فصل: باب الصلاة في الكعبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الشهيد

إنما بوب له مع أن المقتول ميت بأجله عند أهل السنة لاختصاصه بالفضيلة فكان إفراده كإفراد جبريل مع الملائكة، وهو فعيل بمعنى مفعول؛ لأن الملائكة يشهدون موته إكراما له فكان مشهودا أو؛ لأنه مشهود له بالجنة أو بمعنى فاعل؛ لأنه حي عند الله حاضر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هو من قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما، ولم يجب بقتله دية‏)‏ بيان لشرائطه، قيد بكونه مقتولا؛ لأنه لو مات حتف أنفه أو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا أي في حكم الدنيا وإلا فقد ‏{‏شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للغريق وللحريق والمبطون والغريب بأنهم شهداء» فينالون ثواب الشهداء كذا في البدائع، وفي التجنيس رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل؛ لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة؛ لأنه قصد العدو لا نفسه ا هـ‏.‏ وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا؛ لأن موته مضاف إليهم حتى لو أوطئوا دابتهم مسلما أو نفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا، ولو انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمى مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا خلافا لأبي يوسف؛ لأن فعله يقطع النسبة إليهم، وكذا فعل الدابة دون حامل، وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا؛ لأن ما قصد به القتل فهو تسبيب، وما لا فلا، وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل، وأراد بمن المسلم فإن الكافر ليس بشهيد وأراد بالأثر هنا ما يكون علامة على القتل كالجرح وسيلان الدم من عينيه أو أذنه لا ماء يسيل من أنفه أو ذكره أو دبره، فإن كان يسيل من فيه، فإن ارتقى من الجوف وكان صافيا كان علامة على القتل، وإن نزل من الرأس أو كان جامدا فلا، وفي البدائع إن أثر الضرب والخنق كأثر الجرح وقيدنا بكونه في المعركة، وهي موضع الحرب؛ لأنه لو وجد في عسكر المسلمين قتيل قبل لقاء العدو فليس بشهيد؛ لأنه ليس قتيل العدو؛ ولهذا تجب فيه القسامة والدية بخلاف ما إذا كان بعد لقائهم فإنه قتيلهم ظاهرا كذا في البدائع، وإنما لم يكتف بقوله أو قتله مسلم ظلما عن ذكر أهل البغي وقطاع الطريق مع كونهم مسلمين قتلوا ظلما؛ لأن قتيل أهل البغي وقطاع الطريق لا يشترط أن يكون قتله بحديدة بل بكل آلة سلاحا كان أو غيره مباشرة أو تسبيبا كقتيل أهل الحرب قال في معراج الدراية؛ لأنه لما كان القتال مع أهل البغي وقطاع الطريق مأمورا به ألحق بقتال أهل الحرب فعمت الآلة كما عمت هناك ا هـ‏.‏ بخلاف قتل غيرهم فإنه يشترط أن يكون بحديدة كما سنذكره وقيد بقوله ظلما؛ لأن من قتله مسلم حقا كالمقتول بحد أو قصاص أو عدا على قوم فقتلوه فليس بشهيد وكذا لو مات في حد أو تعزير أو غيره وقيد بقوله، ولم يجب بقتله دية؛ لأن من قتله مسلم ظلما خطأ أو عمدا بالمثقل أو غيره فليس بشهيد لوجوب الدية بقتله وكذا لو وجد مذبوحا، ولم يعلم قاتله كما سيأتي، وكذا لو وجد في محلة مقتول، ولم يعلم قاتله فإنه لا يدرى أقتل ظالما أو مظلوما عمدا أو خطأ، وفي المجتبى وإذا التقت سريتان من المسلمين وكل واحدة ترى أنهم مشركون فأجلوا عن قتلى من الفريقين قال محمد لا دية على أحد، ولا كفارة؛ لأنهم دافعون عن أنفسهم، ولم يذكر حكم الغسل ويجب أن يغسلوا؛ لأن قاتلهم لم يظلمهم ا هـ‏.‏ واحترز بقوله بقتله أي بسببه عما إذا وجبت الدية بالصلح أو بقتل الأب ابنه أو شخصا آخر ووارثه ابنه فإن المقتول شهيد؛ لأن نفس القتل لم يوجب الدية بل يوجب القصاص، وإنما سقط للصلح أو للشبهة، وإنما كان المال عوضا مانعا، ولم يكن وجوب القصاص عوضا مانعا؛ لأن القصاص للميت من وجه وللوارث من وجه آخر، وهي تشفي الصدور وللمصلحة العامة وهو ما في شرعيته من حياة الأنفس فلم يكن عوضا مطلقا فلا تبطل الشهادة بالشك كذا في شرح المجمع للمصنف وذكر في المجتبى والبدائع أن الشرائط ست العقل والبلوغ والقتل ظلما وأنه لا يجب به عوض مالي والطهارة عن الجنابة وعدم الارتثاث ا هـ‏.‏ وإنما لم يذكر المصنف بقيتها لما سيصرح به من مفهوماتها لكن بقي من قتل مدافعا عن نفسه أو عن ماله أو عن أهل الذمة من غير أن يكون القاتل واحدا من الثلاثة في الكتاب فإن المقتول شهيد كما صرح به في المحيط وعطفه على الثلاثة وجعله سببا رابعا، ولا يمكن دخوله تحت قوله أو قتله مسلم ظلما؛ لأن المدافع المذكور شهيد بأي آلة قتل بحديدة أو حجر أو خشب كما صرح به في المحيط، ومقتول المسلم ظلما لا يكون شهيدا إلا إذا قتل بحديدة كما قدمناه، ومن هنا يظهر أن عبارة المجمع هنا لم تكن محررة فإنه لم يفصل في مقتول المسلم ظلما بل أدخل الباغي وقاطع الطريق تحت المسلم وجعل حكم مقتولهم واحدا، وليس بصحيح، وإن أراد بالمسلم ما عداهما فليس في عبارته استيفاء للشهيد ويرد على الكل ما قتله ذمي ظلما فإنه في حكم المسلم هنا كما صرح به ابن الملك في شرح المجمع قال‏:‏ والمكابرون في المصر ليلا بمنزلة قطاع الطريق ا هـ‏.‏ والبغي في عبارة المختصر مجرور وقطاع الطريق مرفوع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فيكفن ويصلى عليه بلا غسل‏)‏ بيان لحكمه أما عدم الغسل فلحديث السنن أنه «عليه الصلاة والسلام أمر بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم»، وما علل به الحسن البصري لعدم الغسل بأنهم كانوا جرحى فقد قال السرخسي إنه ليس بصحيح؛ لأنه لو كان عم الغسل باعتبار الجراحة لكان التيمم مشروعا، وأما الصلاة ‏{‏فلصلاته عليه السلام على حمزة وغيره يوم أحد» ولحديث البخاري‏:‏ «أنه صلى على قتلى أحد بعد ثماني سنين»، وما قيل من أنهم أحياء والحي لا يصلى عليه فمدفوع بأنه حكم أخروي لا دنيوي بدليل ثبوت أحكام الموتى لهم من قسمة تركاتهم وبينونة نسائهم إلى غير ذلك، وما قيل من أنها للاستغفار وهم مغفور لهم فمنتقض بالنبي والصبي كما في الهداية وما في فتح القدير من أنه لو اقتصر على النبي لكان أولى فإن الدعاء في الصلاة على الصبي لأبويه فمدفوع من أن كلامه في نفس الصلاة لا في المدعو له ولأن الصبي ليس بمستغن عن الرحمة فنفس الصلاة عليه رحمة له ونفس الدعاء الوارد لأبويه دعاء له؛ لأنه إذا كان فرطا لأبويه فقد تقدمهما في الخير لا سيما، وقد قالوا إن حسنات الصبي له لا لأبويه، ولهما ثواب التعليم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويدفن بدمه وثيابه إلا ما ليس من الكفن ويزاد وينقص‏)‏ بيان لحكم آخر له وأشار إلى أنه يكره أن ينزع عنه جميع ثيابه ويجدد الكفن ذكره الإسبيجابي وقالوا ما ليس من جنس الكفن الفرو والحشو والقلنسوة والسلاح والخف وقدمنا فيه كلاما واختلفوا في معنى قولهم يزاد وينقص ففي غاية البيان وغيرها يزاد إن كان ما عليه ناقصا عن كفن السنة وينقص إن كان ما عليه زائدا على كفن السنة، وفي معراج الدراية وبه استدل المشايخ على جواز الزيادة في الكفن على الثلاث وفيه ويجعل الحنوط للشهيد كالميت‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويغسل إن قتل جنبا أو صبيا‏)‏ بيان لشرطين آخرين للشهادة الأول الطهارة من الجنابة الثاني التكليف أما الأول فهو قوله وقالا الجنب شهيد؛ لأن ما وجب بالجنابة سقط بالموت، وله أن الشهادة عرفت مانعة غير رافعة فلا ترفع الجنابة وقد صح أن حنظلة لما استشهد جنبا غسلته الملائكة، وعلى هذا الخلاف الحائض والنفساء إذا طهرتا، وكذا قيل الانقطاع في الصحيح من الرواية كذا في الهداية، وفي معراج الدراية، وإنما لم يعد النبي صلى الله عليه وسلم غسل حنظلة؛ لأن الواجب تأدى بدليل قصة آدم عليه السلام، ولم تعد أولاده غسله، وهو الجواب عن قولهما لو كان واجبا لوجب على بني آدم ولما اكتفى به إذ الواجب نفس الغسل فأما الغاسل يجوز من كان كما في قصة آدم ا هـ‏.