فصل: باب إقرار

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب دعوى الرجلين

لما فرغ من بيان دعوى الواحد ذكر دعوى ما زاد عليه قوله ‏(‏برهنا على ما في يد واحد آخر قضي لهما‏)‏ لحديث تميم بن طرفة «أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناقة أقام كل واحد منهما البينة فقضى بها بينهما نصفين» وحديث القرعة كان في الابتداء ثم نسخ ولأن المطلق للشهادة في حق كل واحد منهما يحتمل الوجوه بأن يعتمد أحدهما سبب الملك والآخر اليد فصحت الشهادتان فيجب العمل بهما ما أمكن وقد أمكن بالتنصيف إذ المحل يقبله وإنما ينصف لاستوائهما في سبب الاستحقاق والضمير في قوله برهنا عائد على الرجلين أي الخارجين بقرينة على ما في يد آخر والمعنى على ملك ما في يد الآخر فالكلام في دعوى الخارجين الملك المطلق فخرج ما إذا ادعيا ملكا بسبب معين أو مقيد بتاريخ وسيأتي ومن هذا القبيل ما في منية المفتي أقاما بينة على عبد في يد رجل أحدهما بغصب والآخر بوديعة فهو بينهما ا هـ‏.‏ وأطلقهما فشمل ما إذا ادعيا الوقف في يد ثالث فيقضى بالعقار نصفين لكل وقف النصف وهو من قبيل دعوى الملك المطلق باعتبار ملك الواقف ولهذا قال في القنية دار في يد رجل أقام رجل عليه بينة أنها وقفت عليه وأقام قيم المسجد بينة أنها وقف المسجد فإن أرخا فهي للسابق منهما وإن لم يؤرخا فهي بينهما نصفان ا هـ‏.‏ ولا فرق في ذلك بين أن يدعي ذو اليد الملك فيها أو الوقف على جهة أخرى والحاصل أن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق ولهذا لو ادعى وقفية ما في يد آخر وبرهن فدفعه ذو اليد بأنه مودع فلان ونحوه وبرهن فإنها تندفع خصومة المدعي كما في الإسعاف فدعوى الوقف داخل في المسألة المخمسة وكما يقسم الدار بين الواقفين كذلك لو برهن كل على أن الواقف جعل له الغلة ولا مرجح فإنها تكون بينهما نصفين لما في الإسعاف من باب إقرار الصحيح بأرض في يده أنها وقف لو شهد اثنان على إقرار رجل بأن أرضه وقف على زيد ونسله وشهد آخران على إقراره بأنها وقف على عمرو ونسله تكون وقفا على الأسبق وقتا إن علم وإن لم يعلم أو ذكروا وقتا واحدا تكون الغلة بين الفريقين إنصافا ومن مات من ولد زيد فنصيبه لمن بقي منهم وكذلك حكم أولاد عمرو وإذا انقرض أحد الفريقين رجعت إلى الفريق الباقي لزوال المزاحم ا هـ‏.‏ وقيد بالبرهان منهما إذ لو برهن أحدهما فقط فإنه يقضى له بالكل فلو برهن الخارج الآخر يقضى له بالكل لأن المقضي له صار ذا يد بالقضاء له وإن لم تكن العين في يده حقيقة فتقدم بينة الخارج الآخر عليه كما سنذكره قريبا في دعوى الرجلين النكاح ولو لم يبرهنا حلف صاحب اليد فإن حلف لهما تترك في يده قضاء ترك لا قضاء استحقاق حتى لو أقام البينة بعد ذلك يقضى بها وإن نكل لهما جميعا يقضى به بينهما نصفين ثم بعده إذا أقام صاحب اليد البينة أنه ملكه لا تقبل وكذا إذا ادعى أحد المستحقين على صاحبه وأقام بينة أنها ملكه لا تقبل لكونه صار مقضيا عليه كذا في النهاية ومن أهم مسائل هذا الباب معرفة الخارج من ذي اليد وفي جامع الفصولين ادعى كل أنه في يده فلو برهن أحدهما يقبل ويكون الآخر خارجا ولو لا بينة لهما لا يحلف واحد منهما ولو برهن أحدهما على اليد وحكم بيده ثم برهن على الملك لا تقبل إذ بينة ذي اليد على الملك لا تقبل أخذ عينا من يد آخر وقال إني أخذته من يده لأنه كان ملكي وبرهن على ذلك تقبل لأنه وإن كان ذا يد بحكم الحال لكنه لما أقر بقبضه منه فقد أقر أن ذا اليد في الحقيقة هو الخارج ولو غصب أرضا وزرعها فادعى رجل أنها له وغصبها منه فلو برهن على غصبه وإحداث يده يكون هو ذا يد والزارع خارجا ولو لم يثبت إحداث يده فالزارع ذو يد والمدعي هو الخارج بيده عقار أحدث الآخر عليه يده لا يصير به ذا يد فلو ادعى عليه إنك أحدثت اليد وكان بيدي فأنكر يحلف ا هـ‏.‏ وبه علم أن اليد الظاهرة لا اعتبار بها ثم اعلم أنه قال في العمادية اعلم أن الرجلين إذا ادعيا عينا وبرهنا فلا يخلو إما أن يدعيا ملكا مطلقا أو إرثا أو شراء وكل قسم على ثلاثة إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد أحدهما وكل وجه على أربعة أقسام لأنه إما أن لا يؤرخا أو أرخا تاريخا واحدا أو أرخا وتاريخ أحدهما أسبق أو أرخ أحدهما لا الآخر وجملة ذلك ستة وثلاثون فصلا ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ إن هذا التقسيم ليس بحاصر والصواب أن يقال إذا ادعيا عينا فإما أن يدعيا ملكا مطلقا أو ملكا بسبب متحد قابل للتكرار أو غير قابل له أو مختلف أحدهما أقوى من الآخر أو مستويان من واحد أو من متعدد أو يدعي أحدهما الملك المطلق والآخر الملك بسبب أو أحدهما ما يتكرر والآخر ما لا يتكرر فهي تسعة وكل منها إما أن يبرهن أو يبرهن أحدهما فقط أو لا برهان لواحد منهما ولا مرجح أو لأحدهما مرجح فهي أربعة صارت اثنين وثلاثين وكل منها إما أن يكون المدعي في يد ثالث أو في يدهما أو في يد أحدهما فهي أربعة صارت مائة وثمانية وعشرين وكل منها على أربعة أما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا أو سبق أحدهما أو أرخ أحدهما صارت خمسمائة واثني عشر‏.‏

قوله ‏(‏وعلى نكاح امرأة سقطا‏)‏ أي لو برهنا على نكاح امرأة تهاترا لتعذر العمل بهما لأن المحل لا يقبل الاشتراك وإذا تهاترا فرق القاضي بينهما حيث لا مرجح كما في القنية وإذا تهاترا وكان قبل الدخول فلا شيء على كل واحد منهما كذا في منية المفتي أطلقه وهو مقيد بحياتهم أي المدعيين والمرأة أما لو برهنا عليه بعد موتها ولم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإنه يقضي بالنكاح بينهما وعلى كل واحد منهما نصف المهر وهما يرثان ميراث زوج واحد فإن جاءت بولد يثبت النسب منهما ويرث من كل واحد منهما ميراث ابن كامل وهما يرثان من الابن ميراث أب واحد كما في الخلاصة وفي منية المفتي ولا يعتبر فيه الإقرار واليد فإن سبق تاريخ أخذهما يقضى له ولو ادعيا نكاحها وبرهنا ولا مرجح ثم ماتا فإن لها نصف المهر ونصف الميراث من كل واحد منهما ولو ماتت قبل الدخول فعلى كل واحد منهما نصف المسمى ولو مات أحدهما فقالت المرأة هو الأول لها المهر والميراث كذا في الظهيرية وأطلق في النكاح فشمل ما إذا برهن أحدهما على العقد والآخر على إقرارها له به فلا ترجيح لكن بعد التهاتر لو برهن أحدهما على إقرارها بالنكاح يحكم له كما لو عاينا اعترافها لأحدهما به بعد التهاتر كذا في الظهيرية وفي العباب للشافعية وترجح بينة العقد على بينة إقرارها كبينة غصب على بينة إقرار ا هـ‏.‏ ولم أر الآن حكم المشبه به عندنا وفي منية المفتي ادعيا نكاح امرأة فأقرت لأحدهما ثم أقاما البينة لا يقضى لأحدهما كما لو لم تقر ا هـ‏.‏ وفي الهداية إذا أقرت لأحدهما قبل إقامة البينة فهي امرأته لتصادقهما فإن أقام الآخر البينة قضي بها لأن البينة أقوى من الإقرار ا هـ‏.‏ وقيد ببرهانهما معا لأنه لو برهن مدعي نكاحها وقضي له به ثم برهن الآخر على نكاحها لا تقبل كما في الشراء إذا ادعاه من فلان وبرهن عليه وحكم له به ثم ادعى الآخر شراءه من فلان أيضا وبرهن لا تقبل ويجعل الشراء المحكوم به سابقا كذا هنا ولو برهن على نسب مولود وحكم له به ثم ادعاه آخر وبرهن على ذلك لا يقبل وفي الملك المطلق لو برهن عليه أحد وحكم له به ثم ادعاه آخر وبرهن على ذلك يقبل ويحكم للثاني كذا في البزازية وهذا ما وعدنا به في مسألة الخارج إذا حكم له ثم ادعاه آخر وهذا ما قدمناه عن الفتاوى الصغرى من أن القضاء لا يكون على الكافة إلا في القضاء بالحرية والنسب والولاء والنكاح ولكن في النكاح شرط هو أن لا يؤرخا فإن أرخ المحكوم له ثم ادعاها آخر بتاريخ أسبق فإنه يقضى له ويبطل القضاء الأول وسبق منا أيضا اشتراط ذلك في الحرية الأصلية أيضا في باب الاستحقاق فكن على ذكر منه ينفعك كثيرا وقيد بدعوى الرجلين للاحتراز عما إذا أقام رجل البينة على امرأة أنه تزوجها وأقامت هي بينة على رجل أنه تزوجها فالبينة بينة الرجل كذا في الظهيرية واعلم أنه إذا ادعى نكاح صغيرة بتزويج الحاكم له لم تسمع إلا بشروط أن يذكر اسم الحاكم ونسبه وأن السلطان فوض إليه التزويج وأنه لم يكن لها ولي كما في البزازية ثم اعلم أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل هكذا في العمادية والظهيرية والولوالجية والبزازية وغيرها وفرعوا على الأول ما لو برهن الوارث على موت مورثه في يوم ثم برهنت امرأة على أن مورثه كان نكحها بعد ذلك اليوم يقضى لها بالنكاح وعلى الثاني لو برهن الوارث على أنه قتل يوم كذا فبرهنت المرأة على أن هذا المقتول نكحها بعد ذلك اليوم لا يقبل وعلى هذا جميع العقود والمداينات وكذا لو برهن الوارث على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه مات قبل هذا بزمان لا يسمع ولو برهن على أن مورثه قتل يوم كذا فبرهن المدعى عليه أنه قتله فلان قبل هذا بزمان يكون دفعا لدخوله تحت القضاء هذه عبارة البزازية وزاد الولوالجي موضحا للثانية بقوله ألا ترى أن امرأة لو أقامت البينة أنه تزوجها يوم النحر بمكة فقضى بشهودها ثم أقامت أخرى بينة أنه تزوجها يوم النحر بخراسان لا تقبل بينة المرأة الأخرى لأن النكاح يدخل تحت القضاء فاعتبر ذلك التاريخ فإذا ادعت امرأة أخرى بعد ذلك التاريخ بتاريخ لم يقبل ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية ادعى ضيعة في يد رجل أنها كانت لفلان مات وتركها ميراثا لفلانة لا وارث له غيرها ثم أن فلانة ماتت وتركتها ميراثا لي لا وارث لها غيري وقضى القاضي له بالضيعة فقال المقضي عليه دفعا للدعوى إن فلانة التي تدعي أنت الإرث عنها لنفسها ماتت قبل فلان الذي تدعي الإرث عنه لفلانة اختلفوا فيه بعضهم قالوا إنه صحيح وبعضهم قالوا إنه غير صحيح بناء على أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ا هـ‏.