فصل: باب العشر

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب العشر

هو واحد الأجزاء العشرة، والكلام فيه في مواضع في بيان فرضيته وكيفيتها وسببها وشرائطها وقدر المفروض ووقته وصفته وركنه وشرائطه وما يسقطه أما الأول فثابت بالكتاب قوله تعالى - - ‏{‏وآتوا حقه يوم حصاده‏}‏ على قول عامة أهل التأويل هو العشر أو نصفه، وبالسنة ‏{‏ما سقته السماء ففيه العشر وما سقي بغرب أو دالية ففيه نصف العشر‏}‏، وبالإجماع وأما الكيفية فما تقدم في الزكاة أنه على الفور أو التراخي وأما سببها فالأرض النامية بالخارج حقيقة بخلاف الخراج فإن سببه الأرض النامية حقيقة أو تقديرا بالتمكين فلو تمكن، ولم يزرع وجب الخراج دون العشر، ولو أصاب الزرع آفة لم يجبا وقدمنا حكم تعجيل العشر وأنه على ثلاثة أوجه في مسألة تعجيل الزكاة، وأما شرائطها فنوعان شرط الأهلية وشرط المحلية فالأول نوعان أحدهما الإسلام، وأنه شرط ابتداء هذا الحق فلا يبتدأ إلا على مسلم بلا خلاف وأما كونه يتحول إلى الكافر فسيأتي مفصلا والثاني العلم بالفرضية، وهو عام في كل عبادة أيضا وأما العقل والبلوغ فليسا من شرائط الوجوب حتى يجب العشر في أرض الصبي والمجنون؛ لأن فيه معنى المؤنة؛ ولهذا جاز للإمام أن يأخذه جبرا، ويسقط عن صاحب الأرض إلا أنه لا ثواب له إلا إذا أدى اختيارا؛ ولذا لو مات من عليه العشر والطعام قائم يؤخذ منه بخلاف الزكاة وكذا ملك الأرض ليس بشرط للوجوب لوجوبه في الأرض الموقوفة ويجب في أرض المأذون والمكاتب ويجب على المؤجر عنده وعندهما على المستأجر كالمستعير ويسقط عن المؤجر بهلاكه قبل الحصاد لا بعده، وفي المزارعة على قولهما فالعشر عليهما بالحصة، وعلى قوله على رب الأرض لكن يجب في حصته في عينه، وفي حصة المزارع يكون دينا في ذمته، وفي الأرض المغصوبة على الغاصب إن لم تنقصها الزراعة، وإن نقصتها فعلى رب الأرض عنده، وعندهما في الخارج ولو كانت الأرض خراجية فخراجها على رب الأرض في الوجوه كلها بالإجماع إلا في الغصب إذا لم تنقصها الزراعة فخراجها على الغاصب وإن نقصتها فعلى رب الأرض كذا في البدائع وغيره، وفي الخلاصة والظهيرية أن الخراج إنما يكون على الغاصب إذا كان جاحدا ولا بينة للمالك وزرعها الغاصب أما إذا كان مقرا، أو للمالك بينة عادلة، ولم تنقصها الزراعة فالخراج على رب الأرض ا هـ‏.‏ وأما شرائط المحلية فأن تكون عشرية فلا عشر في الخارج من أرض الخراج؛ لأنهما لا يجتمعان وسيأتي بيان العشرية ووجود الخارج، وأن يكون الخارج منها مما يقصد بزراعته نماء الأرض فلا عشر في الحطب ونحوه وسيأتي بيان قدره وأما وقته فوقت خروج الزرع وظهور الثمر عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف وقت الإدراك وعند محمد عند التنقية والجذاذ وأما ركنه فالتمليك كالزكاة وشرائط الأداء ما قدمناه في الزكاة وأما ما يسقطه فهلاك الخارج من غير صنعه، وبهلاك البعض يسقط بقدره، وإن استهلكه غير المالك أخذ الضمان منه وأدى عشره، وإن استهلكه المالك ضمن عشره وصار دينا في ذمته، ومنها الردة، ومنها موت المالك من غير وصية إذا كان قد استهلكه كذا في البدائع مختصرا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ يجب في عسل أرض العشر ومسقى سماء وسيح بلا شرط نصاب وبقاء إلا الحطب والقصب والحشيش‏)‏ أي يجب العشر فيما ذكر أما في العسل فللحديث‏:‏ «في العسل العشر‏}‏ ولأن النحل يتناول من الأنوار والثمار، وفيهما العشر فكذا فيما يتولد منهما بخلاف دود القز؛ لأنه يتناول الأوراق، ولا عشر فيها أطلقه فتناول القليل والكثير، وهو مذهب الإمام وقدر أبو يوسف نصابه بخمسة أوسق، وعن محمد بخمسة أفراق كل فرق ستة وثلاثون رطلا قيد بأرض العشر؛ لأن العسل إذا كان في أرض الخراج فلا شيء فيه لما ذكر أن وجوب العشر فيه لكونه بمنزلة الثمر، ولا شيء في ثمار أرض الخراج لامتناع وجوب العشر والخراج في أرض واحدة وفي المعراج‏:‏ وقول محمد لا شيء فيه أي في العسل ولكن الخراج يجب باعتبار التمكن من الاستنزال ا هـ‏.‏ وفي المبسوط أن صاحب الأرض يملك العسل الذي في أرضه، وإن لم يتخذها لذلك حتى له أن يأخذه ممن أخذه من أرضه بخلاف الطير إذا فرخ في أرض رجل فجاء رجل وأخذه فهو للآخذ لأن الطير لا يفرخ في موضع ليترك فيه بل ليطير فلم يصر صاحب الأرض محررا للفرخ بملكه ا هـ‏.‏ ولو وجد العسل في المفازة أو الجبل ففيه اختلاف فعندهما يجب العشر، وقال أبو يوسف‏:‏ لا شيء فيه؛ لأن الأرض ليست بمملوكة ولهما أن المقصود من ملكها النماء وقد حصل وعلى هذا كل ما يوجد في الجبال من الثمار والجوز وبهذا علم أن التقييد بأرض العشر للاحتراز عن أرض الخراج فقط فلو قال‏:‏ يجب في عسل أرض غير الخراج لكان أولى وأما وجوبه فيما سقي بالمطر أو بالسيح كماء النيل فمتفق عليه للأدلة السابقة وأما قوله بلا شرط نصاب وبقاء فمذهب الإمام وشرطاهما فصار الخلاف في موضعين لهما في الأول قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «ليس في حب، ولا تمر صدقة حتى يبلغ خمسة أوسق» رواه مسلم وله إطلاق الآية ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ والحديث‏:‏ «فيما سقت السماء العشر‏}‏ وتأويل مرويهما أن المنقى زكاة التجارة؛ لأنهم كانوا يتبايعون بالأوساق، وقيمة الوسق أربعون درهما أو تعارض الخاص والعام فقدم العام؛ لأنه أحوط، ولهما في الثاني الحديث‏:‏ «ليس في الخضراوات صدقة‏}‏ وله التمسك بالعمومات، وإنما استثنى الثلاثة؛ لأنه لا يقصد بها استغلال الأرض غالبا حتى لو استغل بها أرضه وجب العشر، وعلى هذا كل ما لا يقصد به استغلال الأرض لا يجب فيه العشر مثل السعف والتبن، وكذا كل حب لا يصلح للزراعة كبزر البطيخ والقثاء لكونها غير مقصودة في نفسها، وكذا لا عشر فيما هو تابع للأرض كالنحل والأشجار؛ لأنه بمنزلة جزء الأرض؛ لأنه يتبعها في البيع وكذا كل ما يخرج من الشجر كالصمغ والقطران؛ لأنه لا يقصد به الاستغلال، ويجب في العصفر والكتان وبزره؛ لأن كل واحد منها مقصود فيه ثم اختلفا فيما لا يوسق كالزعفران والقطن فاعتبر أبو يوسف قيمة أدنى ما يوسق كالذرة واعتبر محمد خمسة أعداد من أعلى ما يقدر به نوعه فاعتبر في القطن خمسة أحمال كل حمل ثلاثمائة من، وفي الزعفران خمسة أمناء ولو كان الخارج نوعين يضم أحدهما إلى الآخر لتكميل النصاب إذا اتحد الجنس، وإن كان جنسين كل واحد أقل من خمسة أوسق فإنه لا يضم، ونصاب القصب السكر على قول أبي يوسف أن تبلغ قيمته قيمة خمسة أوسق من أدنى ما يوسق وعند محمد نصاب السكر خمسة أمناء فإذا بلغ القصب قدرا يخرج منه خمسة أمناء سكر وجب فيه العشر على قوله، وينبغي أن يكون نصاب القصب عنده خمسة أطنان كما في عرف ديارنا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ونصفه في مسقى غرب ودالية‏)‏ أي ويجب نصف العشر فيما سقي بآلة للحديث والغرب دلو عظيم والدالية دولاب عظيم تديره البقر، وإن سقي بعض السنة بآلة، والبعض بغيرها فالمعتبر أكثرها كما مر في السائمة