فصل: باب الاستحقاق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الحقوق

كان من حق مسائل هذا الباب إن تذكر في الفصل المتصل بأول البيوع إلا أن المصنف التزم ترتيب الجامع الصغير، ولأن الحقوق توابع فيليق ذكرها بعد مسائل البيوع كذا في المعراج، والحقوق جمع حق، وفي المصباح الحق خلاف الباطل، وهو مصدر حق الشيء من بابي ضرب، وقتل إذا وجب وثبت، ولهذا يقال لمرافق الدار حقوقها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي البناية الحق ما يستحقه الرجل، وله معان أخر منها الحق ضد الباطل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح المنار للسيد نكركار الحق هو الشيء الموجود من كل وجه، ولا ريب في وجوده، ومنه قوله عليه السلام‏:‏ «السحر حق، والعين حق»‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح البخاري للكرماني الحق حقيقة هو الله تعالى بجميع صفاته لأنه الموجود حقيقة بمعنى لم يسبق بعدم، ولم يلحقه عدم، وإطلاق الحق على غيره مجاز، ولذا ورد في الحديث‏:‏ «اللهم أنت الحق، ووعدك الحق، وقولك الحق» بالتعريف في الثلاثة ثم قال ولقاؤك حق، والجنة حق، والنار حق، والساعة حق بالتنكير‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الأصوليون أن الأحكام أربعة حقوق الله تعالى خالصة، وحقوق العباد خالصة، وما اجتمعا فيه وحق الله تعالى غالب كحد القذف، وما اجتمعا فيه وحق العباد غالب كالقصاص قالوا، والمراد من حق الله تعالى ما تعلق نفعه بالعموم، وإنما نسب إلى الله تعظيما لأنه متعال عن أن ينتفع بشيء، ولا يجوز أن يكون حقا له تعالى بجهة التخليق لأن الكل سواء في ذلك‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ العلو لا يدخل بشراء بيت بكل حق‏)‏ يعني إذا اشترى بيتا فوقه بيت لا يدخل فيه العلو، ولو قال بكل حق هو له ما لم ينص عليه لأن البيت اسم لمسقف واحد يصلح للبيتوتة، والعلو مثله، والشيء لا يكون تبعا لمثله، وفي المصباح علو الدار وغيرها خلاف السفل بضم العين وكسرها‏.‏ ا هـ‏.‏ وأورد المستعير له أن يعير ما لا يختلف، والمكاتب له أن يكاتب عبده فأجيب بأن ذلك ليس بطريق الاستتباع بل لما ملك المستعير المنفعة بغير بدل كان له أن يملك ما ملك كذلك، والمكاتب بعقد الكتابة لما صار أحق بمكاسبه كان له ذلك لأن كتابة عبده من أكسابه قوله ‏(‏وبشراء منزل إلا بكل حق هو له أو بمرافقه أو بكل قليل وكثير هو فيه أو منه‏)‏ أي لا يدخل العلو بشراء منزل إلا أن يقول المشتري لفظا من الثلاثة لأن المنزل له شبه بالدار، وبالبيت لأنه اسم لما يشتمل على بيوت وصحن مسقف ومطبخ يسكن فيه الرجل بأهله مع ضرب قصور فيه فإنه ليس فيه إصطبل فلشبه الدار يدخل بذكر التوابع، ولشبه البيت لا يدخل من غير ذكر توفيرا عليهما حظهما، وفي الكافي أن هذا التفصيل مبني على عرف الكوفة، وفي عرفنا يدخل العلو في الكل سواء باع باسم البيت أو المنزل أو الدار، والأحكام تبنى على العرف فيعتبر في كل إقليم، وفي كل عصر عرف أهله، وفي الذخيرة اعلم أن الحق في العادة يذكر فيما هو تبع للمبيع، ولا بد للمبيع منه، ولا يقصد إلا لأجل المبيع كالطريق والشرب للأرض، والمرافق عبارة عما يرتفق به، ويختص بما هو من التوابع كالشرب ومسيل الماء، وقوله كل قليل وكثير يذكر على وجه المبالغة في إسقاط حق البائع عن المبيع مما يتصل بالمبيع‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المصباح المرافق جمع مرفق بكسر الميم وفتح الفاء لا غير كالمطبخ والكنيف، ونحوه على التشبيه باسم الآلة بخلاف المرفق في الوضوء فإن فيه لغتين فتح الميم، وكسر الفاء كمسجد، وبالعكس، وكذا المرفق بمعنى ما ارتفقت به ا هـ‏.‏ فالحاصل أن المرفق مطلقا فيه لغتان إلا مرفق الدار، وفي جامع الفصولين من الفصل السابع، وما يذكر في دعوى العقار من قوله بحقوقه، ومرافقه فحقوقه عبارة عن مسيل الماء وطريق، وغيره وفاقا، ومرافقه عند أبي يوسف عبارة عن منافع الدار، وفي ظاهر الرواية المرافق هي الحقوق ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ودخل بشراء دار‏)‏ أي العلو بشراء دار وإن لم يذكر شيئا من ذلك لأن الدار اسم لما أدير عليه الحدود من الحائط، ويشتمل على بيوت ومنازل وصحن غير مسقف، والعلو من أجزائه فيدخل فيه من غير ذكر، وفي البناية الدار لغة اسم لقطعة أرض ضربت لها الحدود، وميزت عما يجاورها بإدارة خط عليها فبني في بعضها دون البعض ليجمع فيها مرافق الصحراء للاسترواح، ومنافع الأبنية للإسكان، وغير ذلك، ولا فرق بين ما إذا كانت الأبنية بالماء والتراب أو بالخيام، والقباب‏.‏ ا هـ‏.‏ قوله ‏(‏كالكنيف‏)‏ أي كما يدخل بشراء الدار، وإن لم يصرح به لأن الكنيف منها، وكذا يدخل بئر الماء، والأشجار التي في صحنها، والبستان الداخل فأما الخارج فإن كان أكبر منها أو مثلها لا يدخل إلا بالشرط، وإن كان أصغر منها يدخل لأنه يعد من الدار عرفا، والكنيف المستراح، وفي المصباح الكنيف الساتر، ويسمى الترس كنيفا لأنه يستر صاحبه، وقيل للمرحاض كنيف لأنه يستر قاضي الحاجة، والجمع كنف مثل نذير ونذر ا هـ‏.