعيار الذي كان وقت البيع، كذا في فتح القدير وفي المصباح نفقت الدراهم نفقا من باب تعب نقدت ويتعدى بالهمزة فيقال أنفقتها قيدنا بكونها لم تقبض؛ لأن البائع لو قبضها ثم كسدت فلا شيء له وفي الخلاصة عن المحيط دلال باع متاع الغير بإذنه بدراهم معلومة واستوفاها فكسدت قبل أن يدفعها إلى صاحب المتاع لا يفسد البيع؛ لأن حق القبض له‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية معزيا إلى المنتقى غلت الفلوس القرض أو رخصت فعند الإمام الأول والثاني أولا ليس عليه غيرها، وقال الثاني ثانيا عليه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض وعليه الفتوى وهكذا في الذخيرة والخلاصة بالعزو إلى المنتقى وفي فتاوى قاضي خان يلزمه المثل وهكذا ذكر الإسبيجابي قال‏:‏ ولا ينظر إلى القيمة ولكن صورها بما إذا باع مائة فلس بدرهم وقولهم عن المنتقى يلزمه قيمتها من الدراهم يوم البيع والقبض لعله بالتوزيع فقوله يوم البيع عائد إلى البيع وقوله يوم القبض عائد إلى القرض وفي البزازية والإجارة كالبيع والدين على هذا وفي النكاح يلزمه قيمة تلك الدراهم وإن كان نقد بعض الثمن دون بعض فسد في الباقي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح البيع بالفلوس النافقة وإن لم تتعين‏)‏ لأنها أموال معلومة وصارت أثمانا بالاصطلاح فجاز بها البيع ووجبت في الذمة كالنقدين ولا تتعين وإن عينها كالنقد إلا إذا قالا أردنا تعليق الحكم بعينها فحينئذ يتعلق العقد بعينها، بخلاف ما إذا باع فلسا بفلسين بأعيانهما حيث يتعين من غير تصريح؛ لأنه لو لم يتعين لفسد البيع وهذا على قولهما، وأما على قول محمد لا يتعين وإن صرحا وأصله أن اصطلاح العامة لا يبطل باصطلاحهما على خلافه عنده وعندهما يبطل في حقهما كما قدمناه‏.‏ قوله ‏(‏وبالكاسدة لا حتى بعينها‏)‏؛ لأنها سلع فلا بد من تعينها‏.‏ قوله ‏(‏ولو كسدت أفلس القرض يجب رد مثلها‏)‏ أي عددا عند أبي حنيفة، وقالا عليه رد قيمتها لتعذر ردها كما قبضها؛ لأن المقبوض ثمن والمردود لا ففاتت المماثلة فصار كما لو استقرض مثليا فانقطع لكن عند أبي يوسف عليه القيمة يوم القبض وعند محمد يوم الكساد وقول محمد انظر في حق المستقرض؛ لأن قيمته يوم الانقطاع أقل، وكذا في حق المقرض بالنظر إلى قول أبي حنيفة وقول أبي يوسف أيسر؛ لأن قيمته يوم القبض معلومة ويوم الكساد لا تعرف إلا بحرج ولأبي حنيفة أن القرض إعارة وموجبها رد العين معنى وذلك يتحقق برد مثله والثمنية زيادة فيه والاختلاف مبني على الاختلاف فيمن غصب مثليا كالرطب ثم انقطع عن أيدي الناس وجبت قيمته إجماعا، لكن عند أبي حنيفة يوم الخصومة وعند أبي يوسف يوم الغصب وعند محمد يوم الانقطاع وفي الخانية والفتاوى الصغرى والبزازية الفتوى على قول محمد رفقا بالناس وفي المصباح الفلس الذي يتعامل به وجمعه في القلة أفلس وفي الكثرة فلوس وفي فتح القدير‏.