فصل: باب الوكالة بالخصومة والقبض

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الوكالة بالخصومة والقبض

قدمنا معناها لغة وشرعا وأنها تتخصص وتتعمم فليرجع إليه أول الكتاب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ الوكيل بالخصومة والتقاضي لا يملك القبض‏)‏ وهذا قول زفر لأنه رضي بخصومته والقبض غيرها ولم يرض به وعندنا هو وكيل بالقبض لأن من ملك شيئا ملك إتمامه وتمام الخصومة وانتهاؤها بالقبض والفتوى اليوم على قول زفر لظهور الخيانة في الوكلاء وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال ونظيره الوكيل بالتقاضي يملك القبض على أصل الرواية لأنه في معناه وضعا لما في الأساس تقاضيته ديني وبديني واقتضيته ديني واستقضيته واقتضيت منه حقي أي أخذته إلا أن العرف بخلافه وهو قاض على الوضع والفتوى على أنه لا يملك كذا في الهداية وفي الفتاوى الصغرى التوكيل بالتقاضي يعتمد العرف إن كان في بلدة كان العرف بين التجار أن المتقاضي هو الذي يقبض الدين كان التوكيل بالتقاضي توكيلا بالقبض وإلا فلا ذكره عن الفضل ا هـ قيد بالوكيل لأن الرسول بالتقاضي يملك القبض لأنه بمنزلة الرسول في القبض ولا يملك الخصومة إجماعا كذا في الصغرى أيضا وأشار المؤلف إلى أن الوكيل بالخصومة لا يصالح وإلى أن الوكيل بالملازمة لا يملك الخصومة والقبض وفي البزازية وهنا عشر مسائل الوكيل بقبض الدين أو العين وسيأتي بالخصومة أو التقاضي أو بالملازمة وقدمناها وبالقسمة وبالأخذ بالشفعة وبالرجوع في الهبة يملك الخصومة والقبض وبالرد بالعيب يخاصم ويحلف والوكيل بحفظ العين لا يخاصم ولو وكله بطلب كل حق له على الناس أو بكل حق له بخوارزم يدخل القائم لا الحادث وذكر شيخ الإسلام أنه إذا وكله بقبض كل حق له على فلان يدخل القائم والحادث أيضا فليتأمل عند الفتوى وفي المنتقى وكله بقبض كل دين له يدخل الحادث أيضا كما لو وكله بقبض غلته يقبض الغلة الحادثة أيضا ا هـ‏.‏ وقد فاته الوكيل بالصلح فإنه لا يخاصم كما في كافي الحاكم من باب الوكالة بالدم وفي منية المفتي ادعى أن فلانا وكله بطلب كل حق بالكوفة وبقبضه بالخصومة فيه وجاء بالبينة على الوكالة والموكل غائب ولم يحضر الوكيل أحدا قبله للموكل حق فالقاضي لا يسمع من شهوده حتى يحضر خصما جاحدا لذلك أو مقرا به فحينئذ يسمع وينفذ له الوكالة فإن أحضر بعد ذلك غريما آخر لم يحتج إلى إعادة البينة ولو ادعى الوكالة بطلب كل حق له قبل إنسان بعينه يشترط حضوره بعينه وإذا ثبت بحضوره فجاء بخصم آخر يقيم البينة على الوكالة مرة أخرى ادعى أنه وكله بقبض كل حق له ولموكله على هذا كذا وأقام ببينة شهدوا على الوكالة والحق على المدعى عليه دفعة واحدة تقبل على الوكالة لا غير ويؤمر بإعادة البينة على الحق عند الإمام وعند هما تقبل على الأمرين يقضي بالوكالة أولا ثم بالمال كذا لو ادعى به وصي الميت ا هـ‏.‏ وفي منية المفتي أيضا ولو حضر الموكل إلى القاضي ووكل الوكيل وليس معه خصم جاز وكان وكيلا إن كان يعرف القاضي الموكل وإن لم يعرف القاضي لا يجوز لأن الموكل وقت القضاء بالوكالة غائب والغائب إنما يصير معلوما بالاسم والنسب فإذا كان القاضي يعرف اسم الموكل ونسبه أمكن القضاء بالوكالة وإلا لو قضى بها قضى لمعلوم على مجهول فإن قال الموكل‏:‏ أنا أقيم البينة على أني فلان بن فلان لم يسمع منه لأن شرط سماعها على النسب الخصومة فيه ولم يوجد ا هـ‏.‏ وفي القنية لا يقبل من الوكيل بالخصومة بينة على وكالته من غير خصم حاضر ولو قضى بها صح لأنه قضاء في المختلف ا هـ‏.‏ وفي خزانة المفتين رجل وكل رجلا ببيع عين من أعيان ماله فأراد الوكيل أن يثبت الوكالة بالبيع عند القاضي حتى لو جاء الموكل وأنكر لا يلتفت إلى إنكاره فله وجود أحدها أن يسلم الوكيل العين إلى رجل ثم يدعي أنه وكيل من مالكه بالقبض والبيع فسلمه لي فيقول ذو اليد لا علم لي بالوكالة فيقيم البينة على أنه وكيله بالقبض والبيع فيسمع القاضي ذلك ويأمره بالتسليم إليه فيبيعه‏.‏ وثانيها أن يقول‏:‏ هذا ملك فلان أبيعه منك فإذا باعه منه يأمره بقبض المبيع فيقول المشتري لا أقبض منك لأني أخاف أن يجيء المالك وينكر الوكالة وربما يكون المقبوض هالكا في يدي أو يحصل منه نقصان فيضمنني فيقيم الوكيل ببينة أنه وكيل فلان بالبيع والتسليم ويجبره على القبض ويثبت بإقامة البينة ولاية الجبر على القبض وثالثها رجل ادعى أن الدار التي في يدك ملك فلان وأنت وكيله بالبيع وقد بعت مني فقال‏:‏ بعت منك ولكن لست بوكيل من فلان ولم يوكلني بالبيع فأقام مدعي الشراء البينة على أنه وكيل فلان بالبيع فهو خصم حتى تقبل البينة عليه ويثبت كونه وكيلا عنه في البيع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبقبض الدين يملك الخصومة‏)‏ أي الوكيل بقبض الدين يلي الخصومة مع المديون عند أبي حنيفة حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل أو أبرائه تقبل عنده وقالا‏:‏ لا يكون خصما وهو رواية الحسن عن أبي حنيفة لأن القبض غير الخصومة وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي في الخصومات فلم يكن الرضا بالقبض رضا بها ولأبي حنيفة أنه وكله بالتمليك لأن الديون تقضى بأمثالها إذ قبض الدين نفسه لا يتصور إلا أنه جعل استيفاء لغير حقه من وجه فأشبه الوكيل بأخذ الشفعة والرجوع في الهبة والوكيل بالشراء والقسمة والرد بالعيب وهذه أشبه بأخذ الشفعة حتى يكون خصما قبل القبض كما يكون خصما قبل الأخذ هنالك والوكيل بالشراء لا يكون خصما قبل مباشرة الشراء وهذا لأن المبادلة تقتضي حقوقا وهو أصيل فيها فيكون خصما فيها كذا في الهداية وفي الذخيرة على قولهما لا تقبل بينته لبراءته وتقبل لقصر يد الوكيل حتى لا يتمكن من قبضه بل يوقف الأمر إلى حضور الغائب ا هـ‏.‏ وفي النهاية فتقبل بينة الشريك على الوكيل بالقسمة أو موكله أخذ نصيبه وكذا الموهوب له فتقبل بينته على الوكيل في الرجوع إن موكله أخذ عوضها وكذا البائع تقبل بينته على الوكيل بالرد بالعيب إن موكله رضي به ا هـ‏.