والعلوفة، وإن استويا يجب نصف العشر نظرا للفقراء كما في السائمة، وظاهر الغاية وجوب ثلاثة أرباع العشر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا ترفع المؤن‏)‏ أي لا تحسب أجرة العمال ونفقة البقر وكري الأنهار وأجرة الحافظ وغير ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بتفاوت الواجب لتفاوت المؤنة فلا معنى لرفعها أطلقه فشمل ما فيه العشر وما فيه نصفه فيجب إخراج الواجب من جميع ما أخرجته الأرض عشرا أو نصفا إلا أن ما تكلفه يأخذه بلا عشر أو نصفه ثم يخرج الواجب من الباقي كما توهمه بعض الناس‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وضعفه في أرض عشرية لتغلبي، وإن أسلم أو ابتاعها منه مسلم أو ذمي‏)‏ أي يجب عشران في أرض إلى آخره، وفيه ثلاث مسائل‏:‏ الأولى‏:‏ الأرض العشرية إذا اشتراها تغلبي فالمذهب تضعيفه عليه لإجماع الصحابة الثانية‏:‏ إذا أسلم التغلبي فالتضعيف باق عليه؛ لأن التضعيف صار وظيفة الأرض فيبقى بعد إسلامه كالخراج الثالثة إذا اشتراها منه مسلم أو ذمي فكذلك؛ لأنها انتقلت إليه بوظيفتها كالخراج فإن المسلم أهل للبقاء عليه، وإن لم يكن أهلا لابتدائه ورد الواجب أبو يوسف في المسألتين إلى عشر واحد لزوال الداعي إلى التضعيف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وخراج إن اشترى ذمي أرضا عشرية من مسلم‏)‏ أي يجب الخراج؛ لأن في العشر معنى العبادة، والكفر ينافيها، ولا وجه إلى التضعيف؛ لأن الكلام في غير التغلبي بخلاف الخراج؛ لأنه عقوبة والإسلام لا ينافيها كالرق وبه اندفع قول أبي يوسف من تضعيف العشر عليه، وقول محمد ببقاء العشر، وحاصل هذه المسائل أن الأرض إما عشرية أو خراجية أو تضعيفية والمشترون مسلم وذمي وتغلبي فالمسلم إذا اشترى العشرية أو الخراجية بقيت على حالها، أو التضعيفية فكذلك عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف ترجع إلى عشر واحد فإذا اشترى التغلبي الخراجية بقيت خراجية أو التضعيفية فهي تضعيفية أو العشرية من مسلم ضوعف عليه العشر عندهما خلافا لمحمد وإذا اشترى ذمي غير تغلبي خراجية أو تضعيفية بقيت على حالها أو عشرية صارت خراجية إن استقرت في ملكه عنده، ولم يشترط القبض في المختصر لوجوب الخراج وشرطه في الهداية؛ لأن الخراج لا يجب إلا بالتمكن من الزراعة، وذلك بالقبض‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعشر إن أخذها مسلم بالشفعة أو رد على البائع للفساد‏)‏ أما الأول فلتحول الصفقة إلى الشفيع كأنه اشتراها من المسلم، وأما الثاني فلأنه بالرد والفسخ جعل البيع كأن لم يكن؛ لأن حق المسلم، وهو البائع لم ينقطع بهذا البيع لكونه مستحق الرد وأشار بقوله للفساد إلى كل موضع كان الرد فيه فسخا كالرد بخيار الشرط والرؤية مطلقا والرد بخيار العيب إن كان بقضاء وأما بغير قضاء فهي خراجية على حالها كالإقالة؛ لأنها فسخ في حق المتعاقدين بيع جديد في حق ثالث فصار شراء من الذمي فتنتقل إلى المسلم بوظيفتها فاستفيد من وضع المسألة أن للذمي أن يردها بعيب قديم، ولا يكون وجوب الخراج عليها عيبا حادثا؛ لأنه يرتفع بالفسخ بالقضاء فلا يمنع الرد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن جعل مسلم داره بستانا فمؤنته تدور مع مائه‏)‏ يعني فإن سقاه بماء العشر فهو عشري، وإن سقاه بماء الخراج فهو خراجي، وإن سقاه مرة من ماء العشر، ومرة من ماء الخراج فعليه العشر؛ لأنه أحق بالعشر من الخراج كذا في غاية البيان واستشكل العتابي وجوب الخراج على المسلم ابتداء حتى نقل في غاية البيان أن الإمام السرخسي ذكر في كتاب الجامع أن عليه العشر بكل حال؛ لأنه أحق بالعشر من الخراج، وهو الأظهر ا هـ‏.‏ وجوابه أن الممنوع وضع الخراج عليه ابتداء جبرا أما باختياره فيجوز، وقد اختاره هنا حيث سقاه بماء الخراج فهو كما إذا أحيا أرضا ميتة بإذن الإمام وسقاها بماء الخراج فإنه يجب عليه الخراج والبستان يحوط عليها حائط، وفيها أشجار متفرقة كذا في المعراج قيد بجعلها بستانا؛ لأنه لو لم يجعلها بستانا، وفيها نخل تغل أكرارا لا شيء فيها وأما الذمي فإن الخراج واجب عليه مطلقا، ولا يعتبر الماء، وهو المراد بقوله‏:‏ ‏(‏بخلاف الذمي‏)‏؛ لأنه أهل له لا للعشر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وداره حر‏)‏؛ لأن عمر رضي الله عنه جعل المساكن عفوا وعليه إجماع الصحابة وكذا المقابر وتقييده في الهداية بالمجوسي ليفيد النفي في غيره من أهل الكتاب بالدلالة لأن المجوسي أبعد عن الإسلام لحرمة مناكحته وذبائحه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كعين قير ونفط في أرض عشر، ولو في أرض خراج يجب الخراج‏)‏؛ لأنه ليس من إنزال الأرض، وإنما هو عين فوارة كعين الماء فلا عشر، ولا خراج إن لم يكن وراء موضع القير والنفط أرض فارغة صالحة للزراعة، وأما إذا كان وراءه موضع صالح للزراعة فلا يجب شيء إن كان في أرض العشر؛ لأن العشر لا يكفي فيه التمكن من الزراعة بل لا بد من حقيقة الخارج، وأما إن كان في أرض خراج وجب الخراج؛ لأنه يكفي لوجوبه التمكن من الزراعة، وقد حصل، وهو المراد بما في المختصر والقير هو الزفت، ويقال القار والنفط بالفتح والكسر، وهو أفصح دهن يعلو الماء، وفي معراج الدراية، ولا يمسح موضع القير في رواية ابن سماعة عن محمد؛ لأن موضعه لا يصلح للزراعة وقال بعض مشايخنا‏:‏ يمسح؛ لأن موضع القير تبع للأرض فيمسح معه تبعا وإن كان لا يصلح للزراعة كأرض في بعض جوانبها سبخة فإنها تمسح مع الأرض ويوضع الخراج فيها لكونها تابعة لما يصلح للزراعة ا هـ‏.‏ وظاهر المختصر يدل على قول البعض فإنه أوجب الخراج مطلقا، ولم يذكر المصنف الفرق بين الأرض الخراجية والعشرية فالأرض العشرية أرض العرب كلها قال محمد هي من العذيب إلى مكة وعدن أبين إلى أقصى حجر باليمن بمهرة وذكر الكرخي أنها أرض الحجاز وتهامة واليمن ومكة والطائف والبرية، ومنها الأرض التي أسلم أهلها طوعا أو فتحت قهرا وقسمت بين الغانمين، وأما الأرض الخراجية فما فتحت قهرا وتركت في أيدي أربابها وأرض نصارى بني تغلب، والموات التي أحياها ذمي مطلقا أو مسلم وسقاها بماء الخراج وماء الخراج هو ماء الأنهار الصغار التي حفرها الأعاجم مما يدخل تحت الأيدي وماء العيون والقنوات المستنبطة من مال بيت المال وماء العشر هو ماء السماء والآبار والعيون والأنهار العظام التي لا تدخل تحت الأيدي كسيحون وجيحون ودجلة والفرات والنيل لعدم إثبات يد عليها وعن أبي يوسف أنها خراجية لإمكان إثبات اليد عليها بشد السفن بعضها على بعض حتى تصير شبه القنطرة كذا في البدائع وغيرها والله أعلم‏.‏

باب المصرف