‏ وفيه أن هذا الغسل عنده للجنابة لا للموت قيد بقوله جنبا؛ لأنه لو قتل محدثا حدثا أصغر فإنه لا يغسل والفرق بين الحدثين عنده هو أن سقوط غسل أعضاء الوضوء لمعنى ضروري؛ لأن الموت لا يخلو عن حدث قبله لعدم خلوه من زوال العقل فكانت الشهادة رافعة له ضرورة، ولا ضرورة في الجنابة؛ لأن الموت يخلو عنها فلا تكون رافعة في حقها، وفي الخبازية هذا الجواب في النفساء مجرى على إطلاقه؛ لأن أقل النفاس لا حد له أما في الحائض فمصورة فيما إذا استمر بها الدم ثلاثة أيام ثم قتلت قبل الانقطاع أو بعده أما لو رأت يوما أو يومين دما وقتلت لا تغسل بالإجماع ذكره التمرتاشي لعدم كونها حائضا ا هـ‏.‏ وأما الثاني فعلى الخلاف أيضا لهما أن الصبي أحق بهذه الكرامات، وله أن السيف كفى عن الغسل في حق شهداء أحد بوصف كونه مطهرة، ولا ذنب للصبي فلم يكن في معناهم فعلى هذا الخلاف المجنون، وقد يقال ينبغي تخصيصه بمجنون بلغ مجنونا أما من بلغ عاقلا ثم جن فهو محتاج إلى ما يطهره إذ ذنوبه الماضية لم تسقط عنه بجنونه إلا أن يقال إن المجنون إذا استمر على جنونه حتى مات لم يؤاخذ بما مضى؛ لأنه لا قدرة له على التوبة، ولم أر نقلا في هذا الحكم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو ارتث بأن أكل أو شرب أو نام أو تداوى أو مضى وقت الصلاة، وهو يعقل أو نقل من المعركة أو أوصى‏)‏ بيان للشرط السادس، وهو عدم الارتثاث، وهو في اللغة من الرث، وهو الشيء البالي وسمي به مرتثا؛ لأنه قد صار خلقا في حكم الشهادة وقيل مأخوذ من الترثيث، وهو الجريح وفي مجمل اللغة ارتث فلان أي حمل من المعركة رثيثا أي جريحا وحاصله في الشرع أن ينال بعد مرافق الحياة فبطلت شهادته في حكم الدنيا فيغسل، وهو شهيد في حكم الآخرة فينال الثواب الموعود للشهداء وذكر في البدائع أن المرتث في الشرع من خرج عن صفة القتلى وصار إلى حال الدنيا بأن جرى عليه شيء من أحكامها أو وصل إليه شيء من منافعها ا هـ‏.‏ وهو أضبط مما تقدم أطلق في الأكل والشرب والنوم والتداوي فشمل القليل والكثير وأطلق في مضي الوقت فشمل ما إذا كان قادرا على الأداء أو لا لضعف بدنه لا لزوال عقله، وقيده في التبيين بأن يقدر على أدائها حتى يجب القضاء بتركها ورده في فتح القدير بقوله الله أعلم بصحته وفيه إفادة أنه إذا لم يقدر على الأداء لا يجب القضاء، فإن أراد إذا لم يقدر للضعف مع حضور العقل فكونه يسقط به القضاء قول طائفة والمختار هو ظاهر كلامه في باب صلاة المريض أنه لا يسقط، وإن أراد لغيبة العقل فالمغمى عليه يقضي ما لم يزد على صلاة يوم وليلة فمتى يسقط القضاء مطلقا لعدم قدرة الأداء من الجريح ا هـ‏.‏ وقد يقال‏:‏ إن مراده الأول وكون عدم القدرة للضعف لا يسقط القضاء على الصحيح هو فيما إذا قدر بعده أما إذا مات على حاله فلا إثم لعدم القدرة عليها بالإيماء وقيد بقوله، وهو يعقل؛ لأنه لو مضى الوقت، وهو لا يعقل لا يغسل، وإن زاد على يوم وليلة أو نفل من المعركة لعدم الانتفاع بحياته فلو أخر، وهو يعقل وجعله قيدا في الكل لكان أولى كما أنه لا بد من استثناء من نقل من المعركة خوفا من أن تطأه الخيل فإنه لا يغسل؛ لأنه ما نال شيئا من الراحة كما في الهداية وتعقبه في غاية البيان بأنا لا نسلم أن الحمل من المصرع ليس بنيل راحة ا هـ‏.‏ وصرح في البدائع بأن النقل من المعركة يزيده ضعفا ويوجب حدوث آلام لم تحدث لولا النقل والموت يحصل عقب ترادف الآلام فيكون النقل مشاركا للجراحة في إثارة الموت فلم يمت بسبب الجراحة يقينا فلذا لم يسقط الغسل بالشك ا هـ‏.‏ فالارتثاث فيه ليس للراحة بل لما ذكره، وأطلق في النقل فشمل ما إذا وصل إلى بيته حيا أو مات على الأيدي كما في البدائع وأشار إلى أنه لو قام من مكانه إلى مكان آخر فإنه يكون مرتثا بالأولى كما في البدائع وإلى أنه لو باع أو ابتاع فهو مرتث وأطلق في الوصية فشملت ما كان بأمور الدنيا وبأمور الآخرة وفيه اختلاف معروف والأظهر أنه لا خلاف فجواب أبي يوسف بأنه يكون مرتثا فيما إذا كان بأمور الدنيا وجواب محمد بعدمه فيما إذا كان بأمور الآخرة؛ لأن الوصية بأمور الدنيا من أمر الأحياء فقد أصابه مرافق الحياة فنقص معنى الشهادة فأما الوصية بأمور الآخرة من أمور الموتى وصنيع من أيس من نفسه فيوصي بما يكفن به ويخلص رقبته ويبرد جلدته من النار ويدخر لنفسه ذخيرة الآخرة كما في وصية سعد بن الربيع لما بلغه سلامة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الحمد لله على سلامته الآن طابت نفسي للموت أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وأقرئ الأنصار مني السلام وقل لهم‏:‏ لا عذر لكم عند الله إن قتل محمد وفيكم عين تطرف كذا في المحيط وشمل الوصية بكلام قليل أو كثير كما في غاية البيان واستثنى في الخانية الوصية بكلمتين وقالوا إذا تكلم، فإن كان طويلا كان مرتثا وإلا فلا ويمكن حمله على كلام ليس بوصية توفيقا بينهما لكن ذكر أبو بكر الرازي أنه لو أكثر من كلامه في الوصية فطال غسل؛ لأن الوصية بشيء من أمر الميت فإذا طالت أشبهت أمور الدنيا كذا في غاية البيان ومن الارتثاث ما إذا أواه فسطاط أو خيمة كذا في الهداية يعني، وهو في مكانه وإلا فهي مسألة النقل من المعركة، وفي التبيين وهذا كله إذا وجد بعد انقضاء الحرب، وأما قبل انقضائها فلا يكون مرتثا بشيء مما ذكرنا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو قتل في المصر، ولم يعلم أنه قتل بحديدة ظلما‏)‏ أي مظلوما؛ لأن الواجب فيه القسامة والدية فخف أثر الظلم قيد بالمصر؛ لأنه لو وجد في مفازة ليس بقربها عمران لا تجب فيه قسامة، ولا دية فلا يغسل لو وجد به أثر القتل كذا في معراج الدراية فالمراد بالمصر العمران وما بقربه مصرا كان أو قرية وقيد بكونه لم يعلم أنه قتل بحديدة؛ لأنه لو علم ذلك بأن وجد مذبوحا، فإن علم قاتله فهو شهيد لوجوب القصاص، وإن لم يعلم قاتله فلا لعدم وجوبه فقوله ظلما داخل تحت النفي يعني لم يعلم أنه قتل مظلوما بحديدة فكان فيه شيئان أحدهما عدم العلم بكونه قتل بحديدة ثانيهما عدم العلم بكونه مظلوما بأن لم يعلم قاتله؛ لأنه إذا لم يعلم قاتله لم يتحقق كونه مظلوما، وأما إذا علم فقد تحقق كونه مظلوما فلا يكون كلام المصنف مخلا بشيء كما قد يتوهم وحاصل المسألة أن من قتل بغير المحدد وعلم قاتله أو لا فإنه ليس بشهيد عند أبي حنيفة أصلا سواء كان بالمثقل أو بغيره لوجوب الدية، ومن قتل بالمحدد، ولم يعلم قاتله فليس بشهيد لوجوب الدية، والاقتصار على وجوب الدية في التعليل أولى مما قدمناه من ضم القسامة كما في الهداية؛ لأنه يرد عليه المقتول في الجامع أو الشارع الأعظم فإنه ليس بشهيد حيث لم يعلم قاتله، وليس فيه قسامة، وإنما تجب الدية في بيت المال فقط فلو قتل في العمران بغير المحدد مطلقا أو بالمحدد، ولم يعلم قاتله لشمل الكل لكن قد علم حكم ما إذا قتل بغير المحدد مطلقا من أول الباب، وفي البدائع لو قتل في المصر بغير المحدد لا يكون شهيدا أو إن كان في المفازة كان شهيدا؛ لأنه يوجب القتل بحكم قطع الطريق لا المال، ولو نزل عليه اللصوص ليلا في المصر فقتل بسلاح أو غيره أو قتله قطاع الطريق خارج المصر بسلاح أو غيره فهو شهيد؛ لأن القتيل لم يخلف في هذه المواضع بدلا هو مال ا هـ‏.