فصل: باب الوصية بثلث المال

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الوصية بثلث المال

لما كان أقصى ما يدور عليه مسائل الوصايا عند عدم إجازة الورثة ثلث المال ذكر تلك المسائل التي تتعلق بها في هذا الباب بعد ذكر مقدمات هذا الكتاب كذا في النهاية والغاية قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏أوصى لهذا بثلث ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه لهما‏)‏ أي إذا لم تجز الورثة الوصيتين كان الثلث بينهما لأن ثلث المال يضيق عن حقهما إذ لا يزاد عليه عند عدم الإجازة، وقد تساويا في سبب الاستحقاق فيستويان في الاستحقاق، والمحل يقبل الشركة فيكون الثلث بينهما نصفين لاستواء حقهما، ولم يوجد ما يدل على الرجوع عن الأول‏.‏ ولو أوصى لرجل بسيف قيمته مائة درهم، ولآخر بسدس ماله، وليس له سوى السيف وخمسمائة درهم نقدا وعروضها فما فضل على سدس السيف فهو لصاحبه، والسدس بينه وبين صاحب السدس نصفان، ولصاحب السدس سدس الخمسمائة عند أبي حنيفة، وعندهما السيف بينهما على سبعة لصاحب السدس سبعه أما تخريج أبي حنيفة فلأن القسمة في السيف عنده على سبيل المنازعة لأنه عين شائع فلا يكون ملحقا بالميراث فنقول اجتمع في السيف وصيتان وصية بالثلث، ووصية بالسدس فاجعل السيف على ستة أسهم ولا منازعة لصاحب السدس فيما زاد فيه، وذلك خمسة أسهم تسلم للموصى له بلا منازعة بقي سهم استوت منازعتهما فيه فيكون بينهما نصفين فإن كسره بالنصف فأضعف حتى يزول الكسر فأما التخريج لهما فلأن القسمة عندهما على سبيل العول والمضاربة فيضرب الموصى له بالكل بستة، ويضرب الموصى له بالسدس بسهم فصار السيف على سبعة، ولو أوصى بثلث ماله لآخر مع هذا، ولم تجز الورثة فصاحب السدس في الثلث بسدس خمسمائة وثلث سدس السيف، وصاحب السيف بخمسة أسداس السيف إلا سدس سبعة عند أبي حنيفة لأنه اجتمع في السيف ثلاث وصايا وصية بالكل، ووصية بالثلث، ووصية بالسدس فاجعل السيف على ستة فلا منازعة لأحد فيما زاد على الثلث، وذلك أربعة فسلم لصاحب السيف بقي سهمان لا منازعة لصاحب السدس فيما زاد على سهم واحد يدعيه صاحب السيف‏.‏ وصاحب الثلث فيكون بينهما نصفين فانكسر الحساب بالنصف فأضعف حتى يزول الكسر فصار السيف على اثني عشر لصاحب السيف أربعة ونصف ضعفية فصار تسعة، ولصاحب الثلث نصف سهم ضعفية بقي سهمان استوت منازعة الكل فيهما فيكون بينهم أثلاثا فانكسر بالأثلاث فاضرب اثني عشر في ثلاثة فيصير ستة وثلاثين لصاحب السيف سبعة صارت مضروبة في ثلاثة فصار له ثلاثة، والمنكسر سهمان ضربتهما في ثلاثة فصارت ستة يستقيم بينهم لكل واحد سهمان ثم اجعل كل مائة من الخمسمائة على ستة وثلاثين لأن القيمة في السيف مائة، وقد صار على ستة وثلاثين فاضرب خمسة في ستة وثلاثين فصار مائة وثمانين فإن أجازت الورثة فلصاحب الثلث ثلثه، وذلك ستون، ولصاحب السدس سدسه، وذلك ثلاثون فلصاحب السيف سبعه، وذلك ستة وثلاثون فصار سهام الوصايا مائة وستة عشر فإن لم تجز الورثة يجعل الثلث على قدر سهام الوصايا، وذلك مائة وستة عشر، وجميع المال ثلثمائة وثمانية وسبعون والسبعة سدسه يكون ثلاثة وستين فيدفع إليهم من الثلث مثل ما كان يدفع عند الإجازة من جميع المال فيدفع إلى صاحب السيف ستة وثلاثين، وإلى صاحب الثلث ستين، وإلى صاحب السدس ثلاثين فحصل سهام الوصايا مائة وستة مثل ثلث المال، وأما عندهما يقسم على سهام العول، والمضاربة فيضرب صاحب السيف بالسيف كله، وذلك ستة، وصاحب الثلث بالثلث، وذلك سهمان‏.‏ وصاحب السدس بسدس السيف، وذلك سهم فصار السيف على تسعة، ولما صار السيف وقيمته مائة على تسعة أسهم صار كل مائة من الخمسمائة على سبعة فيصير خمسة وأربعين، وإن أجازت الورثة فلصاحب الثلث ثلثه، وذلك خمسة عشر، ولصاحب السدس سدسه، وذلك سبعة ونصف فإن كسر السيف فأضعفه فصار سبعين، وأضعف السيف، وذلك تسعة فيصير ثمانية عشر فضم ذلك تسعون فصار جميع المال مائة وثمانية لصاحب الثلث خمسة عشر أضعفناه فصار له ثلاثون، ولصاحب السدس سبع ونصف أضعفناه فصار خمسة عشر، ولصاحب السيف تسعة أضعفناه صار ثمانية عشر لو زادت سهام الوصايا على الثلث فهي لهم إن أجازه الورثة فإن لم يجيزوا يقسم الثلث بينهم على قدر أنصبائهم لا على قدر سهام الوصايا فيضرب كل واحد في الثلث بجميع حقه، والوصايا سدس وثلث، وسدس أيضا لأن السيف سدس جميع المال لأن قيمته مائة، وجميع المال ستمائة فيصير ثلث المال أربعة سدسان وثلث، وذلك سهمان فيصير جميع المال اثني عشر سهما لصاحب الثلث سهمان سدس في السيف، وخمسة أسداسها في باقي المال فانكسر بالأسداس فاضرب أصل الفريضة، وذلك اثني عشر في ستة فيصير اثنين وسبعين كان لصاحب السيف سهم في ستة فصار ستة كله في السيف، وكان لصاحب الثلث سهمان ضربناهما في ستة صار اثني عشر سدسه في السيف، وذلك سهمان، والباقي في المال فكان لصاحب السدس سهم ضربته في ستة‏.‏ وهي له سهم في السيف، وخمسة أسهم في باقي المال فبلغت سهام الوصايا أربعة وعشرين، وذلك ثلث جميع المال‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أوصى لآخر بسدس ماله فالثلث بينهما أثلاثا‏)‏ معناه مع الوصية الأولى، وهي الوصية بثلث ماله لأن كل واحد منهما يستحق بسبب صحيح شرعي فضاق الثلث عن حقهما إذ لا مزيد للوصية على الثلث فيقسمان الثلث على قدر حقهما فيجعل السدس بينهما لأنه الأقل فصار ثلاثة أسهم لصاحب السدس سهم واحد، ولصاحب الثلث سهمان قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أوصى لأحدهما بجميع ماله، ولآخر بثلث ماله، ولم تجز الورثة فثلثه بينهما نصفان‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يضرب الموصى له بأكثر من الثلث إلا في المحاباة والسعاية والدراهم المرسلة‏)‏ عنده وعندهما الثلث بينهما أرباعا بينهم سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع، وقد بيناه فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الموصي قصد شيئين الاستحقاق والتفصيل وامتنع الاستحقاق لحق الورثة ولا مانع من التفصيل فيثبت كما في السعاية، وأختيها ولأبي حنيفة أن الوصية بما زاد على الثلث وقعت بغير مشروع عند عدم الإجازة من الورثة إذ لا يتصور نفاذها بحال فتبطل أصلا ولا يعتبر الباطل‏.‏ والتفصيل ثبت في ضمن الاستحقاق فيبطل ببطلان الاستحقاق كالمحاباة الثابتة في ضمن البيع فتبطل ببطلان البيع بخلاف الوصية بالدراهم المرسلة، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا، ولاحتمال أن يصل كل واحد منهم إلى جميع حقه بأن يظهر له مال فيخرج الكل من الثلث، وقال في الهداية، وهذا بخلاف ما إذا أوصى بعين من تركته قيمتها تزيد على الثلث فإنه يضرب بالثلث، وإن احتمل أن يزيد المال فيخرج من الثلث لأن هناك الحق يتعلق بعين التركة بدليل أنها لو هلكت التركة، واستفاد مالا آخر تبطل الوصية، وفي الدراهم المرسلة لو هلكت الدراهم تنعقد فيما يستفاد فلم يكن متعلقا بعين ما تعلق به حق الورثة، وهذا ينتقض بالمحاباة فإنها تعلقت بالعين مثله، ومع هذا يضرب بما زاد على الثلث، وقول المؤلف إلا في المحاباة أي في ثلاث مسائل أحدها المحاباة والثانية السعاية والثالثة الدراهم المرسلة أي المطلقة، وعندهما الثلث بينهما أرباعا سهم لصاحب الثلث وثلاثة أسهم لصاحب الجميع فيضرب الموصى له بما زاد على الثلث لأن الوصية أخت الميراث، والوارث يضرب بكل حقه في التركة فكذا هذا، وبه قالت الثلاثة، وله أن الموصى له يضرب بما يستحقه، وهو لا يستحق ما وراء الثلاث إلا بإجازة الورثة، ولم توجد بخلاف الدراهم المرسلة، وأختيها لأن لها نفاذا في الجملة بدون إجازة الورثة بأن كان في المال سعة فيعتبر فيها التفاضل فيضرب كل واحد منهم بجميع حقه لكونه مشروعا صورة المحاباة أن يكون عبدان قيمة أحدهما ألف ومائة، وقيمة الآخر ستمائة، وأوصى بأن يباع واحد منهما بمائة درهم لفلان، ولآخر بمائة لفلان آخر فقد حصلت المحاباة لأحدهما بألف درهم والآخر بخمسمائة فإن خرج ذلك من ثلث المال أو أجازت الورثة جاز ذلك، وإن لم يكن له مال غيرهما أو لم تجز الورثة جاز محاباتهما بقدر الثلث فيكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب الموصى له بالألف بحسب وصيته، وهي الألف، والموصى له الآخر بحسب وصيته، وهي خمسمائة فلو كان هذا كسائر الوصايا وجب أن لا يضرب الموصى له بألف على قياس قوله بأكثر من خمسمائة وستة وستين وثلثي درهم لأن عنده الموصى له بأكثر من الثلث لا يضرب إلا بالثلث، وهذا ثلث ماله صورة السعاية أن يوصي بعتق هذين العبدين قيمة أحدهما ألف، وقيمة الآخر ألفان ولا مال له غيرهما فإن أجازت الورثة يعتقان معا، وإن لم تجز الورثة يعتقان من ثلث المال وثلث ماله ألف الثلث الذي قيمته ألف فيعتق منه هذا القدر مجانا، وهو ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون، والثلث الذي قيمته ألفان في ألف، وخمسمائة ثلاثة أرباع قيمته لأنه حينئذ لا يضرب الذي قيمته ألفان إلا بألف فوجب أن يكون بينهما نصفان صورة الدراهم المرسلة أن يوصي لأحدهما بألف، ولآخر بألفين وثلث ماله ألف، ولم تجز الورثة يكون الثلث بينهما أثلاثا يضرب كل واحد منهما بقدر حصته فللموصى له بالألف ثلثه ثلاثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث درهم، وللموصى له بألفين صفقة ستمائة وستة وستون وثلثا درهم‏.‏ وكان قياس أصل أبي حنيفة أن يكون الألف بينهما نصفين كذا في العيني قال في المبسوط فصل في البيع في الثلث، وهو على نوعين بيع لا محاباة، والثاني بيع فيه محاباة، وإذا ترك عبدا لا غير، وقيمته ألف، وقد أوصى أن يباع من فلان بألف ثم أوصى به فهو على ثلاثة أوجه أما إن أوصى بالعين أو بالمال أو بالثلث فإن أوصى به بعينه بعد ذلك أو قبله لآخر فلم تجز الورثة أو أجازت، ولم يجز صاحبه فللموصى له بالرقبة سدس العبد، ويباع ما بقي من الآخر بخمسة أسداس الألف فيكون للورثة قيل هذا قولهما، وعند أبي حنيفة نصف سدس العبد للموصى له بالرقبة، ويباع خمسة أسداسه، ونصف سدسه من الآخر بقيمته فيكون للورثة فتخريجهما أن حقهما في الثلث قد استويا في حق الوصايا عندهما لأنه أوصى لكل واحد منهما بكل العبد لأحدهما بالبيع، وللآخر بالرقبة فيجعل الثلث بينهما نصفين، وإذا صار الثلث على سهمين صار الكل على ستة أسهم يسلم للموصى له بالرقبة نصف الثلث، وذلك سدس الكل، ويباع الباقي من الموصى له بالبيع، ويكون الثمن كله للورثة لا حق لصاحب الرقبة فيه لأن الوصية بالرقبة وصية بالعين ألا ترى أنه لو هلكت العين بعد موت الموصي بطلت الوصية والتخريج لأبي حنيفة أن للموصى له بالرقبة جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة لأن وصية صاحب الرقبة فيما زاد على الثلث تبطل ضربا، واستحقاقا عنده فيضرب هو في الثلث بقدر الثلث‏.‏ وللموصى له بالبيع يضرب بجميع الرقبة، وذلك ثلاثة لأن شيئا من وصيته لا يبطل بعد إجازة الورثة فصار الثلث على أربعة، والعبد كله على اثني عشر سهما يسلم لصاحب الرقبة سهم من ثلاثة، وذلك جزء من اثني عشر جزءا، ويباع الباقي بأحد عشر جزءا من الألف، وقيل المذكور في الكتاب قول الكل، وإن أجازوا، ورضي بذلك صاحب البيع يضرب كل واحد بكمال وصيته فيقسم نصفين نصفه لصاحب الرقبة، ونصفه يباع من الآخر فيكون ثمنه بين الورثة لأن حقيهما قد استويا عند إجازة الورثة فتساويا ضربا واستحقاقا، وقيل عند أبي حنيفة على أربعة أوجه، والوجه الثاني لو أوصى أن يباع العبد من رجل بألف، وأوصى بجميع ماله لآخر فهذا كالمسألة الأولى في قول أبي حنيفة إلا أن صاحب الجميع يأخذ سدس الألف من الورثة من جملة الثمن مع أخذه من سدس الرقبة، وفي المسألة الأولى ليس له من الثمن شيء لأنه أوصى له بالمال هنا، والثمن لمالك الرقبة فيجوز تنفيذ ثمنه في الثمن، وهناك أوصى له بالعين، وهي الرقبة والثمن غير فلا يمكن تكميل وصيته من الثمن، وإن أجازوا بيع نصف العبد ثم أخذ صاحب الجميع ثمنه فلا شيء للورثة، وقيل عند أبي حنيفة إن لم يجيزوا فمن اثني عشر كما في المسألة الأولى فهما مرا على أصلهما، وعلى قول أبي يوسف ينبغي أن يباع العبد كله من الموصى له بالبيع بألف ثم يعطى الموصى له بالمال ثلث الثمن لأن هذا أمكن تنفيذ الوصيتين لاختلاف محل حقهما لأن حق أحدهما في الرقبة، وحق الآخر في مطلق المال‏.