‏ لا يقال لو كان وكيلا بالمبادلة وجب أن تلحقه العهدة في المقبوض لأنه استيفاء عين الحق من وجه لأن من الديون ما لا يجوز الاستبدال به فلشبهه بالمبادلة جعلناه خصما ولشبهه بأخذ العين لا تلحقه العهدة عملا بهما كذا في النهاية والذخيرة أورد أيضا لو كان وكيلا بالمبادلة لم يجز توكيل المسلم في قبض الخمر كما لا يوكل في تمليكها وأجيب بأنه تمليك حكما والمسلم يصح أن يملكها حكما وإن لم يجز عقده كذا في غاية البيان وفي كافي الحاكم يصح توكيل الذمي المسلم في قبض الخمر ويكره للمسلم قبضها وفي الذخيرة أن الاختلاف مبني على أن الموكل فيه ملك الموكل أو ملك الغير فقالا بالأول بناء على أن المقبوض عين صاحب الدين حكما حتى كان له الأخذ من غير قضاء ولا رضا كما لو كان عنده وديعة أو غصب وقال الإمام‏:‏ إنه وكيل بقبض ملك الغير بناء على أن المقبوض ليس ملك رب الدين حقيقة بل هو بدله بدليل أن للمديون التصرف فيما في يده وإن لم يرض الدائن ا هـ‏.‏ ثم اعلم أنا قدمنا على الهداية أن الوكيل بقبض الدين ينتصب خصما للمديون إذا ادعى استيفاء الموكل أو إبراءه وفرق في الذخيرة بينهما فجعله خصما له في دعوى الإيفاء لرب الدين دون الإبراء لأنه خصم في الإثبات لكونه سببا لقبضه والإيفاء إلى الطالب وقبض الوكيل سواء بخلاف الإبراء لأنه ليس في جعله خصما فيه إحياء لحقه بل فيه إبطال حقه وهو قياس مسألة الوكيل بأخذ الشفعة فإنه يكون خصما في الإثبات وإذا ادعى عليه تسليم الآخر فإنه لا يصير خصما لما ذكرنا من إبطال حق الموكل وذكر شيخ الإسلام في شرحه مسألة دعوى الإبراء على الوفاق وذكرها الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي على الخلاف الذي ذكرنا في دعوى الإيفاء وإليه أشار محمد في أول وكالة الأصل ا هـ‏.‏ والحوالة كالإبراء ولم يذكر محمد في الجامع الصغير إلا أنه خصم في دعوى الإيفاء وسكت عن الإبراء وكذا سكت عنه في كافي الحاكم الذي هو جمع كلام محمد وفي البدائع لو أقام الغريم البينة على الإيفاء سمعت عنده خلافا لهما وعلى هذا الاختلاف لو أقامها الغريم على أنه لو أعطى الطالب بالدراهم دنانير أو باعه بها عرضا فبينته مسموعة عنده خلافا لهما لأن إيفاء الدين بطريقين بالمقاصة والمبادلة ويستوي فيهما الجنس وخلافه ا هـ‏.‏ ولم يذكر الإبراء ونقل في المعراج التسوية بين دعوى الإيفاء والإبراء عن شمس الأئمة ولم يذكر غيره وصرح في الفتاوى الصغرى بأن الوكيل بقبض الدين يصير خصما في إثبات الدين وفي إثبات الإبراء والإيفاء عليه بالبينة عند أبي حنيفة خلافا لهما ثم قال الرسول أو المأمور بقبض الدين‏:‏ لا يملك الخصومة وذكر خواهر زاده في المعقود أن الوكيل بقبض الدين لا يملك الخصومة إجماعا إن كان وكيل القاضي كما لو وكل وكيلا بقبض ديون الغائب ا هـ‏.‏ وظاهره أن الأمر ليس بتوكيل وقدمنا ما فيه وفي جامع الفصولين وكيل طلب الشفعة والرد بعيب والقسمة تسمع بينته عليه أن موكله سلم الشفعة أو أبرأ عن العيب ثم رقم لا تسمع البينة عليه أن موكله سلم الشفعة وكتب على حاشية هذا الكتاب أنه كتب من نسخة وقد زل قدم في هذه المسألة والصحيح أنه تسمع البينة عليه ا هـ‏.‏ فعلم أن ما في الذخيرة مبني على ضعيف فالمعتمد ما في الهداية من عدم الفرق بين الإيفاء والإبراء وقدمنا شيئا من أحكام الوكيل بالقبض من أنه لا يجوز إبراؤه ولا حطه ولا تأجيله ولا أخذه الرهن ولا الكفيل بشرط براءة الأصيل ولا قبول الحوالة ولا توكيله بغير إذن وتعميم وأنه يقبل قوله في دعوى القبض والهلاك في يده والدفع إلى موكله لكن في حق براءة المديون لا في حق الرجوع على الموكل على تقدير الاستحقاق حتى لو استحق إنسان ما أقر الوكيل بقبضه وضمن المستحق الوكيل فإنه لا يرجع الوكيل على موكله كذا في الفتاوى الصغرى ويستثنى من قبول إقراره بالقبض على موكله مسألة على المفتى به قال في الواقعات الحسامية إذا قال لآخر‏:‏ إن فلانا قد أقرضك ألفا فوكلتك بقبضها منه ثم قال الوكيل‏:‏ قبضت وصدقه المقرض وأنكر الموكل فالقول للموكل وعن أبي يوسف أن القول للوكيل وجه الأول أن المقرض يدعي على الموكل ثبوت القرض وهو ينكر وجه قول أبي يوسف أن الموكل سلط الوكيل على ذلك فينفذ عليه إقراره كما لو وكله بقبض الدين من مديونه فقال‏:‏ قبضت والفتوى على الأول الوكيل بقبض الدين إذا قال‏:‏ قبضت ودفعت إلى الموكل فالقول له مع اليمين لأنه أمين أخبر عن تنفيذ الأمانة من حيث لا يلزم الموكل ضمان بخلاف الوكيل بالاستقراض إذا وقع التنازع بينه وبين موكله فالقول للموكل لأن الوكيل يريد إلزامه ضمان القرض فلا يلزمه بقوله ا هـ

وفي كافي الحاكم ولو وكل رجلا في دينه كان وكيلا بقبضه ولو قال الوكيل‏:‏ قد برئ إلى الغريم كان إقرارا منه بقبضه وكذا إذا أقيمت عليه البينة بذلك ولو قال الوكيل بالقبض قبضت في حياة الموكل ودفعت إليه لم يقبل إلا ببينة ولو احتال الطالب بالمال على آخر لم يكن للوكيل بالقبض أن يقبضه من المحتال عليه ولا من الأول فإن توي المال ورجع إلى الأول فالوكيل على وكالته وكذا لو اشترى الموكل بالمال عبدا من المطلوب فاستحق من يده أو رده بعيب بقضاء القبض أو بغير قضاء قبل القبض أو بخيار فالوكيل على وكالته وكذا لو كان قبض الدراهم فوجدها زيوفا ولو أخذ الطالب منه كفيلا لم يكن للوكيل أن يتقاضى الكفيل والمقبوض في يد الوكيل بمنزلة الوديعة ولو وجده الكفيل زيوفا أو ستوقة فرده فإنه ينبغي أن يضمن قياسا ولكن استحسن أن لا أضمنه أمره بقبض دينه وأن لا يقبضه إلا جميعا فقبضه إلا درهما لم يجز قبضه على الآمر وله الرجوع على الغريم بكله وكذا لا تقبض درهما دون درهم ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة ولو لم يكن للغريم بينة على الإيفاء فقضى عليه وقبضه الوكيل فضاع منه ثم برهن المطلوب على الإيفاء فلا سبيل له على الوكيل وإنما يرجع على الموكل لأن يده يده ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبقبض العين لا‏)‏ أي الوكيل بقبض العين لا يكون وكيلا بالخصومة لأنه أمين محض والقبض ليس بمبادلة فأشبه الرسول حتى أن من وكل وكيلا بقبض عبد له فأقام ذو اليد البينة أن الموكل باعه إياه وقف الأمر حتى يحضر الغائب وهذا استحسان والقياس أن يدفع إلى الوكيل لأن البينة قامت لا على الخصم فلم تعتبر وجه الاستحسان أنه خصم في قصر يده لقيامه مقام الموكل في القبض فتقصر يده حتى لو حضر البائع تعاد البينة على البيع وصار كما إذا أقام البينة على أن الموكل عزله عن ذلك فإنها تقبل في قصر يده كذا هذا وكذا الإعتاق والطلاق وغير ذلك معناه إذا أقامت المرأة البينة على الطلاق والعبد أو الأمة على الإعتاق على الوكيل بنقلهم تقبل في قصر يدهم حتى يحضر الغائب استحسانا دون العتق والطلاق كما إذا ادعى ذو اليد الارتهان من الموكل وبرهن تقصر يد الوكيل عن القبض وفي كافي الحاكم‏.