هو في اللغة المعدل قال - تعالى - ‏{‏ولم يجدوا عنها مصرفا‏}‏ كذا في ضياء الحلوم، ولم يقيده في الكتاب بمصرف الزكاة ليتناول الزكاة والعشر وخمس المعادن مما قدمه كما أشير إليه في النهاية وينبغي إخراج خمس المعادن؛ لأن مصرفه الغنائم كما صرح به الإسبيجابي وغيره وقد ذكر الأصناف السبعة وسكت عن المؤلفة قلوبهم للإشارة إلى السقوط للإجماع الصحابي، وهو من قبيل انتهاء الحكم لانتهاء علته الغائبة التي كان لأجلها الدفع فإن الدفع كان للإعزاز وقد أعز الله الإسلام وأغنى عنهم واختار في العناية أنه ليس من باب النسخ؛ لأن الإعزاز الآن في عدم الدفع فهو تقرير لما كان لا نسخ وتعقبه في فتح القدير بأن هذا لا ينفي النسخ؛ لأن إباحة الدفع إليهم حكم شرعي كان ثابتا وقد ارتفع وهم كانوا ثلاثة أقسام قسم كان الإعطاء ليتألفهم على الإسلام وقسم كان يعطيهم لدفع شرهم وقسم أسلموا، وفيهم ضعف فكان يتألفهم ليثبتوا، ولا يقال إن نسخ الكتاب بالإجماع لا يجوز؛ لأن الناسخ دليل الإجماع لا هو بناء على أنه لا إجماع إلا عن مستند فإن ظهر وإلا وجب الحكم بأنه ثابت على أن الآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه تصلح لذلك، وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر‏}‏‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هو الفقير والمسكين، وهو أسوأ حالا من الفقير‏)‏ أي المصرف الفقير والمسكين والمسكين أدنى حالا وفرق بينهما في الهداية وغيرها بأن الفقير من له أدنى شيء والمسكين من لا شيء له وقيل على العكس ولكل وجه والأول هو الأصح، وهو المذهب كذا في الكافي والأولى أن يفسر الفقير بمن له ما دون النصاب كما في النقاية أخذا من قولهم يجوز دفع الزكاة إلى من يملك ما دون النصاب أو قدر نصاب غير تام، وهو مستغرق في الحاجة، ولا خلاف في أنهما صنفان هو الصحيح؛ لأن العطف في الآية يقتضي المغايرة، وإنما الخلاف في أنهما صنفان أو صنف واحد في غير الزكاة كالوصية والوقف والنذر فقال أبو حنيفة بالأول، وهو الصحيح كما في غاية البيان وأبو يوسف بالثاني فلو أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين فعلى الصحيح لفلان ثلث الثلث وعلى غيره نصف الثلث وإنما جاز صرف الزكاة إلى صنف واحد لمعنى لا يوجد في الوصية، وهو دفع الحاجة وذا يحصل بالصرف إلى صنف واحد والوصية ما شرعت لدفع حاجة الموصى له فإنها تجوز للغني أيضا وقد يكون للموصي أغراض كثيرة لا يوقف عليها فلا يمكن تعليل نص كلامه فيجري على ظاهر لفظه من غير اعتبار المعنى كذا في البدائع ولهذا لو أوصى بثلث ماله للأصناف السبعة فصرف إلى صنف واحد لا يجوز وقيل يجوز كذا في المحيط، وفي الخانية والذي له دين على إنسان إذا احتيج إلى النفقة يجوز له أن يأخذ من الزكاة قدر كفايته إلى حلول الأجل، وإن كان الدين غير مؤجل فإن كان من عليه الدين معسرا يجوز له أخذ الزكاة في أصح الأقاويل؛ لأنه بمنزلة ابن السبيل، وإن كان المديون موسرا معترفا لا يحل له أخذ الزكاة وكذا إذا كان جاحدا وله عليه بينة عادلة، وإن لم تكن بينة عادلة لا يحل له أخذ الزكاة ما لم يرفع الأمر إلى القاضي فيحلفه فإذا حلف بعد ذلك يحل له أخذ الزكاة ا هـ‏.‏ والمراد من الدين ما يبلغ نصابا كما لا يخفى، وفي فتح القدير‏:‏ ولو دفع إلى فقيرة لها مهر دين على زوجها يبلغ نصابا، وهو موسر بحيث لو طلبت أعطاها لا يجوز، وإن كان بحيث لا يعطي لو طلبت جاز ا هـ‏.‏ وهو مقيد لعموم ما في الخانية والمراد من المهر ما تعورف تعجيله؛ لأن ما تعورف تأجيله فهو دين مؤجل لا يمنع أخذ الزكاة، ويكون في الأول عدم إعطائه بمنزلة إعساره ويفرق بينه وبين سائر الديون بأن رفع الزوج للقاضي مما لا ينبغي للمرأة بخلاف غيره لكن في البزازية، وإن كان موسرا أو المعجل قدر النصاب لا يجوز عندهما وبه يفتى للاحتياط، وعند الإمام يجوز مطلقا وسيأتي بيان النصب الثلاثة آخر الباب إن شاء الله - تعالى -‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعامل‏)‏ تقدم تفسيره في باب العاشر وعبر بالعامل دون العاشر ليشمل الساعي أيضا، وقدمنا الفرق بينهما فيعطى ما يكفيه وأعوانه بالوسط مدة ذهابهم وإيابهم ما دام المال باقيا إلا إذا استغرقت كفايته الزكاة فلا يزاد على النصف؛ لأن التنصيف عين الإنصاف قيدنا بالوسط؛ لأنه لا يجوز له أن يتبع شهوته في المأكل والمشرب والملبس؛ لأنها حرام لكونها إسرافا محضا، وعلى الإمام أن يبعث من يرضى بالوسط من غير إسراف، ولا تقتير كذا في غاية البيان، وفي البزازية المصدق إذا أخذ عمالته قبل الوجوب أو القاضي استوفى رزقه قبل المدة جاز، والأفضل عدم التعجيل لاحتمال أن لا يعيش إلى المدة ا هـ‏.‏ وقيدنا ببقاء المال؛ لأنه لو أخذ الصدقة، وضاعت في يده بطلت عمالته، ولا يعطى من بيت المال شيئا كذا في الأجناس عن الزيادات وما يأخذه العامل صدقة فلا تحل العمالة لهاشمي لشرفه كما سيأتي وإنما حلت للغني مع حرمة الصدقة عليه؛ لأنه فرغ نفسه لهذا العمل فيحتاج إلى الكفاية، والغني لا يمنع من تناولها عند الحاجة كابن السبيل كذا في البدائع والتحقيق أن فيه شبها بالأجرة وشبها بالصدقة فللأول يحل للغني، ولا يعطى لو هلك المال، أو أداها صاحب المال إلى الأمام، وللثاني لا يحل للهاشمي، ويسقط الواجب عن أرباب الأموال لو هلك المال في يده؛ لأن يده كيد الإمام، وهو نائب عن الفقراء، ولا تكون مقدرة، وفي النهاية رجل من بني هاشم استعمل على الصدقة فأجري له منها رزق فإنه لا ينبغي له أن يأخذ من ذلك وإن عمل فيها ورزق من غيرها فلا بأس بذلك ا هـ‏.‏ وهو يفيد صحة توليته، وإن أخذه منها مكروه لا حرام، ومن أحكام العامل ما ذكره في البزازية أن العامل إذا ترك الخراج على المزارع بدون علم السلطان يحل له لو مصرفا كالسلطان إذا ترك الخراج له‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمكاتب‏)‏ أي يعان المكاتب في فك رقبته، وهو المراد بقوله - تعالى‏:‏ ‏{‏وفي الرقاب‏}‏ هو منقول عن الحسن البصري وغيره في تفسير الطبري وأطلقه فشمل ما إذا كان مولاه فقيرا أو غنيا وهل ما يدفع للمكاتب منها يكون ملكا له أو لا فالذي في بعض التفاسير أنه لا يملك قال القاضي البيضاوي‏:‏ والعدول عن اللام إلى في للدلالة على أن الاستحقاق للجهة لا للرقاب وقيل للإيذان بأنهم أحق بها ا هـ‏.‏ وقال الطيبي في حاشية الكشاف إنما عدل عن اللام إلى ‏"‏ في ‏"‏ في الأربعة الأخيرة؛ لأن الأربعة الأول ملاك لما عسى أن يدفع إليهم، والأربعة الأخيرة لا يملكون ما يدفع إليهم إنما يصرف المال في مصالح تتعلق بهم؛ لأن التعدية بفي مقدر بالصرف فمال الرقاب يملكه السادة والمكاتبون لا يحصل في أيديهم شيء والغارمون بصرف نصيبهم لأرباب الديون، وكذلك في سبيل الله - تعالى، وابن السبيل مندرج في سبيل الله، وأفرد بالذكر تنبيها على خصوصية، وهو مجرد عن الحرفين جميعا أي اللام، وفي عطفه على اللام ممكن، وفي أقرب ا هـ‏.‏ فقد صرح بأن الأربعة الأخيرة لا يملكون شيئا، ويستفاد منه أنهم ليس لهم صرف المال في غير الجهة التي أخذوا لأجلها، وفي البدائع‏:‏ وإنما جاز دفع الزكاة إلى المكاتب؛ لأن الدفع إليه تمليك، وهو ظاهر في أن الملك يقع للمكاتب فبقية الأربعة بالطريقة الأولى لكن بقي هل لهم على هذا الصرف إلى غير الجهة، وفي المحيط وقد قالوا‏:‏ إنه لا يجوز لمكاتب هاشمي؛ لأن الملك يقع للمولى من وجه، والشبهة ملحقة بالحقيقة في حقهم ا هـ‏.