‏ وفيها قبله بعدما ذكر الفرق بين يوم الموت ويوم القتل قال غير أن مسألة أخرى ترد إشكالا على هذا وهي أن الرجل إذا ادعى على رجل أنه قتل أباه عمدا بالسيف منذ عشرين سنة وأنه وارثه لا وارث له سواه وأقام البينة على ذلك فجاءت امرأة ومعها ولد وأقامت البينة أن والد هذا تزوجها منذ خمسة عشر سنة وأن هذا ولده منها ووارثه مع ابنه هذا قال أبو حنيفة أستحسن في هذا أن أجيز بينة المرأة وأثبت نسب الولد ولا أبطل بينة الابن على القتل وكان هذا الاستحسان للاحتياط في أمر النسب بدليل أنها لو أقامت البينة على النكاح ولم تأت بالولد فالبينة بينة الابن وله الميراث دون المرأة وهذا قول أبي يوسف ومحمد ا هـ‏.‏ فقد علمت مما في الظهيرية استثناء مسألة من قولهم يوم الموت لا يدخل تحت القضاء على قول البعض واستثناء مسألة من قولهم يوم القتل يدخل فافهم وفي القنية من باب دفع الدعوى ادعى عليه شيئا أنه اشتراه من أبيه منذ عشر سنين والأب ميت للحال فأقام ذو اليد البينة أنه مات منذ عشرين سنة تسمع وقال عمر الحافظ لا تسمع قال أستاذنا رضي الله عنه والصواب جواب الحافظ فينبغي أن يحفظ فإنه كان يحفظ أن زمان الموت لا يدخل تحت القضاء ا هـ‏.‏ وهي ثانية تستثنى على قول البعض من قولهم يوم الموت لا يدخل أن زمان الموت لا يدخل وفي خزانة الأكمل بعدما ذكر أن يوم الموت لا يدخل ويوم القتل يدخل قال ولو أقام رجل البينة أن هذا قتل أبي يوم النحر بمكة وأقام أخو هذا المدعي بينة على رجل آخر أنه قتل أبي يوم النحر بالكوفة جازت ويحكم لكل واحد منهما بنصف الدية أما لو كان القاتل واحدا والمقتول اثنين لم تقبل ذكره في نوادر ابن رستم عن محمد ا هـ‏.‏ ثم قال ولو أقام رجل البينة أنه قتل أبي منذ سنة وأقام المشهود عليه بينة أن أباه صلى بالناس الجمعة الماضية قال أبو حنيفة الأخذ بالأحدث أولى إن كان شيئا مشهورا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ‏(‏وهي لمن صدقته أو سبقت بينته‏)‏ لأن النكاح مما يحكم به بتصادق الزوجين والتعبير بأو يفيد أن التصديق معتبر مرجح عند عدم التاريخ منهما أو مع استواء تاريخهما أو مع تاريخ أحدهما فإن السبق إنما هو فيما إذا أرخا وسبق تاريخ أحدهما وأطلق في اعتبار التصديق عند عدم السبق وهو مقيد بما إذا لم تكن في يد من كذبته ولم يكن دخل بها أما إذا كانت في يد الآخر أو دخل بها فلا اعتبار بالتصديق لأنه دليل على سبق عقده ولا يعتبران مع سبق تاريخ الآخر لكونه صريحا وهو يفوق الدلالة وقد علم بما قررناه أن أحدهما لو أرخ فقط فإنها لمن أقرت له وهو مصرح به في الخلاصة والبزازية كما لو أرخ أحدهما وللآخر يد فإنها لذي اليد كما في البزازية بخلاف ما إذا برهنا وأرخ أحدهما فقط ولا إقرار فهي لصاحب التاريخ كما فيهما أيضا فالحاصل كما في الخلاصة أنه لا يترجح أحدهما إلا بسبق التاريخ أو باليد أو بإقرارها له أو دخول أحدهما ا هـ وكان ينبغي أن يزيد أو بتاريخ من أحدهما فقط كما علمته‏.‏ والحاصل أن أحدهما إذا أرخ فقط قدم إن لم يكن إقرار للآخر ولا بد فإن وجد إقرار لأحدهما ويد للآخر قدم ذو اليد وفي الظهيرية لو دخل بها أحدهما وهي في بيت الآخر فصاحب البيت أولى‏.‏ والحاصل أن سبق التاريخ أرجح من الكل ثم اليد ثم الدخول ثم الإقرار ثم ذو التاريخ وأطلق في التصديق فشمل ما إذا سمعه القاضي أو برهن عليه مدعيه بعد إنكارها له كما في الخلاصة ولو قالت زوجت نفسي من زيد بعدما زوجت نفسي من عمرو وهما يدعيان فهي امرأة زيد عند أبي يوسف وعليه الفتوى كما هو في الخلاصة وهو نظير ما لو قال لأختين تزوجت فاطمة بعد خديجة فامرأته فاطمة عند أبي يوسف وخديجة عند محمد كما في الظهيرية ثم اعلم أن بعضهم عبر بإقرارها وبعضهم بتصديقها فالظاهر أنهما سواء هنا ولكن فرقوا بينهما فقال الشارح في باب اللعان فإن أبت حبست حتى تلاعن أو تصدقه وفي بعض نسخ القدوري أو تصدقه فتحد وهو غلط لأن الحد لا يجب بالإقرار مرة فكيف يجب بالتصديق مرة وهو لا يجب بالتصديق أربع مرات لأن التصديق ليس بإقرار قصدا فلا يعتبر في حق وجوب الحد ويعتبر في درئه فيندفع به اللعان ولا يجب به الحد ا هـ‏.‏ وقدمنا في باب حد القذف أنه لو قال لرجل يا زاني فقال له غيره صدقت حد المبتدئ دون المصدق ولو قال صدقت هو كما قلت فهو قاذف أيضا ا هـ‏.‏ وإنما وجب في الثانية للعموم في كاف التشبيه لا للتصديق فعلم بهذا أن الحد لا يجب بالتصديق فإن قلت لو قال لي عليك ألف فقال صدقت أيكون إقرارا ملزما للمال قلت نعم ينافي التلخيص لو قال لي عليك ألف فقال الحق أو الصدق أو اليقين فهو إقرار لأنه للتصديق عرفا وكذا لو أنكر إلى آخر ما فيه فإن قلت إذا شهد عليه واحد فقال هو صادق أو شهد اثنان فقال صدقتما أو فهما صادقان فهل يكون إقرارا قلت لم أرها الآن وينبغي أن لا يكون إقرارا إلا إذا قال فيما يشهد به أو شهدا به للاحتمال أما لو قال إن شهد علي اثنان فهو علي صرحوا بأنه لا يصح تعليق الإقرار وأنه لو قال إن حلف فعلى ما ادعى به فحلف لا يلزمه شيء فكذا هنا وفي الخانية إن شهد فلان فعلي لا يلزمه ا هـ‏.‏ ثم رأيته في شرح أدب القضاء للصدر الشهيد من باب المسألة عن الشهود عند الكلام على تعديل الخصم لو قال المدعى عليه بعدما شهد الشاهد هو عدل صادق كان إقرارا بخلاف ما لو قال الذي يشهد به على صدق لا يكون إقرارا وتمامه فيه‏.‏

قوله ‏(‏وعلى الشراء منه لكل نصفه ببدله إن شاء‏)‏ أي لو برهن الخارجان على الشراء من ذي اليد خير كل منهما إن شاء أخذ النصف بنصف الثمن وإن شاء ترك لأن القاضي يقضي به بينهما نصفين لاستوائهما في السبب فصار كفضوليين باع كل منهما من رجل وأجاز المالك البيعين فإن كلا منهما يخير لأنه تغير عليه شطر عقده فلعل رغبته في تملك الكل أشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن الخارجين لو برهن كل منهما على ذي اليد أنه أودعه الذي في يده فإنه يقضى به بينهما نصفين ثم إذا أقام أحدهما البينة على صاحبه أنه عبده لم تسمع ولو أقام أحدهما البينة على دعواه ولم يقم الآخر وأقام شاهدا واحدا أو شاهدين لم يزكيا فقضي بالعبد لصاحب البينة ثم أقام الآخر بينة عادلة على أن عبده أودعه الذي في يده أو لم يذكروا ذلك فإنه يقضى به للثاني على المقضي له وتمامه في خزانة الأكمل ويستفاد منه أحكام مسألة الكتاب فيما إذا أقام أحدهما بينة على الشراء وقضي له ثم أقام الآخر فإنه يقضى له على المقضي له بخلاف ما إذا برهنا وقضي بالتنصيف فبرهن أحدهما لم تسمع وقيد بكون كل منهما مدعيا للشراء فقط للاحتراز عما إذا ادعى أحدهما شراء وعتقا والآخر شراء فقط فإن مدعي العتق أولى فإن العتق بمنزلة القبض كذا في خزانة الأكمل وقيد بقوله منه لأنهما لو ادعيا الشراء من غير ذي اليد فسيأتي وقوله ببدله أي بنصف الثمن الذي عينه فإن ادعى أحدهما أنه اشتراه بمائة والآخر بمائتين أخذ الأول نصفه بخمسين والآخر نصفه بمائة ولم يذكر المؤلف رحمه الله أن الثمن منقود أولا لأنه لا فرق لكن إن برهن كل منهما على الشراء والنقد استرد نصف ما دفعه كما في خزانة الأكمل وظاهر إطلاقه أنه لا اعتبار بتصديق ذي اليد أحدهما وفي العمادية واقرار صاحب اليد لأحدهما لا يعتبر لأنه شهادة على قوله وفي فوائد جدي شيخ الإسلام برهان الدين إذا شهد البائع بالملك لمشتريه والعين في يد غيره بأن قال هذه العين ملكه لأني بعته منه أو قال كان ملكا لي وبعته منه فإن كان المدعي في دعواه ادعى الشراء منه لا تقبل لأنه شهادة على قول نفسه ا هـ‏.‏ وأفاد بإشارة كلامه مسألة التنازع في الميراث فلو ادعى كل من خارجين الميراث عن أبيه وبرهن قضي بها بينهما ولذا قال في خزانة الأكمل دار في يد رجل ادعاها رجلان أحدهما ابن أخ الذي في يده وأقام كل بينة أنها له ورثها عن أبيه فلان لا وارث له غيره فقبل أن يقضي القاضي مات العم ولم يترك وارثا غير ابن أخيه دفعت إليه ولم تبطل بينته فيقضي القاضي بالدار بينهما ثم إن أقام الأجنبي بينة بعده على أنها داره ورثها عن أبيه لم يصح فإن زكيت شهود الأجنبي ولم يزك شهود ابن الأخ فقضى بها للأجنبي فإن زكيت ببينة ابن الأخ بعده لم يقض بشيء وتمامه فيها قوله ‏(‏وبإباء أحدهما بعد القضاء لم يأخذ الآخر كله‏)‏ لأنه صار مقضيا عليه بالنصف فانفسخ البيع فيه لظهور استحقاقه بالبينة لولا بينة صاحبه قيد بقوله بعد القضاء لأنه قبل القضاء له أخذ الجميع لأنه يدعي الكل ولم يفسخ سببه والعود إلى النصف للمزاحمة ولم يوجد ونظيره تسليم أحد الشفيعين قبل القضاء ونظير الأول تسليمه بعد القضاء قوله ‏(‏وإن أرخا فللسابق‏)‏ لأنه أثبت الشراء في زمن لا ينازعه فيه أحد فاندفع الآخر به فإن كان البائع قبض الثمن منه رده إليه كما في السراج الوهاج قيد بكونهما أرخا لأنه لو أرخ أحدهما فقط فهو لصاحب الوقت لثبوت ملكه في ذلك الوقت واحتمل الآخر أن يكون قبله أو بعده فلا يقضى له بالشك وقيد بدعوى الشراء من واحد لأنه لو اختلف بائعهما لم يترجح أسبقهما تاريخا ولا المؤرخ فقط لأن ملك بائعهما لا تاريخ له ولأنهما لو ادعيا الملك المطلق ولم يدعيا الشراء من ذي اليد فلا ترجيح لصاحب التاريخ عند الإمام كما سيأتي قوله ‏(‏وإلا فلذي القبض‏)‏ أي وإلا يسبق تاريخ أحدهما ومع أحدهما قبض قدم برهانه لأن تمكنه من قبضه يدل على سبق شرائه ولأنهما استويا في الإثبات فلا تنقضي اليد الثابتة بالشك وظاهر الكتاب كما صرح به في المحيط تقديم صاحب القبض سواء أرخا واستوى تاريخهما أو لم يؤرخا وأرخت إحداهما فقط وإنما يتأخر صاحبه إذا سبق تاريخ غيره لأن الصريح يفوق الدلالة فاقتصار الشارح في قوله والأعلى ما إذا لم يؤرخا قصور ولي أشكال في عبارة الكتاب هو أن أصل المسألة مفروضة في خارجين ينازعان فيما في يد ثالث فإذا كان مع أحدهما قبض كان ذا يد تنازع مع خارج فلم تكن المسألة ثم رأيت في المعراج ما يزيله من جواز أن يراد أنه أثبت بالبينة قبضه فيما مضى من الزمان وهو الآن في يد البائع ا هـ‏.‏ إلا أنه يشكل ما ذكره بعده عن الذخيرة بأن ثبوت اليد لأحدهما بالمعاينة ا هـ‏.