فصل: باب التحالف

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب التحالف

لما ذكر حكم يمين الواحد ذكر حكم يمين الاثنين إذ الاثنان بعد الواحد والتحالف قال في القاموس تحالفوا تعاهدوا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المصباح الحليف المعاهد، يقال منه تحالفا إذا تعاهدا أو تعاقدا على أن يكون أمرهما واحدا في النصرة والحماية‏.‏ ا هـ‏.‏ وليس بمراد هنا، وإنما المراد حلف المتعاقدين عند الاختلاف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ اختلفا في قدر الثمن أو المبيع قضي لمن برهن‏)‏ أي اختلف البائع والمشتري في قدر أحدهما، وأقام أحدهما بينة قضي له؛ لأن في الجانب الآخر مجرد الدعوى، والبينة أقوى منها، وفي المصباح البرهان الحجة، وإيضاحها قيل النون زائدة، وقيل أصلية وحكى الأزهري القولين فقال في باب الثلاثي النون زائدة، وقوله برهن فلان مولد والصواب أن يقال أبره إذا جاء بالبرهان كما قال ابن الأعرابي، وقال في باب الرباعي برهن إذا أتى بحجته‏.‏ ا هـ‏.‏ اعلم أنه يدخل في الثمن رأس المال، وفي المبيع المسلم فيه، وقدمنا في بابه أنهما يتحالفان إذا اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته أو قدر رأس المال أو المسلم فيه ويتحالفان ويفسخ السلم ويدخل أيضا ما في الكافي عبد قطع عند البائع فقال البائع قطعه المشتري قبل البيع، ولي عليه نصف القيمة وكل الثمن، وقال المشتري قطعه البائع بعد البيع، ولي الخيار بين أخذه بنصف الثمن أو تركه، ولا بينة تحالفا فإن حلفا أخذه المشتري بكل ثمنه أو ترك، وإن برهنا فلمشتريه، وإن اتفقا أن قاطعه بائعه أو مشتريه أو أجنبي وادعاه البائع قبل البيع والمشتري بعده فالقول والبينة لمشتريه‏.‏ ا هـ‏.‏ ويدخل في الاختلاف في المبيع ما في الكافي ادعى أنه باعه هذا العبد بمائة دينار وقال المشتري ما اشتريت إلا نصفه بخمسمائة درهم فالقول لمشتريه في النصف وتحالفا في النصف فيحلف المشتري في النصفين يمينا واحدة فإن نكل لزمه البيع بمائة دينار، وإن حلف لم يثبت البيع في أحد النصفين ويحلف بائعه فإن نكل لزمه البيع بخمسمائة، وإن حلف فسخ البيع وتمامه فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن برهنا فللمثبت الزيادة‏)‏؛ لأن البينات للإثبات، ولا تعارض في الزيادة أشار المؤلف إلى أنهما لو اختلفا في الثمن والمبيع فبينة البائع أولى في الثمن وبينة المشتري أولى في المبيع نظرا إلى زيادة الإثبات، ولو حذف القدر لكان أولى؛ لأن الاختلاف في وصف الثمن والجنس كذلك كما في الهداية في بيان الاختلاف في الأجل وسيأتي له مزيد‏.‏ ا هـ‏.‏ اختلفا في جنس الثمن، وأقاما البينة فالبينة بينة من لا اتفاق على قوله فلو قال البائع بعتك هذه الجارية بعبدك هذا، وقال المشتري اشتريتها منك بمائة دينار، وأقاما البينة فبينة البائع أولى كذا في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن عجزا، ولم يرضيا بدعوى أحدهما تحالفا‏)‏ أي استحلف الحاكم كل واحد منهما على دعوى صاحبه فإن كان قبل القبض فهو قياسي؛ لأن كلا منهما منكر، وأما بعده فاستحساني فقط؛ لأن المشتري لا يدعي شيئا؛ لأن المبيع سالم له بقي دعوى البائع في زيادة الثمن والمشتري ينكره فيكتفي بحلفه لكنا عرفناه بالنص، وهو قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة بعينها تحالفا وترادا» قيد بعدم رضاهما للإشارة إلى أن القاضي يقول لكل منهما إما أن ترضى بدعوى صاحبك، وإلا فسخناه؛ لأن المقصود قطع المنازعة، وهذا جهة فيه؛ لأنه ربما لا يرضيان بالفسخ فإذا علما به يتراضيان، ولو قال‏:‏ ولم يرض واحد منهما بدعوى صاحبه بدل قوله، ولم يرضيا لكان أولى؛ لأن شرط التحالف عدم رضا واحد لا عدم رضا كل منهما كما لا يخفى‏.‏ وأشار بعجزهما إلى أن البيع ليس فيه خيار لأحدهما، ولهذا قال في الخلاصة إذا كان للمشتري خيار الرؤية أو خيار عيب أو خيار شرط لا يتحالفان‏.‏ ا هـ‏.‏ والبائع كالمشتري فالمقصود أن من له الخيار متمكن من الفسخ فلا حاجة إلى التحالف، ولكن ينبغي أن البائع إذا كان يدعي لزيادة الثمن، وأنكرها المشتري فإن خيار المشتري يمنع التحالف، وأما خيار البائع فلا، ولو كان المشتري يدعي زيادة المبيع والبائع ينكرها فإن خيار البائع يمنعه لتمكنه من الفسخ، وأما خيار المشتري فلا هذا ما ظهر لي تخريجا لا نقلا، وفي الخلاصة معزيا إلى الفتاوى رجل اشترى عبدا ثم اختلف البائع والمشتري في الثمن فقال البائع إن كنت بعته إلا بألف درهم فهو حر، وقال المشتري إن كنت اشتريته إلا بخمسمائة درهم فهو حر فالبيع لازم، ولا يعتق العبد ويلزمه من الثمن ما أقر به المشتري؛ لأنه منكر للزيادة؛ لأن البائع أقر أن العبد قد عتق فلا يمكن نقضه بعد العتق، ولا يعتق؛ لأن المشتري منكر للعتق‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بالاختلاف في القدر؛ لأنهما لو اختلفا فقال البائع بعته بالميتة، وقال المشتري اشتريته بالدراهم فالقول قول البائع؛ لأنه إنكار للبيع كما لو قال طلقت، وأنا صبي كذا في الخلاصة، ومن الاختلاف في القدر ما في الخلاصة معزيا إلى المحيط قال أبو سليمان سمعت أبو يوسف فيمن باع طعاما بعينه بعشرة، وقال بعتك جزافا بعشرة، وقال المشتري اشتريت مكايلة يتحالفان وكذا كل ما يكال أو يوزن، ولو كان هذا في ثوب فقال بعت، ولم أسم ذراعا، وقال المشتري اشتريت مذارعة القول قول البائع، ولو قال اشتريت على أنه كذا وكذا ذراعا كل ذراع بدرهم، وقال البائع لم أسم ذراعا فالقول قول المشتري ويتحالفان ويترادان على قول أبي يوسف ومحمد‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية اشترى مزبلة بخمسمائة ثم ادعى أنه اشترى الأرض أيضا والبائع يدعي أنه باع الكناسة فقط يحكم الثمن؛ إن صلح لهما قضي بهما، وإن مثله لا يكون إلا ثمن الكناسة قضي بها فقط لا الأرض وكذا الحكم في الرواية مع الماء وعن محمد فيمن له أجمة تساوي ألفا، وفيها قصب يساوي ألفا فباع الأجمة بعشرة آلاف ثم ادعى المشتري وقوع العقد على الأصل والبائع وقوع العقد على القصب أن العقد يفسد، ولو اشترى سرجا وادعى أنه اشتراه بركابه أو خاتما وادعى أنه بفصه، وأنكر البائع يتحالفان ويترادان، والبقالي اختلفا في الثياب والجراب والنخلة والرطب وادعى البائع أحدهما والمشتري كليهما يحكم الثمن فإذا استويا في العادة لم يجز وعن الإمام فيمن اشترى عبدا بألف، وقبضه، وقبض البائع الثمن ثم زعم المشتري أنه كان مع العبد أمة بعينها دخلت في البيع، وأنكره البائع يحلف بالله ما باعه الأمة معه، ولا يرد شيئا من الثمن، وقال الثاني بعد الحلف يرد عليه حصة الأمة من الثمن في الاستحسان وكذا في كل ما يكون مثله في البيع فإذا كان شيئا لا يكون مثله في البيع لا يصدق‏.‏ ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أن التحالف عند اختلافهما في قدر المبيع عند عدم تحكيم الثمن أما إذا حكم الثمن فلا تحالف والظاهر أن تحكيم الثمن خارج عن ظاهر الرواية فلا يعتمد عليه في المذهب‏.