‏ وفي شرح المجمع، وإن عجز المكاتب يحل لمولاه، وإن كان غنيا، وعلى هذا الفقير إذا استغنى، وابن السبيل إذا وصل إلى ماله‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمديون‏)‏ أطلقه كالقدوري وقيده في الكافي بأن لا يملك نصابا فاضلا عن دينه؛ لأنه المراد بالغارم في الآية، وهو في اللغة من عليه دين، ولا يجد قضاء كما ذكره القتبي، وإنما لم يقيده المصنف؛ لأن الفقر شرط في الأصناف كلها إلا العامل، وابن السبيل إذا كان له في وطنه مال بمنزلة الفقير، وفي الفتاوى الظهيرية‏:‏ والدفع إلى من عليه الدين أولى من الدفع إلى الفقير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومنقطع الغزاة‏)‏ هو المراد بقوله - تعالى - ‏{‏وفي سبيل الله‏}‏، وهو اختيار منه لقول أبي يوسف، وعند محمد منقطع الحاج، وقيل‏:‏ طلبه العلم واقتصر عليه في الفتاوى الظهيرية وفسره في البدائع بجميع القرب فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله - تعالى، وسبيل الخيرات إذا كان محتاجا ا هـ‏.‏ ولا يخفى أن قيد الفقير لا بد منه على الوجوه كلها فحينئذ لا تظهر ثمرته في الزكاة، وإنما تظهر في الوصايا والأوقاف كما تقدم نظيره في الفقراء والمساكين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وابن السبيل‏)‏ هو المنقطع عن ماله لبعده عنه والسبيل الطريق فكل من يكون مسافرا يسمى ابن السبيل، وهو غني بمكانه حتى تجب الزكاة في ماله، ويؤمر بالأداء إذا وصلت إليه يده، وهو فقير يدا حتى تصرف إليه الصدقة في الحال لحاجته كذا في الكافي فإن قلت‏:‏ منقطع الغزاة أو الحج إن لم يكن في وطنه مال فهو فقير، وإلا فهو ابن السبيل فكيف تكون الأقسام سبعة، قلت‏:‏ هو فقير إلا أنه زاد عليه بالانقطاع في عبادة الله - تعالى - فكان مغايرا للفقير المطلق الخالي عن هذا القيد كذا في النهاية، وفي الظهيرية الاستقراض لابن السبيل خير من قبول الصدقة، وفي فتح القدير‏:‏ ولا يحل له أن يأخذ أكثر من حاجته وألحق به كل من هو غائب عن ماله، وإن كان في بلده، ولا يقدر عليه إلا به، وفي المحيط، وإن كان تاجرا له دين على الناس لا يقدر على أخذه، ولا يجد شيئا يحل له أخذ الزكاة؛ لأنه فقير يدا كابن السبيل ا هـ‏.‏ وهو أولى من جعله غارما كما في فتح القدير وقد قدمنا في بحث الفقير تفصيلا له فراجعه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فيدفع إلى كلهم أو إلى صنف‏)‏؛ لأن المراد بالآية بيان الأصناف التي يجوز الدفع إليهم لا تعيين الدفع لهم ويدل له من الكتاب قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم‏}‏، ومن السنة أنه «عليه الصلاة والسلام أتاه مال من الصدقة فجعله في صنف واحد وهم المؤلفة قلوبهم ثم أتاه مال آخر فجعله في الغارمين‏}‏ ولم يصرح في الكتاب بجواز الاقتصار على شخص واحد من صنف واحد، ولا شك فيه عندنا؛ لأن الجمع المعرف باللام مجاز عن الجنس ولهذا لو حلف لا يتزوج النساء، ولا يشتري العبيد يحنث بالواحد فالمعنى في الآية أن جنس الزكاة لجنس الفقير فيجوز الصرف إلى واحد؛ لأن الاستغراق ليس بمستقيم؛ إذ يصير المعنى أن كل صدقة لكل فقير، ولا يرد خالعني على ما في يدي من الدراهم، ولا شيء في يدها فإنه يلزمها ثلاثة ولو حلف لا يكلمه الأيام أو الشهور يقع على العشرة عنده، وعلى الأسبوع والسنة عندهما؛ لأنه أمكن العهد فلا يحمل على الجنس فالحاصل أن حمل الجمع على الجنس مجازا وعلى العهد أو الاستغراق حقيقة، ولا مسوغ للحلف إلا عند تعذر الأصل وعلى هذا تنصف الموصى به لزيد والفقراء كالوصية لزيد وفقير‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا إلى ذمي‏)‏ أي لا تدفع إلى ذمي لحديث معاذ ‏{‏خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم‏}‏ لا لأن التنصيص على الشيء ينفي الحكم عما عداه بل للأمر بردها إلى فقراء المسلمين فالصرف إلى غيرهم ترك للأمر، وحديث معاذ مشهور تجوز الزيادة به على الكتاب ولئن كان خبر واحد فالعام خص منه البعض بالدليل القطعي، وهو الفقير الحربي بالآية وأصوله وفروعه بالإجماع فيخص الباقي بخبر الواحد كما عرف في الأصول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وصح غيرها‏)‏ أي وصح دفع غير الزكاة إلى الذمي واجبا كان أو تطوعا كصدقة الفطر والكفارات والمنذور لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين‏}‏ الآية، وخصت الزكاة بحديث معاذ، وفيه خلاف أبي يوسف، ولا يرد عليه العشر؛ لأن مصرفه مصرف الزكاة كما قدمناه فلا يدفع إلى ذمي، والصرف في الكل إلى فقراء المسلمين أحب، وقيد بالذمي؛ لأن جميع الصدقات فرضا كانت أو واجبة أوتطوعا لا تجوز للحربي اتفاقا كما في غاية البيان لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين‏}‏ وأطلقه فشمل المستأمن، وقد صرح به في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبناء مسجد وتكفين ميت وقضاء دينه وشراء قن يعتق‏)‏ بالجر بالعطف على ذمي، والضمير في دينه للميت وعدم الجواز لانعدام التمليك الذي هو الركن في الأربعة؛ لأن الكفن على ملك المتبرع حتى لو افترس الميت السبع كان الكفن للمتبرع لا لورثة الميت، وقضاء دين الغير لا يقتضي التمليك من ذلك الغير الحي فالميت أولى بدليل أنه لو قضى دين غيره ثم تصادق الدائن والمديون على عدمه رجع المتبرع على الدائن لا على المديون، والإعتاق إسقاط لا تمليك قيد بقضاء دين الميت؛ لأنه لو قضى دين الحي إن قضاه بغير أمره يكون متبرعا، ولا يجزئه عن الزكاة وإن قضاه بأمره جاز، ويكون القابض كالوكيل له في قبض الصدقة كذا في غاية البيان وقيده في النهاية بأن يكون المديون فقيرا، ولا بد منه، ويستفاد منه أن رجوع المتبرع بقضاء الدين عند التصادق على الدائن محمول على ما إذا كان بغير أمر المديون أما إذا كان بأمره فهو تمليك منه فلا رجوع عند التصادق بأنه لا دين على الدائن، وإنما يرجع على المديون، وهو بعمومه يتناول ما لو دفعه ناويا الزكاة، وينبغي أن لا رجوع فيها كما بحثه المحقق في فتح القدير فليراجع، والحيلة في الجواز في هذه الأربعة أن يتصدق بمقدار زكاته على فقير ثم يأمره بعد ذلك بالصرف إلى هذه الوجوه فيكون لصاحب المال ثواب الزكاة وللفقير ثواب هذه القرب كذا في المحيط وأشار المصنف إلى أنه لو أطعم يتيما بنيتها لا يجزئه لعدم التمليك إلا إذا دفع له الطعام كالكسوة إذا كان يعقل القبض، وإلا فلا، ولو دفع الصغير إلى وليه كذا في الخانية والمراد بالعقل هنا أنه لا يرمي به، ولا يخدع عنه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأصله، وإن علا وفرعه، وإن سفل‏)‏ بالجر أي لا يجوز الدفع إلى أبيه وجده، وإن علا، ولا إلى ولده وولد ولده، وإن سفل؛ لأن المنفعة لم تنقطع عن الملك من كل وجه كما قدمه في تعريف الزكاة؛ لأن الواجب عليه الإخراج عن ملكه رقبة ومنفعة، ولم يوجد في الأصول والفروع الإخراج عن ملكه