‏ وبهذا يعلم أن من قتله اللصوص في بيته، ولم يعلم له قاتل معين منهم لعدم وجودهم فإنه لا قسامة، ولا دية على أحد؛ لأنهما لا يجبان إلا إذا لم يعلم القاتل وهنا قد علم أن قاتله اللصوص، وإن لم يثبت عليهم لفرارهم فليحفظ هذا فإن الناس عنه غافلون‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أو قتل بحد أو قود‏)‏ أي يغسل؛ لأنه صح أنه‏:‏ «عليه الصلاة والسلام غسل ماعزا» ولأنه بذل نفسه لحق واجب عليه فلم يكن في معنى شهداء أحد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا لبغي وقطع طريق‏)‏ أي لا يغسل من قتل للبغي أو قطع الطريق وإذا لم يغسلا لم يصل عليهما؛ لأن عليا رضي الله عنه لم يصل على البغاة، ولم ينكر عليه فكان إجماعا وقطاع الطريق بمنزلتهم أطلقه فشمل ما إذا قتلوا في حال الحرب أو أخذوا وقتلوا بعده كذا روي عن محمد وفرق الصدر الشهيد بينهما فوافق في الأول وقال بالصلاة في الثاني قال في التبيين وهذا تفصيل حسن أخذ به الكبار من المشايخ والمعنى فيه أن القتل في الثاني حد أو قصاص في قاطع الطريق، وفي البغاة لكسر شوكتهم فنزل منزلته لعود منفعته إلى العامة وهذا التفصيل ربما يشير إليه قوله لبغي فإن من قتل بعد الحرب لم يقتل لبغي، وإنما قتل قصاصا وألحق بقاطع الطريق المكابرون في المصر بالسلاح ليلا كذا في غاية البيان والخناق الذي خنق غير مرة كذا في الإسبيجابي وحكم أهل العصبية كحكم البغاة ومن قتل أحد أبويه لا يصلى عليه إهانة له كذا في التبيين، ولم يذكر المصنف حكم قاتل نفسه عمدا للاختلاف فعندهما يصلى عليه، وهو الأصح؛ لأنه فاسق غير ساع في الأرض بالفساد كذا في النهاية وقال أبو يوسف لا يصلى عليه، وهو الأصح؛ لأنه باغ على نفسه كذا في غاية البيان معزيا إلى القاضي علي السعدي فقد اختلف التصحيح كما ترى لكن تأيد قول أبي يوسف بما في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال ‏{‏أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل قتل نفسه بمشاقص فلم يصل عليه» ا هـ‏.‏ وفي فتاوى قاضي خان قريبا من كتاب الوقف رجلان أحدهما قتل نفسه والآخر قتل غيره كان قاتل نفسه أعظم وزرا وإثما‏.‏ ا هـ‏.‏ قيدنا بكونه قتل نفسه عمدا؛ لأنه لو قتلها خطأ فإنه يغسل ويصلى عليه اتفاقا

باب الصلاة في الكعبة

ختم كتاب الصلاة بما يتبرك به حالا ومكانا وأولاه للشهيد؛ لأنه معدول به عن سائر الصلوات لجواز جعل الظهر فيها إلى ظهر الإمام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ صح فرض ونفل فيها وفوقها‏)‏؛ لأنه‏:‏ «صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح» ولأنها صلاة استجمعت شرائطها لوجود استقبال القبلة؛ لأن استيعابها ليس بشرط، وإنما جازت فوقها؛ لأن الكعبة هي العرصة والهواء إلى عنان السماء عندنا دون البناء؛ لأنه ينقل، ألا ترى أنه لو صلى على أبي قبيس جاز، ولا بناء بين يديه إلا أنه يكره لما فيه من ترك التعظيم، وقد ورد النهي عنه، وفي الغاية الكعبة هي البناء المرتفع مأخوذ من الارتفاع والنتو ومنه الكاعب فكيف يقال الكعبة هي العرصة والصواب القبلة هي العرصة كما ذكره صاحب المحيط والوبري وفي المجتبى‏:‏ وقد رفع البناء في عهد ابن الزبير ليبني على قواعد الخليل، وفي عهد الحجاج كذلك ليعيدها إلى الحالة الأولى والناس يصلون، والأحرار والعبيد والرجال والنساء في ذلك سواء‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن جعل ظهره إلى ظهر الإمام فيها صح‏)‏؛ لأنه متوجه إلى القبلة، ولا يعتقد إمامه على الخطأ بخلاف مسألة التحري‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإلى وجهه لا‏)‏ أي لو جعل ظهره إلى وجه إمامه لا يصح لتقدمه على إمامه وسكت عما إذا جعل وجهه إلى وجه الإمام؛ لأنه صحيح لما قدمناه لكنه مكروه بلا حائل؛ لأنه يشبه عبادة الصورة وعما إذا جعل وجهه إلى جوانب الإمام، وهو جائز بلا كراهة فهي أربعة تصح بلا كراهة في صورتين ومعها في صورة، ولا تصح في أخرى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن حلقوا حولها صح لمن هو أقرب إليها إن لم يكن في جانبه‏)‏؛ لأنه متأخر حكما؛ لأن التقدم والتأخر لا يظهر إلا عند اتحاد الجهة فمن كان وجهه إلى الجهة التي توجه الإمام إليها، وهو عن يمينه أو يساره وتقدم عليه بأن كان أقرب إلى الحائط من الإمام فهو غير صحيح لتقدمه فهو في معنى من جعل ظهره إلى وجه الإمام، ولو قام الإمام في الكعبة وتحلق المقتدون حولها جاز إذا كان الباب مفتوحا؛ لأنه كقيامه في المحراب في غيرها من المساجد والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

كتاب الزكاة

ذكر الزكاة بعد الصلاة؛ لأنهما مقترنان في كتاب الله - تعالى - في اثنين وثمانين آية، وهذا يدل على أن التعاقب بينهما في غاية الوكادة والنهاية كما في المناقب البزازية، وهي لغة الطهارة قال في ضياء الحلوم‏:‏ سميت زكاة المال زكاة؛ لأنها تزكي المال أي تطهره وقال تعالى‏:‏ ‏{‏خيرا منه زكاة‏}‏ وقيل سميت زكاة؛ لأن المال يزكو بها أي ينمو ويكثر ثم ذكر فعل بالفتح يقال زكاء المال زيادته ونماؤه، وزكا أيضا إذا طهر ثم ذكر في باب التفعيل زكى المال أدى زكاته وزكاه أخذ زكاته ا هـ‏.‏ وفي الغاية أنها في اللغة بمعنى النماء، وبمعنى الطهارة وبمعنى البركة يقال زكت البقعة أي بورك فيها وبمعنى المدح يقال زكى نفسه وبمعنى الثناء الجميل يقال زكى الشاهد، وفي اصطلاح الفقهاء ما ذكره المصنف‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ هي تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي، ولا مولاه بشرط قطع المنفعة عن المملك من كل وجه لله - تعالى -‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وآتوا الزكاة‏}‏ والإيتاء هو التمليك ومراده تمليك جزء من ماله، وهو ربع العشر أو ما يقوم مقامه وإنما كانت اسما للفعل عند المحققين، وهو الأصح؛ لأنها توصف بالوجوب، وهو من صفات الأفعال دون الأعيان والمراد من إيتاء الزكاة إخراجها من العدم إلى الوجود كما في قوله‏:‏ ‏{‏أقيموا الصلاة‏}‏ كذا في المعراج ويؤيده أن موضوع الفقه كما قدمناه فعل المكلف، وفي الشرع هي المال المؤدى؛ لأنه - تعالى - قال ‏{‏وآتوا الزكاة‏}‏، ولا يصح الإيتاء إلا للعين كذا في العناية وأورد الشارح على هذا الحد الكفارة إذا ملكت؛ لأن التمليك بالوصف المذكور موجود فيها ولو قال تمليك المال على وجه لا بد له منه لانفصل عنها؛ لأن الزكاة يجب فيها تمليك المال‏.‏ ا هـ‏.‏ وجوابه أن قوله من فقير مسلم خرج مخرج الشروط، والإسلام ليس بشرط في أخذ الكفارة كما سيأتي وأيضا ليس الجواز في الكفارة باعتبار التمليك بل باعتبار أن الشرط فيها التمكين الشامل للتمليك والإباحة، والمال كما صرح به أهل الأصول ما يتمول ويدخر للحاجة، وهو خاص بالأعيان فخرج تمليك المنافع قال في الكشف الكبير في بحث القدرة الميسرة‏:‏ الزكاة لا تتأدى إلا بتمليك عين متقومة حتى لو أسكن الفقير داره سنة بنية الزكاة لا يجزئه؛ لأن المنفعة ليست بعين متقومة‏.‏ ا هـ‏.