‏ ثم اعلم أن التحالف في البيع لم ينحصر في الاختلاف في الثمن أو المبيع بل يجري في كل موضع يكون كل منهما مدعيا أو منكرا لما ذكره في الكافي باع أمة وتقابضا فقال البائع هي لزيد أمرني ببيعها، وقال زيد بعتها منك بمائة دينار، وقبضتها وبعت ملكك فهي للمشتري وتحالفا؛ لأن البائع يدعي الأمر بالبيع والمقر له ينكر والمقر له يدعي عليه الثمن، وهو ينكر، وإن حلفا فإن جهلت أنها للمقر له وكذبهما المشتري ضمن المقر قيمتها للمقر له، وإن كانت معروفة أنها للمقر له لا ضمان‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبدأ بيمين المشتري‏)‏، وهذا قول محمد وأبي يوسف آخرا، وهو رواية عن أبي حنيفة، وهو الصحيح؛ لأن المشتري أشدهما إنكارا؛ لأنه يطالب أولا بالثمن أو؛ لأنه يتعجل فائدة النكول، وهو إلزام الثمن، ولو بدأ بيمين البائع تتأخر المطالبة بتسليم المبيع إلى زمان استيفاء الثمن وكان أبو يوسف رحمه الله تعالى يقول أولا يبدأ بيمين البائع لقوله عليه السلام‏:‏ «إذا اختلف المتبايعان فالقول ما قاله البائع» خصه بالذكر، وأقل فائدته التقديم أطلقه، وهو مقيد ببيع العين بالدين أما في بيع العين بالعين أو الدين بالدين فالقاضي مخير للاستواء وصفة اليمين أن يحلف البائع بالله تعالى ما باعه بألف ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، وقال في الزيادات يحلف بالله ما باعه بألف، ولقد باعه بألفين ويحلف المشتري بالله ما اشتراه بألفين، ولقد اشتراه بألف يضم الإثبات إلى النفي تأكيدا والأصح الاقتصار على النفي؛ لأن الأيمان على ذلك وضعت دل عليه حديث القسامة «بالله ما قلتم، ولا علمتم له قاتلا»، وفي شرح التلخيص من باب الاختلاف فيما يجب للبائع على المشتري وبالعكس مسألة الأصح فيها تقديم يمين البائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وفسخ القاضي بطلب أحدهما فلا ينفسخ البيع بحلفهما‏)‏؛ لأنه لم يثبت ما ادعاه كل واحد منهما فيبقى بيع مجهول فيفسخه القاضي قطعا للمنازعة أو يقال إذا لم يثبت البدل يبقى بيعا بلا بدل، وهو فاسد، ولا بد من الفسخ في فاسد البيع فلو كان المبيع جارية فللمشتري وطؤها، ولو فسد بنفس التحالف لم يحل له كذا في النهاية معزيا إلى المبسوط، وقيد بطلب أحدهما؛ لأنه لا يفسخه بدون طلب أحدهما كذا في المعراج وظاهر ما ذكره الشارحون أنهما لو فسخاه انفسخ بلا توقف على القاضي، وإن فسخ أحدهما لا يكتفي، وإن اكتفى بطلب أحدهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن نكل لزمه دعوى الآخر‏)‏؛ لأنه جعل باذلا فلم يبق في دعواه معارضا لدعوى الآخر فلزم القول بثبوته، وهذا كله إذا كان الاختلاف في البدل مقصودا فإن كان في ضمن شيء كاختلافهما في الزق فلا تحالف والقول للمشتري في أنه الزق؛ لأنه اختلاف في المقبوض والقول فيه قول القابض وتقدم بيانه في البيع الفاسد، ولم يذكر المؤلف رحمه الله تعالى حكم الاختلاف في الوصف، وفيه تفصيل فإن كان في وصف الثمن تحالفا، وإن كان في وصف المبيع كما لو قال المشتري اشتريت هذا العبد على أنه كاتب أو خباز فقال البائع لم أشترط فالقول للبائع، ولا تحالف كذا في الظهيرية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن اختلفا في الأجل أو في شرط الخيار أو في قبض بعض الثمن أو بعد هلاك المبيع أو بعضه أو في بدل الكتابة أو في رأس المال بعد إقالة السلم لم يتحالفا والقول للمنكر مع يمينه‏)‏ أما الاختلاف في الأجل والشرط والقبض فلأنه اختلاف في غير المعقود عليه والمعقود به فأشبه الاختلاف في الحط والإبراء، وهذا؛ لأن بانعدامه لا يختل ما به قوام العقد بخلاف الاختلاف في وصف الثمن أو جنسه حيث يكون بمنزلة الاختلاف في القدر في جريان التحالف؛ لأن ذلك يرجع إلى نفس الثمن فإن الثمن دين، وهو يعرف بالوصف، ولا كذلك الأجل؛ لأنه ليس بوصف‏.‏ ألا ترى أن الثمن موجود بعد مضيه فالقول لمنكر الخيار والأجل مع يمينه؛ لأنهما يثبتان بعارض الشرط، والقول لمنكر العوارض فقد جزموا هنا بأن القول لمنكر الخيار كما علمت وذكروا في خيار الشرط فيه قولين قدمناهما في بابه والمذهب ما ذكروه هنا ويستثنى من الاختلاف في الأجل ما لو اختلفا في الأجل في السلم بأن ادعاه أحدهما ونفاه الآخر فإن القول فيه لمدعيه عند الإمام؛ لأنه فيه شرط وتركه فيه مفسد للعقد، وإقدامهما عليه يدل على الصحة فكان القول لمدعيه؛ لأن الظاهر يشهد له بخلاف ما نحن فيه؛ لأنه لا تعلق له بالصحة والفساد فيه فكان القول لنافيه، ولهذا لو شهد أحدهما بالبيع بألف إلى شهر وشهد الآخر أنه باعه بألف، ولم يذكر الأجل تقبل كما لو شهد أحدهما أنه باعه بشرط الخيار إلى ثلاث، ولم يذكر الآخر الخيار، ولو كان وصفا للثمن لما قبل، كذا ذكر الشارح أطلق الاختلاف في الأجل فشمل الاختلاف في أصله، وفي قدره فالقول لمنكر الزائد بخلاف ما لو اختلفا في مقدار الأجل في السلم فإنهما يتحالفان كما قدمناه في بابه وخرج الاختلاف في مضيه فإن القول فيه للمشتري؛ لأنه حقه، وهو منكر استيفاء حقه كذا في النهاية، وفي الظهيرية من البيوع من الفصل الثالث‏.‏ قال محمد بن الحسن في رجلين تبايعا شيئا واختلفا في الثمن فقال المشتري اشتريت هذا الشيء بخمسين درهما إلى عشرين شهرا على أن أؤدي إليك كل شهر درهمين ونصف ا، وقال البائع بعتكه بمائة درهم إلى عشرة أشهر على أن تؤدي إلي كل شهر عشرة دراهم، وأقاما البينة قال محمد تقبل شهادتهما ويأخذ البائع من المشتري ستة أشهر كل شهر عشرة، وفي الشهر السابع سبعة ونصفا ثم يأخذ بعد ذلك كل شهر درهمين ونصفا إلى أن تتم له مائة؛ لأن المشتري أقر له بخمسين درهما على أن يؤدي إليه كل شهر درهمين ونصفا وبرهن دعواه بالبينة، وأقام البائع البينة بزيادة خمسين على أن يأخذ من هذه الخمسين مع ما أقر له به المشتري في كل شهر عشرة فالزيادة التي يدعيها البائع في كل شهر سبعة ونصف، وما أقر به المشتري له في كل شهر درهمان ونصف فإذا أخذ في كل شهر عشرة فقد أخذ في كل ستة أشهر مما ادعاه خمسة وأربعين، ومما أقر به المشتري خمسة عشر بقي إلى تمام ما يدعيه من الخمسين خمسة فيأخذها البائع مع ما يقر به المشتري في كل شهر وذلك سبعة ونصف ثم يأخذ بعد ذلك في كل شهر درهمين ونصفها إلى عشرين شهرا حتى تتم المائة، وهذه مسألة عجيبة يقف عليها من أمعن النظر فيما ذكرناه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي كافي المصنف اشترى عبدين صفقة أو صفقتين أحدهما بألف حال والآخر بألف مؤجل إلى سنة فرد أحدهما بعيب فقال المشتري ثمن المردود حال، وقال البائع مؤجل فالقول للبائع، ولم يتحالفا؛ لأنه اختلاف في الأجل وكذا لو اشتراهما بمائة في صفقة وقبضهما، ومات أحدهما في يده ورده الآخر بعيب واختلفا في قيمة المردود فالقول للبائع، ولو كان ثمن أحدهما دراهم وثمن الآخر دنانير، وقبضهما البائع واختلفا في ثمن الباقي بعد رد أحدهما بالعيب فقال المشتري ثمنه دراهم فرد لي الدنانير وعكس البائع فالقول للمشتري مع يمينه إن ماتا، ولا تحالف خلافا لمحمد، وإن كانا قائمين تحالفا إجماعا‏.‏ وكذا إذا اختلفا في الصفقة فادعى البائع اتحاد الثمن والمشتري تعدده فالقول للمشتري، وفي القنية لو اختلفا في خيار الشرط، وأقاما البينة فبينة مدعي خيار الشرط أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ والاختلاف في قدره كالاختلاف في أصله كذا في المعراج والتقييد بقبض بعض الثمن اتفاقي إذ الاختلاف في قبض كله كذلك، وهو قبول قول البائع، وإنما لم يذكره باعتبار أنه مفروغ عنه بمنزلة سائر الدعاوى كذا في النهاية وأشار بالأجل والخيار إلى الاختلاف في شرط الرهن أو شرط الضمان أو العهدة بالمال فلا تحالف والقول للمنكر كما في المعراج وبالاختلاف في قبض الثمن إلى الاختلاف في حط البعض أو إبراء الكل كما في المعراج أيضا‏.