فصل: كتاب المزارعة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب المزارعة

لما كان الخارج من الأرض في عقد المزارعة من أنواع ما يقع فيه القسمة ذكر المزارعة عقب القسمة فهي لغة مفاعلة من الزراعة وشريعة ما ذكر المؤلف وسببها سبب المعاملات وركنها الإيجاب والقبول وشرائط جوازها كون الأرض صالحة للزراعة وكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد، وبيان المدة فلو ذكر مدة لا يخرج الزرع فيها لم تجز المزارعة، وصفتها أنها فاسدة عند الإمام جائزة عندهما ودليلها ما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «دفع الأرض لأهل خيبر مزارعة»‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏هي عقد على الزرع ببعض الخارج‏)‏ فقوله عقد جنس، وقوله‏:‏ على الزرع يشمل المزروع حقيقة وهو الملقى في الأرض قبل الإدراك قاله خواهر زاده، أو باعتبار ما يؤول إليه بأن كانت فارغة وقوله‏:‏ ببعض الخارج فصل أخرج سائر العقود، والمساقاة لأنها عقد على بعض الثمرة وأطلق في العقد فشمل مع الأجنبي، أو الشريك قال في فتاوى الفضلي أرض بين رجلين دفعها أحدهما للآخر مزارعة على أن الخارج ثلثه للدافع وثلثان للعامل جاز في أصح الروايتين‏.‏ ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتصح بشرط صلاحية الأرض للزراعة وأهلية العاقدين وبيان المدة ورب البذر وجنسه وحظ الآخر والتخلية بين الأرض والعامل والشركة في الخارج‏)‏ وهذا قول الثاني والثالث وقال الإمام‏:‏ لا تجوز المزارعة، لهما ما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «دفع الأرض مزارعة لأهل خيبر على نصف ما خرج منها من ثمر، أو زرع» ولأنها عقد شركة بمال من أحد الشريكين وعمل من الآخر فتجوز اعتبارا بالمضاربة والجامع دفع الحاجة فإن صاحب المال قد لا يهتدي إلى العمل والمهتدي إليه قد لا يجد المال فمست الحاجة إلى انعقاد هذا العقد وللإمام ما روي أنه عليه الصلاة والسلام‏:‏ «نهى عن المخابرة» وهي المزارعة بالثلث والربع والذي ورد في خيبر هو خراج مقاسمة لا يقال هذا مخالف لما تقدم في باب العشر والخراج من أن أرض العرب كلها عشرية لأنا نقول أرض خيبر ليست من أرض العرب لأنها لا يقر فيها على الكفر فإن قلت‏:‏ هم يهود قلنا خيبر ليست داخلا في حدود أرض العرب، وإذا فسدت المزارعة عنده يجب على صاحب البذر أجرة مثل الأرض، أو العمل، والغلة له لأنها نماء ملكه قال في العناية وهذا منقوض بمن غصب بذر آخر وزرعه في أرض فإن الزرع له، وإن كان نماء ملك صاحب البذور و أجيب بأن الغاصب عامل لنفسه باختياره وتحصيله فكان إضافة الحادث إلى عمله أولى والمزارع عامل بأمر غيره فجعل الأمر مضافا إلى الآمر‏.‏ ا هـ‏.‏ ولقائل أن يقول السؤال غير وارد والجواب غير صحيح أما أولا فقد تقرر أن الغاصب ملك البذر بالمزارعة فالبذر نماء ملك الغاصب فلا يرد‏.‏ والجواب لم يصادف محلا وقالوا الفتوى اليوم على قولهما لحاجة الناس إليها وللتعامل، والقياس يترك بمثل هذا والنص ورد نص بخلافه فيعمل به لأنه هو الظاهر عندهما ثم شرط في المختصر لجوازها عندهما أن تكون الأرض صالحة للزراعة لأن المقصود لا يحصل بدونه وأن يكون رب الأرض والمزارع من أهل العقد لأن العقد لا يصح إلا من الأهل وأن يبين المدة لأنه عقد على منافع الأرض، أو العامل وهي تعرف ويشترط أن تكون المدة قدر ما يتمكن فيها من الزراعة، أو أكثر وأن لا تكون قدر من لا يعيش إليه مثلهما، أو أحدهما غالبا، وعند محمد بن سلمة لا يشترط بيان المدة ويقع على سنة واحدة، وفي الخانية قال المشايخ‏:‏ يشترط بيان الوقت وتكون الزراعة على أول سنة والفتوى على بيان المدة وإن بقي بعد تمام السنة ما يمكن فيه الزراعة لا تبقى الزراعة وفي العتابية‏.‏ ولو ذكر مدة أن يخرج فإن خرج ظهر أنه صحيح، وإلا فلا وأن يبين من عليه البذر لأن المعقود - وهو منافع العامل، أو منافع الأرض - لا يعرف إلا ببيان من عليه البذر وأن يبين جنس البذر لأن الأجرة منه فلا بد من بيان جنس الأجرة، وفي الذخيرة، وفي الاستحسان بيان ما يزرع في الأرض ليس بشرط فوض الرأي إلى المزارع، أو لم يفوض بعد أن ينص على المزارعة لأن ذلك يصير معلوما بإعلام الأرض ومثله في الخانية، وإن بين نصيب من لا بذر من جهته وهو المراد بالأجر لأنه أجرة عمله وأرضه فلا بد أن يكون معلوما وأن يخلي بين الأرض والعامل لأنه بذلك يتمكن من العمل وعمل رب الأرض مع العامل لا يصح وأن يكون الخارج مشتركا بينهما لأنه هو المقصود بها فتنعقد إجارة في الابتداء وتقع شركة في الانتهاء ولهذا لو شرط لأحدهما قفيزا مسماة فسدت لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في البعض المسمى، أو في الكل أو لم تخرج الأرض أكثر من ذلك وكذا إذا شرط أن يدفع قدر بذره لما ذكرنا بخلاف ما إذا شرط أن يرفع عشر الخارج أو ثلثه، والباقي بينهما؛ لأنه يؤدي إلى قطع الشركة وهو يحصل أن يكون حيلة للوصول إلى رفع البذر وقيدنا بقولنا ببعض الخارج لأنه إذا كان الخارج كله لواحد منهما فليست بمزارعة قال رب الأرض للمزارع ازرع أرضي ببذرك على أن الخارج كله لي فهذا الشرط جائز ويصير العامل مقترضا للبذر من رب الأرض ويكون العامل معينا له، وفي العتابية ازرع لي في أرضك ببذرك جاز ولو لم يقل لي والمسألة بحالها لم يجز وقال عيسى بن أبان‏:‏ يجب أن يكون كالأول ولو قال في المسألة‏:‏ على أن الخارج نصفين جاز‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وأن تكون الأرض والبذر لواحد والعمل والبقر لآخر، أو تكون الأرض لواحد والباقي لآخر أو يكون العمل لواحد والباقي لآخر‏)‏ وهذه الجمل من جملة الشروط، وإنما كان كذلك لأن من جوزها إنما جوزها على أنها إجارة ففي الصورة الأولى يكون صاحب البذور والأرض مستأجرا للعامل والبقر تبعا له لاتحاد المنفعة لأن البقر آلة له فصار كمن استأجر خياطا ليخيط له قميصا بإبرة من عنده، أو صباغا ليصبغ له بصبغ من عنده، والآخر يقابل عمله دون الآلة فيجوز والأصل فيها أن صاحب البذر هو المستأجر فتخرج المسائل على هذا كما رأيت، وفي الصورة الثانية يكون صاحب البذر مستأجرا للعامل وحده بلا بقر بأجرة معلومة من الخارج فيجوز كما إذا استأجر خياطا ليخيط له قميصا بأجرة بإبرة من عند صاحب الثوب، أو طنا، أو بالنظير تمر له من المستأجر قال في العتابية الأصل أن المزارعة تنعقد إجارة وتتم شركة على منفعة الأرض والعامل أما في الأرض فأثر عبد الله بن عمر وتعامل الناس، وأما في العامل «ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أهل خيبر» وتعامل الناس‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الفتاوى دفع الزرع المدرك مزارعة بالنصف للحفظ لا يجوز، وفي غير المدرك يجوز كذا ذكره شيخ الإسلام خواهر زاده ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن كانت الأرض والبقر لواحد والعمل والبذر لآخر، إن كان البذر لأحدهما والباقي لآخر، أو كان البذر والبقر لواحد والباقي لآخر‏)‏ سيأتي الخبر لما بين شروط الجواز في المزارعة شرع يبين الشروط المفسدة لها أما الأول وهو ما إذا كانت الأرض والبقر لواحد والعمل والبذر لآخر فلأن صاحب البذر استأجر الأرض واشترط البقر على صاحب الأرض ففسدت لأن البقر لا يمكن أن يجعل تبعا للأرض؛ لأن منفعة البقر الشق، ومنفعة الأرض الإنبات وبينهما اختلاف وشرط التبعية الاتحاد، وروى في الأمالي عن أبي يوسف أنها جائزة، وفي الخانية‏:‏ والفتوى على الأول، وأما الثاني وهو ما إذا كان البذر لواحد والباقي لآخر وهو العمل والبقر والأرض فلأن العامل أجير ولا يمكن أن تكون الأرض تبعا له لاختلاف منفعتهما، ووجه ما تقدم وعن أبي يوسف أنه جائز، وفي الخانية لو كانوا أربعة البقر من واحد والبذر من واحد والأرض من واحد والعمل من واحد فهي فاسدة، وفي شرح الطحاوي ولو دفع البذر لمزارعه ليزرعه المزارع في أرضه على أن الخارج بينهما لا يجوز والحيلة أن يأخذ أرضه، ثم يستعين صاحب البذر بصاحب الأرض في العمل فيجوز، وفي النوازل‏:‏ رجل له أرض أراد أن يأخذ بذرا من الأرض حتى يزرعه في أرضه ويكون الزرع بينهما فالحيلة في ذلك أن يشتري نصف البذر بثمن معلوم، ثم يقول له ازرعها بالبذر وهذه الحيلة تجري في كل صورة وقعت فاسدة‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما الثالث وهو ما إذا كان البذر والبقر لواحد والباقي لآخر وهو العمل والأرض فلما ذكرنا أن الأرض لا يمكن جعلها تبعا لعمله لاختلاف المنافع ففسدت المزارعة قال الشارح‏:‏ وهنا وجه آخر لم يذكره في الكتاب وهو أن يكون البقر من واحد والباقي من آخر قالوا هذا فاسد وينبغي أن يجوز بالقياس على العامل وحده، أو على الأرض وحدها‏.‏ والجواب عنه أن القياس أن لا تجوز المزارعة وإنما تركناه بالأثر، وفي هذا لم يرد أثر ا هـ‏.