‏ وأما إذا استقرض دراهم غالبة الغش فقال أبو يوسف في قياس قول أبي حنيفة عليه مثلها ولست أروي ذلك عنه ولكن لروايته في الفلوس إذا أقرضها ثم كسدت وفي البزازية وكذا الخلاف إن أقرضه طعاما بالعراق وأخذه بمكة فعند الثاني عليه قيمته يوم قبضه بالعراق وعند محمد قيمته بالعراق يوم اختصما، وكذا الخلاف في الفلوس المغصوبة إذا كسدت حال قيام العين وكذا العدالي، ثم قال ولو اشترى بالنقد الرائج وتقابضا ثم تقايلا بعد كساده رد البائع المثل لا القيمة عند الإمام ولو اشترى بالنقد الكاسد بلا إشارة وتعيين فالعقد فاسد كالكساد الطارئ، وقالوا لو كان مكانه نكاح وجب مهر المثل وفيه نظر ويجب أن يقال لو قيمة الكاسد عشرة أو أكثر فهي لها وإن أقل فتمام العشرة وإن طرأ الكساد العام في كل الأقطار ثم راجت قبل فسخ البيع يعود البيع جائزا لعدم انفساخ العقد بلا فسخ‏.‏ ا هـ‏.‏ فعلى هذا قول المصنف سابقا بطل البيع أي انفسخ إن فسخه من له الدراهم لا مطلقا‏.‏ ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏ولو اشترى شيئا بنصف درهم فلوس صح‏)‏ وعليه فلوس تباع بنصف درهم وعلى هذا لو قال بثلث درهم أو بربعه أو بدانق فلوس أو بقيراط فلوس؛ لأن التبايع بهذا الطريق متعارف في القليل معلوم بين الناس لا تفاوت فيه فلا يؤدي إلى النزاع قيد بما دون الدرهم؛ لأنه لو اشترى بدرهم فلوس لا يجوز عند محمد أو بدرهمين فلوس لا يجوز عند محمد لعدم العرف وجوزه أبو يوسف في الكل للعرف وهو الأصح، كذا في الكافي والمجتبى والدانق سدس درهم والقيراط نصف السدس‏.‏

قوله ‏(‏ومن أعطى صيرفيا درهما فقال أعطني به نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة صح‏)‏؛ لأنه قابل الدرهم بنصف درهم فلوس وبنصف درهم إلا حبة من الفضة فيكون نصف درهم إلا حبة بمقابلة الفضة ونصف درهم وحبة بمقابلة الفلوس قيد بقوله به؛ لأنه لو قال أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة بطل في الكل على قياس قوله وعندهما صح في الفلوس وبطل فيما قابل الفضة؛ لأن الفساد عند هما عند التفصيل يتقدر بقدر المفسد وعنده يتعدى وأصله أن العقد يتكرر عنده بتكرار اللفظ وعندهما بتفصيل الثمن حتى لو قال اعطني بنصفه فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة جاز في الفلوس وبطل في الفضة بالإجماع فهنا صور الأولى مسألة الكتاب أعطني به نصف درهم فلوس ونصفا إلا حبة صح اتفاقا الثانية أعطني بنصفه فلوسا وبنصفه نصفا إلا حبة فسد في الكل عنده وفي الفضة فقط عندهما، الثالثة أعطني بنصفه فلوسا وأعطني بنصفه نصفا إلا حبة جاز في الفلوس فقط ولم يذكر المصنف القبض قبل الافتراق للعلم به مما قدمه وحاصله إن تفرقا قبل القبض فسد في النصف إلا حبة لكونه صرفا لاقى الفلوس؛ لأنها بيع فيكفي قبض أحد البدلين ولو لم يعطه الدرهم ولم يأخذ الفلوس حتى افترقا بطل في الكل للافتراق عن دين بدين وقدمنا شيئا من أحكام الفلوس في باب الربا وهذا الباب، وإلى هنا ظهر أن الأموال ثلاثة ثمن بكل حال وهو النقدان صحبه الباء أو لا قوبل بجنسه أو لا ومبيع بكل حال كالثياب والدواب وثمن من وجه مبيع من وجه كالمثليات غير النقدين من المكيل والموزون فإن كان معينا في العقد كان مبيعا وإلا وصحبه الباء وقوبل بمبيع فهو ثمن وثمن باصطلاح وهو سلعة في الأصل كالفلوس فإن كانت رائجة فهي ثمن وإلا فسلعة ومن حكم الثمن عدم اشتراط وجوده في ملك العاقد عند العقد ولا يبطل بهلاكه ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم وحكم المبيع خلافه في الكل ومن حكمها وجوب التساوي عند المقابلة بالجنس في المقدرات إلى آخر ما قدمناه في باب الربا، والله سبحانه تعالى أعلم بالصواب‏.‏