‏ وأما إذا اختلفا بعد هلاك المبيع فلا تحالف عندهما والقول قول المشتري إلا إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري كما سنذكره عند قوله، وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة، وقال محمد يتحالفان ويفسخ البيع على قيمة الهالك وعلى هذا إذا خرج المبيع عن ملكه أو صار بحال لا يقدر على رده بالعيب له أن كل واحد منهما يدعي غير العقد الذي يدعيه صاحبه والآخر ينكره، وأنه يفيد دفع زيادة الثمن فيتحالفان كما إذا اختلفا في جنس الثمن بعد هلاك السلعة، ولهما أن التحالف بعد القبض على خلاف القياس لما أنه سلم للمشتري ما يدعيه، وقد ورد الشرع به في حال قيام السلعة والتحالف فيه يفضي إلى الفسخ، ولا كذلك بعد هلاكها لارتفاع العقد فلم يكن في معناه؛ ولأنه لا يبالي بالاختلاف في السبب بعد حصول المقصود، وإنما يراعى من الفائدة ما يوجب العقد، وفائدة دفع زيادة الثمن ليست من موجباته، وهذا إذا كان الثمن دينا فإن كان عينا يتحالفان؛ لأن المبيع كل منهما فكان قائما ببقاء المعقود عليه فيرده ويرد الآخر مثل الهالك إذا كان مثليا، وقيمته إن كان قيميا بخلاف ما إذا اختلفا في جنس الثمن بأن ادعى أحدهما أنه دراهم والآخر أنه دنانير؛ لأنهما لم يتفقا على ثمن فلا بد من التحالف للفسخ، وهنا اتفقا عليه، وهو كاف للصحة‏.‏ وبهذا علم أن الاختلاف في جنس الثمن كالاختلاف في قدره إلا في مسألة هي ما إذا كان المبيع هالكا، وفي الظهيرية إبراهيم عن محمد في رجل اشترى تبنا في موضعين بكذا درهما، وقبض تبن أحد الموضعين وذهب الريح بتبن الموضع الآخر واختلفا في مقدار ما قبض، وما ذهب فإن كان ما قبض قائما تحالفا أو ترادا، وإن كان مستهلكا فالقول قول المشتري في قياس قول أبي حنيفة، وقال محمد يتحالفان ويرد المشتري مثل ما أخذ من التبن والقول فيه قوله‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي إيضاح الكرماني لو اختلفا بعد هلاك الجارية في يد المشتري فادعى البائع أن الثمن عين، وهو هذا العبد أو ادعى المشتري أن الثمن عين وادعى البائع أن الثمن دين لم ينظر إلى دعوى البائع، وإنما ينظر إلى دعوى المشتري؛ لأن المبيع في جانب البائع هلك فكان القول في الثمن قول المشتري فإن أقر بالدين فالقول قوله‏:‏ وإن أقر بالعين يتحالفا؛ لأن المبيع في جانبه قائم، ولو تحالفا، وقد هلك أحد العوضين في يد الآخر رد مثله إن كان مثليا، وقيمته إن لم يكن له مثل؛ لأن العقد قد انفسخ فبقي مقبوضا من غير عقد فصار كالغاصب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي كافي المصنف ادعى شراء أمة قبضها، وماتت بألف وبهذا الوصيف، وقيمته خمسمائة، وقال البائع بعت بألفين حلف المشتري في ثلثي الأمة وتحالفا في ثلثها وبعكسه حلف المشتري، وفيه اختلفا في موت المبيع عند أحدهما فبرهن البائع أنه مات عند المشتري بعد القبض وبرهن المشتري أنه مات في يد البائع قبل القبض فالبينة لبائعه، وإن وقفا فلا سابق والقتل كالموت، ولو برهن المشتري أن البائع قتله بعد البيع بيوم فبرهن البائع أن المشتري قتله بعد البيع بيومين فالبينة للمشتري للسبق ا هـ‏.‏

وأما إذا اختلفا أي المولى والمكاتب في بدل الكتابة أي في قدره فعدم التحالف في قول الإمام الأعظم والقول للعبد مع يمينه وقالا يتحالفان وتفسخ الكتابة كالبيع بجامع قبول الفسخ، وله أن التحالف في المعاوضات اللازمة وبدل الكتابة غير لازم على المكاتب مطلقا فلم تكن في معنى البيع؛ ولأن فائدته النكول ليقضى عليه والمكاتب لا يقضى عليه به، وإن أقام أحدهما بينة قبلت، وإن أقاماها فبينة المولى أولى لإثباتها الزيادة لكن يعتق بأداء قدر ما برهن عليه، ولا يمنع وجوبه بدل الكتابة بعد عتقه كما لو كاتبه على ألف على أنه إن أدى خمسمائة عتق وكما لو استحق البدل بعد الأداء‏.‏

وأما إذا اختلفا أي رب السلم والمسلم إليه بعد إقالة عقد السلم في مقدار رأس المال لم يتحالفا والقول للمسلم إليه مع يمينه، ولا يعود السلم؛ لأن الإقالة في باب السلم لا تحتمل النقض؛ لأنه إسقاط فلا يعود بخلاف البيع كما سيأتي وينبغي أخذا من تعليلهم أنهما لو اختلفا في جنسه أو نوعه أو صفته بعدها فالحكم كذلك، ولم أره صريحا‏.‏ واعلم أن حكم رأس المال بعد الإقالة كحكمه قبلها فلا يجوز الاستبدال به بعدها إلا في مسألتين لا تحالف إذا اختلفا فيه بعدها بخلاف ما قبلها، ولا يشترط لصحتها قبضه قبل الافتراق بخلاف ما قبلها، وهذه قدمناها في بابه، وقيد بالاختلاف بعدها؛ لأنهما لو اختلفا قبلها في قدره تحالفا كالاختلاف في جنسه ونوعه وصفته كالاختلاف في المسلم فيه في الوجوه الأربعة على ما قدمناه، وقد علم من تقريرهم هنا أن الإقالة تقبل الإقالة إلا في إقالة السلم، وأن الإبراء لا يقبلها، وقد كتبناه في الفوائد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن اختلفا في مقدار الثمن بعد الإقالة تحالفا‏)‏ أي اختلف البائع والمشتري في مقداره بأن قال المشتري كان الثمن ألفا، وقال البائع خمسمائة، ولا بينة لهما فإنهما يتحالفان ويعود البيع الأول، أطلقه، وهو مقيد بما إذا كان كل من المبيع والثمن مقبوضا، ولم يرده المشتري إلى بائعه فأما إذا رد المشتري المبيع إليه بحكم الإقالة فلا تحالف عند أبي حنيفة وأبي يوسف خلافا لمحمد؛ لأنه يرى النص معلولا بعد القبض أيضا، وهما قالا كان ينبغي أن لا تحالف مطلقا؛ لأنه إنما ثبت في البيع المطلق بالسنة والإقالة فسخ في حقهما إلا أنه قبل القبض على وفق القياس فوجب القياس عليه كما قسنا الإجارة على البيع قبل القبض والوارث على العاقد والقيمة على العين فيما إذا استهلكه في يد البائع غير المشتري‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن اختلفا في المهر قضي لمن برهن‏)‏ أي الزوجان لو اختلفا في المهر قضي لمن برهن؛ لأنه فور دعواه بالحجة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن برهنا فللمرأة‏)‏ فإنها تثبت الزيادة أطلقه، وهو مقيد بما إذا كان مهر المثل يشهد للزوج بأن كان مثل ما يدعي الزوج أو أقل؛ لأن بينتها أثبتت خلاف الظاهر، وأما إذا كان يشهد لها بأن كان مثل ما تدعيه أو أكثر فبينته أولى لإثباتها الحط، وهو خلاف الظاهر، وإن كان لا يشهد لكل منهما بأن كان بينهما فالصحيح التهاتر ويجب مهر المثل، وأطلق الاختلاف في المهر فشمل ما إذا اختلفا في قدره كألف، وألفين أو في جنسه كقوله هو هذا العبد، وقالت هذه الجارية إلا في فصل واحد، وهو أنه إذا كان مهر مثلها قيمة الجارية أو أكثر فلها قيمة الجارية لا عينها كما في الظهيرية والهداية، ولم يذكر حكمه بعد الطلاق قبل الدخول وحكمه كما في الظهيرية أن لها نصف ما ادعاه الزوج، وفي مسألة العبد والجارية لها المتعة إلا أن يتراضيا على أن تأخذ نصف الجارية‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن عجزا تحالفا، ولم يفسخ النكاح‏)‏؛ لأن أثر التحالف في انعدام التسمية، وأنه لا يخل بصحة النكاح؛ لأن المهر تابع فيه بخلاف البيع؛ لأن عدم التسمية يفسده على ما مر فيفسخ، ولم يذكر المؤلف البداءة بيمين من، وفي الظهيرية ويبدأ بيمين الزوج؛ لأن أول التسليمين عليه فيكون أول اليمينين عليه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بل يحكم مهر المثل فيقضى بقوله لو كان كما قال أو أقل وبقولها لو كان كما قالت أو أكثر وبه لو بينهما‏)‏، وهذا أعني التحالف أولا ثم التحكيم قول الكرخي؛ لأن مهر المثل لا اعتبار به مع وجود التسمية وسقوط اعتبارها بالتحالف فلهذا يقدم في الوجوه كلها، وأما على تخريج الرازي فالتحكيم قبل التحالف، وقد قدمناه في المهر مع بيان اختلاف التصحيح وخلاف أبي يوسف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو اختلفا في الإجارة قبل الاستيفاء تحالفا‏)‏؛ لأن التحالف في البيع قبل القبض على وفق القياس والإجارة قبل الاستيفاء نظيره أطلقه فشمل الاختلاف في البدل أو المبدل كما في الهداية، ومع القصار كما في منية المفتي، ولا يشمل ما إذا ادعى المالك الأجر ونفاه الساكن والقول للمستأجر وكذا إذا نزل الخان واختلفا والفتوى على وجوب الأجر إلا إذا عرف بخلافه وتمامه في البزازية، وفي التهذيب الاختلاف في قدر المدة يوجب التحالف‏.