‏ والثمن مال كالرقبة فتنفذ كلاهما لهما لما مات الموصي جاء أولا تنفيذ الوصية، ومحل ذلك ماله، والرقبة ماله فتنفذ فيها ولا يجوز التأخير إذ في التأخير توهم الإبطال بهلاك الموصى به، والوجه الثالث لو أوصى أن يباع من فلان بألف، وأوصى بثلث ماله لآخر فقول محمد كقول أبي حنيفة في هذا يأخذ صاحب الثلث جزءا من اثني عشر جزءا من الرقبة، ويباع الباقي من الموصى له بالبيع يأخذ أحد عشر جزءا من الألف إلا أن صاحب الثلث يأخذ من الثمن تمام الثلث ثم موصى له بثلث ماله، والثمن ماله، وعند أبي يوسف يباع الكل من الموصى له بالبيع، ويعطى من الثلث الثمن إلى صاحبه، ولو أوصى بالعبد إلى رجل، وقيمته ألف، وأوصى أن يباع من آخر بمائة درهم فعند أبي حنيفة نصف السدس من العبد للموصى له به، ويباع الباقي من صاحب البيع من ثلثي قيمة العبد فيسلم للورثة لأن عنده يصير الثلث على أربعة أسهم لصاحب الرقبة ربع السدس، وهو جزء من اثني عشر جزءا، ويباع الباقي من صاحب البيع بثلثي قيمة العبد بثلث قيمته، وذلك ستمائة وستة وستون وثلثان فيسلم ذلك للورثة لأنهما وصيتان وصية بالبيع، ووصية بالمحاباة في الثمن لأن الوصية بالمحاباة إنما تنفذ من الثلث فينظر إلى ما بقي من الثلث بعدما أخذ صاحب الرقبة، وذلك ثلاثة أجزاء فيسلم ذلك المقدار له وما بقي، وهو ثلث المال حق الورثة، وعنده الوصية بالمحاباة مقدمة على سائر الوصايا، ولكن محاباة منفذة تثبت في ضمن عقد لازم لا يملك الموصي الرجوع عنها‏.‏ وهذا وصية بمحاباة غير منفذة، وعند محمد لصاحب الرقبة سدس العبد، ويباع الباقي بثلثي الألف لأن حقهما في الثلث على السواء فيضرب كل واحد منهما بجميع حقه فيكون الثلث بينهما نصفين نصفه لصاحب الرقبة، ونصفه يباع من صاحب البيع بثلثي القيمة فإن كان أوصى بجميع ماله لرجل، وأن يباع من آخر بمائة، ولم تجز الورثة فقياس قول أبي حنيفة أن يكون للموصى له جميع المال ثلث العبد، ويباع ما بقي، وهو أحد عشر جزءا من اثني عشر جزءا بمائتي سهم وثلث، وبمائتي سهم وربع من أربعمائة أو سبعة عشر سهما من قيمة العبد يأخذ الموصى له بالمال خمسة أسهم، وربع سهم من الثمن تمام وصيته ومائتان وثمانية وسبعون للورثة، وعند محمد سدس العبد للموصى له بالمال، ويباع خمسة أسداسه من الآخر سبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد سهم للموصى له بالمال تمام وصيته وثمانية وعشرون للورثة، وهذه المسألة ملقبة بالعروس لحسن تخريجها ووضوح طريقها أما تخريجها لمحمد أن حق الموصي في الثلث على السواء فيسلم للموصى له بالمال نصف الثلث، وهو سدس العبد، ويباع خمسة أسداسه من الآخر بسبعة وعشرين من اثنين وأربعين من قيمة العبد إذ هذان وصيتان وصية بجميع المال، ووصية بالمحاباة لصاحب البيع بسبعمائة إلا أنه قد بطل من وصيته سدسه، وذلك مائة وخمسون من تسعمائة لأن سدس الرقبة صار مستحقا للموصى له بالمال بوصيته فبطلت فيه الوصية بالبيع‏.‏ والوصية بالمحاباة في ضمن الوصية بالبيع فتبطل ببطلانها ألا ترى أن الموصى له بالبيع لو قال لا أريد الشراء، وأريد المحاباة لا يكون له ذلك فبقيت الوصية في سبعمائة وخمسين، وهو يضرب بالثلث بهذا القدر في الآخر يضرب بجميع المال، وذلك القدر لأنه، وإن أخذ سدس المال وكفى، ولكن يضرب بجميع المال لتيقن مقدار حقه فيحسب عليه ما أخذه من الرقبة، وهو السدس ويعطى له ما بقي فصار حقه في أربعة أسهم، وحق الموصى له بالبيع في ثلاثة أسهم كل سهم مائتان وخمسون فتكون جملته سبعة فصار الثلث على سبعة صار الكل أحدا وعشرين فحق صاحب المال أربعة، وقد سلم له ثلاثة ونصف، وهو سدس العبد بقي له نصف سهم إلى تمام حقه، وحق الورثة في أربعة عشر فظهر أن خمسة أسداس العبد تباع من صاحب البيع بأربعة عشر سهما سهم تمام حقه فقد نفذنا وصية المحاباة في ثلاثة فتكون الجملة على سبعة، والباقي للورثة، وهو أربعة فاستقام الثلث والثلثان ومحمد أخرجه على ضعف ذلك تحرزا، وأما تخريج أبي يوسف أنه يباع جميع العبد من الموصى له بالبيع بثمانية وأربعين سهما من سبعة وخمسين سهما من قيمة العبد لأنه اجتمع هاهنا وصيتان وصية بالألف، ووصية بالمحاباة بتسعمائة فاجعل كل مائة سهما فيصير حق أحدهما عشرة‏.‏ وحق الآخر تسعة فتكون جملته تسعة عشر سهما فهذا سهام الثلث فتكون الجملة سبعة وخمسين لصاحب المحاباة تسعة أسهم فيباع العبد بما بقي، وذلك ثمانية وأربعون فيعطي لصاحب المال عشرة، وللورثة ثمانية وثلاثين فاستقام الثلث والثلثان، وأما تخريج أبي حنيفة، وهو أن هنا وصيتين وصية بالألف، ووصية بالمحاباة تسعمائة إلا أن وصية الألف فيما زاد على الثلث تبطل ضربا، واستحقاقا عند عدم إجازة الورثة فبقي حقه في ثلث الألف، ويبطل من وصية المحاباة سهم، وذلك خمسة وسبعون لأنه بطل الوصية بالبيع في نصف سدس الرقبة لاستحقاق الموصي بالمال لما بينا في حقه في ثمانمائة وخمسة وعشرين فخمسة وعشرون ربع ماله، وقد انكسر ذلك بالأرباع، وحق صاحب المال في ثلث الألف، وذلك ثلثمائة وثلاثة وثلاثون وثلث فقد انكسر بالأثلاث فاضرب ثلاثة في أربعة فيكون اثني عشر ثم اجعل كل مائة على اثني عشر كل سهم ثمانية دراهم وثلث درهم فصار حق صاحب المال أربعين سهما، وحق صاحب البيع تسعة، وتسعين سهما فيكون الثلث مائة وتسعة وثلاثين سهما فيكون كل المال أربعمائة وسبعة عشر سهما فحق صاحب المال أربعون سهما، وصل إليه من ذلك أربعة وثلاثون وثلاثة أرباع سهم لأنه، وصل إليه من العبد نصف سدسه، وذلك جزء من اثني عشر جزءا فصار العبد على أربعمائة وأربعة عشر سهما جزءا من اثني عشر جزءا منه يكون أربعة وثلاثين وثلاثة أرباع سهم بقي إلى تمام حقه خمسة أسهم وربع سهم، وحق الورثة مائتان وثمانية وسبعون‏.‏ وإذا أوصى أن يباع من الرجل بألف، وهي قيمته، ولآخر بثلث ماله قال أبو يوسف لا شيء لصاحب الثلث من الرقبة، ويباع العبد فيكون له ثلث ثمنه، وقد ذكرنا هذا فيما أوصى لرجل بجميع ماله، وقولهما في هذا معروف‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبنصيب ابنه بطل، وبمثل نصيب ابنه صح‏)‏ أي الوصية بنصيب ابنه باطلة والوصية بمثل نصيب ابنه صحيحة، وقال زفر كلتاهما صحيحة لأن الجميع ماله في الحال، وذكر نصيب الابن للتقدير به، ولأنه يجوز أنه حذف المضاف، وأقام المضاف إليه مقامه فقوله أوصيت بنصيب ابني أي بمثل نصيبه، ومثله شائع لغة قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏واسأل القرية‏}‏ أي أهلها، ولنا أن نصيب الابن ما يصيبه بعد الموت فكان وصية بمال الغير بخلاف ما إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لأن مثل الشيء غيره، وإنما يجوز حذف المضاف إذا كان هناك ما يدل عليه كما في الآية لأن السؤال يدل على المسئول، وهو الأهل، ولم يوجد هنا ما يدل على المحذوف فلا يجوز، وفي الأصل الوصية بنصيب الابن أو بمثل نصيب الابن إن لم تجز الورثة لم يجز أو يجز بعضهم، وقال محمد رجل هلك وترك أما وأبا، وأوصى لرجل بنصيب بنت لو كانت فالوصية من سبعة عشر منها الموصى له خمسة أسهم، وللأم سهمان، وللأب عشرة أسهم قال ولو ترك ابنا فأوصى بنصيب ابن آخر لو كان، وأجازت الورثة الوصية فالفريضة من خمسة عشر للموصي سبعة أسهم، وللابن سبعة، وكذلك إذا أوصى بمثل نصيب ابنه لو كان الجواب كما قلنا‏.‏ وفي شرح الطحاوي قال ومن أوصى لرجل بمثل نصيب ابنه فهذا لا يخلو أما إن كان أوصى له بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابنه كان له ابن أو لم يكن ابن أو ابنه فلو كان، وليس له ابن ولا ابنه فإنه تجوز الوصية فإن كان أكثر من الثلث فيحتاج إلى إجازة الورثة فإن كان ثلثا أو أقل جازت من غير إجازة نحو ما إذا أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابن واحد صار موصيا له بنصف المال، ولو كان له ابنان يكون بينهما نصفين كذلك هاهنا يكون المال بينهما نصفين نصف للابن ونصف للموصى له إن أجاز الابن، وإن لم يجز الابن فللموصى له الثلث، وإن كان له ابنان فإنه يكون للموصى له ثلث المال ولا يحتاج إلى الإجازة، ولو أوصى بمثل نصيب ابنه، وله ابنة واحدة فإنه يكون للموصى له نصف المال إن أجازت الابنة، وإن لم تجز فله الثلث، ولو كانت له ابنتان، والمسألة بحالها فيكون للموصى له ثلث المال، ولو أوصى بنصيب ابن لو كان فالجواب فيه كما لو أوصى بمثل نصيب ابنه قال وإذا هلك الرجل، وترك أخا وأختا، وأوصى لرجل بنصيب ابن لو كان فأجاز فللموصى له جميع المال ولا شيء للأخ والأخت، ولو أوصى بمثل نصيب ابن لو كان للموصى له نصف المال إن أجاز، وإن لم يجز فللموصى له ثلث المال إن أجاز أو لم يجز روى بشر عن أبي يوسف، وفي الأمالي هلك وترك ابنين وأوصى لرجل بنصف ماله، ولآخر بمثل نصيب أحد الابنين، ولم تجز الورثة‏.‏ قال الثلث بين الموصى لهما يضرب فيها صاحب النصف بنصف المال، والآخر بتسع المال فإن أجاز الابنان وصيتهما يأخذ صاحب النصف تمام النصف أربعة ونصفا من تسعة، وصاحب مثل النصيب يأخذ سهمين من تسعة، ويبقى للابنين تسعان ونصف، ولو كان أوصى لرجل بنصيب أحد الابنين، وأوصى لآخر بمثل نصيب الآخر، وأجاز الابنان كان لهما نصف المال، وللابنين النصف، ولو لم يجيزا فالثلث بينهما نصفان، وإن أجاز أحدهما دون الآخر فللذي أجاز الربع اعتبارا لوجود الإجازة، وللذي لم يجز الثلث قال وإذا هلك الرجل، وترك أبا وابنا، وأوصى لرجل بمثل نصيب ابنه أو بنصيب ابن لو كان، وأجاز فللموصى له خمسة من أحد عشر، وللأب سهم، وللابن خمسة، وإن لم يجيزا فللموصى له الثلث أولا، والباقي بين الأب، والابن أسداسا، وإن أجاز أحدهما دون الآخر، وذكر في الكتاب أنه ينظر إلى حال الإجازة، وحال عدم الإجازة فالفريضة عند الإجازة من أحد عشر للموصى له خمسة، وعند عدم الإجازة الفريضة من تسعة للموصى له ثلثه فيضرب أحد الفريضتين في الأخرى فيصير تسعة وتسعين فعند عدم الإجازة للموصى له الثلث ثلاثة وثلاثون، وللأب سدس وما بقي أحد عشر، وللابن خمسة من أحد عشر، وللابن خمسة أسداس وما بقي خمسة وخمسون، وعند الإجازة للموصى له خمسة من أحد عشر مضروبا في تسعة فيكون خمسة وأربعين، وللأب سهم مضروبا في تسعة فيكون تسعة فتفاوت ما بين الحالتين في حق الموصى له اثنا عشر سهما من ذلك من نصيب الأب‏.‏ وذلك من تسعة إلى أحد عشر وعشرة من نصيب الابن، وذلك من خمسة وأربعين إلى خمسة وخمسين فإذا أجاز، ولو قال أوصيت بثلث مالي للمسجد جاز عند محمد، وقال أبو يوسف لا يجوز إلا أن يقول ينفق على المسجد، وفي الخانية، ولو أوصى بثلث ماله للمسجد عين المسجد أو لم يعين فهي باطلة في قول أبي يوسف جائزة في قول محمد، ولو أوصى بأن ينفق ثلثه على المسجد جاز في قولهم، وفي النوازل إذا أوصى لأرباب المسجد المعين، وعمارته، وفي ثمن آجر وجبس وغيره فيما احتيج إليه وما كان فيه مصلحة جاز، ولو بجنب هذا المسجد نهر يجري ماؤه بالمسجد ففسد النهر، ولم يصل إلى المحلة جاز أن ينفقوا منها في ذلك عند تبين الضرر، وفي العيون عن محمد إذا قال ثلث مالي للكعبة جاز، ويعطى مساكين مكة، ولو قال لثغور فلان فالقياس أن يبطل، وفي الاستحسان يجوز الظهيرية، ولو قال لبيت المقدس جاز، وينفق عليه، وفي سراجه قيل هذا في عرفهم، ولو أوصى بثلث ماله يسرج به في المسجد يجوز، ولو أوصى بثلث ماله للسراج لا يجوز، وهو نظير ما لو أوصى بدرهم لشاة فلان أو برذون فلان فإنه لا يجوز، ولو أوصى بثلث ماله ليعلف به دواب فلان يجوز، ونظيره لو أوصى بثلث ماله في أكفان فقراء المسلمين يجوز‏.‏ ولو أوصى بثلث ماله لموتى الفقراء لا يجوز فلو أوصى بمثل نصيب أحدهما وثلث أو ربع ما بقي، ودرهم للآخر، وصورة المسألة رجل مات وترك ثلاث بنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهم ودرهم وثلث، وربع ما بقي من الثلث فيجعل ثلث المال سهاما، ولو أحاط بالنصيب سهم، وبالدراهم سهم لأنه متى كان في الوصية درهم يجعل لكل سهم درهم حتى يصير الحساب كله جنسا واحدا فإذا ذهب اثنان من أربعة عشر يبقى اثني عشر فاعط بالثلث سهمين، وبربعه سبعة يبقى خمسة فأعط بالدرهم الأخير سهما يبقى أربعة فهذه فاضلة عن سهام الوصايا ترد إلى الورثة فرده إلى ثلث المال فيصير أربعة وثلاثين، وحاجتنا إلى ستة لأنا لو أعطينا بالنصيب سهمين فيجب أن يكون نصيب الابنين ستة، والخطأ الثاني وقع بزيادة مائة وعشرين، والأول بزيادة تسعة وعشرين فاضرب الثلث الأول في الثاني، وهو ثمانية وعشرون يصير أربعمائة وخمسة وثلاثين ثم اطرح الأقل من الأكثر يبقى ثلاثة وأربعون فهذا هو الثلث، وإذا أردت معرفة النصيب فاضرب النصيب الأول، وهو سهم في المقطع الثاني، وهو ثمانية وعشرون فيصير ثمانية وخمسين ثم اطرح الأكثر من الأقل يبقى ثلاثون فظهر عند النصيب ثلاثون وثلث المال ثلاثة وأربعون فيعطي بالنصيب من الثلث ثلاثين يبقى ثلاثة عشر فيعطي بالدراهم سهما يبقى اثني عشر سهما فيعطى ثلث ما بقي، وربعه سبعة بقي خمسة فيعطى من الدرهم الآخر سهم يبقى أربعة فرده الأربعة إلى ثلثي المال، وبيان تعليله في المحيط‏.