‏ أطلقه فشمل ما إذا كان الكنيف خارجا مبنيا على الظلة لأنه يعد منها عادة قوله ‏(‏لا الظلة إلا بكل حق‏)‏ أي لا تدخل الظلة في بيع الدار إلا إذا قال بكل حق، وهي الساباط الذي يكون أحد طرفيه على الدار، والآخر على الدار الأخرى أو على أسطوانات في السكة كذا في فتح القدير، وفي الصحاح، والظلة بالضم كهيئة الصفة، وقرئ في ظلل على الأرائك متكئين، والظلة أيضا أول سحابة تظل عن أبي زيد، وعذاب يوم الظلة قالوا غيم تحته سموم، والمظلة بالكسر البيت الكبير من الشعر‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المغرب قول الفقهاء ظلة الدار يريدون السدة التي تكون فوق الباب، وإنما لا تدخل عند أبي حنيفة لأنها مبنية على الطريق فأخذت حكمه، وعندهما إن كان مفتحها في الدار تدخل مطلقا لأنها من توابعها كالكنيف، وليس مراد المصنف بقوله إلا بكل حق القصر على هذا بل إنما المراد به أو بنحوه بأن يقال بمرافقها أو بكل قليل وكثير هو فيه كذا في البناية، وفي الخانية، ويدخل الباب الأعظم فيما إذا باع بيتا أو دارا بمرافقه لأن الباب الأعظم من مرافقها ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ولا يدخل الطريق والمسيل، والشرب إلا بنحو كل حق بخلاف الإجارة‏)‏ أي لا تدخل الثلاثة في بيع الأرض أو المسكن إلا بذكر كل حق ونحوه بخلاف الإجارة حيث تدخل مطلقا لأن كلا منها خارج عن الحدود فكانت تابعة فتدخل بذكر التوابع، وأما الإجارة فإنما المقصود منها الانتفاع، ولا يتحقق إلا بها، ولأن البيع شرع لتمليك العين لا المنفعة بدليل صحة شراء جحش ومهر صغير، وأرض سبخة، ولا تصح إجارتها، وكذا لو استأجر علوا، واستثنى الطريق فسدت بخلاف البيع، وقد يتجر في العين فيبيعه من غيره فحصلت الفائدة المطلوبة، وفي المعراج أراد الطريق الخاص في ملك إنسان أما الطريق إلى سكة غير نافذة أو إلى طريق عام يدخل‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط، وكذا ما كان له من حق مسيل الماء أو إلقاء الثلج في ملك إنسان لحاجته، وفي الذخيرة بذكر الحقوق إنما يدخل الطريق الذي يكون عند البيع لا الطريق الذي كان قبل البيع حتى أن من سد طريق منزله، وجعل له طريقا آخر، وباع المنزل بحقوقه يدخل تحت البيع الطريق الثاني لا الطريق الأول كذا في البناية فإن ذكر الحقوق، وقال البائع ليس للدار المبيعة طريق في دار أخرى فإن المشتري لا يستحق الطريق من غير حجة لكن له أن يردها بالعيب، وكذا لو كانت جذوع دار أخرى على الدار المبيعة فإن كانت الجذوع للبائع يؤمر البائع بالرفع، وإن كانت لغيره كان عيبا، وكذا لو ظهر في الدار المبيعة طريق أو مسيل ماء لدار أخرى فإن كانت تلك الدار للبائع لم يكن للبائع أن يمر في الدار المبيعة لأنه باعها من غير استثناء، وإن كانت تلك الدار لغير البائع كان عيبا كذا في شرح الجامع الصغير لقاضي خان، وفي الخلاصة يدخل الطريق في الرهن، والصدقة الموقوفة كالإجارة، وفي الخانية لو أقر بدار أو صالح على دار أو وصى بدار، ولم يذكر حقوقها، ومرافقها لم يدخل الطريق‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما إذا اقتسما، ولم يذكرا طريقا فإن أمكنه فتح باب صحت، وإلا فسدت، ولا يدخل إلا بذكر الحقوق، وفي البيع يدخل بذكر الحقوق، وإن أمكنه فتح باب، وبيان الفرق بين القسمة، والإجارة وبينها وبين البيع في المعراج ا هـ‏.‏

باب الاستحقاق

وهو طلب الحق، وفي المصباح استحق فلان الأمر استوجبه قاله الفارابي، وجماعة فالأمر مستحق بالفتح اسم مفعول، ومنه خرج البيع مستحقا‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكره عقيب الحقوق للمناسبة بينهما لفظا ومعنى قوله ‏(‏البينة حجة متعدية لا الإقرار‏)‏ لأن البينة لا تصير حجة إلا بقضاء القاضي، وله ولاية عامة فينفذ قضاؤه في حق الكافة، والإقرار حجة بنفسه لا يتوقف على القضاء، وللمقر ولاية على نفسه دون غيره فيقتصر عليه كذا ذكر الشارح، وظاهره أن معنى التعدي أنه يكون القضاء به قضاء على كافة الناس في كل شيء قضي به بالبينة، وليس كذلك، وإنما يكون القضاء على الكافة في العتق قال في الخلاصة القضاء بحرية العبد قضاء في حق الناس كافة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصغرى من دعوى النكاح من كتاب الدعوى إذا قضى القاضي لإنسان بنكاح امرأة أو بنسب أو بولاء عتاقة ثم ادعاه الآخر لا تسمع ذكره في آخر الباب الرابع والمائة من أدب القاضي ا هـ‏.‏ وأما القضاء بالوقف ففي الخلاصة من القضاء، والقضاء بوقفية موضع هل يكون قضاء على الناس كافة اختلف المشايخ فيه، وفي كتاب الدعوى أرض في يد رجل ادعى رجل أن هذه الدار وقف من جهة فلان على جهة معلومة، وأنه متولي ذلك الوقف، وذكر الشرائط، وأثبت بالبينة، وقضى القاضي بالوقفية ثم جاء رجل، وادعى أن هذه الأرض ملكه وحقه تسمع بخلاف العبد إذا ادعى العتق على إنسان وقضى القاضي بالعتق ثم ادعى رجل أن هذا العبد ملكه لا تسمع لأن القضاء بالعتق قضاء على جميع الناس كافة بخلاف الوقف قال الصدر الشهيد لم نر لهذا رواية، ولكن سمعت أن فتوى السيد أبي شجاع على هذا‏.‏ وفي فوائد شمس الأئمة الحلواني وركن الإسلام علي السغدي أن الوقف كالعتق في عدم سماع الدعوى بعد قضاء القاضي بالوقفية لأن الوقف بعدما صح بشرائطه لا يبطل إلا في مواضع مخصوصة، وكذا في النوازل ا هـ‏.