‏ والحق أنها مسألة أخرى وكان ينبغي إفرادها وحاصلها أن خارجا وذا يد ادعى كل الشراء من ثالث وبرهنا قدم ذو اليد في الوجوه الثلاثة والخارج في وجه واحد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والشراء أحق من الهبة‏)‏ أي لو برهن خارجان على ذي يد أحدهما على الشراء منه والآخر على الهبة منه كان الشراء أولى من الهبة لأن الشراء أقوى لكونه معاوضة من الجانبين ولأنه يثبت الملك بنفسه والملك في الهبة يتوقف على القبض قيد باتحاد الملك لهما إذ لو اختلفا استويا لأن كلا منهما خصم عن مملكه في إثبات ملكه وهما فيه سواء بخلاف ما إذا اتحد لاحتياجهما إلى إثبات السبب وفيه يقدم الأقوى قال في البزازية ادعى الشراء من رجل وادعى آخر هبة وقبضا من غيره والثالث إرثا من أبيه والرابع صدقة وقبضا من آخر غيره فهو بينهم أرباعا عند استواء الحجة إذ تلقوا الملك من مملكهم فكأنهم حضروا وبرهنوا على الملك المطلق ا هـ‏.‏ وأطلقه وهو مقيد بأن لا تاريخ لهما إذ لو أرخا مع اتحاد الملك كان الأسبق بخلاف ما إذا اختلف الملك ولو أرخت إحداهما فقط فالمؤرخة أولى وقيد بكونهما خارجين للاحتراز عما إذا كانت في يد أحدهما والمسألة بحالها فإنه يقضى للخارج إلا في أسبق التاريخ فهو للأسبق وإن أرخت إحداهما فقط فلا ترجيح لها كما في المحيط وإن كانت في أيديهما يقضى بينهما إلا في أسبق التاريخ فهي له كدعوى ملك مطلق وهذا إذا كان المدعى به مما لا يقسم كالعبد والدابة وأما فيما يقسم كالدار فإنه يقضى لمدعي الشراء لأن مدعي الهبة أثبت بالبينة الهبة في الكل ثم استحق الآخر نصفه بالشراء واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة تبطل الهبة بالإجماع فلا تقبل بينة مدعي الهبة فكان مدعي الشراء منفردا بإقامة البينة كذا في المحيط وفي العمادية والصحيح أنهما سواء لأن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن ا هـ‏.‏ وأطلق في الهبة وهي مقيدة بالتسليم كما في المحيط ومقيدة بأن لا تكون بعوض إذ لو كانت بعوض كانت بيعا كما في المحيط فإنه قال الهبة بعوض أولى من الرهن لأن الشراء يفيد الملك بعوض للحال والرهن لا يفيد الملك للحال فكان الشراء أقوى ا هـ‏.‏ ومقتضاه استواء الشراء والهبة بعوض ولم أر حكم الشراء الفاسد مع القبض والهبة مع القبض فإن الملك في كل منهما متوقف على القبض وينبغي تقديم الشراء للمعاوضة وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أن الشراء أحق من الصدقة وإلى استواء الصدقة المقبوضة بالهبة المقبوضة للاستواء في التبرع ولا ترجيح للصدقة باللزوم لأن أثر اللزوم يظهر في ثاني الحال وهو عدم التمكن من الرجوع في المستقبل والترجيح يكون بمعنى قائم في الحال والهبة قد تكون لازمة بأن كانت لمحرم والصدقة قد لا تلزم بأن كانت لغني وهذا فيما لا يحتمل القسمة اتفاقا وفيما يحتملها عند البعض لأن الشيوع طارئ وعند البعض لا يصح لأنه تنفيذ الهبة في الشائع فصار كإقامة البينتين على الارتهان وهذا أصح كذا في الهداية وحاصله أن الصدقة أولى من الهبة فيما يحتمل القسمة وهذا عند عدم التاريخ والقبض كما سنبينه وأما إذا أرخا قدم الأسبق وإن لم يؤرخا ومع أحدهما قبض كان أولى وكذا إذا أرخ أحدهما فقط كما قدمنا في الشراء من ذي اليد وفي الخلاصة ولو كان كلاهما هبة أو صدقة أو أحدهما هبة والآخر صدقة فما لم يذكر الشهود القبض لا يصح وإن ذكروا القبض ولم يؤرخوا أو أرخوا تاريخا واحدا فهو بينهما إذا كان لا يحتمل القسمة كالعبد ونحوه وإن كان يحتمل القسمة كالدار ونحوها فلا يقضى لهما بشيء عند أبي حنيفة وعندهما يقضى بينهما نصفين ولو كان في يد أحدهما يقضى له بالإجماع ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏والشراء والمهر سواء‏)‏ يعني لو ادعى أحدهما الشراء من ذي اليد وامرأة أنه تزوجها عليه فهما سواء لاستوائهما في القوة فإن كل واحد منهما معاوضة يثبت ذلك بنفسه وهذا عند أبي يوسف وقال محمد الشراء أولى ولها على الزوج القيمة لأنه أمكن العمل بالبينتين بتقديم الشراء إذ التزويج على عين مملوك للغير صحيح فيجب قيمته عند تعذر تسليمه وأفاد باستوائهما أنها بينهما فيكون للمرأة نصفها ونصف قيمتها على الزوج لاستحقاق نصف المسمى وللمشتري نصفها ويرجع بنصف الثمن إن كان أداه وله فسخ البيع لتفرق الصفقة عليه وفي البناية هذا إذا لم يؤرخا أو أرخا واستوى تاريخهما فإن سبق تاريخ أحدهما كان أولى ا هـ‏.‏ وفي العمادية ولو اجتمع نكاح وهبة أو رهن أو صدقة فالنكاح أولى ا هـ‏.‏ وفي جامع الفصولين أقول‏:‏ لو اجتمع نكاح وهبة يمكن أن يعمل بالبينتين لو استويا بأن تكون منكوحة لذا وهبة للآخر بأن يهب أمته المنكوحة فينبغي أن لا تبطل بينة الهبة حذرا عن تكذيب المؤمن وحملا على الصلاح وكذا الصدقة مع النكاح وكذا الرهن مع النكاح ا هـ‏.‏ وقد كتبت في حاشيته أنه وهم لأنه فهم أن المراد لو تنازعا في أمة أحدهما ادعى أنها ملكه بالهبة وآخر أنه تزوجها وليس مرادهم وإنما المراد من النكاح المهر كما عبر به في الكتاب ولذا قال في المحيط والشراء أولى من النكاح عند محمد وعند أبي يوسف هما سواء لمحمد أن المهر صلة من وجه إلى آخره فقد أطلق النكاح وأراد المهر ومما يدل على ما ذكرناه أن العمادي بعدما ذكر أن النكاح أولى قال ثم إن كانت العين في يد أحدهما فهو أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فحينئذ يقضى للخارج ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضى له ا هـ‏.‏ فكيف يتوهم عاقل أن الكلام في المنكوحة بعد قوله تكون بينهما نصفين فيما إذا كانت في أيديهما فآخر الكلام أزال اللبس وأوضح كل تخمين وحدس وحكم بغلط الجامع عفا الله عنه وينبغي أنهما لو تنازعا في الأمة ادعى أحدهما ملكه والآخر أنها منكوحته وهما من رجل واحد وبرهنا ولا مرجح أن يثبتا لعدم المنافاة فيكون ملكا لمدعي الملك هبة أو شراء منكوحة للآخر كما بحثه الجامع ولم أره صريحا والغصب والإيداع سواء لما في الخلاصة عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده غصبه الذي في يديه وأقام آخر البينة أنه عبده أودعه الذي في يديه يقضى به بينهما ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والرهن أحق من الهبة‏)‏ يعني لو ادعى أحدهما رهنا مقبوضا والآخر هبة وقبضا وبرهنا فالرهن أولى وهذا استحسان والقياس أن الهبة أولى لأنها تثبت الملك والرهن لا يثبته ووجه الاستحسان أن المقبوض بحكم الرهن مضمون وبحكم الهبة غير مضمون وعقد الضمان أقوى أطلق الهبة وهي مقيدة بأن لا عوض فيها فإن كانت بشرط العوض فهي أولى من الرهن لأنها بيع انتهاء والبيع أولى من الرهن لأنه ضمان يثبت الملك صورة ومعنى والرهن لا يثبته إلا عند الهلاك معنى لا صورة فكذا الهبة بشرط العوض قيد بكون العين في يد ثالث إذ لو كانت في يد أحدهما فإنه أولى إلا أن يؤرخا وتاريخ الخارج أسبق فهو أولى ولو كانت في أيديهما يقضى بها بينهما نصفين إلا أن يؤرخا وتاريخ أحدهما أسبق فيقضى له قال العمادي هذا في الشراء والهبة والصدقة مستقيم لأن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة على ما عليه الفتوى أما في الرهن لا يستقيم لأن الشيوع الطارئ يفسد الرهن فينبغي أن يقضى بالكل لمدعي الشراء إذا اجتمع الرهن والشراء لأن مدعي الرهن أثبت رهنا فاسدا فلا تقبل بينته فصار كأن مدعي الشراء انفرد بإقامة البينة ولهذا قال شيخ الإسلام خواهر زاده إنه إنما يقضى به بينهما فيما إذا اجتمع الشراء والهبة إذا كان المدعى مما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة أما إذا كانت شيئا يحتملها يقضى بالكل لمدعي الشراء قال لأن مدعي الشراء قد استحق النصف على مدعي الهبة واستحقاق نصف الهبة في مشاع يحتمل القسمة يوجب فساد الهبة فلا تقبل بينة مدعي الهبة غير أن الصحيح ما أعلمتك من أن الشيوع الطارئ لا يفسد الهبة والصدقة ويفسد الرهن والله أعلم ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏ولو برهن الخارجان على الملك والتاريخ أو على الشراء من واحد فالأسبق أحق‏)‏ لأنه أثبت أنه أول المالكين فلا يتلقى الملك إلا من جهته ولم يتلق الآخر منه وأطلق الواحد فشمل ذا اليد وقيده في الهداية بغير ذي اليد وتعقبه الشارحون بأنه لا فائدة فيه فإن الحكم لا يتفاوت أن يكون دعواهما الشراء من صاحب اليد أو غيره بعد أن يكون البائع واحدا ولا يعلم فيه خلاف ا هـ‏.‏ ويتأتى التفريع فيها كالتي قبلها من أن أحدهما إذا ادعى شراء والآخر هبة وقبضا إلى آخره وحاصل المسألتين أن الخارجين ادعيا تلقي الملك من واحد سواء كان ذلك الواحد ذا يد أو غيره قلت إنما قيده به لأنهما لو ادعيا الشراء من ذي اليد فقد تقدمت فلا فائدة في التعميم مع تقدم تلك المسألة وقيد بالبرهان على التاريخ منهما في الأولى لأنه لو أرخت إحداهما دون الأخرى فهما سواء كما لو لم يؤرخا عنده وقال أبو يوسف المؤرخ أولى وقال محمد المبهم أولى بخلاف ما إذا أرخت إحداهما فقط في الثانية فإن المؤرخ أولى‏.‏ والحاصل أنهما إذا لم يؤرخا أو أرخا واستويا فهي بينهما في المسألتين وإن أرخا وسبق إحداهما فالسابق أولى فيهما وإن أرخت إحداهما فقط فهي الأحق في الثانية لا في الأولى وقدمنا أن دعوى الوقف كدعوى الملك المطلق فيقدم الخارج والأسبق تاريخا وفي السراج الوهاج فإن كان المدعى دابة أو أمة فوافق سنها أحد التاريخين كان أولى لأن سن الدابة مكذب لأحد البينتين فكان من صدقه أولى قوله ‏(‏وعلى الشراء من آخر وذكرا تاريخا استويا‏)‏ أي برهن كل واحد منهما على الشراء من آخر وذكر تاريخا فهما سواء لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فيصير كأنهما حضرا أطلق في قوله وذكرا تاريخا فشمل ما إذا استوى تاريخهما أو سبق تاريخ أحدهما بخلاف ما إذا كان الملك لهما واحدا حيث يكون الأسبق أولى كذا ذكره الشارح تبعا للكافي وهو سهو بل يقدم الأسبق هنا أيضا والمراد بقوله كما في الهداية وذكرا تاريخ التساوي فيه أي تاريخا واحدا ولذا قال في غاية البيان وإن كان تاريخ أحدهما أسبق كان أولى على قول أبي حنيفة وهو قول أبي يوسف آخرا وهو قول محمد في رواية أبي حفص وعلى قول أبي يوسف الأول يقضى به بينهما نصفين وذلك لأنهما يثبتان الملك لبائعهما فصار كأن البائعين حضرا وادعيا ملكا مطلقا لأنفسهما والحكم في دعوى الملك المطلق ذلك فكذا هنا ا هـ‏.