‏ وأما لو أوصى بمثل نصيب الابن إلا ثلث ما بقي من الثلث صورتها ترك ثلاث بنين، وأوصى لرجل بمثل نصيب أحدهم إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد النصيب فالفريضة تسعة وثلاثون، والثلث ثلاثة عشر، والنصيب بعد الابنين شبهة، وبيان تخريجه في المحيط، وأما لو قال في المسألة المتقدمة إلا ثلث ما يبقى من الثلث بعد الوصية فأصل الفريضة ما ذكرنا في الفصل الأول، وأما لو قال في صورة المسألة إلا ثلث ما بقي مطلقا قال عامة مشايخنا عن أبي يوسف والحسن بن زياد يخرج كما خرجنا في الفصل الأول قال محمد يخرج على الفصل الثاني وما بمثل نصيب الابن إلا مثل نصيب الآخر فلو مات عن ابن واحد، وأوصى لرجل بمثل نصيبه إلا بمثل نصيب آخر لو كان له الثلث أجاز الابن أو لم يجز، وإن ترك ابنين، وأوصى بمثل نصيبه إلا مثل نصيب آخر لو كان له الثلث أجاز الابن أو لم يجز، وإن ترك ابنين، وأوصى بمثل نصيب أحدهما لرجل إلا مثل نصيب الواحد لو كان أو أوصى لآخر بثلث ما يبقى من الثلث فالقسمة خمسة عشر سهمان لصاحب النصيب، وسهم لصاحب ثلث ما يبقى، ولكل ابن ست، وتخريجه في المحيط‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن كان له ابنان فله الثلث، والقياس أن يكون له النصف عند إجازة الورثة‏)‏ لأنه أوصى له بمثل نصيب ابنه لكل واحد منهما النصف‏.‏ وجه الأول أنه قصد أن يجعله مثل ابنه إلا أن يزيد نصيبه على نصيب ابنه، وذلك بأن يجعل الموصى له كأحدهم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبسهم أو جزء من ماله فالبيان إلى الورثة‏)‏ أي إذا أوصى بسهم أو جزء من ماله كان بيان ذلك إلى الورثة فيقال لهم أعطوه ما شئتم لأنه مجهول يتناول القليل والكثير والوصية لا تمتنع بالجهالة، والورثة قائمون مقام الموصي فكان إليهم بيانه، سوى هنا بين السهم والجزء، وهو اختيار بعض المشايخ، والمروي عن أبي حنيفة أن السهم عبارة عن السدس نقل ذلك عن ابن مسعود، وعن إياس بن معاذ، وقال في الجامع الصغير له أخس سهام الورثة إلا أن يكون أقل من السدس فحينئذ يعطى له السدس، وقال في الأصل له أخس سهام الورثة إلا أن يكون أكثر من السدس فلا يزاد عليه جعل السهم يمنع النقصان، وذكر في الهداية أنه يمنع الزيادة ثم قال في تعليقه أنه يذكر، ويراد به السدس ويذكر ويراد به سهم من سهام الورثة لأن السهم يراد به نصيب أحد الورثة عرفا لا سيما في الوصية فيصرف إليه، وهذا في عرفهم، وأما في عرفنا فهو الذي ذكرناه أولا قوله ويجزئ قال صاحب التسهيل أقول‏:‏ دلت هذه المسألة على أن أحدا لو أقر بمجهول كقوله لفلان علي دين، ولم يبين قدره فمات مجهلا تجبر ورثته على البيان، وكذا لو أقيم البينة على إقراره بمجهول ينبغي أن تقبل وتجبر ورثته على البيان ا هـ‏.‏ ورد عليه بعض المتأخرين حيث قال بعد نقل ذلك قلت ما ذكره قياس مع الفارق لأن الإقرار، ولو بمجهول يوجب تعلق الغير به من وقت الإقرار فيجبر المقر على بيانه بطلب المقر له فإذا فات الخبر في حياته بوفاته سقط سيما إذا كان بتقصير من المقر له فلم تنب عنه ورثته بخلاف الوصية بمجهول لعدم ثبوت حق الغير إلا بعد موت الموصي فقبل موته لا يجبر على بيانه، وبعد موته تعلق الحق بتركته ولا يمكن جبره فيجبر من يقوم مقامه إحياء لحق ثابت‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏قال سدس مالي لفلان ثم قال ثلث مالي له له ثلث ماله‏)‏ لأن الثلث متضمن للسدس فيدخل فيه فلا يتناول أكثر من الثلث‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قال سدس مالي لفلان ثم قال سدس مالي له له السدس‏)‏ يعني سدسا واحدا سواء قال ذلك في مجلس واحد أو في مجلسين لأن السدس ذكر معرفا بالإضافة إلى المال، والمعرف إذا أعيد معرفا كان الثاني عين الأول، وهكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا‏}‏ لن يغلب عسر يسرين وفي الهداية ولو قال ثلث مالي لفلان، وسدس مالي له، وأجازت الورثة فله ثلث المال، ويدخل السدس فيه لأن الكلام الثاني يحتمل أنه أراد به زيادة الثلث على الأول حتى يتم له السدس، ويحتمل أنه أراد به إيجاب ثلث على السدس حتى يصير المجموع نصفا‏.‏ وعند الاحتمال لا يثبت له إلا القدر المتيقن فيجعل السدس داخلا في السدس حملا لكلامه على المتيقن هذا هو المذكور في الشروح قال بعض المتأخرين بعد ذكر الدليل على هذا المنوال هكذا قالوا، وهذا كما ترى حمل الكلام على أحد محتمليه، ولك أن تقول لما كان الكلام محتملا للمعنيين، وكان القدر الثابت به يتعين على الاحتمالين الثلث قلنا ما يثبت به من الوصية لأن المتيقن ثبوت الثلث بمجموع الاحتمالين لا بأولهما إلى هنا كلامه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن أوصى بثلث دراهمه أو غنمه، وهلك ثلثاه له ما بقي‏)‏ أي إذا أوصى بثلث دراهمه أو بثلث غنمه، وهلك ثلثا ذلك، وبقي ثلثه، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله فله جميع ما بقي من الدراهم والغنم، وقال زفر له ثلث ما بقي من ذلك النوع لأن كل واحد منهما شركة بينهما، والمال المشترك يهلك ما هلك منه على الشركة، ويبقى الباقي كذلك فصار كما إذا أوصى به أجناسا مختلفة، ولنا أن حق بعضهم يمكن جمعه في البعض الباقي فصار كما إذا أوصى بدرهم أو بعشرة دراهم أو بعشرة رءوس من الغنم فهلك ذلك الجنس كله إلا القدر المسمى فإنه يأخذه إذا كان يخرج من ثلث بقية ماله بخلاف الأجناس المختلفة فإنه لا يمكن الجمع فيها جبرا فكذا تقديما، والمال المشترك إنما يهلك الهالك منه على الشركة أن لو استوى الحقان أما إذا كان أحدهما مقدما على الآخر فالهالك يصرف إلى المؤخر كما إذا كان في التركة ديون ووصايا وورثة ثم هلك بعض التركة فإن الهالك يصرف إلى المؤخر، وهو الوصية والإرث لأن الدين مقدم عليهما، وهنا الوصية مقدمة على الإرث لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد وصية يوصى بها أو دين‏}‏ فيصرف الهلاك إلى الإرث تقديما للوصية على وجه لا ينقص حق الورثة على الثلثين من جميع التركة لأنه لا يسلم للموصى له شيء حتى يسلم للورثة ضعف ذلك، وكذا إذا هلك البعض في المضاربة يصرف الهلاك للربح لأن رأس المال مقدم على ما عرف في موضعه الأصل في هذا الباب أن يحتاج إلى معرفة الوصية المقيدة والمطلقة والعين والدين كما سبكه المؤلف وأنواع الوصية بهما وأحكامها‏.‏ قال أبو يوسف العين الدراهم والدنانير دون التبر والحلي والعروض والثياب، والدين كل شيء يكون واجبا في الذمة من ذهب أو فضة أو حنطة، ونحو ذلك لأن العين عند الإطلاق ينصرف للذهب والفضية المضروبين، وأما غيرهما فيسمى في اللغة عروضا وسلعة وحليا وصياغة، وأما أنواع الوصية بهما فالوصية نوعان مرسلة ومقيدة فالمرسلة أن يوصي بجزء شائع من ماله نحو أن يوصي بثلث ماله وربعه، والمقيدة أن يوصي بثلث مال بعينه بأن يوصي بثلث دراهمه أو دنانيره أو بثلث الغنم فالوصية المقيدة حكمها أن يكون حقه مقدما على حق الورثة، وعلى حق الوصية المرسلة، ولو هلك شيء منها قبل القسمة يصرف الهلاك إلى الورثة لا إلى الموصى له حيث كانت الوصايا تخرج من ثلث مال الميت بأن كان له مال آخر يعطى للموصى له كل الموصى به لأنه قيدها بنوع من المال فتقيد بذلك النوع، ولهذا لا يزداد حقه بزيادة مال الميت، وكذا لا ينقص بنقصانه لأن حقه لم يثبت شائعا في جميع التركة فكان حقه مقدما على حق الورثة لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏من بعد وصية يوصى بها أو دين‏}‏ فصار الهلاك مصروفا إلى المؤخر حقه لا إلى المقدم لأنه ما لم يفضل عن الوصية لا يصير حقا للورثة‏.‏ وإنما حكم الوصية المرسلة فهو أن صاحبها بمنزلة واحد من الورثة لأن حقه ثبت شائعا في جميع التركة حتى يزاد حقه بزيادة المال، وينقص بنقصانه كحق الورثة فصارت التركة كالمشتركة بينه وبين الورثة فما توى من شيء من التركة يتوى على الشركة وما بقي يبقى على الشركة فكان وارثا حكما ومعنى وموصى له اسما، والعبرة للحكم والمعنى، ولهذا لو اجتمع في التركة وصية مقيدة، ووصية مرسلة تقدم الوصية المقيدة ثم تقاسم الوصية المرسلة مع الورثة على قدر حقوقهم، وأما ما يتعلق بمسائل الهلاك والاستحقاق فلو أوصى لرجل بثلث ماله فما هلك أو استحق فهو على الحقين لأن الوصية مطلقة مرسلة لأنه أضاف الوصية إلى جميع ماله على العموم والشيوع فيكون له ثلث كل شيء من ماله فكان شريكا في التركة بمنزلة أحد الورثة فما هلك يهلك على الشركة فإن أوصى بثلث الدراهم وثلث الدنانير ثم هلك عشرون دينارا بعد موت الموصي أو قبل موته كان له ثلث ما بقي نصفه من الدراهم ونصفه من الدنانير لأن هذه وصية مقدمة لأنه أوصى له بثلث دراهمه ودنانيره فقد قيد الوصية بنوع مال مخصوص، ولم يضفها إلى مال مرسل فكانت وصية مقيدة فتعلق بذلك المال بقاء وبطلانا، ولو كان أوصى بسدس الدراهم وسدس الدنانير أخذ السدس كله من الباقي لأن الهلاك مصروف إلى حق الورثة فيبقى حق الموصى له في سدس جميع المال، وذلك خمسة دنانير كما كان قبل الهلاك فكان له خمسة دنانير من العشرة الباقية إذ أصله ثلاثون وخمسون درهما من الدنانير، وكذلك الإبل والبقر على هذا‏.‏ وإذا مات عن ألف وعبد قيمته ألف، وأوصى أن يعتق عبده، ولرجل بثلث ماله، ولآخر بسدس ماله فالثلث بينهم على أحد عشر للعبد ستة، ولصاحب الثلث أربعة، ولآخر واحد ففي هذه المسألة يقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة بالإجماع لأن المنازعة لا تتحقق هاهنا لأنه لا يجتمع في رقبة العبد وصيتان لأن حق الموصى له بالثلث في السعاية لا في الرقبة لأن الموصى له بثلث مال مطلقة بمنزلة أحد الورثة، وحق الورثة في السعاية إذا كان العبد موصى بعتقه لأنهم لا يملكون العبد الموصى بعتقه، وإن كان لا يخرج من الثلث لأنه معتق البعض، ومعتق البعض لا يملك، وكذلك الموصى له بالثلث مرسلا، وإذا لم يثبت حقه في رقبة العبد فلا تنازع في العبد فيقسم على سبيل العول والمضاربة لا على سبيل المنازعة، والوجه فيه أن يحتاج إلى فريضة لها نصف وثلث وسدس لأن العبد موصى له بنصف ماله لأن ماله ألفان ألف وعبد قيمته ألف، ولآخر ثلث ماله، ولآخر سدس ماله، وأقل حساب يخرج منه هذه السهام اثنا عشر فنصفه ستة وثلثه أربعة، وسدسه سهم فيكون كله أحد عشر فإذا صار الثلث على أحد عشر فصار الجميع ثلاثة وثلاثين فللعبد من ثلث المال ستة، والعبد من جميع المال نصفه، وذلك ستة عشر ونصف فيعتق منه ستة أجزاء، ويسعى في عشرة ونصف سهم، وللموصى له سدس جزء واحد من أحد عشر من الثلث‏.‏ ويبقى اثنان وعشرون ضعف ذلك للورثة فقد استقام الثلث والثلثان، ولو استحق نصف العبد، وضاع نصف الألف فالثلث على ستة ثلاثة للعبد وسهمان لصاحب الثلث وسهم لصاحب السدس لأنه لما استحق نصف العبد انتقصت نصف وصية العبد فبقي وصيته في ثلاثة أسهم، ولما ضاع نصف الألف انتقص نصف وصية الموصى له بالثلث، وهو سهمان لأنها ضاعت عليه، وعلى الورثة لأنه بمنزلة أحد الورثة، ووصية صاحب السدس باقية على حالها في سهم واحد لأن وصيته مقيدة بألف فصار الهلاك مصروفا إلى الورثة لأن وصيته تخرج من ثلث ماله إذا كان سدس الألف بعينها فلما ضاع نصفها انقلب ثلثه سدس ما بقي لأن سدس الكل ثلث النصف، وإذا صار ثلث المال ستة صار الجميع ثمانية عشر ونصفه تسعة فيعتق من العبد ثلاثة أجزاء من تسعة، ويسعى في ستة فيضم ذلك إلى النصف الآخر فيصير كله خمسة عشر للموصى له بالسدس سهم من تسعة من الخمسمائة الباقية يبقى أربعة عشر فيبقى المال على أربعة عشر سهمان لصاحب الثلث، واثنا عشر للورثة، وخرجه محمد على سبعة لأن بين نصيب صاحب الثلث وبين الورثة موافقة بالنصف فإن نصيب صاحب الثلث سهمان ونصيب الورثة اثنا عشر وبين العبد والدين موافقة بالنصف فاختصر نصيب كل واحد على نصفه فصار سبعة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو رقيقا أو ثيابا أو دورا له ثلث ما بقي‏)‏ أي إذا أوصى بثلث رقيقه أو ثيابه أو بثلث دوره فهلك ثلثا ذلك، وبقي الثلث، وهو يخرج من ثلث ما بقي من ماله كان له ثلث الباقي كما قال زفر لأن الجنس مختلف فلا يمكن جمعه بخلاف الأول على ما بينا قالوا هذا إذا كانت الثياب من أجناس مختلفة، وإن كانت من جنس واحد فهي بمنزلة الدراهم، وكذا كل مكيل أو موزون كالدراهم لما بينا، وقيل هذا قول أبي حنيفة في الرقيق والدور لأنه لا يرى الجبر على المقاسمة فيهما، وقيل هذا قول الكل لأن الجميع إنما يتحقق بقضاء القاضي عن اجتهاد عندهما ولا يتحقق بدون القضاء بل يتعذر ولا قضاء هنا فلم يتحقق الجمع إجماعا، والأشبه أن يكون على الخلاف لأن كل ما أمكن جمعه بدون القضاء أمكن جمعه