‏ وصحح العمادي في الفصول أن القضاء به ليس قضاء على الكافة فتسمع فيه دعوى الملك فقد ظهر بهذا أن القضاء يكون على الكافة في الحرية والنكاح والنسب والولاء خاصة، وفي الوقف يقتصر على الأصح، وأما القضاء بالملك فقضاء على المدعى عليه، وعلى من تلقى الملك منه كذا في الخلاصة، وفيها قبله‏:‏ المشتري إذا صار مقضيا عليه هل يصير البائع مقضيا عليه حتى لا تسمع إن قال المشتري في جواب دعوى المدعي ملكي لأني اشتريته من فلان يعني من البائع صار البائع مقضيا عليه حتى لا تسمع دعوى البائع هذا المحدود، ويرجع المشتري عليه بالثمن أما إذا قال في الجواب ملكي ولم يزد عليه لا يصير البائع مقضيا عليه حتى تسمع دعواه هذا المحدود، والإرث كالشراء، وهو منصوص في الجامع الكبير، وصورتها دار في يد رجل يدعي أنها له فجاء آخر وادعى أنها له ورثها من أبيه، وأقام البينة وقضى القاضي له عليه بها ثم جاء أخو المقضي عليه، وادعى أن هذه الدار كانت لأبيه مات، وتركها ميراثا له بين الأخ المقضي عليه وبينه يقضى للأخ المدعي بنصف الدار لأن الأخ المقضي عليه لم يقل في الجواب ملكي لأني ورثتها من أبي فلم يصر الأخ الآخر حينئذ مقضيا عليه فتسمع دعواه‏.‏ وكذا لو أقر ذو اليد، وهو الأخ المقضي عليه أنه ورثها من أبيه بعدما أنكر، وبعد إقامة البينة، ولو أقر أنه ورثها من أبيه قبل إقامة البينة لا تسمع دعوى الأخ‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر قبله المورث إذا صار مقضيا عليه في محدود فمات فادعى وارثه ذلك المحدود إن ادعى الإرث من هذا المورث لا تسمع، وإن ادعى مطلقا تسمع، وإن كان على القلب بأن كان المورث مدعيا، والمقضي عليه أجنبيا فلما مات المورث ادعى المقضي عليه هذا المحدود مطلقا على وارثه لا تسمع، وذكر فيها معزيا إلى الصغرى في دعوى الدين على إحدى الورثة، وقد أقر المدعي أن الميت لم يترك شيئا القضاء عليه قضاء على الميت‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن القضاء على المشتري قضاء على البائع بالشرط السابق، وفي فتح القدير أن القضاء باستحقاق المبيع من يد المشتري قضاء على الكل، ولا تسمع دعوى أحدهم أنه ملكه، وعلى الوارث قضاء على المورث بشرطه، وعلى المورث قضاء على الوارث بشرطه، وعلى أحد الورثة قضاء على الباقي بشرطه، وذكر ملا خسرو من باب الاستحقاق، والحكم بالحرية الأصلية حكم على الكافة حتى لا تسمع دعوى الملك من أحد، وكذا العتق وفروعه، وأما الحكم في الملك المؤرخ فعلى الكافة من التاريخ لا قبله يعني إذا قال زيد لبكر إنك عبدي ملكتك منذ خمسة أعوام فقال بكر إني كنت عبد بشر ملكني منذ ستة أعوام فأعتقني فبرهن عليه اندفع دعوى زيد ثم إذا قال عمرو لبكر إنك عبدي ملكتك منذ سبعة أعوام، وأنت ملكي الآن فبرهن عليه تقبل، ويفسخ الحكم بحريته، ويجعل ملكا لعمرو‏.‏ ويدل عليه أن قاضي خان قال في أول البيوع في شرح الزيادات فصارت مسائل الباب على قسمين أحدهما عتق في ملك مطلق وهو بمنزلة حرية الأصل، والقضاء به قضاء على كافة الناس، والثاني القضاء بالعتق في الملك المؤرخ وهو قضاء على كافة الناس من وقت التاريخ، ولا يكون قضاء قبله فليكن هذا على ذكر منك فإن الكتب المشهورة خالية عن هذه الفائدة‏.‏ ا هـ‏.‏

ومن فروع التعدي إذا قضي بها دون الإقرار مسألة في الاستحقاق إذا استحق المبيع ببينة رجع المشتري على بائعه بالثمن، وبالإقرار لا، ومن مسائل الاستحقاق ما في جامع الفصولين لو استحق بالبينة فطلب ثمنه من بائعه فقال المبيع لي، وشهدا بزور فقال المشتري أنا أشهد بذلك، وأنهما شهدا بزور فللمشتري أن يرجع بثمنه على بائعه مع هذا الإقرار إذ المبيع لم يسلم له فلا يحل ثمنه للبائع ثم قال المرجوع عليه عند الاستحقاق لو أقر بالاستحقاق، ومع ذلك برهن الراجع على الاستحقاق كان له أن يرجع على بائعه إذ الحكم وقع ببينة لا بإقرار لأنه محتاج إلى أن يثبت عليه الاستحقاق ليمكنه الرجوع على بائعه، وفيه لو برهن المدعي ثم أقر المدعى عليه بالملك يقضى له بإقرار لا ببينة إذ البينة إنما تقبل على المنكر لا على المقر، وفيه اختلاف المشايخ فقيل يقضى بالإقرار، وقيل بالبينة، والأول أظهر، وأقرب إلى الصواب ا هـ‏.‏ وأورد على أن الإقرار قاصر على المقر مسألتان الأولى إذا أراد الزوج أن يسافر بامرأته فأقرت بدين لإنسان فإنه يمنعها من السفر الثانية إذا أقر الآجر بدين يصح، وتنفسخ الإجارة، ولم يقتصر الإقرار على المقر‏.‏ والجواب أن هذا الإقرار، وإن كان على الغير لكنه من ضرورات الإقرار لأنه صادف خالص حق المقر، وهو الذمة ثم لزم منه إتلاف حق الغير بالضرورة، ولأن المرأة، والآجر يقدران على الإنشاء بالاستقراض، وهذا قول أبي حنيفة، وعندهما لا يصدق المؤجر في حق المستأجر، ولا تنتقض الإجارة، ولا تصدق المرأة في حق الزوج حتى لا يكون للمقر له حبسها وملازمتها، ولا يبطل حق الزوج في نقلها كذا ذكره العتابي في شرح الزيادات، وذكر قبله أصلا لأبي حنيفة فقال أصل الباب أن إقرار الإنسان على غيره لا يصح، وذلك بأن يتضمن إقراره بطلان حق الغير بحيث يضاف البطلان إلى إقراره ففي مسألة الإجارة إنما يصح إقراره لأنه تصرف في ذمة نفسه بالتزام الدين ثم تعدى إلى حق الغير، وهو المستأجر، وحقه إنما يبطل بعد الإقرار بالبيع والتنفيذ فلا يضاف البطلان إلى إقرار الآجر فلا يكون إقرارا على الغير، وكذا في مسألة المرأة ا هـ‏.