‏ وهذا على إحدى الطريقتين، وأما على الأخرى من أن المنفعة مال فهو عند الإطلاق منصرف إلى العين، وقيد بالتمليك احترازا عن الإباحة؛ ولهذا ذكر الولوالجي وغيره أنه لو عال يتيما فجعل يكسوه ويطعمه وجعله من زكاة ماله فالكسوة تجوز لوجود ركنه، وهو التمليك، وأما الإطعام إن دفع الطعام إليه بيده يجوز أيضا لهذه العلة، وإن كان لم يدفع إليه، ويأكل اليتيم لم يجز لانعدام الركن، وهو التمليك، ولم يشترط قبض الفقير؛ لأن التمليك في التبرعات لا يحصل إلا به، واحترز بالفقير الموصوف بما ذكر عن الغني والكافر والهاشمي ومولاه، والمراد عند العلم بحالهم كما سيأتي في المصرف ولم يشترط البلوغ والعقل؛ لأنهما ليس بشرط؛ لأن تمليك الصبي صحيح لكن إن لم يكن عاقلا، فإنه يقبض عنه وصيه أو أبوه أو من يعوله قريبا أو أجنبيا أو الملتقط كما في الولوالجية، وإن كان عاقلا فقبض من ذكر، وكذا قبضه بنفسه، والمراد أن يعقل القبض بأن لا يرمي به، ولا يخدع عنه والدفع إلى المعتوه يجزئ كذا في فتح القدير وحكم المجنون المطبق معلوم من حكم الصبي الذي لا يعقل، ولم يشترط الحرية لأن الدفع إلى غير الحر جائز كما سيأتي في بيان المصرف وأفاد بقوله بشرط أن الدفع إلى أصوله وإن علوا وإلى فروعه، وإن سفلوا وإلى زوجته وزوجها وإلى مكاتبه ليس بزكاة كما سيأتي مبينا وأشار إلى أن الدفع إلى كل قريب ليس بأصل ولا فرع جائز، وهو مقيد بما في الولوالجية رجل يعول أخته أو أخاه أو عمه فأراد أن يعطيه الزكاة فإن لم يفرض القاضي عليه النفقة جاز؛ لأن التمليك بصفة القربة يتحقق من كل وجه، وإن فرض عليه النفقة لزمانته إن لم يحتسب من نفقتهم جاز، وإن كان يحتسب لا يجوز لأن هذا أداء الواجب عن واجب آخر ا هـ‏.‏ وقوله لله - تعالى - بيان لشرط آخر، وهو النية، وهي شرط بالإجماع في العبادات كلها للمقاصد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ شرط وجوبها العقل والبلوغ والإسلام والحرية‏)‏ أي شرط افتراضها؛ لأنها فريضة محكمة قطعية أجمع العلماء على تكفير جاحدها ودليله القرآن وما في البدائع من أنه الكتاب والسنة والإجماع والمعقول رده في الغاية بأن السنة لا يثبت بها الفرض إلا أن تكون متواترة أو مشهورة، والسنة الواردة أخبار آحاد صحاح، وبها يثبت الوجوب دون الفرض والعقل لا يثبت به شيء من الأحكام الشرعية، وإن أراد بالمعقول المقاييس المستنبطة من الكتاب والسنة فلا يثبت بها الفرضية ا هـ‏.‏ وجوابه‏:‏ أنهم في مثله يجعلونه مؤكدا للقرآن القطعي لا مثبتا، وهو كثير في كلامهم كإطلاق الواجب على الفرض، وهو إما مجاز في العرف بعلاقة المشترك من لزوم استحقاق العقاب بتركه عدل عن الحقيقة وهو الفرض إليه بسبب أن بعض مقاديرها وكيفياتها تثبت بأخبار الآحاد، أو حقيقة على ما قال بعضهم‏:‏ إن الواجب نوعان قطعي وظني فعلى هذا يكون اسم الواجب من قبيل المشكك اسما أعم، وهو حقيقة في كل نوع، وقد أسلفنا شيئا منه في أول الطهارة وخرج المجنون والصبي، فلا زكاة في مالهما كما لا صلاة عليهما للحديث المعروف‏:‏ «رفع القلم عن ثلاث» وأما إيجاب النفقات والغرامات في مالهما فلأنهما من حقوق العباد لعدم التوقف على النية، وأما إيجاب العشر والخراج وصدقة الفطر فلأنها ليست عبادة محضة لما عرف في الأصول وقد قدمنا في نقض الوضوء حكم المعتوه في العبادات والاختلاف فيه وخرج الكافر لعدم خطابه بالفروع سواء كان أصليا أو مرتدا فلو أسلم المرتد لا يخاطب بشيء من العبادات أيام ردته ثم كما هو شرط للوجوب شرط لبقاء الزكاة عندنا حتى لو ارتد بعد وجوبها سقطت كما في الموت كذا في معراج الدراية وقيد بالحرية احترازا عن العبد والمدبر وأم الولد والمكاتب والمستسعى عند أبي حنيفة لعدم الملك أصلا فيما عدا المكاتب والمستسعى، ولعدم تمامه فيهما، ولو حذف الحرية واستغنى عنها بالملك؛ إذ العبد لا ملك له وزاد في الملك قيد التمام، وهو المملوك رقبة ويدا ليخرج المكاتب والمشتري قبل القبض كما سيأتي لكان أوجز وأتم وعندهما المستسعى حر مديون فإن ملك بعد قضاء سعايته ما يبلغ نصابا كاملا تجب الزكاة وإلا فلا، وفي البدائع والجنون نوعان أصلي وعارض أما الأصلي، وهو أن يبلغ مجنونا فلا خلاف بين أصحابنا أنه يمنع انعقاد الحول على النصاب حتى لا يجب عليه زكاة ما مضى من الأحوال بعد الإفاقة، وإنما يعتبر ابتداء الحول من وقت الإفاقة كالصبي إذا بلغ يعتبر ابتداء الحول من وقت البلوغ، وأما الطارئ، فإن دام سنة كاملة فهو في حكم الأصلي، وإن كان في بعض السنة ثم أفاق فعن محمد وجوبها وإن أفاق ساعة، وعنه إن أفاق أكثر السنة وجبت وإلا فلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وظاهر الرواية قول محمد كما في الهداية وغيرها والمغمى عليه كالصحيح كما في المجتبى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وملك نصاب حولي فارغ عن الدين وحوائجه الأصلية نام، ولو تقديرا‏)‏ لأنه عليه الصلاة والسلام قدر السبب به، وقد جعله المصنف شرطا للوجوب مع قولهم‏:‏ إن سببها ملك مال معد مرصد للنماء والزيادة فاضل عن الحاجة كذا في المحيط وغيره لما أن السبب والشرط قد اشتركا في أن كلا منهما يضاف إليه الوجود لا على وجه التأثير فخرج العلة ويتميز السبب عن الشرط بإضافة الوجوب إليه أيضا دون الشرط كما عرف في الأصول وأطلق الملك فانصرف إلى الكامل، وهو المملوك رقبة ويدا فلا يجب على المشتري فيما اشتراه للتجارة قبل القبض، ولا على المولى في عبده المعد للتجارة إذا أبق لعدم اليد، ولا المغصوب، ولا المجحود إذا عاد إلى صاحبه كذا في غاية البيان، ولا يلزم عليه ابن السبيل؛ لأن يد نائبه كيده كذا في معراج الدراية، ومن موانع الوجوب الرهن إذا كان في يد المرتهن لعدم ملك اليد بخلاف العشر حيث يجب فيه كذا في العناية وأما كسب العبد المأذون فإن كان عليه دين محيط فلا زكاة فيه على أحد بالاتفاق، وإلا فكسبه لمولاه، وعلى المولى زكاته إذا تم الحول نص عليه في المبسوط والبدائع والمعراج، وهو بإطلاقه يتناول ما إذا تم الحول، وهو في يد العبد لكن قال في المحيط‏:‏ وإن لم يكن عليه دين ففيه الزكاة ويزكي المولى متى أخذه من العبد ذكره محمد في نوادر الزكاة وقيل ينبغي أن يلزمه الأداء قبل الأخذ؛ لأنه مال مملوك للمولى كالوديعة والأصح أنه لا يلزمه الأداء قبل الأخذ؛ لأنه مال تجرد عن يد المولى؛ لأن يد العبد يد أصالة عن نفسه لا يد نيابة عن المولى بدليل أنه يملك التصرف فيه إثباتا وإزالة فلم تكن يد المولى ثابتة عليه حقيقة، ولا حكما فلا يلزمه الأداء ما لم يصل إليه كالديون، ولا كذلك الوديعة ا هـ‏.‏ وفي المحيط معزيا إلى الجامع رجل له ألف درهم لا مال له غيرها استأجر بها دارا عشر سنين لكل سنة مائة فدفع الألف، ولم يسكنها حتى مضت السنون والدار في يد الآجر زكى الآجر في السنة الأولى عن تسعمائة، وفي الثانية عن ثمانمائة إلا زكاة السنة الأولى ثم يسقط لكل سنة زكاة مائة أخرى، وما وجب عليه بالسنين الماضية؛ لأنه ملك الألف بالتعجيل كلها فإذا لم يسلم الدار إليه سنة انقضت الإجارة في العشر؛ لأنه استهلك المعقود عليه قبل التسليم فزال عن ملكه مائة، وصار مصروفا إلى الدين وكذلك في كل حول انتقص مائة ويصير مائة دينا عليه ويرفع ذلك من النصاب ثم عند أبي حنيفة يزكي للسنة الثانية سبعمائة وستين، وعندهما سبعمائة وسبعة وسبعون ونصف؛ لأنه لا زكاة في الكسور عنده وعندهما فيه زكاة، ولا زكاة على المستأجر في السنة الأولى والثانية لنقصان نصابه في الأولى ولعدم تمام الحول في الثانية ويزكي في الثالثة ثلاثمائة؛ لأنه استفاد مائة أخرى ثم يزكي لكل سنة مائة أخرى وما استفاد قبلها إلا أنه يرفع عنه زكاة السنين الماضية ا هـ‏.‏ والمراد بكونه حوليا أن يتم الحول عليه، وهو في ملكه لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول» قال في الغاية‏:‏ سمي حولا؛ لأن الأحوال تحول فيه، وفي القنية العبرة في الزكاة للحول القمري، وفي الخانية رجل تزوج امرأة على ألف ودفع إليها، ولم يعلم أنها أمة فحال الحول عندها ثم علم أنها كانت أمة زوجت نفسها بغير إذن المولى، ورد الألف على الزوج روي عن أبي يوسف أنه لا زكاة على واحد منهما، وكذلك الرجل إذا حلق لحية إنسان فقضي عليه بالدية، ودفع الدية إليه، وحال الحول ثم نبتت لحيته وردت الدية لا زكاة على واحد منهما، وكذلك رجل أقر لرجل بدين ألف درهم ودفع الألف إليه ثم تصادقا بعد الحول أنه لم يكن عليه دين لا زكاة على واحد منهما وكذلك رجل وهب لرجل ألفا ودفع الألف إليه ثم رجع في الهبة بعد الحول بقضاء أو بغير قضاء واسترد الألف لا زكاة على واحد منهما ا هـ‏.