تقديرا، وهذا هو الفقه في هذا الباب ألا ترى أنه أمكن الجمع بدون القضاء عندهما فيما إذا كانت الوصية بثلث الدراهم أو الغنم على ما بينا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبألف، وله عين ودين فإن خرج الألف من ثلث العين دفع إليه‏)‏ أي إذا أوصى بألف درهم، وله عين، ودين فإن خرج من ثلث العين دفع إليه لأن إيفاء حق كل واحد ممكن من غير بخس بأحد قال في المبسوط أصل المسألة متى كانت التركة بعضها قائم، وبعضها غير قائم تقسم القائمة بين الورثة، والموصى له على السهام التي تقسم لو كانت كلها قائمة اعتبارا للبعض بالكل ثم ما أصاب المديون من العين القائمة من التركة جعل قصاصا بما عليه إذا كان ما عليه مثل حقه في العين أو أكثر فإن كان أقل فبقدره، وهذا إذا كانت التركة من جنس الدين، وإن كانت من خلاف جنسه بأن كانت عروضا، والدين دراهم أو دنانير فعن رواية الوصايا أنه يجعل نصيبه قصاصا بما عليه، وهو القياس، وفي رواية هذا الكتاب يحتبس عنه من العين حتى يوفي ما عليه استحسانا فإن لم يوف وطلب صاحب الدين من القاضي أن يبيع نصيبه يبيع القاضي، ويقضي من ثمنه دينا ثم المسائل مشتملة على فصول‏:‏ فصل في الوصية بالسهام في العين والدين، وفصل في الوصية بالدراهم والسهام معينة، وفصل بالوصية بالدراهم والعروض رجل مات وترك ابنين، ومائة درهم عينا ومائة دينار على أحد ابنيه، وأوصى لرجل بالثلث كان له نصف العين، والنصف لغير المدين لأن العين تقسم بينهم أثلاثا ثلثه للموصى له وثلثه لمن لا دين عليه وثلثه للدين إلا أن المدين لا يعطيه نصيبه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فيحسب ما له قصاصا بما عليه لأن ما عليه أكثر مما له، والتركة من جنس الدين فإن ما يخص الابن المدين ذهب بحصته مما عليه ستة وستون وثلثان، ويؤدي ثلاثة وثلاثين وثلثا بين الابن غير المدين، والموصى له نصفين لأن حقهما سيان، ولو أوصى بربع العين، والدين كان له نصف العين لأن جميع مال الميت مائتا درهم للموصى له ربعه‏.‏ وذلك خمسون يبقى مائة وخمسون لكل ابن خمسة وسبعون إلا أنه لا يعطى للمدين شيء من العين بل يطرح عنه نصيبه من الدين لأنه لا فائدة في ذلك فيطرح مما عليه نصيبه، وذلك خمسة وسبعون، ويؤدي ما بقي عليه، وهو خمسة وعشرون، ويقسم ذلك مع المائة العين بين الموصى له وبين غير المدين على خمسة أسهم سهمان للموصى له، وذلك خمسة، وثلاثة أخماسه للابن الذي لا دين عليه، ويبرأ المدين عن مثلها فرق بين الوصية بخمس مطلق وبين الوصية بخمس مقيد، والفرق أن الوصية بالعين والدين وصية مقيدة، والموصى له المقيد يضرب بجميع وصيته يوم الموت إذا كانت وصيته تخرج من ثلث ماله لما بينا، وهذا وصيته تخرج من ثلث ماله لأن وصيته من العين والدين أربعون درهما منهما، وقد خرج من العين قدر وصيته، وزيادة فيأخذ وصيته من العين، وذلك أربعون، وأما الموصى له المطلق يضرب في المال بقدر عشر ماله في العين يوم القسمة لأن حقه في العين المطلق المرسل لا في العين فيكون له خمس المال المرسل، وذلك ثلاثة وثلاثون وثلث من العين، ولو أوصى لرجل بربع ماله، ولآخر بثلث ماله كان نصف العين بينهما على ثمانية لصاحب الربع أربعة، وأربعة لصاحب الثلث لأن أصل الفريضة من ثلاثة إذا لم تجز الورثة سهم الموصى له بقي سهمان بين الاثنين نصفين لكل واحد سهم لأن ما يصيب المدين من العين يطرح لأن ما عليه أكثر مما له‏.‏ واقسم المائة العين بين الابن غير المدين وبين الموصى لهما نصفين لكل واحد خمسون، ويحسب للابن المدين ما عليه خمسون مثل ما حصل للابن غير الابن فصار العين من مال الميت حقيقة وحكما مائة وخمسين مائة عين حقيقة وخمسون عين حكما، وهو قدر ما استوفاه الابن المدين، وبقي على المدين خمسون ناويا ما دام معتبرا فلا بد من مال الميت ثم ما أصاب الموصى له من نصف العين يقسم بينهما على سبعة لأن أقل حساب له ثلث وربع اثنا عشر فحق الموصى له بالثلث في أربعة، وحق الموصى له بالربع في ثلاثة فصار جميع ذلك سبعة فاقسم الثلث على سبعة أربعة لصاحب الثلث وثلاثة لصاحب الربع فإن أيسر الابن المدين، وقدر على الأداء اعتبر المال كله فيكون بين الورثة، والموصى لهما أثلاثا ثم مال الموصى لهما بينهما على سبعة لأنه لما أيسر ظهر أن مال الميت كان مائتين فيكون ثلث ماله ستة وستين وثلاثين فيقسم دين الموصى لهما على سبعة كما وصفنا، وإذا كان له مائة درهم عينا ودينا على امرأته ثم مات، وترك امرأته وابنه، وأوصى بثلث ماله لرجل قسم العين بين الابن، والموصى له على أحد عشر للموصى له أربعة فإن قدرت المرأة على الأداء كان للموصى له ثلث كل المال ستة وستون وثلثان، وللمرأة ثمن الباقي ستة عشر وثلثان تؤدي الفضل فإذا أدت قسم بين الابن والموصى له على أحد عشر قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإلا فثلث العين، وكلما خرج شيء من الدين له ثلثه حتى يستوفي الألف‏)‏ أي إن لم يخرج الألف من ثلث العين دفع إلى الموصى له ثلث العين ثم كلما أخرج شيء من الدين دفع إليه ثلثه حتى يستوفي حقه‏.‏ وهو الألف لأن الموصى له شريك الوارث في الحقيقة ألا ترى أنه لا يسلم له شيء حتى يسلم للورثة ضعفه، وفي تخصيصه بالعين بخس في الورثة لأن العين مقدمة على الدين، ولأن الدين ليس بمال في مطلق الحال، ولهذا لو حلف أنه لا مال له، وله دين على الناس لا يحنث، وإنما يصير مالا عند الاستيفاء، وباعتباره تتناوله الوصية فيعتدل النظر بقسمة كل واحد منهما من الدين والعين أثلاثا هذا إذا أوصى لواحد فلو أوصى لاثنين قال في الأصل في الوصية بالدين والعين والثياب والمتاع والسلاح والذهب والفضة والحديد وما أشبه ذلك ذكر في فتاوى الفضل إذا كان رجل أوصى بثلث ماله الدين لرجل، والآخر بثلث ماله العين والعين والدين مائة اقتسما ثلث مائة العين نصفين فإن خرج من الدين خمسون ضم إلى العين، وكان ثلثه جميع ذلك بينهما على خمسة أسهم، ولو أوصى بثلث العين لرجل، وبثلث العين لرجل آخر، والدين لآخر، ولم يخرج من الدين شيء من الدين اقتسما ثلث ذلك خمسون درهما بينهما أثلاثا في قول أبي يوسف ومحمد، وأما على قول أبي حنيفة الثلث بينهما في هذه المسألة على خمسة أيضا، وإذا كان لرجل مائة درهم عينا، ومائة درهم دينا على أجنبي فأوصى الرجل بثلث ماله لرجل فإنه يأخذ ثلث العين ذكر في فتاوى الفضل أن من أوصى بدين له على رجل أن يصرف على وجوه البر تعلقت الوصية بالدين‏.‏ فإن وهب بعض الدين لمديونه بعد ذلك تبطل الوصية بقدر ما وهب كأنه رجوع عن وصيته بذلك القدر قال البقالي، وتدخل الحنطة في الدين قال هو، ويدخل في الوصية بالعين الدراهم والدنانير‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثلثه لزيد وعمرو، وهو ميت فلزيد كله‏)‏ أي إذا أوصى لزيد وعمرو بثلث ماله، وعمرو ميت فالثلث كله لزيد لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا يشارك الحي الذي هو أهل كما إذا أوصى لزيد بجدار وعن أبي يوسف أنه إذا لم يعلم بموته كان له نصف الثلث لأن الوصية عنده صحيحة لعمرو فلم يوص للحي إلا بنصف الثلث بخلاف ما إذا علم بموته لأن الوصية لعمرو لم تصح فكان راضيا بكل الثلث للحي هذا إذا كان المزاحم معدوما من الأصل أما إذا خرج المزاحم بعد صحة الإيجاب يخرج بحصته ولا يسلم للآخر كل الثلث لأن الوصية صحت لهما، وتثبت الشركة بينهما فبطلان حق أحدهما بعد ذلك لا يوجب زيادة حق الآخر، مثاله إذا قال ثلث مالي لفلان ولفلان ابن عبد الله إن مت، وهو فقير فمات الموصي، وفلان ابن عبد الله غني كان لفلان نصف الثلث، وكذا لو قال ثلث مالي لفلان إن كان عبد الله في البيت، ولم يكن عبد الله في البيت كان لفلان نصف الثلث لأن بطلان استحقاقه لفقد شرطه لا يوجب الزيادة في حق الآخر، ومتى لم يدخل في الوصية لفقد الأهلية كان الكل للآخر، وقد قدمناه في بعض هذه المسائل‏.‏ وفي الزيادات أصله أن الوصية متى أضيفت إلى شخصين معينين إن كانا أهلا للاستحقاق كان الثلث بينهما لأن الإيجاب لهما قد صح لوجود الأهلية فيهما عند الإيجاب، وإن انعدمت أهلية أحدهما عند الاستحقاق بالموت فتثبت المزاحمة في الإيجاب بسبب إيجاب النصف لكل واحد منهما كما لو أوصى بالثلث لأجنبي، ولوارثه لم يكن للأجنبي إلا نصف الثلث، وإن لم يثبت الاستحقاق لصحة الإيجاب لهما لوجود الأهلية فيهما، وإن لم يكن أحدهما أهلا للاستحقاق عند الإيجاب كان الثلث كله للأهل كما لو أوصى بالثلث لفلان ولحائط ولو قال أوصيت بثلث مالي بين فلان وفلان، وأحدهما ميت فنصف الثلث للآخر، وكذلك لو قال بين فلان وبين هذا، وأشار إلى حائط ونحوه لأن كلمة بين تقتضي الاشتراك أو التنصيف ألا ترى أنه لو قال ثلث مالي بين فلان وفلان، وسكت لم يكن له إلا نصف الثلث، وكلمة بين ملفوظ سواء كانا حيين أو أحدهما حي، والآخر ميت فكان الاشتراك بموجب اللفظ لا بحكم المزاحمة في المحل بخلاف ما لو قال ثلث مالي لفلان وفلان، وأحدهما ميت لأن الاشتراك والتنصيف هنا بحكم المزاحمة لا بموجب اللفظ لأن اللفظ يقتضي الإفراد بالكل لما بينا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولعقبه ثم مات الموصي فالثلث كله لفلان والوصية لعقبه باطلة لأنه جمع بين الموجود والمعدوم في الإيجاب لأن عقب فلان من يخلفه بعد موته فلا يتصور له عقب في حياته‏.‏ واستحقاقه الوصية حال حياة الموصى له، والعقب معدوم، والإيجاب للمعدوم لا يصح، ولو قال لفلان، ولولد عبد الله فالثلث كله لفلان لأن الوصية لولد عبد الله إنما تتناول ولده عند موت الموصي لا عند الإيصاء لأنه أرسل الموصى له، ولو أرسل الموصى به فقال ثلث مالي لفلان فينصرف إلى ثلث ماله يوم موت الموصي لا يوم الوصية فكذلك الموصى له ولا ولد لعبد الله يوم موت الموصي فلا يصح إيجاب الوصية له فصار كأنه أوصى لفلان لا غير، وتحقيقه أن العين تعرف بالإشارة إليها لا بالصفة فلم يشترط الوصف لتناول الإيجاب وغيره، والدين إنما يعرف بصفته، وإنما يتناول الإيجاب إذا وجد فيه تلك الصفة عند موت الموصي فلم توجد الصفة فلم يتناوله الإيجاب فكان الثلث للآخر، وكذلك لو قال ثلث مالي لفلان إن مت، وهو حر، ولفلان بن فلان فإن مات، وهو حر فالثلث بينهما، وإن مات قبل موته كان للثاني النصف لا غير لما قلنا، ولو قال ثلث مالي لفلان، ولمن افتقر من ولد فلان ثم مات الموصي، وولد فلان كلهم أغنياء فالثلث كله لفلان لأنه ضم إلى فلان شخصا موصوفا بأنه فقير وما أشار إلى العين فيكون مرسلا لا معينا فتتعين فيه حال الموت لا وقت الإيصاء، وقوله لمن افتقر يتناول من احتاج بعد أن كان غنيا دون من كان فقيرا من الأصل لأن هذا اللفظ إنما يستعمل فيمن احتاج بعد الغناء‏.‏ وفي المبرة معه زيادة ثواب، وقد ندب الشرع إليه لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أكرموا ثلاثة عزيز قوم ذل وغنيا افتقر وعالما بين جهال» فيجوز أن يكون للموصي قصد بالتخصيص هذه الزيادة، ولو أوصى لامرأته بأحد العبدين، وللأجنبي بالآخر كان للأجنبي ثلثا عبده يبدأ به أربعة من ستة فصار كل عبد على ستة، وكلاهما اثنا عشر، وللمرأة ربع ما بقي من العبدين سهمان من ثمانية بالميراث سهم ونصف من عبدهما ونصف سهم من الأجنبي يبقى لهما من وصيتها أربعة ونصف، ويبقى للأجنبي من وصيته اثنان فيضرب كل واحد بذلك في الستة الباقية فإذا أردت تصحيح الفريضة جعلت كل عبد مائة وستة وخمسين سهما لأن الباقي للمرأة أربعة، وللأجنبي سهمان فيكون ستة ونصفا فانكسر بالنصف فأضعف ليزول الكسر فصار ثلاثة عشر فإذا صار نصف المال على ثلاثة عشر صار الكل ستة وعشرين فاضرب أصل الحساب، وذلك اثنا عشر في ستة وعشرين فيصير ثلاثمائة وخمسين يأخذ الموصى له مائة وأربعة، والباقي للمرأة بوصيتها وميراثها لأن الأجنبي يأخذ أولا ثلثي عبده، وذلك مائة وأربعة أسهم، وتأخذ المرأة ربع ما بقي، وذلك اثنان وخمسون بقي مائة وخمسة وستون سهما يقسم بينهم على ثلاثة ‏[‏ ‏]‏ سهما تسعة أسهم من ذلك، وذلك ثلاثمائة وثمانية، وأربعون للأجنبي من عبده الموصى به له فإذا ضممت ذلك إلى مائة، وأربعة صار كل مائتين واثنين وخمسين‏.