‏ ومن مسائل اقتصار الإقرار مسألة في الذخيرة من الفصل الثالث والعشرين من المتفرقات قبيل الصرف ذكر في الباب الأول من شهادات الجامع شهدا على رجل بعتق عبد فردت لتهمة فوكل المولى أحدهما ببيعه فباعه من الشاهد الآخر صح البيع لأن قولهما لم ينفذ في حق المالك، والمتعاقدان وإن تصادقا على فساد البيع لكن قولهما ليس بحجة على غيرهما، وعتق العبد لإقرار المشتري بحريته، وولاؤه موقوف، وبرئ المشتري عن الثمن في قياس قولهما، ولا يبرأ في قياس قول أبي يوسف بناء على إبراء الوكيل بالبيع عن الثمن، وضمنه الوكيل عندهما، وليس للوكيل حق استيفاء الثمن عند أبي يوسف إنما يستوفيه الموكل بخلاف الوكيل بالبيع إذا أبرأ عن الثمن حتى لم يصح الإبراء عنده فللوكيل استيفاؤه، وإن باع الوكيل العبد من غير صاحبه جاز، ولا عتق ولا براءة، وتمامها فيها‏.‏

قوله ‏(‏والتناقض يمنع دعوى الملك‏)‏ لأن القاضي لا يمكنه أن يحكم بالكلام المتناقض إذ أحدهما ليس بأولى من الآخر فسقطا، وهذا أصل لفروع كثيرة مذكورة في الدعوى، ولا بأس بإيراد نبذة منها فمن ذلك ما في الظهيرية رجل ادعى على رجل مقدارا معلوما بأنه دين له عليه، وأنكره المدعى عليه ثم ادعى أن ذلك المقدار عنده من جهة الشركة فإنه لا تسمع دعواه لأنه متناقض في كلامه، ولو كان الأمر بالعكس تسمع لإمكان التوفيق لأن مال الشركة يجوز أن يكون دينا بالجحود، والدين لا يصير مال الشركة، ومنها ما ذكره فيها أيضا رجل ادعى على آخر أنه أخوه، وادعى عليه النفقة فقال المدعى عليه ليس هو بأخي ثم مات المدعي، وخلف أموالا كثيرة فجاء المدعى عليه يطلب ميراثه، وقال هو أخي لا تقبل ولا يقضى له بالميراث لأنه متناقض، ولو كان مكان دعوى الأخوة دعوى البنوة أو الأبوة، والمسألة بحالها يقبل ذلك منه، ويقضى له بالميراث، ومنها ما ذكره فيها ادعى عينا في يد إنسان أنها لفلان وكلني بالخصومة فيها ثم ادعى أنها له، وأقام البينة على ذلك يصير متناقضا فلا تقبل بينته، ولو ادعى أنها له ثم ادعى بعد ذلك أنه لفلان وكله بالخصومة فيه، وأقام البينة على ذلك قبلت بينته، ولا يصير متناقضا ا هـ‏.‏ ومنها ما في البزازية ادعى شراء دار من أبيه فقبل أن يزكي شهوده برهن على أنه ورثها من أبيه تقبل لوضوح التوفيق لأنه يقول جحدني الشراء فملكت بالإرث، وعلى العكس لا، ومنها ما فيها أيضا ادعى الصدقة منه منذ سنة ثم ادعى الشراء منه منذ شهر، وبرهن لا تقبل إلا إذا وفق كما مر، ومنها ما فيها لو ادعى أولا الوقف ثم لنفسه لا تسمع كما لو ادعاها لغيره ثم لنفسه، ولو ادعى أنها له ثم ادعى أنها وقف عليه تسمع لصحة الإضافة بالأخصية انتفاعا كما لو ادعاها لنفسه ثم لغيره، ومنها ما فيها أيضا ادعى أنه لفلان وكله بالخصومة ثم ادعى أنه لفلان آخر، وكله بالخصومة لا تقبل إذ الوكيل بالخصومة في عين من جهة زيد مثلا لا يلي إضافته إلى غيره إلا إذا وفق، وقال كان لفلان الأول، وكان وكلني بالخصومة ثم باعه من الثاني، ووكلني الثاني أيضا، والتدارك ممكن بأن غاب عن المجلس ثم جاء بعد مدة، وبرهن على ذلك على ما نص عليه الحصيري في الجامع دلنا به أن الإمكان لا يكفي، ومنها لو ادعى أنه وكيل عن فلان بالخصومة فيه ثم ادعاه لنفسه لا يقبل لأن ما هو له لا يضيفه إلى غيره في الخصومة، ولا يحكم له بالملك بعدما أقر به لغيره، ولو برهن أولا لموكله لعدم الشهادة به له إلا إذا وفق، وقال كان لفلان وكلني بالخصومة ثم اشتريته منه، وبرهن على ذلك الأمر الممكن بخلاف ما إذا ادعاه لنفسه ثم ادعى أنه وكيل لفلان بالخصومة لعدم المنافاة فإن الوكيل بالخصومة قد يضيف إلى نفسه بكون المطالبة له‏.‏ ومنها ما في الأجناس الصغرى ادعى محدودا بشراء أو إرث ثم ادعاه ملكا مطلقا لا تسمع إذا كانت الدعوى الأولى عند القاضي فأما إذا لم تكن عند القاضي فهذا والأول سواء، وهذا على الرواية التي ذكروا أن التناقض إنما يتحقق إذا كان كلا الدعوتين عند القاضي فأما من اشترط أن يكون الثاني عند القاضي يكفي في تحقق التناقض كون الثاني عند الحاكم، وفيها أيضا، والتناقض كما يمنع الدعوى لنفسه يمنع الدعوى لغيره، والتناقض يرتفع بتصديق الخصم، وبتكذيب الحاكم أيضا، وهو معنى قولهم المقر إذا صار مكذبا شرعا بطل إقراره، وفيها الإيداع والاستعارة، والاستئجار، والاستيهاب إقرار بأن العين لذي اليد فلا تسمع دعواه بأنها له وطلب نكاح الأمة مانع من دعوى تملكها وطلب نكاح الحرة مانع من دعوى نكاحها‏.‏ ا هـ‏.‏ وذكر الاختلاف في أن إمكان التوفيق يكفي لدفع التناقض أو التوفيق بالفعل ذكرهما في الخلاصة، وفي البزازية معزيا إلى الخجندي أنه اختار أن التناقض إن كان من المدعي لا بد من التوفيق بالفعل، ولا يكفي الإمكان، وإن كان من المدعى عليه يكفي الإمكان لأن الظاهر عند الإمكان وجوده ووقوعه، والظاهر حجة في الدفع لا في الاستحقاق، والمدعي مستحق، والمدعى عليه دافع، والظاهر يكفي في الدفع لا في الاستحقاق، ويقال أيضا إن تعدد الوجوه لا يكفي الإمكان، وإن اتحد يكفي الإمكان‏.‏ ا هـ‏.