‏ وفي خزانة الأكمل وذكر في الكتاب لو وقتا وقتين فصاحب الوقت الأول أولى ا هـ‏.‏ والعجب من الشارح أنه جعله من قبيل دعوى الملك المطلق ونسي ما قاله في الكتاب قريبا من قوله ولو برهن الخارجان على الملك والتاريخ فالأسبق أحق فقط ولو قال المؤلف وذكرا تاريخا أو أحدهما فقط لكان أولى فلا يترجح صاحب التاريخ على غيره لأن توقيت أحدهما لا يدل على تقدم الملك لجواز أن يكون الآخر أقدم بخلاف ما إذا كان البائع واحدا لأنهما اتفقا على أن الملك لا يتلقى إلا من جهته فإذا أثبت أحدهما تاريخا يحكم به حتى يتبين أنه تقدمه شراء غيره ثم اعلم أن البينة على الشراء لا تقبل حتى يشهدوا أنه اشتراها من فلان وهو يملكها كما في خزانة الأكمل وفي السراج الوهاج لا تقبل الشهادة على الشراء من فلان حتى يشهدوا أنه باعها منه يومئذ يملكها أو يشهدوا أنها لهذا المدعي اشتراها من فلان بكذا ونقده الثمن وسلمها إليه لأن الإنسان قد يبيع ما لا يملك لجواز أن يكون وكيلا أو متعديا فلا يستحق المشتري الملك بذلك فلا بد من ذكر ملك البائع أو ما يدل عليه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت إذا كان البائع وكيلا فكيف يشهدون بأنه باعها وهو يملكها فليتأمل وفي البزازية إن كان المبيع في يد البائع تقبل من غير ذكر ملك البائع وإن كان في يد غيره والمدعي يدعيه لنفسه إن ذكر المدعي وشهوده أن البائع يملكها أو قالوا سلمها إليه وقال سلمها إلي أو قال قبضت وقالوا قبض أو قال ملكي اشتريتها منه وهي لي تقبل فإن شهدوا على الشراء والنقد ولم يذكروا القبض ولا التسليم ولا ملك البائع ولا ملك المشتري لا تقبل الدعوى ولا الشهادة ولو شهدوا باليد للبائع دون الملك اختلفوا ا هـ‏.‏ وإذا استويا في مسألة الكتاب يقضى به بينهما نصفين ثم يخير كل واحد منهما إن شاء أخذ نصف العبد بنصف الثمن وإن شاء ترك وأشار المؤلف إلى أن أحدهما لو ادعى الشراء من رجل وهو يملكه وادعى الآخر الهبة من آخر وقبضها منه وهو يملكها فإنها تكون بينهما ولذا قال في الهداية ولو ادعى أحدهما الشراء من رجل والآخر الهبة والقبض من غيره والثالث الميراث من أبيه والآخر الصدقة والقبض من آخر قضي بينهم أرباعا لأنهم يتلقون الملك من باعتهم فيجعل كأنهم حضروا وأقاموا البينة على الملك المطلق ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولو برهن الخارج على ملك مؤرخ وتاريخ ذي اليد أسبق أو برهنا على النتاج أو سبب ملك لا يتكرر أو الخارج على الملك وذو اليد على الشراء منه فذو اليد أحق‏)‏ بيان لثلاث مسائل تقدم فيها بينة ذي اليد على الخارج الأولى برهنا على ملك مؤرخ وسبق تاريخ ذي اليد وهذا عندهما ورواية عن محمد وعنه عدم قبولها رجع إليه لأن البينتين قامتا على مطلق الملك ولم يتعرضا لجهة الملك فكان التقدم والتأخر سواء ولهما أن البينة مع التاريخ متضمنة معنى الدفع فإن الملك إذا ثبت لشخص في وقت فثبوته لغيره بعده لا يكون إلا بالتلقي من جهته وبينة ذي اليد على الدفع مقبولة وعلى هذا الخلاف لو كانت الدار في أيديهما والمعنى ما بينا قيد بسبق تاريخ ذي اليد لأنه لو لم يكن لهما تاريخ أو استوى تاريخهما أو أرخت إحداهما فقط كان الخارج أولى وكذا لو كانت في أيديهما فإنها تقدم المؤقتة على غيرها بخلاف ما إذا كانت في يد ثالث فإنهما سواء عنده وعند الثاني تقدم المؤقتة وعند الثالث المطلقة وهو المراد بقوله ولا بينة لذي اليد في الملك المطلق ومراده وتاريخ ملك ذي اليد سبق وإنما قررناه للاحتراز عما في خزانة الأكمل أمة في يد رجل أقام آخر البينة أنها له منذ سنتين وأقام البينة أنها في يده منذ سنتين ولم يشهدوا أنها له قضيت بها للمدعي‏.‏ ا هـ‏.‏ لأن بينة ذي اليد إنما شهدت باليد لا بالملك ولا بد من تحقق سبق تاريخ ذي اليد لما في الخزانة أيضا لو أقام المدعي البينة أنها له منذ سنة أو سنتين شك الشهود فيه وأقام ذو اليد أنها له منذ سنتين قضي بها لذي اليد ولو وقت شهود المدعي سنة ووقت شهود ذي اليد سنة أو سنتين فهي للمدعي ا هـ‏.‏ والشهادة بأنها له عام أول مقدمة على أنها له منذ العام كما فيها أيضا الثانية أقام كل من الخارج وذي اليد بينة على النتاج فصاحب اليد أولى لأن البينة قامت على ما لا يدل عليه اليد فاستويا وترجحت بينة ذي اليد باليد فيقضى له وهذا هو الصحيح ودليله من السنة ما روى جابر بن عبد الله «أن رجلا ادعى ناقة في يد رجل وأقام البينة أنها ناقته نتجت وأقام الذي في يديه البينة أنها ناقته نتجها فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي هي في يده» وهذا حديث صحيح مشهور فصارت مسألة النتاج مخصوصة كذا في المحيط وأشار إلى أن أحدهما لو برهن على الملك والآخر على النتاج فصاحب النتاج أولى أيهما كان لأن بينته على أولية الملك فلا يثبت الآخر إلا بالتلقي من جهته وكذا إذا كان الدعوى بين خارجين فبينة النتاج أولى لما ذكرنا وفي الهداية ولو قضي بالنتاج لصاحب اليد ثم أقام ثالث البينة على النتاج يقضى له إلا أن يعيدها ذو اليد لأن الثالث لم يكن مقضيا عليه بتلك القضية وكذا المقضي عليه بالملك المطلق إذا أقام البينة على النتاج تقبل وينقض القضاء لأنه بمنزلة النص ا هـ‏.‏ وأطلق في قوله ولو برهنا فشمل ما إذا برهن الخارج فقط على النتاج وقضي له ثم برهن ذو اليد فإنه يقضى له ويبطل القضاء الأول كما في خزانة الأكمل وفي جامع الفصولين معزيا إلى العدة ادعى ذو اليد نتاجا أيضا ولم يبرهن حتى حكم بها للمدعي بالنتاج ثم برهن المدعى عليه على النتاج لا ينقض الحكم ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المقضي عليه في حادثة لا تسمع دعواه بعده إلا إذا برهن على إبطال القضاء أو على تلقي الملك من المقضي له أو على النتاج كما في العمادية والبزازية وأطلقه فشمل ما إذا أرخا واستوى تاريخهما أو سبق أحدهما أو لم يؤرخا أصلا أو أرخت إحداهما فلا اعتبار بالتاريخ مع النتاج إلا من أرخ تاريخا مستحيلا بأن لم يوافق سن المدعي لوقت ذي اليد ووافق وقت الخارج فحينئذ يحكم للخارج ولو خالف سنه للوقتين لغت البينتان عند عامة المشايخ ويترك في يد ذي اليد على ما كان كذا في رواية وهو بينهما نصفان في رواية كذا في جامع الفصولين والنتاج ولادة الحيوان ووضعه عنده من نتجت عنده بالبناء للمفعول ولدت ووضعت كما في المغرب والمراد ولادته في ملكه أو في ملك بائعه أو مورثه ولذا قال في خزانة الأكمل لو أقام بينة أن هذه الدابة نتجت عنده أو نسج هذا الثوب عنده أو أن هذا الولد ولدته أمته ولم يشهدوا بالملك له فإنه لا يقضى له‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا لو شهدوا أنها بنت أمته لأنهم إنما شهدوا بالنسب كذا في الخزانة وإنما قلت أو ملك بائعه لما في جامع الفصولين برهن كل من الخارج وذي اليد على نتاج في ملك بائعه حكم لذي اليد إذ كل منهما خصم عن بائعه فكأن بائعهما حضر أو ادعيا ملكا بنتاج فإنه يحكم لذي اليد ولو برهن أنه له ولد في ملكه وبرهن ذو اليد أنه له ولد في ملك بائعه حكم به لذي اليد لأنه خصم عمن تلقى الملك منه ويده يد المتلقي منه فكأنه حضر وبرهن على النتاج والمدعي في يده بحكم له به كذا هذا ا هـ‏.‏ وبه ظهر أنه لا يترجح نتاج في ملكه على نتاج في ملك بائعه ولا يشترط أن يشهدوا بأن أمه في ملكه لكن لو شهدت بينة بذلك دون أخرى قدمت عليها لما في الخزانة عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد في ملكه وأقام آخر البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمته هذه قضي للذي أمه في يده فإن أقام صاحب اليد البينة أنه عبده ولد في ملكه من أمة أخرى فصاحب اليد أولى عبد في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده ولد من أمته هذا من عبده هذا وأقام رجل البينة بمثل ذلك فهو بينهما نصفان فيكون ابن عبدين وأمتين وقال صاحباه لا يثبت نسبه منهما ا هـ وفي جامع الفصولين برهن الخارج أن هذه أمته ولدت هذا القن في ملكي وبرهن ذو اليد على مثله يحكم بها للمدعي لأنهما ادعيا في الأمة ملكا مطلقا فيقضى بها للمدعي ثم يستحق القن تبعا ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أن ذا اليد إنما يقدم في دعوى النتاج على الخارج أن لو لم يتنازعا في الأم أما لو تنازعا فيها في الملك المطلق وشهدوا به وبنتاج ولدها فإنه لا يقدم وهذه يجب حفظها وإنما قلت أو ملك مورثة لما في القنية كما تقدم بينة ذي اليد إذا ادعى أولية الملك بالنتاج عنده فكذا إذا ادعاه عند مورثه فإذا أقاما بينة على عمارة دار أن أباه بناها منذ ستين سنة وقالا مات وتركها ميراثا لنا فبينة ذي اليد أولى ا هـ‏.‏ وقيد بكون كل منهما مدعيا للملك والنتاج فقط إذ لو ادعى الخارج الفعل على ذي اليد كالغصب والإجارة والعارية فبينة الخارج أولى وإن ادعى ذو اليد النتاج لأن بينة الخارج في هذه الصور أكثر إثباتا لإثباتها الفعل على ذي اليد إذ هو غير ثابت أصلا كما ذكره الشارح وفي المحيط الخارج وذو اليد إذا أقاما البينة على نتاج العبد والخارج يدعي الإعتاق أيضا فهو أولى وكذا إذا ادعيا وهو في يد ثالث وأحدهما يدعي الإعتاق فهو أولى لأن بينة النتاج مع العتق أكثر إثباتا لأنها أثبتت أولية الملك على وجه لا يستحق عليه أصلا وبينة ذي اليد أثبتت الملك على وجه يتصور استحقاق ذلك عليه بخلاف ما إذا ادعى الخارج العتق مع مطلق الملك وذو اليد ادعى النتاج فبينة ذي اليد أولى لأنهما لم يستويا في إثبات أولية الملك لأن الخارج ما أثبت الملك فلم يعتبر العتق للترجيح وكذا لو ادعى الخارج التدبير أو الاستيلاد مع النتاج أيضا وذو اليد مع النتاج عتقا باتا فهو أولى ولو ادعى ذو اليد التدبير أو الاستيلاد مع النتاج والخارج ادعى عتقا باتا مع النتاج فالخارج أولى ا هـ‏.