‏ ا هـ‏.‏ فإن وقع الاختلاف في الأجرة بدأ بيمين المستأجر لكونه منكرا وجوبها، وإن وقع في المنفعة بدأ بيمين المؤجر، وأيهما نكل لزمه دعوى صاحبه، وأيهما برهن قبل فإن برهنا فبينة المؤجر أولى في الأجرة وبينة المستأجر أولى في المنافع، وإن كان الاختلاف فيهما قبلت بينة كل منهما فيما يدعيه من الفضل نحو أن يدعي هذا شهرا بعشرة والمستأجر شهرين بخمسة فيقضى بشهرين بعشرة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبعده لا والقول قول المستأجر‏)‏ أي لو اختلفا بعد الاستيفاء فلا تحالف، وهذا عندهما ظاهر؛ لأن هلاك المعقود عليه يمنع التحالف عندهما وكذا على أصل محمد؛ لأن الهلاك إنما لا يمنع عنده في المبيع لما أن له قيمة تقوم مقامه فيتحالفان عليها، ولو جرى التحالف ها هنا، وفسخ العقد فلا قيمة؛ لأن المنافع لا تتقوم بنفسها بل بالعقد وتبين أنه لا عقد، وإذا امتنع فالقول للمستأجر مع يمينه؛ لأنه هو المستحق عليه، ونظير هذه المسألة في التفصيل إجارة الفضولي إن أجازها المالك قبل الاستيفاء فالأجرة له، وإن بعده فللعاقد، وإن في بعض المدة فالماضي للعاقد والمستقبل للمالك كما في منية المفتي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والبعض معتبر بالكل‏)‏ يعني لو اختلفا بعد استيفاء البعض تحالفا، وفسخ العقد فيما بقي وكان القول في الماضي قول المستأجر؛ لأن العقد ينعقد ساعة فساعة فيصير في كل جزء من المنفعة كأنه ابتداء العقد عليها بخلاف البيع؛ لأن العقد فيه دفعة واحدة فإذا تعذر في البعض تعذر في الكل، وفي إجارات البزازية المستأجر إن كان هو المدعي فهو يدعي العقد قبل مضي المدة وبعدها، وإن الآجر فهو مدع قبل قبضها وبعد المضي فهو مدعي العين‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المراد بالاستيفاء التمكن منه في المدة وبعدمه عدمه لما عرف أنه قائم مقامه في وجوب الأجر، ومن فروع التنازع في الإجارة ما في منية المفتي ادعى اثنان عينا أحدهما إجارة والآخر شراء فأقر المدعى عليه للمستأجر فلمدعي الشراء أن يحلفه على دعوى الشراء، ولو ادعيا إجارة فأقر لأحدهما ليس للآخر أن يحلفه، آجر دابة بعينها من رجل ثم من آخر فأقام الأول بينة فإن كان الآجر حاضرا تقبل عليه البينة وإن كان مقرا بما يدعي عليه هذا المدعي، وإن كان غائبا لا تقبل‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن اختلف الزوجان في متاع البيت فالقول لكل واحد منهما فيما يصلح له‏)‏؛ لأن الظاهر شاهد له والمتاع لغة كل ما ينتفع به كالطعام والبر، وأثاث البيت، وأصله ما ينتفع به من الزاد، وهو اسم من متعته بالتثقيل إذا أعطيته ذلك والجمع أمتعة كذا في المصباح، ومرادهم من المتاع هنا ما كان في البيت، ولو ذهبا أو فضة كما سيأتي في المشكل قالوا والصالح له العمامة والقباء والقلنسوة والطيلسان والسلاح والمنطقة والكتب والفرس والدرع الحديد فالقول في ذلك له مع يمينه، وما يصلح لها الخمار والدرع والأساورة وخواتم النساء والحلي والخلخال ونحوها فالقول لها فيها مع اليمين قالوا إلا إذا كان الزوج يبيع ما يصلح لها فالقول له لتعارض الظاهرين، وكذا إذا كانت تبيع ما يصلح له لا يقبل قوله لما ذكرنا‏.‏ وفي الخانية‏:‏ ولو اختلفا في متاع النساء، وأقاما البينة يقضى للزوج أطلق الزوجين فشمل المسلمين والمسلم مع الذمية والحرين والمملوكين والمكاتبين كما في البدائع والزوجين الكبيرين والصغيرين إذا كان الصغير يجامع كما في خزانة الأكمل، وأما إذا كان أحدهما حرا والآخر مملوكا فسيأتي وشمل اختلافهما حال بقاء النكاح، وما بعد الفرقة كما في الكافي، وما إذا كان البيت ملكا لهما أو لأحدهما خاصة كما في خزانة الأكمل؛ لأن العبرة لليد لا للملك كذا في البدائع‏.‏ وفي القنية من باب ما يتعلق بتجهيز البنات‏:‏ افترقا، وفي بيتها جارية نقلتها مع نفسها واستخدمتها سنة والزوج عالم به ساكت ثم ادعاها فالقول له؛ لأن يده قد كانت ثابتة، ولم يوجد المزيل‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن سكوت الزوج عند نقلها ما يصلح لهما لا يبطل دعواه، وفي البدائع هذا كله إذا لم تقر المرأة أن هذا المتاع اشتراه فإن أقرت بذلك سقط قولها؛ لأنها أقرت بالملك لزوجها ثم ادعت الانتقال إليها فلا يثبت الانتقال إلا بالبينة‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا إذا ادعت أنها اشترته منه كما في الخانية، ولا يخفى أنه لو برهن على شرائه كان كإقرارها بشرائه منه فلا بد من بينة على الانتقال إليها منه بهبة أو نحو ذلك، ولا يكون استمتاعها بمشريه ورضاه بذلك دليلا على أنه ملكها ذلك كما تفهمه النساء والعوام، وقد أفتيت بذلك مرارا، وقيد باختلاف الزوجين للاحتراز عن اختلاف نساء الزوج دونه فإن متاع النساء بينهن على السواء إن كن في بيت واحد، وإن كانت كل واحدة منهن في بيت على حدة فما في بيت كل امرأة بينها وبين زوجها على ما وصفنا، ولا يشترك بعضهن مع بعض كذا في خزانة الأكمل والخانية، وللاحتراز عن اختلاف الأب مع بنته في جهازها، وقد بيناه في النكاح‏.‏ وحاصله أن المفتى به أن العرف إن كان مستمرا أن الأب يجهزها ملكا لا عارية فالقول لها، ولورثتها من بعدها، وإن كان العرف مشتركا كعرف مصر فالقول للأب، ولورثته من بعده، وللاحتراز عن اختلاف الأب وابنه فيما في البيت قال في الخزانة قال أبو يوسف إذا كان الأب في عيال الابن في بيته فالمتاع كله للابن كما لو كان الابن في بيت الأب وعياله فمتاع البيت للأب‏.‏ ا هـ‏.‏ ثم قال قال محمد‏:‏ رجل زوج بنته، وهي وختنه في داره وعياله ثم اختلفوا في متاع البيت فهو للأب؛ لأنه في بيته، وفي يده، ولهم ما عليهم من الثياب‏.‏ ا هـ‏.‏ وجزم في الخانية بما قاله أبو يوسف، وللاحتراز أيضا عن إسكافي وعطار اختلفا في آلة الأساكفة أو آلة العطارين، وهي في أيديهما فإنه يقضي به بينهما، ولا ينظر إلى ما يصلح لأحدهما؛ لأنه قد يتخذه لنفسه أو للبيع فلا يصلح مرجحا، وللاحتراز عما إذا اختلف المؤجر والمستأجر في متاع البيت فإن القول فيه للمستأجر لكون البيت مضافا إليه بالسكنى، وهما في شرح الزيلعي، وللاحتراز عن اختلاف الزوجين في غير متاع البيت وكان في أيديهما فإنهما كالأجنبيين يقسم بينهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وله فيما يصلح لهما‏)‏ أي القول له في متاع يصلح للرجل، وللمرأة؛ لأن المرأة، وما في يدها في يد الزوج والقول في الدعاوى لصاحب اليد بخلاف ما يختص بها؛ لأنه يعارضه ظاهر أقوى منه، ولا فرق بين ما إذا كان الاختلاف حال قيام النكاح أو بعدما وقعت الفرقة، وما يصلح لهما الفرش والأمتعة والأواني والرقيق والمنزل والعقار والمواشي والنقود كما في الكافي وبه علم أن البيت للزوج إلا أن يكون لها بينة، وعزاه في خزانة الأكمل إلى الإمام الأعظم، وفي الخانية، ولو أقاما البينة يقضى ببينتها؛ لأنها خارجة معنى وشمل كلام المؤلف ما إذا كانت المرأة في ليلة الزفاف، وهو خلاف المتعارف في الفرش ونحوها، ولهذا قال في خزانة الأكمل لو ماتت المرأة في ليلتها التي زفت إليه في بيته لا يستحسن أن يجعل متاع الفرش وحلي النساء، وما يليق بهن للزوج والطنافس والقماقم والأباريق والصناديق والفرش والخدم واللحف للنساء وكذا ما يجهز مثلها إلا أن يكون الرجل معروفا بتجارة جنس منها فهو له‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن أبا يوسف استثنى في حال موتها من كون ما يصلح لهما له ما إذا كان موتها ليلة الزفاف فكذا إذا اختلفا حال الحياة فيما يصلح لهما فالقول له إلا إذا كان الاختلاف ليلة الزفاف فالقول لها في الفرش ونحوها لجريان العرف غالبا من أن الفرش وما ذكر من الصناديق والخدم تأتي به المرأة وينبغي اعتماده للفتوى إلا أن يوجد نص في حكمه ليلة الزفاف عن الإمام بخلافه فيتبع‏.