‏ قال‏:‏ ولو دفع أرضا على أن يزرع ببذر الزارع وبقره ويعمل معه ثالث والخارج أثلاث فالعقد فاسد بينهما وبين أجنبي جائز بينهما ولرب الأرض من العامل ببعض الخارج فلو كان المزارع الأول مالكا لمنفعة الأرض بالاستئجار فصار كما لو كانت الأرض مملوكة ودفعها إلى العامل على أن يعمل معه لا يجوز لفوات التخلية بين الأرض والمزارع، وفسادها في حق الثاني لا يوجب فساد المزارعة في حق الأول لأن المزارعة الثانية غير مشروطة في الأول، والعطف لا يقتضي الاشتراط فإن كانت الثانية مشروطة في الأول بأن قال على أن يعمل الثاني معه بالثلث هل تجور المزارعة في حق الأول قال بعض المشايخ‏:‏ تفسد لأن الثانية صارت مشروطة لرب الأرض فإنه لا منفعة له في عمل الثاني مع الأول ولو كان البذر من رب الأرض - والمسألة بحالها - صحت في حق الكل لأنه استأجر العاملين ببعض الخارج وذلك جائز كذا في المحيط ولو دفع أرضه إلى رجل ليزرعها على أن الخارج بينهما نصفين فالمسألة على وجهين‏:‏ الأول أن يكون البذر من قبل العامل، الثاني أن يكون من قبل صاحب الأرض وعلى كل وجه يكون على ثلاثة أوجه إما أن يسكتا على شرط البقر، أو شرط البقر على العامل، أو على رب الأرض فإن سكتا فالبقر على العامل كان البذر منه، أو من صاحب الأرض لأن البقر آلة للعمل وإن شرطا البقر على صاحب الأرض فإن كان البذر من قبله يجوز، وإن كان من قبل الآخر فسدت كذا في الظهيرية وفي العتابية ولو قال رب الأرض‏:‏ ازرع لي أرضي ببذرك على أن يكون الخارج كله لك فهذا فاسد والخارج لرب الأرض وللزارع على رب الأرض مثل بذره وأجر مثل عمله، ولو قال رب الأرض‏:‏ ازرع أرضي ببذرك على أن يكون الخارج كله لك فهذا جائز ويكون الخارج لصاحب البذور ويكون صاحب الأرض معيرا له أرضه وفيها أيضا لو دفع البذر إلى رجل وقال ازرع على أن الخارج لك، أو لي أو نصفين فهو فاسد ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏أو اشترطا لأحدهما قفزانا مسماة أو ما على الماذيانات والسواقي، أو أن يرفع رب البذر بذره، أو يرفع من الخارج الخراج، والباقي بينهما فسدت‏)‏ يعني لو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة تفسد لأنه يؤدي إلى قطع الشركة في المسمى كما تقدم، أو مطلقا لاحتمال ما يخرج إلا هو والمراد بأحدهما هو، أو من يعود نفعه إليه بالشرط هذا إذا شرطا لأحدهما فلو شرطا لغيرهما قالوا ولو شرطا بعض الخارج لعبد أحدهما فلا يخلو إما أن يكون مشروطا لمن يملك رب الأرض، وللعامل كسبه كالغائب والقريب، وكل قسم على وجهين إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض، أو من قبل المزارع أما القسم الأول‏:‏ لو دفع أرضا، أو بذرا على أن ثلث الخارج لرب الأرض وثلثه لعبده وثلثه للعامل جاز وشرطا عمل العبد، أو لم يشترطا لأن ما شرطا للعبد شرط لسيده، وإن شرط عمل العبد فالمشروط للعبد حتى يقضي منه ديونه والمولى ممنوع من أخذه فكان العبد كالأجنبي فإن كان البذر من المزارع فإن شرطا ثلث الخارج لعبد رب الأرض فالمزارعة جائزة إذا لم يكن على العبد دين ولم يشترط عمل العبد والمشروط للعبد مشروط لمولاه‏.‏ وإن شرطا عمل العبد لمولاه، وإن شرطا عمل العبد ولا دين عليه فالمزارعة فاسدة في ظاهر الرواية، وإن كان على العبد دين ولم يشترط عمل العبد فالمزارعة جائزة، وإن شرطا عمل العبد مع ذلك فالمزارعة فاسدة في ظاهر الرواية، وأما إذا شرطا الثلث لمكاتب أحدهما، أو قريبه، أو لأجنبي فإن كان البذر من قبل رب الأرض إن شرط عمله جاز وقد تقدم بيانه هذا إذا شرطا قفزانا فإذا شرطا كله قال فلو شرط الخارج كله لأحدهما فإن كان البذر من قبل رب الأرض جاز، والخارج كله للمشروط له فيكون العامل متبرعا بعمله، وإن شرطاه لتعامل جاز ويكون رب الأرض أعاره أرضه واستقرض بذره فإن كان البذر من المزارع وشرطا جميع الخارج لأحدهما فهو على أربعة أوجه‏:‏ الأول أن يقول ازرع أرضي ببذرك فيكون الخارج كله لي فهو فاسد والخارج كله لرب البذر وعليه أجر مثل الأرض الثاني أن يقول كله لك والمسألة بحالها جاز وصار معيرا أرضه منه الثالث أن يقول ازرع أرضي ببذرك على أن الخارج بيننا نصفان والبذر قرض على رب الأرض، والرابع أن يقول ازرع أرضي ببذرك على أن يكون كله لك فهي فاسدة والخارج كله لرب الأرض وصار مستقرضا للبذر‏.‏ وكذا في المحيط، وأما إذا شرطا لأحدهما ما على الماذيانات وهي مجرى الماء والسواقي، أو يدفع رب البذر بذره، أو يدفع الخراج فلأنه يؤدي إلى قطع الشركة في البعض، أو الكل، وشرط صحتها أن يكون مشتركا بينهما والمراد بالخراج الخراج الموظف نصفا، أو ثلثا، أو نحو ذلك أما الجزء الشائع فلا يفسد اشتراطه لأنه لا يؤدي إلى قطع الشركة وهي حيلة لدفع قدر بذره لو شرطا لأحدهما التبن وللآخر الحب فسدت لاحتمال أن يصيب الزرع آفة فلا يخرج إلا التبن فلو شرطا الحب نصفين ولم يتعرضا للتبن صحت لأنه هو المقصود، والتبن نصفان ولو شرطا الحب نصفين والتبن لرب الأرض صحت لأنه شرط لا يخالفه العقد لأنه نماء ملكه ولو شرطا التبن للعامل فسد فلأنه شرط مخالف لمقتضى العقد فربما يؤدي إلى قطع الشركة بأن يصيب الزرع آفة فلا ينعقد الحب ولا يخرج إلا التبن قال‏:‏ والعشر عليهما عندهما وعند الإمام على صاحب الأرض فإن لم يأخذ الإمام العشر فهو صاحب الأرض عند الإمام وعندهما لهما ولو قال صاحب الأرض للعامل‏:‏ لا أدري ما يأخذ الإمام العشر، أو النصف لأن النصف لي بعدما يأخذ جازت عندهما كذا في المحيط‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن صحت فالخارج على الشرط‏)‏ لصحة الالتزام قال في المحيط‏:‏ وأما الزيادة والحط في المزارعة والمعاملة فالأصل إن كان المعقود عليه بحال يجوز ابتداء المزارعة والمعاملة جازت الزيادة فيهما، وإذا أدى أحدهما الآخر في الخارج فإن كان حال الزيادة قبل الاستحصاد وعظم التناهي تجوز الزيادة لأنه يجوز ابتداء العقد ما دام قابلا للزيادة، وإلا فلا والحط جائز في الحالين حال قبول الزيادة وبعدها لأنه إسقاط ولو باع الأرض المدفوعة مزارعة، أو معاملة فالبيع موقوف على إجازة المزارع والعامل فإن يجز تبق إلى انتهاء المزارعة والمعاملة، ويخير المشتري إن شاء انتظر، أو فسخ ولم يتعرض المؤلف لما إذا وقع في العقد، أو علق ونحن نبين ذلك قال‏:‏ وفيه أيضا‏:‏ دفع الأرض والبذر سنة على أن يزرعها بغير كراب فللعامل ربع الخارج، وإن كربها فثلثه، وإن كرب وبنى فنصفه جاز ما شرطاه وكذا لو كان البذر من جهة المزارع‏.‏ القسم الثاني‏:‏ دفع الأرض على أن يزرعها حنطة فالخارج كذا، وإن زرعها شعيرا فكذا، وإن زرعها سمسما فكذا فهذا على أربعة أوجه أما إن قال ازرعها، أو زرعت فيها، أو زرعت منها، أو زرعت بعضا منها فالمزارعة في الأولين جائزة لأنه خيره بين العقود الثلاثة فإن زرع شيئا من الأصناف الثلاثة فالخارج على ما شرطاه ولو قال ما زرعت منها، أو بعضا منها فالمزارعة فاسدة لأنه إن زرع البعض حنطة والبعض شعيرا، أو سمسما فذلك البعض مجهول ولو كان البذر من قبل العامل وشرطا إن زرعها حنطة فبينهما نصفان، وإن زرعها شعيرا فذلك للعامل جاز استحسانا وهو في الأول مزارعة، وفي الثاني إعارة الأرض، ثم ذكر محمد التخيير بين ثلاثة ولم يذكر هل يجوز التخيير في أكثر من ذلك روى هشام أنه لا يجوز‏.‏ القسم الثالث‏:‏ دفع الأرض على إن زرعها ببذره في أول جمادى الأولى فالخارج نصفان، وإن أخر فالثلث للمزارع فالشرطان جائزان عندهما، وبيان الدليل يطلب فيه ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن لم يخرج شيء فلا شيء للعامل‏)‏ لأنها إما إجارة، أو شركة فإن كانت إجارة فالواجب في العقد الصحيح منها المسمى وهو معدوم فلا يستحق غيره، وإن كانت شركة فالشركة في الخارج دون غيره فلا يستحق غيره بخلاف ما إذا فسدت المزارعة ولم تخرج الأرض حيث يستحق أجر المثل في المدة، وعدم الخروج لا يمنع وجوبه قال في العناية واستشكل بمن استأجر أرضا بعين ففعل الأجير وهلكت العين قبل التسليم فإنه على المستأجر أجرة المثل فليكن هذا مثله لأن المزارعة قد صحت والأجر مسمى وهلك الأجر وأجيب بأن الأجر ههنا هلك بعد التسليم لأن المزارع قبض البذر الذي يتفرع منه الخارج وقبض الأصل قبض لفروعه والآخر المعين إلى الأجر لا يجب للآخر شيء فكذا هنا ولقائل أن يقول‏:‏ هذا الجواب غير مستقيم في صورة استئجار الأرض فإن رب الأرض لا يقبض البذر الذي يتفرع منه الخارج حتى يكون قبضه قبضا لفرعه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن أبى عن المضي أجبر إلا رب البذر‏)‏ لأنها انعقدت إجارة والإجارة عقد لازم، غير أنها تنفسخ بالعذر فإن امتنع صاحب البذر عن المضي فيها كان معذورا لأنه لا يمكنه المضي إلا بإتلاف ماله وهو إلقاء البذر على الأرض ولا يدري هل يخرج، أو لا فصار نظير ما لو استأجره لهدم داره، ثم امتنع، وإن امتنع العامل أجبر على العمل، وإن امتنع رب البذر - والأرض من قبله - بعدما كرب الأرض فلا شيء له في عمل الكراب في القضاء لأن عمله إنما يتقوم بالعقد وقد فوته بجزء من الخارج فلا خارج ويلزمه فيما بينه وبين الله تعالى أجر مثله له كي لا يكون مغرورا من جهته لأنه يتضرر به وهو مدفوع فيكتفى بإرضائه بأن يوفيه أجر مثله‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتبطل بموت أحدهما‏)‏ لأنها إجارة وهي تبطل بموت أحد المتعاقدين إذا عقدها لنفسه وقد بيناه في الإجارة وهذا الإطلاق جواب القياس، وفي الاستحسان إذا مات وقد نبت الزرع يبقى عقد الإجارة حتى يحصد الزرع، ثم يبطل في الباقي لأن في إبقائه هذه المدة مراعاة الحقين فيعمل العامل، أو وارثه على حاله فإذا حصد يقسم على ما شرطاه ولا ضرورة في الباقي ولو مات رب الأرض قبل الزرع بعدما كرب الأرض وحفر الأنهار انتقضت المزارعة لأنه ليس في ذلك إتلاف مال على الزارع ولا شيء للعامل بمقابلة العمل لأنه يقوم بالخارج ولا خارج، ولا يجب شيء بخلاف المسألة الأولى حيث يقضى بإرضائه لأنه مغرور من جهته باختياره، وإذا كان على