‏ وقيد بتنازع الخارج مع ذي اليد إذ لو كانا خارجين ادعى كل دابة في يد آخر وبرهنا على النتاج فإنهما يستويان ويقضى بها بينهما كما في كافي الحاكم وفي شهادات البزازية عاين الشاهد دابة تتبع دابة وترضع له أن يشهد بالملك والنتاج ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وعلى هذا لو شهد شاهدان على النتاج لزيد وآخران على النتاج لعمرو ويتصور هذا بأن رأى الشاهدان أنه ارتضع من لبن أنثى كانت له في ملكه وآخران رأيا أنه ارتضع من لبن أنثى في ملك آخر فتحل الشهادة للفريقين ا هـ‏.‏ وألحقوا بالنتاج ما لا يتكرر سببه لكونه في معناه لأنه دعوى أولية الملك كالنسج في الثياب التي لا تنسج إلا مرة كالثياب القطنية وغزل القطن وحلب اللبن واتخاذ الجبن واللبد والمرعزى وجز الصوف وإن كان سببا يتكرر لا يكون في معناه فيقضى به للخارج بمنزلة الملك المطلق مثل الجز والبناء والغرس وزراعة الحنطة والحبوب فإن أشكل يرجع إلى أهل الخبرة فإن أشكل عليهم قضي به للخارج لأن القضاء ببينة هو الأصل وإنما عدلنا عنه بخبر النتاج فإذا برهن الخارج أنه ثوبه نسجه وبرهن ذو اليد كذلك فإن علم أنه لا ينسج إلا مرة فهو لذي اليد وإن علم تكرار نسجه فهو للخارج كالخز وكذا إذا أشكل وكذا إذا اختلفا في صوف وبرهن كل أنه صوفه جزه من غنمه فإنه يقضى به لذي اليد وأورد كيف يكون الجز في معناه وهو ليس بسبب لا ولية الملك لأن الصوف كان مملوكا له قبله وأجاب عنه في الكافي بأنه كوصف الشاة ولم يكن مالا إلا بعد الجز ولذا لم يجز بيعه قبله وفصل السيف يسأل عنه فإن أخبروا أنه لا يضرب إلا مرة كان لذي اليد وإلا فللخارج والغزل في معنى النتاج لأنه لا يتكرر وهو سبب لا ولية الملك في المغزول والحنطة مما يتكرر فإن الإنسان قد يزرع في الأرض ثم يغربل التراب فيميز الحنطة منها ثم تزرع ثانية وكذا كل ما يكال أو يوزن والجبن لا يصنع إلا مرة وهو سبب لأولية الملك وكذا اللبن إذا تنازعا في كونه حلب في ملكه والنخل يغرس غير مرة فإذا تنازعا في أرض ونخيل في يد رجل فإنه يقضى للخارج بهما وكذا في أرض مزروعة أما إذا كان الزرع مما يتكرر فظاهر وإلا كان تبعا للأرض كذا في الخلاصة وفيها لو أقام البينة على شاة في يد غيره أنها شاته وجز هذا الصوف منها وأقام ذو اليد أن الشاة التي يدعيها له وجز الصوف منها فإنه يقضى بالشاة للمدعي لأنهما ادعيا في الشاة ملكا مطلقا فيقضى بالشاة للخارج ثم يتبعها الصوف لأن الجز ليس من أسباب الملك ا هـ‏.‏ والحاصل أن المنظور إليه من كونه يتكرر أولا إنما هو الأصل لا التبع وفي خزانة المفتين شاتان في يد رجل إحداهما بيضاء والأخرى سوداء فادعاهما رجل وأقام البينة أنهما له وأن هذه البيضاء ولدت هذه السوداء في ملكه وأقام ذو اليد البينة أنهما له وأن هذه السوداء ولدت هذه البيضاء في ملكه فإنه يقضى لكل واحد منهما بالشاة التي ذكرت شهوده أنها ولدت في ملكه وإن كان في يد رجل حمام أو دجاج أو طير مما يفرخ أقام رجل البينة أنه له فرخ في ملكه وأقام صاحب اليد البينة على مثل ذلك قضي به لصاحب اليد ولو ادعى لبنا في يد رجل ضربه في ملكه وبرهن ذو اليد يقضى به للخارج ولو كان مكان اللبن آجر أو جص أو نورة يقضى به لصاحب اليد وغزل القطن لا يتكرر فيقضى به لذي اليد بخلاف غزل الصوف وورق الشجر وثمرته في النتاج بخلاف غصن الشجرة والحنطة ولا بد من الشهادة بالملك مع السبب الذي لا يتكرر كالنتاج ولو برهن الخارج على أن البيضة التي تعلقت من هذه الدجاجة كانت له لم يقض له بالدجاجة ويقضى على صاحب الدجاجة ببيضة مثلها لصاحبها لأن ملك البيضة ليس بسبب لملك الدجاجة فإن من غصب بيضة وحضنها تحت دجاجة له كان الفرخ للغاصب وعليه مثلها بخلاف الأمة فإن ولدها لصاحب الأم وجلد الشاة يقضى به لصاحب اليد والجبة المحشوة والفرو وكل ما يقطع من الثياب والبسط والأنماط المصبوغ بعصفر أو زعفران يقضى بها للخارج ا هـ‏.‏ الثالثة‏:‏ برهن الخارج على الملك المطلق وذو اليد على الشراء منه فذو اليد أولى لأن الأول وإن كان يدعي أولية الملك فهذا تلقى منه وفي هذه لا تنافي كما إذا أقر بالملك له ثم ادعى الشراء منه وأشار المؤلف رحمه الله إلى أن الخارج لو برهن أن فلانا القاضي قضى له بهذه الأمة بشهود أنها له وبرهن ذو اليد على النتاج فإنه يقدم الخارج وهو قولهما لأن القضاء صح ظاهرا فلا ينقض ما لم يظهر خطؤه بيقين ولم يظهر لاحتمال أنه اشتراها من ذي اليد وعند محمد يقضى بها لذي اليد كذا في الكافي وهذا إذا لم يبينوا سبب القضاء فإن بينوه فإن شهدوا أن القاضي أقر عندهم أنه قضى بشهادة شهود أنها له أو بالنتاج فإنه ينقض القضاء اتفاقا وإن شهدوا أنه قضى له بالنتاج ببينة ولم يشهدوا على إقرار القاضي لا ينقض القضاء لاحتمال القضاء بالشراء من ذي اليد كذا في خزانة المفتين‏.‏

قوله ‏(‏ولو برهن كل على الشراء من الآخر ولا تاريخ سقطا وتترك الدار في يد ذي اليد‏)‏ وهذا عندهما وعلى قول محمد يقضى بالبينتين ويكون للخارج لأن العمل بهما ممكن فيجعل كأنه اشترى ذو اليد من الآخر وقبض ثم باع لأن القبض دلالة السبق ولا يعكس الأمر لأن البيع قبل القبض لا يجوز وإن كان في العقار عنده ولهما أن الإقدام على الشراء إقرار منه بالملك للبائع فصار كأنهما قامتا على الإقرارين وفيه التهاتر بالإجماع كذا هنا ولأن السبب يراد لحكمه وهو الملك ولا يمكن القضاء لذي اليد إلا بملك مستحق فبقي القضاء له بمجرد السبب وأنه لا يفيده ثم لو شهدت البينتان على نقد الثمن فالألف بالألف قصاص عندهما إذا استويا لوجود قبض المضمون من كل جانب وإن لم يشهدوا نقد الثمن فالقصاص مذهب محمد للوجوب عنده ولو شهد الفريقان بالبيع والقبض تهاترا بالإجماع لأن الجمع غير ممكن عند محمد لجواز كل واحد من البيعين بخلاف الأول وإن وقتت البينتان في العقار ولم يثبتا قبضا ووقت الخارج أسبق يقضى لصاحب اليد عندهما فيجعل كأن الخارج اشترى أولا ثم باع قبل القبض من صاحب اليد وهو جائز في العقار عندهما وعند محمد يقضى للخارج لأنه لا يصح بيعه قبل القبض فبقي على ملكه وإن بينتا قبضا يقضى لصاحب اليد لأن البيعين جائزان على القولين وإن كان وقت صاحب اليد أسبق يقضى للخارج في الوجهين فيجعل كأنه اشتراها ذو اليد وقبض ثم باع ولم يسلم أو سلم ووصل إليه بسبب آخر كذا في الهداية وفي المبسوط ما يخالفه كما علم من الكافي وفيه دار في يد زيد برهن عمرو على أنه باعها من بكر بألف وبرهن بكر على أنه باعها من عمرو بمائة دينار وجحد زيد ذلك كله قضي بالدار بين المدعيين ولا يقضى بشيء من الثمنين لأنه تعذر القضاء بالبيع لجهالة التاريخ ولم يتعذر القضاء بالملك وعند محمد يقضى بها بينهما ولكل واحد نصف الثمن على صاحبه لأنه لم يسلم لكل واحد إلا نصف المبيع ولو ادعت امرأة شراء الدار من عمرو بألف وعمرو ادعى أنه اشتراها منها بألف وزيد وهو ذو اليد يدعي أنها له اشتراها من عمرو بألف وأقاموا البينة قضي لذي اليد لتعارض بينتي غيره فبقيت بينته بلا معارض وعند محمد يقضى بالدار لذي اليد بألف عليه للخارج ويقضى لها على الخارج بألف لأن ذا اليد والمرأة ادعيا التلقي من الخارج فيجعل كأنها في يده ا هـ‏.‏ وقيد بقوله ولا تاريخ لأنهما لو أرخا يقضى به لصاحب الوقت الآخر كذا في خزانة الأكمل وأشار المؤلف رحمه الله تعالى إلى أنه لو برهن كل على إقرار الآخر أن هذا الشيء له فإنهما يتهاتران ويبقى في يد ذي اليد كذا في الخزانة أيضا قوله ‏(‏ولا يرجح بزيادة عدد الشهود‏)‏ فلو أقام أحد المدعيين شاهدين والآخر أربعة فهما سواء وكذا لا ترجيح بزيادة العدالة لأن الترجيح لا يقع بكثرة العلل حتى لا يترجح القياس بقياس آخر ولا بحديث آخر وشهادة كل شاهدين علة تامة فلا تصلح للترجيح والعدالة ليست بذي حد فلا يقع الترجيح بها‏.‏

قوله ‏(‏دار في يد آخر ادعى رجل نصفها وآخر كلها وبرهنا فللأول ربعها والباقي للآخر‏)‏ عند أبي حنيفة اعتبار الطريق المنازعة فإن صاحب النصف لا ينازع الآخر في النصف فسلم له واستوت منازعتهما في النصف الآخر فيتنصف بينهما وقالا هي بينهما أثلاثا فاعتبر طريق العول والمضاربة فصاحب الجميع يضرب بكل حقه سهمين وصاحب النصف بسهم واحد فيقسم أثلاثا وذكر في الهداية أن لهذه المسألة نظائر وأضداد لا يحتملها هذا المختصر وقد ذكرناها في الزيادات ا هـ‏.‏ وذكر المؤلف في الكافي بعضها وقال وسيجيء في كتاب الديات على الاستقصاء مع الأصول إن شاء الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏ واختصر الشارح مسائلها وقال وبيان طرق هذه المسائل وتخريجها على هذه الأصول وتمام تفريعها مذكور في شرح الزيادات لقاضي خان ا هـ‏.