منفعة وإن وجد رقبة، وفي عبده وجد الإخراج منفعة لا رقبة كذا في المستصفى، وفيه إشارة إلى أن هذا الحكم لا يخص الزكاة بل كل صدقة واجبة لا يجوز دفعها لهم كأحد الزوجين كالكفارات وصدقة الفطر والنذور، وقيد بأصله وفرعه؛ لأن من سواهم من القرابة يجوز الدفع لهم، وهو أولى لما فيه من الصلة مع الصدقة كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات الفقراء ولهذا قال في الفتاوى الظهيرية‏:‏ يبدأ في الصدقات بالأقارب ثم الموالي ثم الجيران وذكر في موضع آخر معزيا إلى أبي حفص الكبير‏:‏ لا تقبل صدقة الرجل، وقرابته محاويج فيسد حاجتهم، وفي المحيط‏:‏ ولو دفع إلى أخته، ولها مهر على زوجها الموسر يبلغ نصابا يجوز عند أبي حنيفة، ولا يحل عندهما وبه يفتى احتياطا ولو دفع زكاته إلى من نفقته واجبة عليه من القرائب جاز إذا لم يحتسبها من النفقة، وفي القنية‏:‏ دفع زكاته في مرض موته إلى أخيه ثم مات، وهو وارثه وقعت موقعها ثم رقم بأنه لا يصح كمن أوصى بالحج ليس للوصي أن يدفعه إلى قريب الميت؛ لأنه وصية كذا هذا ثم رقم بأنه يصح لكن للورثة الرد باعتبار أنه وصية ا هـ‏.‏ والذي يظهر ترجيح الأول، وأطلق في فرعه فشمل ثابت النسب منه وغيره إذا كان مخلوقا من مائه فلا يدفع إلى المخلوق من مائه بالزنا، ولا إلى أم ولده الذي نفاه وخرج ولد المنعي إليها زوجها إذا تزوجت ثم ولدت ثم جاء الأول حيا فإن على قول أبي حنيفة المرجوع عنه الأولاد للأول، ومع هذا يجوز دفع زكاة الأول إليهم وتجوز شهادتهم له كذا في معراج الدراية لعدم الفرعية ظاهرا وعلى هذا فينبغي على هذا القول أن لا يجوز للثاني دفع الزكاة إليهم لوجود الفرعية حقيقة، وإن لم يثبت النسب منه لكن المنقول في الفتاوى الولوالجية أنه يجوز للثاني الدفع إليهم وتجوز شهادتهم له على قول الإمام وروي رجوعه وعليه الفتوى وعليه فللأول الدفع إليهم دون الثاني، وعلم من تعليل المسألة بعدم انقطاع المنفعة عن المملك أن خمس المعادن يجوز صرفه إلى الأصول والفروع وأحد الزوجين؛ لأن له أن يحبس الخمس لنفسه إذا كانت الأربعة الأخماس لا تغنيه فأولى أن يجوز لغيره؛ لأنه أبعد من نفسه كذا ذكر الإسبيجابي وقيد بالصدقة الواجبة؛ لأن صدقة التطوع الأولى دفعها إلى الأصول والفروع كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وزوجته وزوجها‏)‏ أي لا يجوز الدفع لزوجته، ولا دفع المرأة لزوجها لما قدمناه من عدم قطع المنفعة عنه من كل وجه، وفي دفعها له خلافهما لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لك أجران أجر الصدقة وأجر الصلة‏}‏ قاله لامرأة ابن مسعود وقد سألته عن التصدق عليه، قلنا‏:‏ هو محمول على النافلة كذا في الهداية أطلق الزوجة فشمل الزوجة من وجه فلا يجوز الدفع إلى معتدة من بائن، ولو بثلاث كذا في المعراج، واعلم أن في شهادة أحد الزوجين لصاحبه تعتبر الزوجية وقت الأداء، وفي الرجوع في الهبة وقت الهبة، وفي الوصية وقت الموت، وفي الإقرار لها في مرض موته الاعتبار لوقت الإقرار، وفي الحدود يعتبر كلا الطرفين حتى لو سرق من امرأته ثم أبانها أو من أجنبية ثم تزوجها ثم اختصمها لم يقطع كذا في النهاية، وفي فتاوى قاضي خان من الشهادات ما يدل على أن العبرة فيها لوقت الحكم وسيأتي إن شاء الله - تعالى، وفي الظهيرية‏:‏ رجل دفع زكاة ماله إلى رجل وأمره بالأداء فأعطى الوكيل ولد نفسه الكبير أو الصغير أو امرأته وهم محاويج جاز، ولا يمسك لنفسه شيئا، ولو أن صاحب المال قال له‏:‏ ضعه حيث شئت له أن يمسك لنفسه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعبده ومكاتبه ومدبره وأم ولده ومعتق البعض‏)‏ أي لا يجوز الدفع إلى هؤلاء لعدم التمليك أصلا في غير المكاتب ولعدم تمامه فيه؛ لأن له حقا في كسب مكاتبه؛ ولذا لو تزوج بأمة مكاتبه لم يجز بمنزلة تزوجه بأمة نفسه، ومعتق البعض كالمكاتب وإذا كان معتق البعض لغيره فقد قدم أن الدفع لمكاتب الغير هو المراد بالرقاب فلا يرد عليه هنا، وهذا إذا كان العبد كله معتق بعضه فلو كان بين اثنين فأعتق أحدهما حصته، وهو معسر، واختار الساكت الاستسعاء فللمعتق الدفع؛ لأنه مكاتب لشريكه، وليس للساكت الدفع؛ لأنه مكاتبه، وهذا إذا كان الشريك أجنبيا فإن كان ولده فلا؛ لأن الدفع لمكاتب الولد غير جائز كالدفع لابنه، وإن كان المعتق موسرا واختار الساكت تضمينه فللساكت الدفع للعبد؛ لأنه أجنبي عنه، وليس للمعتق الدفع إذا اختار استسعاءه؛ لأنه مكاتبه لما أنه بالضمان مخير بين إعتاق الباقي أو الاستسعاء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغني يملك نصابا‏)‏ أي لا يجوز الدفع له لحديث معاذ المشهور ‏{‏خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم‏}‏ أطلقه فشمل النصاب النامي السالم من الدين الفاضل عن الحوائج الأصلية الموجب لكل واجب مالي، والنصاب الذي ليس بنام الفارع عما ذكر الموجب لثلاثة صدقة الفطر والأضحية ونفقة القريب فإن كلا منهما محرم لأخذ الزكاة، ولا يرد عليه الغني بقوت يومه فإنه لا يملك نصابا وتسمية الشارحين له نصابا وجعلهم النصب ثلاثة مجاز؛ لما في الصحاح‏:‏ النصاب من المال القدر الذي يجب فيه الزكاة إذا بلغه نحو مائتي درهم وخمس من الإبل؛ إذ ليس قوت اليوم مقدرا لكن في ضياء الحلوم نصاب كل شيء أصله، ومنه النصاب المعتبر في وجوب الزكاة، وهو يقتضي إطلاق النصاب عليه حقيقة؛ إذ قوت اليوم أصل تحريم السؤال وقيدنا بكونه فارغا عن الحوائج الأصلية؛ لأنه لو كان مستغرقا بها حلت له فتحل لمن ملك كتبا تساوي نصابا، وهو من أهلها للحاجة لا إن زادت على قدرها أو كان جاهلا، والفقيه غني بكتبه ولو كان محتاجا إليها لقضاء دينه فيجب بيعها كما في القنية من باب الحبس من القضاء، ويحل لمن له دور وحوانيت تساوي نصبا، وهو محتاج لغلتها لنفقته ونفقة عياله على خلاف فيه ولمن عنده طعام سنة تساوي نصابا لعياله على ما هو الظاهر بخلاف قضاء الدين فإنه يجب عليه بيع قوته إلا قوت يومه كما في القنية من الحبس وحلت لمن له نصاب، وعليه دين مستغرق أو منقص للنصاب وحلت لمن له كسوة الشتاء لا يحتاج إليها في الصيف، وللمزارع إذا كان له ثوران لا إن زاد وبلغ نصابا، ولا تحل لمن له دار تساوي نصبا، والفاضل عن سكناه يبلغ نصابا وقيد بملك النصاب؛ لأن من ملك ما دونه يحل له أخذها إذا كان قيمته لا تبلغ نصابا، ولو كان صحيحا مكتسبا قيدنا به؛ لأنه لو كان تسعة عشر دينارا تساوي ثلاثمائة درهم لا تحل له الزكاة كذا في المحيط عن محمد، وفي الفتاوى الظهيرية خلافه قال‏:‏ وقال هشام‏:‏ سألت محمدا عن رجل له تسعة عشر دينارا تساوي ثلاثمائة درهم هل يسعه أن يأخذ قال نعم، ولا يجب عليه صدقة فطره، وقيد بالزكاة؛ لأن النفل يجوز للغني كما للهاشمي، وأما بقية الصدقات المفروضة والواجبة كالعشر والكفارات والنذور وصدقة الفطر فلا يجوز صرفها للغني لعموم قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تحل صدقة لغني‏}‏ خرج النفل منها؛ لأن الصدقة على الغني هبة