‏ واعلم أن قاضي خان في الفتاوى جعل الصندوق مما يصلح لها فقط وينبغي أن يجعل مما يصلح لهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن مات أحدهما فللحي‏)‏ أي مات أحد الزوجين واختلف وارثه مع الحي فيما يصلح لهما؛ لأن اليد للحي دون الميت قيد بكونهما زوجين للاحتراز عما إذا طلقها في المرض، ومات الزوج بعد انقضاء العدة كان المشكل لوارث الزوج؛ لأنها صارت أجنبية لم يبق لها يد، وإن مات قبل انقضاء العدة كان المشكل للمرأة في قول أبي حنيفة؛ لأنها ترث فلم تكن أجنبية فكان هذا بمنزلة ما لو مات الزوج قبل الطلاق كما في الخانية، وفي خزانة الأكمل، ولو مات الزوج فقالت الورثة قد كان الزوج طلقك في حياته ثلاثا لم يصدقوا في حق الأمتعة والقول بالله ما تعلم أنه طلقها ثلاثا في صحته أو مرضه، وقد مات بعد انقضاء عدتها فما كان من متاع الرجال والنساء فهو لورثة الزوج، وإن مات في عدة المرأة فهو للمرأة كأنه لم يطلق‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أحدهما مملوكا فللحر في الحياة، وللحي في الموت‏)‏؛ لأن يد الحر أقوى، ولا يد للميت فخلت يد الحر عن المعارض أطلق المملوك فشمل المأذون والمكاتب، وجعلاهما كالحر؛ لأن لهما يدا معتبرة، وفي خزانة الأكمل، وإن أعتقت الأمة فاختارت نفسها فما في البيت قبل عتقها فهو للرجل، وما بعد العتق قبل أن تختار نفسها فهو على ما وصفنا في الطلاق‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي مسألة اختلاف الزوجين تسعة أقوال مذكورة في الخانية إجمالا الأول ما في الكتاب، وهو قول الإمام‏.‏ الثاني قول أبي يوسف للمرأة جهاز مثلها والباقي للرجل يعني في المشكل في الحياة والموت‏.‏ الثالث قول ابن أبي ليلى المتاع كله له، ولها ما عليه فقط‏.‏ الرابع قول ابن معن وشريك هو بينهما‏.‏ الخامس قول الحسن البصري كله لها، وله ما عليه‏.‏ السادس قول شريح البيت للمرأة‏.‏ السابع قول محمد في المشكل للزوج في الطلاق والموت ووافق الإمام فيما لا يشكل الثامن قول زفر المشكل بينهما‏.‏ التاسع قول مالك الكل بينهما هكذا حكى الأقوال في خزانة الأكمل، ولا يخفى أن التاسع هو الرابع‏.‏ ثم اعلم أن هذا إذا لم يقع التنازع بينهما في الرق والحرية والنكاح وعدمه فإن وقع قال في الخانية‏:‏ ولو كانت الدار في يد رجل وامرأة فأقامت المرأة البينة أن الدار لها، وأن الرجل عبدها، وأقام الرجل البينة أن الدار له والمرأة امرأته تزوجها بألف درهم ودفع إليها، ولم يقم البينة أنه حر يقضى بالدار والرجل للمرأة، ولا نكاح بينهما؛ لأن المرأة أقامت البينة على رق الرجل والرجل لم يقم البينة على الحرية فيقضى بالرق، وإذا قضي بالرق بطلت بينة الرجل في الدار والنكاح ضرورة، وإن كان الرجل أقام البينة أنه حر الأصل والمسألة بحالها يقضى بحرية الرجل ونكاح المرأة ويقضى بالدار للمرأة؛ لأنا لما قضينا بالنكاح صار الرجل في الدار صاحب يد والمرأة خارجة فيقضى بالدار لها كما لو اختلف الزوجان في دار في أيديهما كانت الدار للزوج في قولهما، ولو اختلفا في المتاع والنكاح فأقامت البينة أن المتاع لها، وأنه عبدها، وأقام أن المتاع له، وأنه تزوجها بألف ونقدها فإنه يقضى به عبدا لها وبالمتاع أيضا لها، وإن برهن على أنه حر الأصل قضي له بالحرية وبالمرأة والمتاع إن كان متاع النساء، وإن كان مشكلا قضي بحريته وبالمرأة والمتاع لها‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما مسألة اختلافهما في الغزل والقطن فمذكورة في الخانية عقب ما ذكرناه عنها تركتها طلبا للاختصار‏.‏ ثم اعلم أن أصحابنا عملوا بالظاهر في مسائل منها مسألة اختلافهما في متاع البيت فرجحوه فيما يصلح له، وهي فيما يصلح لها عملا بالظاهر، وفي خزانة الأكمل من آخر الدعاوى قال ظاهر ثم قال في نوادر هشام عن محمد رجل يعرف بالحاجة والفقر ليس ببيته إلا بورية ملقاة صار بيده غلام غرف باليسار وعلى عنق العبد بدرة فيها عشرون ألف دينار فادعاه رجل عرف باليسار وادعاه صاحب الدار فهو للذي عرف باليسار وكذا كناس في منزل رجل وعلى عنق الكناس قطيفة فقال هي لي وادعاه صاحب المنزل أيضا فهي لصاحب المنزل، وفي نوادر معلى عن أبي يوسف رجلان في سفينة فيها دقيق فادعى كل واحد السفينة، وما فيها، وأحدهما يعرف ببيع الدقيق والآخر يعرف بأنه ملاح معروف فالدقيق للذي يعرف ببيعه والسفينة لمن يعرف أنه ملاح، وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف دخل رجل في منزل يعرف الداخل أنه مناد يبيع الذهب أو الفضة أو المتاع، ومعه شيء من ذلك فادعياه فهو لمن يعرف ببيعه، ولا يصدق رب المنزل، وإن لم يكن كذلك فالقول قول رب المنزل‏.‏ وفي نوادر ابن رستم عن محمد رجل خرج من دار إنسان على عنقه متاع رآه قوم، وهو يعرف ببيع مثله من المتاع فقال صاحب الدار ذلك المتاع متاعي، والحامل يدعيه فهو للذي يعرف به، وإن لم يعرف فهو لصاحب الدار سفينة فيها راكب وآخر يتمسك وآخر يجذب وآخر يمدها وكلهم يدعونها فهي بين الراكب والممسك والجاذب أثلاثا، ولا شيء للماد رجل يقود قطارا من الإبل ورجل راكب بعيرا منها فادعياها كلها ينظر إن كان على الكل حمل الراكب ومتاعه فكلها للراكب والقائد أجيره، وإن لم يكن على الإبل شيء فللراكب البعير الذي عليه، وما بقي فهو للقائد أما لو كان بقرا أو غنما عليها رجلان أحدهما قائد والآخر سائق فهي للسائق إلا أن يقود شاة معه فيكون له تلك الشاة وحدها هكذا في نوادر معلى‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الملتقط من الدعوى مسائل منها، وقد استنبط من فرع الغلام أن من شرط سماع الدعوى أن لا يكذب المدعي ظاهر حاله كما هو مصرح به في كتب الشافعية فلو ادعى فقير ظاهر الفقر على رجل أموالا عظيمة قرضا أو ثمن مبيع لا تسمع فلا جواب لها ثم رأيت ابن الغرس في الفوائد الفقهية في أطراف القضايا الحكمية صرح به، والله أعلم هل هو منقول أو قاله تفقها كما وقع لي فقال‏.‏ ومن شروط صحة الدعوى أن يكون المدعى به مما يحتمل الثبوت بأن لا يكون مستحيلا عقلا أو عادة فإن الدعوى والحال ما ذكر ظاهرة الكذب؛ لأن المستحيل العادي كالمستحيل العقلي مثال المستحيل عادة دعوى من هو معروف بالفقر والحاجة، وهو يأخذ الزكاة من الأغنياء على آخر أنه أقرضه مائة ألف دينار ذهبا نقدا دفعة واحدة، وأنه تصرف فيها لنفسه، وأنه يطالبه برد بدلها فمثل هذه الدعوى لا يلتفت إليها القاضي لخروجها مخرج الزور والفجور، ولا يسأل من المدعى عليه عن جوابها‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت اللهم إلا إذا ادعى أنه غصب له مالا عظيما كان ورثه من مورثه المعروف بالغنى فحينئذ تسمع ثم قال ابن الغرس‏:‏ وفي المبسوط رجل ترك الدعوى ثلاثة وثلاثين سنة، ولم يكن له مانع من الدعوى ثم ادعى لم تسمع دعواه؛ لأن ترك الدعوى مع التمكن يدل على عدم الحق ظاهرا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا عنهم أن من القضاء الباطل القضاء بسقوط الحق بمضي سنين لكن ما في المبسوط لا يخالفه فإنه ليس فيه قضاء بالسقوط، وإنما فيه عدم سماعها، وقد كثر السؤال بالقاهرة عن ذلك مع ورود النهي من السلطان - أيده الله - بعدم سماع حادثة لها خمسة عشر، وقد أفتيت بعدم سماعها عملا بنهيه اعتمادا على ما في خزانة المفتين والله أعلم‏.‏