‏ أصله أن الوصية للقاتل بمنزلة الوصية للوارث حتى لا تجوز إلا بإجازة الورثة عند أبي حنيفة، وعندهما لا تجوز أصلا لما يأتي في بابه، وإذا أوصى بماله كله لقاتله ولا وارث له، وبكله لأجنبي قيل للأجنبي ثلث المال، والثلث للقاتل لأن ثلثي المال صار مستحقا للأجنبي بوصية قوية، والمستحق بالوصية القوية تبطل فيه الوصية الضعيفة ضربا، واستحقاقا يبقى ثلث المال استوت وصيتهما فيه لأن وصيتهما فيما زاد على الثلث ضعيفة حتى لا تنفذا بإجازة الوارث فإذا تساويا في الوصية تساويا في القسمة، وإذا ماتت امرأة، وتركت زوجها، وأوصت لأجنبي بثلث مالها، ولقاتلها بمالها للزوج ثلثاه، والثلث الباقي بين الأجنبي والقاتل أثلاثا عند محمد للقاتل منه سهمان، ويكون المال كله من تسعة للأجنبي أولا ثلاثة، وللزوج ثلاثة للأجنبي سهم، وللقاتل سهمان، وعند محمد الباقي بينهما نصفين لأن عنده القاتل لا يضرب بما صار مستحقا للزوج بالميراث، وإنما يضرب بما بقي، وهو الثلث، وللأجنبي كذلك فصار الثلث بينهما نصفين، والقسمة من ستة للأجنبي النصف ثلاثة، وللزوج سهمان، وللقاتل سهم، وعند أبي يوسف لا تجوز الوصية للقاتل أبدا، وإن لم يكن وارث، وتبين أنها إذا لم يكن لها وارث غير الزوج جاز إقرارها لأن المانع من صحة إقرار المريض لوارثه حق سائر الورثة حتى لو صدقوه كان الإقرار صحيحا، وقد فقد المانع هذا لانعدام الوارث لها فصح إقرارها‏.‏ وإذا قتلها زوجها وأجنبي عمدا ثم عفت عنهما فأوصت للأجنبي بنصف مالها جازت الوصية ولا ميراث للزوج لأنه قاتلها، والقتل العمد يحرم من الميراث فقد التحقت بمن لا وارث لها أصلا فجازت الوصية للقاتل لأن المانع من جواز الوصية وجود الوارث ولا وارث لها ففقد المانع‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو قال بين زيد وعمرو لزيد نصفه‏)‏ أي إذا قال ثلث مالي بين زيد وعمرو، وعمرو ميت كان لزيد نصف الثلث لأن كلمة بين توجب التنصيف فلا يتكامل لعدم المزاحمة بخلاف ما إذا قال لفلان وفلان فبان أحدهما ميتا حيث يكون للحي كل الثلث لأن الجملة الأولى كلام يقتضي الاختصاص بالحكم لأن العطف يقتضي المشاركة في الحكم المذكور، والمذكور وصية بكل الثلث، والتنصيف بكل المزاحمة فإن زالت المزاحمة تكامل، ألا ترى أن من قال ثلث مالي لفلان، وسكت كان له جميع الثلث، ولو قال ثلث مالي بين فلان وسكت لم يستحق الثلث كله بل نصفه ألا ترى إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ونبئهم أن الماء قسمة بينهم‏}‏ اقتضى أن يكون النصف بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏لها شرب ولكم شرب يوم معلوم‏}‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثلثه له ولا مال له له ثلث ما يملكه عند الموت‏)‏ لأن الوصية عقد الاستخلاف مضاف إلى ما بعد الموت، ويثبت حكمه بعده فيشترط وجود المال عند الموت سواء اكتسبه بعد الوصية أو قبلها بعد أن لم يكن الموصى به عينا أو عينا معينا، وأما إذا أوصى بعين أو بنوع من ماله كثلث غنمه فهلكت قبل موته فتبطل الوصية لأنها تعلقت بالعين فتبطل بفواتها قبل الموت حتى لو اكتسب غنما أخرى أو عينا أخرى بعد ذلك لا يتعلق حق الموصى له بذلك‏.‏ ولم يكن له غنم عند الوصية فاستفادها ثم مات فالصحيح أن الوصية تصح لأنها لو كانت بلفظ المال تصح فكذا إذا كانت بلفظ نوعه لأن المعتبر وجوده عند الموت لا غير، ولو قال له شاة من مالي، وليس له غنم يعطى له قيمة شاة لأنه لما أضاف الشاة إلى المال علمنا أن مراده الوصية بمالية الشاة إذ ماليتها توجد في مطلق المال ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «في خمس من الإبل السائمة شاة»، وعين الشاة لم توجد في الإبل، وإنما توجد في ماليتها، ولو أوصى بشاة، ولم يضفها إلى ماله ولا غنم قيل لا تصح لأن المصحح إضافتها إلى المال، وبدون الإضافة إلى المال تعتبر صورة الشاة، ومعناها، وقيل تصح لأنه لما ذكر الشاة، وليس في ملكه شاة علم أن مراده المالية، ولو قال شاة من غنمي ولا غنم له فالوصية باطلة لأنه لما أضافها إلى الغنم علمنا أن مراده عين الشاة حيث جعلها جزءا من الغنم بخلاف ما إذا أضافها إلى المال، وعلى هذا خرج كل نوع من أنواع المال كالبقر والثوب، ونحوها اعلم أنه وقع في عبارة الوقاية ولا شاة له موضع ولا غنم له الواقع في عبارة الهداية في وضع هذه المسألة فقال صدر الشريعة في شرحه للوقاية، واعلم أنه قال في الهداية ولا غنم له، وقال في المتن ولا شاة له وبينهما فرق لأن الشاة فرد من الغنم‏.‏ وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم لكن إذا لم يكن له غنم لا يلزم أن لا يكون له شاة لاحتمال أن يكون له واحدة لا كثير فعبارة الهداية تتناول صورتين ما إذا لم يكن له شاة أصلا وما يكون له شاة لا غنم له في الصورتين تبطل الوصية، وعبارة المتن لم تتناول إلا الصورة الأولى، ولم يعلم منها الحكم في الصورة الثانية فعبارة الهداية أشمل، وأحوط ا هـ‏.‏ كلامه‏.‏ ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال في شرحه إنما قال ولا شاة، ولم يقل ولا غنم له كما قال صاحب الهداية لأن الشاة فرد من الغنم، وإذا لم يكن له شاة لا يكون له غنم بدون العكس، والشرط عدم الجنس لا عدم الجمع حتى لو وجد الفرد تصح الوصية يفصح عن ذلك قول الحاكم الشهيد في الكافي، ولو قال شاة من غنمي أو قفيز من حنطتي فإن الحنطة اسم جنس لا اسم جمع‏.‏ ا هـ‏.‏ وقال في حاشيته أخطأ هذا صدر الشريعة حيث قال تبطل الوصية في الصورتين‏.‏ ا هـ‏.‏ وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه بعدما نقل كلام صدر الشريعة، واعترض عليه بعض الأفاضل بما حاصله أن عبارة الوقاية هي الصواب، وأن الحكم في وجود الفرد صحة الوصية، وزعم أن الشرط عدم الجنس لا عدم الجمع قلت بعد تسليم إن الغنم جمع أو اسم جمع لا اسم جنس، وإن بقي الغنم كما وقع في عبارة الهداية وعامة الكتب هو الصواب، وأنه لا تصح الوصية بوجود شاة واحدة لأن الشرط عدم الجمع لا عدم الجنس كما زعمه المعترض لأنه أوصى بشاة من غنمه فإذا لم يكن له غنم بل فرد لم يتحقق شاة من غنمه فتبطل الوصية فهذا هو السر في تعميم الغنم دون الشاة إلى هنا كلامه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثلثه لأمهات أولاده، وهن ثلاث وللفقراء والمساكين وأمهات أولاده ثلاث يقسم الثلث أخماسا فلهن ثلاثة أسهم، ولكل طائفة من المساكين والفقراء سهم‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف، وقال محمد يقسم أسباعا لأن المذكور لفظ الجمع، وأدناه في الميراث اثنان قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن كان له إخوة فلأمه السدس‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏فإن كن نساء فوق اثنتين‏}‏ الآية، والمراد بالاثنتين اثنان فكان من كل طائفة اثنان، وأمهات الأولاد ثلاثة فكان المجموع سبعة فيقسم أسباعا قلنا اسم الجنس المحلى بالألف واللام يتناول الأدنى مع احتمال الكل كالمفرد المحلى بهما لأنه يراد بهما الجنس إذا لم يكن ثم معهود قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏لا يحل لك النساء من بعد‏}‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعلنا من الماء كل شيء حي‏}‏ ولا يحتمل ما بينهما فتعين الأدنى لتعذر إرادة الكل، ولهذا لو حلف لا يشتري العبد يحنث بواحد فيتناول من كل فريق واحدا، وأمهات الأولاد ثلاثة فتبلغ السهام خمسة، وليس فيما تلى زيادة على ما ذكر لأن المذكور في الاثنين نكرة، وكلامنا في المعرفة حتى لو كان فيما نحن فيه منكرا قلنا كما لو قال ثم هذه الوصية تكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن بموته دون اللاتي عتقن في حياته من أمهات الأولاد لأن الاسم لهن في العرف واللاتي عتقن حال حياته موال لا أمهات أولاده‏.‏ وإنما تصرف إليهن الوصية عند عدم أولئك لعدم من يكون أولى منهن بهذا الاسم ولا يقال إن الوصية لمملوكه بما له لا تجوز لأن العبد لا يملك شيئا، وإنما يجوز له الوصية بالعتق أو برقبته لكونه عتقا فوجب أن يكون لأمهات أولاده اللاتي يعتقن حال حياته لأنا نقول القياس أن لا تجوز الوصية لهن لأنها لو جازت لهن لكنه حال نزول العتق بهن لكون العتق والتمليك معلقا بالموت، والتعليق يقع عليهن، وهن إماء فكذا تملكهن يقع، وهن إماء، وهو لا يجوز إلا أنا جوزناه استحسانا لأن الوصية مضافة إلى ما بعد عتقهن لا حال حلول العتق بهن بدلالة حال الموصي لأن الظاهر من حاله أن يقصد بإيصائه وصية صحيحة لا باطلة، والصحيحة هي المضافة إلى ما بعد عتقهن كذا في عامة الشروح، وعزاه جماعة من الشراح إلى الذخيرة، وسئل الإمام قاضي خان والإمام المحبوبي عن هذا فقالا أما جواز الوصية لأمهات أولاده فلأن أوان ثبوت الوصية وعملها بعد الموت، وهن حرائر بعد الموت فتجوز الوصية لهن كما ذكره صاحب النهاية نقلا عنهما ثم قال في العناية فإن قيل الوصية بثلث المال لعبده جائزة ولا يعتق بعد موته، وأم الولد ليست أقل حالا منه فكيف لم تصح لها الوصية قياسا، وأجيب بأن الوصية بثلث المال للعبد إنما جازت لتناوله ثلث رقبته فكانت وصية برقبة إعتاقا‏.‏ وهو يصح منجزا ومضافا بخلاف أم الولد فإن الوصية ليست إعتاقا لأنها تعتق بموت المولى، وإن لم يكن ثمة وصية أصلا، ولقائل أن يقول الوصية بثلث المال أما إن صادفتها بعد موت المولى وهي حرة أو أمة فإن كان الأول فلا وجه لنفي القياس، وإن كان الثاني فكذلك لأنها كالعبد الموصى له بثلث المال، والجواب أنها ليست كالعبد لأن عتقها لا بد وأن يكون بموت المولى فلو كان بالوصية أيضا توارد علتان مستقلتان على معلول واحد بالشخص، وهو ثلث رقبتها، وذلك باطل إلى هنا لفظ العناية، وفي نوادر بشر عن أبي يوسف، ولو أوصى لأمهات أولاده بألف ولمواليه بألف، وله أمهات أولاد عتقن في حياته، ومواليات اعتبر كل فريق على حدة، ولو أوصى بثلث ماله لمواليه، ولم يذكر أمهات الأولاد دخلت أمهات الأولاد في الوصية، وظاهر قوله وهن ثلاثة أنهن لو كن ثنتين يقسم المال على أربعة لهن، ولو أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والعلوية والشيعة ومحب أولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم والفقهاء والعلماء أصحاب الحديث سئل الفقيه أبو جعفر عن رجل أوصى لأولاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أبو نصر بن يحيى كان يقول الوصية لأولاد الحسن والحسين ولا يكون لغيرهما فأما العلوية فهل يدخلون في هذه الوصية لأنه كان للحسن رضي الله عنه بنت زوجت من ولد عمر رضي الله عنهم وإذا أوصى للعلوية فقد حكي عن الفقيه أبي جعفر أنه لا يجوز لأنهم لا يحصون‏.‏ وليس في هذا الاسم ما ينبئ عن الفقر والحاجة، ولو أوصى لفقهاء العلوية يجوز، وعلى هذه الوصية للفقهاء لا تجوز، ولو أوصى لفقرائهم تجوز، وقد حكي عن بعض مشايخنا أن الوقف على معلم في المسجد يعلم الصبيان فيه يجوز لأن عامتهم الفقراء، والفقراء فيهم الغالب فصار الحكم لغلبة الفقر كالمشروط، وقال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني كان القاضي الإمام يقول على هذا القياس إذا أوصى لطلبة علم كورة أو لطلبة علم كذا يجوز، ولو أعطى الوصي واحدا من فقراء الطلبة أو من فقراء العلوية جاز عند أبي يوسف، وعند محمد لا يجوز إلا إذا صرف إلى اثنين منهم فصاعدا، وإذا أوصى للشيعة ومحبي آل محمد المقيمين ببلدة كذا فاعلم بأن في الحقيقة كل مسلم شيعة ومحب لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصح في ديانتهم إلا ذلك، وأما ما وقع عليه ممن أراد به الموصي فمراده الذين ينصرفون بالميل إليهم، وصاروا موسومين بذلك دون غيرهم فقد قيل الوصية باطلة فأما إذا كانوا لا يحصون فيكون للفقراء استحسانا على قياس مسألة اليتامى، وقال الفقيه أبو جعفر ولم يكن في بلدنا أحد يسمى فقيها غير أبي بكر الأعمش شيخنا، وقد اختار أبو بكر الفارسي، وبذل مالا كثيرا لطلبة العلم حتى نادوه في مجلس أيها الفقيه، وإذا أوصى لأهل العلم ببلدة كذا فإنه يدخل فيه أهل الفقه وأهل الحديث ولا يدخل فيه من يتعلم الحكمة‏.‏ وفي الخانية وهل يدخل فيه من يتعلم الحكم، وهل يدخل فيه المتكلمون لا ذكر فيه، وعن أبي القاسم فعلى قياس هذه المسألة لا يدخل في الوصية المتكلمون، وإذا أوصى بثلث ماله لفقراء طلبة العلم من أصحاب الحديث الذين يختلفون إلى مدرسة منسوبة في كورة كذا لا يدخل متعلمو الفقه إذا لم يكونوا من جملة أصحاب الحديث، ويتناول من يقرأ الأحاديث، ويسمع، ويكون في طلب ذلك سواء كان شافعي المذهب أو حنفي المذهب أو غير ذلك، ومن كان شافعي المذهب إلا أنه لا يقرأ الأحاديث ولا يسمع ولا يكون في طلب ذلك لا يتناوله اسم أصحاب الحديث‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثلثه لزيد وللمساكين لزيد نصفه ولهم نصفه‏)‏ أي إذا أوصى بثلث ماله لزيد والمساكين كان لزيد النصف وللمساكين النصف، وهذا عندهما، وعند محمد ثلثه لفلان وثلثاه للمساكين، وقد بينا مأخذ كل واحد من الفريقين‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبمائة لرجل، وبمائة لآخر فقال لآخر أشركتك معهما‏)‏ له ثلث ما لكل منهما، وبأربعمائة له، وبمائتين لآخر فقال لآخر أشركتك معهما له نصف ما لكل واحد منهما يعني إذا أوصى لرجل بمائة درهم، ولآخر بمائة ثم قال لآخر قد أشركتك معهما فله ثلث كل مائة، ولو أوصى لرجل بأربعمائة درهم، ولآخر بمائتين ثم قال لآخر قد أشركتك معهما كان له نصف ما لكل واحد منهما لأن الشركة للمساواة لغة، ولهذا حمل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فهم شركاء في الثلث‏}‏ على المساواة‏.