‏ وقد يسر الله تعالى لي بشرح الزيادات لقاضي خان قبيل تأليف هذا المحل فأحببت أن أنقلها منه بألفاظه فأقول‏:‏ مستعينا بالله قال قاضي خان في هذا الشرح من كتاب الجنايات من باب جناية أم الولد على مولاها وعلى غيره وجنس مسائل القسمة أربعة منها ما يقسم بطريق العول والمضاربة عند الكل ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عندهم ومنها ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول والمضاربة ومنها ما يقسم على عكس ذلك أما ما يقسم بطريق العول عندهم ثمانية إحداها الميراث إذا اجتمعت سهام الفرائض في التركة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم التركة بين أرباب الديون على طريق العول والثانية إذا اجتمعت الديون المتفاوتة وضاقت التركة عن الوفاء بها تقسم التركة بين أرباب الديون بطريق العول والثالثة إذا أوصى لرجل بثلث ماله ولآخر بربع ماله ولآخر بسدس ماله ولم تجز الورثة حتى عادت الوصايا إلى الثلث يقسم الثلث بينهم على طريق العول والرابعة الوصية بالمحاباة إذا أوصى أن يباع العبد الذي قيمته ثلاثة آلاف درهم من هذا الرجل بألفي درهم وأوصى لآخر أن يباع منه العبد الذي يساوي ألفي درهم بألف درهم حتى حصلت المحاباة لهما بألفي درهم كان الثلث بينهما بطريق العول والخامسة الوصية بالعتق إذا أوصى بأن يعتق من هذا العبد نصفه وأوصى بأن يعتق من هذا الآخر ثلثه وذاك لا يخرج من الثلث يقسم ثلث المال بينهما بطريق العول ويسقط من كل واحد منهما حصته من السعاية والسادسة الوصية بألف مرسلة إذا أوصى لرجل بألف ولآخر بألفين كان الثلث بينهما بطريق العول والسابعة عبد فقأ عين رجل وقتل آخر خطأ فدفع بهما يقسم الجاني بينهما بطريق العول ثلثاه لولي القتيل وثلثه للآخر والثامنة مدبر جنى على هذا الوجه ودفعت القيمة إلى أولياء الجناية كانت القيمة بينهما بطريق العول وأما ما يقسم بطريق المنازعة عندهم مسألة واحدة ذكرها في جامع الفصولين فضولي باع عبدا من رجل بألف درهم وفضولي آخر باع نصفه من آخر بخمسمائة فأجاز المولى البيعين جميعا يخير المشتريان فإن اختار الأخذ أخذا بطريق المنازعة ثلاثة أرباعه لمشتري الكل وربعه لمشتري النصف عندهم جميعا وأما ما يقسم بطريق المنازعة عند أبي حنيفة وعندهما بطريق العول ثلاث مسائل إحداها دار تنازع فيها رجلان أحدهما يدعي كلها والآخر يدعي نصفها وأقاما البينة عند أبي حنيفة تقسم الدار بينهما بطريق المنازعة ثلاثة أرباعها لمدعي الكل والربع لمدعي النصف وعندهما أثلاثا ثلثاها لمدعي الكل وثلثها لمدعي النصف والثانية إذا أوصى بجميع ماله لرجل ونصفه لآخر وأجازت الورثة عند أبي حنيفة المال بينهما أرباعا وعندهما أثلاثا والثالثة إذا أوصى بعبد بعينه لرجل وبنصفه لآخر وهو يخرج من ثلثه أو لا يخرج وأجازت الورثة كان العبد بينهما أرباعا عند أبي حنيفة وعندهما أثلاثا وأما ما يقسم بطريق العول عند أبي حنيفة وعندهما بطريق المنازعة خمس مسائل منها ما ذكره في المأذون عبد مأذون بين رجلين أدانه أحد الموليين مائة يعني باعه شيئا بنسيئة وأدانه أجنبي مائة فبيع العبد بمائة عند أبي حنيفة يقسم ثمن العبد بين المولى المدين وبين الأجنبي أثلاثا ثلثاه للأجنبي وثلثه للمولى لأن إدانته تصح في نصيب شريكه لا في نصيبه والثانية إذا أدانه أجنبي مائة وأجنبي آخر خمسين وبيع العبد عند أبي حنيفة يقسم الثمن بينهما أثلاثا وعندهما أرباعا والثالثة عبد قتل رجلا خطأ وآخر عمدا وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما يخير مولى العبد بين الدفع والفداء فإن هذا المولى يفدي بخمسة عشر ألفا خمسة آلاف لشريكه العافي وعشر آلاف لولي الخطأ فإن دفع يقسم العبد بينهما أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما أرباعا والرابعة لو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها ودفع المولى القيمة والخامسة مسألة الكتاب أم ولد قتلت مولاها وأجنبيا عمدا ولكل واحد منهما وليان فعفا أحد ولي كل واحد منهما على التعاقب سعت في ثلاثة أرباع قيمتها كان للساكت من ولي الأجنبي ربع القيمة ويقسم نصف القيمة بينهما بطريق العول أثلاثا عند أبي حنيفة وعندهما أرباعا بطريق المنازعة والأصل لأبي يوسف ومحمد أن الحقين متى ثبتا على الشيوع في وقت واحد كانت القسمة عولية وإن ثبتا على وجه التمييز أو في وقتين مختلفين كانت القسمة نزاعية والمعنى فيه أن القياس يأبى القسمة بطريق العول لأن تفسير العول أن يضرب كل واحد منهما بجميع حقه أحدهما بنصف المال والآخر بالكل والمال الواحد لا يكون له كل ونصف آخر ولهذا قال ابن عباس من شاء باهلته أن الله لم يجعل في المال الواحد ثلثين ونصفا ولا نصفين وثلثا وإنما تركنا القياس في الميراث بإجماع الصحابة فيلحق به ما كان في معناه وفي الميراث حقوق الكل بنيت على وجه الشيوع في وقت واحد وهو حالة الموت وفي التركة إذا اجتمعت حقوق متفاوتة حق أرباب الديون ويثبت في وقت واحد وهو حالة الموت أو المرض فكانت في معنى الميراث وكذلك في الوصايا وفي العبد والمدبر إذا فقأ عين إنسان وقتل آخر خطأ حق أصحاب الجناية ثبت في وقت وهو وقت دفع العبد الجناية أو قيمة المدبر لأن موجب جناية الخطأ لا يملك قبل الدفع ولهذا لا يجب فيه الزكاة قبل القبض ولا تصح به الكفالة وإنما يملك عند التسليم ووقت الدفع واحد وفي مسألة دعوى الدار الحق إنما ثبت بالقضاء ووقت القضاء واحد فكانت في معنى الميراث وفي مسألة بيع الفضولي وقت ثبوت الحقين مختلف لأن الملك ثبت عند الإجازة مستندا إلى وقت العقد ووقت العقد مختلف وفي القسم الرابع وقت ثبوت الحقين مختلف أما في مسألة الإدانة فلأن الحق ثبت بالإدانة ووقت الإدانة مختلف وفي العبد إذا قتل رجلا عمدا وآخر خطأ وللمقتول عمدا وليان فعفا أحدهما واختار المولى دفع العبد أو كان الجاني مدبرا والمسألة بحالها فدفع المولى القيمة عندهما يقسم بطريق المنازعة لأن وقت ثبوت الحقين مختلف لأن حق الساكت من ولي الدم كان في القصاص لأنه مثل والمال بدل عن القصاص ووجوب البدل مضاف إلى سبب الأصل وهو القتل فكان وقت ثبوت حقه القتل وحق ولي الخطأ في القيمة إذ العبد المدفوع يثبت عند الدفع لا قبله لأنه صلة معنى والصلات لا تملك قبل القبض فكان وقت الحقين مختلفا فلم يكن في معنى الميراث وكانت القسمة نزاعية وفي جناية أم الولد وجوب الدية للذي لم يعف مضاف إلى القتل لما قلنا والقتلان وجدا في وقتين مختلفين فكانت القسمة نزاعية عندهما والأصل لأبي حنيفة أن قسمة العين متى كانت بحق ثابت في الذمة أو بحق ثبت في العين على وجه الشيوع في البعض دون الكل كانت القسمة عولية ومتى وجبت قسمة العين بحق ثبت على وجه التمييز أو كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل كانت القسمة نزاعية والمعنى فيه أن الحقوق متى وجبت في الذمة فقد استوت في القوة لأن الذمة متسعة فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه في العين وكذا إذا كان حق كل واحد في العين لكن في الجزء الشائع فقد استوت في القوة لأن ما من جزء ثبت فيه حق أحدهما إلا وللآخر أن يزاحمه فكانت الحقوق مستوية في القوة والأصل في قسمة العول الميراث كما قالا وثمة حق كل واحد منهم ثبت في البعض الشائع وإذا ثبت الحقان على وجه التمييز لم يكن في معنى الميراث وكذا إذا كان حق أحدهما في البعض الشائع وحق الآخر في الكل لم يكن في معنى الميراث لأن صاحب الكل يزاحم صاحب البعض في كل شيء أما صاحب البعض لا يزاحم صاحبه في الكل فلم يكن في معنى الميراث ولأن حق كل واحد منهما إذا كان في البعض الشائع وما يأخذ كل واحد منهما بحكم القسمة غير مفرز وأنه غير الشائع كان المأخوذ بدل حقه لا أصل حقه فيكون في معنى الميراث والتركة التي اجتمعت فيها الديون وفي مسائل القسمة إنما وجبت بحق ثابت في الذمة لأن حق كل واحد منهما في موجب الجناية وموجب الجناية يكون في الذمة فكانت القسمة فيها عولية فعلى هذا تخرج المسائل هذا إذا لم يكن لها ولد من المولى فإن كان لها ولد من المولى يرثه فلا قصاص عليها بدم المولى لأن الولد لا يستوجب القصاص على والديه ولهذا لو قتلت المرأة ولدها لا يجب عليها القصاص لأن الوالدة سبب لوجوده فلا يستحق قتلها ولهذا لا يباح له قتل واحد من أبويه وإن كان حربيا أو مرتدا أو زانيا محصنا فإذا سقط حق ولدها سقط حق الباقي وانقلب الكل مالا لأن القصاص تعذر استيفاؤه لا لمعنى من جهة القاتل بل حكما من جهة الشرع فانقلب الكل مالا بخلاف ما تقدم لأن ثمة العافي أسقط حق نفسه فلا ينقلب نصيبه مالا فإن قيل إذا لم تكن هذه الجناية موجبة للقصاص عليها بدم المولى فينبغي أن تكون هدرا كما لو قتلته خطأ قلنا الجناية وقعت موجبة للقصاص لأنه يجب للمقتول والمولى يستوجب القصاص على مملوكه وإنما سقط القصاص ضرورة للانتقال إلى الوارث وهي حرة وقت الانتقال فتنقلب مالا وتلزمها القيمة دون الدية اعتبارا لحالة القتل هذا كمن قتل رجلا عمدا وابن القاتل وارث المقتول كان لابن المقتول الدية على والده القاتل كذلك هنا ولورثة الأجنبي القصاص كما كان لأن حقهما يمتاز عن حق ورثة المولى فكان لهما القصاص إن شاءا أخرا حتى يؤدي القيمة إلى ورثة المولى وإن شاءا عجل القتل لأنهما لو أخرا إلى أن يؤدي السعاية بما لا يؤدي مخافة القتل فيبطل حقهما فكان لهما التعجيل فإن عفا أحد ولي الأجنبي وجب للساكت منهما نصف القيمة أيضا وجنايات أم الولد وإن كثرت لا توجب إلا قيمة واحدة فصارت القيمة مشتركة بين ورثة المولى ووارث الأجنبي ثم عند أبي حنيفة رحمه الله تقسم قيمتها بينهما أثلاثا وعندهما أرباعا لما ذكرنا فإن كانت سعت في قيمتها لورثة المولى ثم عفا أحد ولي الأجنبي إن دفعت القيمة إلى ورثة المولى بقضاء القاضي لا سبيل لوارث الأجنبي عليها لأن الواجب عليها قيمة واحدة وقد أدت بقضاء القاضي فتفرغ ذمتها ويتبع وارث الأجنبي ورثة المولى ويشاركهم في تلك القيمة لأنهم أخذوا قيمة مشتركة وإن دفعت بغير قضاء عندهما كذلك وعند أبي حنيفة وارث الأجنبي بالخيار إن شاء يرجع على ورثة المولى وإن شاء يرجع على أم الولد لهما أنها فعلت عين ما يفعله القاضي لو رفع الأمر إليه فيستوي فيه القضاء وعدمه كالرجوع في الهبة لما كان فسخا بقضاء لو حصل بتراضيهما يكون فسخا ولأبي حنيفة أن موجب الجناية في الذمة فإذا أدت فقد نقلت من الذمة إلى العين فيظهر أثر الانتقال في حق الكل إن كان بقضاء ولا يظهر إذا كان بغير قضاء فكان له الخيار إن شاء رضي بدفعها ويتبع ورثة المولى وإن شاء لم يرض ويرجع عليها بحقه وهو ثلث القيمة عند أبي حنيفة وترجع هي على ورثة المولي هذا إذا دفعت القيمة إلى ورثة المولى ثم عفا ولي الأجنبي فإن عفا أحد ولي الأجنبي ثم دفعت القيمة قال بعضهم إن كان الدفع بغير قضاء يتخير وارث الأجنبي عندهم وإن كان بقضاء عند أبي حنيفة يتخير وعندهما لا يتخير والصحيح أن هنا يتخير عند الكل سواء كان الدفع بقضاء أو بغير قضاء لأن قضاء القاضي بدفع الكل إلى ورثة المولى بعد تعلق حق الأجنبي وثبوته لا يصح بخلاف الوصي إذا قضى دين أحد الغريمين بأمر القاضي حيث لا يضمن لأن للقاضي أن يضع مال الميت حيث شاء أما هنا بخلافه وإذا لم يصح قضاء القاضي هنا لأن لا يصح فعلها بغير قضاء أولى قوله ‏(‏ولو كانت في أيديهما فهي للثاني‏)‏ أي فالدار كلها لصاحب الجميع نصفها على وجه القضاء ونصفها لا على وجه القضاء لأن دعوى مدعي النصف منصرفة إلى ما في يده لتكون يده يدا محقة في حقه لأن حمل أمور المسلمين على الصحة واجب فمدعي النصف لا يدعي شيئا مما في يد صاحب الجميع فيسلم النصف لمدعي الجميع بلا منازعة فبقي ما في يده لا على وجه القضاء إذ لا قضاء بدون الدعوى واجتمع بينة الخارج وذي اليد فيما في يد صاحب النصف فتقدم بينة الخارج ولو كانت في يد ثلاثة فادعى أحدهم كلها وآخر ثلثيها وآخر نصفها وبرهنوا فهي مقسومة عنده بطريق المنازعة وعندهما بالعول وبيانه في الكافي والله أعلم‏.‏