كذا في البدائع وأما صدقة الوقف فيجوز صرفها إلى الأغنياء إن سماهم الواقف، وإلا فلا؛ لأنها من الصدقة الواجبة كذا في البدائع أيضا وفرعوا على منع دفع الزكاة للغني ما لو دفع قوم زكاتهم إلى من يجمعها لفقير فاجتمع عند الآخذ أكثر من مائتين فإن كان جمعه له بأمره قالوا‏:‏ كل من دفع قبل أن يبلغ ما في يد الجابي مائتين جازت زكاته، ومن دفع بعده لا يجوز إلا أن يكون الفقير مديونا فيعتبر هذا التفصيل في مائتين تفضل بعد دينه فإن كان بغير أمره جاز الكل مطلقا؛ لأنه في الأول هو وكيل عن الفقير فما اجتمع عنده يملكه، وفي الثاني وكيل الدافعين فما اجتمع عنده ملكهم كذا في فتح القدير وللغني أن يشتري الصدقة الواجبة من الفقير ويأكلها، وكذا لو وهبها له علم أن تبدل الملك كتبدل العين فلو أباحها له، ولم يملكها منه ذكر أبو المعين النسفي أنه لا يحل تناوله للغني وقال خواهر زاده يحل كذا في الفوائد التاجية والذي يظهر ترجيح الأول؛ لأن الإباحة لو كانت كافية لما قال عليه الصلاة والسلام في واقعة بريرة ‏{‏هو لها صدقة ولنا هدية‏}‏ كما لا يخفى إلا أن يقال بالفرق بين الهاشمي والغني وإن قيل به فصحيح لما تقدم أن الشبهة في حق الهاشمي كالحقيقة بدليل منع الهاشمي من العمالة بخلاف الغني، ودخل تحت النصاب النامي المذكور أولا الخمس من الإبل السائمة فإن ملكها أو نصابا من السوائم من أي مال كان لا يجوز دفع الزكاة له سواء كان يساوي مائتي درهم أو لا، وقد صرح به شراح الهداية عند قوله من أي مال كان، وفي معراج الدراية قوله‏:‏ ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك، ولكنه لا يطيب للآخذ؛ لأنه لا يلزم من جواز الدفع جواز الأخذ كظن الغني فقيرا ا هـ‏.‏ وهو غير صحيح؛ لأن المصرح به في غاية البيان وغيرها أنه يجوز أخذها لمن ملك أقل من النصاب كما يجوز دفعها نعم الأولى عدم الأخذ لمن له سداد من عيش كما صرح به في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعبده وطفله‏)‏ أي لا يجوز دفع الزكاة، وما ألحق بها لعبد الغني وولده الصغير؛ لأن الملك في العبد يقع لمولاه، وهو ليس بمصرف كذا في الكافي فأفاد أن المراد بالعبد غير المديون المستغرق لما في يده ورقبته، وأما هو فيجوز دفعها له لعدم ملك المولى إكسابه في هذه الحالة عند الإمام لما عرف خلافا لهما وأطلق العبد فشمل القن والمدبر وأم الولد والزمن الذي ليس في عيال مولاه، ولم يجد شيئا أو كان مولاه غائبا خلافا لما روي عن أبي يوسف في الأخير واختاره في الذخيرة؛ لأنه لا ينفي وقوع الملك لمولاه بهذا العارض وقد يجاب بأنه عند غيبة مولاه الغني وعدم قدرته على الكسب لا ينزل عن حال ابن السبيل كذا في فتح القدير وقد يقال‏:‏ إن الملك هنا يقع للمولى وهو ليس بمصرف وأما ابن السبيل فمصرف فالأولى الإطلاق كما هو المذهب وقد تقدم أن الدفع إلى مكاتب الغني جائز وإنما منع من الدفع لطفل الغني؛ لأنه يعد غنيا بغناء أبيه كذا قالوا، وهو يفيد أن الدفع لولد الغنية جائز؛ إذ لا يعد غنيا بغناء أمه ولو لم يكن له أب، وقد صرح به في القنية وأطلق الطفل فشمل الذكر والأنثى ومن هو في عيال الأب أو لا على الصحيح لوجود العلة وقيد بالطفل؛ لأن الدفع لولد الغني إذا كان كبيرا جائز مطلقا وقيد بعبده وطفله؛ لأن الدفع إلى أبي الغني وزوجته جائز سواء فرض لها نفقة أو لا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبني هاشم ومواليهم‏)‏ أي لا يجوز الدفع لهم لحديث البخاري‏:‏ «نحن - أهل بيت - لا تحل لنا الصدقة» ولحديث أبي داود‏:‏ «مولى القوم من أنفسهم، وإنا لا تحل لنا الصدقة‏}‏ قد أطلق في بني هاشم فشمل من كان ناصرا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن لم يكن ناصرا له منهم كولد أبي لهب فيدخل من أسلم منهم في حرمة الصدقة لكونه هاشميا، فإن تحريم الصدقة حكم يختص بالقرابة من بني هاشم لا بالنصرة كذا في غاية البيان، وقيده المصنف في الكافي تبعا لما في الهداية وشروحها بآل علي وعباس وجعفر وعقيل وحارث بن عبد المطلب ومشى عليه الشارح الزيلعي والمحقق في فتح القدير وصرحا بإخراج أبي لهب وأولاده في هذا الحكم؛ لأن حرمة الصدقة لبني هاشم كرامة من الله - تعالى - لهم ولذريتهم حيث نصروه عليه الصلاة والسلام في جاهليتهم وإسلامهم، وأبو لهب كان حريصا على أذى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يستحقها بنوه واختاره المصنف في المستصفى وروى حديثا ‏{‏لا قرابة بيني وبين أبي لهب‏}‏ ونص في البدائع على أن الكرخي قيد بني هاشم بالخمسة من بني هاشم فكان المذهب التقييد؛ لأن الإمام الكرخي ممن هو أعلم بمذهب أصحابنا، وقيد ببني هاشم؛ لأن بني المطلب تحل لهم الصدقة وليسوا كبني هاشم، وإن استووا في القرابة؛ لأن عبد مناف جد النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ولعبد مناف أربعة بنين هاشم والمطلب ونوفل وعبد شمس والخمسة المذكورون من بني هاشم؛ لأن العباس والحارث عمان للنبي صلى الله عليه وسلم، وجعفر وعقيل أخوان لعلي بن أبي طالب، وهو عم النبي صلى الله عليه وسلم وكان لأبي طالب أربعة من الأولاد، ولد له طالب فمات، ولم يعقب وكان بينه وبين عقيل عشر سنين وبين عقيل وجعفر عشر سنين وبين جعفر وعلي عشر سنين، وأمهم فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف كذا في غاية البيان وجمهرة النسب وقال المصنف في الكافي‏:‏ وهذا في الواجبات كالزكاة والنذر والعشر والكفارة أما التطوع والوقف فيجوز الصرف إليهم؛ لأن المؤدي في الواجب يطهر نفسه بإسقاط الفرض فيتدنس المؤدى كالماء المستعمل، وفي النفل تبرع بما ليس عليه فلا يتدنس به المؤدى كمن تبرد بالماء ا هـ‏.‏ وإنما لم تلحق صدقة التطوع لهم بالوضوء على الوضوء فيتدنس به المؤدى؛ لأن الأصل يقتضي عدمه، وإنما قلنا به في الماء للنص الوارد‏:‏ الوضوء على الوضوء نور على نور إذ ازدياد النور يقتضي زوال الظلمة بقدره لا محالة كذا في النهاية مختصرا، وفيها عن العتابي أن النفل جائز لهم بالإجماع كالنفل للغني وتبعه صاحب المعراج واختاره في المحيط مقتصرا عليه، وعزاه إلى النوادر ومشى عليه الأقطع في شرح القدوري واختاره في غاية البيان، ولم ينقل غيره شارح المجمع فكان هو المذهب وأثبت الشارح الزيلعي الخلاف في التطوع على وجه يشعر بترجيح الحرمة وقواه المحقق في فتح القدير من جهة الدليل لإطلاقه وقد سوى المصنف في الكافي بين التطوع والوقف كما سمعت وهكذا في المحيط، وفي شرح الطحاوي وغيره أن الحل مقيد بما سماهم أما إذا لم يسمهم فلا؛ لأنها صدقة واجبة ورده المحقق في فتح القدير باب صدقة الوقف كالنفل؛ لأنه متبرع بتصدقه بالوقف إذ لا إيقاف واجب وكان منشأ الغلط وجوب دفعها على الناظر وبذلك لم تصر صدقة واجبة على المالك بل غاية الأمر أنه وجوب اتباع شرط الواقف على الناظر ا هـ‏.