‏ وقد أمكن إثبات المساواة بين الكل في الأول لاستواء المالين فيأخذ هو من كل واحد منهما ثلث المائة فتم له ثلثا المائة، ويأخذ من كل واحد منهما ثلثي المائة ولا يمكن المساواة بين الكل في الثانية لتفاوت المالين فحملناه على مساواة الثالث مع كل واحد منهما بما سماه له فيأخذ النصف من كل واحد من المالين، ولو أوصى لرجل بجارية، ولآخر بجارية أخرى ثم قال لآخر أشركتك معهما فإن كانت قيمة الجاريتين متفاوتة له نصف كل واحدة منهما بالإجماع، وإن كانت قيمتهما على السواء فله ثلث كل واحدة منهما عندهما، وعند أبي حنيفة له نصف كل واحدة منهما بناء على أنه لا يرى قسمة الرقيق فيكونان كجنسين مختلفين، وهما يريانها فصار كالدراهم المتساوية، ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم قال لآخر أشركتك أو أدخلتك أو جعلتك معه فالثلث بينهما لما ذكرنا قال صاحب العناية وما ذكره المؤلف استحسان، والقياس له نصف كل مائة لأن لفظ الاشتراك يقتضي التسوية عند الإطلاق قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏فهم شركاء في الثلث‏}‏ وقد أشرك الثالث فيما أوصى به لكل واحد منهما في استحقاق المائة، وذلك يوجب أن يكون له نصف كل مائة وجه الاستحسان أنه أثبت الشركة بينهم، وهي تقتضي المساواة، وإنما ثبتت المساواة إذا لم يؤخذ من كل واحد منهما نصف المائة فعلم بهذا أنه شركة معهما جملة واحدة فلا يعتبر بإشراكه إياه مع كل واحد منهما متفرقا ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قال لورثته لفلان علي دين فصدقوه فإنه يصدق إلى الثلث‏)‏ وهذا استحسان، والقياس أن لا يصدق لأن الإقرار بالمجهول، وإن كان صحيحا لا يحكم به إلا بالبيان، وقوله فصدقوه مخالف للشرع لأن المدعي لا يصدق إلا بحجة فتعذر جعله إقرارا مطلقا فلا يعتبر فصار كمن قال كل من ادعى علي شيئا فأعطوه فإنه باطل لكونه مخالفا للشرع إلا أن يقول إن رأى الموصي أن يعطيه فحينئذ يجوز من الثلث وجه الاستحسان أنا نعلم قصده تقديمه على الورثة، وقد أمكن تنفيذ قصده بطريق الوصية، وقد يحتاج إليه من يعلم بأصل الحق عليه دون مقداره فيسعى في تفريغ ذمته فيجعل وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كأنه قال لهم إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ما شاء فهذه معتبرة فكذا هذا فيصدق إلى الثلث قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن‏)‏ ‏(‏أوصى بوصايا‏)‏ أي مع ذلك ‏(‏عزل الثلث لأصحاب الوصايا، والثلثان للورثة، وقيل لكل صدقوه فيما شئتم وما بقي من الثلث فللوصايا‏)‏ أي لأصحاب الوصايا لا يشاركهم فيه صاحب الدين، وإنما عزل الثلث والثلثان لأن الوصايا حقوق معلومة في الثلث، والميراث معلوم في الثلثين، وهذا ليس بدين معلوم ولا وصية معلومة فلا يزاحم المعلوم، وقدمنا عزل المعلوم، وفي الإقرار فائدة أخرى، وهي أن أحد الفريقين قد يكون أعرف بمقدار هذا الحق وما يتعلق به، وربما يختلفون في الفضل إذا ادعاه الخصم فإذا أقر فقد علمنا أن في التركة دينا شائعا في جميع التركة فيؤمر أصحاب الوصايا والورثة ببيانه فإذا بينوا شيئا أخذ أصحاب الوصايا بثلث ما أقروا به، والورثة بثلثي ما أقروا به لأن إقرار كل فريق نافذ في حق نفسه فتلزمه بحصته، وإن ادعى المقر له أكثر من ذلك حلف كل فريق على نفي العلم لأنه تحليف على فعل الغير‏.‏ قال الشارح قال العبد الضعيف الراجي عفو ربه الكريم‏:‏ هذا مشكل من حيث إن الورثة كانوا يصدقونه إلى الثلث ولا يلزمهم أن يصدقوه في أكثر من الثلث لأن أصحاب الوصايا أخذوا الثلث على تقدير أن تكون الوصايا تستغرق الثلث كله، ولم يبق في أيديهم من الثلث شيء فوجب أن لا يلزمهم تصديقه قال صاحب العناية حاصله أنه تصرف يشبه الإقرار لفظا، ويشبه الوصية تنفيذا فباعتبار شبه الوصية لا يصدق في الزيادة على الثلث، وباعتبار شبه الإقرار يجعل شائعا في الأثلاث ولا يخصص بالثلث الذي لأصحاب الوصايا عملا بالشبهين، وقد سبقه تاج الشريعة إلى بيان حاصل هذا المقام بهذا الوجه أقول‏:‏ فيه كلام، وهو أن العمل بمجموع الشبهين إن كان أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا كما هو الظاهر المعروف فما بالهم لم يعملوا بشبه الإقرار في هذا التصرف إذا لم يوص بوصايا غير ذلك كما تقدم بل جعلوه وصية جعل التقدير فيها إلى الموصى له كما إذا قال إذا جاءكم فلان وادعى شيئا فأعطوه من مالي ولم يعتبر، وأشبه الإقرار قط حيث لم يجعلوا له حكما أصلا في تلك الصورة، وإن لم يكن ذلك أمرا واجبا فكيف يصلح ذلك تعليلا لجواب هذه المسألة في هذه الصورة، واعترض عليه بعض الفضلاء بوجه آخر حيث قال فيه بحثا فإنه لا يؤخذ بقوله في هذه الصورة لا في الثلث ولا في أقل منه بل يؤخذ بقول الورثة وأصحاب الوصايا فتأمل ا هـ‏.‏ وقصد بعض المتأخرين أن يجيب عنه فقال في الحاشية بعد نقل ذلك قلت بعد تسليم ذلك إن عدم التصديق في الزيادة على الثلث لا يوجب التصديق في الثلث فالمعنى لا يصدق في صورة دعوى الزيادة بل يؤخذ بقولهم فلا اعتبار فتأمل ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولأجنبي ووارثه له نصف الوصية، وبطل وصيته للوارث‏)‏ أي إذا أوصى لأجنبي ووارثه كان للأجنبي نصف الوصية، وبطلت للوارث لأنه أوصى بما يملك وبما لا يملك فصح فيما يملك، وبطل في الآخر بخلاف ما إذا أوصى لحي وميت حيث يكون الكل للحي لأن الميت ليس بأهل للوصية فلا تصح، وبخلاف الوارث فإنه من أهلها، ولهذا تصح بإجازة الورثة فافترقا، وعلى هذا إذا أوصى للقاتل والأجنبي وهذا بخلاف ما إذا أقر بعين أو دين لوارثه، ولأجنبي حيث لا تصح في حق الأجنبي أيضا لأن الوصية إنشاء تصرف، وهو تمليك مبتدأ لهما، والشركة تثبت حكما للتمليك فتصح في حق من يستحقه دون الآخر لأن بطلان التمليك لأحدهما لا يوجب بطلان التمليك من الآخر أما الإقرار بها إخبارا عن كائن، وقد أخبر بوصف الشركة في الماضي ولا وجه إلى إثباته بدون هذا الوصف لأنه خلاف ما أخبر به ولا إلى إثبات هذا الوصف لأنه يصير الوارث فيه شريكا، ولأنه لو قبض الأجنبي شيئا كان للوارث أن يشاركه فيه فيبطل في ذلك القدر فلا يكون مفيدا قال في النهاية قال التمرتاشي‏:‏ هذا إذا تصادقا أما إذا أنكر الأجنبي شركة الوارث أو أنكر الوارث شركة الأجنبي فإنه يصح إقراره في صحة الأجنبي عند محمد لأن الوارث مقر ببطلان حقه، وبطلان حق شريكه فيبطل في حقه ولا يبطل في حق الآخر‏.‏ وعندهما يبطل في الكل لأن حق الوارث لم يتميز عن حق الأجنبي، وإنما أوجبه مشتركا بينهما كما بينا، وفي المبسوط مسائله على فصول أحدها في الوصية لأجنبي ولوارثه، والثاني في الوصية للأجنبي مع أحد الزوجين، والثالث في الوصية للأجنبي وللقاتل، والرابع في الوصية بالبيع من الوارث أو من الأجنبي رجل أوصى لأجنبي، ولوارثه فللأجنبي نصف الوصية لأن الإيصاء ابتداء إيجاب، وقد أضيف إلى ما يملكه، وإلى ما لا يملكه فيصح فيما يملكه، ويبطل فيما لا يملكه، ولم يبطل هذا ببطلان الآخر لأن الشركة بينهما في حكم الإيجاب، وببطلان بعض الحكم لا يبطل الإيجاب بخلاف ما لو أقر المريض لأجنبي، ولوارثه في كلام واحد حيث يبطل الكل عند أبي حنيفة وأبي يوسف لأن الاشتراك هناك يخبر عنه لأن الإقرار إخبار عن كائن سابق، والخبر بناء على المخبر به فكان المخبر به بمنزلة العلة، والخبر بمنزلة الحكم للعلة فإذا لم يثبت المخبر عنه، وهو الاشتراك لم يثبت حكمه، وهو الخبر أصله أن الوارث إذا كان بحال لا يجوز جميع الميراث فالوصية بمقدار الثلث للأجنبي مقدمة في التنفيذ في حق هذا الوارث، وفيما زاد على الثلث مؤخرة فإن الوصية بالثلث تقع نافذة من غير إجازة فكانت وصية قوية مستحكمة فتكون في التنفيذ مقدمة‏.‏ والوصية بما زاد على الثلث واهية ضعيفة لأنها لا تجوز إلا بالإجازة لتعلق حق الورثة به فكانت مؤخرة عن حق الورثة لأن حقهم متأكد فإذا وصل إلى الوارث حقه صار كمن لا وارث له فتنفذ وصيته فيه، والثاني أن من لا وارث له تصح وصيته بجميع المال الموجود المطلق، وهي مالكيته، وأهليته امرأة ماتت عن زوج، وأوصت بنصف مالها لأجنبي جاز، وللزوج الثلث، وهو نصف الثلثين، وللموصى له النصف يبقى سدس لبيت المال لأن وصية الأجنبي بقدر الثلث وصية مؤكدة فكانت في التنفيذ مقدمة فصار الثلث مستحقا بالوصية فيبطل الإرث فيه فيبقى تركتها ثلثي المال فللزوج نصف ذلك، وهو ثلث الكل يبقى ثلث آخر، وليس له مستحق بالميراث فتنفذ فيه الوصية في ثلثه، وذلك سدس فوصل إلى الموصى له نصف المال، وبقي سدس لا وصية ولا وارث فيه فيصرف إلى بيت المال، وكذلك لو مات الرجل عن امرأته، وأوصى بماله كله لأجنبي، ولم تجز الوصية فللمرأة السدس وخمسة أسداسه للموصى له لأن الثلث صار مستحقا بالوصية بقيت التركة بثلثي المال فللمرأة ربع ذلك، والباقي للموصى له لأن الوصية مقدمة على بيت المال، ولو ماتت عن زوج، وأوصت لقاتلها بالنصف يأخذ الزوج النصف أولا، وللقاتل النصف الآخر، وهي وصية ضعيفة لأنه بمنزلة الوارث فيقدم الميراث عليها فيستحق الزوج أولا نصف المال بالإرث، والنصف الباقي فارغ عن حق الورثة فتنفذ الوصية فيه للقاتل‏.‏ كما تنفذ الوصية للقاتل في تركة من لا وارث له، ولو تركت عبدين قيمتهما سواء، وأوصت بأحدهما لزوجها فله العبدان بالإرث والوصية لأنه مستحق لما فضل عن فرضه فيكون عاريا عن حق الغير فصحت الوصية لفقد المانع أصله أن الوصية للوارث بالثلث بمنزلة الوصية للأجنبي بما زاد على الثلث حتى لا تنفذ كل واحدة منهما إلا بإجازة الورثة لأنها صادفت محلا تعلق به حق بعض الورثة فيتوقف على إجازتهم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبثياب متفاوتة لثلاثة فضاع ثوب، ولم يدر أي والوارث يقول لكل هلك حقك بطلت‏)‏ أي إذا أوصى بثلاثة ثياب متفاوتة، وهي جيد ووسط ورديء لثلاثة أنفار لكل واحد منهم بثوب فضاع منها ثوب ولا يدري أيهم، والوارث يجحد ذلك بأن يقول لكل واحد منهم هلك حقك أو حق أحدكم ولا يدري من هو الهالك فلا أدفع إليكم شيئا بطلت الوصية لأن المستحق مجهول، وجهالته تمنع صحة القضاء، وتحصيل غرض الموصي فيبطل كما إذا أوصى لأحد الرجلين، وقول المؤلف والوارث يقول إلى آخره، ومعنى جحودهم أن يقول الوارث لكل واحد منهما الثوب الذي هو حقك قد هلك أقول‏:‏ في ظاهر تعبير المؤلف هاهنا فساد لأن هلاك كل واحد منهم إنما يتصور فيما إذا ضاعت الأثواب الثلاثة معا، والغرض في وضع المسألة أن ضياع ثوب واحد منها غير معلوم بخصوصه فكيف يصح أن يقول الوارث لكل واحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك فإنه كذب ظاهر لا ينبغي أن يسمع أصلا فضلا عن أن يترتب عليه حكم شرعي‏.‏ بل قوله لواحد منهم الثوب الذي هو حقك قد هلك يقتضي الاعتراف بكون الثوبين الباقيين لصاحبه، والأولى في التعبير ما ذكر في الجامع الصغير سيما للصدر الشهيد والإمام قاضي خان، وهو أن المراد بجحود الوارث أن يقول حق واحد منكم بطل ولا ندري من بطل حقه، ومن بقي حقه فلا نسلم إليكم شيئا، والذي يمكن في توجيه كلام المصنف أن يكون مراده معنى جحوده أن يقول الوارث لكل واحد بعينه الثوب الذي قد هلك يحتمل أن يكون حقك فكأنه سامح في العبارة بناء على ظهور المراد، ووافقه صاحب الكافي في هذه العبارة مع ظهور كمالها قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏إلا أن يسلموا ما بقي‏)‏ أي إلا أن يسلم الورثة ما بقي من الثياب فحينئذ تصح الوصية لأنها كانت صحيحة في الأصل، وإنما بطلت بجهالة طارئة مانعة من التسليم فإذا سلموا الباقي زال المانع فعادت صحيحة كما كانت فتقسم بينهم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فلذي الجيد ثلثاه ولذي الرديء ثلثاه، ولذي الوسط ثلث كل‏)‏ أي لصاحب الجيد ثلثا الثوب الجيد، ولصاحب الرديء يعطى ثلثا الثوب الرديء، ولصاحب الوسط ثلث كل واحد منهما فيصيب كل واحد منهم ثلثا ثوب لأن الاثنين إذا قسما على ثلاثة أصاب كل واحد منهما الثلثان، وإنما أعطي لصاحب الوسط ثلث كل واحد منهم، وللآخرين الثلثين من ثوب واحد لأن صاحب الجيد لا حق له في الرديء بيقين لأنه إنما يكون هو الرديء أو الوسط ولا حق له فيهما‏.