‏ ولو وكل رجل عبد رجل بقبض وديعة له عند مولاه أو عند غيره فباع المولى العبد أو أعتقه أو كانت أمة فولدت فالوكيل على وكالته وإذا وكله بقبض عبد له عند رجل فقتل العبد خطأ كان للمستودع أن يأخذ قيمته من العاقلة وليس للوكيل قبضها كالثمن ولو قتل عند الوكيل كان له أخذها ولو جنى على العبد قبل أن يقبضه الوكيل فأخذ المستودع أرشها فللوكيل أن يقبض العبد دون الأرش وكذا لو كان المستودع أجره بإذن مولاه لم يأخذ الوكيل أجره وكذلك مهر الأمة إذا وطئت بشبهة ولو وكله بقبض أمة أو شاة فولدت كان للوكيل أن يقبض الولد مع الأم ولو ولدت قبل أن يوكله بقبضها لم يكن له قبض الولد وثمرة البستان بمنزلة الولد ولو كان المستودع باع الثمرة في رءوس النخل بأمر رب الأرض لم يكن للوكيل أن يقبضها وكذلك الجارية إذا كانت الوديعة مما يكال أو يوزن فوكله بقبضها ثم استهلكها رجل فقبض المستودع من المستهلك مثلها لم يكن للوكيل أخذه قياسا ولكن استحسن أن يأخذه ولا أراه مثل قيمة العبد أرأيت لو أكلها المستودع أما كان للوكيل أخذ مثلها منه إذا وكله بقبض وديعة ثم قبضها الموكل ثم أودعها ثانيا لم يكن للوكيل قبضها علم أو لم يعلم وكذا لو قبضها الوكيل ودفعها إلى الموكل‏.‏ ثم أودعها الموكل فإن قبضها فلرب المال تضمينه أو تضمين المودع فإن ضمن الوكيل لم يرجع على المودع وإن ضمن المودع رجع على الوكيل وإذا وكله بقبضها اليوم فله قبضها غدا استحسانا ولو قال‏:‏ اقبضها بمحضر فلان فقبضها في غيبته جاز ولو أنكر ربها التوكيل وحلف وضمن المودع فله الرجوع على القابض إن كانت قائمة فإن ادعى الوكيل هلاكها أو الدفع إلى الموكل وقد صدقه المودع في الوكالة لم يرجع عليه وإن كان كذبه أو لم يصدقه ولم يكذبه أو صدقه وضمنه المال كان له أن يضمنه ولو جعل للوكيل بقبض الوديعة أجرا جاز وعلى تقاضي الدين لا إلا أن يوقت ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أقر الوكيل بالخصومة عند القاضي صح وإلا لا‏)‏ أي وإن أقر على موكله عند غير القاضي لا يصح عندهما استحسانا وخرج به عن الوكالة وصحح أبو يوسف إقراره مطلقا وأبطله زفر مطلقا وهو القياس لكونه مأمورا بالخصومة وهي منازعة والإقرار ضدها لأنه مسالمة فالأمر بالشيء لا يتناول ضده ولذا لا يملك الصلح والإبراء وجه الاستحسان أن التوكيل صحيح وصحته تتناول ما يملك وذلك مطلق الجواب دون أحدهما عينا فيصرف إليه تحريا للصحة فأبو يوسف يقول‏:‏ هو قائم مقام الموكل فلا يختص إقراره بمجلس القضاء وهما يقولان‏:‏ إن التوكيل يتناول جوابا يسمى خصومة حقيقية إن أنكر أو مجازا إن أقروا الإقرار في مجلس القضاء خصومة مجازا لأنه خرج في مقابلة الخصومة أو لأنه سبب له لأن الظاهر إتيانه بالمستحق وهو الجواب في مجلس القضاء فيختص به لكن إذا أقيمت البينة على إقراره في غير مجلس القضاء يخرج من الوكالة حتى لا يؤمر بدفع المال إليه لأنه صار مناقضا وصار كالأب والوصي إذا أقر في مجلس القضاء لا يصح ولا يدفع المال إليهما كذا في الهداية أطلقه وهو مقيد بغير الحد والقود‏.‏ فلا يصح إقرار الوكيل على موكله بهما للشبهة وقيد بالخصومة لأن الوكيل بغيرها لا يصح إقراره مطلقا ومنه الوكيل بالصلح كما في كافي الحاكم كالوكيل بالخصومة لا يملك الصلح والصلح عقد من العقود فالوكيل بعقد لا يباشر عقدا آخر وقيد بالتوكيل بالخصومة من غير استثناء لأنه لو وكله بها إلا الإقرار فعن أبي يوسف لا يصح وصححه محمد وعنه أنه فصل بين الطالب والمطلوب فلم يصححه في الثاني كذا في الهداية وفي النهاية يصح استثناء الإقرار في ظاهر الرواية وفي البزازية ولو وكله بالخصومة غير جائز الإقرار صح ولم يصح الإقرار في الظاهر لو موصولا وفي الأقضية ومفصولا أيضا ولو وكله غير جائز الإنكار يصح عند محمد ولو غير جائز الإقرار والإنكار قيل‏:‏ لا يصح الاستثناء لعدم بقاء فرد تحته وقيل‏:‏ يصح لبقاء السكوت ا هـ‏.‏ فالحاصل أنها على خمسة أوجه كما في الذخيرة الأول أن يوكله بالخصومة فيصير وكيلا بهما الثاني أن يستثنى الإقرار فيكون وكيلا بالإنكار فقط الثالث عكسه فيصير وكيلا بالإقرار فقط في ظاهر الرواية لأن الموكل ربما يضره الإنكار بأن كان المدعى به أمانة ولو جحدها الوكيل لا يصح دعوى الرد بعده ويصح قبله ففيه فائدة الرابع أن يوكله بالخصومة جائز الإقرار فيكون وكيلا بهما الخامس أن يوكله بها غير جائز الإقرار والإنكار ففيه اختلاف المتأخرين ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة ولو كان التوكيل بسؤال الخصم واستثنى الإقرار موصولا صح ومفصولا لا يصح ا هـ‏.‏ ويصح التوكيل بالإقرار ولا يصير به مقرا كذا في النهاية وفي منية المفتي إذا استثنى إقراره فأقر خرج عن الوكالة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبطل توكيل الكفيل بالمال‏)‏ لأن الوكيل من يعمل لغيره ولو صححناها صار عاملا لنفسه في إبراء ذمته فانعدم الركن لأن قبول قوله ملازم للوكالة لكونه أمينا ولو صححناها لا تقبل لكونه مبرئا نفسه فيعدم بانعدام لازمه وهو نظير عبد مديون أعتقه مولاه حتى ضمن قيمته للغرماء ويطالب العبد بجميع الدين فلو وكله الطالب بقبض المال من العبد كان باطلا لما بيناه كذا في الهداية وأورد توكيل المديون بإبراء نفسه فإنه صحيح مع كونه عاملا لنفسه والتحقيق في جوابه ما في منية المفتي من قوله ولو وكله بإبراء نفسه يصح لأنه وإن كان عاملا لنفسه بتفريغ ذمته فهو عامل لرب الدين بإسقاط دينه وشرط الوكالة كونه عاملا لغيره لا كونه غير عامل لنفسه ا هـ‏.‏ وأما قول الشارح في جوابه إنه تمليك وليس بتوكيل كما في قوله لامرأته طلقي نفسك فسهو ظاهر إذ لو كان تمليكا لم يصح رجوع الدائن عنه قبل إبرائه نفسه مع أنه يصح وفي تلخيص الجامع لو قال الدائن لمديون سأله الإبراء‏:‏ ذلك إليك أو أبرئ نفسك أو حللها فقال‏:‏ أبرأت أو حللت برئ لأن لفظه ينتقل إلى الآمر كما في هب لنفسك ذا العبد وأقر علي لزيد وطلقي وأعتقي وسائر ما ينفرد به ا هـ‏.