فصل: كتاب السرقة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب السرقة

لما كانت صيانة الأموال مؤخرة عن صيانة النفوس والعقول والأعراض أخر زاجر ضياعها وهي في اللغة أخذ الشيء في خفاء وحيلة يقال سرق منه مالا وسرقه مالا سرقا وسرقة ويسمى الشيء المسروق سرقة مجازا كذا في المغرب، وأما في الشريعة فلها تعريفان تعريف باعتبار الحرمة وتعريف باعتبار ترتب حكم شرعي وهو القطع أما الأول فهو أخذ الشيء من الغير على وجه الخفية بغير حق سواء كان نصابا أو لا أما الثاني فهو ما ذكره المصنف بقوله‏:‏ ‏(‏هو أخذ مكلف خفية قدر عشرة دراهم مضروبة محرزة بمكان أو حافظ‏)‏ أطلق في الأخذ فشمل الحقيقي والحكمي فالأول هو أن يتولى السارق أخذ المتاع بنفسه والثاني هو أن يدخل جماعة من اللصوص منزل رجل ويأخذوا متاعه ويحملوه على ظهر رجل واحد ويخرجوه من المنزل، فإن الكل يقطعون استحسانا وسيأتي فخرج بالتكليف الصبي والمجنون؛ لأن القطع عقوبة وهما ليسا من أهلها فهما مخصوصان من آية السرقة لكنهما يضمنان المال وإن كان يجن ويفيق، فإن سرق في حال جنونه لم يقطع وإن كان في حال الإفاقة قطع ولو سرق جماعة فيهم صبي أو مجنون يدرأ عنهم القطع كذا في البدائع وشمل الذكر والأنثى والحر والعبد ولو آبقا والمسلم والكافر كما في البدائع وخرج بقيد الخفية ما أخذ جهرا مغالبة أو نهبا أو اختلاسا، فإنه لا قطع فيه وأفاد بقوله الأخذ خفية إلى أن الشرط الخفية وقت الأخذ أو دخول الحرز ليلا كان أو نهارا، وأما الخفية في الانتهاء، فإن كانت السرقة نهارا في المصر فهي شرط أيضا وما بين العشاء والعتمة من النهار‏.‏ ولذا قال في الاختيار ولو دخل بين العشاء والعتمة والناس منتشرون فهو بمنزلة النهار وإن كانت السرقة ليلا فليست بشرط حتى لو دخل البيت ليلا خفية ثم أخذ المال مجاهرة ولو بعد مقاتلة من في يده قطع به للاكتفاء بالخفية الأولى ولم يبين المصنف أن المعتبر كونها خفية على زعم السارق أو المسروق منه فهي رباعية فلو كان السارق يعلم أن صاحب الدار يعلم بدخوله وعلم به صاحب الدار أيضا فلا قطع أو لم يعلما فيقطع اتفاقا أو كان صاحب الدار يعلم بدخوله والسارق لا يعلم أنه يعلم، فإنه يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم السارق وإن كان على عكسه بأن زعم اللص بأن صاحب الدار علم به وصاحب الدار لم يعلم ففي التبيين لا يقطع؛ لأنه جهر وفي الخلاصة والمحيط والذخيرة أنه يقطع اكتفاء بكونها خفية في زعم أحدهما أيهما كان واحترز بقوله قدر عشرة دراهم عن سرقة ما دونها وأطلق في الدراهم فانصرفت إلى المعهودة وهي أن تكون العشرة منها وزن سبعة مثاقيل كما في الزكاة واحترز بالمضروبة عما إذا سرق تبرا وزنه عشرة دراهم أو متاعا قيمته عشرة دراهم غير مضروبة، فإنه لا قطع فيه على الصحيح بخلاف المهر والفرق أن الحد يدرأ بالشبهة فيتعلق بالكامل والمهر يثبت مع الشبهة مع أن قوله مضروبة تأكيد وإيضاح وإلا فالدرهم اسم للمضروب، وأما غير المضروب فلا يسمى درهما كما في المغرب فلو سرق نصف دينار قيمته النصاب قطع عندنا ولو سرق دينارا قيمته أقل من النصاب لا يقطع وتعتبر قيمة النصاب يوم السرقة ويوم القطع فلو كانت قيمته يوم السرقة عشرة فانتقص بعد ذلك إن كان نقصان القيمة لنقصان العين يقطع وإن كان لنقصان السعر لا يقطع في ظاهر الرواية ولو سرق ثوبا قيمته عشرة دراهم فأخذه المالك في بلد آخر وقيمة الثوب ثمة ثمانية دراهم درئ عنه القطع وإذا وجب تقويم المسروق بعشرة دراهم يقوم بأعز النقود أو بنقد البلد الذي يروج بين الناس في الغالب فالأول رواية الحسن عن الإمام والثاني رواية أبي يوسف عنه‏.‏ ولا يقطع السارق لتقويم الواحد بل لا بد من تقويم رجلين عدلين لهما معرفة بالقيمة؛ لأنه من باب الحدود فلا يثبت إلا ما ثبت به السرقة فلا قطع عند اختلاف المقومين كما في الظهيرية وأطلق في قدر النصاب فشمل ما إذا كان المسروق منه واحدا أو أكثر فلو سرق واحد نصابا من جماعة قطع ولو سرق اثنان نصابا من واحد لا قطع عليهما فالعبرة للنصاب في حق السارق لا المسروق منه بشرط أن يكون الحرز واحدا فلو سرق نصابا من منزلين مختلفين فلا قطع والبيوت من دار واحدة بمنزلة بيت واحد حتى لو سرق من عشرة أنفس في دار كل واحد في بيت على حدة من كل واحد منهم درهما قطع بخلاف ما إذا كانت الدار عظيمة وفيها حجر كما في البدائع وخرج باشتراط النصاب ما إذا سرق ثوبا قيمته تسعة دراهم فوضعه على باب الدار ثم دخل فأخذ ثوبا آخر يساوي تسعة دراهم فأخرجه عليه لم يقطع؛ لأنه لم يبلغ المأخوذ في كل واحد منهما نصابا كذا في البدائع وأطلق في الدراهم فانصرفت إلى الجياد فلو سرق زيوفا أو نبهرجة أو ستوقة فلا قطع إلا أن تكون كثيرة تبلغ قيمتها نصابا من الجياد، وقد استفيد من اشتراط النصاب اشتراط أن يكون المسروق مالا مقوما ولا بد أن يكون مملوكا كالمغيرة فلا قطع في حصر المسجد وأستار الكعبة وإن كانت محرزة ولا بد من انتفاء الشبهة ولم يذكرهما لما سيصرح به ولا بد من كون السارق ليس بأخرس ولا أعمى لاحتمال أنه لو نطق ادعى شبهة والأعمى جاهل بمال غيره وقوله محرزة بمكان أو حافظ بيان لكون الحرز على قسمين حرز بنفسه وهو كل بقعة معدة للإحراز ممنوع الدخول فيها إلا بإذن كالدور والحوانيت والخيم والخزائن والصناديق وحرز بغيره وهو كل مكان غير معد للإحراز وفيه حافظ كالمساجد والطرق والصحراء وسيأتي بيانها وفي القنية لو سرق المدفون في المفازة