‏ وسيأتي لهذا مزيد إن شاء الله تعالى في مسائل شتى من كتاب القضاء عند قول المصنف ما كان لك علي شيء قط ثم ادعى الإيفاء أو الإبراء، وفي كتاب الدعوى إن شاء الله تعالى، والتناقض في اللغة كما في المصباح التدافع يقال تناقض الكلامان تدافعا كأن كل واحد نقض الآخر، وفي كلامه تناقض إذا كان بعضه يقتضي إبطال بعض‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الصحاح، والمناقضة في القول أن يتكلم بما يتناقض معناه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما في المنطق فقال في الشمسية من الفصل الثالث في أحكام القضايا، وحدوا التناقض بأنه اختلاف قضيتين بالسلب والإيجاب بحيث يقتضي لذاته أن تكون إحداهما صادقة والأخرى كاذبة فلا يتحقق في المخصوصتين إلا عند اتحاد الموضوع، ويندرج فيه وحدة الشرط والجزاء لكل، وعند اتحاد المحمول، ويندرج فيه وحدة الزمان والمكان والإضافة والقوة والفعل والمحصورتين، ولا بد مع ذلك من الاختلاف بالكمية لصدق الجزئيين وكذب الكليتين في كل مادة يكون الموضوع فيها أعم، ولا بد من الاختلاف بالجهة في الكل لصدق الممكنتين وكذب الضروريتين في مادة الإمكان‏.‏ ا هـ‏.‏ وتوضيحه في شرحها للقطب، والظاهر أن مراد الفقهاء به المعنى اللغوي لا المنطقي كما لا يخفى‏.‏ قوله ‏(‏لا الحرية والنسب والطلاق‏)‏ لأن مبناها على الخفاء فيعذر في التناقض لأن النسب يبتنى على العلوق والطلاق والحرية ينفرد بها الزوج والمولى فتفرع على المسألة الأولى ما في المبسوط من باب الإقرار بالرق أن الأمة إذا أقرت بالرق فباعها المقر له جاز فإن ادعت عتقا بعد البيع، وأقامت البينة على عتق من البائع أو على أنها حرة من الأصل قبلت بينتها استحسانا، ولو باع عبدا، ودفعه إلى المشتري، وقبض ثمنه، وقبضه المشتري، وذهب به إلى منزله، والعبد ساكت، وهو ممن يعبر عن نفسه فهذا إقرار منه بالرق لأنه إنقاد للبيع والتسليم، ولا يثبت ذلك شرعا إلا في الرقيق فلا يصدق في دعوى الحرية بعد ذلك لأنه يسعى في نقض ما تم من جهته إلا أن تقوم له بينة على ذلك فحينئذ تقبل، والتناقض لا يمنع من ذلك، وكذا لو رهنه أو دفعه بجناية كان إقرارا له بالرق بخلاف ما لو أجره ثم قال أنا حر فالقول قوله لأن الإجارة تصرف في منافعه لا في عينه، ومنافع الحر تملك بالإجارة كالعبد فلا يكون إقرارا له بالرق، والإجارة ليست بإقرار من الخادم بالرق، وهو إقرار من المستأجر بأن العبد ليس له حتى لو ادعاه بعدما استأجره لنفسه لا يصدق ا هـ‏.‏ وأطلق الحرية فشمل الأصلية والعارضة لخفاء حال العلوق فإن الولد انجلب صغيرا من دار إلى دار، وينفرد المولى بالإعتاق‏.‏ ولهذا قلنا المكاتب إذا أدى بدل الكتابة ثم ادعى تقدم إعتاقه على الكتابة تقبل، ويؤدى بدل الكتابة كذا في البزازية، وأما التناقض المعفو في النسب فصورته لو باع عبدا ولد عنده، وباعه المشتري من آخر ثم ادعاه البائع الأول أنه ابنه فتسمع دعواه، ويبطل الشراء الأول والثاني لأن النسب ينبني على العلوق فيخفى فيعذر في التناقض هكذا صوره العيني في شرح الكنز، وظاهره أن النسب في كلام المصنف خاص بالأصول والفروع، وأما تناقض ما عداهم فإنه يمنع لما قدمناه من أنه إذا أنكر أخوته عند طلب الإنفاق عليه فمات فادعى بعده أنه أخوه طالبا ميراثه لم تسمع، ورجوعه إلى التناقض في دعوى الملك لكونه لا يصح الدعوى بأنه أخوه إلا إذا ادعى حقا، ولذا قال في البزازية من العاشر في النسب والإرث من كتاب الدعوى ادعى على آخر أنه أخوه لأبويه إن ادعى إرثا أو نفقة، وبرهن تقبل، ويكون قضاء على الغائب أيضا حتى لو حضر الأب، وأنكر لا تقبل، ولا يحتاج إلى إعادة البينة لأنه لا يتوصل إليه إلا بإثبات الحق على الغائب، وإن لم يدع مالا بل ادعى الأخوة المجردة لا تقبل لأن هذا في الحقيقة إثبات البنوة على أبي المدعى عليه والخصم فيه هو الأب لا الأخ‏.‏ وكذا لو ادعى أنه ابن ابنه أو أبو أبيه، والابن، والأب غائب أو ميت لا يصح ما لم يدع مالا فإن ادعى مالا فالحكم على الحاضر والغائب جميعا كما مر بخلاف ما إذا ادعى على رجل أنه أبوه أو ابنه أو على امرأة أنها زوجته أو ادعت عليه أنه زوجها أو ادعى العبد على عربي أنه مولاه عتاقة أو ادعى عربي على آخر أنه معتقه أو ادعت على رجل أنها أمته أو كان الدعوى في ولاء الموالاة، وأنكره المدعى عليه فبرهن المدعي على ما قال تقبل ادعى به حقا أو لا بخلاف دعوى الأخوة لأنه دعوى الغير ألا ترى أنه لو أقر أنه أبوه أو ابنه أو زوجه أو زوجته صح أو بأنه أخوه لا لكونه حمل النسب على الغير، وتمامه فيها، ولو قال هذا الولد ليس مني ثم تلاعنا ثم قال مني يصدق لخفاء العلوق فاندفع ما لو قال هذه الدار ليست لي ثم ادعاها كما مر كذا فيها أيضا، وفي جامع الفصولين قال لست وارثا ثم ادعى أنه وارثه وبين الجهة تسمع لأن التناقض في النسب معفو عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ وعلى هذا أفتيت فيمن أقر أنه ليس ابن فلان ثم ادعى أنه ابنه أنها تسمع أما الطلاق فصوره العيني بما إذا اختلعت من زوجها ثم أقامت بينة أنه كان طلقها ثلاثا قبل الخلع فإنه تقبل بينتها، ولها أن تسترد بدل الخلع وإن كانت متناقضة لاستقلال الزوج بإيقاع الثلاث عليها من غير أن يكون لها علم بذلك، وفي البزازية ادعت الطلاق فأنكر ثم مات لا تملك مطالبة الميراث ا هـ‏.