‏ وفي دعوى البزازية من فصل الإبراء إذا لم يضف الإبراء الوكيل إلى الموكل لا يصح ا هـ وإذا بطلت الوكالة في مسألة الكتاب وقبضه من المدين وهلك من يده لم يهلك على الطالب وأشار ببطلانه إلى أن الطالب لو أبرأه عن الكفالة لم تنقلب صحيحة لوقوعها باطلة ابتداء كما لو كفل عن غائب فإنه يقع باطلا ثم إذا بلغه فأجازه لم يجز وقيد بكفالة المال لصحة توكيل الكفيل بالنفس وقيده الشارح بأن يوكله بالخصومة وليس بقيد إذ لو وكله بالقبض من المدين صح وأشار المؤلف إلى أنه لو وكله بقبض الدين من نفسه أو من عبده لم يصح كما في الخلاصة وإلى أن المحتال لو وكل المحيل بقبض الدين من المحال عليه لم يصح كما في النهاية وإلى بطلان توكيل المدين وكيل الطالب بالقبض لما في القنية ولو وكله بقبض دينه على فلان فأخبر به المديون فوكله ببيع سلعته وإيفاء ثمنه إلى رب الدين فباعها وأخذ الثمن وهلك يهلك من مال المديون لاستحالة أن يكون قاضيا ومقتضيا والواحد لا يصلح أن يكون وكيلا للمطلوب والطالب في القضاء والاقتضاء ا هـ‏.‏ ولا يخالفه ما في الواقعات الحسامية المديون إذا بعث الدين على يد وكيله فجاء به إلى الطالب وأخبره ورضي به وقال اشتر لي شيئا فذهب واشترى ببعضه شيئا وهلك منه الباقي قال بعضهم‏:‏ يهلك من مال المديون وقال بعضهم من مال الطالب وهذا أصح لأن أمره بالشراء بمنزلة قبضه ا هـ‏.‏ لأن ما في القنية فيما إذا سبق توكيل الطالب وما في الواقعات الحسامية سبق توكيل المطلوب كما لا يخفى وإلى أن الوكيل بالبيع إذا كفل عن المشتري بثمن ما باعه لم تجز وتجوز كفالة الوكيل بالقبض والوكيل بالنكاح بالمهر لاندفاع التنافي بصرف الحقوق عنه كما علم في التلخيص وإذا صحت كفالة الوكيل بالقبض بطلت وكالته كما في المعراج‏.‏ والحاصل أن الكفالة بالمال مبطلة للوكالة تقدمت الكفالة أو تأخرت لكونها أقوى من الوكالة وهاهنا ثلاث مسائل لم أرها الآن صريحة وسئلت عنها‏:‏ الأولى هل تصح كفالة الوصي عن مديون الميت‏؟‏ الثانية هل تصح كفالة الناظر مستأجر الوقف بالأجرة الثالثة هل يصح توكيل الدائن وصي المديون بالقبض من تركة المديون ومقتضى ما قدمناه أن يفصل في كفالة الوصي والناظر فإن بشيء وجب بعقده لم تصح وإلا صحت لأن كلا منهما وكيل وهذا حكم الوكيل وأما الثالثة فينبغي صحة الوكالة ويقيم القاضي وصيا لسماع الدعوى والبرهان أخذا من قولهم لو ادعى الوصي دينا على الميت قال في الخانية‏:‏ يقيم القاضي وصيا لسماع البينة فإذا انتهى الأمر كان الأول وصيا على حاله وعليه الفتوى ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن ادعى أنه وكيل الغائب بقبض دينه فصدقه الغريم أمر بدفعه إليه‏)‏ لأنه أقر على نفسه لأن ما يقبضه خالص ماله وسيأتي في الكتاب حكم ما إذا ادعى الإيفاء وقد تقدم أن الوكيل بقبض الدين وكيل بالمبادلة والتمليك والتملك فلا إشكال في صحة التوكيل به وبه سقط ما في الذخيرة من السؤال والجواب كما لا يخفى وقول الشارح هذا سؤال حسن والجواب غير مخلص إلخ غفلة عما قدمه والمراد بأمره جبره عليه كما في السراج الوهاج‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن حضر الغائب فصدقه وإلا دفع إليه الغريم الدين ثانيا‏)‏ لأنه لم يثبت الاستيفاء حيث أنكر ذلك والقول في ذلك قوله مع يمينه فيفسد الأداء إن لم يجز استيفاء حال قيامه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورجع به على الوكيل لو باقيا‏)‏ أي رجع الدافع بما قبضه الوكيل إن كان باقيا في يده لأنه ملكه وانقطع حق الطالب عنه أطلقه في البقاء فشمل البقاء الحكمي بأن استهلكه الوكيل فإنه باق ببقاء بدله ولذا قال في الخلاصة وإن استهلكه ضمن مثله فإن ادعى الوكيل هلاكه أو دفعه إلى الموكل حلفه على ذلك وإن مات الموكل وورثه غريمه أو وهبه له وهو قائم في يد الوكيل أخذه منه في الوجوه كلها وإن كان هالكا ضمنه إلا إذا صدقه على الوكالة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن ضاع لا‏)‏ أي ضاع المقبوض في يد الوكيل فلا رجوع عليه لأنه بتصديقه اعترف أنه محق في القبض وهو مظلوم في هذا الأخذ والمظلوم لا يظلم غيره وأورد عليه أن أحد الابنين إذا صدق المديون في دعواه الإيفاء للميت وكذبه الآخر ورجع المكذب عليه بالنصف فإن للمديون الرجوع على المصدق بالنصف إن كان للميت تركة غير الدين مع أنه في زعمه أن المكذب ظالم وأجيب بأن الرجوع على المصدق لكونه أقر على أبيه بالدين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ إلا إذا ضمنه عند الدفع‏)‏ لأن المأخوذ ثانيا مضمون عليه في زعمهما وهذه كفالة أضيفت إلى حالة القبض فتصح بمنزلة الكفالة بما ذاب له على فلان قالوا‏:‏ ويجوز في ضمنه التشديد والتخفيف فمعنى التشديد أن يضمن الغريم الوكيل فالضمير المستتر عائد إلى الغريم والبارز إلى الوكيل ومعنى التخفيف أن يضمن الوكيل المال الذي أخذه وصورته أن يقول الغريم للوكيل‏:‏ أنت وكيله لكن لا آمن أن يجحد الوكالة ويأخذ مني ثانيا ويصير ذلك دينا عليه لأنه أخذه مني ظلما فيضمن ذلك المأخوذ فيصح فالضمير المستتر عائد إلى الوكيل والبارز إلى المال وما في النهاية من أنه عكس ما في التشديد سهو إذ يقتضي أن المستتر للوكيل والبارز للغريم وليس بصحيح وإذا رجع البارز إلى المال‏.‏ فظاهر الكتاب أن المراد بالمال ما قبضه الوكيل لأنه مرجع الضمير في ضاع وما قبله وليس بصحيح لأن ما في يد الوكيل أمانة لتصديقه على الوكالة فلا يجوز أن يضمنه إذ ضمان الأمانات باطل فتعين أن يكون المراد به ما يأخذه منه الدائن ثانيا وظاهر الكتاب أن لا رجوع على الوكيل حالة الهلاك إلا إذا ضمن وفي الخلاصة والبزازية إلا إذا كان الغريم قال‏:‏ أخاف إن حضر الدائن أن يكذبك فيها وضمنه أو قال مدعي الوكالة‏:‏ أقبض منك على أني أبرأتك من الدين كما إذا قال الأب للختن عند أخذ صداق بنته‏:‏ آخذ منك على أني أبرأتك من مهر بنتي فإن أخذت البنت من الختن الصداق رجع الختن على الأب كذا هذا ا هـ‏.‏ فللرجوع عند الهلاك سببان ثم اعلم أنه يصح إثبات التوكيل بالبينة مع إقرار المديون به وله نظائر كتبناها في الفوائد من أن البينة لا تقام إلا على منكر إلا في مسائل ذكرناها في الإقرار‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو لم يصدقه على الوكالة ودفعه إليه على ادعائه‏)‏ معطوف على ضمنه أي إذا لم يصدقه فإنه يرجع عليه لأنه إنما دفع له على رجاء الإجازة فإذا انقطع رجاؤه رجع عليه أطلقه فشمل ما إذا سكت لأن الأصل فيه عدم التصديق وأما إذا كذبه والرجوع في الثاني أظهر وفي الوجوه كلها ليس له الاسترداد حتى يحضر الغائب لأن المؤدى صار حقا للغائب إما ظاهرا أو محتملا فصار كما إذا دفعه إلى فضولي على رجاء الإجازة لم يملك الاسترداد لاحتمال الإجازة‏.