يقطع‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا بد أن تكون السرقة في دار عدل فلا يقطع في السرقة في دار الحرب ودار البغي فلو سرق بعض تجار المسلمين من البعض في دار الحرب ثم خرجوا إلى دار الإسلام فأخذ السارق لا يقطعه الإمام كذا في البدائع ولا بد من ثبوت دلالة القصد إلى النصاب المأخوذ وعليه ذكر في التجنيس من علامة النوازل سرق ثوبا قيمته دون العشرة وعلى طرفه دينار مشدود لا يقطع وذكر من علامة فتاوى سمرقند إذا سرق ثوبا يساوي عشرة وفيه دراهم مصرورة لا يقطع قال وهذا إذا لم يكن الثوب وعاء للدراهم، فإن كان يقطع؛ لأن القصد فيه يقع على سرقة الدراهم ألا ترى أنه لو سرق كيسا فيه دراهم كثيرة يقطع وإن كان الكيس يساوي درهما ولا بد أن يكون للمسروق منه يد صحيحة فخرج السارق من السارق ولا بد أن يخرجه ظاهرا حتى لو ابتلع دينارا في الحرز وخرج لا يقطع ولا ينتظر أن يتغوطه بل يضمن مثله؛ لأنه استهلكه وهو سبب الضمان للحال فقد علمت مما ذكرناه أن تعريف المختصر قاصر فلو قال المصنف هي أخذ مكلف ناطق يصير صاحب يد يسرى ورجل يمنى صحيحتين عشرة دراهم جياد أو مقدارها مقصودة ظاهرة الإخراج خفية من صاحب يد صحيحة مما لا يتسارع إليه الفساد من المال المعمول للغير من حرز بلا شبهة وتأويل في دار العدل لكان أولى، وقد علمت فوائد القيود‏.‏ وفي الظهيرية وشرط أصحابنا لقطع اليد اليمنى أن تكون اليد اليسرى والرجل اليمنى صحيحتين وهكذا ذكره في المجتبى من الشروط وفي التحقيق أن الأخذ المذكور هو ركنها‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فيقطع إن أقر مرة أو شهد رجلان‏)‏ بيان لحكمها وسبب ثبوتها وفي قوله مرة رد على أبي يوسف في قوله لا يقطع إلا بإقراره مرتين ويروى عنه أنهما في مجلسين مختلفين؛ لأنه أحد الحجتين فتعتبر بالأخرى وهي البينة كذلك اعتبرنا في الزنا ولهما أن السرقة ظهرت بإقراره مرة واحدة فيكتفى به كما في القصاص وحد القذف ولا اعتبار بالشهادة فيها؛ لأن الزيادة تفيد فيها تقليل تهمة الكذب ولا تفيد في الإقرار شيئا؛ لأنه لا تهمة وباب الرجوع في حق الحد لا ينسد بالتكرار، والرجوع في حق المال لا يصح أصلا؛ لأن صاحب المال يكذبه واشتراط الزيادة في الزنا بخلاف القياس فيقتصر على مورد الشرع ومن مسائل الإقرار لو قال‏:‏ أنا سارق هذا الثوب بالإضافة قطع ولو نون القاف لا يقطع؛ لأنه على الاستقبال، والأول على الحال وفي عيون المسائل قال سرقت من فلان مائة درهم بل عشرة دنانير يقطع في العشرة دنانير ويضمن مائة هذا إن ادعى المقر له المالين وهو قول أبي حنيفة؛ لأنه رجع عن الإقرار بسرقة مائة وأقر بعشرة دنانير فصح رجوعه عن الإقرار بالسرقة الأولى في حق القطع ولم يصح في حق الضمان وصح الإقرار بالسرقة الثانية في حق القطع وبه ينتفي الضمان بخلاف ما لو قال سرقت مائة بل مائتين، فإنه يقطع ولا يضمن شيئا لو ادعى المقر له المائتين؛ لأنه أقر بسرقة مائتين ووجب القطع فانتفى الضمان، والمائة الأولى لا يدعيها المقر له بخلاف الأولى ولو قال سرقت مائتين بل مائة لم يقطع ويضمن المائتين؛ لأنه أقر بسرقة مائتين ورجع عنها فانتفى الضمان ولم يجب القطع ولم يصح الإقرار بالمائة إذ لا يدعيها المسروق منه ولو أنه صدقه في الرجوع إلى المائة لا ضمان كذا في فتح القدير‏.‏ ولم يذكر المصنف صحة الرجوع عن الإقرار للعلم بأنه يصح الرجوع عن الإقرار بالحدود كلها إلا حد القذف قال في الذخيرة وإذا أقر بالسرقة ثم هرب لا يتبع وإن كان في فوره‏.‏ ا هـ‏.‏ بخلاف ما إذا شهد عليه ثم هرب، فإنه يتبع كذا في الظهيرية ولم يشترط المصنف عدم التقادم في هذه الحجة؛ لأنه ليس بشرط في الإقرار وشرط في البينة فلو أقر بسرقة متقادمة قطع ولو شهدا عليه بذلك لا كما في البدائع وقدمناه وحد التقادم في السرقة هو حده في الزنا كذا في الذخيرة وأطلق في المقر فشمل الحر، والعبد وسيأتي تفاصيلها في العبد وقيد بالرجلين؛ لأن شهادة النساء غير مقبولة فيه وكذا الشهادة على الشهادة وإن قبلت في حق المال وأفاد المصنف بحصر الحجة فيما ذكر أنه يقطع بالنكول وإن ضمن المال وأن العبد لا يقطع بإقرار مولاه عليه بها، وإن لزم المال ولم يقيد المصنف الإقرار بالطواعية قال في الظهيرية وإذا أقر بالسرقة مكرها فإقراره باطل ومن المتأخرين من أفتى بصحته وسئل الحسن بن زياد أيحل ضرب السارق حتى يقر قال ما لم يقطع اللحم ولا يتبين العظم ولم يزد على هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التجنيس لا يفتى بعقوبة السارق؛ لأنه جور ولا يفتى به وفي الظهيرية هل ينبغي للسارق أن يعلم صاحب المتاع أنه سرق متاعه إن كان لا يخاف أن يظلمه متى أخبره يخبره ليصل إلى حقه، وإن كان يخاف لا يخبره؛ لأنه معذور في ترك الإخبار ولكن يوصل الحق إليه بطريق آخر وإذا قضى القاضي بالقطع ببينة أو إقرار ثم قال المسروق منه هذا متاعه لم يسرقه مني إنما كنت أودعته أو قال شهد شهودي بزور أو قال أقر هو بباطل أو ما أشبه ذلك سقط عنه القطع ويستحب للإمام أن يلقن السارق حتى لا يقر بالسرقة لما روي أن «النبي صلى الله عليه وسلم أتي بسارق فقال أسرق ما إخاله سرق» ولأنه احتيال للدرء وقوله إخاله بكسر الهمزة معناه أظنه وبالفتح كذلك وكلاهما فعل مضارع من المخيلة وهي الظن إلا أن الحديث جاء بالكسر وإذا شهد كافران على كافر ومسلم بسرقة مال لا يقطع الكافر كما لا يقطع المسلم ولو شهد أنه سرق من فلان ثوبا فقال أحدهما‏:‏ إنه هروي وقال الآخر‏:‏ إنه مروي بسكون الراء ذكر في نسخ أبي سليمان أنه على خلاف اعتبارا باختلاف الشاهدين في لون البقرة وذكر في نسخة أبي حفص أنه لا تقبل الشهادة إجماعا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف سؤال الشاهدين وفي الهداية وينبغي أن يسألهم الإمام عن كيفية السرقة وماهيتها وزمانها ومكانها لزيادة الاحتياط كما مر في الحدود ويحبسه إلى أن يسأل عن الشهود للتهمة‏.