‏ واحتمل أن يكون حقه في الرديء بأن كان الهالك هو الجيد أو الوسط، واحتمل أن لا يكون له فيه حق بأن يكون الهالك أجود، ويحتمل أن يكون في الرديء بأن يكون الهالك أردأ، ويحتمل أن يكون له فيهما حق بأن كان الهالك هو الوسط فإذا كان كذلك أعطى كل واحد منهم حقه من محل يحتمل أن يكون هو له لأن التسوية بإبطال حق كل واحد منهم إليه، وهم في احتمال بقاء حقه وبطلانه سواء، وفيما قلنا إيصال حق كل واحد منهم بقدر الإمكان، وتحصيل غرض الموصي من التفضيل فكان متعينا، وفي العيون إذا أوصى لرجل بثياب جيدة فله ما يلبس من الجباب والقمص والأردية والطيلسان والسراويلات والأكسية ولا يكون له شيء من القلانس والخفاف والجوارب، وفي الخانية فإن ذلك ليس من الثياب، وفي فتاوى الفضلي قال بالفارسية حامه من هروشيد وبدر ويشان وهيد فهذا في عرفنا يقع على جميع ثياب بدنه إلا الخف فإنه يبعد أن يراد بهذا اللفظ في عرفنا الخف، ويدخل في الوصية بالثوب الديباج وغيره مما يلبس عادة من كساء أو فرو هكذا ذكر في السير ولا يدخل فيه البساط والستر، وكذا العمامة، والقلنسوة لا تدخل ذكره في السير، وقد قيل إذا كانت العمامة طويلة يجيء منها ثوب كامل تدخل تحت الوصية، وفي فتاوى أهل سمرقند إذا أوصى بمتاع بدنه يدخل تحت الوصية القلنسوة، والخف، واللحاف، والدثار، والفراش لأنه يصون بهذه الأشياء بدنه عن الحر، والبرد، والأذى‏.‏ وفي السير أن اسم المتاع في العادة يقع على ما يلبسه الناس، ويبسط، وعلى هذا يدخل في الوصية بالمتاع الثياب والفراش والقمص، والستر هل يدخل فيها أو لا‏؟‏ فقد اختلف المشايخ أشار محمد في السير إلى أنه يدخل، وإذا أوصى لرجل بفرس بسلاحه سئل أبو يوسف أهو على سلاح الرجل أو على سلاح الفرس قال على سلاح الرجل قال البقالي في فتاويه وأدنى ما يكون من السلاح سيف وترس ورمح وقرص، ولو أوصى له بذهب أو فضة، وللموصي سيف محلى بذهب أو فضة كانت الحلية له، وبعد هذا ينظر إن لم يكن في نزع الحلية ضرر فاحش ينزع الحلية من السيف، وتعطى للموصى له، وإن كان في نزعها ضرر فاحش ينظر إلى قيمة الحلية، وإلى قيمة السيف فإن كانت قيمة السيف أكثر تخير الورثة إن شاءوا أعطوا الموصى له قيمة الحلية مصوغا من خلاف جنسها، وصار السيف مع الحلية لهم، وإن كانت قيمة الحلية أكثر يخير الموصى له إن شاء أعطى، وأخذ السيف، وإن شاء أخذ القيمة‏.‏ وإن كانت قيمتهما على السواء كان الخيار للورثة، ولو أوصى لرجل بفرو، وللموصي جبة بطانتها ثوب فرو وظهارتها ثوب فرو كان للموصى له الثوب، والآخر للورثة، ولو أوصى بجبة حرير، وله جبة، وبطانتها حرير دخلت تحت الوصية إن كانت الظهارة حريرا والبطانة حريرا كذلك الجواب، وإن كانت البطانة حريرا فلا شيء له، ولو أوصى له بحلي يدخل كل ما يطلق عليه اسم الحلي سواء كان مفصصا بزمرد وياقوت أو لم يكن‏.‏ ويكون جميع ذلك للموصى له، ولو أوصى له بذهب، وله ثوب ديباج منسوج من ذهب فإن كان الذهب مثل الثوب مثل الغزل فليس له شيء إن كان الذهب فيه شيء جرى كان ذلك للموصى له وما وراء ذلك للورثة فيباع الثوب، ويقسم الثمن على قيمة الذهب وما سواه فما أصاب الذهب فهو للموصى له، ولو أوصى له بحلي دخل تحتها الخاتم من الذهب، وهل يدخل تحتها الخاتم من الفضة فإن كان من الخواتم التي تستعملها الرجال دون النساء لا يدخل، وهل يدخل فيه اللؤلؤ والياقوت والزبرجد فإن كان مركبا في شيء من الذهب والفضة يدخل بالاتفاق، وإن لم يكن مركبا فعلى قول أبي حنيفة لا يدخل لأنه ليس بحلي، وعلى قولهما يدخل أصل المسألة إذا حلفت المرأة لا تلبس حليا، ولبست عقد اللؤلؤ لا يخالطه ذهب ولا فضة لا تحنث في يمينها عند أبي حنيفة، وعندهما تحنث، ولو لبست عقد لؤلؤ مركب من ذهب وفضة تحنث في يمينها بالإجماع، ولو أوصى له بحديد، وله سرج ركاباه من حديد نزع الركابان، وأعطيا للموصى له، والباقي للورثة، وفي المنتقى إذا أعتق عبدا له، وقال كسوته له فله خفاه وقلنسوته وقميصه وسراويله وإزاره ولا يدخل فيه منطقته ولا سيفه، وإن قال له متاعه دخل السيف، والمنطقة أيضا، وهي وصية عبد الله بن المبارك لغلامه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وببيت عين من دار مشتركة، وقسم، ووقع في حظه فهو للموصى له، وإلا مثل ذرعه‏)‏ معناه إذا كانت الدار مشتركة بين اثنين فأوصى أحدهما ببيت بعينه لرجل فإن الدار تقسم فإن وقع البيت في نصيب الموصي فهو للموصى له، وإن وقع في نصيب الآخر فللموصى له مثل ذرع البيت، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله تعالى، وقال محمد رحمه الله له نصف البيت إن وقع في نصيب الموصي، وإن وقع في نصيب الآخر كان له مثل ذرع نصف البيت لأنه أوصى بملكه، وبملك غيره لأن الدار كلها مشتركة فتنفذ في ملكه، ويتوقف الباقي على إجازة صاحبه ثم إذا ملكه بعد ذلك فالقسمة التي هي مبادلة لا تنفذ الوصية السابقة كما إذا أوصى بملك الغير ثم اشتراه ثم أصابه بالقسمة عين البيت كان للموصى له نصفه لأنه عين ما أوصى به، وإن وقع في نصيب صاحبه كان مثل نصف البيت لأنه يجب تنفيذها في البدل عند تعذر تنفيذها في عين الموصى به كالجارية الموصى بها إذا قتلت تنفذ الوصية في بدلها بخلاف ما إذا بيع العبد الموصى به حيث لا تتعلق الوصية بثمنه لأن الوصية تبطل بالإقدام على البيع على ما بينا في مسائل الرجوع عن الوصية ولا تبطل بالقسمة، ولهما أنه إذا أوصى بما يستقر ملكه فيه بالقسمة لأنه يقصد الإيصاء بما يمكن الانتفاع به على الكمال ظاهرا، وذلك يكون بالقسمة لأن الانتفاع بالمشاع قاصر، وقد استقر ملكه في جميع البيت إذا وقع في نصيبه فتنفذ الوصية فيه، ومعنى المبادلة في القسمة تابع‏.‏ وإنما المقصود الإقرار تكميلا للمنفعة، ولهذا يجبر على القسمة فيه قال صاحب النهاية في بحث، وهو أنه قال في كتاب القسمة، والإقرار هو الظاهر في المكيلات، والموزونات، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض وما نحن فيه من العروض فكيف كانت المبادلة فيه تابعة، وأجيب بأنه قال هناك بعد قوله ومعنى المبادلة هو الظاهر في العروض إلا أنها إذا كانت من جنس واحد أجبر القاضي على القسمة عند طلب أحد الشركاء وما نحن فيه كذلك فكان معنى المبادلة فيه تابعا كما ذكر هاهنا لأن الجبر لا يجري في المبادلة، ويكون معنى قوله هناك، ومعنى المبادلة هو الظاهر في الحيوانات والعروض إذا لم تكن من جنس واحد، وإلى هذا أشار بقوله وإنما الإقرار تكميلا ولا تبطل الوصية إذا وقع البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة لبطلت كما لو باع الموصى به فعلى اعتبار الإقرار صار كأن البيت كله في نصيب شريكه، ولو كانت مبادلة كله ملكه من الابتداء، وإذا وقع في نصيب الآخر تنفذ في قدر ذرعان البيت جميعه من الذي وقع في نصيب الموصي لأنه عوضه، ومراد الموصي من ذكر البيت تقديره به غير أنا نقول يتعين البيت إذا وقع البيت في نصيبه جمعا بين الجهتين التقدير والتمليك، وإذا وقع في نصيب الآخر عملنا بالتقدير أو نقول أنه أراد التقدير على اعتبار وقوع البيت في نصيب شريكه، وأراد التمليك على اعتبار وقوعه في نصيبه ولا يبعد أن يكون لكلام واحد جهتان باعتبارين ألا ترى أن لكلام واحد جهتين فيمن علق بأول ولد تلده أمته طلاق امرأته وعتق ذلك الولد فيتقيد في حق العتق بالولد الحي لا في حق الطلاق ثم إذا وقع البيت في نصيب غير الموصي‏.‏ والدار مائة ذراع، والبيت عشرة أذرع يقسم نصيب الموصي بين الموصى له والورثة على عشرة أسهم عند محمد تسعة للورثة، وسهم للموصى له فيضرب الموصى له بنصف البيت، وهو خمسة أذرع، وهم بنصف الدار إلا نصف البيت الذي صار له، وهم خمسة وأربعون ذراعا، ونصيب البيت من الدار خمسون ذراعا فيجعل كل خمسة منها سهما فصار عشرة أسهم، وعندهما تقسم على خمسة أسهم لأن الموصى له يضرب بجميع البيت، وهو عشرة أذرع، وهم بنصف كله إلا البيت الموصى به، وهو أربعون ذراعا فيجعل كل عشرة أذرع سهما فصار المجموع خمسة أسهم سهم للموصى له وأربعة لهم قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والإقرار مثلها‏)‏ أي الإقرار ببيت معين من دار مشتركة مثل الوصية به حيث يؤمر بتسليم كله إن وقع البيت في نصيب المقر عندهما، وإن وقع في نصيب الآخر يؤمر بتسليم مثله، وعند محمد يؤمر بتسليم النصف أو قدر النصف، وقيل محمد معهما في الإقرار، والفرق له على هذه الرواية أن الإقرار بملك الغير صحيح حتى أن من أقر بملك الغير لغيره ثم تملكه يؤمر بالتسليم إلى المقر له والوصية بملك الغير لا تصح حتى لو ملكت بوجه من الوجوه ثم مات لا تنفذ فيه الوصية قال في الأصل الإقرار بالوصية من الوارث، والشهادة عليها، وإقرار الوارث بالدين الوديعة والشركة قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان وشهدت الشهود أنه أوصى بالثلث لآخر كان الثلث كله للمشهود له ولا يكون للذي أقر له الوارث من الثلث شيء ولا يضمن الوارث للمقر له شيئا إذا هلك المال في يده قبل الدفع أو دفع إلى المشهود له بقضاء قاض أو بغير قضاء قال وإذا أقر الوارث أن أباه أوصى بالثلث لفلان ثم قال بعد ذلك بل أوصى به لفلان أو قال أوصى به لفلان لا بل لفلان فإنه يكون للأول في الوجهين جميعا ولا يضمن الوارث شيئا للثاني إذا هلكت التركة في يده قبل الدفع للأول بقضاء، وإن دفع للأول بغير قضاء قاض صار ضامنا للثاني ثم إن محمدا فرق بين هذا وبين الإقرار الوديعة قال إذا أقر الرجل أن هذا العبد وديعة لفلان ثم قال لا بل لفلان، ودفع العبد إلى الأول بقضاء قاض أو بغير قضاء فإنه يضمن للثاني قيمة العبد في الحالين، ومنها لو دفع الوارث الثلث إلى الأول بقضاء قاض فإنه لا يضمن للثاني عندهم جميعا، وهذا الذي ذكرنا كله إذا كان الإقرار للثاني منفصلا عن الأول فأما إذا كان متصلا كان الثلث بينهما نصفين، ونظير هذا الإقرار الوديعة لو أقر أن هذا العبد عنده وديعة لفلان، وفلان أو قال وديعة عنده لفلان آخر متصلا كان العبد بينهما نصفين كأنه قال هذا العبد وديعة عندي لفلان ثم قال لا بل لفلان فإن العبد كله للأول فكذا هذا قال وإذا أقر الوارث بوصية ألف درهم بعينها ثم أقر ذلك بعد بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول‏.‏ وكان الجواب فيه كالجواب فيما إذا أقر بالثلث لآخر ثم رفع ذلك إلى القاضي فإنه يدفع الألف إلى الأول ثم إذا أقر بعد ذلك للثاني فإن الثلث كله يدفع للأول ولا يكون للثاني فيه شيء كذلك هذا الجواب فيما لو أقر بوصية بغير عينها‏.‏ والجواب فيما لو أقر بألف بعينها لأن الوصايا تنفذ من الثلث فصار الثلث كله مستحقا للأول بالإقرار الأول، وكان الجواب فيما لو أقر بألف قال محمد في الجامع في الرجل يموت ويترك وارثين، وألفي درهم فيأخذ كل واحد منهما ألفا فغاب أحدهما وأقر الحاضر لرجل أن الميت أوصى له بثلث أخذ المقر له من الحاضر ثلث ما في يده فرق بين هذا وبين ما إذا أقر الحاضر بدين له فإنه يأخذ كل ذلك من نصيبه، وإن أقر أحدهما بوديعة بعينها، وذلك في نصيبه، وكذبه الآخر فإنه يؤخذ ذلك كله من المقر، وإن أقر بوديعة مجهولة يستوفي الكل من نصيبه، ولو أقر أحدهما بشركة بينه وبين الآخر، وكذبه الآخر صح في نصيبه، ويقسم ما في يده بين المقر والمقر له ولا يأخذ المقر له من الجاحد شيئا لأن إقرار كل مقر يصح في حقه ولا يصح في حق غيره، ونظير هذا ما قالوا في رجل مات وترك بنتين، وأقرت إحدى البنتين بأخ مجهول، وكذبتها البنت الأخرى فإن الأخ المقر له يأخذ من نصيب البنت المقرة، وفي الكافي ابنان اقتسما تركة الأب ألفا ثم أقر أحدهما لرجل أن الأب أوصى له بثلث ماله فالمقر يعطيه ثلث ما في يده استحسانا‏.‏ وقال زفر يعطيه نصف ما في يده قياسا، ولو كان البنون ثلاثة، والتركة ثلاثة آلاف فاقتسموها فجاء رجل وادعى أن الميت أوصى له بثلث ماله، وصدقه واحد منهم فإنه يعطيه عند زفر ثلاثة أخماس ما في يده، وعندنا يعطيه ثلث ما في يده‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبألف عين من مال آخر فأجاز رب المال بعد موت الموصي، ودفعه صح، وله المنع بعد الإجازة‏)‏ أي إذا أوصى لرجل بألف درهم بعينها من مال غيره فأجاز صاحب المال بعد موت الموصي، ودفع إليه جاز، وله الامتناع من التسليم بعد الإجازة لأنه تبرع بمال الغير فيتوقف على إجازة صاحبه فإن أجاز كان منه هذا ابتداء تبرع فله أن يمتنع من التسليم كسائر التبرعات بخلاف ما إذا أوصى بالزيادة على الثلث أو للقاتل أو للوارث فأجازتها الورثة حيث لا يكون لهم أن يمنعوا من التسليم لأن الوصية في نفسها صحيحة لمصادفتها ملكه، وإنما امتنع لحق الورثة فإذا أجازوها سقط حقهم فتنفذ من جهة الموصي على ما بيناه من قبل كذا ذكر الشارح‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وصح إقرار أحد الابنين بعد القسمة بوصية أبيه في ثلث نصيبه‏)‏ معناه إذا قسم الابنان تركة أبيهما، وهي ألف درهم مثلا ثم أقر أحدهما لرجل أن أباه أوصى له بثلث ماله فإن المقر يعطيه ثلث ما في يده، وهذا استحسان، والقياس يعطيه نصف ما في يده‏.