‏ وليس المراد حصر ما يعفى فيه التناقض بل المراد أن ما كان مبنيا على الخفاء فإنه يعفى فيه التناقض فمن ذلك ما في الظهيرية اشترى دارا لابنه الصغير من نفسه، وأشهد على ذلك شهودا فكبر الابن، ولم يعلم بما صنع الأب ثم إن الأب باع الدار من رجل، وسلمها إليه ثم إن الابن استأجر الدار من المشتري ثم علم بما صنع الأب فادعى الدار على المشتري، وقال إن أبي اشترى هذه الدار لي من نفسه في صغري، وهي ملكي، وأقام على ذلك بينة فقال المدعى عليه في دفع دعوى المدعي إنك متناقض في هذه الدعوى لأن استئجارك هذه الدار مني اعتراف منك أن الدار ليست لك فدعواك الدار بعد ذلك يكون منك تناقضا قال الصحيح أن هذا لا يصلح دفعا لدعوى المدعي، وإن كان هذا تناقضا لأن هذا التناقض لا يمنع صحة الدعوى لما فيه من الخفاء فإن الأب يستقل بالشراء للصغير، ومن الصغير لنفسه، والابن لا علم له بذلك ا هـ‏.‏ وفي البزازية معزيا إلى الصغرى اشترى ثوبا في منديل ثم زعم أنه لم يعرفه قال تقبل، وفي الذخيرة قيل لا يقبل في المسائل كلها، وفي العيون قدم بلدة واشترى أو استأجر دارا ثم ادعاها قائلا بأنها دار أبيه مات وتركها ميراثا له وكان لم يعرفها وقت الاستلام لا تقبل قال والقبول أصح، وفي المنية اثنان اقتسما التركة ثم ادعى أحدهما أن أباه كان جعل له هذا الشيء المعين من الذي كان داخلا تحت القسمة إن قال إنه كان في صغري تقبل، وإن مطلقا لا ذكر الوتار تولى ولاية وقف أو تولى وصاية تركة بعد تبين كونها تركة أو قسم تركة بين ورثة ثم ادعاه لنفسه لا تسمع اشترى جارية في نقاب ثم ادعاها، وزعم أنه لم يعلمها لا يقبل، ولو اشترى ثوبا في منديل ثم ادعى أنه له لا يقبل قال محمد النظر إلى ذلك الشيء إن كان مما يمكن أن يعرف وقت المساومة كالجارية القائمة المتنقبة بين يديه لا تقبل إلا إذا صدقه المدعى عليه في عدم معرفته إياها فتقبل، وإن كان مما لا يعرف كثوب في منديل أو جارية قاعدة على رأسها غطاء لا يرى منها شيئا يقبل، ولأجل هذا الاختلاف اختلفت أقاويل العلماء في القبول وعدمه في المسائل ا هـ‏.‏ وفيها أيضا استأجر دابة من آخر ثم ادعى أنها كانت له اشتراها له أبوه في صغره، وبرهن تقبل لأن التناقض يعفى فيما يجري فيه الخفاء فإن الأب ينفرد بالشراء للابن، ومن الابن‏.‏ ا هـ‏.‏ ومما يعفى فيه التناقض ما في البزازية ادعى - المالك على الغاصب قيمة العين لهلاكها ثم ادعى أنها باقية، وبرهن تقبل لأنه موضع الخفاء ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن المتناقض الذي لا تسمع دعواه إذا قال تركت أحد الكلامين فإنه يقبل منه قال في البزازية معزيا إلى الذخيرة ادعاه مطلقا فدفعه المدعى عليه بأنك كنت ادعيته قبل هذا مقيدا، و برهن عليه فقال المدعي ادعيته الآن بذلك السبب، وتركت المطلق يقبل، ويبطل الدفع‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها معزيا إلى المحيط ادعى على آخر عند غير الحاكم بالشراء أو الإرث ثم ادعاه عند الحاكم ملكا مطلقا إن ادعى الشراء من معروف لا تقبل، وإن كان ادعاه من رجل مجهول أو قال من رجل ثم المطلق عند الحاكم يقبل دلت المسألة أنه لا يشترط في التناقض كون المتدافعين في مجلس الحكم بل يكتفى بكون الثاني في مجلس الحكم ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏مبيعة ولدت فاستحقت ببينة يتبعها ولدها، وإن أقر بها لرجل لا‏)‏ أي لا يتبعها ولدها تفريع على القاعدة الأولى، وهي التعدي، وعدمه، والمراد أنها ولدت من غير مولاها، وفي الكافي ولدت لا باستيلاده ثم قيل يدخل الولد في القضاء بالأم لأنه تبع لها فيكتفي بها، وقيل يشترط القضاء بالولد، وهو الأصح، وفي النهاية إنما لا يتبعها الولد في الإقرار إذا لم يدعه المقر له أما إذا ادعاه كان له لأن الظاهر أنه له، ولا خصوصية للولد بل زوائد المبيع كلها على التفصيل، ولم يذكر المصنف متى ينفسخ البيع إذا ظهر الاستحقاق، وفيه أقوال قيل بقبض المستحق، وقيل بنفس القضاء، والصحيح أنه لا ينفسخ ما لم يرجع المشتري على بائعه بالثمن حتى لو أجاز المستحق بعدما قضي له أو بعدما قبضه له قبل أن يرجع المشتري على بائعه يصح، وقال شمس الأئمة الحلواني في الصحيح من مذهب أصحابنا أن القضاء للمستحق لا يكون فسخا للبياعات ما لم يرجع كل على بائعه بالقضاء، وفي ظاهر الروايات لا ينفسخ ما لم يفسخ، وهو الأصح ا هـ‏.‏ وتمامه في فتح القدير، وفي البزازية من فصل الاستحقاق واستحقاق الجارية بعد موت الولد لا يوجب على المشتري شيئا كزوائد المغصوب‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيها من التناقض برهن على جارية أنها له فقضي له بها، وولدها في يد المدعى عليه لم يعلم به الحاكم فبرهن المدعي أنه ولدها يقضى به له أيضا فإن رجع شهود الأم بعد ذلك يضمنون قيمة الأم والولد لأن القضاء بالولد له بواسطة شهود الأم فإنهم لو رجعوا بعد القضاء بالأم قبل الحكم بالولد أو ارتدوا عن الإسلام أو فسقوا لا يحكم بالولد له إلا أن يشهدوا بأنه ملك المدعي ولدته على ملكه جاريته شهدا على رجل في يده جارية أنها لهذا المدعي ثم غابوا أو ماتوا ولها ولد في يد المدعى عليه يدعيه المدعى عليه أيضا أنه له، وبرهن المدعى عليه على ذلك لا يلتفت الحاكم إلى كلام المدعى عليه وبرهانه، ويقضى بالولد للمدعي فإن حضر الشهود، وقالوا الولد كان للمدعى عليه يقضى بضمان قيمة