فصل ‏[‏في دفع الدعوى‏]‏

يعني في دفع الدعوى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ قال المدعى عليه هذا الشيء أودعنيه أو آجرنيه أو أعارنيه فلان الغائب أو رهنه أو غصبته منه وبرهن عليه دفعت خصومة المدعي‏)‏؛ لأنه أثبتت ببينة أن يده ليست بيد خصومة، وهذه مخمسة كتاب الدعوى؛ لأن صورها خمس وديعة، وإجارة وإعارة، ورهن وغصب أو؛ لأن فيها خمسة أقوال للعلماء الأول ما في الكتاب، وهو قول أبي حنيفة الثاني قول أبي حنيفة واختاره في المختار أن المدعى عليه إن كان صالحا فكما قال الإمام، وإن كان معروفا بالحيل لم تندفع عنه؛ لأنه قد يدفع ماله إلى مسافر يودعه إياه ويشهد فيحتال لإبطال حق غيره فإذا اتهمه به القاضي لا يقبله الثالث قول محمد إن الشهود إذا قالوا نعرفه بوجهه فقط لا تندفع فعنده لا بد من معرفته بالوجه والاسم والنسب، وفي البزازية وتعويل الأئمة على قول محمد، وفي العمادية لو قالوا نعرفه باسمه ونسبه لا بوجهه لم يذكره محمد في شيء من الكتب، وفيه قولان وعند الإمام لا بد أن يقولوا نعرفه باسمه ونسبه وتكفي معرفة الوجه واتفقوا على أنهم لو قالوا أودعه رجل لا نعرفه لم تندفع‏.‏ الرابع‏:‏ قول ابن شبرمة إنها لا تندفع عنه مطلقا؛ لأنه تعذر إثبات الملك للغائب لعدم الخصم عنه، ودفع الخصومة بناء عليه قلنا مقتضى البينة شيئان ثبوت الملك للغائب، ولا خصم فيه فلم يثبت ودفع خصومة المدعي، وهو خصم فيه فثبت، وهو كالوكيل بنقل المرأة، وإقامة البينة على الطلاق الخامس قول ابن أبي ليلى تندفع بدون بينة لإقراره بالملك للغائب، وقلنا صار خصما بظاهر يده فهو بإقراره يريد أن يحول مستحقا على نفسه فلا يصدق إلا بالحجة كما لو ادعى تحول الدين من ذمته إلى ذمة غيره، ولم يذكر المؤلف رحمه الله صورة دعوى المدعي، وأراد بها أن المدعي ادعى ملكا مطلقا في العين، ولم يدع على ذي اليد فعلا بدليل ما سيأتي من المسائل المقابلة لهذه وحاصل جواب المدعى عليه أنه ادعى أن يده يد أمانة أو مضمونة والملك للغير، ولم يذكر برهان المدعي، ولا بد منه لما عرف أن الخارج هو المطالب بالبرهان، ولا يحتاج المدعى عليه إلى الدفع قبله وحاصله أن المدعي لما ادعى الملك المطلق فيما في يد المدعى عليه أنكره فطلب من المدعي البرهان فأقامه، ولم يقض القاضي به حتى دفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهن على الدفع وبما قررناه علم أن الصور لا تنحصر في الخمس فكذا الحكم لو قال وكلني صاحبه بحفظه كما في المبسوط‏.‏ وكذا الحكم لو قال أسكنني فيها فلان الغائب كما في الخلاصة وكذا الحكم لو قال سرقته منه أو أخذته منه أو ضل منه فوجدته كما في الخلاصة والأولان راجعان إلى الأمانة والثلاثة الأخيرة إلى الضمان إن لم يشهد في الأخيرة، وإلا فإلى الأمانة فالصور عشر وبه علم أن الصور لم تنحصر في الخمس فالأولى أن تفسر الخمسة بالثاني، وفي البزازية ويلحق بها دعوى كونها مزارعة بأن ادعى عليه أرضا فبرهن على أنها في يده بالمزارعة من فلان بن فلان الفلاني الغائب وتلحق المزارعة بالإجارة أو الوديعة فلا يزداد على الخمس نص على ذلك في كتاب الدعوى والبينات‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو ذهول عما ذكرناه، وأطلق في قوله هذا الشيء فشمل المنقول والعقار كما في البزازية وظاهر قوله هذا الشيء أنه قائم؛ لأن الإشارة الحسية لا تكون إلا إلى موجود في الخارج فمفهومه أنه لا تندفع لو كان المدعى هالكا وبه صرح في العناية أخذا من خزانة الأكمل فقال عبد هلك في يد رجل أقام رجل البينة أنه عبده، وأقام الذي مات في يده أنه أودعه فلان أو غصبه أو آجره لم يقبل، وهو خصم فإنه يدعي إيداع الدين عليه، وإيداع الدين لا يمكن ثم إذا حضر الغائب وصدقه في الإيداع والإجارة والرهن رجع عليه بما ضمن للمدعي أما لو كان غصبا لم يرجع وكذا في العارية والإباق مثل الهلاك ها هنا فإن عاد العبد يوما يكون عبدا لمن استقر عليه الضمان، جارية في يده ذهبت عينها فأقام رجل البينة أنها له وطلب أرش العين، وأخذ الجارية، وأقام ذو اليد البينة على الوديعة وغيرها فلا خصومة بينهما، ولو كانت، ولدت ثم ماتت، والمسألة بحالها جعله القاضي خصما في حق القيمة، ولا يقضي بالولد ويقف فيه ويجعله تبعا للأم بخلاف الأرش أمة في يد رجل قتلها عبد خطأ، وذو اليد زعم أنها وديعة لفلان عندي يقال لمولى العبد افده أو ادفعه فإن دفعه ثم جاء رجل، وأقام البينة أن الجارية كانت له، وأقام ذو اليد بينة على الإيداع وغيره على ما ذكرنا فإنه يقال للمدعي إن طلبت العبد فلا حق لك، وإن طلبت القيمة قضينا بها عليه لك فإن اختار القيمة، وأخذها منه ثم حضر الغائب وصدق المقر فإنه يرجع عليه بما ضمن لا في الغصب والعارية، وإن أنكر الغائب فله أن يحلفه أو يقيم عليه البينة في فصل الوديعة والإجارة والرهن فإن حلف لم يرجع قطعا، ومع القتل لا خصومة بينهما لا في الرقبة، ولا في الأرش حتى يحضر المالك‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر قوله أودعنيه، وما بعده يفيد أنه لا بد من دعوى إيداع الكل، وليس كذلك لما في الاختيار أنه لو قال النصف لي والنصف وديعة عندي لفلان، وأقام بينة على ذلك اندفعت في الكل لتعذر التمييز‏.‏ ا هـ‏.‏ وأفاد بقوله فلان أنه عينه باسمه، وقدمنا أنه لو قال أودعنيه رجل لا أعرفه لم تندفع فلا بد من تعيين الغائب في الدفع والشهادة فلو ادعاه من مجهول وشهدا بمعين أو عكسه لم تندفع، وقدمنا أن معرفة الشهود الغائب بوجهه فقط كافية عند الإمام خلافا لمحمد، وفي البزازية لو قال الشهود أودعه من نعرفه بالطرق الثلاث لكن لا نقوله، ولا نشهد به لا تندفع، ومقتضاه أن المدعى عليه لو أجاب بذلك لا يكفي وكذا لو قال أعرفه إلا أني نسيته، ومحل الاختلاف بينهما وبين محمد إنما هو فيما إذا ادعاه الخصم من معين بالاسم والنسب فشهدا بمجهول لكن قالا نعرفه بوجهه أما لو ادعاه من مجهول لم تقبل الشهادة إجماعا، وهو الصحيح كذا في شرح أدب القضاء للخصاف‏.‏ وفي خزانة الأكمل والخانية، ولو أقر المدعي أن رجلا دفعه إليه أو شهدوا على إقراره بذلك فلا خصومة بينهما، وأطلق في الغائب فشمل ما إذا كان بعيدا معروفا يتعذر الوصول إليه أو قريبا كما في الخلاصة والبزازية وظاهر قوله وبرهن عليه أنه لا بد من البرهان على ما ادعاه مطابقة، وفي خزانة الأكمل لو شهدوا أن فلانا دفعه إليه، ولا ندري لمن هو فلا خصومة بينهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أنه لا تشترط المطابقة لعين ما ادعاه، وأشار بقوله وبرهن عليه أي على ما قاله إلى أنه لو برهن على إقرار المدعي أنه لفلان، ولم يزيدوا فالخصومة بينهما قائمة كما في خزانة الأكمل والفصول، ومعنى قوله دفعت خصومة المدعي دفعها القاضي أي حكم بدفعها فأفاد أنه لو أعاد المدعي الدعوى عند قاض آخر لا يحتاج المدعى عليه إلى إعادة الدفع بل يثبت حكم القاضي الأول كما صرحوا به، وأراد بالبرهان وجود حجة على ما قال سواء كانت بينة أو علم القاضي أو إقرار المدعي كما في الخلاصة، ولو علم القاضي أنها لرجل ثم وجدها في يد آخر فقال الأول إنها لي، وأقام صاحب اليد بينة على الوديعة فلا خصومة بينهما وكذا إذا علم القاضي إيداع هذا الآخر كما علم ملك الأول أقره في يده أما لو علم القاضي أن الغائب غصبها من هذا الذي كانت له ثم أودعها هذا أخذها وردها فإن علمه بمنزلة البينة‏.