‏ وظاهره عدم وجوب الزكاة من الابتداء، وهو مشكل في حق من كانت في يده وملكه، وحال الحول عليه فالظاهر أن هذا بمنزلة هلاك المال بعد الوجوب، وهو مسقط كما في الولوالجية وإلا فتحتاج المتون إلى إصلاح كما لا يخفى، وفي الخانية أيضا رجل اشترى عبدا للتجارة يساوي مائتي درهم ونقد الثمن، ولم يقبض العبد حتى حال الحول فمات العبد عند البائع كان على بائع العبد زكاة المائتين وكذلك على المشتري أما على البائع فلأنه ملك الثمن وحال الحول عليه عنده، وأما على المشتري فلأن العبد كان للتجارة وبموته عند البائع انفسخ البيع والمشتري أخذ عوض العبد مائتي درهم فإن كانت قيمة العبد مائة كان على البائع زكاة المائتين لأنه ملك الثمن ومضى عليه الحول عنده وبانفساخ البيع لحقه دين بعد الحول فلا تسقط عنه زكاة المائتين، ولا زكاة على المشتري؛ لأن الثمن زال عن ملكه إلى البائع فلم يملك المائتين حولا كاملا وبانفساخ البيع استفاد المائتين بعد الحول فلا تجب عليه الزكاة ا هـ‏.‏ وشرط فراغه عن الدين؛ لأنه معه مشغول بحاجته الأصلية فاعتبر معدوما كالماء المستحق بالعطش، ولأن الزكاة تحل مع ثبوت يده على ماله فلم تجب عليه الزكاة كالمكاتب ولأن الدين يوجب نقصان الملك؛ ولذا يأخذه الغريم إذا كان من جنس دينه من غير قضاء، ولا رضا أطلقه فشمل الحال والمؤجل، ولو صداق زوجته المؤجل إلى الطلاق أو الموت وقيل المهر المؤجل لا يمنع؛ لأنه غير مطالب به عادة بخلاف المعجل وقيل إن كان الزوج على عزم الأداء منع، وإلا فلا؛ لأنه لا يعد دينا كذا في غاية البيان ونفقة المرأة إذا صارت دينا على الزوج إما بالصلح أو بالقضاء ونفقة الأقارب إذا صارت دينا عليه إما بالصلح أو بالقضاء عليه يمنع كذا في معراج الدراية وقيد نفقة الأقارب في البدائع بقيد آخر، وهو قليل المدة فإن المدة إذا كانت طويلة فإنها تسقط، ولا تصير دينا وشمل كلامه كل دين وفي الهداية‏:‏ والمراد دين له مطالب من جهة العباد حتى لا يمنع دين النذر والكفارة، ودين الزكاة مانع حال بقاء النصاب؛ لأنه ينتقص به النصاب، وكذا بعد الاستهلاك خلافا لزفر فيهما ولأبي يوسف في الثاني؛ لأن له مطالبا، وهو الإمام في السوائم، ونوابه في أموال التجارة كان الملاك نوابه ا هـ‏.‏ وكذا لا يمنع دين صدقة الفطر، ووجوب الحج وهدي المتعة والأضحية، وفي معراج الدراية‏:‏ ودين النذر لا يمنع ومتى استحق بجهة الزكاة بطل النذر فيه بيانه له مائتا درهم نذر بأن يتصدق بمائة منها، وحال الحول سقط النذر بقدر درهمين ونصف ويتصدق للنذر بسبعة وتسعين ونصف، ولو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف عن الزكاة؛ لأنه متعين بتعيين الله - تعالى - فلا يبطل بتعيينه لغيره ولو نذر بمائة مطلقة لزمته؛ لأن محل المنذور به الذمة فلو تصدق بمائة منها للنذر يقع درهمان ونصف للزكاة، ويتصدق بمثلها عن النذر ا هـ‏.‏ فلو كان له نصاب حال عليه حولان، ولم يزكه فيهما لا زكاة عليه في الحول الثاني، ولو كان له خمس وعشرون من الإبل لم يزكها حولين كان عليه في الحول الأول بنت مخاض، وللحول الثاني أربع شياه، ولو كان له نصاب حال عليه الحول فلم يزكه ثم استهلكه ثم استفاد غيره، وحال على النصاب المستفاد الحول لا زكاة فيه لاشتغال خمسة منه بدين المستهلك بخلاف ما لو كان الأول لم يستهلك بل هلك، فإنه يجب في المستفاد لسقوط زكاة الأول بالهلاك وبخلاف ما لو استهلك قبل الحول حيث لا يجب شيء، ومن فروعه ما إذا باع نصاب السائمة قبل الحول بيوم بسائمة مثلها أو من جنس آخر أو بدراهم يريد به الفرار من الصدقة، أو لا يريد لا يجب عليه الزكاة في البدل إلا بحول جديد أو يكون له ما يضمه إليه في صورة الدراهم، وهذا بناء على أن استبداله السائمة بغيرها مطلقا استهلاك بخلاف غير السائمة كذا في فتح القدير، وفي البدائع وقالوا دين الخراج يمنع وجوب الزكاة؛ لأنه يطالب به، وكذا إذا صار العشر دينا في الذمة بأن أتلف الطعام العشري صاحبه فأما وجوب العشر فلا يمنع؛ لأنه متعلق بالطعام، وهو ليس من مال التجارة وذكر الشارح وغيره إن كان للمديون نصب يصرف الدين إلى الأيسر قضاء فيصرف إلى الدراهم والدنانير ثم إلى عروض التجارة ثم إلى السوائم، فإن كانت أجناسا صرف إلى أقلها حتى لو كان له أربعون من الغنم وثلاثون من البقر وخمس من الإبل صرف إلى الغنم أو إلى الإبل دون البقر؛ لأن التبيع فوق الشاة، فإن استويا خير كأربعين من الغنم وخمس من الإبل، وقيل‏:‏ يصرف إلى الغنم لتجب الزكاة في الإبل في العام القابل هكذا أطلقوا وقيده في المبسوط بأن يحضر المصدق أي الساعي فإن لم يحضره فالخيار إلى صاحب المال إن شاء صرف الدين إلى السائمة وأدى الزكاة من الدراهم، وإن شاء صرف الدين إلى الدراهم وأدى الزكاة من السائمة؛ لأن في حق صاحب المال هما سواء ا هـ‏.‏ وفي المحيط‏:‏ وأما الدين المعترض في خلال الحول فإنه يمنع وجوب الزكاة بمنزلة هلاكه عند محمد وعند أبي يوسف‏:‏ لا يمنع بمنزلة نقصانه ا هـ‏.‏ وتقديمهم قول محمد يشعر بترجيحه، وهو كذلك كما لا يخفى، وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا أبرأه فعند محمد‏:‏ يستأنف حولا جديدا إلا عند أبي يوسف كما في المحيط أيضا وأما الحادث بعد الحول فلا يسقط الزكاة اتفاقا كذا في الخانية وغيرها، وعلى هذا من ضمن دركا في بيع فاستحق المبيع بعد الحول لم تسقط الزكاة؛ لأن الدين إنما وجب عليه عند الاستحقاق كذا في غاية البيان وشمل كلامه الدين بطريق الأصالة، وبطريق الكفالة؛ ولذا قال في المحيط‏:‏ لو استقرض ألفا فكفل عنه عشرة ولكل ألف في بيته، وحال الحول فلا زكاة على واحد منهم لشغله بدين الكفالة؛ لأن له أن يأخذ من أيهم شاء بخلاف ما إذا كان له ألف وغصب ألفا، وغصبها منه آخر له ألف، وحال الحول على مال الغاصبين ثم أبرأهما فإنه يزكي الغاصب الأول ألفه، والغاصب الثاني لا؛ لأن الغاصب الأول لو ضمن يرجع على الثاني، والثاني لو ضمن لا يرجع على الأول فكان قرار الضمان عليه فصار الدين عليه مانعا ا هـ‏.‏ وظاهره أنه لو لم يبرئهما لا يكون الحكم كذلك، وفي فتح القدير وغيره لا يخرج عن ملك النصاب المذكور ما ملك بسبب خبيث؛ ولذا قالوا‏:‏ لو أن سلطانا غصب مالا وخلطه صار ملكا له حتى وجبت عليه الزكاة وورث عنه على قول أبي حنيفة؛ لأن خلط دراهمه بدراهم غيره عنده استهلاك أما على قولهما فلا فلا يضمن فلا يثبت الملك؛ لأنه فرع الضمان فلا يورث عنه؛ لأنه مال مشترك فإنما يورث حصة الميت منه وفي الولوالجية وقوله‏:‏ أرفق بالناس؛ إذ قلما يخلو مال عن غصب ا هـ‏.‏ هكذا ذكروا، وهو مشكل لأنه، وإن كان ملكه عند أبي حنيفة بالخلط فهو مشغول بالدين والشرط الفراغ عنه فينبغي أن لا تجب الزكاة فيه على قوله أيضا ولذا شرط في المبتغى بالمعجمة أن يبرئه أصحاب الأموال؛ لأنه قبل الإبراء مشغول بالدين، وهو قيد حسن يجب حفظه وقيد المصنف بالزكاة؛ لأن الدين لا يمنع وجوب العشر والخراج ويمنع صدقة الفطر كذا في الخانية وأما التكفير بالمال فلا يمنع الدين وجوبه على الأصح كذا في الكشف الكبير من بحث القدرة الميسرة، وفي الولوالجية رجل التقط ألف درهم وعرفها سنة ثم تصدق بها وله ألف درهم ثم تم الحول على ألفه زكاها استحسانا؛ لأن الألف المتصدق بها لم تصر دينا عليه في الحال لجواز أن يجيز صاحبها التصدق ا هـ‏.