‏ ا هـ‏.‏ زاد في الكافي أنه يسألهما عن المسروق إذ سرقة كل مال لا توجب القطع فالسؤال عن الكيفية لاحتمال أنه سرق على كيفية لا يقطع معها كأن نقب الجدار وأدخل يده فأخرج المتاع، فإنه لا يقطع، والسؤال عن الماهية لإطلاقها على استراق السمع، والنقص من أركان الصلاة، والسؤال عن الزمان لاحتمال التقادم وعلى المكان لاحتمال السرقة في دار الحرب من مسلم وفي المبسوط لم يذكر محمد السؤال عن المسروق منه؛ لأنه حاضر يخاصم، والشهود يشهدون على السرقة منه فلا حاجة إلى السؤال عنه وفيه نظر لاحتمال أن يكون قريب السارق أو زوجا فلا بد من السؤال عنه كما في التبيين، وأما سؤال المقر، فإنه عن جميع ما ذكرنا إلا عن السؤال عن الزمان وفي فتح القدير ولا يسأل المقر عن المكان وهو مشكل للاحتمال المذكور، واعلم أنه لا بد من حضور الشاهدين وقت القطع كحضور المدعي حتى لو غابا أو ماتا لا قطع وهذا في كل الحدود إلا في الرجم ويمضي القصاص، وإن لم يحضروا استحسانا كذا في كافي الحاكم، وإن شرط بداءة الشهود بالرجم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو جمعا، والآخذ بعضهم قطعوا إن أصاب لكل نصاب‏)‏ أي لو كان السارق جماعة؛ لأن الموجب سرقة النصاب ويجب على كل واحد منهم بجنايته فيعتبر كمال النصاب في حقه وقدمنا أنه لا فرق بين كون الأخذ مباشرة أو تسببا ولا بد أن لا يكون فيهم ذو رحم محرم من المسروق منه ولا صبي ولا مجنون ولا معتوه وأطلقه فشمل ما إذا كانوا خرجوا معه من الحرز أو بعده من فوره أو خرج هو بعدهم في فورهم؛ لأن بذلك يحصل التعاون وقيد بالجمع؛ لأنه لو سرق واحد من عشرة من كل واحد منهم درهما من بيت واحد يقطع لكمال النصاب في حق السارق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يقطع بخشب وحشيش وقصب وسمك وطير وصيد وزرنيخ ومغرة ونورة‏)‏؛ لأنه لا قطع فيما يوجد تافها مباحا في دار الإسلام لقول عائشة رضي الله عنها‏:‏ «كانت اليد لا تقطع في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشيء التافه» أي الحقير وما يوجد جنسه مباحا في الأصل بصورته غير مرغوب فيه حقير لقلة الرغبات فيه، والطباع لا تضن به فقل ما يوجد آخذه على كره من المالك فلا حاجة إلى شرع الزاجر ولهذا لم يجب القطع بسرقة ما دون النصاب ولأن الحرز فيها ناقص ألا يرى أن الخشب يلقى على الأبواب، وإنما يدخل في الدار للعمارة لا للإحراز، والطير يطير، والصيد يقر وكذا الشركة العامة التي كانت فيه وهي على تلك الصفة تورث الشبهة، والحد يندرئ بها أطلق الخشب وهو مقيد بما إذا لم يحدث فيه صنعة متقومة، فإن كان معمولا قطع فيه كما في شرح الطحاوي كما يقطع في الحصر البغدادية كما في غاية البيان ومقيد بما إذا لم تجر العادة بإحرازه، فإن كان مما يحرز كالساج، والأبنوس، فإنه يقطع فيه وأطلق السمك فشمل الطري، والمالح، والطير فشمل الدجاج، والبط، والحمام ونظر بعضهم في الزرنيخ فقال ينبغي أن يقطع به؛ لأنه يحرز ويصان في دكاكين العطارين كسائر الأموال واختلف في الوسمة، والحناء، والوجه القطع؛ لأنه جرت العادة بإحرازه في الدكاكين، والمغرة بفتح الغين الطين الأحمر ويجوز إسكانها وألحق في المجتبى بما ذكر الفحم، والأشنان، والزجاج، والملح، والخزف، واستثنى في الظهيرية من الطير الدجاج فأوجب القطع فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفاكهة رطبة أو على شجر أو على لبن ولحم وزرع لم يحصد وأشربة وطنبور‏)‏؛ لأنه لا قطع فيما يتسارع إليه الفساد لقوله عليه السلام‏:‏ «لا قطع في ثمر ولا كثر، والكثر الجمار» وقال عليه السلام‏:‏ «لا قطع في الطعام»، والمراد والله أعلم ما يتسارع إليه الفساد كالمهيأ للأكل منه وما في معناه كاللحم، والتمر؛ لأنه يقطع في الحنطة، والسكر إجماعا ولا إحراز فيما على الشجر وفي زرع لم يحصد ولتأول السارق في الأشربة المطربة الإراقة وبعضها ليس بمال وفي مالية بعضها اختلاف فيتحقق شبهة عدم المال، والطنبور من المعازف أطلق في الفاكهة فشمل العنب، والرطب على المختار؛ لأنه يخاف الفساد من وجه وذكر الإسبيجابي أنه لا بد أن يكون المسروق يبقى من حول إلى حول فإذا سرق شيئا لا يبقى من حول إلى حول لا يجب القطع‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بالرطبة؛ لأنه يقطع في اليابسة ويقطع في الزبيب، والتمر وأطلق في اللحم فشمل القديد منه؛ لأنه يتوهم فيه الفساد وقيد بالأشربة؛ لأنه يقطع في العسل، والخل إجماعا كذا في التبيين وفيه نظر لما نقله الناطفي عن المجرد قال أبو حنيفة لا قطع في الخل؛ لأنه قد صار خمرا مرة‏.‏ ا هـ‏.