رب الأرض دين ولم يقدر على قضائه إلا ببيع الأرض فسخت المزارعة قبل الزرع وبيعت بالدين ولا شيء للعامل عليه في الكرب وحفر الأنهار ولو نبت الزرع ولم يحصد لم يبع الأرض بالدين حتى يستحصد الزرع لأن في البيع إبطال حق المزارع والتأخير أهون من الإبطال ويخرجه القاضي من الحبس إن كان حبسه به لأنه لما لم يمنع بيع الأرض لم يكن مماطلا والحبس جزاء المماطلة وفي الذخيرة لو مات رب الأرض بعد الزرع قبل النبات هل تبقى المزارعة قال بعضهم‏:‏ تبقى وقال بعضهم‏:‏ لا تبقى فتفسخ وفيها أيضا وهل يحتاج في فسخ المزارعة إلى قضاء القاضي قيل، وفي رواية الزيادات يحتاج إلى القضاء أو الرضا، وفي رواية كتاب المزارعة لا يحتاج إلى القضاء أو الرضا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولو مات المزارع والزرع بقل فلورثته القيام عليه حتى يدرك صيانة لحقهم فإن أبوا على ذلك لم يجبروا لأنهم لم يلتزموا بالعقد ذلك ورب الأرض بالخيار إن شاء أعطى قيمة نصيبهم، وإن شاء قلع، وإن شاء أنفق عليه حتى يستحصد، ويرجع بحصة الزارع في النفقة فيه كذا في المحيط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن مضت المدة والزرع لم يدرك فعلى الزارع أجر مثل أرضه حتى يدرك‏)‏ يعني يجب على العامل أجر مثل أرض الآخر حتى يستحصد وظاهر العبارة أنه يجب عليه جميع الأجرة وليس كذلك فلو قال في نصيبه لكان أولى وأسلم؛ لأن العقد قد انتهى بمضي المدة، وفي القلع ضرر فبقيناه بأجر المثل إلى أن يستحصد فيجب على غير صاحب الأرض بحصته من الأجرة لأنه استوفى منفعة الأرض بقدره بخلاف ما لو مات قبل إدراك الزرع حيث يترك إلى الحصاد ولا يجب على المزارع شيء لأنا أبقينا عقد الإجارة هنا استحسانا فأمكن استمرار العامل على ما كان من العمل أما هنا لا يمكن إلا بانقضاء المدة فيتعين إيجاب أجر المثل بالإيفاء وكأن العمل ونفقة الزرع وموته بالحفظ وكري الأنهار عليهما، بخلاف ما إذا مات قبل الإدراك حيث لا يكون الكل على العامل ولو أنفق أحدهما على الزرع بغير أمر القاضي وبغير أمر صاحبه فهو متطوع لأنه لا ولاية له عليه وهو غير مضطر إلى ذلك لأنه يمكنه أن ينفق بأمر القاضي فصار نظير ترميم الدار المشترك، ولو أراد رب الأرض أن يأخذ الزرع بقلا ليس له ذلك لما فيه من الإضرار بالآخر ولو أراد الزارع أن يأخذه بقلا قيل لصاحب الأرض اقلع الزرع إن شئت فيكون بينكما، أو أعطه قيمة نصيبه، أو أنفق أنت على الزرع وارجع عليه بما أنفقت عليه دفعا للضرر عنه قال ولا يضمن المزارع أجر مثل الأرض لأنه لما رضي بإبطال حقه لم تبق الإجارة بينهما ولو غاب المزارع بعدما زرع فأنفق رب الأرض إلى الإدراك بأمر القاضي رجع ولا سبيل للزارع على الزرع حتى يعطيه النفقة كلها لأن الزارع لو كان حاضرا كان الكل عليه فكذا لو غاب ولو اختلفا في النفقة فالقول قول الزارع مع يمينه لأنه ينكر، وإذا انقضت المدة قبل الإدراك فمن أنفق منهما بغير إذن القاضي فهو متطوع، وإن أنفق بأمر القاضي رجع بنصف ما أنفق‏.‏ زرع المزارع ونبت فاستحقت الأرض للمستحق القلع لأنه ظهر أنهما غاصبان ثم الزارع إن شاء ضمن الدافع نصف قيمة الزرع نابتا وإن شاء قلع معه، وإن استحقت مكروبة قبل الزرع لا شيء للعامل هذا إذا كان البذر من جهة العامل فإن كان البذر من جهة رب الأرض لم يذكره محمد وقالوا‏:‏ ينظر إن كان الاستحقاق قبل الزراعة فلا شيء للعامل، وإن استحقت بعد الزراعة إن شاء قلع معه وإن شاء رجع على الدافع قيل‏:‏ بأجرة مثل عمله كما لو دفع نحلا معاملة، ثم استحق يرجع عليه بأجر مثل عمله وقال الفقيه أبو جعفر الهندواني‏:‏ يرجع عليه بقيمة نصيبه من الزرع فلو أجاز المستحق المزارعة هل يصح قالوا‏:‏ إن كان البذر من جهة رب الأرض لا تصح لأن العقد لم يرد على ملك المستحق، وإن كان البذر من جهة العامل تصح إجارته قبل الزراعة، وبعدها فلا تصح كذا في المحيط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ونفقة الزرع عليهما بقدر حقوقهما كأجرة الحصاد والرفاع والدياس والتذرية‏)‏ تجب عليهما نفقة الزرع على قدر ملكهما بعد انقضاء مدة المزارعة كما يجب عليهما أجرة الحصاد والرفاع والدياسة والتذرية مطلقا من غير قيد بانقضاء مدة المزارعة أما نفقة الزرع بعد انقضاء المدة فلما بينا وأما وجوب الحصاد وما ذكر فلأن عقد المزارعة يوجب على العامل عملا يحتاج إليه إلى انتهاء الزرع ليزداد الزرع بذلك فيبقى ذلك باشتراك بينهما فيجب عليهما‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن شرطاه على العامل فسدت‏)‏ يعني شرطا العمل الذي يكون بعد انتهاء الزرع كالحصاد وما ذكرناه على العامل، أو النفقة فسدت لأنه شرط لا يقتضيه العقد، وإنما قلنا ذلك لأن العقد يقتضي عمل المزارع وهذه الأشياء ليست من أفعال المزارعة فكانت أجنبية فيكون شرطها مفسدا كشرط الحمل والطحن على العامل قال في الذخيرة وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف‏:‏ أنها تصح مع اشتراط ذلك على العامل، ومشايخ بلخ كانوا يفتون بهذه الرواية ويزيدون على هذا ويقولون‏:‏ ويجوز شرط التنقية والحمل إلى منزله على العامل لأن المزارعة على هذه الشروط متعاملة بين الناس ويجوز ترك القياس بالتعامل، أو اختار شمس الأئمة رواية أبي يوسف وقال‏:‏ هو الأصح في ديارنا ولو شرط الجذاذ على العامل والحصاد على غير العامل لا يجوز بالإجماع لعدم التعامل لو أراد فصل الفصيل أو جد التمر بسرا، أو التقاطه الرطب كان ذلك كله عليهما وفي الأصل، وإذا أدرك الباذنجان، أو البطيخ فالتقاط ذلك عليهما والحمل والبيع عليهما وكذا الحصاد عليهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية وكل عمل يزيد في الزرع ولا بد للمزارع منه يجب على المزارع شرط عليه ذلك أو لم يشرط عليه ذلك كالسفر وغيره‏.‏ ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

كتاب المساقاة

قال‏:‏ في غاية البيان كان من حق الوضع أن يقدم كتاب المساقاة على كتاب المزارعة لأن المساقاة جائزة بلا خلاف ولهذا قدم الطحاوي في مختصره كتاب المساقاة على كتاب المزارعة إلا أن المزارعة لما كانت كثيرة الوقوع في عامة البلاد كانت الحاجة إليها أكثر من المساقاة فقدمت على المساقاة ا هـ‏.‏ ولك أن تقول‏:‏ وجه المناسبة أن في كل منهما دفعا إلا أن في المزارعة دفع الأرض وهي الأصل وفي المساقاة المقصود دفع الأشجار وهي فرع فقدم الأصل وهو دفع الأرض وهي في اللغة مفاعلة من السقي وسبب جوازها حاجة الناس إليها، وركنها الإيجاب والقبول والارتباط، ودليلها ما تقدم في المزارعة، وشرطها كون العاقد والساقي من أهل العقد، وشرط صحتها كون الثمرة تزيد بالعمل، وصفتها أنها جائزة وحكمها وجوب الشركة في الخارج وعند الفقهاء ما سنذكره قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏هي معاقدة دفع الأشجار إلى من يعمل فيها على أن الثمرة بينهما‏)‏ فقوله ‏"‏ معاقدة ‏"‏ جنس وقوله ‏"‏ دفع الأشجار ‏"‏ أخرج البيع لأنه عقد تمليك العين لا دفعها، وقوله ‏"‏ إلى من يعمل فيها ‏"‏ أخرج الإجارة لأنها وإن كانت فيها دفع للانتفاع لا ليعمل فيها، وقوله ‏"‏ على أن الثمرة بينهما ‏"‏ أخرج المزارعة وأطلق من يعمل فشمل الشريك وغيره ولو زاد الأجنبي ليعمل فيها إلخ لكان أولى لأنه لو دفع أحدهما للآخر وهما مالكان لا يصح قال في فتاوى الفضلي إذا كان النخل بين اثنين فدفع أحدهما لصاحبه معاملة على أن يقوم عليه ويسقيه وما خرج فهو بينهما أثلاثا ثلثه للدافع وثلثاه للعامل فهذه المعاملة فاسدة ولو كان مكانها مزارعة بأن كانت أرض بين اثنين ودفعها أحدهما لصاحبه مزارعة على أن الخارج ثلثه للدافع وثلثاه للعامل جاز على أصح الروايتين ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وهي كالمزارعة‏)‏ يعني لا يجوز عند الإمام ويجوز عندهما، وشرطها عندهما شروط المزارعة في جميع ما ذكرنا إلا في أربعة أشياء أحدها إذا امتنع أحدهما يجبر لأنه لا ضرر عليه في المضي بخلاف المزارعة على ما تقدم الثاني إذا انقضت المدة تترك بلا أجرة على ما تبين بخلاف المزارعة الثالث إذا استحق النخل يرجع العامل بأجرة مثله والزارع بقيمة الزرع والرابع في بيان المدة فإذا لم يبين المدة فيها فيجوز استحسانا لأن التيقن وقت إدراك الثمرة معلوم وقل ما يتفاوت فيه فيدخل ما هو المتيقن به، وإدراك البذر في أصول الرطبة في هذا بمنزلة إدراك الثمار لأن لها نهاية معلومة فلا يشترط فيها بيان المدة بخلاف الزرع لأن ابتداءه يختلف، والانتهاء ينبني عليه فتدخله الجهالة الفاحشة وبخلاف ما إذا دفع إليه غرسا قد نبت ولم يثمر بعد معاملة حيث لا يجوز إلا ببيان المدة لأنه يتفاوت بقوة الأرض وضعفها تفاوتا فاحشا فلا يمكن صرفه إلى أول ثمر يخرج منه وبخلاف ما إذا دفع نخلا، أو أصول رطبة على أن يقيم عليها حتى يذهب أصولها ونبتها لأنه لا يعلم متى ينقطع النخل‏.