فصل: باب أحكام المرتدين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب أحكام المرتدين

شروع في بيان الكفر الطارئ بعد الأصلي والمرتد في اللغة الراجع مطلقا وفي الشريعة الراجع عن دين الإسلام كما في فتح القدير وفي البدائع ركن الردة إجراء كلمة الكفر على اللسان والعياذ بالله بعد وجود الإيمان وشرائط صحتها العقل فلا تصح ردة المجنون ولا الصبي الذي لا يعقل وأما من جنونه متقطع فإن ارتد حال الجنون لم يصح وإن ارتد حال إفاقته صحت وكذا لا تصح ردة السكران الذاهب العقل والبلوغ ليس بشرط لصحتها من الصبي عندهما خلافا لأبي يوسف وكذا الذكورة ليست شرطا ومنها الطوع فلا تصح ردة المكره عليها ا هـ‏.‏ والإيمان التصديق بجميع ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم عن الله تبارك وتعالى مما علم مجيئه به ضرورة وهل هو فقط أو هو مع الإقرار قولان فأكثر الحنفية على الثاني والمحققون على الأول والإقرار شرط إجراء أحكام الدنيا بعد الاتفاق على أنه يعتقد متى طولب به أتى به فإن طولب به فلم يقر فهو كفر عناد والكفر لغة الستر وشرعا تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم في شيء مما يثبت عنه ادعاؤه ضرورة وفي المسايرة ولاعتبار التعظيم المنافي للاستخفاف كفر الحنفية بألفاظ كثيرة وأفعال تصدر من المتهتكين لدلالتها على الاستخفاف بالدين كالصلاة بلا وضوء عمدا بل بالمواظبة على ترك سنة استخفافا بها بسبب أنه إنما فعلها النبي صلى الله عليه وسلم زيادة أو استقباحها كمن استقبح من آخر جعل بعض العمامة تحت حلقه أو إحفاء شاربه ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير ومن هزل بلفظ كفر ارتد وإن لم يعتقده للاستخفاف فهو ككفر العناد والألفاظ التي يكفر بها تعرف في الفتاوى ا هـ‏.‏ فهذا وما قبله صريح في أن ألفاظ التكفير المعروفة في الفتاوى موجبة للردة عن الإسلام حقيقة وفي البزازية ويحكى عن بعض من لا سلف له أنه كان يقول ما ذكر في الفتاوى أنه يكفر بكذا وكذا فذاك للتخويف والتهويل لا لحقيقة الكفر وهذا كلام باطل إلى آخره‏.‏ والحق أن ما صح عن المجتهد فهو على حقيقته وأما ما ثبت عن غيره فلا يفتى به في مثل التكفير ولذا قال في فتح القدير من باب البغاة أن الذي صح عن المجتهدين في الخوارج عدم تكفيرهم ويقع في كلام أهل المذهب تكفير كثير لكن ليس من كلام الفقهاء الذين هم المجتهدون بل من غيرهم ولا عبرة بغير الفقهاء ا هـ‏.‏ فيكفر إذا وصف الله تعالى بما لا يليق به أو سخر باسم من أسمائه أو بأمر من أوامره وأنكر وعده أو وعيده أو جعل له شريكا أو ولدا أو زوجة أو نسبه إلى الجهل أو العجز أو النقص واختلفوا في قوله فلان في عيني كاليهودي في عين الله فكفره الجمهور وقيل لا إن عنى به استقباح فعله وقيل يكفر إن عنى الجارحة لا القدرة والأصح مذهب المتقدمين في المتشابه كاليد واختلفوا في جواز أن يقال بين يدي الله ويكفر بقول يجوز أن يفعل الله فعلا لا حكمة فيه وبإثبات المكان لله تعالى فإن قال الله في السماء فإن قصد حكاية ما جاء في ظاهر الأخبار لا يكفر وإن أراد المكان كفر وإن لم يكن له نية كفر عند الأكثر وهو الأصح وعليه الفتوى ويكفر إن اعتقد أن الله تعالى يرضى بالكفر وبقوله لو أنصفني الله تعالى يوم القيامة انتصفت منك أو إن قضى الله يوم القيامة أو إذا أنصف وبقوله بارك الله في كذبك وبقوله الله جلس للإنصاف أو قام له وبقوله هذا لا يمرض هذا ممن نسيه الله أو منسى الله على الأصح وبوصفه تعالى بالفوق أو بالتحت وبظنه أن الجنة وما فيها للفناء عند البعض وبقوله لامرأته أنت أحب إلي من الله وقيل لا وبقوله لا أخاف الله أو لا أخشاه عند البعض‏.