‏ فلا يدعى الإجماع وأطلق في الأشربة فشمل الحلو، والمر وما إذا كان السارق مسلما أو ذميا وأشار بالطنبور إلى جميع آلات اللهو وفي الظهيرية وغيرها، والقطع في الحنطة وغيرها إجماعا إنما هو في غير سنة القحط أما فيها فلا سواء كان مما يتسارع الفساد إليه أو لا؛ لأنه عن ضرورة ظاهرة أو هي تبيح التناول وعنه عليه السلام‏:‏ «لا قطع في مجاعة مضطرة» وعن عمر رضي الله عنه لا قطع في عام سنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومصحف ولو محلى‏)‏ أي لا قطع في سرقة مصحف ولو كان عليه حلية من ذهب أو فضة؛ لأن الآخذ يتأول في أخذه القراءة ولا نظر فيه ولأنه لا مالية له على اعتبار المكتوب وإحرازه لأجله لا للجلد، والأوراق، والحلية، وإنما هي توابع ولا معتبر بالتبع كمن سرق آنية فيها خمر وقيمة الآنية تربو على النصاب وكمن سرق صبيا حرا وعليه حلي قال في المبسوط ألا ترى أنه لو سرق ثوبا لا يساوي عشرة ووجد في جيبه عشرة مصرورة لم يعلم بها لم أقطعه، وإن كان يعلم بها فعليه القطع، وقد قدمناه وسيأتي أنه لا قطع في الدفاتر وهي الكتب شرعية كانت أو لا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وباب مسجد‏)‏ لعدم الإحراز فصار كباب الدار أولى؛ لأنه يحرز بباب الدار ما فيها ولا يحرز بباب المسجد ما فيه حتى لا يجب القطع بسرقة متاعه قال فخر الإسلام، فإن اعتاد سرقة أبواب المساجد فيجب أن يعزر ويبالغ فيه ويحبس حتى يتوب‏.‏ ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون كذلك سارق البزابيز من الميض أو أشار إلى أنه لا قطع في سرقة حصره وقناديله وكذا أستار الكعبة، وإن كانت محرزة لعدم المالك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصليب ذهب وشطرنج ونرد‏)‏؛ لأنه يتأول من أخذها الكسر نهيا عن المنكر بخلاف الدرهم الذي عليه التمثال؛ لأنه ما أعد للعبادة فلا يثبت شبهة إباحة الكسر أطلقه فشمل ما إذا كان في حرز أو لا، والشطرنج بكسر الشين وفي ضياء الحلوم النرد الذي يلعب به وهو فارسي معرب وقل ما يأتلف النون، والراء في كلمة واحدة إلا بدخل بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي في الشهادات أنه كل لعب لا يحتاج لاعبه إلى فكر وحساب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصبي حر ولو معه حلي‏)‏؛ لأن الحر ليس بمال وما عليه من الحلي تبع له ولأنه يتأول في أخذ الصبي إسكاته أو حمله إلى مرضعته أطلقه فشمل الصبي الذي لا يمشي ولا يتكلم، والحلي بضم الحاء جمع حلي بفتحها ما يلبس من ذهب أو فضة أو جواهر وأشار المصنف إلى أنه لو سرق إناء ذهب فيه نبيذ أو ثريد أو كلبا عليه قلادة فضة فلا يقطع على المذهب إلا في رواية عن أبي يوسف ورجحها في فتح القدير، فإن الظاهر أن كلا منهما أصل مقصود بالأخذ بل القصد إلى الإناء الذهب أظهر منه إلى ما فيه وما يوافق ما ذكرنا ما في التجنيس سرق كوزا فيه عسل وقيمة الكوز تسعة وقيمة العسل درهم يقطع وكذا إذا سرق حمارا يساوي تسعة وعليه إكاف يساوي درهما بخلاف ما إذا سرق قمقمة فيها ما يساوي عشرة؛ لأنه سرق ماء من وجه وهو نظير ما تقدم من المبسوط فيمن سرق ثوبا لا يساوي عشرة مصرورة عليه عشرة قال يقطع إذا علم أن عليه مالا بخلاف ما إذا لم يعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعبد كبير ودفاتر بخلاف الصغير ودفاتر الحساب‏)‏؛ لأنه في الكبير غصب أو خداع وهي متحققة في الصغير وقال أبو يوسف لا يقطع، وإن كان صغيرا لا يعقل ولا يتكلم استحسانا؛ لأنه آدمي من وجه مال من وجه ولهما أنه مال مطلق لكونه منتفعا به أو بعرض أن يصير منتفعا به إلا أنه انضم إليه معنى الآدمية ولو كانت قيمته أقل من النصاب وفي أذنه شيء يكمل النصاب يقطع باعتبار الضم أراد بالكبير المميز المعبر عن نفسه بالغا كان أو صبيا وبالصغير الذي لا يعبر عن نفسه وأطلق في الكبير فشمل النائم، والمجنون، والأعمى، والمقصود من الدفاتر ما فيها، وذلك ليس بمال إلا دفتر الحساب؛ لأن ما فيه لا يقصد بالأخذ فكان المقصود هو الكاغد، والمراد بالدفاتر صحائف فيها كتابة من عربية أو شعر أو حديث أو تفسير أو فقه مما هو من علم الشريعة‏.‏ وقد اختلف في غيرها فقيل ملحقة بدفاتر الحساب فيقطع فيها وقيل بكتب الشريعة؛ لأن معرفتها قد تتوقف على اللغة، والشعر، والحاجة، وإن قلت كفت في إيراث الشبهة، ومقتضى هذا أن لا يختلف في القطع بسرقة كتب السحر، والفلسفة؛ لأنه لا يقصد ما فيها لأهل الديانة فكانت سرقة صرفا، والمراد بدفاتر الحساب دفاتر أهل الديون وقولهم‏:‏ لأن المقصود الكاغد يدل على أن المراد به الذي مضى حسابه، وقد قيل به كما ذكره الشمني، وأما الدفاتر التي في الديوان المعمول بها فالمقصود علم ما فيها فلا قطع، وأما دفاتر مثل علم الحساب، والهندسة فهو كغيره فلا قطع بسرقته؛ لأنه ككتب الأدب، والشعر وقيد بالدفاتر؛ لأنه لو سرق الورق، والجلد قبل الكتابة قطع ذكره الشمني‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكلب وفهد‏)‏؛ لأن من جنسها يوجد مباح الأصل غير مرغوب فيه ولأن الاختلاف بين العلماء ظاهر في مالية الكلب فأورث شبهة أطلقه فشمل ما إذا كان عليه طوق ذهب أو فضة علم به أو لم يعلم؛ لأنه تبع له كالصبي الحر إذا كان عليه حلي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ودف وطبل وبربط ومزمار‏)‏؛ لأنهما عندهما لا قيمة لها وعليه الفتوى فلا ضمان على من كسرها وعند أبي حنيفة آخذها يتأول الكسر فيها، والدف بالضم، والفتح الذي يلعب به وهو نوعان مدور ومربع كذا في المغرب، والبربط بفتح الباءين الموحدتين وهو العود كذا في الترغيب، والترهيب أطلقه فشمل الدف، والطبل للغزاة وفيه اختلاف المشايخ، والأصح عدم القطع؛ لأن صلاحيته للهو صارت شبهة كذا في غاية البيان‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبخيانة ونهب واختلاس‏)‏ لانتفاء ركن السرقة وهي الأخذ خفية الخيانة هي الأخذ مما في يده على وجه الأمانة، والنهب هو الأخذ على وجه العلانية، والقهر في بلد أو قرية، والاختلاس الاختطاف وهو أن يأخذ الشيء بسرعة، والاسم الخلسة وفي السنن، والجامع للترمذي مرفوعا‏:‏ «ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع»، وأما ما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ «أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطعها» فأجاب عنه الجماهير بأن القطع كان لسرقة صدرت منها وتمامه في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونبش‏)‏ أي لا قطع على النابش وهو الذي يسرق أكفان الموتى بعد الدفن وهذا عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف عليه القطع لقوله عليه السلام من نبش قطعناه ولأنه مال متقوم محرز مثله فيقطع ولهما قوله عليه السلام‏:‏ «لا قطع على المختفي» وهو النباش بلغة أهل المدينة ولأن الشبهة تمكنت في الملك؛ لأنه لا ملك للميت حقيقة ولا للوارث لتقدم حاجة الميت، وقد تمكن الخلل في المقصود وهو الانزجار؛ لأن الجناية في نفسها نادرة الوجود وما رواه غير مرفوع أو هو محمول على السياسة لمن اعتاده فيقطعه الإمام سياسة لا حدا أطلقه فشمل ما إذا كان القبر في بيت مقفل على الصحيح وما إذا سرق من تابوت في القافلة وفيه الميت لما بينا وما إذا سرق من القبر ثوبا غير الكفن لعدم الحرز وأشار إلى أنه لو سرق من البيت الذي فيه قبر الميت مالا آخر غير الكفن أنه لا يقطع لتأوله بالدخول إلى زيارة القبر وكذا لو سرق من بيت فيه الميت لتأوله بتجهيزه وهو أظهر من الكل لوجود الإذن بالدخول فيه عادة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومال عامة أو مشترك‏)‏؛ لأن له فيه شركة حقيقية في الثاني أو شبهة شركة في الأول وهو مال بيت المال، فإنه مال المسلمين وهو منهم، وإذا احتاج ثبت الحق له فيه بقدر حاجته فأورث شبهة، والحدود تدرأ بها، وأما مال الوقف فلم أر من صرح به ولا يخفى أنه لا يقطع به لعدم المالك كما صرحوا أنه لو سرق حصر المسجد ونحوها من حرز، فإنه لا يقطع معللين بعدم المالك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومثل دينه‏)‏؛ لأنه استيفاء لحقه أطلقه فشمل ما إذا كان الدين مؤجلا وهو استحسان؛ لأن التأجيل لتأخير المطالبة، والمراد بالمماثلة المثل من حيث الجنس بأن كان من النقود سواء كان من جنسه حقيقة كأن يكون دينه دراهم فسرق دراهم أو من جنسه حكما كأن سرق دنانير في الصحيح ولهذا كان للقاضي أن يقضي بها دينه من غير رضا المطلوب ويضم أحدهما إلى الآخر في الزكاة فخرج ما إذا سرق عروضا ومنها الحلي، فإنه يقطع؛ لأنه ليس باستيفاء، وإنما هو استبدال فلا يتم إلا بالتراضي ولم يوجد وعن أبي يوسف أنه لا يقطع؛ لأن له أن يأخذه عند بعض العلماء قضاء من حق أو رهنا بحقه قلنا هذا قول لا يستند إلى دليل ظاهر فلا يعتبر بدون اتصال الدعوى به حتى لو ادعى ذلك درئ عنه الحد؛ لأنه ظن في موضع الخلاف، وأما المماثلة من حيث القدر فليست بشرط؛ لأنه لو سرق زيادة على حقه لا يقطع؛ لأنه بمقدار حقه يصير شريكا فيه فيصير شبهة وكذا المماثلة من حيث الوصف حتى لو سرق من جنس حقه أجود أو أردأ لا يقطع كذا في المجتبى‏.‏ وفيه أن ابن أبي ليلى والشافعي يطلقان أخذ خلاف جنس حقه المجانسة في المالية وما قالا هو الأوسع ويجوز الأخذ به، وإن لم يكن مذهبنا، فإن الإنسان يعذر في العمل به عند الضرورة ا هـ‏.‏ وقيد بسرقة الدائن؛ لأن المكاتب أو العبد إذا سرق من غريم المولى قطع إلا إن كان المولى وكلهما بالقبض؛ لأن حق الأخذ حينئذ لهما ولو سرق من غريم أبيه أو غريم ولده الكبير أو غريم مكاتبه أو غريم عبده المأذون المديون قطع؛ لأن حق الأخذ لغيره ولو سرق من غريم ابنه الصغير لا يقطع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبشيء قطع فيه ولم يتغير‏)‏ وهذا استحسان، والقياس أن يقطع وهو رواية عن أبي يوسف لقوله عليه السلام‏:‏ «فإن عاد فاقطعوه» من غير فصل ولأن الثانية متكاملة كالأولى بل أقبح لتقدم الزاجر وصار كما إذا باعه المالك من السارق ثم اشتراه منه ثم كانت السرقة ولنا أن القطع أوجب سقوط عصمة المحل كما يعرف من بعد إن شاء الله تعالى وبالرد إلى المالك، وإن عادت حقيقة العصمة بقيت شبهة السقوط نظر إلى اتحاد الملك، والمحل وقيام الموجب وهو القطع فيه بخلاف ما ذكر؛ لأن الملك قد اختلف لاختلاف سببه ولأن تكرار الجناية فيه نادر لتحمله مشقة الزاجر فتعرى الإقامة عن المقصود وهو تقليل الجناية فصار كما إذا قذف المحدود في القذف المقذوف الأول قيد بقوله ولم يتغير؛ لأنه لو تغير مثل ما لو كان غزلا فسرقه فقطع فيه فرده ثم نسج فعاد فسرقه، فإنه يقطع وعلى هذا الصوف، والقطن، والكتان وكل عين أحدث المالك فيه صنعا بعد القطع لو أحدثه الغاصب ينقطع به حق المالك وأطلق في التغير فشمل المعنوي كما إذا باعه المسروق منه بعد القطع ثم اشتراه فسرقه؛ لأن تبدل السبب كتبدل العين وذكر الشمني أنه لا يقطع عند مشايخ العراق وينبغي أن يكون حكم ما إذا باعه المالك فسرقه من المشتري وجوب القطع بالأولى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقطع بسرقة الساج، والقنا، والأبنوس، والصندل، والفصوص الأخضر، والياقوت، والزبرجد، واللؤلؤ‏)‏؛ لأن هذه الأشياء من أعز الأموال وأنفسها وهي محرزة لا توجد مباحة الأصل بصورتها في دار الإسلام غير مرغوب فيها فصارت كالذهب، والفضة وفي شرح المختار لا قطع في العاج ما لم يعمل فإذا عمل منه شيء قطع فيه وأشار المصنف إلى أنه يقطع في العود، والمسك، والأدهان، والورس، والزعفران، والعنبر بالأولى وفي طلبة الطلبة قال جار الله العلامة الساج ضرب من الشجر يعلوه الحمرة وهو صلب كالحجر ولا يكون هذا الأبنوس إلا في بلاد الهند ودور سادات مكة من هذا الساج‏.