‏ أو الرطب لأن الرطب ثمر ما دامت أصولها فتكون مجهولة فتفسد المساقاة وكذا إذا أطلق في الرطبة ولم يرد في قوله حتى يذهب بخلاف ما إذا أطلق في النخل حيث يجوز وينصرف إلى أول ثمرة تخرج منه والفرق أن ثمر النخل لإدراكه وقت معلوم فينصرف إليه ولا يعرف في الرطبة أول جزء منه حتى لو عرف جاز لعدم الجهالة ولو أطلق في النخل ولم يثمر في تلك السنة انقطعت المعاملة فيها لانتهاء مدتها فإن سمى فيها مدة يعلم أن الثمرة لا تخرج في المدة فسدت المساقاة لفوات المقصود وهو الشركة في الثمار، وإن ذكرا مدة يحتمل الطلوع فيها جازت لعدم التيقن بفوات المقصود، ثم إن خرج في الوقت المسمى فهو على الشركة لصحة العقد، وإن تأخر فللعامل أجر مثله لفساد العقد لأنه تبين الخطأ في المدة فصار كما لو علم ذلك ابتداء بخلاف ما إذا لم يخرج أصلا لأن الذهاب بآفة سماوية فلا يتبين أن العقد كان فاسدا فبقي العقد صحيحا ولا شيء لكل واحد منهما على صاحبه وفي الخلاصة، وإن ذكرا مدة قد يخرج وقد لا يخرج فهي موقوفة إن أخرجت في المدة صحت، وإن لم تخرج فسدت وهذا إذا خرجت في المدة المضروبة ما يرغب في مثله فإن أخرجت في شيء لا يرغب في مثله فهي فاسدة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط ولو دفع إليه رطبة ثابتة في الأرض وقد انتهى جوازها لكن بذرها لم يخرج ليقوم ليخرج البذر على أن البذر بينهما نصفان ولم يسميا وقتا جاز لأنه جعل الأجرة بعض ما يخرج من عمله ولو شرطا أن الرطبة بينهما نصفان لم تجز لأنه استأجره ببعض ما أوجد قبل عمله مقصودا، وفي جامع الفتاوى ولو دفع أرضا معاملة خمسمائة سنة لم يجز، وإن شرط مائة سنة وهو ابن عشرين سنة جاز، وإن كان أكثر من عشرين سنة لم يجز ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتصح في الكرم والشجر والرطب وأصول الباذنجان‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله تعالى‏:‏ في الجديد لا تجوز إلا في الكرم والنخل ولنا ما روي عن ابن عمر «أن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر على ما يخرج من ثمر» وهذا مطلق فلا يجوز قصره على بعض الأشجار دون بعض لأنه تقييد فلا يجوز بالرأي وفي فتاوى أبي الليث دفع كرما معاملة وفيه أشجار لا تحتاج إلى عمل سوى الحفظ فإن كان بحال لو لم تحفظ يذهب ثمرها قبل الإدراك لا تجوز المعاملة في تلك الأشجار ولا نصيب للعامل فيها، وفي التجريد‏:‏ رجل دفع نخلا إلى رجلين معاملة على أن لأحدهم السدس وللآخر النصف ولرب الأرض الثلث فهي جائزة ولو شرطوا لصاحب النخل الثلث وللآخر الثلثين وللثالث أجر مائة على العامل فهذا فاسد والخارج كله لرب النخل ويرجع العامل الذي شرط له الثلثان على رب النخل ولرب النخل الثلثان وللثالث الثلث فهي جائزة، وفي جامع الفتاوى لو دفع إلى رجلين جاز عند أبي يوسف ولا يجوز عند الإمام، وفي شرح الطحاوي‏:‏ ولو أن رجلا دفع أرضه معاملة على أن يغرس العامل فيها أغراسا والغراس يكون بينهما فهذا يجوز فإذا انقضت المدة فلرب الأرض أن يطالبه بقلع الأشجار وليس له أن يتملكها بغير رضا المستأجر إذا لم يضر القلع بالأرض فإن كان يضرها ضررا فاحشا فله أن يتملكها بغير رضاه وفي الفتاوى العتابية‏:‏ إذا دفع أرضه للغراس على أن الغراس بينهما فإن كان الغراس من جانب صاحب الأرض فغرس الغراس كله لصاحب الأرض، وإن كان للعامل وقال له اغرسها فالغراس لصاحب الأرض وللعامل عليه قيمتها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتاوى أبي الليث لو غرس حافتي نهر فقال رجل‏:‏ غرست لي لأنك كنت خادمي، وفي عيالي وقال الغارس لنفسي فإن عرف أن الغارس كان وقت الغراس في عياله يعمل له مثل هذا العمل فالشجر له، وإن لم يعرف ذلك فللغارس ذلك ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن دفع نخلا فيه ثمر مساقاة والثمر يزيد بالعمل صحت وإن انتهت لا كالمزارعة‏)‏ لأن العامل لا يستحق إلا بالعمل ولا أثر للعمل بعد التناهي فلو جاز بعد الإدراك لا يستحق إلا بلا عمل ولم يرد به الشرع ولا يجوز إلحاقه بما قبل التناهي لأن جوازه قبل التناهي للحاجة على خلاف القياس ولا حاجة إلى مثله فبقي على الأصل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإذا فسدت فللعامل أجر مثله‏)‏ لأنها في معنى الإجارة كالمزارعة إذا فسدت وقد تقدم بيانه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتبطل بالموت‏)‏ لأنها في معنى الإجارة كالمزارعة فإن مات رب الأرض، والخارج بسر فللعامل أن يقوم عليه كما كان يقوم عليه قبل ذلك إلى أن تدرك الثمرة وليس لورثته أن يمنعوه من ذلك استحسانا كما في المزارعة لأن في منعه إلحاق الضرر به فيبقى العقد دفعا للضرر عنه ولا ضرر على الورثة ولو التزم العامل الضرر يخير ورثة الآخر بين أن يقسموا البسر على الشرط وبين أن يعطوه قيمة نصيبه من البسر وبين أن ينفقوا على البسر حتى يدرك فيرجعون على العامل بحصته من الثمر لأنه ليس له إلحاق الضرر به كما في المزارعة هكذا ذكر صاحب الهداية وغيره، وفي رجوعه في حصته إشكال وكان ينبغي أن يرجعوا عليه بجميعه لأن العامل إنما يستحق بالعمل وكان العمل كله عليه ولهذا إذا اختار المضي، أو لم يمت صاحبه كان العمل كله عليه فلو رجعوا عليه بحصته فقط يؤدي إلى أن العمل يجب عليهما حتى يستحق المؤنة بحصته فقط وهذا خلف لأنه يؤدي إلى استحقاق العامل بلا عمل في عمل بعض المدة وهذا الإشكال وارد في المزارعة أيضا كذا في الشارح وأجاب بعض الأفاضل بأن المعنى يرجعون في حصة العامل بجميع ما أنفقوا إلا بحصته كما فهمه فيرد على هذا المجيب بأن المنقول في الكافي للعلامة النسفي‏.‏ وفي الحاكم الشهيد ما نص عبارته‏:‏ ويرجعون بنصف نفقتهم في حصة العامل كما في المزارعة ا هـ‏.‏ فحمله غير صحيح نقل في التتارخانية في فصل الموت في المزارعة‏:‏ إذا أنفق ورثة رب الأرض بأمر القاضي يرجعون على المزارع بجميع النفقة مقدرا بالحصة، وإذا أنفق رب الأرض بإذن القاضي يرجع بنصف النفقة‏.‏ ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن المعاملة والمزارعة من باب واحد فما قاله الشارح ظهر منقولا ولو مات العامل فلورثته أن يقيموا عليه وليس لرب الأرض أن يمنعهم من ذلك لأن فيه النظر من الجانبين فإذا أرادوا أن يضربوه بسرا كان صاحب الأرض بين الخيارات الثلاث التي ذكرناها، وإن ماتا جميعا فالخيار لورثة العامل لقيامهم مقامه وهذا خيار في حق مالي وهو ترك الثمار على الأشجار إلى وقت الإدراك فيورث بخلاف خيار الشرط فإن أبوا ورثة العامل أن يقيموا عليه كان الخيار في ذلك لورثة رب الأرض على ما ذكرنا، وإذا انقضت مدة العامل وكان الخارج بسرا أخضر فهو كالمزارعة إذا انقضت مدتها للعامل أن يقيم عليها إلى أن تنتهي الثمار كما أن ذلك للمزارع لكن هنا لا يجب على العامل أجرة حصته إلا أن يدرك لأن الشجر لا يجوز استئجاره بخلاف المزارعة حيث يجب على المزارع أجر مثل الأرض إلى أن يدرك الزرع لأن الأرض يجوز استئجارها وكذا العمل كله على العامل هنا وفي المزارعة عليهما لأنه لما وجب أجر مثل الأرض بعد انتهاء المدة في المزارعة لا يستحق العمل عليه كما كان يستحق قبل انتهائها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وتفسخ بالعذر كالمزارعة‏)‏ بأن يكون العامل سارقا، أو مريضا لا يقدر على العمل لأنها في معنى الإجارة وقد بينا أنها تفسخ بالأعذار، وكونه سارقا عذر ظاهر لأنه يسرق الثمر والسعف ويلحق الآخر الضرر ولو أراد العامل ترك العمل في الصحيح وقيل‏:‏ يمكن، وقيل لا يمكن بالاتفاق قال‏:‏ أصله أن المزارعة لازمة من جهة من لا بذر منه غير لازمة من جهة رب البذر، ثم مسائله على ثلاثة أقسام‏:‏ قسم في الموت، وقسم في فسخ العقد من قبله بالدين، وقسم في انقضاء المدة، وإذا أراد رب الأرض أن يفسخ العقد وليس من قبله البذر قبل العمل ليس له ذلك إلا أن يكون عليه دين لا وفاء إلا منه فإن باعها بالدين لم يكن عليه من نفقة العامل شيء في حفر الأنهار، وإصلاحها لأن المنافع لا تتقوم إلا بالعقد، أو شبهه ولم يوجد ذلك ومتى كان البذر من قبله بأن يكون مستأجرا للأرض فإن نبت الزرع لا يباع حتى يستحصد لكن القاضي يخرجه من الحبس ولا يحول بينه وبين الغرماء لأن في البيع إبطال حق العامل‏.‏ وفي ترك البيع تأخير حق رب الدين، والتأخير أهون من الإبطال فلو زرع ولم ينبت فقد اختلفوا فيه قيل‏:‏ لصاحب الأرض بيعها بالدين لأنه ليس للزرع في الأرض حق قائم لأن إلقاء البذر استهلاك وقيل ليس له البيع لأن إلقاء البذر من الاستنماء وليس باستهلاك وأما القسم الثاني وهو ما لو دفعها إليه ثلاث سنين، ثم مات رب الأرض في الأولى قبل الحصاد يبقى الزرع حتى يستحصد استحسانا فإذا حصد ينفسخ في السنتين الباقيتين ولو مات قبل الزرع بطلت المزارعة، وإن مات بعد الزراعة قبل النبات اختلفوا فيه على نحو ما ذكرنا في الدين ولو مات المزارع والزرع بقل فقد قدمنا بيانه وهذه فروع ذكرناها تتميما للفائدة ولو دفع أرضا بيضاء على أن يغرس فيها نخلا وشجرا على أن ما خرج من شجر، أو نخل فهو بينهما نصفين وعلى أن الأرض بينهما نصفين فهذا فاسد فإن فعل فما خرج من الأرض فجميعه لرب الأرض وللغارس أجر مثل عمله دفع أرضا على أن يغرسها المدفوع إليه لنفسه ما بدا له ويزرعها من عنده ما بدا له على أن الخارج نصفان بينهما وللعامل على رب الأرض مائة درهم فهو فاسد، والخارج للغارس ولرب الأرض أجر أرضه ولو كان البذر والغراس من رب الأرض على أن يغرس ويبذرها بهما والخارج نصفان بينهما ولرب الأرض على العامل مائة درهم فهو فاسد، والخارج لرب الأرض وللعامل أجر مثله وتوجيهه يطلب من المحيط‏.‏ واشتراط العمل في المعاملة والمزارعة على أقسام أحدها أن يشترطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي أو شرطا بعضه على الدافع وسكتا عن الباقي، أو شرطا بعضه على الدافع وبعضه على العامل، وكل قسم على قسمين‏:‏ الأول لو شرطا البعض على العامل وسكتا عن الباقي فإن كان المسكوت عنه لا يخرج من ذلك شيء إلا به، أو يخرج شيء لا يرغب في مثله فالمعاملة فاسدة والثاني لو شرط على نفسه السقي والحفظ لا غير فالمزارعة فاسدة إلا إذا علم أن السقي لا يزيد فيه، الثالث‏:‏ لو شرط السقي على رب النخل والحفظ والتلقيح على العامل لم يجز والمزارعة كالمعاملة في هذه الأحكام إذا كان البذر من رب الأرض وتوجيهه يطلب من المحيط، وأما المزارعة إذا شرط فيها المعاملة فالمعاملة متى شرطت في المزارعة بأن دفع أرضا فيها نخل على أن يزرعها من بذره بالنصف وعلى أن يعمل في النخل ويسقيه ويلحقه بالنصف فإنه ينظر إن كان البذر من قبل العامل فسدت لأنهما عقدان اشترط أحدهما في الآخر، وإن كان البذر من قبل رب الأرض جاز عقد واحد لأنه استأجره ليعمل في أرضه ونخله وتوجيهه يطلب من المحيط‏.‏ وأما لو دفع المزارع، أو العامل الأرض، أو النخل لغيره مزارعة أو معاملة فهي على وجهين‏:‏ إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض، وفي هذا لا يملك أن يدفع الأرض مزارعة أو معاملة إلا أن يأذن له رب البذر في ذلك، أو يقول له‏:‏ اعمل برأيك ولكن له أن يستأجر أجيرا من ماله لإقامة عمل المزارعة، وإن قال رب البذر‏:‏ اعمل لله تعالى برأيك جاز له أن يدفعها لغيره مزارعة، وإذا لم يأذن له ولم يقل اعمل برأيك فدفعها لغيره مزارعة فصار مخالفا غاصبا وبطلت المزارعة بينه وبين رب الأرض ولرب الأرض أن يضمن أيهما شاء أجرة الأرض فإذا ضمن الأول لم يرجع على صاحبه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه مغرور من جهته كذا في الفتاوى الكبرى، وأما لو أذن له رب الأرض، أو قال له‏:‏ اعمل برأيك فدفعها جاز، وإن كان رب الأرض شرط للمزارع النصف فدفعها للثاني بالنصف فما خرج منها فنصفه لرب الأرض ونصفه للمزارع الثاني وإن شرط المزارع الأول للثاني الربع وللأول الربع، وحكمهما حكم المضاربة، وفي فتاوى الخلاصة، وإن كان البذر من قبل العامل له أن يدفع إلى آخر مزارعة، وإن لم يأذن له رب الأرض أصلا ولو دفع صار الزارع الأول مؤجرا ما إذا استأجره إجارة فاسدة صار الأول مستأجرا للمزارع الثاني ببعض الخارج ويعمل في الأرض ا هـ‏.‏

وفي المحيط إذا عمل صاحب الأرض مع العامل بأمره، أو بغير أمره فهو على قسمين إما أن يكون البذر من قبل رب الأرض، أو من قبل العامل فلو كان من قبل رب الأرض بأن دفع أرضه وبذره مزارعة بالنصف فزرع العامل وسقى فلما نبت قام عليه رب الأرض حتى استحصد بغير أمر العامل فالخارج على الشرط ورب الأرض متطوع بعمله كما لو قام عليه أجنبي ولو بذر المزارع ولم ينبت ولم يسقه فسقاه رب الأرض وقام عليه حتى استحصد فالخارج لرب الأرض قياسا، وفي الاستحسان على الشروط ورب الأرض متطوع كما لو قام عليه أجنبي ولو لم يزرع العامل حتى زرعه رب الأرض وسقاه ثم قام عليه المزارع حتى استحصد فالخارج لرب الأرض والمزارع متطوع، وإن بذره رب الأرض بغير إذن الزارع ولم يسقه ولم ينبت فسقاه المزارع وقام عليه حتى استحصد فالخارج على الشرط‏.‏ القسم الثاني‏:‏ لو كان البذر من قبل المزارع فبذر ولم يسقه ولم ينبت فقام عليه رب الأرض حتى استحصد فالخارج بينهما وكذا لو بذره رب الأرض ولم ينبت ولم يسقه حتى قام عليه المزارع فالخارج على الشرط ولو كان رب الأرض سقاه حتى نبت، ثم قام عليه المزارع وسقاه فهو لرب الأرض، ويضمن البذر لربه والمزارع متطوع في سقيه وما علمته من الجواب في المزارعة فهو الجواب في المعاملة كذا في المحيط، وأما لو اختلفا في المزارعة أو المعاملة فلا يخلو إما أن يختلفا في العقد، أو الشرط أو في جواز العقد وفساده فلو اتفقا على جواز واختلفا في المشروط - والبذر من قبل رب الأرض - إن كان قبل المزارعة وأقاما بينة فبينة الزارع أولى لأنها أكثر إثباتا وإن لم تقم لأحدهما بينة تحالفا وترادا، وإن اختلفا بعد الزراعة والنبات فالقول لرب الأرض مع يمينه والبينة للآخر، وإن كان البذر من قبل العامل فالقول له والبينة للآخر بعد عقد المزارعة وقبلها يتحالفان، وبدئ بيمين رب الأرض، وأما لو اختلفا في الجواز والفساد فهو على ثلاثة أوجه‏:‏ أما إن اختلفا قبل الزراعة فالقول لمدعي الفساد، وإن اختلفا بعد الزراعة فالقول لصاحب البذر هذا إذا كان البذر من قبل العامل فإن كان من قبل رب الأرض فاختلفا فالقول للعامل والبينة لرب الأرض سواء اختلفا قبل الزرع، أو بعده، وأما لو اختلفت ورثتهما بعد موتهما فإما أن يختلفا في مقدار الأنصباء والبذر من قبل العامل فالقول لورثة صاحب الأرض والبينة للآخر، وإن كان البذر من رب الأرض فالقول لورثة صاحب البذر والبينة للآخر، وإن أقاما معا بينة فبينة صاحب البذر أولى، وإن اختلفا في صاحب البذر كان القول قول ورثة المزارع والبينة للآخر، وإن اختلفا في البذر، وفي شرط وأقاما بينة فالبينة بينة رب الأرض، ولو مات المزارع بعد الاستحصاد ولم يدر ما فعل بحصة المزارع فضمان حصة المزارع في ماله لأنه مات مجهلا للوديعة ولو مات العامل بعدما انتهت الثمرة فلم يوجد في النخل شيء إن علم خروج الثمرة ضمن حصة الآخر، وإلا فلا كذا في المحيط وتفاصيله تطلب منه ا هـ‏.‏ والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏

كتاب الذبائح

قال جمهور الشراح‏:‏ المناسبة بين المزارعة والذبائح كونها إتلافا في الحال للانتفاع في المآل فإن المزارعة إتلاف الحب في الأرض للانتفاع بما ينبت منها، والذبح إتلاف الحيوان بإزهاق روحه للانتفاع به بعد ذلك قيل هذا إنما يقتضي تعقيب المزارعة بالذبائح دون تعقيب المساقاة وأجيب بأن المساقاة كالمزارعة في غالب الأحكام فكانت المناسبة المذكورة بين المزارعة والذبائح لدخول المساقاة في المزارعة ضمنا فاكتفي بذلك، ويحتاج إلى معرفة تفسير الذكاة لغة وشرعا وركنها وشرط جوازها وحكمها‏.‏ أما تفسيرها لغة فهي إما مشتقة من الحدة يقال سراج ذكي إذا كان يراه في غاية الحدة ويقال فلان ذكي إذا كان سريع الفهم والإدراك لحدة خاطره وفهمه ويقال مسك ذكي إذا كان طيب الرائحة يقوم منه الريح، وإما مشتقة من الطهارة قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ «دباغ الأديم ذكاة» أي طهارته وقال‏:‏ «ذكاة الأرض يبسها» أي طهارتها، وكلا المعنيين موجود في الذكاة فإن فيها حدة من حيث إنها مسرعة إلى الموت وتطهر الحيوان عن الدماء المسفوحة والرطوبات السائلة النجسة، وأما ركنها فهو القطع، والجرح، وأما شرطها فأربعة‏:‏ آلة قاطعة جارحة، والثاني كون الذبح ممن له ملة حقيقة كالمسلم، أو ادعاء كالكافر، والثالث كون المحل من المحللات إما من كل وجه كمأكول اللحم أو من وجه كغيره وهو ما يباح الانتفاع بجلده وشعره، والرابع التسمية عندنا لما سيأتي، وأما حكمها فطهارة المذبوح وحل أكله إن كان من المأكولات وطهارة عينه للانتفاع إذا كان لا يؤكل كذا في المحيط، وأما شرعا فهو قوله‏:‏ والذبح إلى آخره، وترجم بالذبائح والظاهر أنه أراد بالذبائح الذبح الذي هو الذكاة والمؤلف أبقاه على ظاهره فلذا قال‏:‏ ‏(‏هي جمع ذبيحة وهي اسم لما يذبح‏)‏ يعني‏:‏ الذبائح جمع ذبيحة والذبيحة اسم للشيء المذبوح ولا يخفى أن المناسب أن يترجم بالذبح لأنه فعل والمكلف إنما يبحث عن الأفعال أولا بالذات لا عن الأعيان إلا بطريق التبع وقوله‏:‏ جمع ذبيحة الأولى تركه لأن الفقيه لا يبحث عن الإفراد والجمع وإنما يبحث عن الأحكام‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والذبح قطع الأوداج‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أفر الأوداج بما شئت» والمراد الحلقوم والمريء والودجان، وإنما عبر عنه بالأوداج تغليبا وبه يحل المذبوح لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ ولأن المحرم هو الدم المسفوح وبالذبح يقع التمييز بينه وبين اللحم فيطهر به إن كان غير مأكول ويقال‏:‏ ذكاء السن بالمد لنهاية الشباب، وذكاة النار بالقصر لتمام اشتعالها، وهي اختيارية واضطرارية فالأول الجرح ما بين اللبة واللحيين والثاني الجرح في أي موضع كان من البدن وهذا كالبدل عن الأول لأنه لا يصار إليه إلا عند العجز عن الأول وإنما كان كذلك لأن الأول أبلغ في إخراج الدم من الثاني فلا يترك إلا بالعجز عنه ويكتفى بالثاني للضرورة لأن التكليف بحسب الوسع وذهب العراقيون من مشايخنا إلى أن الذبح محظور عقلا لما فيه من إيلام الحيوان ولكن الشرع أحله قال شمس الأئمة السرخسي في المبسوط‏:‏ وهذا عندي باطل لأنه عليه الصلاة والسلام كان يتناول اللحم قبل البعثة ولا يظن به أنه كان يأكل ذبائح المشركين لذبحهم بأسماء آلهتهم فعرفنا أنه كان يصطاد ويذبح بنفسه وما كان يفعل ما هو المحظور عقلا كالكذب والظلم والسفه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل ذبيحة مسلم وكتابي‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم‏}‏ والمراد به ذبائحهم لأن مطلق الطعام غير المذكى يحل من أي كافر ولا يشترط أن يكون من أهل الكتاب ولا فرق في الكتابي بين أن يكون ذميا، أو حربيا، ويشترط أن لا يذكر فيه غير الله تعالى حتى لو ذكر الكتابي المسيح، أو عزيرا لا يحل لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أهل به لغير الله‏}‏ وهو كالمسلم في ذلك فإنه لو أهل به لغير الله لا يحل قال في العناية الكتابي إذا أتى بالذبيحة مذبوحة أكلنا فلو ذبح بالحضور فلا بد من الشرط وهو أن لا يذكر غير اسم