‏ وشرط فراغه عن الحاجة الأصلية؛ لأن المال المشغول بها كالمعدوم وفسرها في شرح المجمع لابن الملك بما يدفع الهلاك عن الإنسان تحقيقا أو تقديرا فالثاني كالدين والأول كالنفقة ودور السكنى وآلات الحرب والثياب المحتاج إليها لدفع الحر أو البرد وكآلات الحرفة وأثاث المنزل ودواب الركوب وكتب العلم لأهلها فإذا كان له دراهم مستحقة ليصرفها إلى تلك الحوائج صارت كالمعدومة كما أن الماء المستحق لصرفه إلى العطش كان كالمعدوم وجاز عنده التيمم ا هـ‏.‏ فقد صرح بأن من معه دراهم وأمسكها بنية صرفها إلى حاجته الأصلية لا تجب الزكاة إذا حال الحول وهي عنده ويخالفه ما في معراج الدراية في فصل زكاة العروض أن الزكاة تجب في النقد كيفما أمسكه للنماء أو للنفقة ا هـ‏.‏ وكذا في البدائع في بحث النماء التقديري، ومن آلات الحرفة الصابون والحرض للغسال لا للبقال بخلاف العصفر والزعفران للصباغ والدهن والعفص للدباغ فإنها واجبة فيه؛ لأن المأخوذ فيه بمقابلة العين وقوارير العطارين ولجم الخيل والحمير المشتراة للتجارة ومقاودها وجلالها إن كان من غرض المشتري بيعها بها ففيها الزكاة وإلا فلا كذا في فتح القدير وما في النهاية من أن التقييد بالأهل في الكتب ليس بمفيد لما أنه إن لم يكن من أهلها وليست هي للتجارة لا تجب فيها الزكاة وإن كثرت لعدم النماء، وإنما يفيد ذكر الأهل في حق مصرف الزكاة فإذا كانت له كتب تساوي مائتي درهم، وهو محتاج إليها للتدريس وغيره يجوز صرف الزكاة إليه، وأما إذا كان لا يحتاج إليها، وهي تساوي مائتي درهم لا يجوز صرف الزكاة إليه ا هـ‏.‏ فغير مفيد؛ لأن كلامهم في بيان ما هو من الحوائج الأصلية، ولا شك أن الكتب لغير الأهل ليست منها، وهو تقييد مفيد كما لا يخفى، وشرط أن يكون النصاب ناميا والنماء في اللغة بالمد الزيادة، والقصر بالهمز خطأ يقال نما المال ينمي نماء وينمو نموا وأنماه الله كذا في المغرب وفي الشرع هو نوعان حقيقي وتقديري فالحقيقي الزيادة بالتوالد والتناسل والتجارات، والتقديري تمكنه من الزيادة بكون المال في يده أو في يد نائبه فلا زكاة على من لم يتمكن منها في ماله كمال الضمار، وهو في اللغة الغائب الذي لا يرجى فإذا رجي فليس بضمار، وأصله الإضمار، وهو التغييب والإخفاء، ومنه أضمر في قلبه شيئا، وفي الشرع كل مال غير مقدور الانتفاع به مع قيام أصل الملك كذا في البدائع فما في فتح القدير من أن مهر المرأة التي تبين أنها أمة، ودية اللحية التي تنبت بعد حلقها، والمال المتصادق على عدم وجوبه، والهبة التي رجع فيها بعد الحول من جملة مال الضمار فغير صحيح مطلقا؛ لأن الذي كان في يده المال في الحول كان متمكنا من الانتفاع به فلم يكن ضمارا في حقه، وكذا من لم يكن في يده؛ إذ لا ملك له ظاهرا في الحول، وإنما الحق في التعليل ما قدمناه عن الولوالجي من أنه بمنزلة الهالك بعد الوجوب ومال الضمار هو الدين المجحود والمغصوب إذا لم يكن عليهما بينة فإن كان عليهما بينة وجبت الزكاة إلا في غصب السائمة، فإنه ليس على صاحبها الزكاة، وإن كان الغاصب مقرا كذا في الخانية، وفيها أيضا من باب المصرف الدين المجحود إنما لا يكون نصابا إذا حلفه القاضي وحلف، أما قبل ذلك يكون نصابا حتى لو قبض منه أربعين درهما يلزمه أداء الزكاة ا هـ‏.‏ وعن محمد‏:‏ لا تجب الزكاة، وإن كان له بينة؛ لأن البينة قد لا تقبل، والقاضي قد لا يعدل، وقد لا يظهر بالخصومة بين يديه لمانع فيكون في حكم الهالك، وصححه في التحفة كذا في غاية البيان وصححه في الخانية أيضا وعزاه إلى السرخسي، ومنه المفقود والآبق والمأخوذ مصادرة، والمال الساقط في البحر، والمدفون في الصحراء المنسي مكانه، فلو صار في يده بعد ذلك، فلا بد له من حول جديد لعدم الشرط، وهو النمو، وأما المدفون في حرز، ولو دار غيره إذا نسيه فليس منه فيكون نصابا، واختلف المشايخ في المدفون في أرض مملوكة أو كرم فقيل بالوجوب لإمكان الوصول، وقيل‏:‏ لا؛ لأنها غير حرز، وأما إذا أودعه ونسي المودع، قالوا‏:‏ إن كان المودع من الأجانب فهو ضمار، وإن كان من معارفه وجبت الزكاة لتفريطه بالنسيان في غير محله وقيدنا الدين بالمجحود؛ لأنه لو كان على مقر ملي أو معسر تجب الزكاة لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل، ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة؛ لأن تفليس القاضي لا يصح عنده، وعند محمد لا يجب لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس وأبو يوسف مع محمد في تحقق الإفلاس، ومع أبي حنيفة في حكم الزكاة رعاية لجانب الفقراء كذا في الهداية فأفاد أنه إذا قبض الدين زكاه لما مضى قال في فتح القدير‏:‏ وهو غير جار على إطلاقه بل ذلك في بعض أنواع الدين ولنوضح ذلك فنقول‏:‏ قسم أبو حنيفة الدين على ثلاثة أقسام‏:‏ قوي، وهو بدل القرض، ومال التجارة، ومتوسط، وهو بدل ما ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة وعبد الخدمة ودار السكنى، وضعيف، وهو بدل ما ليس بمال كالمهر والوصية، وبدل الخلع والصلح عن دم العمد والدية، وبدل الكتابة والسعاية ففي القوي تجب الزكاة إذا حال الحول، ويتراخى القضاء إلى أن يقبض أربعين درهما ففيها درهم، وكذا فيما زاد بحسابه، وفي المتوسط لا تجب ما لم يقبض نصابا، ويعتبر لما مضى من الحول في صحيح الرواية، وفي الضعيف لا تجب ما لم يقبض نصابا ويحول الحول بعد القبض عليه، وثمن السائمة كثمن عبد الخدمة، ولو ورث دينا على رجل فهو كالدين الوسط، وروي أنه كالضعيف وعندهما الديون كلها سواء تجب الزكاة قبل القبض وكلما قبض شيئا زكاه قل أو كثر إلا دين الكتابة والسعاية وفي رواية أخرجا الدية أيضا قبل الحكم بها وأرش الجراحة؛ لأنها ليست بدين على الحقيقة؛ فلذا لا تصح الكفالة ببدل الكتابة، ولا يؤخذ من تركة من مات من العاقلة الدية؛ لأن وجوبها بطريق الصلة إلا أن يقول‏:‏ الأصل أن المسببات تختلف بحسب اختلاف الأسباب، ولو آجر عبده أو داره بنصاب إن لم يكونا للتجارة لا تجب ما لم يحل الحول بعد القبض في قوله، وإن كان للتجارة كان حكمه كالقوي؛ لأن أجرة مال التجارة كثمن مال التجارة في صحيح الرواية ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية‏:‏ وأما إذا أعتق أحد الشريكين عبدا مشتركا، واختار المولى تضمين المعتق إن كان العبد للتجارة فحكمه حكم دين الوسط هو الصحيح، وإن كان العبد للخدمة فكذلك أيضا، وإن اختار استسعاء العبد فحكمه حكم الدين الضعيف ا هـ‏.‏ ومقتضى الأول أن العبد إذا كان للتجارة فحكم هذا الدين حكم الدين القوي وقد صرح به في المحيط إلا أن الصحيح خلافه كما علمت ولعله ليس بدلا من كل وجه بدليل أن المولى مخير ثم قال الولوالجي‏:‏ وهذا كله إذا لم يكن عنده مال آخر للتجارة، فأما إذا كان عنده مال آخر للتجارة يصير المقبوض من الدين الضعيف مضموما إلى ما عنده فتجب فيها الزكاة، وإن لم يبلغ نصابا، وكذا في المحيط، وفيه لو كان له مائتا درهم دين فاستفاد في خلال الحول مائة درهم فإنه يضم المستفاد إلى الدين في حوله بالإجماع وإذا تم الحول على الدين لا يلزمه الأداء من المستفاد ما لم يقبض أربعين درهما، وعندهما يلزمه، وإن لم يقبض منه شيئا وفائدة الخلاف تظهر فيما إذا مات من عليه مفلسا سقط عنه زكاة المستفاد عنده؛ لأنه جعل مضموما إلى الدين تبعا له فسقط بسقوطه، وعندهما تجب لأنه بالضم صار كالموجود في ابتداء الحول فعليه زكاة العين دون الدين ا هـ‏.