كتاب الإقرار

‏(‏هو إخبار‏)‏ بحق عليه من وجه إنشاء من وجه فللأول يصح إقراره بمملوك للغير ويلزمه تسليمه إذا ملكه ولو أقر بالطلاق والعتاق مكرها لا يصح ولو أقر المريض بجميع ماله لأجنبي يصح ولا يتوقف على إجازة الوارث وصح إقرار المأذون بعين في يده والمسلم بخمر وصح الإقرار بنصف داره مشاعا وإقرار المريض بالزوجية من غير شهود ولا تسمع دعواه عليه بأنه أقر له بشيء معين من غير أن يقول وهو ملكي ولو علم المقر له أنه كاذب في إقراره لا يجوز له أخذه منه جبرا ديانة كإقراره لامرأته بجميع ما في منزله وليس لها عليه شيء وإذا أقر بالمدعى به ثم أنكر إقراره لا يحلف على إقراره بل على المال والثاني لو رد إقراره ثم قبل لا يصح إلا إذا أضافه إلى غيره متصلا بالرد كان له وكذا الملك الثابت بالإقرار لا يظهر في حق الزوائد المستهلكة فلا يملكها المقر له وشرطه التكليف والطوع مطلقا والحرية للتنفيذ للحال لا مطلقا فصح إقرار العبد للحال فيما لا تهمة فيه كالحدود والقصاص ويؤخر ما فيه تهمة إلى ما بعد العتق والمأذون بما كان من التجارة للحال وتأخر بما ليس منها إلى العتق كإقراره بجناية ومهر موطوءة بلا إذن والصبي المأذون كالعبد فيما كان للتجارة لا فيما ليس منها كالكفالة‏.‏ وإقرار السكران بطريق محظور صحيح إلا في حد الزنا وشرب الخمر لا يقبل الرجوع وإن بطريق مباح لا وصح بالمجهول ولزمه البيان كشيء وحق والقول له مع يمينه في تعيين المجهول وتعيين العبد المغصوب إن كان قائما وقيمته إن كان هالكا فإن بين سببا تضره الجهالة كالبيع والإجارة لا يصح ولا يلزمه شيء وإن بين ما لا يضره صح ويبين ما له قيمة فلا يصح في حبة حنطة وصبي حر وزوجة وجلد ميتة وقوله أردت حق الإسلام في له علي حق لا يصدق لأنه خلاف العرف وجهالة المقر له مانعة من صحته إن تفاحشت كالواحد من الناس على كذا أو لا كلأحد هذين علي كذا لا ولا يجبر على البيان ولكل منهما أن يحلفه وكذا جهالة المقر عليه مانعة نحو لك على أحدنا كذا فلو قيل بعده أهو هذا قال لا لا يجب المال على الآخر وصح بالعام كما في يدي من قليل أو كثير أو عبيد أو متاع أو جميع ما يعرف لي أو جميع ما ينسب لي لفلان وإذا اختلفا في عين أنها كانت موجودة في يده وقت الإقرار أو لا فالقول قول المقر إلا أن يقيم المقر له البينة أنها كانت موجودة في يده وقته‏.‏ ولو قال جميع مالي أو ما أملكه لفلان كان هبة لا يجوز إلا بالتسليم ولو قال لفلان علي دار أو عبد لا يلزمه شيء أو مال أو مال قليل أو درهم عظيم أو دريهم لزمه درهم ‏(‏ومال عظيم نصاب وأموال عظام ثلاثة نصب‏)‏ من أي مال فسره به ‏(‏ودراهم‏)‏ أو دريهمات أو شيء من الدراهم أو من دراهم ‏(‏ثلاثة ودراهم كثيرة‏)‏ أو ثياب كثيرة أو وصائف كثيرة أو دنانير كثيرة أو أكثر الدراهم ف ‏(‏عشرة‏)‏ ودراهم مضاعفة ستة وأضعاف مضاعفة أو عكسه ثمانية عشرة ومال نفيس أو خطير أو كريم أو جليل أو لا قليل ولا كثير مائتان ‏(‏كذا درهما درهم كذا كذا أحد عشر كذا وكذا أحد وعشرون ولو ثلث بالواو ويزاد مائة ولو ربع زيد ألف‏)‏ لو خمس زيد عشرة آلاف ولو سدس يزاد مائة ألف ولو سبع يزاد ألف ألف وكل ما زاد عددا معطوفا بالواو زيد عليه ما جرت العادة به إلى ما لا يتناهى ولو ثلث بلا واو لزمه أحد عشر ولو قال كذا كذا درهما ودينارا فعليه أحد عشر بالسوية بخلاف ما إذا قال كذا كذا درهما وكذا كذا دينارا لزمه من كل واحد أحد عشر والمعتبر الوزن المعتاد في كل زمان أو مكان والنيف مجهول يرجع إليه فيه والبضعة للثلاثة ‏(‏علي وقبلي إقرار بالدين‏)‏ إلا إذا فسره بالأمانة متصلا وأقرضني كذا لزمه واستقرضت لا وليس لي قبله حق إبراء عن الدين والأمانة ‏(‏عندي معي في بيتي في صندوقي في كيسي أمانة‏)‏ وعندي عارية ألف درهم قرض له قبلي كذا دين وديعة أو وديعة دين فهو دين مطلق‏.‏ والأصل أن أحد اللفظين إذا كان للأمانة والآخر للدين وجمع بينهما يرجح الدين ‏(‏لو قال لي عليك ألف فقال اتزنه أو انتقده أو أجلني به أو قضيتكه‏)‏ أو أعدها أو أرسل غدا من يأخذها يعني يقبضها أو يتزنها أو لا أزنها لك اليوم أو لا تأخذها مني اليوم أو حتى يدخل علي مالي أو يقدم علي غلامي أو أبرأني عنها أو تصدق علي بها أو وهبها لي مدعيا ذلك أو أحلته بها ‏(‏فهو إقرار‏)‏ إلا إذا تصادقا أنه على وجه السخرية ‏(‏وبلا كتابة لا‏)‏ كقوله ما قبضت بغير حق جوابا لدعواه أنه قبض منه بغير حق وقوله أبرأني عن هذه الدعوى أو صالحني عنها وقوله ما استقرضت من أحد سواك أو غيرك أو قبلك أو بعدك وقضيتك مائة بعد مائة بعد دعوى المائتين بخلاف دفعت إلى أخيك بأمرك وعليه إثبات ذلك وضمانه للآجر ما يجب له على المستأجر إقرار بملك العين للآجر بخلاف ضمانه للمستأجر مال الإجارة في الإجارة الطويلة لا يكون إقرارا بالملك للآجر بخلاف قوله فلان ساكن هذه الدار فإقرار له بها بخلاف كان يسكنها وفلان زرع هذه الأرض أو غرس هذا الكرم أو بنى هذه الدار وهي في يد القاتل مدعيا أنه معين أو مستأجرا فليس بإقرار بالعين له وكذا هذا الدقيق من طحين فلان بخلاف هذا الطعام من زرع فلان أو هذا التمر من نخله أو أرضه أو بستانه أو هذا الصوف من غنمه فهو إقرار كقوله قبضت من أرضه عدل ثياب وشراؤه متنقبة إقرار بالملك للبائع كثوب في جراب وكذا الاستيام والاستيداع والاستعارة والاستيهاب والاستئجار ولو من وكيل وكذا قبول الوديعة وقوله نعم بعد كلام إقرار مطلقا والإيماء بالرأس بعد الاستفهام لا يكون إقرارا بمال وعتق وطلاق وبيع ونكاح وإجارة وهبة بخلاف الكفر والإسلام والنسب والفتوى‏.‏ ‏(‏وإن أقر بدين مؤجل وادعى المقر له أنه حال لزمه حالا‏)‏ كإقراره بعبد في يده أنه لرجل وأنه استأجره منه ‏(‏ويستحلف المقر له فيهما‏)‏ بخلاف ما لو أقر بالدراهم السود فكذبه في صفتها يلزمه ما أقر به فقط كإقرار الكفيل بدين مؤجل ولمن عليه دين مؤجل إذا خاف لو اعترف به لا يصدقه إنكار أصل الدين إذا لم يرد توي حقه ومن أقر بعدد مبهم وعطف موزونا أو مكيلا كان بيانا له ‏(‏كمائة ودرهم‏)‏ أو درهمان أو ثلاثة دراهم ‏(‏فهي دراهم‏)‏ وإن عطف عليه قيميا واحدا ‏(‏لا كمائة وثوب‏)‏ أو ثوبان وإن متعددا فبيان ‏(‏كمائة وثلاثة أثواب‏)‏ ولو قال نصف درهم ودينار وثوب فعليه نصف كل منها وكذا نصف هذا العبد وهذه الجارية بخلاف نصف هذا الدينار ودرهم فدرهم تام وعشرة دراهم ودانق وقيراط فضة‏.‏ ولو ‏(‏أقر بتمر في قوصرة‏)‏ أو طعام في الجوالق أو سفينة أو ثوب في منديل أو ثوب ‏(‏لزمه‏)‏ الظرف كالمظروف ومن قوصرة لا كدابة في إصطبل وثوب في عشرة وطعام في بيت ‏(‏وبخاتم له الحلقة والفص وبسيف له النصل والجفن والحمائل وبحجلة له العيدان والكسوة وبخمسة في خمسة وعنى الضرب خمسة وعشرة إن عنى مع ومن درهم إلى عشرة أو‏)‏ ما بين تسعة وكر حنطة إلى كر شعير لزماه إلا قفيزا من شعير وعشرة دراهم إلى عشرة دنانير لزماه إلا دينارا له من داري ما بين هذا الحائط إلى هذا الحائط له ما بينهما فقط ‏(‏وصح الإقرار بالحمل‏)‏ المحتمل وجوده وقته ولو غير آدمي مطلقا بخلاف الإقرار للرضيع يصح وإن بين سببا غير صالح منه حقيقة كالإقراض وله إن بين سببا صالحا وإلا فلا كما إذا أبهم أو بين سببا غير صالح كالقرض وإنما يصح له إذا علم وجوده وقته أو احتمل بأن تضعه لأقل من مدته إن كانت متزوجة ولأقل من سنتين من وقت الفراق إن كانت معتدة ثم إن ولدته حيا كان له ما أقر به وإن ولدته ميتا يرد إلى ورثة الموصي أو ورثة أبيه وإن ولدت ولدين فإن كانا ذكرين أو أنثيين فهو بينهما نصفان وإلا فكذلك في الوصية وفي الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين ‏(‏ولو أقر بشيء على أنه بالخيار لزمه بلا خيار‏)‏ وإن صدقه المقر له إلا إن أقر بعقد بيع وقع بالخيار له إلا أن يكذبه المقر له كإقراره بدين بسبب كفالة على أنه بالخيار في مدة ولو طويلة ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الاستثناء وما في معناه

لا حكم فيما بعد إلا بل مسكوت عند عدم القصد كمسألة الإقرار في قوله له علي عشرة إلا ثلاثة لفهم أن الغرض الإثبات فقط فنفي الثلاثة إشارة لا عبارة وإثبات السبعة عكسه وعند القصد يثبت لما بعدها نقيض ما قبلها، كلمة التوحيد نفي وإثبات قصدا فالاستثناء تكلم بالباقي بعد الثنيا باعتبار الحاصل من مجموع التركيب ونفي وإثبات باعتبار الأجزاء ويشترط فيه الاتصال إلا لنفس أو سعال أو أخذ فم والنداء بينهما لا يضر كقوله لك علي ألف درهم يا فلان إلا عشرة بخلاف لك ألف فاشهدوا إلا كذا ونحوه والمستغرق باطل ولو فيما يقبل الرجوع كالوصية إن كان بلفظ الصدر أو مساويه وإن بغيرهما كعبيدي أحرار إلا هؤلاء أو إلا سالما وغانما وراشدا وهم الكل وكذا نسائي طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة ولا فرق بين استثناء الأقل والأكثر ولا بين ما يقسم وما لا يقسم كهذا العبد إلا ثلاثة وإذا استثنى عددين بينما حرف الشك كان الأقل مخرجا نحو له علي ألف درهم لا مائة أو خمسون لزمه تسعمائة وخمسون على الأصح‏.‏ ‏(‏وصح استثناء الكيلي والوزني‏)‏ والمعدود الذي لا تتفاوت آحاده كالفلوس والجوز ‏(‏من الدراهم‏)‏ والدنانير ويكون المستثنى القيمة وإن استغرقت جميع ما أقر به بخلاف دينار إلا مائة درهم فإن الاستثناء باطل لأنه مستغرق بالمساوي وإذا كان المستثنى مجهولا يثبت الأكثر نحو له مائة درهم إلا شيئا قليلا أو بعضا لزمه أحد وخمسون ‏(‏ولو وصل إقراره بإن شاء الله بطل إقراره‏)‏ وكذا بمشيئة فلان وإن شاء وكذا كل إقرار علق بشرط على خطر ولم يتضمن دعوى أجل كأن حلفت فلك ما ادعيت به وإن بشرط كائن فتنجير كعلي ألف درهم إن مت لزمه قبل الموت وإن تضمن دعوى الأجل كإذا جاء رأس الشهر فلك علي كذا لزمه للحال ويستحلف المقر له في الأجل ومن التعليق المبطل له ألف إلا أن يبدو لي غير ذلك أو أرى غيره أو فيما أعلم وكذا اشهدوا أن له علي كذا فيما أعلم والحلية في السيف والظهارة والبطانة في الجبة لا يلزمه شيء واستثناء البيت من الدار صحيح ‏(‏ولو استثنى البناء من الدار فهما للمقر له‏)‏ والطوق في الجارية والفص في الخاتم والنخلة في البستان نظير البناء والإقرار بالحائط والأسطوانة إقرار بما تحتهما من الأرض إلا إذا كانت من خشب ‏(‏وبناؤها لي والعرصة لفلان فهو كما قال‏)‏ وبناؤها لي وأرضها لفلان فهما لفلان وبناؤها لزيد وأرضها لعمرو فلكل ما أقر له به وفي عكسه الكل للأول كقوله هذه الدار لفلان وهذا البيت لي وأرضها لي وبناؤها لفلان فعلى ما أقر ويؤمر المقر له بنقل البناء من أرضه والأصل أن الدعوى قبل الإقرار لا تمنع صحة الإقرار بعده والدعوى بعد الإقرار في بعض ما دخل تحته غير صحيحة وأن إقراره حجة عليه فقط‏.‏