‏ وفيه نظر؛ إذ الإيقاف قد يكون واجبا كما إذا كان منذورا كأن قال‏:‏ إن قدم أبي فعلي أن أقف هذه الدار صرح المحقق نفسه في كتاب الوقف بذلك وأورد سؤالا كيف يلزم النذر به وليس من جنسه واجب وأجاب بأنه يجب على الإمام أن يقف مسجدا من بيت المال للمسلمين، وإن لم يكن في بيت المال شيء فعلى المسلمين، وفي الفتاوى الظهيرية من كتاب الزكاة من فصل النذر رجل سقط منه شيء، فقال‏:‏ إن وجدته فلله علي أن أقف أرضي هذه على أبناء السبيل فوجده كان عليه الوفاء به، فإن وقف أرضه على من يجوز له صرف الزكاة إليه من الأقارب والأجانب جاز ا هـ‏.‏ وأطلق الحكم في بني هاشم، ولم يقيده بزمان، ولا بشخص للإشارة إلى رد رواية أبي عصمة عن الإمام أنه يجوز الدفع إلى بني هاشم في زمانه؛ لأن عوضها، وهو خمس الخمس لم يصل إليها لإهمال الناس أمر الغنائم وإيصالها إلى مستحقها وإذا لم يصل إليهم العوض عادوا إلى المعوض وللإشارة إلى رد الرواية بأن الهاشمي يجوز له أن يدفع زكاته إلى هاشمي مثله؛ لأن ظاهر الرواية المنع مطلقا وقيد بمولى الهاشمي؛ لأن مولى الغني يجوز الدفع إليه؛ لأن الغني أهل لها لكن الغني مانع، ولا مانع في حق المولى، والحديث ليس على عمومه أعني مولى القوم من أنفسهم ولهذا قال الإسبيجابي في تفسيره يعني في حل الصدقة وحرمتها، وإلا فمولى القوم ليس منهم من جميع الوجوه ألا ترى أنه ليس بكفؤ لهم وأن مولى المسلم إذا كان كافرا تؤخذ منه الجزية، وإن كان مولى التغلبي تؤخذ منه الجزية لا المضاعفة ا هـ‏.‏ وفي آخر مبسوط الإمام السرخسي من كتاب الكسب وتكلم الناس في حق سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام أتحل لهم الصدقة أم لا فمنهم من يقول‏:‏ ما كان يحل أخذ الصدقة لسائر الأنبياء أيضا، ولكن كانت تحل لقراباتهم ثم إن الله - تعالى - أكرم نبينا بأن حرم الصدقة على قرابته إظهارا لفضيلته وقيل بل كانت الصدقة تحل لسائر الأنبياء وهذه خصوصية لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو دفع بتحر فبان أنه غني أو هاشمي أو كافر أو أبوه أو ابنه صح ولو عبده أو مكاتبه لا‏)‏ لحديث البخاري‏:‏ «لك ما نويت يا زيد ولك ما أخذت يا معن‏}‏ حين دفعها زيد إلى ولده معن وليس المراد بالتحري الاجتهاد بل غلبة الظن بأنه مصرف بعد الشك في كونه مصرفا وإنما قلنا هذا؛ لأنه لو دفع باجتهاد دون ظن أو بغير اجتهاد أصلا أو بظن أنه بعد الشك ليس بمصرف ثم تبين المانع فإنه لا يجزئه وكذا لو لم يتبين شيء فهو على الفساد حتى يتبين أنه مصرف، ولو دفع إلى من يظن أنه ليس بمصرف ثم يتبين أنه مصرف يجزئه والفرق بين هذا وبين من صلى باجتهاد إلى جهة يظن أنها ليست القبلة حيث لا تجزئه الصلاة، وإن ظهر أنها القبلة بل قال الإمام يخشى عليه الكفر أن الصلاة الفرض بغير القبلة معصية، والمعصية لا تنقلب طاعة ودفع المال إلى غير الفقير قربة يثاب عليها وقيدنا بكونه بعد الشك؛ لأنه لو دفعها ولم يخطر بباله أنه مصرف أم لا فهو على الجواز إلا إذا تبين أنه غير مصرف؛ لأن الظاهر أنه صرف الصدقة إلى محلها حيث نوى الزكاة عند الدفع والظاهر لا يبطل إلا باليقين حتى لو شك فيه بعد ذلك، ولم يظهر له شيء لا تلزمه الإعادة؛ لأن الظاهر الأول لا يبطل بالشك وليس له أن يسترد ما دفعه إذا تبين أنه ليس بمصرف ووقع تطوعا كذا في البدائع واختلف المشايخ في كونه يطيب للفقير وعلى القول بأنه لا يطيب قيل‏:‏ يتصدق به لخبثه، وقيل‏:‏ يرده على الدافع كذا في معراج الدراية وأطلق الكافر فشمل الذمي والحربي وقد صرح بهما في المبتغى بالمعجمة، وفي المحيط إذا ظهر أنه حربي فيه روايتان والفرق على إحداهما أنه لم توجد صفة القربة أصلا والحق المنع فقد قال في غاية البيان معزيا إلى التحفة وأجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي، ولو مستأمنا لا يجوز، وكذا في معراج الدراية معللا بأن صلته لا تكون برا شرعا؛ ولذا لم يجز التطوع إليه فلم يقع قربة، ولا يخفى أن أحد الزوجين كالأصول والفروع وأن المدبر وأم الولد داخلان تحت العبد والمستسعى كالمكاتب عنده وعندهما حر مديون كذا في البدائع وقيد بالزكاة؛ لأنه لو أوصى بثلث ماله للفقراء فأعطاهم الوصي ثم تبين أنهم أغنياء لم يجز، وهو ضامن بالاتفاق؛ لأن الزكاة حق الله - تعالى - فاعتبر فيها الوسع، والوصية حق العباد فاعتبر فيها الحقيقة ألا ترى أن النائم إذا أتلف شيئا يضمن، ولا يأثم كذا في معراج الدراية وقياسه أن الوصي بشراء دار ليوقفها إذا اشترى، ونقد الثمن ثم ظهر أنها وقف الغير وضاع الثمن أن يضمن الوصي، وهي واقعة في زماننا ولأنه اختلط أواني طاهرة بنجسه أو ثياب كذلك وكانت الغلبة للطاهر فتحرى فيها ثم تبين خطؤه يعيد الصلاة أو قضى القاضي باجتهاده ثم ظهر نص بخلافه بطل قضاؤه، وهو الذي قاس عليه أبو يوسف مسألة الكتاب، والفرق لهما أن العلم بالثوب الطاهر والماء الطاهر والنص ممكن فلم يأت بالمأمور به قيدنا بكون الغلبة للطاهر؛ لأن الغلبة لو كانت للنجس أو استويا لا يتحرى بل يتيمم كذا في المعراج، وفي النهاية جعل هذا الحكم مختصا بالأواني أما الثياب النجسة إذا اختلطت بالطاهرة فإنه يتحرى مطلقا، ولو كانت النجسة أكثر أو مساوية وتبعه في فتح القدير وقد أخذاه من مبسوط السرخسي من كتاب التحري وفرق بينهما بأن الضرورة لا تتحقق في الأواني؛ لأن التراب طهور له بدل عند العجز عن الماء الطاهر فلا يضطر إلى التحري للوضوء عند غلبة النجاسة لما أمكنه إقامة الفرض بالبدل حتى لو تحققت الضرورة للشرب عند العطش وعدم الماء الطاهر يجوز التحري للشرب في مسألة الثياب الضرورة مست للتحري؛ لأنه ليس للستر بدل يتوصل به إلى إقامة الفرض يوضحه أن في مسألة الأواني لو كانت كلها نجسة لا يؤمر بالتوضؤ بها ولو فعل لا تجوز صلاته فكذا إذا كانت الغلبة له، وفي مسألة الثياب، وإن كانت الكل نجسة يؤمر بالصلاة في بعضها فكذا إذا كانت الغلبة لها ثم اعلم أن التحري يجري في مسائل منها الزكاة كما قدمناه، ومنها القبلة وقد تقدم في الصلاة، ومنها مسائل المساليخ المختلطة بالميتة ففي حالة الاضطرار للأكل يجوز التحري في الفصول كلها، وفي حالة الاختيار لا يجوز التحري إلا إذا كان الحلال غالبا، ومنها مسألة الزيت إذا اختلط بودك الميتة فإن كان المحرم غالبا أو مساويا فإنه لا يجوز الانتفاع به أصلا للأكل، ولا غيره، وإن كان الحلال غالبا ففي حالة الاضطرار يجوز الأكل والانتفاع به، وفي حالة الاختيار يحرم الأكل وتناوله ويجوز الانتفاع به من حيث الاستصباح ودبغ الجلود، ومنها مسألة الموتى إذا اختلط موتى المسلمين بموتى الكفار فإن كانت الغلبة لموتى المسلمين فإنه يصلى عليهم ويدفنون في مقابر المسلمين، وإن غلب موتى الكفار أو تساويا لا يصلى على أحد منهم إلا من يعلم أنه مسلم بالعلامة، وفي ظاهر الرواية يدفنون في مقابر المشركين، ومنها مسألتا الأواني المختلطة والثياب المختلطة وقد تقدمتا وأما التحري في الفروج فلا يجوز بحال حتى لو أعتق واحدة من جواريه بعينها ثم نسيها لم يسعه التحري للوطء، ولا للبيع ومن أراد معرفة الدلائل والفرق بين المسائل وزيادة التعريفات في مسائل التحري فعليه بكتاب التحري