‏ وقدمنا أن المبيع قبل القبض لا تجب زكاته على المشتري وذكر في المحيط في بيان أقسام الدين أن المبيع قبل القبض، قيل‏:‏ لا يكون نصابا؛ لأن الملك فيه ناقص بافتقاد اليد، والصحيح أنه يكون نصابا؛ لأنه عوض عن مال كانت يده ثابتة عليه، وقد أمكنه احتواء اليد على العوض فتعتبر يده باقية على النصاب باعتبار التمكن شرعا ا هـ فعلى هذا قولهم‏:‏ لا تجب الزكاة معناه قبل قبضه وأما بعد قبضه فتجب زكاته فيما مضى كالدين القوي، وفي المحيط‏:‏ رجل وهب دينا له على رجل ووكل بقبضه فلم يقبضه حتى وجبت فيه الزكاة فالزكاة على الواهب؛ لأن قبض الموهوب له كقبض صاحب المال ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن هذا كله فيما إذا لم يبرئ صاحب الدين منه أما إذا أبرأ المديون منه بعد الحول فإنه لا زكاة عليه فيه سواء كان ثمن مبيع أو قرضا أو غير ذلك، صرح به قاضي خان في فتاويه لكن قيده في المحيط بكون المديون معسرا أما لو كان موسرا فهو استهلاك، وهو تقييد حسن يجب حفظه، وذكر في القنية أن فيه روايتين، ولم يبين المصنف رحمه الله ما يكون محلا للنماء التقديري من الأموال، وحاصله أنها قسمان خلقي وفعلي فالخلقي الذهب والفضة؛ لأنها تصلح للانتفاع بأعيانها في دفع الحوائج الأصلية فلا حاجة إلى الإعداد من العبد للتجارة بالنية؛ إذ النية للتعيين، وهي متعينة للتجارة بأصل الخلقة فتجب الزكاة فيها نوى التجارة، أو لم ينو أصلا، أو نوى النفقة، والفعلي ما سواهما فإنما يكون الإعداد فيها للتجارة بالنية إذا كانت عروضا، وكذا في المواشي لا بد فيها من نية الإسامة؛ لأنها كما تصلح للدر والنسل تصلح للحمل وللركوب ثم نية التجارة والإسامة لا تعتبر ما لم تتصل بفعل التجارة والإسامة ثم نية التجارة قد تكون صريحا، وقد تكون دلالة فالصريح أن ينوي عند عقد التجارة أن يكون المملوك به للتجارة سواء كان ذلك العقد شراء أو إجارة، وسواء كان ذلك الثمن من النقود أو من العروض فلو نوى أن يكون للبذلة لا يكون للتجارة وإن كان الثمن من النقود، فخرج ما ملكه بغير عقد كالميراث فلا تصح فيه نية التجارة إذا كان من غير النقود إلا إذا تصرف فيه فحينئذ تجب الزكاة كذا في شرح المجمع للمصنف وفي الخانية‏:‏ ولو ورث سائمة كان عليه الزكاة إذا حال الحول نوى، أو لم ينو، وخرج أيضا ما إذا دخل من أرضه حنطة تبلغ قيمتها قيمة نصاب، ونوى أن يمسكها ويبيعها وأمسكها حولا لا تجب فيها الزكاة كما في الميراث، وكذا لو اشترى بذرا للتجارة، وزرعها في أرض عشر استأجرها كان فيها العشر لا غير كما لو اشترى أرض خراج أو عشر للتجارة لم يكن عليه زكاة التجارة إنما عليه حق الأرض من العشر أو الخراج، وخرج ما ملكه بعقد ليس فيه مبادلة أصلا كالهبة والوصية والصدقة أو ملكه بعقد هو مبادلة مال بغير مال كالمهر، وبدل الخلع والصلح عن دم العمد وبدل العتق فإنه لا تصح فيه نية التجارة، وهو الأصح؛ لأن التجارة كسب المال ببدل هو مال، والقبول هنا اكتساب المال بغير بدل أصلا فلم يكن من باب التجارة فلم تكن النية مقارنة لعمل التجارة كذا صححه في البدائع وقيدنا ببدل الصلح عن دم العمد؛ لأن العبد للتجارة إذا قتله عبد خطأ، ودفع به فإن المدفوع يكون للتجارة كذا في الخانية ولو استقرض عروضا، ونوى أن تكون للتجارة اختلف المشايخ والظاهر أنها تكون للتجارة وإليه أشار في الجامع كما في البدائع ولو اشترى عروضا للبذلة والمهنة ثم نوى أن تكون للتجارة بعد ذلك لا تصير للتجارة ما لم يبعها فيكون بدلها للتجارة؛ لأن التجارة عمل فلا تتم بمجرد النية بخلاف ما إذا كان للتجارة فنوى أن تكون للبذلة خرج عن التجارة بالنية، وإن لم يستعمله؛ لأنها ترك العمل فتتم بها قال الشارح الزيلعي ونظيره المقيم والصائم والكافر والعلوفة والسائمة حيث لا يكون مسافرا، ولا مفطرا، ولا مسلما، ولا سائمة، ولا علوفة بمجرد النية ويكون مقيما وصائما وكافرا بالنية ا هـ‏.‏ فقد سوى بين العلوفة والسائمة، والمنقول في النهاية وفتح القدير أن العلوفة لا تصير سائمة بمجرد النية، والسائمة تصير علوفة بمجردها، وقد ظهر لي التوفيق بينهما أن كلام الشارح محمول على ما إذا نوى أن تكون السائمة علوفة، وهي في المرعى، ولم يخرجها بعد فإنها بهذه النية لا تكون علوفة بل لا بد من العمل، وهو إخراجها من المرعى، ولم يرد بالعمل أن يعلفها، وكلام غيره محمول على ما إذا نوى أن تكون علوفة بعد إخراجها من المرعى، وهذا التوفيق يدل عليه ما في النهاية في تعريف السائمة فليراجع وأما الدلالة فهي أن يشتري عينا من الأعيان بعرض التجارة أو يؤاجر داره التي للتجارة بعرض من العروض فيصير للتجارة، وإن لم ينو التجارة صريحا لكن ذكر في البدائع الاختلاف في بدل منافع عين معدة للتجارة ففي كتاب الزكاة من الأصل أنه للتجارة بلا نية، وفي الجامع ما يدل على التوقف على النية فكان في المسألة روايتان، ومشايخ بلخ كانوا يصححون رواية الجامع؛ لأن العين، وإن كانت للتجارة لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة فيؤاجر الدابة لينفق عليها والدار للعمارة فلا تصير للتجارة مع التردد إلا بالنية ا هـ ثم اعلم أنه يستثنى من اشتراط نية التجارة للوجوب ما يشتريه المضارب فإنه يكون للتجارة، وإن لم ينوها أو نوى الشراء للنفقة حتى لو اشترى عبيدا بمال المضاربة ثم اشترى لهم كسوة وطعاما للنفقة كان الكل للتجارة، وتجب الزكاة في الكل؛ لأنه لا يملك إلا الشراء للتجارة بمالها، وإن نص على النفقة بخلاف المالك إذا اشترى عبيدا للتجارة ثم اشترى لهم طعاما وثيابا للنفقة فإنه لا يكون للتجارة؛ لأنه يملك الشراء لغير التجارة كذا في البدائع ويدخل في نية التجارة ما يشتريه الصباغ بنية أن يصبغ به للناس بالأجرة فإنه يكون للتجارة بهذه النية، وضابطه أن ما يبقى أثره في العين فهو مال التجارة، وما لا يبقى أثره فيها فليس منه كصابون الغسال كما قدمناه ولم يذكر المصنف من شرائط الوجوب العلم به حقيقة، أو حكما بالكون في دار الإسلام كما في البدائع؛ لأنه شرط لكل عبادة، وقد يقال‏:‏ إنه ذكر الشروط العامة هنا كالإسلام والتكليف فينبغي ذكره أيضا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وشرط أدائها نية مقارنة للأداء أو لعزل ما وجب أو تصدق بكله‏)‏ بيان لشرط الصحة فإن شرائطها ثلاثة أنواع‏:‏ شرائط وجوب، وهي ما ذكره إلا الحول، فإنه من شروط وجوب الأداء بدليل جواز التعجيل قبله بعد وجود السبب وأما النية فهي شرط الصحة لكل عبادة كما قدمناه وقد علمت من قوله أولا لله تعالى لكن المراد هنا بيان تفاصيلها، والأصل اقترانها بالأداء كسائر العبادات إلا أن الدفع يتفرق فيخرج باستحضار النية عند كل دفع فاكتفى بوجودها حالة العزل دفعا للحرج، وإنما سقطت عنه بلا نية فيما إذا تصدق بجميع النصاب؛ لأن الواجب جزء منه، وقد وصل إلى مستحقه، وإنما تشترط النية لدفع المزاحم فلما أدى الكل زالت المزاحمة، أطلق المقارنة فشمل المقارنة الحقيقية، وهو ظاهر، والحكمية كما إذا دفع بلا نية ثم حضرته النية والمال قائم في يد الفقير فإنه يجزئه، وهو بخلاف ما إذا نوى بعد هلاكه وكما إذا وكل رجلا بدفع زكاة ماله ونوى المالك عند الدفع إلى الوكيل فدفع الوكيل بلا نية فإنه يجزئه؛ لأن المعتبر نية الآمر؛ لأنه المؤدي حقيقة، ولو دفعها إلى ذمي ليدفعها إلى الفقراء جاز لوجود النية من الآمر ولو أدى زكاة غيره بغير أمره فبلغه فأجاز لم يجز؛ لأنها وجدت نفاذا على المتصدق؛ لأنها ملكه، ولم يصر نائبا عن غيره فنفذت عليه ولو تصدق عنه بأمره جاز ويرجع بما دفع عند أبي يوسف، وإن لم يشترط الرجوع كالأمر بقضاء الدين وعند محمد لا رجوع له إلا بالشرط، وتمامه في الخانية‏:‏ ولو أعطاه دراهم ليتصدق بها تطوعا فلم يتصدق بها حتى نوى الآمر أن تكون زكاته ثم تصدق بها أجزأه، وكذا لو قال تصدق بها عن كفارة يميني ثم نوى عن زكاة ماله، وفي الفتاوى رجلان دفع كل واحد منهما زكاة ماله إلى رجل ليؤدي عنه فخلط مالهما ثم تصدق ضمن الوكيل وكذا لو كان في يد رجل أوقاف مختلفة فخلط إنزال الأوقاف وكذلك البياع والسمسار والطحان إلا في موضع يكون الطحان مأذونا بالخلط عرفا انتهى وبه يعلم حكم من يجمع للفقراء، ومحله ما إذا لم يوكلوه فإن كان وكيلا من جانب الفقراء أيضا فلا ضمان عليه فإذا ضمن في صورة الخلط لا تسقط الزكاة عن أربابها فإذا أدى صار مؤديا مال نفسه كذا في التجنيس ولو لم يخلط الجابي فإنه يجوز دفع من أعطى قبل أن تبلغ الدراهم مائتين، ولا يجوز لمن أعطى بعد ما بلغت نصابا إن كان الفقير وكل الجابي وعلم المعطي ببلوغه نصابا فإن لم يكن الجابي وكيل الفقير جاز مطلقا، وإن لم يعلم المعطي ببلوغه نصابا جاز في قول أبي حنيفة ومحمد كذا في الظهيرية وللوكيل بدفع الزكاة أن يدفعها إلى ولد نفسه كبيرا كان أو صغيرا، وإلى امرأته إذا كانوا محاويج، ولا يجوز أن يمسك لنفسه شيئا ا هـ‏.