‏ ا هـ‏.‏ والقنا خشب الرماح جمع قناة وألفها منقلبة عن الواو، والأبنوس بفتح الباء معروف وهو معرب ولم يذكر المصنف الزجاج؛ لأنه لا قطع فيه على الظاهر؛ لأنه يسرع إليه الكسر فكان ناقصا في المالية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والأواني، والأبواب المتخذة من الخشب‏)‏؛ لأنه بالصنعة التحقت بالأموال النفيسة ألا ترى أنها تحرز بخلاف الحصير؛ لأن الصنعة فيه لم تغلب على الجنس حتى يبسط في غير الحرز وقدمنا أنهم قالوا في الحصر البغدادية يجب القطع في سرقتها لغلبة الصنعة على الأصل وقوله من الخشب متعلق بالأواني، والأبواب وقيد به؛ لأن الأواني المتخذة من الحشيش، والقصب لا قطع فيها؛ لأن الصنعة لم تغلب فيه حتى لا تتضاعف قيمته ولا تحرز حتى لو كان الغلبة فيه للصنعة كالأواني التي تتخذ للبن، والماء من الحشيش في بلاد السودان يقطع فيها لما ذكرنا وأطلق في الأبواب وهي مقيدة بقيدين أحدهما أن لا يكون مركبا ليكون حرزا فلا قطع في المركب لعدم الإحراز؛ لأنها لغيرها ثانيها أن يكون الباب خفيفا فلو كان ثقيلا يثقل على الواحد حمله فلا قطع؛ لأن الثقيل منه لا يرغب في سرقته وفي عيون المسائل سرق جلود السباع المدبوغة لا يقطع فإذا جعلت مصلى أو بساطا يقطع هكذا قال محمد؛ لأنها إذا جعلت ذلك خرجت من أن تكون جلود السباع؛ لأنها أخذت أسماء أخر والله أعلم‏.‏

فصل في الحرز

هو في اللغة الموضع الحصين يقال أحرزه إذا جعله في الحرز كذا في المغرب وفي الشرع ما يحفظ فيه المال عادة أي المكان الذي يحرز فيه كالدار، والحانوت، والخيمة، والشخص نفسه، والمحرز ما لا يعد صاحبه مضيعا ثم الإخراج من الحرز شرط عند عامة أهل العلم تخصيصا لآية السرقة به بالإجماع كما نقله ابن المنذر بناء على عدم صحة الخلاف بعدما خصص بمقدار النصاب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن سرق من ذي رحم محرم لا برضاع ومن زوجته وزوجها وسيده وزوجته وزوج سيدته ومكاتبته وختنه وصهره ومن غنم وحمام وبيت أذن في دخوله لم يقطع‏)‏ لوجود الشبهة في كل واحد منها أما إذا سرق من قريبه المحرم فللدخول في الحرز مع البسوطة في المال في الأصول، والفروع، والمراد من السرقة منه السرقة من بيته أطلقه فشمل ما إذا سرق ماله أو مال غيره؛ لأن بيته ليس بحرز في حقه مطلقا واحترز به عما إذا سرق مال محرمه من بيت غيره، فإنه يقطع لوجود الحرز وينبغي أن لا يقطع لما في القطع من القطيعة فيندرئ كذا في فتح القدير، وقد يقال ليس القطع حقه، وإنما هو حق الشرع فلا يكون قطيعة وينبغي أن لا يقطع في الولاد لما ذكرنا من الشبهة في ماله فعدم القطع في الولاد للشبهة لا لعدم الحرز وفي المحارم لعدم الحرز واحترز بقوله لا برضاع عن المحرم الذي محرميته بالرضاع كابن العم الذي هو أخ من الرضاع، فإنه رحم محرم لا من جهة القرابة، وإنما محرميته من جهة الرضاع فإذا سرق من بيته قطع كما إذا سرق من الرحم فقط وبه اندفع ما في التبيين من أنه لا حاجة إلى إخراجه؛ لأنه لم يدخل في ذي الرحم المحرم‏.‏ ا هـ‏.‏ ظنا منه أنه متعلق بالرحم وليس كذلك بل متعلق بالمحرم كما علمت، وأما إذا سرق أحد الزوجين من الآخر أو العبد من سيده أو من امرأة سيده أو زوج سيدته فلوجود الإذن بالدخول عادة فانعدم الحرز أطلق في الزوجين فشمل الزوجية وقت السرقة فقط بأن سرق منها ثم أبانها وانقضت عدتها ثم ترافعا فلا قطع، والزوجية بعدها كما إذا سرق من أجنبية ثم تزوجها ثم ترافعا فلا قطع ولو بعد القضاء وكذا عكسه لوجود الشبهة قبل الإمضاء وشمل الزوجية من وجه كما إذا سرق من مبتوته في العدة أو سرقت هي منه لوجود الخلطة بخلاف ما إذا سرق منها بعد الانقضاء، فإنه يقطع‏.‏ والحاصل أن في باب السرقة يكتفى بوجود الزوجية في حالة من الأحوال قبل القطع لسقوطه وفي باب الرجوع في الهبة لا بد من قيام الزوجية وقت الهبة فلو حدثت بعدها فالرجوع ثابت وفي الوصية الاعتبار لها حالة الموت لا غير وشمل ما إذا سرق أحدهما من حرز لا يسكنان فيه لوجود البسوطة بينهما في الأموال عادة، والعبد في هذا ملحق بمولاه حتى لا يقطع في سرقة لا يقطع فيها لا مولى كالسرقة من أقارب المولى وغيرهم؛ لأنه مأذون له بالدخول عادة في بيت مولاه لإقامة المصالح وأطلقه فشمل القن، والمكاتب؛ لأنه قن ما بقي عليه من درهم، والمأذون له في التجارة، وأما إذا سرق من مكاتبه، فإن له حقا في إكسابه ولذا لا يجوز له أن يتزوج أمة مكاتبه‏.‏ وأما إذا سرق من ختنه ومن صهره فالمذكور هنا قول الإمام وعندهما يقطع؛ لأنه لا شبهة في ملك الختن؛ لأنها تكون بالقرابة ولا قرابة وله أن العادة قد جرت بالبسوطة في دخول بعضهم منازل بعض بلا استئذان فتمكنت الشبهة في الحرز، والمحرمية بالمصاهرة كالمحرمية بالرضاع وعلى هذا الخلاف إذا سرق من كل من يحرم عليه بالمصاهرة ومحل الاختلاف ما إذا لم يجمعهما منزل واحد أما إذا جمعهما منزل واحد فلا قطع اتفاقا كذا في شرح الطحاوي وسيأتي في باب الوصية للأقارب وغيرهم أن الأصهار كل ذي رحم محرم من امرأته، والأختان زوج كل ذي رحم محرم منه، وأما إذا سرق من المغنم، فإن له فيه نصيبا كما أفتى به علي رضي الله عنه مع أن المصنف قد قدم أنه لا قطع في المال المشترك فالظاهر من إعادته أنه لا قطع، وإن لم يكن له حق في الغنيمة وبحث في غاية البيان بأنه ينبغي أن يكون المراد من السارق من الغنيمة من له نصيب في الغنيمة في الأربعة الأخماس أو في الخمس كالغانمين أو اليتامى، والمساكين أما غيرهم فلا نصيب له في الغنيمة فينبغي أن يقطع بخلاف السارق من بيت المال، فإنه معد لمصالح عامة المسلمين وهو منهم إلا أن يقال‏:‏ إن مال الغنيمة مال مباح في الأصل فلا قطع بسرقته حيث كان على صورته ولم يتغير وسواء كان السارق حرا أو عبدا‏.