‏ كذا في الهداية وذكر في جامع الفصولين قولين في الاسترداد من الفضولي وعلى القول به لو دفع إلى رجل ليدفعه إلى رب الدين فله أن يسترد لأنه وكيل المديون ولأن من باشر التصرف لغرض ليس له أن ينقضه ما لم يقع اليأس عن غرضه وكذا لو أقام الغريم البينة أنه ليس بوكيل أو على إقراره بذلك لم يقبل ولا يكون له حق الاسترداد ولو أراد استحلافه على ذلك لا يستحلف لأن كل ذلك يبتني على دعوى صحيحة ولم توجد لكونه ساعيا في نقض ما أوجبه الغائب ولو أقام الغريم البينة أن الطالب جحد الوكالة وأخذ مني المال تقبل ولو ادعى الغريم على الطالب حين أراد الرجوع عليه أنه وكل القابض وبرهن تقبل ويبرأ وإن أنكر حلفه فإن نكل برئ وفي البزازية أقر بالدين وأنكر الوكالة وطلب زاعم الوكالة تحليفه على عدم علمه بكونه وكيلا فالإمام رحمه الله لا يحلفه وصاحبه يحلفه ا هـ‏.‏ وفيها وإن أراد الغريم أن يحلفه بالله ما وكلته له ذلك وإن دفع عن سكوت ليس له أن يحلف الدائن إلا إذا عاد إلى التصديق وإن كان دفع عن تكذيب ليس له أن يحلفه وإن عاد إلى التصديق لكنه يرجع على الوكيل وللوكيل أن يحلف الغريم في الجحود والسكوت بالله ما يعلم أن الدائن وكله فإن حلف تم الأمر وإن نكل لا يرجع على الغريم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو قال‏:‏ إني وكيله بقبض الوديعة فصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه‏)‏ لأنه إقرار بمال الغير بخلاف الدين فإذا لم يصدقه لا يؤمر بالأولى وفي كافي الحاكم وإذا قبض رجل وديعة رجل فقال رب الوديعة ما وكلته وحلف على ذلك وضمن المستودع رجع على القابض إن كان بعينه وإن قال قد هلك مني أو قال‏:‏ دفعته إلى الذي وكلني وقد صدقه المستودع بالوكالة لم يرجع عليه بشيء فإن كان كذبه بالوكالة أو لم يصدقه ولم يكذبه أو صدقه وضمنه المال كان له أن يضمنه ا هـ‏.‏ ولو أراد استردادها بعد ما دفعها له لم يملك ذلك لكونه ساعيا في نقض ما تم من جهته ولو هلكت الوديعة عنده بعدما منع قيل‏:‏ لا يضمن وكان ينبغي الضمان لأن منعها من وكيل المودع في زعمه ولو أثبت الوكيل أنه وكيل في قبضها فادعى الأمين دفعها إلى الموكل أو إلى الوكيل فالقول له في براءة نفسه كذا في كافي الحاكم وفي القنية واختلفوا في الملتقط لو أقر باللقطة لرجل هل يؤمر بالدفع إليه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكذا لو ادعى الشراء وصدقه‏)‏ أي شراء الوديعة من صاحبها وصدقه المودع لم يؤمر بالدفع إليه لأنه ما دام حيا كان إقرارا بملك الغير لأنه من أهله فلا يصدقان في دعوى البيع عليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ادعى أن المودع مات وتركها ميراثا له وصدقه دفع إليه‏)‏ أي أمر بالدفع إليه لأنه لا يبقى ماله بعد موته فقد اتفقا على أنه مال الوارث وأشار إلى أن الدين كذلك بالأولى ولو قال وتركها ميراثا أو وصية له لكان أولى لأن الموصى له منزل منزلة الوارث عند عدمه ولا بد من التلوم فيهما لاحتمال أن يكون له وارث آخر وقد قدم المؤلف هذه المسائل في مسائل شتى من كتاب القضاء فكان تكرارا معنى وإن اختلفا في الصورة فإنه صورها هناك فيما إذا أقر ذو اليد بأنه وارث وهنا فيما إذا ادعى أنه وارث وصدقه ذو اليد ولا فرق بينهما‏.‏ وقدمنا الكلام هناك فلا نعيده فارجع إليها وقيد بالتصديق لأنه لو أنكر موته أو قال‏:‏ لا أدري لا يؤمر بالتسليم إليه ما لم يقم البينة ولو لم يقل في صورة دعوى الوصية لم يترك وارثا لم يكن صاحب اليد خصما وقيد بدعوى الإرث مشيرا إلى الوصية للاحتراز عن دعوى الإيصاء إليه فإنه إذا صدقه ذو اليد لم يؤمر بالدفع له إذا كان عينا في يد المقر لأنه أقر أنه وكيل صاحب المال بقبض الوديعة أو الغصب بعد موته فلا يصح كما لو أقر أنه وكيله في حياته بقبضها وإن كان المال دينا على المقر فعلى قول محمد الأول يصدق ويؤمر بالدفع إليه وعلى قوله الأخير وهو قول أبي يوسف لا يصدق ولا يؤمر بالتسليم إليه وبيانه في الشرح وقد علم من ذلك أن مودع الميت ومديونه ليس لهما الدفع إلى مدعي الإيصاء ولو صدقاه إلا ببينة ولا يبرآن بالدفع قبل ثبوت أنه وصي وأطلق في دفعها إلى الوارث وهو مقيد بما إذا لم يكن على الميت دين مستغرق لما في جامع الفصولين في التركة دين فدفع المودع الوديعة إلى الوارث بلا أمر القاضي ضمن ‏(‏خ‏)‏ لو مستغرقة ضمن وهذا إذا لم يؤتمن وإلا فله الأخذ وأداء الدين منه لوارثه أن يخاصم من عليه دين للميت فله قبضه لو لم يكن الميت مديونا وله وصي أو لا ولو مديونا يخاصم ولا يقبض وإنما يقبض وصيه ولو أدى مديون إلى الوصي يبرأ أصلا ولو وصى فدفع إلى بعض الورثة يبرأ عن حصته خاصة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكله بقبض ماله فادعى الغريم أن رب المال أخذه دفع المال إليه‏)‏ لأن الوكالة قد ثبتت والاستيفاء لم يثبت بمجرد دعواه فلا يؤخر الحق وقد جعلوا دعواه الإيفاء لرب الدين جوابا للوكيل إقرارا بالدين وبالوكالة وإلا لما اشتغل بذلك كما إذا طلب منه الدائن فادعى الإيفاء فإنه يكون إقرارا بالدين وكما إذا أجاب المدعي ثم ادعى الغلط في بعض الحدود فإنه لا يقبل فإن جوابه تسليم للحدود كما في دعوى منية المفتي أشار المؤلف إلى أنه لا يمين على الوكيل على عدم علمه باستيفاء الموكل وإلى أن الكلام عند عجز المديون عن إقامة البينة على الإيفاء إذ لو برهن عليه تقبل لما قدمه من أن الوكيل بقبض الدين وكيل بالخصومة قيد بالوكيل بقبض الدين لما في جامع الفصولين بعد ذكر مسألة الكتاب وكيل إجارة الدار وقبض الغلة ادعى بعض السكان أنه عجل الأجرة لموكله وبرهن وقف ولا يحكم بقبض أجر حتى يحضر الغائب ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ واتبع رب المال واستحلفه‏)‏ رعاية لجانب الغريم فلو كان رب المال ميتا قال في جامع الفصولين ادعى للميت وصيه دينا على آخر فادعى الإيفاء حال حياته فأنكره وصيه لا يحلف لما مر من عدم الفائدة ويدفع الدين إلى الوصي فإن قلت فيه فائدة وهي قصر يده‏.‏ قلت‏:‏ أريد بالفائدة أن يكون نكوله كنكول موكله وليس كذلك ولكن لا يخلو عن المناقشة لتحقق الفائدة في الجملة ولم يكف هذا القدر في جواز التحليف ا هـ‏.