‏(‏ولو قال علي ألف من ثمن عبد لم أقبضه‏)‏ فإن كان العبد معينا فإما أن يصدقه ويسلمه أو لا فإن صدقه وسلمه لزمه ألف وكذا إن صدقه على بيع عبد غيره فإن المعين ملك المقر سواء كان في يده أو في يد المقر له كإقراره بألف غصبا فقال هي قرض وإن لم يصدقه على بيع العبد لا يلزمه شيء وإن صدقه على أن المبيع غيره وأن المعين ليس ملك المقر يتحالفان ويسقط المال والعبد لمن هو في يده وإن لم يكن العبد معينا لزمه الألف مطلقا ولا يقبل قوله إن لم يقبضه ‏(‏كقوله من ثمن خمر أو خنزير‏)‏ أو مال القمار أو حر أو ميتة أو دم وإن وصل إلا إذا صدقه أو أقام بينة ولو قال إني اشتريت منه مبيعا إلا إني لم أقبضه قبل قوله كما قبل قول البائع بعته هذا ولم أقبض الثمن والمبيع في يد البائع ولو قال له علي ألف درهم حرام أو ربا فهي لازمة مطلقا ولو قال زورا أو باطلا لزمه إن كذبه المقر له وإلا فلا والإقرار بالبيع تلجئة على هذا التفصيل ولو أقر بالشراء أو الإجارة أو الهبة أو الصدقة وقال لم أقبض صدق موصولا كان أو مفصولا ولو أقر بالمسلم ثم قال لم أقبض رأس المال لا يصدق إلا إذا كان موصولا كالوديعة والقرض بخلاف دفعت إلي أو نقدتني وقال لم أقبض لا يصدق مطلقا بخلاف أعطيتني إن وصل‏.‏

‏(‏ولو أقر بثمن مبيع أو قرض‏)‏ من النقود أو الفلوس ثم ادعى أنها ‏(‏زيوف أو نبهرجة‏)‏ أو ستوقة أو رصاص أو كاسدة ‏(‏لزمه الجياد‏)‏ وإن وصل ويتحالفان في البيع حال قيام السلعة ‏(‏بخلاف الغصب الوديعة‏)‏ والمضاربة فإنه يصدق في الزيوف والنبهرجة مطلقا وفي الستوقة إن وصل وكان حيا ولا يصدق وارثه بعد موته ويصدق في دعوى الرداءة في المكيل والموزون الثمن أو القرض ولو قال له علي ألف درهم زيوف فهي كما قال على الأصح كقوله له علي كذا إلا أنها وزن خمسة ونقد البلد وزن سبعة ‏(‏أو إلا أن ينقص كذا متصلا‏)‏ ولو قال له علي عشرة جياد إلا خمسة زيوفا لزمه خمسة جياد ويصير مستثنيا من العشرة خمسة جيادا‏.‏

‏(‏ومن أقر بغصب ثوب وجاء بمعيب صدق وإن قال أخذت منك ألفا وديعة وهلكت وقال أخذتها غصبا فهو ضامن‏)‏ بخلاف أخذتها قرضا أو بيعا أو قال أعطيتنيها وديعة فقال غصبتنيها لا يضمن المقر ‏(‏ولو قال هذا كان وديعة لي عندك فأخذته فقال هو لي آخذه‏)‏ إن كان قائما وقيمته إن كان هالكا وكذا أقرضتك ألفا ثم أخذتها منك ‏(‏ولو قال أجرت‏)‏ أو أعرت ‏(‏بعيري أو ثوبي هذا فلانا فركبه أو لبسه فرده‏)‏ وكذبه فلان ‏(‏فالقول للمقر‏)‏ بخلاف اقتضيت من فلان ألفا كانت لي فكذبه ‏(‏ولو قال هذا الألف وديعة فلان لا بل وديعة لفلان فالألف للأول وعلى المقر مثله للثاني‏)‏ بخلاف ما إذا قال هي لفلان لا بل لفلان بلا ذكر إيداع لا يجب عليه للثاني شيء إن كانت معينة وإن كانت غير معينة لزمه أيضا بأن قال لفلان علي ألف لا بل لفلان كقوله غصبت فلانا مائة درهم ومائة دينار وكر حنطة لا بل فلانا لزمه لكل واحد منهما كله ولو كانت بعينها فهي للأول وعليه للثاني مثلها ولو كان المقر له واحدا يلزمه أكثرهما قدرا وأفضلهما وصفا نحو له علي ألف درهم لا بل ألفان أو ألف درهم جياد لا بل زيوف أو عكسه ولو قال الدين الذي لي على فلان لفلان أو الوديعة التي لي عند فلان هي لفلان فهو إقرار له وحق القبض للمقر ولكن لو سلم إلى المقر له برئ ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب إقرار

‏(‏المريض‏)‏ إقراره بدين نافذ من كل ماله وأخر الإرث عنه ‏(‏ودين الصحة وما لزمه في مرضه بسبب معروف قدم على ما أقر به في مرض موته‏)‏ ولو وديعة والسبب المعروف كالنكاح المشاهد بمهر المثل والبيع المشاهد والإتلاف كذلك وغيرها مما ليس من التبرعات وليس له أن يقضي دين بعض الغرماء دون بعض ولو إعطاء مهر وإيفاء أجرة إلا إذا قضى ما استقرض في مرضه أو نقد ثمن ما اشترى فيه وقد علم ذلك بالبينة بخلاف ما إذا لم يؤد حتى مات فإن البائع أسوة الغرماء إذا لم تكن العين في يده وإذا أقر بدين ثم بدين تحاصا وصل أو فصل ولو أقر بدين ثم بوديعة تحاصا وعلى القلب الوديعة أولى وإقراره ببيع عبده في صحته وقبض الثمن مع دعوى المشتري ذلك صحيح في البيع دون قبض الثمن إلا بقدر الثلث بخلاف إقراره بأن هذا العبد لفلان فإنه كالدين ولو أقر بقبض دينه إن كان دين الصحة يصح مطلقا سواء كان عليه دين الصحة أو لا وإن كان دين المرض إن كان عليه دين الصحة لا يصح وإلا نفذ من الثلث إلا في إقراره باستيفاء بدل الكتابة فنافذ بخلاف إقراره باستيفاء ثمن ما باعه في صحته من وارثه فإنه لا يصح وتبيينه العتق المبهم في صحته كثير القيمة نافذ من جميع ماله كتبيينه ما أقر به في صحته وهو مبهم ولو اشترى في صحته بغبن فاحش بشرط الخيار ثم أجاز أو سكت وهو مريض حتى مضت المدة ثم مات كانت المحاباة من الثلث وإبراؤه مديونه وهو مديون غير جائز إن كان أجنبيا وإن كان وارثا لا يجوز مطلقا وقوله لم يكن لي على هذا المطلوب شيء صحيح في القضاء لا فيما بينه وبين الله تعالى فلا يقبل من ورثته بينة على هذا المطلوب‏.‏ ‏(‏ولو أقر المريض لوارثه بطل إلا أن يصدقه الورثة‏)‏ ولو كان إقرارا بقبض دين عليه ولو ادعى المقر له أن الإقرار كان في الصحة وكذبه بقية الورثة فالقول لهم ولو أقاما البينة فبينة المقر له أولى وإن لم تكن له بينة فله أن يحلف الورثة والعبرة لكونه وارثا وقت الموت لا وقت الإقرار إلا إذا صار وارثا بسبب جديد كالتزوج وعقد الموالاة فلو أقر لها ثم تزوجها صح بخلاف إقراره لأخيه المحجوب إذا صار غير محجوب ولو وهب لأجنبية أو أوصى لها ثم نكحها بطلت ولو أقر لوارثه ثم مات المقر له ثم المريض وورثة المقر له من ورثة المريض وإقراره بعبد لأجنبي فقال الأجنبي هو لفلان وارث المقر وإقراره لمكاتب وارثه إقرار لوارثه فلا يصح بخلاف إقراره لمكاتب نفسه بدين فإنه صحيح وإقراره لامرأته بدين المهر صحيح إلى مهر المثل فلو أقامت الورثة بينة بعد موته أنها وهبته له في حياته هبة صحيحة لا تقبل وإقرارها لزوجها بأن لا مهر لي عليك في مرضها صحيح وإقراره لوارثه ولأجنبي بدين باطل تصادقا على الشركة أو تكاذبا ‏(‏ولو أقر لمن طلقها ثلاثا‏)‏ وهي في العدة ‏(‏فلها الأقل من الإرث والدين‏)‏ وإن كان بسؤالها وإلا فلها الميراث بالغا ما بلغ ولا يصح الإقرار والوصية على هذا التفصيل‏.‏ ‏(‏وإن أقر بغلام مجهول يولد لمثله أنه ابنه وصدقه الغلام‏)‏ إن كان يعبر عن نفسه ‏(‏ثبت نسبه ولو مريضا ويشارك الورثة‏)‏ وإن كان له نسب معروف لا يصح إقراره وكذا إذا لم يولد لمثله أو لم يصدقه وهو يعبر والأصح وتشترط هذه الشرائط الثلاثة في صحة الإقرار بالولد خلا أن لا يكون المقر ثابت النسب من الغير فكأن المقر له بتلك الصفة هناك ‏(‏وصح إقراره بالولد والوالدين‏)‏ بالشرائط المتقدمة ‏(‏والزوجة‏)‏ إن كانت خالية عن الزوج وعدته وليس تحت المقر أختها ولا أربع سواها ‏(‏وبالمولى‏)‏ من جهة العتاقة إذا لم يكن ولاؤه ثابتا من جهة الغير ‏(‏و‏)‏ صح ‏(‏إقرارها بما عدا الولد وبه إن شهدت قابلة أو صدقها الزوج‏)‏ إن كان لها زوج أو كانت معتدة ومطلقا إن لم تكن كذلك أو كانت وادعت أنه من غيره ‏(‏ولا بد من تصديق المقر له‏)‏ في الجميع إلا في الولد إذا كان لا يعبر عن نفسه ولو كان المقر له عبدا لغيره يشترط تصديق المولى ‏(‏وصح التصديق بعد موت المقر إلا تصديق الزوج بعد موتها وإن أقر بنسب على غيره كالأخ والعم والجد وابن الابن لا يصح‏)‏ في حق غيره ويصح في حق نفسه حتى تلزمه الأحكام من النفقة والحضانة والإرث إذا تصادقا عليه ‏(‏فإن لم يكن له وارث غيره‏)‏ قريب أو بعيد ‏(‏ورثه وإلا لا‏)‏‏.‏ والفرق بين الموضعين من وجهين الأول أن النسب يثبت في الإقرار بنحو الولد على العموم فيتعدى الإقرار إلى غير المقر حتى إذا أقر بابن ورثه وشارك ورثته وإن جحدوه ويرث من أب المقر وهو جد المقر له وإن كان الجد يجحد بنوته لابنه ويفسد النكاح لو أقرت مجهولة النسب أنها بنت أبي زوجها إذا صدقها الأب وفي الإقرار بنحو الأخ على الخصوص فلا مشاركة للأخ المقر له مع ورثته إذا جحدوا ولا يرث من أب لتقر وأما الثاني عدم صحة رجوع المقر بنحو الولد وصحته بنحو الأخ حتى لو أقر بأخ وصدقه ثم رجع عما أقر به ثم أوصى بماله كله لإنسان كان كله للموصى له ‏(‏ومن مات أبوه فأقر بأخ شاركه في الإرث ولم يثبت نسبه‏)‏ فيستحق المقر له نصف نصيب المقر مطلقا فلو أقر بأخت تأخذ ثلث ما في يده ولو أقر ابن وبنت بأخ وكذبهما ابن وبنت يقسم نصيب المقرين أخماسا ولو أقر بامرأة أنها زوجة أبيه أخذت ثمن ما في يده وإقرار أحد الورثة باستيفاء الميت دينه صحيح في حصته فقط ويحلف المنكر على نفي العلم بخلاف إقراره باستيفاء البعض قدر ميراثه فإنه لا يحلف المنكر والله أعلم‏.‏