‏ وأما إذا سرق من الحمام أو بيت أذن للناس في الدخول فيه فلاختلال الحرز بالإذن في الدخول أطلقه فشمل ما إذا سرق من الحمام وصاحبه عنده أو المسروق تحته بخلاف ما إذا سرق من المسجد وصاحبه عنده، فإنه يقطع، والفرق على الظاهر أن الحمام بني للإحراز فكان حرزا فلا يعتبر الحافظ كالبيت بخلاف المسجد؛ لأنه ما بني لإحراز الأموال فلم يكن محرزا بالمكان فيعتبر الحافظ كالطريق، والصحراء وشمل ما إذا سرق من الحمام في وقت لم يؤذن للناس في الدخول فيها كالليل، والمنقول في التبيين أنه يقطع بخلاف المسجد لا يقطع مطلقا وأطلق في المأذون للناس في دخوله فشمل حوانيت التجار، والخانات إلا إذا سرق منه ليلا؛ لأنها بنيت لإحراز الأموال، وإنما الإذن يختص بالنهار كذا في الهداية وفي قوله للناس إشارة إلى أنه لو أذن لجماعة مخصوصين بالدخول فدخل واحد غيرهم وسرق، فإنه يقطع ولم أره صريحا، وقد قدم المصنف أنه لا بد من الإحراز بمكان أو حافظ قال الطحاوي في كتابه حرز كل شيء معتبر بحرز مثله حتى إذا سرق دابة من إصطبل يقطع ولو سرق لؤلؤة من إصطبل لا يقطع وذكر الكرخي في كتابه أن ما كان حرز النوع فهو حرز للأنواع كلها قال شمس الأئمة السرخسي وهذا هو المذهب عندنا، والقفاف لا يقطع وهو الذي يعطى الدراهم لينظر إليها فيأخذ منها وصاحبها لا يعلم، والفشاش وهو ما يهيئ لغلق البيت ما يفتحه به إذا فش نهارا وليس في البيت ولا في الدار أحد وأخذ المتاع لا يقطع، وإن كان فيها أحد من أهلها فأخذ المتاع وهو لا يعلم قطع وفي الحاوي إذا كان باب الدار مردودا غير مغلق فدخلها السارق خفية وأخذ المتاع قطع ولو كان باب الدار مفتوحا فدخل نهارا وسرق لا يقطع ولو سرق من السطح ثيابا تساوي نصابا يقطع؛ لأنه حرز، وإذا سرق ثوبا بسط على حائط في السكة لا يقطع وكذلك لو سرق ثوبا بسط على خص إلى السكة، وإن بسط على الحائط إلى الدار أو على الخص إلى السطح قطع كذا في الظهيرية‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن سرق من المسجد متاعا وربه عنده قطع‏)‏؛ لأنه عليه السلام قطع سارق رداء صفوان من تحت رأسه وهو نائم في المسجد أراد بالمسجد كل موضع لم يكن حرزا فدخل الطريق، والصحراء وأطلق في ربه فشمل النائم، واليقظان وهو الصحيح وأراده من كونه عنده أن يكون بحيث يراه كما في المجتبى وأطلق في كونه عنده فشمل ما إذا كان تحت رأسه أو تحت جنبه أو بين يديه حالة النوم وهو قول بعض المشايخ وإليه مال الإمام السرخسي وفي الأصل ما يدل على خلافه، فإنه قال المسافر ينزل في الصحراء فيجمع متاعه ويبيت عليه فسرق رجل منه شيئا قطع، فإن بعض المشايخ فهم منه أنه إذا كان موضوعا بين يديه لا يقطع كذا في الظهيرية وصحح في المجتبى ما اختاره السرخسي من الإطلاق؛ لأنه يعد النائم حافظا له عادة وعلى هذا لا يضمن المودع، والمستعير بمثله؛ لأنه ليس بتضييع بخلاف ما اختاره في الفتاوى ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أنه لو سرق الغنم أو البقر أو الفرس من المرعى ومعها حافظ، فإنه يقطع وإطلاق محمد عدم القطع محمول على ما إذا لم يكن معها حافظ لكن إن كان الحافظ الراعي ففيه اختلاف ففي البقالي لا يقطع وهكذا في المنتقى عن أبي حنيفة وأطلق خواهر زاده ثبوت القطع إذا كان معه حافظ ويمكن التوفيق بأن الراعي لم يقصد لحفظها من السراق بخلاف غيره كذا في فتح القدير وفي المجتبى لا قطع في المواشي في المرعى، وإن كان معها الراعي، وإن كان معها سوى الراعي من يحفظها يجب القطع وكثير من مشايخنا أفتوا بهذا، وإن كانت الغنم تأوي إلى بيت في الليل بني لها عليه باب مغلق فكسره وسرق منها شاة قطع لا يعتبر الغلق إذا كان الباب مردودا إلا أن يكون بيتا منفردا في الصحراء أو المراح وفي الحاوي اتخذ من الحجر أو الشوك حظيرة وجمع هذه الأغنام وهو نائم عندها قطع وعن محمد يقطع سواء كان معها حافظ أو لا وعليه عامة المشايخ‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المصنف بالحضرة إلى أن الثياب ليست عليه فلو سرق من رجل ثوبا عليه أو رداء أو قلنسوة أو منطقة أو سرق من امرأة نائمة حليا عليها لم يقطع وكذا إذا سرق من رجل نائم عليه ملاءة وهو لابسها لم يقطع وقيل يقطع كالموضوع عنده كذا في المجتبى وقيد بما ليس بحرز لما في الخلاصة جماعة نزلوا بيتا أو خانا فسرق بعضهم من بعض متاعا وصاحب المتاع يحفظه أو تحت رأسه لم يقطع ولو كان في مسجد جماعة قطع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو سرق ضيف ممن أضافه أو سرق شيئا ولم يخرجه من الدار لا‏)‏ أي لا يقطع أما الأول فلأن البيت لم يبق حرزا في حقه لكونه مأذونا في دخوله ولأنه بمنزلة أهل الدار فيكون فعله خيانة لا سرقة أطلقه فشمل ما إذا سرق من البيت الذي أضافه فيه أو من بعض بيوت الدار سواء كان مقفلا أو من صندوق مقفل ذكره القدوري في شرحه؛ لأن الدار مع جميع بيوتها حرز واحد فبالإذن في الدار اختل الحرز في جميع بيوتها، وأما الثاني فلأن الدار كلها حرز واحد فلا بد من الإخراج منها وما فيها يد صاحبها معنى فتتمكن شبهة عدم الأخذ قيد بالسرقة؛ لأنه يجب الضمان على الغاصب بمجرد الأخذ، وإن لم يخرجه من الدار هو الصحيح؛ لأنه يجب مع الشبهة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أخرجه من حجرة إلى الدار وأغار من أهل الحجرة على حجرة أخرى أو نقب فدخل وألقى شيئا في الطريق ثم أخذه أو حمله على حمار فساقه وأخرجه قطع‏)‏ بيان لأربع مسائل الأولى لو كانت الدار فيها مقاصير فأخرجها من مقصورة إلى صحن الدار، فإنه يقطع؛ لأن كل مقصورة باعتبار ساكنها حرز على حدة فالمراد بالدار الكبيرة التي فيها منازل وفي كل منزل مكان يستغني به أهله عن الانتفاع بصحن الدار، وإنما ينتفعون به انتفاع السكة وإلا فهي المسألة السابقة التي لا بد فيها من الإخراج من الدار الثانية لو أغار إنسان من أهل المقاصير على مقصورة فسرق منها قطع لما بينا، والمراد أنه دخل مقصورة على غرة فأخذ بسرعة يقال أغار الفرس والثعلب في العدو إذا أسرع الثالثة‏:‏ اللص إذا نقب البيت فدخل وأخذ المال ثم ألقاه في الطريق ثم خرج وأخذه، فإنه يقطع وقال زفر لا يقطع؛ لأن الإلقاء غير موجب للقطع كما لو خرج ولم يأخذ فكذا الأخذ من السكة كما لو أخذه من غيره ولنا أن الرمي حيلة يعتادها السراق لتعذر الخروج مع المتاع أو ليتفرغ لقتال صاحب الدار وللفرار ولم تعترض عليه يد معتبرة فاعتبر الكل فعلا واحدا قيد بقوله ثم أخذه؛ لأنه لو لم يأخذه فهو مضيع لا سارق وكذا لو أخذه غيره‏.‏ الرابعة‏:‏ لو حمله على حمار وساقه وأخرجه؛ لأن سيره مضاف إليه بسوقه قيد بالسوق؛ لأنه لو لم يسقه وخرج بنفسه لم يقطع، والمراد أن يكون متسببا في إخراجه فيشمل ما إذا علقه في عنق كلب وزجره ولو خرج بغير زاجر لم يقطع؛ لأن للدابة اختيارا فما لم يفسد اختيارها بالحمل، والسوق لا ينقطع نسبة الفعل إليها وكذا إذا علقه على طائر فطار به إلى منزل السارق، فإنه لا يقطع ويشمل ما لو ألقاه في نهر في الدار وكان الماء ضعيفا وأخرجه بتحريك السارق؛ لأن الإخراج مضاف إليه، وإن أخرجه الماء بقوة جريه لم يقطع وقيل يقطع وهو الأصح؛ لأنه أخرجه بسببه كذا في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن ناوله آخر من خارج أو أدخل يده في بيت فأخذ أو طر صرة خارجة من كم أو سرق من قطار بعيرا أو حملا لا‏)‏ أي لا يقطع في هذه المسائل الأربع أما الأولى وهي ما إذا نقب اللص البيت فدخل وأخذ المال وناوله آخر من خارج الدار فلا قطع عليهما؛ لأن الأول لم يوجد منه الإخراج لاعتراض يد معتبرة على المال قبل خروجه، والثاني لم يوجد منه هتك الحرز فلم تتم السرقة من كل واحد أطلقه فشمل ما إذا أخرج الداخل يده وناولها الخارج أو أدخل يده الخارج فتناولها من يد الداخل وهو ظاهر المذهب ولم يذكر محمد ما إذا وضع الداخل المال عند النقب ثم خرج وأخذه قيل يقطع، والصحيح أنه لا يقطع كذا في فتح القدير وأما الثانية وهي ما إذا أدخل يده في بيت وأخذ فلما روي عن علي رضي الله عنه أن اللص إذا كان ظريفا لا يقطع قيل وكيف ذلك قال أن ينقب البيت ويدخل يده من غير أن يدخله ولأنه لم يهتك الحرز قيد بالبيت؛ لأنه لو أدخل يده في الصندوق، والجيب، والكم ونحوه، فإنه يقطع؛ لأن الممكن فيها إدخال اليد لا الدخول بخلاف ما إذا شق الجولق فتبدد ما فيه من الدراهم فأخذه لا يقطع لعدم الهتك، وأما الثالثة وهي ما إذا طر صرة خارجة من كم فلأن الرباط من خارج فبالطر لا تبقى الصرة داخل الكم فيتحقق الأخذ من الخارج فلم يوجد هتك الحرز قيد بكونها خارجة؛ لأنه إن طر صرة داخلة وأخذها قطع؛ لأن الرباط من داخل فبالطر تبقى الصرة داخل الكم فتحقق الأخذ من الداخل فيوجد الهتك، والطر الشق وذكر الشمني أن المراد بالصرة بعض الكم المشدود فيه الدراهم وقيد بالطر؛ لأنه لو كان مكانه حل الرباط انعكس الحكم لانعكاس العلة فيقطع إن كان الرباط خارج الكم؛ لأنه يأخذ الدراهم من داخله ولا يقطع إن كان الرباط من داخل الكم؛ لأنه يأخذها من خارجه وفي فتح القدير وبما ذكر من التفصيل في الطر ظهر أن ما يطلق في الأصول من أن الطرار يقطع إنما يتأتى على قول أبي يوسف، فإنه قال يقطع الطرار على كل حال‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الرابعة وهي ما إذا سرق من قطار بعيرا أو حملا عليه، فإنه ليس بمحرز مقصودا فيتمكن فيه شبهة العدم أطلقه فشمل ما إذا كان معها سائق أو قائد أو لم يكن؛ لأن السائق أو الراكب يقصد قطع المسافة ونقل الأمتعة دون الحفظ حتى لو كان معها من يحفظها يقطع، والقطار الإبل على نسق واحد، والجمع قطر وقيد بسرقة الحمل؛ لأنه لو شق الجولق على الجمل وهو يسير وأخذ ما فيه، فإنه يقطع؛ لأن صاحب المال اعتمد الجوالق فكان هاتكا للحرز بخلاف ما إذا أخذ الجولق بما فيه وكذا لو سرق من الفسطاط، فإنه يقطع ولو سرق نفس الفسطاط، فإنه لا يقطع لعدم إحرازه إلا إذا كان الفسطاط غير منصوب، وإنما هو ملفوف عند من يحفظه أو في فسطاط آخر، فإنه يقطع كذا في فتح القدير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن شق الحمل فسرق منه أو سرق جوالقا فيه متاع وربه يحفظه أو نائم عليه أو أدخل يده في صندوق أو جيب غيره أو كمه فأخذ المال قطع‏)‏ لوجود السرقة من الحرز وقدمنا كل ذلك والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