‏ إلا إذا قال ضعها حيث شئت فله أن يمسكها لنفسه كذا في الولوالجية وأشار المصنف إلى أنه لا يخرج بعزل ما وجب عن العهدة بل لا بد من الأداء إلى الفقير لما في الخانية لو أفرز من النصاب خمسة ثم ضاعت لا تسقط عنه الزكاة ولو مات بعد إفرازها كانت الخمسة ميراثا عنه ا هـ‏.‏ بخلاف ما إذا ضاعت في يد الساعي لأن يده كيد الفقراء كذا في المحيط، وفي التجنيس لو عزل الرجل زكاة ماله ووضعه في ناحية من بيته فسرقها منه سارق لم تقطع يده للشبهة وقد ذكر في كتاب السرقة من هذا الكتاب أنه يقطع السارق غنيا كان أو فقيرا ا هـ‏.‏ بلفظه وإلى أنه لو أخر الزكاة ليس للفقير أن يطالبه، ولا أن يأخذ ماله بغير علمه، وإن أخذ كان لصاحب المال أن يسترده إن كان قائما، ويضمنه إن كان هالكا فإن لم يكن في قرابة من عليه الزكاة أو في قبيلته أحوج من هذا الرجل فكذلك ليس له أن يأخذها له، وإن أخذ كان ضامنا في الحكم أما فيما بينه وبين الله - تعالى - يرجى أن يحل له الأخذ كذا في الخانية أيضا، وإلى أنه لو مات من عليه الزكاة لا تؤخذ من تركته لفقد شرط صحتها، وهو النية إلا إذا أوصى بها فتعتبر من الثلث كسائر التبرعات، وإلى أنه لو امتنع من أدائها فالساعي لا يأخذ منه كرها، ولو أخذ لا يقع عن الزكاة لكونها بلا اختيار ولكن يجبره بالحبس ليؤدي بنفسه؛ لأن الإكراه لا يسلب الاختيار بل الطواعية فيتحقق الأداء عن اختيار كذا في المحيط وفي مختصر الطحاوي‏:‏ ومن امتنع عن أداء زكاة ماله وأخذها الإمام كرها منه فوضعها في أهلها أجزأه؛ لأن للإمام ولاية أخذ الصدقات فقام أخذه مقام دفع المالك ا هـ‏.‏ وفي القنية فيه إشكال لأن النية فيها شرط، ولم توجد منه ا هـ‏.‏ وفي المجمع‏:‏ ولا نأخذها من سائمة امتنع ربها من أدائها بغير رضاه بل نأمره ليؤديها اختيارا‏.‏ ا هـ‏.‏ والمفتى به التفصيل إن كان في الأموال الظاهرة فإنه يسقط الفرض عن أربابها بأخذ السلطان أو نائبه؛ لأن ولاية الأخذ له فبعد ذلك إن لم يضع السلطان موضعها لا يبطل أخذه عنه، وإن كان في الأموال الباطنة فإنه لا يسقط الفرض؛ لأنه ليس للسلطان ولاية أخذ زكاة الأموال الباطنة فلم يصح أخذه كذا في التجنيس والواقعات والولوالجية وقيد بالتصدق بالكل؛ لأنه لو تصدق ببعض النصاب بلا نية اتفقوا أنه لا يسقط زكاة كله واختلفوا في سقوط زكاة ما تصدق به فقال محمد بسقوطه وقال أبو يوسف‏:‏ عليه زكاة كله إلا إذا كان الموهوب مائة وستة وتسعين فحينئذ تسقط كذا في المبتغى بالغين المعجمة وأطلق في التصدق بالكل فشمل العين والدين فلو كان له على فقير دين فأبرأه عنه سقط زكاته عنه نوى الزكاة أو لم ينو لما قدمناه ولو أبرأه عن البعض سقط زكاة ذلك البعض، ولا تسقط عنه زكاة الباقي ولو نوى به الأداء عن الباقي؛ لأن الباقي يصير عينا بالقبض فيصير مؤديا الدين عن العين والأصل فيه أن أداء العين عن العين وعن الدين يجوز، وأداء الدين عن العين، وعن دين سيقبض لا يجوز، وأداء الدين عن دين لا يقبض يجوز كذا في شرح الطحاوي وحيلة الجواز أن يعطي المديون الفقير خمسة زكاة ثم يأخذها منه قضاء عن دينه كذا في المحيط ولو أمر فقيرا بقبض دين له على آخر نواه عن زكاة عين عنده جاز؛ لأن الفقير يقبض عينا فكان عينا عن عين كذا في الولوالجية وقيدنا بكون من عليه الدين فقيرا؛ لأنه لو كان غنيا فوهبه بعد الحول ففيه روايتان أصحهما الضمان كما في المحيط وقد قدمناه وشمل أيضا ما إذا لم ينو شيئا أصلا أو نوى غير الزكاة، وهو الصحيح فيما إذا نوى التطوع أما إذا تصدق بكله ناويا النذر أو واجبا آخر فإنه يقع عما نوى ويضمن قدر الواجب كذا في التبيين، وفي شرح الطحاوي‏:‏ لو وجبت الزكاة في مائتي درهم فأدى خمسة ونوى ذلك تطوعا سقطت عنه زكاة الخمسة، وهي ثمن درهم، ولا تسقط عنه زكاة الباقي ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون مفرعا على قول محمد كما لا يخفى ولم يشترط المصنف رحمه الله علم الآخذ بما يأخذه أنه زكاة للإشارة إلى أنه ليس بشرط، وفيه اختلاف والأصح كما في المبتغى والقنية أن من أعطى مسكينا دراهم وسماها هبة أو قرضا ونوى الزكاة فإنها تجزئه، ولم يشترط أيضا الدفع من عين مال الزكاة لما قدمناه من أنه لو أمر إنسانا بالدفع عنه أجزأه لكن اختلف فيما إذا دفع من مال آخر خبيث، وظاهر القنية ترجيح الإجزاء استدلالا بقولهم‏:‏ مسلم له خمر فوكل ذميا فباعها من ذمي فللمسلم أن يصرف هذا الثمن إلى الفقراء من زكاة ماله‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية‏:‏ إذا هلكت الوديعة عند المودع فدفع القيمة إلى صاحبها، وهو فقير لدفع الخصومة يريد به الزكاة لا يجزئه ا هـ‏.‏ وفي القنية عليه زكاة ودين أيضا والمال يفي بأحدهما يقضي دين الغريم ثم يؤدي حق الكريم ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية له خمس من الإبل وأربعون شاة فأدى شاة لا ينوي عن أحدهما صرفها إلى أيهما شاء كما لو كفر عن ظهار امرأتين بتحرير رقبة كان له أن يجعل عن أيتهما شاء‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير والأفضل في الزكاة الإعلان بخلاف صدقة التطوع، وفي الولوالجية إذا أدى خمسة دراهم ونوى الزكاة والتطوع جميعا يقع عن الزكاة عند أبي يوسف وعند محمد عن النفل؛ لأن نية النفل عارض نية الفرض فبقي مطلق النية لأبي يوسف أن نية الفرض أقوى فلا يعارضها نية النفل ا هـ‏.‏ وأطلق في عزل ما وجب فشمل ما إذا عزل كل ما وجب أو بعضه وفي الخانية من باب الأضحية‏:‏ للوكيل بدفع الزكاة أن يوكل بلا إذن، ولا يتوقف، وفي القنية من باب الوكالة بأداء الزكاة لو أمره أن يتصدق بدينار على فقير معين فدفعها إلى فقير آخر لا يضمن ثم رقم برقم آخر أنه في الزكاة يضمن، وله التعيين‏.‏ ا هـ‏.‏ والقواعد تشهد للأول؛ لأنهم قالوا‏:‏ لو قال‏:‏ لله علي أن أتصدق بهذا الدينار على فلان له أن يتصدق على غيره، وفي الواقعات ولو شك رجل في الزكاة فلم يدر أزكى أم لا فإنه يعيد فرق بين هذا وبين ما إذا شك في الصلاة بعد ذهاب الوقت أصلاها أم لا، والفرق أن العمر كله وقت لأداء الزكاة فصار هذا بمنزلة شك وقع في أداء الصلاة أنه أدى أم لا، وهو في وقتها ولو كان كذلك يعيد ا هـ‏.‏ ووقعت حادثة هي أن من شك هل أدى جميع ما عليه من الزكاة أم لا بأن كان يؤدي متفرقا، ولا يضبطه هل يلزمه إعادتها ومقتضى ما ذكرنا لزوم الإعادة حيث لم يغلب على ظنه دفع قدر معين ؛ لأنه ثابت في ذمته بيقين فلا يخرج عن العهدة بالشك والله - سبحانه وتعالى - أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