الولد على الشهود كأنهم رجعوا فإن كان الشهود حضروا سألهم عن الولد فإن قالوا إنه للمدعى عليه أو لا ندري لمن الولد يقضى بالأم للمدعي، ولا يقضى بالولد فهذا يؤيد ما ذكرنا أولا ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏وإن قال عبد لمشتر اشترني فإني عبد فاشتراه فإذا هو حر فإن كان البائع حاضرا أو غائبا غيبة معروفة فلا شيء على العبد‏)‏ تفريع على أن التناقض في دعوى الحرية معفو عنه فإن هذا الشخص أقر أولا بالعبودية ثم ظهر بعد ذلك أنه حر بدعواه فكان متناقضا لكنه معفو عنه في دعوى الحرية فتقبل الشهادة، وحينئذ فلا يدل وضعها على أنه لا يشترط الدعوى في الحرية العارضة بل العارضة والأصلية سواء في أنه لا بد من دعوى العبد عند أبي حنيفة، وهو قول الجمهور، وهو الصحيح لأنها حق العبد، ولا يمنعها التناقض كما ذكرنا، وإنما لم يلزم العبد في هاتين الصورتين شيء لإمكان الرجوع على البائع القابض قوله ‏(‏وإلا رجع المشتري على العبد، والعبد على البائع‏)‏ أي وإن كان البائع غائبا غيبة غير معروفة بأن لم يدر مكانه فإن المشتري يرجع على من قال له اشترني فأنا عبد بما دفع إلى البائع من الثمن ثم يرجع على من باعه بما رجع المشتري به عليه إن قدر، وإنما يرجع به على من باعه مع أنه لم يأمره بالضمان عنه لأنه أدى دينه، وهو مضطر في أدائه بخلاف من أدى عن آخر دينا أو حقا عليه بغير أمره، وليس مضطرا فيه فإنه لا يرجع به، وإنما قيد بالقيدين لأنه لو قال أنا عبد وقت المبيع، ولم يأمره بشرائه أو قال اشترني، ولم يقل أنا عبد لا رجوع عليه بشيء كذا في فتح القدير، وفي العتابية من فصل الاستحقاق ما يخالفه فلينظر ثمة‏.‏

قوله ‏(‏بخلاف الرهن‏)‏ أي لو قال ارتهني فأنا عبد فظهر حرا لم يرجع عليه بشيء في الأحوال كلها، وهو ظاهر الرواية عنهم، وعن أبي يوسف أنه لا يرجع في البيع والرهن لأن الرجوع بالمعاوضة، وهي المبايعة أو بالكفالة ولم يوجدا، والموجود هنا مجرد الإخبار كاذبا فصار كما لو قال ذلك أجنبي، وكما لو قال ارتهني فأنا عبد، ولهما أن المشتري شرع في الشراء معتمدا على أمره وإقراره فكان مغرورا من جهته، والتغرير في المعاوضات التي تقتضي سلامة العوض يجعل سببا للضمان دفعا للغرر بقدر الإمكان فكان بتغريره ضامنا لدرك الثمن له عند تعذر رجوعه على البائع كالمولى إذا قال لأهل السوق بايعوا عبدي فإني قد أذنت له ففعلوا ثم ظهر أنه مستحق فإنهم يرجعون على المولى بقيمة العبد، ويجعل المولى بذلك ضامنا لدرك ما ذاب عليه دفعا للضرر عن الناس بخلاف الرهن فإنه ليس عقد معاوضة بل عقد وثيقة للاستيفاء فلا يجعل الآمر به ضامنا لأنه ليس تغريرا في عقد معاوضة كما لو قال لسائل عن أمن الطريق اسلك هذا الطريق فإنه آمن فسلكه فنهب ماله لم يضمن، وكذا لو قال كل هذا الطعام فإنه ليس بمسموم فأكله فمات غير أنه يستحق العقوبة عند الله تعالى، وبخلاف الأجنبي لأنه لا يعبأ بقوله لعدم اعتماده على قوله فلا يتحقق له الغرور، وفي النهاية معزيا إلى شرح الجامع الصغير لقاضي خان، وهذه المسألة دليل على أن العبد إذا كفل بثمن نفسه عن البائع صحت الكفالة، وفي الخانية المغرور يرجع بأحد أمرين إما بعقد المعاوضة أو بقبض يكون للدافع كالوديعة والإجارة إذا هلكت الوديعة أو العين المستأجرة ثم جاء رجل، واستحق العين، وضمن المودع والمستأجر فإن المودع والمستأجر يرجع على الدافع بما ضمن، وكذا كل من كان بمعناهما، وفي الإجارة والهبة لا يرجع على الدافع بما ضمن ا هـ ‏(‏تتمة‏)‏ في الاستحقاق أقر المشتري بأن المبيع ملك فلان وصدقه، أو ادعاه فلان وصدقه هو أو أنكر فحلف، فنكل ليس له رجوع على البائع بخلاف الوكيل بالبيع إذا رد عليه بعيب فحلف، فنكل يلزم الموكل لأن النكول من المضطر كالبينة، وهو مضطر في النكول إذا لم يعلم عيبه ولا سلامته، ولو برهن المشتري على أنه ملك فلان لا تقبل لتناقضه بخلاف ما لو برهن على إقرار البائع لعدمه، وبخلاف ما لو برهن على أنها حرة الأصل، وهي تدعي ذلك أو أنها ملك فلان، وهو أعتقها أو دبرها أو استولدها قبل شرائها حيث يقبل، ويرجع بالثمن على البائع لأن التناقض في دعوى الحرية وفروعها لا يمنع صحة الدعوى، ولو باع عقارا ثم برهن أنه، وقف لا تقبل لأن مجرد الوقف لا يزيل الملك بخلاف الإعتاق، ولو برهن أنه وقف محكوم بلزومه قبل، ولو برهنت أمة في يد المشتري أنها معتقة لفلان أو مدبرته أو أم ولده يرجع الكل إلا من كان قبل فلان، ولو اشترى شيئا، ولم يقبضه حتى ادعى آخر أنه له لا تسمع دعواه حتى يحضر البائع والمشتري لأن الملك للمشتري واليد للبائع، والمدعي يدعيهما فشرط القضاء عليهما حضورهما، ولو قضي له بحضرتهما ثم برهن البائع أو المشتري على أن المستحق باعها من البائع ثم هو باعها من المشتري قبل، ولزم البيع لأنه يقرر القضاء الأول، ولا ينقضه‏.