‏ وهو قول زفر لأن إقراره بالثلث له تضمن إقراره بمساواته إياه، والتسوية في إعطاء النصف ليبقى له النصف فصار كما إذا أقر أحدهما بأخ ثالث لهما، وهذا لأن ما أخذه المنكر كالهالك فيهلك عليهما وجه الاستحسان أنه أقر له بثلث شائع في جميع التركة، وهي في أيديهما فيكون مقرا له بثلث ما في يده وبثلث ما في يد أخيه فيقبل إقراره في حق نفسه ولا يقبل في حق أخيه لعدم الولاية عليه فيعطيه ثلث ما في يده، ولأنه لو أخذ منه نصف ما في يده أدى إلى محظور، وهو أن الابن الآخر ربما يقر به فيأخذ نصف ما في يده فيأخذ نصف التركة فيزداد نصيبه على الثلث، وهو خلف، وقيدنا بالوصية ليحترز عن الدين قال بخلاف ما إذا أقر أحدهما بالدين على أبيهما حيث يأخذ صاحب الدين المقر له جميع ما في يد المقر حتى يستوفي دينه ولا شيء للمقر إن لم يفضل منه شيء لأن الدين مقدم على الميراث فيكون مقرا بتقدمه عليه فيقدم عليه ولا كذلك الوصية لأن الموصى له شريك للورثة فلا يأخذ شيئا إلا إذا سلم للوارث ضعف ذلك ولا نسلم أنه أقر له بالمساواة بل أقر له بثلث التركة، وإنما حصلت المساواة باتفاق الحال، ولهذا لو لم يكن له أخ فأقر له بالوصية لا يزيد حقه على الثلث، ولو كان مقرا له بالمساواة لمساواة حالة الانفراد أيضا بخلاف ما إذا أقر بأخ ثالث، وكذبه أخوه حيث يكون ما في يد المقر بينهما نصفين لأنه أقر له بالمساواة فيساويه مطلقا‏.‏ ولهذا لو كان وحده أيضا ساواه فيكون ما أخذه المنكر هالكا عليهما ا هـ‏.‏ كلام الشارح‏.‏ وهذا حيث لا بينة، وأما إذا كان إقرار وبينة قال في المبسوط أقر أن فلانا أوصى لفلان بالثلث، وقامت البينة لآخر يدفع إليه ولا يضمن الوارث شيئا لأن الشهادة حجة على الكافة، والإقرار حجة قاصرة على المقر، وليس بحجة في حق المشهود له فثبتت وصية المشهود له في حق المقر له، ولم تثبت وصية المقر له في حق المشهود له فيكون هو أولى باستحقاق الثلث من المقر له كما لو أقر ذو اليد بالدار لرجل، وأقام الآخر البينة على أنها ملكه يقضى بها للمشهود له فكذا هذا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبأمة فولدت بعد موته، وخرجا من ثلثه فهما له، وإلا أخذ منها ثم منه‏)‏ أي إذا أوصى لرجل بجارية فولدت بعد موت الموصي ولدا، وكلاهما يخرجان من جميع الثلث فهما للموصى له لأن الأم دخلت في الوصية أصالة، والولد تابع حين كان متصلا بها، وعبارته صادقة بما إذا ولدت قبل القبول والقسمة فلو قال فولدت بعدهما إلى آخره لكان أولى لأنها إذا ولدت قبل القسمة، والتركة مبقاة على ملك الميت قبلها حتى يقضى منها ديونه، وتنفذ وصاياه دخل ولدها في الوصية فيكونان للموصى له، وإن لم يخرجا من الثلث ضرب الموصى له بالثلث، وأخذ ما يخصه من الأم أولا فإن فضل شيء أخذه من الولد، وهذا عند أبي حنيفة، وعندهما يعطي له الثلث منهما بالحصص قال الشارح وعبارة المؤلف صادقة بما إذا حدثت قبل القبول أو بعده‏.‏ قال في المبسوط أصله أن التركة قبل القسمة مبقاة على حكم الميت حتى أن الزيادة الحادثة قبل القسمة تعد من مال الميت حتى يقضى دينه، وتنفذ وصاياه لأن الموصى له والورثة تتملك والوصية من جهة الميت فيعتبر بما لو ملك المال من غيره بالبيع أو بالنكاح، والزوائد الحادثة من المبيع والمهر قبل القبض حادثة على ملك المالك حتى يصير لها حصة من الثمن بالقبض لأن ما يملك يكون مبقى على ملك المملك فكذا هذا، وظاهر قوله قبل القسمة أنها بعد القسمة ليست بمبقاة فتكون الزوائد للموصى له ثم السائل على فصلين أحدهما في الزيادة، والثاني في النقصان، والزيادة الحادثة من الموصى به كالولد والغلة والكسب والأرش بعد موت الموصي قبل قبول الموصى له الوصية يصير موصى بها حتى تعتبر من الثلث لأنها حدثت بعد انعقاد سبب الملك للموصى له في الأصل فإذا حدثت بسبب الملك فيه إلى وقت الموت تدخل تحت الوصية كالمبيعة إذا ولدت في مدة الخيار، واختار من له الخيار البيع فتصير الزيادة مبيعة حتى تصير لها حصة من الثمن فأما إذا حدثت قبل الموصى له قبل القسمة هل يصير موصى بها لم يذكره محمد، وذكر القدوري أنه لا يصير موصى بها حتى كانت للموصى له من جميع المال كما لو حدثت بعد القسمة لأن الزيادة حدثت بعد ملك الموصى له، وبعد تأكد ملكه لأنه ملك الرقبة وتصرف فيه جميعا فصار كالزيادة الحادثة من المبيعة بعد القبض‏.‏ وقال مشايخنا يصير موصى بها حتى يعتبر خروجها من الثلث لأنها حدثت بعد الملك قبل تأكد الملك في الأصل لأن ملكه لم يتأكد، ولم يتقرر بعد لأنه لو هلك ثلث التركة وصارت الحادثة بحيث لا تخرج من ثلث ماله تكون من الحادثة بقدر ثلث الباقي فصار كالزيادة الممهورة الحادثة قبل القبض تصير مهرا حتى تسقط بالطلاق قبل الدخول، وقد ملكت الرقبة والتصرف جميعا لأن ملكها غير متأكد قبل القبض حتى لو هلك هلك على الزوج لا عليها ثم ألحق الكسب بالولد في الوصية، وفي البيع لم يلحقه بالولد لأن الكسب بدل المنفعة، والمنفعة يجوز أن تملك بالوصية مقصودا فكذلك بدلها أيضا بخلاف البيع فلم يمكن أن يجعل الكسب مبيعا مقصودا بحكم الوارد بالبيع لأن القبض يرد عليه مقصودا لهما أن الزيادة متى حدثت قبل القبض تصير موصى بها حكما ولأبي حنيفة أن الحادث قبل القبض صار مقصودا لكنه تبعا لا أصلا، وهذا البيان أنها كانت باقية على ملك الميت فلو تصرف فيه الوارث صح قال فيه أيضا رجل له أمة قيمتها ثلاثمائة درهم ولا مال له غيرها فأوصى بها لرجل ثم مات فباعها الوارث بغير محضر من الموصى له فولدت في يد المشتري ولدا قيمته ثلثمائة درهم ثم جاء الموصى له فلم يجز الموصى له البيع سلم للمشتري ثلثي الجارية وثلثي الولد، وللموصى له ثلث الجارية وثلث الولد لأن الجارية مشتركة بين الورثة وبين الموصى له، وبيع أحد الشريكين لا ينفذ إلا في نصيبه فنفذ البيع في حصة الورثة، وهو ثلث الجارية، ولم ينفذ في حصة الموصى له‏.‏ وهو ثلثها فسلم له ثلث الجارية، والزيادة حدثت بعد نفاذ التصرف الذي حكم القسمة، والقبض فيكون ثلثا الولد بعد نفاذ البيع نفذ على ملك المشتري فلا يعد من مال الميت وثلثه حدث على ملك الميت فيكون ذلك من مال الميت فصار مال الميت يوم القسمة ثلثي الجارية قيمتها مائتا درهم، ولو كانت ازدادت في مدتها فصارت قيمتها ستمائة فثلثاها سالم للمشتري وثلثها للموصى له وثلث ثلثها للورثة لأن مال الميت أربعمائة لأن البيع نافذ في ثلثي الجارية فحدثت ثلثا الزيادة على ملك المشتري فبقي مال الميت قيمتها ثلاثمائة وثلث الزيادة قيمته مائة فصار مال الميت قيمته أربعمائة فيكون ثلثها للموصى له، وذلك مائة وثلاثة وثلاثون وثلث، وثلثمائة من أصل الجارية وثلاثة وثلاثون من الزيادة لأن قيمة ثلثي الجارية مائتان فيكون ثلثها مائة وثلاثة وثلاثين وثلث ثلثها للورثة ستة وثلاثون وثلث، ولو أن الجارية نقصت حتى صارت تساوي مائة أخذ الموصى له ثلثها، ويرجع على الورثة من قيمتها بأربعة وأربعين وأربعة أتساع درهم تمام ثلث المال لأن الجارية مشتركة بين المشتري والموصى له ثلثاها للمشتري وثلثها للموصى له فما ضاع ضاع على الحصتين وما بقي بقي على الحصتين فللموصى له ثلث الجارية قيمته ثلاثة وثلاثون وثلث لأن المال، وحق الموصى له يعتبر يوم القسمة‏.‏ وقد انتقص من قيمة الجارية ثلثاها فذهب ثلثا حقه، وقيمتها في حق الورثة تعتبر يوم البيع لأنه استهلكها الوارث بالبيع فتعتبر قيمتها يوم الاستهلاك، ويوم البيع كانت قيمة ثلثي الجارية مائتي درهم فصار مال الميت مائتين وثلاثة وثلاثين وثلثا فللموصى له ثلث ذلك، وهو سبعة وسبعون وسبعة أتساع درهم قبل الورثة، ولم يجعل للموصي أن ينقض البيع فيما بقي من حقه لأنه يؤدي إلى الدور لأن ما نقص فيه كأنه لم يبعه الورثة، وإذا هلك شيء منه هلك من مال الميت فيحتاج إلى أن ينقص وصيته عن ذلك، وإذا انتقصت بعد البيع بقدر ما انتقصت وصيته فإذا نفذ البيع عاد حق الموصى له، واحتجت إلى النقص فيؤدي إلى ما لا يتناهى، وسهم الدور ساقط فلم يكن حق البعض في الابتداء كي لا يؤدي إلى الدور رجل أوصى لرجل بشاة من غنمه، وقد لحقت الأولاد بالأمهات بعد موته فللورثة أن يعطوه شاة بدون ولدها، وإن قال شاة من غنمي سلموا معها ولدها وما جلب من لبنها، وجزءا من صوفها إن كان قائما وما كان مستهلكا من ذلك فلا يضمونه لأن الوصية تناولت شاة من قطيع معين فتدخل زوائدها تحت الوصية، ولذلك لو أوصى بنخلة، ولم يقل من نخلي هذه يعطونه نخلة دون ثمرتها، وإن قال من نخلي هذه، وقد أثمرت بعد موته تبعها الثمر، هذا إذا أوصى بمعين فلو أوصى بأحدهما قال فيه أيضا‏.‏ ولو أوصى بإحدى هاتين الأمتين فولدت إحداهما أعطاه الورثة أيتهما شاءوا فلو أعطوا التي ولدت تبعها ولدها، ولو قال قد أوصيت بجارية من جواري هؤلاء أو قال بشاة من غنمي هذه فولدت في حياة الموصي فأراد الورثة بعد موته أن يعطوه من الأولاد لم يكن لهم ذلك، وإن أعطوه جارية أو شاة أو نخلة تبعها ثمرها ولا يتبعها أولادها، وثمرتها الحادثة قبل موت الموصي لأنه إنما وجب له ذلك بالوصية بعد الموت، وبعد الموت الإيجاب لا يتناول الزوائد الحادثة قبل الموت فإن هلكت الأمهات إلا واحدة بعد موت الموصي كان حقه في هذه الواحدة، وإن لم يبق شيء من الأمهات دفعوا إليه الأموال‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولابنه الكافر أو الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو أعتق قبل موت الأب ثم مات بطل كالهبة وإقراره‏)‏ أي إذا أوصى لابنه الكافر أو لابنه الرقيق في مرضه فأسلم الابن أو عتق قبل موت الأب ثم مات من ذلك المرض بطلت الوصية له كما تبطل الهبة له، والإقرار له بالدين أما الوصية فلأن المعتبر فيها حالة الموت، وهو وارث فيها فلا تجوز له، والهبة حكمها مثل الوصية لما عرف في موضعه، وأما الإقرار فإن كان الابن كافرا فلا إشكال فيه لأن الإقرار وقع لنفسه، وهو وارث بسبب كان ثابتا عند الإقرار، وهو البنوة فيمتنع لما فيه من تهمة إيثار البعض فكان كالوصية فصار كما إذا كان له ابن، وأقر لأخيه في مرضه ثم مات الابن قبل أبيه، وورثه أخوه المقر له فإن كان الإقرار له يكون باطلا لما ذكرنا كذا هذا‏.‏ بخلاف ما إذا أقر لامرأة في مرضه ثم تزوجها حيث لا يبطل الإقرار لها لأنها صارت وارثة بسبب حادث، والإقرار يلزمه بنفسه، وهي أجنبية حال صدوره فيلزم لعدم المانع من ذلك، ويعتبر من جميع المال بخلاف الوصية لها لأنها إيجاب عند الموت، وهي وارثة فلهذا اتحد الحكم فيهما في الوصية، وافترقا في الإقرار حتى كانت الزوجة قائمة عند الإقرار، وهي غير وارثة فإن كانت نصرانية أو أمة ثم أسلمت قبل موته أو أعتقت لا يصح الإقرار لها لقيام السبب حال صدوره، وإن كان الابن عبدا فإن كان عليه دين لا يصح إقراره لأن الإقرار وقع له، وهو وارث عند الموت فتبطل كالوصية، وإن لم يكن عليه دين صح الإقرار لأنه وقع للمولى إذ العبد لا يملك، وقيل الهبة له جائزة لأنها تمليك في الحال، وهو لا يملك فيقع للمولى، وهو أجنبي فيجوز بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت، وهو وارث عنده فيمتنع، وفي عامة الروايات هي في المرض كالوصية فيه لأنها، وإن كانت منجزة صورة فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق ولا تجوز بما زاد على الثلث، والمكاتب كالحر لأن الإقرار والهبة يقع له، وهو وارث عند الموت فلا يجوز كالوصية كذا ذكر الشارح‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إن تطاول ذلك، ولم يخف منه الموت فهبته من كل المال‏)‏ لأنه إذا تقادم العهد صار من طبعه كالعمى والعرج، وهذا لأن المانع من التصرف مرض الموت، ومرض الموت لا يكون سببا للموت غالبا، وإنما يكون سببا للموت إذا كان بحيث يزداد حالا فحالا إلى أن يكون آخره الموت، وأما إذا استحكم وصار بحيث لا يزداد ولا يخاف منه الموت لا يكون سببا آخره الموت كالعمى ونحوه، ولهذا لا يستقل بالتداوي قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإلا فمن الثلث‏)‏ أي إن لم يتطاول يعتبر تصرفه من الثلث إذا كان صاحب فراش ومات منه في أيامه لأنه من ابتدائه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون من مرض الموت، وإن صار صاحب فراش بعد التطاول فهو كمرض حادث به حتى تعتبر تبرعاته من الثلث كذا ذكر الشارح، والله تعالى أعلم‏.‏