‏ ا هـ‏.‏ ولو لم يبرهن المدعى عليه وطلب يمين المدعي استحلفه القاضي فإن حلف على العلم كان خصما، وإن نكل فلا خصومة كما في خزانة الأكمل وظاهر قوله دفعت أن المدعى عليه لا يحلف المدعي أنه لا يلزمه تسليمه إليه، ولم أره الآن، وأطلق في اندفاعها فيما ذكر فشمل ما إذا صدق ذو اليد على دعوى الملك ثم دفعه بما ذكر فإنها تندفع كما في البزازية، وفي البزازية، وإن ادعى ذو اليد الوديعة، ولم يبرهن عليها، وأراد أن يحلف أن الغائب أودعه عنده يحلف الحاكم المدعى عليه بالله تعالى لقد أودعها إليه على البتات لا على العلم؛ لأنه، وإن كان فعل الغير لكن تمامه به، وهو القبول، وإن طلب المدعى عليه يمين المدعي فعلى العلم بالله ما يعلم إيداع فلان عنده؛ لأنه فعل الغير، ولا تعلق له به، وفي الذخيرة لا يحلف ذو اليد على الإيداع؛ لأنه يدعي الإيداع، ولا حلف على المدعي، ولو حلف أيضا لا يندفع، ولكن له أن يحلف المدعي على عدم العلم‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيدنا بكون المدعي ادعاه ملكا مطلقا يعني فقط للاحتراز عما إذا ادعى عبدا أنه ملكه، وأعتقه فدفعه المدعى عليه بما ذكر وبرهنا فإنه لا تندفع ويقضى بالعتق على ذي اليد فإن جاء الغائب وادعى أنه عبده، وأنه أعتقه يقضى به فلو ادعى آخر أنه عبده لم يسمع وكذا في الاستيلاد والتدبير، ولو أقام العبد بينة أن فلانا أعتقه، وهو يملكه فبرهن ذو اليد على إيداع فلان الغائب بعينه يقبل وبطلت بينة العبد فإذا حضر الغائب قيل للعبد أعد البينة عليه فإن أقامها قضينا بعتقه، وإلا رد عليه، ولو قال العبد أنا حر الأصل قبل قوله‏:‏ ولو برهن ذو اليد على الإيداع، ولا ينافيه دعوى حرية الأصل فإن الحر قد يودع وكذا الإجارة والإعارة‏.‏ وأما في الرهن قال بعضهم الحر قد يرهن، وقال بعضهم لا يرهن فتعتبر العادة كذا في خزانة الأكمل، ولم أر حكم ما إذا ادعى أن الدار وقف عليه فدفعه ذو اليد بما ذكر، ومقتضى قولهم إن دعوى الوقف من قبيل دعوى الملك المطلق أن تندفع إذا برهن، وقيدنا بكون القاضي لم يقض ببينة المدعي؛ لأن القاضي لو قضى ببينة المدعي ثم برهن ذو اليد على ما ذكر لم تسمع كذا في خزانة الأكمل والفصول وسواء كان بعد دعوى الإيداع قبل البرهان أو قبل دعواه كما في البزازية، وقيد بكون المدعى عليه اقتصر على الدفع بما ذكر للاحتراز عما إذا زاد، وقال كانت داري بعتها من فلان، وقبضها ثم أودعنيها أو ذكر هبة، وقبضا لم تندفع إلا أن يقر المدعي بذلك أو يعلمه القاضي، ولو ادعى المدعي ثم قاما إلى إحضار البينة فقال المدعى عليه إني وهبتها من فلان فسلمتها إليه ثم أودعنيها وغاب لم يسمع وكذا في البيع إلا أن يقر المدعي أو يعلم القاضي فلو برهن المدعي ثم صنع المدعى عليه بيعا أو هبة قبل القضاء لم تندفع سواء أقر به المدعي أو علمه القاضي أو قامت به بينة كذا في خزانة الأكمل‏.‏ ثم اعلم أنه في المسائل المخمسة لو شهدوا أنها لفلان الغائب فقط لم تقبل، ولو شهدوا على إقرار المدعي أنه لفلان الغائب اندفعت كما في البزازية، وأفاد المؤلف بجواب المدعى عليه أنه لو أجاب بأنها ليست لي أو هي لفلان، ولم يزد لا يكون دفعا، ولم يذكر المؤلف دفع الدفع فلو برهنا على ما ادعياه فدفعه المدعي بأنه ملكه غصبه منه تسمع دعواه، ولا تندفع الخصومة كما في الخلاصة، وفي الاختيار لو قال المدعي أودعنيها ثم وهبها منك أو باعها، وأنكر يستحلفه القاضي أنه ما وهبها منه، ولا باعها له فإن نكل صار خصما؛ لأنه أقر أن يده يد ملك فكان خصما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية الدفع الصحيح للدعوى الفاسدة التي اتفقت الأئمة على فسادها صحيح في الأصح، وقيل الدفع أيضا فاسد؛ لأنه مبني على فاسد، والبناء على الفاسد فاسد وكما يصح الدفع قبل البرهان يصح بعد إقامته أيضا وكذا يصح قبل الحكم كما يصح بعده ودفع الدفع ودفعه، وإن كثر صحيح في المختار، وقيل لا يسمع بعد ثلاث بأن ادعى الملك المطلق فقال اشتريته منك فدفع قائلا بالإقالة فدفع قائلا بأنك أقررت ما اشتريته مني يسمع في المختار كما لو كان الشهود عدولا والدفع من غير المدعى عليه لا يسمع ودفع أحد الورثة يسمع، وإن ادعى على غيره لقيام بعضهم مقام الكل حتى لو ادعى مدع على أحد الورثة دارا فبرهن الوارث الآخر أن المدعي أقر بكونه مبطلا في الدعوى يسمع‏.‏ ا هـ‏.‏ فإن قلت ما فائدة دفع الدعوى الفاسدة مع أن القاضي لا يسمعها قلت تفقها، ولم أره‏:‏ فائدته لو ادعاها على وجه الصحة كان الدفع الأول كافيا‏.‏ ثم اعلم أن قولهم إن الدفع بعد الحكم صحيح مخالف لما قدمناه من أن القاضي لو قضى للمدعي قبل الدفع ثم دفع بالإيداع ونحوه فإنه لا يقبل إلا أن يخص من الكلي فافهم، ولم يذكر المؤلف حكم جواب الغائب إذا حضر، وفي الخانية فإن حضر فلان وسلم المدعى عليه الدار إليه فادعاه المدعي الأول دعواه على المقر له فأجاب أنها وديعة عنده لفلان آخر تقبل بينته وتندفع عنه خصومة المدعي‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البزازية لو لم يبرهن المدعى عليه وبرهن الطالب وحكم له به ثم حضر الغائب وادعى بأنه ملكه إن أطلق الملك تقبل، وإن قال بالشراء من المدعى عليه المقضي عليه لا؛ لأن القضاء على ذي اليد بالبينة بعد دعوى الملك المطلق قضاء على كل من تلقى الملك إليه منه فكان المشتري مقضيا عليه، وإن حضر قبل الحكم وبرهن على مطلق الملك فهما كخارجين برهنا على الملك المطلق ثم اعلم أن مسألة الرهن من المسائل المخمسة تصلح حيلة لإثبات الرهن في غيبة الراهن كما في حيل الولوالجية‏.‏ ثم اعلم أن القاضي في هذه المسائل لو لم يسمع دفع ذي اليد، وقضى ببينة المدعي كان قضاء على غائب، وقدمنا أن في نفاذه روايتين فليكن هذا على ذكر منك، ولم أر من نبه عليه، وفي العباب للشافعية أنه حكم على غائب ويحلف على بقاء ملكه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قال ابتعته من الغائب أو قال المدعي غصبته أو سرق مني، وقال ذو اليد أودعنيه فلان وبرهن عليه لا‏)‏ أي لا تندفع بيان للمسألتين حاصل الأولى أن المدعي ادعى في العين ملكا مطلقا، وأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على الملك فدفعه ذو اليد بأنه اشتراها من فلان الغائب وبرهن عليه لم تندفع عنه الخصومة يعني فيقضي القاضي ببرهان المدعي؛ لأنه لما زعم أن يده يد ملك اعترف بكونه خصما فالضمير في قال عائد على المدعى عليه، وفي البزازية وذكر الوتار قال في غير مجلس الحاكم إنه ملكي ثم قال في مجلسه إنه وديعة عندي أو رهن عندي من فلان يندفع إذا برهن على ما ذكر، ولو برهن عليه المدعي أنه أقر بكونه ملكا له في غير مجلس الحاكم يجعله خصما ويحكم عليه بسبق إقراره ويمنع من الدفع‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن دعوى الشراء عن الغائب مثال، والمراد أن ذا اليد ادعى ملكا لنفسه سواء أطلقه أو قيده بشراء وهبة مع قبض أو صدقة كذلك، وأطلق في الشراء فشمل الفاسد مع القبض كما في أدب القضاء للخصاف، ولهذا قال في البزازية أيضا لو قال إنه ملكي ثم برهن على الوديعة لا يسمع‏.‏ ا هـ‏.