الله ولا فرق في الذابح بين أن يكون صبيا، أو مجنونا قال في النهاية المراد بالمجنون المعتوه لأن المجنون لا قصد له ولا بد من التسمية وهي القصد وهو أن يعقلها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وصبي وامرأة وأخرس وأقلف‏)‏ يعني تحل ذبيحة هؤلاء والمراد بالصبي الذي يعقل التسمية ويضبط، وإن لم يكن كذلك لا يحل لأن التسمية على الذبيحة شرط بالنص وذلك بالعقد وصحة العقد بالمعرفة والضبط هو أن يعلم شرائط الذبح من فري الأوداج والتسمية والمعتوه كالصبي إذا كان ضابطا والقلفة ولا الفراسة لا تحل بذلك فيحل والأخرس عاجز عن الذكر فيكون معذورا وتقوم الملة مقامه كالناسي بل أولى لأنه ألزم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا مجوسي ووثني ومرتد ومحرم وتارك التسمية عمدا‏)‏ يعني لا تحل ذبيحة هؤلاء أما المجوسي فلقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «سنوا بهم سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم» ولأنه ليس له دين سماوي فانعدم التوحيد اعتقادا ودعوى، والوثني كالمجوسي فيما ذكرنا لأنه مشرك مثله، وأما المرتد فلأنه لا يقر على ما انتقل إليه ولهذا لا يجوز نكاحه بخلاف اليهودي إذا تنصر وبالعكس أو تنصر المجوسي، أو تهود لأنه يقر على ما انتقل إليه عندنا فتؤكل ذبيحته ولو تمجس اليهودي لا تؤكل ذبيحته ولا فرق في المرتد بين أن يرتد إلى دين اليهودية أو النصرانية، أو إلى غير ذلك كذا في شرح الطحاوي والمتولد بين الكتابي والمجوسي يعتبر كتابيا، وأما المحرم فالمراد به في حق الصيد لأن ذبيحته في حق الصيد لا تؤكل لأن فعله فيه غير مشروع وكذا الحلال في حق صيد الحرم وكذا الكتابي لو ذبح صيدا في الحرم لا يحل أكله، وأما تارك التسمية عمدا فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه‏}‏ ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل» الحديث وقال الشافعي تؤكل قيدنا بقولنا عمدا لأنه لو ترك التسمية ناسيا يحل أكلها وهو مذهب علي وابن عباس وقال أبو يوسف والمشايخ‏:‏ إن متروك التسمية عمدا لا يسوغ فيه الاجتهاد حتى لو قضى القاضي بجواز بيعه لا ينفذ قضاؤه لكونه مخالفا للإجماع، ولو ذبح شاتين فسمى على الأولى دون الثانية تحل الأولى دون الثانية ولو رمى سهما إلى صيود فأثخن الكل يكفيه تسمية واحدة، وإن حصل بها ذكاة صيود كثيرة، فأما ذبح الشاة الثانية فلا بد له من تسمية ثانية حتى لو أضجع شاتين إحداهما على الأخرى وذبحهما بحديدة يحلان بتسمية واحدة ولو أضجع شاة ليذبحها، ثم ألقى تلك السكين وأخذ سكينا أخرى فذبح بها لا بأس به بخلاف ما لو أخذ سهما فوضع ذلك ورفع آخر ولم يسم لم يحل أكله لأن التسمية في الذكاة الاختيارية مشروعة على الذبح لا على آلته والذبيحة لم تتغير، وفي الذكاة الاضطرارية التسمية على الآلة لا على الذبيحة والآلة قد تغيرت وعن أبي يوسف ولو أضجع شاة وسمى فأرسلها وأخذ غيرها وذبحها بتلك التسمية لم تجز ولو رمى إلى صيد فأصاب آخر يحل لما بينا‏.‏ سمى واشتغل بآخر إن كان قليلا كما لو كلم إنسانا، أو شرب ماء يحل، وإن كان طويلا فلا لأن إيقاع الذبح متصل بالتسمية بحيث لا يتخلل بينهما شيء ولا يمكن إلا بجرح فأقيم المجلس مقام الاتصال والعمل القليل لا يقطع المجلس فيكون مذبوحا على التسمية والكثير يقطع فيفصل بينهما فيكون مذبوحا بغير تسمية‏.‏ ولو قال‏:‏ بسم الله جاز، نوى، أو لم ينو؛ لأنه صريح في التسمية وظاهر حاله يدل على أنه أراد به التسمية على الذبيحة فيقع عنها ما لم يوجد منه الصرف عنها حتى لو أراد به التسمية على غيره كمن قال‏:‏ الله أكبر وأراد به إجابة الأذان لا افتتاح الصلاة ولم يصر شارعا فيها ولو سبح، أو حمد الله، أو كبر يريد به التسمية على الذبيحة تحل، وإلا فلا؛ لأن هذه الألفاظ كناية عن التسمية والكناية إنما تقوم مقام الصريح بالنية ولو قال‏:‏ بسم الله بغير هاء الله إن أراد به التسمية يحل، وإلا فلا؛ لأن العرب قد تحذف حرفا ترخيما كذا في المحيط، وفي التتمة رجل ذبح للضيف شاة فذكر اسم الله عليها فقال‏:‏ يحل أكله ولو ذبح لأجل قدوم الأمير أو قدوم واحد من العظماء وذكر اسم الله يحرم أكله لأنه ذبحها لأجله تعظيما له، وفي جامع الفتاوى ذبح شاة مجوسي لأجل بيت نارهم، أو ذبح كافر لآلهتهم لا تؤكل ذبيحتهم ولا فرق في الذابح بين أن يكون ذكرا أو أنثى حرا، أو عبدا صبيا، أو بالغا ناطقا أم أخرس أو أقلف‏.‏ ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل لو ناسيا‏)‏ يعني حل المذكى لو ترك التسمية ناسيا وقال مالك رحمه الله تعالى لا تحل لما ذكرنا من الدليل لأنه لا فصل فيه قلنا‏:‏ إن النسيان مرفوع الحكم بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان»، وفي اعتباره حرج والحرج مرفوع بالنص والنص غير مجرى على إطلاقه لأنه لو أريد به مطلقا لما جرت المحاججة بين السلف وارتفع الخلاف بينهم، وإقامة الملة مقام التسمية في حق الناسي لأنه معذور لا يدل على إقامتها في حق العامد لعدم عذره ولا يقال‏:‏ الآية مجملة لأنه لا يدرى هل أريد به حالة الذبح، أو حالة الطبخ، أو حالة الأكل لأنا نقول أجمع السلف على أن المراد بها حالة الذبح فتكون مفسرة فتم الاحتجاج بها، ثم التسمية في ذكاة الاختيار يشترط أن تكون عند الذبح قاصدا التسمية على الذبيحة، وفي الينابيع ولو سمى بالفارسية جاز‏.‏ وفي الأصل ولو ذبح الشاة وسمى فهو على ثلاثة أوجه‏:‏ إن لم يكن له نية، أو أراد التسمية على الذبيحة، وفي هذين الوجهين يجوز، وإن أراد غير التسمية على الذبيحة لا يجوز، وفي الحاوي سئل أبو القاسم عمن قال بسم الله ولم يذكر الهاء قال‏:‏ لا يجوز، وقال الفقيه‏:‏ إن لم يقصد ترك الهاء يجوز ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وكره أن يذكر مع اسم الله تعالى غيره وأن يقول عند الذبح‏:‏ اللهم تقبل من فلان، وإن قال قبل التسمية والإضجاع جاز‏)‏ وهذا النوع على ثلاثة أوجه‏:‏ أحدهما أن يذكره موصولا من غير عطف فيكره ولا تحرم الذبيحة مثل أن يقول‏:‏ بسم الله محمد رسول الله بالرفع لأن اسم الرسول غير مذكور على سبيل العطف فيكون مبتدأ لكن يكره لوجود الوصل صورة، وإن قال بالخفض لا يحل ذكره في النوادر وقال بعضهم هذا إذا كان يعرف النحو والأوجه أن لا يعتبر الإعراب بل يحرم مطلقا ومن هذا النوع أن يقول‏:‏ اللهم تقبل من فلان لأن الشركة لم توجد ولم يكن الذبح واقعا عليه ولكن يكره لما ذكرنا، والثاني أن يكون موصولا على سبيل العطف والشركة نحو أن يقول باسم الله واسم فلان أو باسم الله ومحمد بالجر تحرم الذبيحة؛ لأنه أهل به لغير الله لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما أهل به لغير الله‏}‏ ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «موطنان لا أذكر فيهما عند العطاس والذبح»، ولو رفع المعطوف على اسم الله يحل لأنه مبتدأ واختلفوا في النصب قيل يكره فيها بالاتفاق لوجود الوصل صورة‏.‏ الثالث أن يقول مفصولا عنه صورة ومعنى بأن يقول قبل أن يضجع الشاة، أو قبل التسمية، أو بعد الذبح اللهم تقبل هذا مني، أو من فلان وهذا لا يكره لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «أنه قال بعد الذبح اللهم تقبل هذا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ» وكان عليه الصلاة والسلام يقول إذا أراد الذبح «اللهم هذا منك ولك إن صلاتي ونسكي» إلخ والشرط هو الذكر الخالص حتى لو قال‏:‏ اللهم اغفر لي واكتفى لا يحل لأنه دعاء وسؤال ولو قال الحمد لله، أو سبحان الله وأراد به التسمية حل ولو عطس عند الذبح وقال الحمد لله لا يحل في الأصح لأنه أراد بذلك الحمد على النعمة دون التسمية وذكر الحلواني أن المستحب أن يقول باسم الله الله أكبر ثلاثا، وفي النوازل إذا قال بسم الله ومحمد بالخفض قال بعضهم على قياس ما روي عن محمد في باب الصلاة تحرم الذبيحة وكذا لو قال بسم الله وصلى الله على سيدنا ومحمد بالواو لو قال بغير واو حلت الذبيحة ولكن يكره، وفي خزانة الفقه رجلان ذبحا صيدا وسمى أحدهما وترك الآخر التسمية لم يحرم أكله، وفي الذخيرة والينابيع ولو ذبح شاة فسمى، ثم ذبح أخرى فظن أن التسمية الأولى تجزيه عنها لم تؤكل، وفي الحاوي جمع العصافير فذبح واحدة وسمى وذبح أخرى على إثره بتلك التسمية لا تؤكل ولو أمر السكين عليهم بتسمية واحدة جاز، وفي شرح الطحاوي‏:‏ وذبيحة أهل الكتاب إنما تؤكل إذا أتى بها مذبوحة وإن ذبح بين يديك فإن سمى الله تعالى لا بأس بأكلها وكذا إذا لم يسمع منه شيء، وإن سمى بسم المسيح وسمعه منه فلا يؤكل، وفي جامع الجوامع‏:‏ من اشترى لحما وعلم أنه ذبيحة مجوسي وأراد الرد فقال البائع‏:‏ الذابح مسلم لا يرد ويحل أكله مع الكراهية وفيه عن أبي يوسف‏:‏ ذئب أخذ حلقوم شاة وأوداجها فذبحها فأكلها إذا كانت تضطرب إذا سمى تحل ولو انفلتت الشاة، أو البقر من يده وقامت من مضجعها ثم أعادها إلى مضجعها اكتفى بتلك التسمية، وإن ذبح الذابح وسمى صاحب الأضحية، أو غيره لم يجز ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والذبح بين الحلقة واللبة‏)‏ بفتح اللام وتشديد الباء الموحدة، وفي الجامع الصغير لا بأس بالذبح في الحلق كله وأعلاه وأسفله والأصل فيه ما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «الذكاة في الحلق» ولأنه مجمع مجرى النفس ومجرى الطعام ومجرى العروق فيحصل بقطعه المقصود على أبلغ الوجوه وهو إنهار الدم والتقييد بالحلق واللبة يفيد أنه لو ذبح أعلى من الحلقوم، أو أسفل منه يحرم لأنه أهل في غير محل الذكاة ذكره في الواقعات، وفي فتاوى السمرقندي ونقل في النهاية عن الإمام الرستغفني رحمه الله تعالى سئل عمن ذبح شاة فبقيت عقدة الحلقوم مما يلي الصدر وكان يجب أن يبقى غير ما يلي الرأس أيؤكل أم لا‏؟