‏ وأجبت عنه في الحاشية بأن قصر يده مرتب على نكوله وأنه معتبر ونكوله لم يعتبر لأنه لو أقر صريحا بأنه استوفى لم يعتبر فلا فائدة أصلا ولو قال المؤلف فادعى الغريم ما يسقط حق موكله لكان أولى لشموله ما إذا ادعى إبراء الموكل ولشموله ما في جامع الفصولين ادعى أرضا وكالة أنه ملك موكلي فبرهن فقال ذو اليد إنه ملكي وموكلك أقر به فلو لم يكن له بينة فله أن يحلف الموكل لا وكيله فموكله لو غائبا فللقاضي أن يحكم به لموكله فلو حضر الموكل وحلف أنه لم يقر له بقي الحكم على حاله ولو نكل بطل الحكم ا هـ‏.‏ ولم يذكر حكم ما إذا نكل الطالب عن اليمين وحكم ما إذا برهن المديون على الإيفاء وفي جامع الفصولين وإن نكل عن اليمين لزمه المال دون الوكيل فإن كان المال عند الوكيل فلا سبيل له عليه إنما هذا مال الطالب الأول ولو قامت البينة على القضاء فإن شاء أخذ به الموكل وإن شاء أخذ المال من الوكيل إن كان قائما فإن قال الوكيل‏:‏ قد دفعته إلى الموكل أو هلك مني فالقول قوله مع يمينه وإن قال‏:‏ أمرني فدفعته إلى وكيل له أو غريم له أو وهبه لي أو قضى من حق كان لي عليه لم يصدق وضمن المال ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن وكله بعيب في أمة وادعى البائع رضا المشتري لم يرد عليه حتى يحلف المشتري‏)‏ والفرق أن التدارك ممكن هنالك باسترداد ما قبضه الوكيل إذا ظهر الخطأ عند نكوله وفي الثانية غير ممكن لأن القضاء بالفسخ ماض على الصحة وإن ظهر الخطأ عند أبي حنيفة كما هو مذهبه ولا يستحلف المشتري عنده بعد ذلك لأنه لا يفيد فأما عندهما فالواجب أن يتحد الجواب على هذا في الفصلين ولا يؤخر لأن التدارك ممكن عندهما لبطلان القضاء وقيل‏:‏ الأصح عند أبي يوسف أن يؤخر في الفصلين لأنه يعتبر النظر حتى يستحلف المشتري لو كان حاضرا من غير دعوى البائع فلو ردها الوكيل على البائع بالعيب في مسألة الكتاب فحضر الموكل وصدق على الرضا كانت له لا للبائع عند الكل على الأصح لأن القضاء لم يكن عن دليل موجب للنقض وإنما كان لجهل بالدليل المسقط للرد وهو الرضا ثم ظهر الدليل بخلافه فلا ينفذ باطنا كذا في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن دفع إلى رجل عشرة ينفقها على أهله فأنفق عليهم عشرة من عنده فالعشرة بالعشرة‏)‏ لأن الوكيل بالإنفاق وكيل بالشراء وحكمه كذلك وقيل‏:‏ هذا استحسان والقياس لا ويصير متبرعا وقيل‏:‏ القياس والاستحسان في قضاء الدين لأنه ليس بشراء فأما الإنفاق فيضمن الشراء فلا يدخلا منه وظاهر كلامه أنه أنفق دراهمه مع بقاء دراهم الموكل ولذا قال في النهاية‏:‏ هذا إذا كانت عشرة الدافع قائمة وقت الإنفاق وكان يضيف العقد إليها أو يطلق أما إذا كانت مستهلكة أو أضاف العقد إلى عشرة نفسه يصير مشتريا لنفسه متبرعا بالإنفاق لأن الدراهم تتعين في الوكالة ا هـ‏.‏ والأهل ليس بقيد احترازي لأنه لا فرق بين الوكيل بالإنفاق في البيت والوكيل بالإنفاق في البناء كما في الخلاصة والوكيل بالإنفاق ليس احترازيا أيضا لأن الوكيل بقضاء الدين كذلك وفي الخلاصة الوكيل ببيع الدينار إذا أمسك الدينار وباع ديناره لا يصح والوكيل بالشراء إذا اشترى ما أمر به ثم أنفق الدراهم بعد ما سلم إلى الآمر ثم نقد البائع غيرها جاز ولو اشترى بدنانير غيرها ثم نقد دنانير الموكل فالشراء للوكيل وضمن للموكل دنانيره للتعدي ا هـ‏.‏ ولو قال المصنف والوكيل بالإنفاق أو القضاء أو الشراء أو التصدق إذا أمسك المدفوع إليه ونقد من ماله حال قيامه لا يكون متبرعا إذا لم يضف إلى غيره لكان أولى وأما مسألة التصدق ففي القنية أعطاه دراهم ليتصدق بها عن زكاته فتصدق المأمور بدراهم نفسه يجزئه إذا تصدق بها على نية الرجوع كالقيم والوصي وقيدنا بقيام المدفوع لما في البزازية أنفق الوكيل بالشراء الدراهم على نفسه ثم اشترى ما أمر من عنده بدراهم فالمشترى للوكيل لا للآمر في المختار ا هـ‏.‏ ثم قال وفي العيون أمره بصدقة ألف وأعطاه فأنفقه وتصدق بألف من عنده لا يجوز ويضمن وإن باقية عنده وتصدق بألف من عنده جاز استحسانا وفي المنتقى أمره أن يقبض من مديونه ألفا ويتصدق فتصدق بألف ليرجع على المديون جاز استحسانا ا هـ‏.‏ وفي جامع الفصولين من السابع والعشرين نقد من ماله ثمن شيء شراه لولده ونوى الرجوع يرجع ديانة لا قضاء ما لم يشهد ولو ثوبا أو طعاما وأشهد أنه يرجع فله أن يرجع لو له مال وإلا فلا لوجوبهما عليه حينئذ ولو قنا أو شيئا لا يلزمه رجع وإن لم يكن له مال لو أشهد وإلا لا ولو أنفق عليه الوصي من ماله ومال اليتيم غائب فهو متطوع إلا أنه يشهد أنه قرض عليه أو أنه يرجع ا هـ‏.‏ والله سبحانه و تعالى أعلم

باب عزل الوكيل

قد علم أنها من العقود الغير اللازمة ولهذا لا يدخلها خيار شرط ولا يصح الحكم بها مقصودا وإنما يصح الحكم بها ضمن الدعوى على الغريم كما في جامع الفصولين فكان للموكل العزل متى شاء بشرط علم الوكيل ولو كان وكيلا بالنكاح والطلاق لأنه وإن لم يلحقه الضرر يصير مكذبا شرعا فيكون غرورا ويثبت عزله بالمشافهة به أو بكتابته له كتابا بعزله أو بإرساله رسولا عدلا أو غير عدل حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا إذا قال له الموكل‏:‏ أرسلني إليك لأبلغك عزله عن الوكالة فلو أشهد على العزل حال غيبة الوكيل لم ينعزل ولو أخبره فضولي فقد تقدم أنه لا بد عنده من أحد شطري الشهادة إما العدد أو العدالة ولها أخوات في مسائل شتى من كتاب القضاء وهي غير لازمة من الجانبين فللوكيل عزل نفسه بشرط علم الموكل كما في عزل الموكل والوكيل بقبض الدين لا بحضرة المديون له عزله وإن بحضوره لا ما لم يعلم به المديون فلو دفع المديون دينه إلى هذا الوكيل قبل علمه بعزله يبرأ وعزل العدل بحضرة المرتهن لا يصح ما لم يرض به المرتهن هذا لو بالتماس الطالب أما لو بالتماس القاضي حال غيبة الطالب يصح بحضرة القاضي وبحضرة الطالب أيضا وقول الوكيل بعد القبول بمحضر الموكل ألغيت توكيلي أو أنا بريء من الوكالة لا يخرجه عنها وجحود الموكل بقوله لم أوكلك لا يكون عزلا كما في الشرح إلا أن يقول‏:‏ والله لا أوكلك بشيء فقد عرفت تهاونك فيعزل كما في الخلاصة والبزازية ثم يطرأ على الوكالة اللزوم في مسائل ولذا قال في المجمع ويملك الموكل عزله ما لم يتعلق بها حق الغير ا هـ‏.