من المبسوط أول الجزء الرابع، واعلم أن التحري في اللغة الطلب والابتغاء، وهو والتوخي سواء إلا أن لفظ التوخي يستعمل في المعاملات والتحري في العبادات، وفي الشريعة طلب الشيء بغالب الرأي عند تعذر الوقوف على حقيقته، وهو غير الشك والظن فالشك أن يستوي طرفا العلم والجهل، والظن ترجح أحدهما من غير دليل، والتحري ترجح أحدهما بغالب الرأي، وهو دليل يتوصل به إلى طرف العلم، وإن كان لا يتوصل به إلى ما يوجب حقيقة العلم ويلحق بالتحري في مسألة الزكاة ما لو كان المدفوع إليه جالسا في صف الفقراء يصنع صنيعهم أو كان عليه زي الفقراء أو سأله فأعطاه فهذه الأسباب بمنزلة التحري كذا في المبسوط أيضا يعني أنه لو ظهر أنه غني لا إعادة عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره الإغناء وندب عن السؤال‏)‏ أي كره أن يدفع إلى فقير ما يصير به غنيا وندب الإغناء عن سؤال الناس وإنما صح الإغناء؛ لأن الغنى حكم الأداء فيتعقبه لكن يكره لقرب الغنى منه كمن صلى وبقربه نجاسة كما في الهداية، وفي فتح القدير وقوله‏:‏ فيتعقبه صريح في تعقب حكم العلة إياها في الخارج، ولم يتعقبه وتعقبه في النهاية والمعراج بأنه ليس بمستقيم على الأصح من مذهبنا من أن حكم العلة الحقيقية لا يجوز تأخره عنها بل هما كالاستطاعة مع الفعل يقترنان وأجابا بأن معنى قوله أن الغنى حكم الأداء أي حكمه حكم الأداء؛ لأن الأداء علة الملك، والملك علة الغنى فكان الغنى مضافا إلى الأداء بواسطة الملك كالإعتاق في شراء القريب فكان للأداء شبهة السبب الحقيقي، والسبب الحقيقي مقدم على الحكم حقيقة، وما يشبه السبب من العلل له شبهة التقدم ا هـ‏.‏ وإنما عممنا في المدفوع، ولم نقيده بمائتي درهم؛ لأنه لو كان له مائة وتسعة وتسعون درهما فتصدق عليه بدرهمين قال أبو يوسف‏:‏ يأخذ واحدا، ويرد واحدا كذا في الفتاوى الظهيرية وإنما قيدنا بقولنا يصير غنيا؛ لأنه لو دفع مائتي درهم فأكثر لمديون لا يفضل له بعد دينه نصاب لا يكره وكذا لو كان معيلا إذا وزع المأخوذ على عياله لم يصب كلا منهم نصاب وأطلق في استحباب الإغناء عن السؤال، ولم يقيده بأداء قوت يومه كما وقع في غاية البيان؛ لأن الأوجه النظر إلى ما يقتضيه الأحوال في كل فقير من عيال وحاجة أخرى كدين وثوب وغير ذلك والحديث وارد في صدقة الفطر كذا في فتح القدير وقال فخر الإسلام من أراد أن يتصدق بدرهم فاشترى به فلوسا ففرقها فقد قصر في أمر الصدقة؛ لأن الجمع كان أولى من التفريق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره نقلها إلى بلد آخر لغير قريب وأحوج‏)‏ أما الصحة فلإطلاق قوله تعالى‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء‏}‏ من غير قيد بالمكان، وأما حديث معاذ المشهور ‏{‏خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم‏}‏ فلا ينفي الصحة؛ لأن الضمير راجع إلى فقراء المسلمين لا إلى أهل اليمن، أو لأنه ورد لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا طمع له في الصدقات ولأنه صح عنه أنه كان يقول لأهل اليمن ‏{‏‏:‏ ائتوني بخميس أو لبيس - وهما الصغار من الثياب - آخذه منكم في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم‏}‏ وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في زمنه فهو تقرير، وإن كان في زمن أبي بكر فذاك إجماع لسكوتهم عنه، وعدم الكراهة في نقلها للقريب للجمع بين أجري الصدقة والصلة وللأحوج؛ لأن المقصود منها سد خلة المحتاج فمن كان أحوج كان أولى، وليس عدم الكراهة منحصرا في هاتين؛ لأنه لو نقلها إلى فقير في بلد آخر أورع وأصلح كما فعل معاذ رضي الله عنه لا يكره؛ ولهذا قيل‏:‏ التصدق على العالم الفقير أفضل كذا في المعراج، ولا يكره نقلها في دار الحرب إلى فقراء دار الإسلام؛ ولهذا ذكر في نوادر المبسوط رجل مكث في دار الحرب سنين فعليه زكاة ماله الذي خلف ها هنا ومال استفاده في دار الحرب لكن تصرف زكاة الكل إلى فقراء المسلمين الذين في دار الإسلام؛ لأن فقراءهم أفضل من فقراء دار الحرب ا هـ‏.‏ وكذا لا يكره نقل الزكاة المعجلة مطلقا ولهذا قال في الخلاصة‏:‏ لا يكره أن ينقل زكاة ماله المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج ومديون ا هـ‏.‏ فاستثنى على هذا ستة، هذا والمعتبر في الزكاة مكان المال في الروايات كلها، وفي صدقة الفطر مكان الرأس المخرج عنه في الصحيح مراعاة لإيجاب الحكم في محل وجود سببه كذا في فتح القدير وصحح في المحيط أنه في صدقة الفطر يؤدي حيث هو، ولا يعتبر مكان الرأس من العبد والولد؛ لأن الواجب في ذمة المولى حتى لو هلك العبد لم يسقط عنه فاختلف التصحيح كما ترى فوجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها، والمنقول في النهاية معزيا إلى المبسوط أن العبرة لمكان من تجب عليه لا بمكان المخرج عنه موافقا لتصحيح المحيط فكان هو المذهب؛ ولهذا اختاره قاضي خان في فتاويه مقتصرا عليه، وحكى الخلاف في البدائع فعن محمد يؤدي عن عبيده حيث هو، وهو الأصح وعند أبي يوسف حيث هم، وحكى القاضي في شرح مختصر الطحاوي أن أبا حنيفة مع أبي يوسف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يسأل من له قوت يومه‏)‏ أي لا يحل سؤال قوت يومه لمن له قوت يومه لحديث الطحاوي‏:‏ ‏{‏من سأل الناس عن ظهر غنى فإنه يستكثر من جمر جهنم قلت يا رسول الله وما ظهر غنى قال‏:‏ أن يعلم أن عند أهله ما يغذيهم وما يعشيهم‏}‏ قيدنا بسؤال القوت؛ لأن سؤال الكسوة المحتاج إليها لا يكره وقيدنا بالسؤال؛ لأن الأخذ لمن ملك أقل من نصاب جائز بلا سؤال كما قدمناه، وقيد بمن له القوت؛ لأن السؤال لمن لا قوت يومه له جائز، ولا يرد عليه القوي المكتسب فإنه لا يحل سوال القوت له إذا لم يكن له قوت يومه؛ لأنه قادر بصحته واكتسابه على قوت اليوم فكأنه مالك له، واستثنى من ذلك في غاية البيان الغازي فإن طلب الصدقة جائز له، وإن كان قويا مكتسبا لاشتغاله بالجهاد عن الكسب ا هـ‏.‏ وينبغي أن يلحق به طالب العلم لاشتغاله عن الكسب بالعلم؛ ولهذا قالوا‏:‏ إن نفقته على أبيه، وإن كان صحيحا مكتسبا كما لو كان زمنا، وإذا حرم السؤال عليه إذا ملك قوت يومه فهل يحرم الإعطاء له إذا علم حاله قال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق وأما الدفع إلى مثل ذلك السائل عالما بحاله فحكمه في القياس أن يأثم بذلك؛ لأنه إعانة على الحرام لكنه يجعل هبة وبالهبة للغني أو لمن لا يكون محتاجا إليه لا يكون آثما ا هـ‏.‏ ويلزم عليه أن الصدقة على من ملك قوت يومه فقط تكون هبة حتى يثبت فيها أحكام الهبة من صحة الرجوع فإنهم قالوا‏:‏ الصدقة على الغني هبة فله الرجوع بخلافها على الفقير، وهو بعيد فإن الظاهر أن مرادهم بالغني من ملك نصابا لكن يمكن دفع القياس المذكور بأن الدفع ليس إعانة على الحرام؛ لأن الحرمة في الابتداء إنما هي بالسؤال، وهو متقدم على الدفع، ولا يكون الدفع إعانة إلا لو كان الأخذ هو المحرم فقط فليتأمل والله - تعالى - أعلم‏.‏