‏ قال‏:‏ هذا قول العوام من الناس وليس هذا بمعتبر ويجوز أكلها سواء كانت العقدة مما يلي الصدر، أو مما يلي الرأس قال لأن المعتبر عندنا قطع الأوداج وقد وجد وذكر أن شيخه كان يفتي به وهذا مشكل فإنه لم يوجد فيه قطع الحلقوم ولا المريء وأصحابنا رضي الله عنهم، وإن شرطوا قطع الأكثر فلا بد من قطع أحدهما عند الكل، وإذا بقي شيء من عقدة مما يلي الرأس لم يحصل قطع واحد منهما فلا يؤكل بالإجماع، وفي الواقعات لو قطع الأعلى، أو الأسفل ثم علم بها فقطع مرة أخرى الحلقوم من قبل أن يموت ينظر فإن قطع بتمامه لا يحل لأن موته بالأول أسرع منه بالقطع الثاني، وإلا حل وذكر في فتاوى أهل سمرقند‏:‏ قصاب ذبح شاة في ليلة مظلمة فقطع أعلى من الحلقوم، أو أسفل منه يحرم أكلها ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والمذبح المريء والحلقوم والودجان‏)‏ لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال «أفر الأوداج بما شئت» وهي عروق الحلق في المذبح والمريء مجرى الطعام والشراب والحلقوم مجرى النفس والمراد بالأوداج كلها وأطلق عليه تغليبا، وإنما قلنا ذلك لأن المقصود يحصل بقطعهن وهو إزهاق الروح، وإخراج الدم لأنه بقطع المريء والحلقوم يحصل الإزهاق وبقطع الودجين يحصل إنهار الدم ولو قطع الأوداج وهي العروق من غير قطع المريء والحلقوم لا يموت فضلا عن التوجه فلا بد من قطعهما ليحصل التوجه ولا بد من قطع الودجين، أو أحدهما ليحصل إنهار الدم، وفي المحيط والمريء وهو مجرى النفس والودجان مجرى الدم والحلقوم مجرى الطعام والشراب ولو خر عنق شاة بسيف من قبل الأوداج وسمى يحل لأنه أتى بالذكاة وزيادة وقد أساء لأنه جاوز النخاع ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وقطع الثلاث كاف‏)‏ والاكتفاء بالثلاث مطلقا هو قول الإمام وقول أبي يوسف أولا وعن أبي يوسف أنه يشترط قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين وعن محمد لا بد من قطع الأكثر من كل واحد من هذه الأربعة وأجمعوا أنه يكتفى بقطع الأكثر من هذه العروق الأربعة فأما الحلقوم والمريء فمخالفان للأوداج وكل واحد منهما مخالف للآخر فلا بد من قطعهم وأبو حنيفة يقول‏:‏ الأكثر يقوم مقام الكل، وفي التتمة سئل أبو علي عن انتزاع السبع رأس الشاة وفيها حياة هل تحل بالذكاة، وإن كانت تتحرك‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو بظفر وقرن وعظم وسن منزوع وليطة ومروة وما أنهر الدم إلا سنا وظفرا قائمين‏)‏ يعني يكفي في الحل بما ذكر لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «كل ما أنهر الدم وأفرى الأوداج» ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أفر الأوداج بما شئت» وما روي من المنع في الظفر والسن محمول على غير المشروع فإن الحبشة كانوا يفعلون ذلك إظهارا للجلد والمشروع آلة جارحة فيحصل به المقصود وهو إنهار الدم، والليطة القصب الفارسي، والمروة الحجر الذي له حد والدليل على جواز الذبح بهما ما روي عن عدي بن حاتم قال «قلت يا رسول الله نجد الصيد وليس معنا سكين إلا المروة وشقة العصا فقال عليه الصلاة والسلام‏:‏ أفر الأوداج بما شئت واذكر اسم الله» رواه البخاري والظفر والسن المنزوع آلة جارحة بخلاف غير المنزوع لأن الذبح به يكون بالثقل لا بالآلة ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وندب حد شفرته‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته» رواه مسلم وغيره ويكره أن يضجعها، ثم يحد الشفرة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لمن أضجع الشاة وهو يحد شفرته لقد أردت أن تميتها موتتين هلا حددتها قبل أن تضجعها» الحديث، والآلة على ضربين؛ قاطعة وغير قاطعة، والقاطعة على ضربين؛ حادة وكليلة، فالحادة اختيارية وضرورية فالحادة يجوز الذبح بها من غير كراهة والكليلة يجوز الذبح بها ويكره لما مر من الإبطاء في الإراقة كذا في المحيط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وكره النخع وقطع الرأس والذبح من القفاء‏)‏ النخع هو أن يصل النخاع وهو خيط أبيض في جوف عظم الرقبة وهو بالفتح، والضم لغة فيه، قال في النهاية‏:‏ ومن قال هو عرق أبيض فقد سها واعترضه صاحب العناية أن من سمى بما ذكر لم يغلط لأن أهل اللغة ذكروه بلفظ الخيط، وإنما كره «لنهيه عليه الصلاة والسلام عن أن ننخع الشاة إذا ذبحت» وتفسيره ما ذكرنا وقيل أن يمد رأسها حتى يظهر مذبحها وقيل أن يكسر رقبتها قبل أن تسكن من الاضطراب وكل ذلك مكروه وفي قطع الرأس زيادة تعذيب فيكره ويكره أن يجر ما يريد ذبحه وأن يسلخ قبل أن يبرد، ويؤكل في جميع ذلك لأن الكراهة لمعنى زائد وهو زيادة الألم فلا يوجب الحرمة ويكره أن يذبحها موجهة لغير القبلة لمخالفة السنة في توجيهها للقبلة وتؤكل، وفي الذبح من القفا زيادة ألم فيكره ويحل لما ذكرنا إذا بقيت حية حتى يقطع العروق لتحقق الموت بالذكاة، وإن ماتت قبل قطع العروق لا تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وذبح صيد استأنس وجرح نعم توحش أو تردى في بئر‏)‏ الواو عاطفة على قوله ‏"‏ وحل ذبيحة مسلم ‏"‏، وذبح صيد يعني وحل أكل صيد استأنس بالذبح وهو الذكاة الاختيارية لقدرته عليها وحل أكل نعم توحش، أو تردى بالجرح لعجزه عن الذكاة الاختيارية هذا إذا علم أنه مات من الجرح، وإن علم أنه لم يمت من الجرح لم يؤكل فإن أشكل ذلك أكل لأن الظاهر الموت به وكذا الدجاجة إذا تعلقت على شجرة وخاف موتها صارت ذكاتها بالجرح، وفي الكتاب أطلق فيما توحش من النعم وكذا فيما تردى فشمل ما إذا كان في المصر والصحراء وعن محمد أن الشاة إذا ندت في المصر لا تحل بالعقر، وإن ندت في الصحراء تحل بالعقر لتحقق العجز عن الذكاة الاختيارية، وفي البقر والإبل يتحقق العجز سواء ندت في المصر، أو في الصحراء فتحل بالعقر، والصائل كالناد إذا كان لا يقدر على أخذه حتى لو قتله المصول عليه وهو يريد ذكاته وسمى حل أكله خلافا لمالك ولنا ما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام كان في سفر فند بعير من الإبل ولم يكن معهم حبل فرماه رجل منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها فافعلوا به هكذا» رواه البخاري ومسلم ولأنه قد تحقق العجز عن الذكاة الاختيارية فصار إلى البدل، وفي النوازل لو أن بقرة تعسر عليها الولادة فأدخل صاحبها يده وذبح الولد حل أكله وإن جرحها في غير موضع الذبح إذا كان لا يقدر على ذبحه يحل، وإن كان يقدر لا يحل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط فإن أصاب قرنه، أو ظفره، أو حافره فإن أدماه ووصل للحم حل أكله وإلا فلا لأن الذكاة تصرف في محل الحياة، وإن أبان عنه غير الرأس فمات يؤكل كله إلا ما أبان من الحي فهو ميت ولا يظهر فيه حكم الذكاة ولا كذلك إذا بان الرأس لأنه لا يتصور حياة الجسد مع إبانة الرأس، وإن تعلق منه جلدة فإن كان يلتئم ويتبدل لو تركه حل أكله، وإلا فهو مبان ولو قطع الصيد نصفين طولا وعرضا حل ولو أبان طائفة من الناس البدن إن كان أقل من النصف لا يحل المبان، وإن كان النصف يحل كلاهما ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وسن نحر الإبل وذبح البقر والغنم وكره عكسه وحل‏)‏ وإنما كان هذا الفعل مسنونا لأنه هو المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏فصل لربك وانحر‏}‏ قالوا‏:‏ المراد نحر الجزور، وفي البقر والغنم الذبح أيسر، وفي الإبل النحر أيسر، وإنما كره العكس لترك السنة، والنحر قطع العروق في أسفل العنق عند الصدر والذبح قطع العروق من أعلى العنق تحت اللحيين، وفي الجامع الصغير والسنة في النحر أن ينحر قائما، وفي الشاة والبقر أن تذبح مضطجعة ا هـ‏.‏ وفيه أيضا ولا بأس بالذبح في الحلق كله أسفله وأوسطه وأعلاه لأن ما بين اللبة واللحيين هو الحلق ولأن كله مجتمع العروق فصار حكم الكل واحدا فإن قلت هذا ينافي ما تقدم من التقييد قلنا‏:‏ لا لأن النحر في أسفله‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولم يذك جنين بذكاة أمه‏)‏ يعني لا يصير الجنين مذكى بذكاة أمه حتى لا يحل أكله بذكاتها وهذا عند الإمام وزفر والحسن رحمهما الله تعالى وقال أبو يوسف ومحمد وجماعة أخرى إذا تم خلقه حل أكله بذكاتها لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ذكاة الجنين ذكاة أمه» ولقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لما قيل له‏:‏ إنا ننحر الناقة ونذبح الشاة، وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله قال‏:‏ كله إن شئت فإن ذكاته ذكاة أمه» ولأنه جزء من أمه حقيقة لكونه متصلا بها حكما حتى يدخل في الأحكام الواردة على الأم من البيع والهبة والعتق وللإمام قوله تعالى إن الله حرم الميتة وهو اسم لحيوان مات من غير ذكاة والجنين مات حتف أنفه فيحرم بالكتاب ويكره ذبح الشاة إذا تقارب ولادتها لأنه يضيع ما في بطنها‏.‏ الدجاجة إذا تعلقت فرماها وأصابها ينظر إن كان لا يهتدي إلى منزله حل أكله لأنه عجز عن الذكاة الاختيارية، وإن كان يهتدي ذكر الفقيه أبو الليث إن أصاب المذبح حل، وإن أصاب غيره فعند محمد لا يحل وعن غيره يحل‏.‏ ا هـ‏.‏ والله تعالى أعلم‏.‏