‏ فمنها الوكالة ببيع الرهن سواء كانت مشروطة في الرهن أو بعده على الأصح فتلزم كالرهن ومنها الوكالة بالخصومة بالتماس الطالب عند غيبة المطلوب لأنه إنما خلى سبيله اعتمادا على أنه يتمكن من إثبات حقه متى شاء فلو جاز عزله لتضرر به الطالب عند اختفاء المطلوب بخلاف ما إذا كان المطلوب حاضرا أو كانت الوكالة من غير التماس الطالب أو كانت من جهته لتمكنه من الخصومة مع المطلوب في الوجه الأول ولعدم تعلق حقه بالوكالة في الوجه الثاني إذ هو لم يطلب وفي الوجه الثالث العزل إلى الطالب الحق فله أن يعزله ويباشر الخصومة بنفسه وله أن يتركها بالكلية وعلى هذا قال بعضهم‏:‏ إذا وكل الزوج وكيلا بطلاق زوجته بالتماس ثم غاب لا يملك عزله وليس بشيء بل له عزله في الصحيح لأن المرأة لا حق لها في الطلاق وعلى هذا قالوا‏:‏ لو قال الموكل للوكيل كلما عزلتك فأنت وكيلي لا يملك عزله وسيأتي في آخر الكتاب في مسائل شتى أنه يقول له‏:‏ رجعت عن الوكالة المعلقة وعزلتك عن الوكالة المنجزة وهو الصحيح كما في الشرح وبه يفتى كما في الخلاصة وفي العمدة لو قال الموكل‏:‏ كلما أخرجتك عن الوكالة فأنت وكيلي فله أن يخرجه منها بمحضر منه ما خلا الطلاق والعتاق لأنهما مما يتعلقان بالشرط والإخطار بمنزلة اليمين ولا رجوع عن اليمين ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة المختار أنه يملك عزله بمحضر منه إلا في الطلاق والعتاق والتوكيل بسؤال الخصم ا هـ‏.‏ وفي منية المفتي قال مشايخنا‏:‏ يملك عزله في الفصول كلها ا هـ‏.‏ وهذا إن شاء الله تعالى هو المعتمد وفي الفتاوى الصغرى قال أستاذنا‏:‏ إذا أراد أن يقول ذلك ينبغي أن يقدم قوله رجعت عن الوكالة المعلقة ثم يقول‏:‏ وعزلتك عن الوكالة المنفذة كذا ذكره الفقيه أبو جعفر طريق العزل لأنه إذا قدم العزل عن المنفذة قارنه تنجز وكالة أخرى من الوكالات المعلقة فلا ينعزل بعد ذلك عنها بقوله ورجعت عن الوكالة المعلقة لأنه حين قال ذلك كانت تلك وكالة منجزة وإنما صاروا إلى ما ذكر من تخصيص لفظ الرجوع بالمعلقة من الوكالات احترازا عن خلاف أبي يوسف فإن الإخراج عن الوكالة المعلقة بلفظ العزل لا يصح ا هـ‏.‏ ثم اعلم أنه لو قال‏:‏ كلما وكلتك فأنت معزول لم يصح والفرق أن التوكيل يصح تعليقه بالشروط والعزل لا كما صرح به في الصغرى والصيرفية فإذا وكله لم ينعزل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتبطل الوكالة بالعزل إذا علم به الوكيل‏)‏ ولو قال كما في المجمع لكان أولى كما قدمناه وأطلق في الوكالة فشمل المنجزة والمعلقة فيملك عزله عن المعلقة قبل وجود الشرط وعليه الفتوى وفي الصغرى وبه يفتى وفي القنية لو قال الوكيل‏:‏ عزلني موكلي وهو غائب وكذبه المدعي لا يقبل قوله وفي شهادات العتابية وبينة العزل أولى من بينة البيع من الوكيل وكذا الطلاق والعتاق وإذا شهدوا بيع الوكيل يجب أن يسألهم القاضي عن بيعه قبل العزل أو بعده فإن ماتوا أو غابوا قضى بشهادتهم ا هـ‏.‏ ولو قال المؤلف‏:‏ إلا إذا لم يعلم بها فلا يشترط علمه به لكان أولى لما في البزازية إذا وكله ولم يعلم بها فله عزله وإن لم يعلم به وقيد بالوكيل لأن عزل الرسول يصح بلا علمه وقدمنا أنه يستثنى من صحة عزله الوكيل يبيع الرهن وبالخصومة بالتماس الطالب عند غيبة الموكل وفيما إذا قال‏:‏ كلما عزلتك فأنت وكيلي على قول ضعيف ويستثنى ما إذا وكل وكيل البيع موكله بالثمن من المشتري بأمر القاضي فإنه لا يملك إخراجه عنها وإن لا يأمر الحاكم له عزله كذا في البزازية وما في المحيط وكله ببيع عين له عزله إلا أن يتعلق به حق الوكيل بأن يأمره بالبيع واستيفاء الثمن بإزاء دينه ا هـ‏.‏ فالمستثنى خمسة ثم اعلم أن الوكالة إنما يتوقف بطلانها على العزل إذا لم ينته الأمر فإن بلغ نهايته انعزل بلا عزل كما لو وكله بقبض الدين فقبضه أو بالنكاح فزوجه فإنه ينعزل كما في البزازية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وموت أحدهما وجنونه مطبقا ولحوقه مرتدا‏)‏ أي تبطل بهذه الأشياء لأن التوكيل تصرف غير لازم فيكون لدوامه حكم ابتدائه فلا بد من قيام الأمر وقد بطل بهذه العوارض وفي القنية بلغ المستبضع موت المبضع وهو في الطريق وقد اشترى رقيقا بمال البضاعة ليس له أن ينفق على الرقيق من بقية مال البضاعة إلا بأمر القاضي ا هـ‏.‏ وفي التجنيس من باب المفقود رجل غاب وجعل دارا له في يد رجل ليعمرها فدفع إليه مالا ليحفظه ثم فقد الدافع فله أن يحفظ وليس له أن يعمر الدار إلا بإذن الحاكم لأنه لعله قد مات ولا يكون الرجل وصيا للمفقود حتى يحكم بموته ا هـ‏.‏ وبهذا علم أن الوكالة تبطل بفقد الموكل في حق التصرف لا الحفظ وظاهر إطلاق المؤلف رحمه الله تعالى أن كل وكالة تبطل بموت الموكل وجنونه وليس كذلك ففي البزازية قولهم ينعزل بجنون الموكل وموته مقيد بالموضع الذي يملك الموكل عزل وكيله فأما في الرهن فإذا وكل الراهن العدل أو المرتهن ببيع الرهن عند حلول الأجل أو الوكيل بالأمر باليد لا ينعزل وإن مات الموكل أو جن والوكيل بالخصومة بالتماس الخصم ينعزل بجنون الموكل وموته والوكيل بالطلاق ينعزل بموت الموكل استحسانا لا قياسا ا هـ‏.‏ وعلى هذا يفرق في الوكالة اللازمة بين وكالة ووكالة فالوكالة ببيع الرهن لا تبطل بالعزل حقيقيا أو حكميا ولا بالخروج عن الأهلية بالجنون والردة وفيما عداها من اللازمة لا تبطل بالحقيقي وتبطل بالحكمي وبالخروج عن الأهلية وقيد بالمطبق لأن قليله بمنزلة الإغماء وحده شهر عند أبي يوسف اعتبارا بما يسقط به الصوم وعنه أكثر من يوم وليلة لسقوط الصلوات الخمس فصار كالميت وقدره محمد بحول كامل لسقوط جميع العبادات به فقدر به احتياطا وهو الصحيح كما ذكره الشارح والمطبق بكسر الباء أي الدائم والحمى المطبقة هي التي لا تفارق ليلا ونهارا كذا في النهاية والبناية وزاد في البناية وقيل‏:‏ مستوعبا من قولهم أطبق الغيم إذا استوعب وفي المصباح أطبقت عليه الحمى فهي مطبقة بالكسر على الباب وأطبق عليه بالجنون فهو مطبق أيضا والعامة تفتح الباء على معنى أطبق الله تعالى عليه الحمى والجنون أدامهما كما يقال أحمه الله وأجنه أي أصابه بهما وعلى هذا فالأصل مطبق عليه فحذفت أيضا تخفيفا ويكون الفعل مما استعمل لازما ومتعديا‏.‏ ا هـ‏.