‏ وأشار المؤلف بهذه المسألة إلى ما في البزازية في يده دار زعم شراءها من فلان الغائب أو صدقة مقبوضة أو هبة كذلك منذ شهر أو أمس وبرهن أولا وبرهن آخرا أن هذا الغائب رهنها منه منذ شهر أو آجرها منه أو أعارها منه، وقبضها وبرهن يحكم بها للمستأجر والمستعير والمرتهن، ولا تندفع الخصومة عن ذي اليد ثم ذو اليد بالخيار إن شاء سلم إلى المدعي وتربص إلى انقضاء المدة أو فك الرهن، وإن شاء نقض البيع، وإن اختار عدم النقض فأدى البائع الدين، وفك الرهن قبل قبضه تم البيع، وإن كان المدعي برهن أن الدار له أعارها أو آجرها أو رهنها من الغائب أو اشتراها الغائب منه، ولم ينقد الثمن قبل أن يشتريها منه ذو اليد يقضى بها للمدعي في الوجوه كلها أما في الإعارة فلعدم اللزوم‏.‏ وأما في الإجارة فلأنه عذر في الفسخ؛ لأنه يريد إزالتها عن ملكه، وأما في الشراء فلأن له حق الاسترداد لاستيفاء الثمن فإن دفع الحاكم الدار إلى المدعي فإن كان آجرها، ولم يقبض الأجرة أخذ منه كفيلا بالنفس إلى انقضاء المدة، وإن كان قبض الأجرة أو كان ادعى رهنا لا يدفع إلى المدعي ويضعها على يد عدل‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن دعوى الرهن أو الإجارة أو الإعارة من الغائب كدعوى الملك المطلق على ذي اليد، وقيد بدعوى الشراء من الغائب من غير أن يدعي أن المدعي باعها من الغائب فلو ادعى ذو اليد أن المدعي باع العين من الغائب ففيه اختلاف قال في القنية ادعى عليه عبدا، وأثبته بالبينة فأقام المدعى عليه البينة أنك بعته من فلان الغائب فعلى ما عليه إشارات الجامع والزيادات لا تقبل وذكر الناطفي في أجناسه أنها تقبل وتندفع الدعوى ثم إذا قبلت فإن لم يدع تلقي الملك من المشتري فأولى أن تقبل إذا ادعاه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها قبله ادعى عليه دارا أنها ملكه، وأثبته بالبينة ثم أقام المدعى عليه بينة أن المدعي باعها من زوجته وباعتها هي مني تسمع‏.‏ ا هـ‏.‏ وإذا لم تندفع في المسألة الأولى، وأقام الخارج البينة فقضي له ثم جاء المقر له الغائب وبرهن تقبل بينته؛ لأن الغائب لم يصر مقضيا عليه، وإنما قضي على ذي اليد خاصة ذكره الشارح وحاصل الثانية أن المدعي ادعى فعلا على ذي اليد فدفعه بدعوى الإيداع من الغائب وبرهن فإنها لا تندفع؛ لأنه إنما صار خصما بدعوى الفعل عليه لا بيده بخلاف دعوى الملك المطلق؛ لأنه خصم فيه باعتبار يده حتى لا تصح دعواه على غير ذي اليد وتصح دعوى الفعل، وقد بني فعل الغصب للفاعل، وفعل السرقة للمفعول فخرج ما إذا بني الأول للمفعول بأن قال غصب مني كما في البزازية، وإنما قيد في السرقة للمفعول ليعلم حكم ما إذا بناه للفاعل بالأولى، وهو اتفاق، وفي المبني للمفعول الاختلاف فقال محمد هو كبناء فعل الغصب للفاعل، وهو القياس واستحسناه وجعلاه من دعوى الفعل عليه؛ لأن في ذكر الفاعل إشاعة الفاحشة بخلاف الغصب، ولو ادعاه بالمصدر لم يذكره الشارحون، وفي البزازية ادعى أنه ملكه، وفي يده غصب وبرهن ذو اليد على الإيداع قيل تندفع لعدم دعوى الفعل عليه والصحيح أنه لا تندفع‏.‏ ا هـ‏.‏ وأراد بالبرهان إقامة البينة فخرج الإقرار لما في البزازية معزيا إلى الذخيرة من صار خصما لدعوى الفعل عليه إن برهن على إقرار المدعي بإيداع الغائب منه تندفع وإن لم تندفع بإقامة البينة على الإيداع لثبوت إقرار المدعي أن يده ليست يد خصومة‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الغصب والسرقة تمثيل والمراد دعوى فعل عليه فلو قال المدعي أودعتك إياه أو اشتريته منك وبرهن ذو اليد كما ذكرنا على وجه لا يفيد ملك الرقبة له لا تندفع كذا في البزازية، ولو قال المدعي ملكي، وفي يده بغير حق لا يكون دعوى الغصب فتندفع لو برهن على الإيداع بالطريق المذكور كذا في البزازية أيضا، وقيد بدعوى الفعل على ذي اليد للاحتراز عن دعواه على غيره فدفعه ذو اليد بواحد مما ذكرناه وبرهن فإنها تندفع كدعوى الملك المطلق كما في البزازية وذكر الشارح لو ادعى أنه اشتراها من ذي اليد، وقبضها ونقد الثمن، وأقام ذو اليد البينة أن فلانا أودعها إياه اندفعت الخصومة وإن ادعى على ذي اليد فعلا؛ لأن المدعى عقد استوفى أحكامه فصار كالعدم فكان كدعوى ملك مطلق حتى لو لم يشهدوا على قبضه لم تندفع‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يذكر في الخلاصة نقد الثمن، وإنما ذكر الشراء مع القبض، وفي البزازية بعدما ذكر أنه مع القبض كدعوى ملك مطلق قال وجماعة من مشايخنا قالوا لا تندفع أيضا؛ لأن دعوى الشراء بقي معتبرا، ولهذا لا يحكم القاضي بالزوائد المنفصلة، ولا يكون للباعة أن يرجع بعضهم على بعض، ولو كان كدعوى الملك المطلق لكان الأمر بخلافه‏.‏ ا هـ‏.‏ والظاهر ما عليه هؤلاء لإطلاق المتون الشراء، وأفاد المؤلف رحمه الله بما ذكره من دعوى الفعل ودفعها أن المدعى عليه بعد دعوى الفعل عليه لا يقدر على التحويل إلى غيره فلو دفع بأنه لابنه الصغير بعد دعوى الغصب عليه لم تندفع كما في البزازية أو دفع بأنه ملك والده أودعه عنده كما في الخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن قال المدعي ابتعته من فلان، وقال ذو اليد أودعنيه فلان ذلك سقطت الخصومة‏)‏ أي بغير برهان وحاصلها أن المدعي ادعى الملك بسبب من جهة الغائب فدفعه ذو اليد بأن يده من الغائب فقد اتفقا على أن أصل الملك فيه للغائب فيكون وصولها إلى يد ذي اليد من جهته فلم تكن يده يد خصومة إلا أن يقيم المدعي بينة أن فلانا وكله بقبضه؛ لأنه أثبت ببينته كونه أحق بإمساكها، ولو صدقه ذو اليد في شرائه منه لا يأمره القاضي بالتسليم إليه حتى لا يكون قضاء على الغائب بإقراره، وهي عجيبة قيد بتلقي اليد من الغائب للاحتراز عما إذا قال ذو اليد أودعنيه وكيل فلان ذلك لم تندفع إلا ببينة؛ لأنه لم يثبت تلقي اليد ممن اشترى هو منه لإنكار ذي اليد، ولا من جهة وكيله لإنكار المدعي وكذا لو ثبت بالبينة أنه دفعها إلى الوكيل، ولم يشهدوا أن الموكل دفعها إلى ذي اليد ذكره الشارح وظاهر قوله سقطت السقوط بلا بينة ويمين، وفي البناية، ولو طلب المدعي يمينه على الإيداع يحلف على البتات‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقيد المؤلف بدعوى الشراء من الغائب اتفاقي ففي البزازية معزيا إلى الذخيرة ادعى أنه له غصبه منه فلان الغائب وبرهن عليه وزعم ذو اليد أن هذا الغائب أودعه عنده تندفع لاتفاقهما على وصول العين من غيره، وأن صاحب اليد ذلك الرجل بخلاف ما لو كان مكان دعوى الغصب دعوى السرقة فإنه لا يندفع بزعم ذي اليد إيداع ذلك الغائب في الاستحسان‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد سئلت بعد تأليف هذا المحل بيوم عن رجل أخذ متاع أخته من بيتها ورهنه وغاب فادعت الأخت به على ذي اليد فأجابه بالرهن فأجبت إن ادعت المرأة غصب أخيها وبرهن ذو اليد على الرهن اندفعت، وإن ادعت السرقة لا، وفي البزازية قبله معزيا إلى الذخيرة أيضا برهن على أنه وديعة عنده من جهة الميت الذي يدعي الوصية منه أو من غصبه منه فلا خصومة بينهما؛ لأنهما تصادقا على وصول المال من جهة الميت إما غصب، وإما أمانة فلا تكون يده يد الخصومة في حق من يدعي تلقي الملك منه، وفرق بين الوصية والوراثة فلو برهن في دعوى الوراثة أنه وديعة عنده من قبل المورث الذي يدعي منه الوراثة لا يندفع، وفي دعوى الوصية كما ذكرنا يندفع حتى يحضر الوارث أو الوصي‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيدنا باتحاد الغائب؛ لأنه لو ادعى الشراء من فلان الغائب المالك وبرهن ذو اليد على إيداع غائب آخر منه لا تندفع كما لو ادعى الإيداع من غير الوصي أو الغصب منه فإنه خصم إلا أن يبرهن على مقاله، وقال البلخي لا تندفع، وإن برهن كمسألة الشراء كذا في البزازية، والله أعلم بالصواب‏.‏