فصل فيما يحل ولا يحل

لما ذكر أحكام الذبائح شرع في تفصيل المأكول منها وغير المأكول، إذ المقصود الأصلي من شرع الذبائح التوصل إلى الأكل وقدم الذبح لأنه وسيلة الشيء فتقدم عليه في الذكر‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يؤكل ذو ناب ولا مخلب من سبع وطير‏)‏ يعني لا يحل أكل ذي ناب من سباع البهائم وذي مخلب من سباع الطير لما روى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «نهى عن أكل ذي ناب ومخلب من سبع وطير» رواه مسلم والجماعة والسباع جمع سبع وهو كل مختطف منتهب جارح قاتل عادة والمراد بذي المخلب ما له مخلب هو سلاح وهو مفعل من الخلب وهو مزق الجلد ويعلم بذلك أن المراد بذي مخلب هو سباع الطير لأن كل ما له مخلب وهو الظفر كما أريد به في ذي ناب من سباع البهائم لا كل ما له ناب ولأن طبيعة هذه الأشياء مذمومة شرعا فيخشى أن يتولد من لحمها شيء من طباعها فيحرم إكراما لبني آدم وهو نظير ما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال‏:‏ «لا ترضع لكم الحمقاء فإن اللبن يغذي ويدخل» في الحديث الضبع والثعلب لأن لهما نابا وما روي أنه عليه الصلاة والسلام أباح أكلها محمول على الابتداء ويدخل فيه الفيل أيضا لأنه ذو ناب واليربوع وابن عرس من سباع الهوام والرخمة والبغاث لأنهما يأكلان الجيف والرخم جمع رخمة وهو طائر أبقع يشبه النسر في الخلقة يقال له الأنوف والبغاث مائل إلى الغبرة دون الرخم بطيء الطيران كذا في الصحاح قال‏:‏ والسباع الأسد والذئب والنمر والفهد والثعلب والضبع والكلب والفيل والقرد واليربوع وابن عرس والنسور الأهلي والبري ومن الطير الصقر والباز والعقاب والنسر والشاهين ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل غراب الزرع‏)‏ لأنه يأكل الحب وليس من سباع الطير ولا من الخبائث قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا الأبقع - الذي يأكل الجيف - والضبع والضب والزنبور والسلحفاة والحشرات والحمر الأهلية والبغل‏)‏ يعني‏:‏ هذه الأشياء لا تؤكل أما الغراب الأبقع فلأنه يأكل الجيف فصار كسباع الطير والغراب ثلاثة أنواع‏:‏ نوع يأكل الجيف فحسب فإنه لا يؤكل، ونوع يأكل الحب فحسب فإنه يؤكل، ونوع يخلط بينهما وهو أيضا يؤكل عند الإمام وهو العقعق لأنه يأكل الدجاج وعن أبي يوسف أنه يكره أكله لأنه غالب أكله الجيف، والأول أصح قال في النهاية‏:‏ ذكر في بعض المواضع أن الخفاش يؤكل وذكر في بعضها أنه لا يؤكل لأن له نابا، وأما الضبع فلما روينا وبينا ولأنه يأكل الجيف فيكون لحمه خبيثا، وأما الضب والزنبور والسلحفاة والحشرات فلأنها من الخبائث وقد قال تعالى‏:‏ ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ وما روي من الإباحة محمول على ما قبل التحريم، ثم حرم الخبائث لأنه لم يكن محرما في الابتداء إلا ثلاثة أشياء على ما قاله الله تعالى‏:‏ ‏{‏قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما‏}‏ إلى آخر الآية ثم حرم بعد ذلك أشياء، وأما الحمر الأهلية فلما روى البخاري رحمه الله‏:‏ «حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية»، وأما البغل فلأنه من نسل الحمار فكان كأصله حتى لو كانت أمه فرسا فعلى الخلاف المعروف في الخيل لأن المعتبر هو الأم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل الأرنب‏)‏ «لأنه عليه الصلاة والسلام أمر أصحابه أن يأكلوه حين أهدي إليه مشويا» رواه أحمد والنسائي ولأنه ليس من السباع ولا يأكل الجيف فأشبه الظبي‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وذبح ما لا يؤكل لحمه يطهر لحمه وجلده إلا الآدمي والخنزير‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله تعالى الذكاة لا تؤثر في جميع ذلك لأن أثر الذكاة في إباحة اللحم أصل، وفي طهارته وطهارة الجلد تبع ولا تبع دون الأصل فصار نظير ذبح المجوس ولنا أن الذكاة مؤثرة في إزالة الرطوبات النجسة فإذا زالت طهرت كما في الدباغ وهذا الحكم مقصود في الجلد كالتناول في اللحم، وفعل المجوسي غير معتد به فلا بد من الدباغ وكما يطهر لحمه يطهر شحمه أيضا حتى لو وقع في الماء القليل لا يفسده وهل يجوز الانتفاع به لغير الأكل قيل لا يجوز اعتبارا بالأكل وقيل يجوز كالزيت إذا خالطه شحم الميتة والزيت غالب فإنه ينتفع به في غير الأكل، والخنزير لا يؤثر فيه الدباغ لنجاسته، والآدمي لكرامته، وفي رواية لا يطهر بالذكاة لحم ما لا يؤكل لحمه والجلد يطهر هو الصحيح وقد مر في كتاب الطهارة ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يؤكل مائي السمك غير طاف‏)‏ وقال مالك رحمه الله تعالى‏:‏ يؤكل جميع حيوان الماء واستثنى بعضهم الخنزير والسباع والكلب والآدمي وعن الشافعي رحمه الله تعالى أباح ذلك كله وقال صاحب الهداية والخلاف في الأكل والبيع واحد وينبغي أن يجوز بيعه بالإجماع لطهارته، لهم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أحل لكم صيد البحر‏}‏ من غير فصل ولأنه لا دم في هذه الأشياء لأن الدموي لا يسكن الماء والمحرم هو الدم فأشبه السمك وروى جابر «أنهم أصابهم جوع شديد في الغزو فألقى البحر حوتا ميتا يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر قال‏:‏ فلما قدمنا المدينة وذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله لكم أطعمونا إن كان معكم» الحديث ولنا قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويحرم عليهم الخبائث‏}‏ وهذا منها قال في النهاية إن كراهة الخبائث تحريمية وما سوى السمك خبيث ونهى عليه الصلاة والسلام عن دواء اتخذ فيه الضفدع ونهى عن بيع السرطان، والميتة المذكورة فيما تلي محمولة على حالة الاضطرار وهو مباح فيما لا يحل أكله والميتة والمذكاة فيهما سواء وقوله‏:‏ عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أحل لنا ميتتان؛ السمك والجراد، ودمان؛ الكبد والطحال» لا دليل لهم في هذا الحديث لأن المراد بالميتة ما ألقاه البحر حتى يكون موته مضافا إلى البحر ولا يتناول ما مات فيه بمرض، أو نحوه، وأما الطافي فيكره أكله لقول جابر إنه عليه الصلاة والسلام قال‏:‏ «ما نضب عنه الماء فكلوا وما طفا فلا تأكلوه» وهو حجة على مالك في إباحة الطافي فالأصل في هذا ما عرف سبب موته كلفظ البحر، أو يحبسه في مكان كالحظيرة الصغيرة بحيث يمكن أخذه من غير حيلة، أو ابتلاع سمكة، أو بقتل طير الماء إياها، أو إجماد الماء عليها حل أكلها لأن سبب موتها معلوم ولو ماتت من شدة حر الماء، أو برده أو انحسر الماء عن بعضه ومات روى هشام عن محمد إن كان رأسه على الماء لا يؤكل، وإن كان ذنبه في الماء ورأسه انحسر عنه الماء أكل لأن خروج رأسه من الماء سبب لموته فكان معلوما بخلاف خروج ذنبه فحاصله أن الشرط فيه أن يعلم سبب موته حتى لو أبان عضوا يضره فإنه يؤكل ويؤكل العضو أيضا‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وحل بلا ذكاة كالجراد‏)‏ يعني يحل السمك بلا ذكاة كالجراد لما روينا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو ذبح شاة فتحركت، أو خرج الدم حلت، وإلا لم يدر حياته‏)‏ لأن الحياة، أو خروج الدم لا يكونان إلا من الحي لأن الميت لا يتحرك ولا يخرج منه الدم فيكون وجودهما أو وجود أحدهما دليل الحياة فيحل، وعدمهما علامة الموت فلا يحل وذكر محمد بن مقاتل إن خرج الدم ولم تتحرك لا تحل؛ لأن الدم لا يجمد عند الموت فيجوز بخروج الدم وهذا سيأتي في المنخنقة والمتردية والنطيحة والتي بقر الذئب بطنها لأن ذكاة هذه الأشياء تحلل وإن كانت حياته خفية في ظاهر الرواية لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا ما ذكيتم‏}‏ وعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنها تحل إذا كانت بحال تعيش يوما لولا الذكاة، وعن الثاني إن كان لا يعيش مثلها لا تحل وعن محمد إن كانت بحال يعيش فوق ما يعيش المذبوح حل، وإلا فلا ولو ذبح شاة مريضة ولم يتحرك منها إلا فرهها قال محمد بن سلمة‏:‏ إن فتحت فاها لا تؤكل، وإن ضمته تؤكل، وإن فتحت عينها لا تؤكل، وإن ضمت عينها أكلت، وإن مدت رجلها لا تؤكل، وإن ضمتها تؤكل، وإن قام شعرها تؤكل، وإن نام لا تؤكل وهذا صحيح لأن الحيوان يسترخي بالموت ففتح الفم والعين ومد الرجل ونوم الشعر علامة الموت لأنها استرخاء، وضم الفم وتغميض العين وقبض الرجل وقيام الشعر ليس باسترخاء بل حركات تختص بالحي فتدل على الحياة، وفي السراجية إذا شق الذئب بطن الشاة ولم يبق فيها من الحياة إلا بقدر ما يبقى في المذبوح بعد الذبح فذبحت حلت وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ ولو ذبحت شاة على سطح فوقعت فماتت تحل لأنها صارت مذكاة بقطع محل الذكاة كذا في المحيط وفيه أيضا إذا شق الذئب بطن الشاة إن كان فيها حياة مستقرة حلت بالإجماع، وإلا لا سواء عاش، أو لم يعش عند الإمام وهو الصحيح وعليه الفتوى ا هـ‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن علم حياته، وإن لم تتحرك ولم يخرج الدم‏)‏ يعني إذا علم حياة الشاة وقت الذبح حلت بالذكاة تحركت أو لا خرج منها دم، أو لا كذا في المحيط والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