‏ وقيد بلحاق المرتد لأن تصرفات المرتد موقوفة عنده فكذا وكالته فإن أسلم نفذ وإن قتل أو لحق بدار الحرب بطلت الوكالة فأما عندهما تصرفاته نافذة فلا تبطل وكالته إلا أن يموت أو يقتل على ردته أو يحكم بلحاقه وفي إيضاح الإصلاح والمراد بلحوقه ثبوته بحكم الحاكم ا هـ‏.‏ ولا تبطل وكالة المرأة بارتدادها ما لم تلحق بدار الحرب ويحكم الحاكم بلحاقها وكذا يجوز توكيلها بعد ارتدادها أيضا لأنها تبقى بعد الردة مالكة للتصرف بنفسها وردتها لا تؤثر في عقودها إلا إذا وكلته بالتزويج ثم ارتدت فإن ذلك يبطل لأنها لا تملكه بنفسها فكذا وكيلها‏.‏ وإذا بطلت باللحاق من أحدهما لا تعود بعوده مسلما على المذهب الظاهر موكلا كان أو وكيلا ومقتضاه أنه لو أفاق بعد جنونه مطبقا لا تعود وكالته ثم اعلم أن الوكالة تبطل بموت الموكل إلا في بيع الوفاء قال في جامع الفصولين‏:‏ باعه جائزا بوكالة ثم مات موكله لا ينعزل بموته الوكيل ا هـ‏.‏ والبيع الجائز هو بيع الوفاء اصطلاحا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وافتراق الشريكين‏)‏ أي تبطل بافتراقهما وإن لم يعلم الوكيل لأنه عزل حكمي والعزل الحكمي لا يشترط فيه العلم أطلقه فشمل ما إذا افترقا ببطلان الشركة لهلاك المالين أو أحدهما قبل الشراء فتبطل الوكالة الضمنية وما إذا وكل الشريكان أو أحدهما وكيلا للتصرف في المال فلو افترقا انعزل هذا الوكيل في حق غير الموكل منهما إذا لم يصرحا بالإذن في التوكيل وذكر الحاكم في الكافي إذا وكل أحد المتفاوضين وكيلا ثم تفرقا واقتسما المال وأشهد أنه لا شركة بينهما ثم أمضى الوكيل ما وكل به وهو يعلم أو لا يعلم جاز ذلك عليهما جميعا وكذا لو كان وكلاه جميعا لأن وكالة أحدهما جائزة على الآخر وليس تفرقهما نقضا للوكالة لأن أثر النقض لا يظهر في توابع عقود باشرها أحدهما قبل ذلك وإذا وكل أحد شريكي العنان وكيلا ببيع شيء من شركتهما جاز ذلك عليه وعلى صاحبه استحسانا وإذا وكله ببيع أو شراء أو إجارة أو تقاضي دين ثم أخرجه الشريك الآخر من الوكالة فإنه يخرج عنها إلا في تقاضي الدين فإن كان الموكل هو الذي أدانه فإخراج هذا إياه باطل وإن كان الموكل لم يدنه لم يجز توكيله هذا في تقاضيه الشريك ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعجز موكله لو مكاتبا وحجره لو مأذونا‏)‏ لما ذكرنا أن قيام الوكالة يعتمد قيام الأمر وقد بطل بالحجر والعجز علم أو لم يعلم أطلقه وهو مقيد بما إذا كان وكيلا في العقود والخصومات وأما الوكيل في قضاء الدين واقتضائه فلا ينعزل بهما لأنهما يوجبان الحجر عن إنشاء التصرف لا عن قضاء الدين واقتضائه فكذا لا يوجب عزل وكيله وكذا الوكيل بقبض الوديعة لم ينعزل بعجزه وحجره كما في كافي الحاكم ولا تعود الوكالة بكتابة موكله وإذنه وقد حصر المؤلف عزل وكيلهما بهما وبعزل الموكل أخذا من عموم بطلانها بعزل الموكل فأفاد أن المولى لو عزل وكيل العبد المأذون له ينعزل لأنه كالحجر الخاص ولو أعتق العبد بعد ما وكله سيده أو طلقها ثلاثا بعدما وكلها لم ينعزلا وإن باع العبد فإن رضي المشتري أن يكون العبد على وكالته فهو وكيل وإن لم يرض بذلك لم يجبر على الوكالة كذا في كافي الحاكم وهو يقتضي أن توكيل عبد الغير موقوف على رضا السيد وقد سبق إطلاق جوازه لأنه لا عهدة عليه في ذلك إلا أن يقال‏:‏ إنه من باب استخدام عبد الغير وقد سئلت عن ناظر وكل وكيلا في أمر الوقف ثم عزله القاضي هل ينعزل وكيله بعزله فأجبت بأنه ينعزل أخذا من قولهم هنا يشترط لدوامها ما يشترط لابتدائها والله أعلم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتصرفه بنفسه‏)‏ أي يبطل بتصرف الموكل فيما وكل فيه لانقضاء الحاجة أطلقه وهو مقيد بتصرف يعجز الوكيل عن التصرف معه كما لو وكله بإعتاق عبده أو بكتابته فأعتقه أو كاتبه الموكل بنفسه أو بتزويج امرأة أو بشراء شيء ففعل بنفسه أو بطلاق فطلقها الزوج ثلاثا أو واحدة فانقضت عدتها أو بالخلع فخالعها بنفسه وأما مالا لا يعجز عنه فلا تبطل به كما لو طلقها واحدة والعدة باقية فللوكيل أن يطلقها أخرى ولو ارتد الزوج وقع طلاق الوكيل عليها ما دامت في العدة ولحوقه بمنزلة موته ولو وكله بطلاقها فخالعها الزوج وقع طلاق الوكيل في عدتها ولو وكل بالبيع فباعه الموكل ثم رد عليه بما هو فسخ فالوكيل على وكالته وإن رد بما لا يكون فسخا لا تعود الوكالة كما لو وكله في هبة شيء ثم وهبه الموكل ثم رجع في هبته لم يكن للوكيل الهبة ولو وكله بالبيع ثم رهنه الموكل أو آجره فسلمه فهو على وكالته في ظاهر الرواية ولو وكله أن يؤجر داره ثم أجرها الموكل بنفسه ثم انفسخت الإجارة يعود على وكالته كذا في القنية وفي البزازية ولو وكله ببيع داره ثم بنى فيها فهو رجوع عنها عند الإمام ومحمد لأن التجصيص والوصية بمنزلة الوكالة‏.‏ وكذا لو وكله ببيع أرضه ثم غرس فيها بخلاف ما إذا وكله ببيع أرض وزرع فيبيع الوكيل الأرض دون الزرع لأن البناء والغرس يقصد بهما القرار لا الزرع أمره بشراء دار وهي أرض بيضاء فبنى فيها ليس له أن يشتريها بعده ولو كانت مبنية فزاد فيها حائطا أو جصصها له البيع وكله ببيع وصيفة وهي شابة فصارت عجوزا فالوكالة على حالها بخلاف ما إذا أمره بشراء سويق فلته أو سمسم فعصره فصار دهنا حيث تبطل الوكالة وفي البيع لا ا هـ‏.‏ وفي وصايا الخانية ولو قال‏:‏ أوصيت بهذا الكفرى الذي في نخلتي فصار بسرا قبل موت الموصي بطلت الوصية ولو قال أوصيت بهذا الرطب الذي في نخلتي فصار تمرا قبل موت الموصي في القياس تبطل الوصية ولا تبطل استحسانا ولو قال‏:‏ أوصيت بعنبي هذا لفلان فصار زبيبا قبل موت الموصي بطلت الوصية قياسا واستحسانا ولو قال‏:‏ أوصيت بزرعي هذا لفلان وهو بقل فصار حنطة أو شعيرا قبل موت الموصي بطلت الوصية وفي الوكالة إذا تغير في هذا كله بطلت الوكالة وفي البيع بشرط الخيار إذا تغير في أيام الخيار لا يبطل البيع ولا الخيار ا هـ‏.‏ وفي البدائع إذا باع الموكل ما وكل ببيعه ولم يعلم الوكيل فباعه وقبض الثمن فهلك في يده ومات العبد قبل التسليم ورجع المشتري على الوكيل رجع الوكيل على الموكل وكذا لو دبره أو أعتقه أو استحق أو كان حر الأصل لأنه صار مغرورا من جهة ولو مات الموكل أو جن لا يرجع لعدم الغرور والوكيل بقبض الدين لو قبضه وهلك في يده بعد ما وهبه الموكل للمديون ولم يعلم الوكيل لم يضمن وتمامه فيه ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