‏ ولو فسخ القاضي البيع بطلب المشتري ثم برهن البائع أن المستحق باعها منه يأخذها، وتبقى له، ولا يعود البيع المنتقض، ولو قضي للمستحق بعد إثباته ثم برهن البائع على بيع المستحق منه بعد الفسخ تبقى الأمة للبائع عند أبي حنيفة، وليس له أن يلزمها المشتري لنفوذ القضاء بالفسخ ظاهرا وباطنا عنده، ولو استحقت من يد مشتر فبرهن الذي قبله على بيع المستحق من بائع بائعه قبل لأنه خصم، ولو برهن البائع الأول أن المستحق أمره ببيعه، وهلك الثمن في يده تقبل، ولو استهلك أو رده لا يقبل، ولو أقر عند الاستحقاق بالاستحقاق، ومع ذلك أقام المستحق البينة، وأثبت عليه الاستحقاق بالبينة كان له أن يرجع على بائعه لأن القضاء وقع بالبينة لا بالإقرار لأنه يحتاج إلى أن يثبت بها ليمكنه الرجوع على بائعه، وذكر رشيد الدين أن المدعي لو أقام بينة على دعواه ثم أقر المدعى عليه بالملك فالقاضي يقضي بالإقرار لا بالبينة لأنها إنما تقبل على المنكر لا المقر‏.‏ وذكر في موضع آخر اختلاف المشايخ قال والأظهر والأقرب إلى الصواب أنه يقضى بالإقرار، وهو يناقض ما ذكره في الاستحقاق إلا أن يخص تلك بعارض الحاجة إلى الرجوع، وقصد القاضي إلى القضايا بإحدى الحجتين بعينها، ولو رد البائع الثمن بعد القضاء ثم ظهر فساد القضاء فليس للمشتري أن يسترد المستحق من البائع لثبوت التقايل، ولو لم يترادا، ولكن القاضي قضى للمستحق، وفسخ البيع ثم ظهر فساد القضاء يظهر فساد الفسخ، ولو أحب البائع أن يأمن غائلة الرد بالاستحقاق فأبرأه المشتري من ضمان الاستحقاق بلا أرجع بالثمن إن ظهر الاستحقاق فظهر كان له الرجوع، ولا يعمل ما قاله لأن الإبراء لا يصح تعليقه بالشرط قالوا والحيلة فيه أن يقر المشتري أن بائعي قبل أن يبيعه مني اشتراه مني فإذا أقر على هذا الوجه لا يرجع بعد الاستحقاق لأنه لو رجع على بائعه فهو أيضا يرجع عليه بإقراره أنه بائعه منه كذا في فتح القدير بتمامه، وفي جامع الفصولين المشتري إذا زكى شهود المستحق قال أبو يوسف اسأل عن الشاهدين فإن عدلا رجع المشتري بالثمن على بائعه، وإلا يقتصر على المشهود عليه، ولا يرجع بثمنه كالإقرار ثم لو ادعى المشتري استحقاق المبيع على بائعه ليرجع بثمنه فلا بد أن يفسر الاستحقاق ويبين سببه فلو بينه فأنكر بائعه البيع فبرهن عليه يقبل، ورجع بثمنه‏.‏ وقيل يشترط حضرة المبيع لسماع البينة، وقيل لا، وبه أفتى ‏(‏ظ‏)‏ بل لو ذكر شبه العبد وصفته، وقدر ثمنه كفى، شراه عالما بأنه ليس لبائعه ثم استحق رجع بثمنه وللمستحق عليه تحليف المستحق بالله ما باعه، ولا وهبه، ولا تصدق به، ولا خرج عن ملكه بوجه من الوجوه، ولو شرى أرضا فبنى أو زرع أو غرس فاستحق يرجع المشتري بثمنه على بائعه، ويسلم بناءه، وزرعه، وشجره إليه فيرجع بقيمتها مبنيا قائما يوم سلمها إليه فلو بنى المشتري بناء قيمته عشرة آلاف مثلا، وسكن فيه زمانا حتى خلف البناء، وتغير، وانهدم بعضه ثم استحق يرجع على بائعه بقيمة البناء يوم تسليمه، ولا ينظر إلى ما كان أنفق، وإنما يرجع بقيمة ما يمكن نقضه، وتسليمه إلى البائع حتى لا يرجع بقيمة جص وطين، ولو كان البائع غائبا، والمستحق أخذ المشتري بهدم بنائه فقال المشتري غرني بائعي، وهو غائب قال أبو حنيفة لا يلتفت إلى قول المشتري فيؤمر بهدمه، وتدفع الدار إلى المستحق فلو حضر البائع بعد هدمه لا يرجع المشتري على البائع بقيمة بنائه، وإنما يرجع عليه لو كان البناء قائما فسلمه إليه فهدمه، وأخذ النقض، وأما لو هدمه فلا شيء على البائع، وهذا بخلاف ما مر في شجر وجص على البائع قيمة الشجر نابتا في الاستحقاق، وللمشتري الرجوع على وكيل البائع بقيمة البناء قائما، وبقيمة الولد للغرور، وإن عرف المشتري أن الدار لغير البائع، ولم يدع البائع وكالة فبنى فاستحق لم يكن مغرورا، ولو ادعى المشتري أن البناء له، وقال البائع لي فالقول للبائع، وإذا رجع المشتري على بائعه بالثمن، وقيمة البناء قال أبو حنيفة لا يرجع البائع على بائعه إلا بثمنه، وعندهما يرجع بهما ا هـ‏.‏ وتمامه فيه، وفي البزازية من الاستحقاق ظهرت المشتراة حرة، ومات البائع لا عن وارث، وتركة، وبائع البائع قائم نصب الحاكم عن البائع الثاني وصيا فيرجع المشتري عليه، وهو يخاصم البائع الأول ا هـ‏.‏

قوله ‏(‏ومن ادعى حقا في دار‏)‏ أي مجهولا ‏(‏فصولح على مائة فاستحق بعضها لا يرجع بشيء‏)‏ لجواز أن يكون دعواه فيما بقي، وإن قل فما دام في يده شيء لم يرجع قيد باستحقاق بعضها لأنها لو استحق كلها رجع بما دفع للتيقن بأنه أخذ عوضا عما لا يملكه فيرده ودل، وضع المسألة على شيئين أحدهما أن الصلح عن المجهول جائز لأنه لا يفضي إلى المنازعة، الثاني أن صحة الصلح لا تتوقف على صحة الدعوى لصحته هنا دونها حتى لو برهن لم يقبل إلا إذا ادعى إقرار المدعى عليه به قيد بالمجهول لأنه لو ادعى قدرا معلوما كربعها لم يرجع ما دام في يده ذلك المقدار، وإن بقي أقل منه رجع بحساب ما استحق، وفي جامع الفصولين شراه فبنى فاستحق نصفه ورد المشتري ما بقي على البائع فله أن يرجع على بائعه بثمنه، وبنصف قيمة البناء لأنه مغرور في النصف، ولو استحق نصفه المعين فلو كان البناء في ذلك النصف خاصة رجع بقيمة البناء أيضا، ولو كان البناء في النصف الذي لم يستحق فله أن يرد البناء، ولا يرجع بشيء من قيمة البناء، ولو اشترى نصفه متاعا فاستحق نصفه قبل القسمة فالمبيع نصفه الباقي، ولو استحق بعد القسمة فالمبيع نصف الباقي، وهو الربع سئل بعضهم عمن اشترى أرضا فيها أشجار حتى دخلت بلا ذكر فاستحق الأشجار هل لها حصة من الثمن قال لا كما في ثوب قن وقنة وبرذعة حمار فإن ما يدخل تبعا لا حصة له من الثمن إلى آخره، وثبت في بعض النسخ كما شرح عليه العيني‏.‏