‏ ومحل الاختلاف عند عدم قصد الاستهزاء وبقولها لا جوابا لقوله أما تعرفين الله على الظاهر وبقوله لا أريد اليمين بالله وإنما أريد اليمين بالطلاق أو بالعتاق عند البعض خلافا للعامة وهو الأصح وبقوله رأيت الله في المنام وبقوله المعدوم ليس بمعلوم الله تعالى وبقول الظالم أنا أفعل بغير تقدير الله تعالى وبإدخاله الكاف في آخر الله عند ندائه من اسمه عبد الله وإن كان عالما على الأصح وبتصغير الخالق عمدا عالما وبقوله ليتني لم أسلم إلى هذا الوقت حتى أرث أبي وبقوله إن كنت فعلت كذا أمس فهو كافر وهو يعلم أنه قد فعله إذا كان عنده أنه يكفر به وعليه الفتوى وبقوله الله يعلم أني فعلت كذا وهو يعلم أنه ما فعل عند العامة إن كان اختيارا لا مخافة وبقوله إن كنت قلته فأنا كافر وهو يعلم أنه قاله وبقوله أنا بريء من الله لولا ولم يتم تعليقه خلافا للبعض قياسا على أنت طالق ثلاثا لولا لم يقع وبقولها نعم جوابا لقوله أتعلمين الغيب وبتزوجه بشهادة الله ورسوله وبقوله فلان يموت بهذا المرض عند البعض وبقوله عند رقاء الهامة يموت أحد عند البعض والأصح عدمه وبقوله عند رؤية الدائرة التي تكون حول القمر يكون مطر مدعيا علم الغيب وبرجوعه من سفره عند سماع صياح العقعق عند البعض وبإتيان الكاهن وتصديقه وبقوله أنا أعلم المسروقات وبقوله أنا أخبر عن إخبار الجن إياي وبعدم الإقرار ببعض الأنبياء عليهم السلام أو عيبه نبيا بشيء أو عدم الرضا بسنة من سنن المرسلين وبقوله لا أعلم أن آدم عليه السلام نبي أو لا‏.‏ ولو قال آمنت بجميع الأنبياء عليهم السلام وبعدم معرفة أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء عند البعض وبنسبته نبيا إلى الفواحش كعزمه على الزنا وقيل لا وبقوله إن الأنبياء عصوا وإن كل معصية كفر وبقوله لم تعص الأنبياء حال النبوة وقبلها لرده النصوص لا بقوله لا أقبل شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في الإمهال فكيف أقبلها منك ولا بإنكاره نبوة الخضر وذي الكفل عليهما السلام لعدم الإجماع على نبوتهما ويكفر من أراد بغض النبي صلى الله عليه وسلم بقلبه وبقوله لو كان فلان نبيا لا أؤمن به لا بقوله لو كان صهري رسول الله لا أأتمر بأمره ويكفر بقوله إن كان ما قال الأنبياء حقا أو صدقا وبقوله أنا رسول الله وبطلبه المعجزة حين ادعى رجل الرسالة وقيل إذا أراد إظهار عجزه لا يكفر واختلف في تصغيره شعر النبي صلى الله عليه وسلم إلا إذا أراد الإهانة فيكفر أما إذا أراد التعظيم فلا وبقوله لا أدري أكان النبي صلى الله عليه وسلم إنسيا أو جنيا وبشتمه رجلا اسمه محمد وكنيته أبو القاسم ذاكرا للنبي صلى الله عليه وسلم عند البعض وبشتمه محمدا صلى الله عليه وسلم حين أكره على شتمه قائلا قصدته وبقوله جن النبي صلى الله عليه وسلم ساعة لا بقوله أغمي عليه واختلفوا فيمن قال لو لم يأكل آدم عليه الصلاة والسلام الحنطة ما صرنا أشقياء وبرده حديثا مرويا إن كان متواترا أو قال على وجه الاستخفاف سمعناه كثيرا وبتمنيه أن لا يكون بعض الأنبياء نبيا مريدا به الاستخفاف به أو عداوته لا بقوله لو لم يبعث الله نبيا لم يكن خارجا عن الحكمة‏.‏ وبقوله أنا لا أحبه حين قيل له إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب القرع وقيل إن كان على وجه الإهانة وبقولها نعم حين قال لها لو شهد عندك الأنبياء والملائكة لا تصدقيهم حين قالت له لا تكذب وباستخفافه بسنة من السنن وبقوله لا أدري أن النبي في القبر مؤمن أم كافر وبقوله ما كان علينا نعمة من النبي عليه السلام لأن البعثة من أعظم النعم وبقذفه عائشة رضي الله عنها من نسائه صلى الله عليه وسلم فقط وبإنكاره صحبة أبي بكر رضي الله عنه بخلاف غيره وبإنكاره إمامة أبي بكر رضي الله عنه على الأصح كإنكاره خلافة عمر رضي الله عنه على الأصح لا بقوله لولا نبينا لم يخلق آدم عليه السلام وهو خطأ ويكفر بقوله لو أمرني الله بكذا لم أفعل ولو صارت القبلة إلى هذه الجهة ما صليت أو لو أعطاني الله الجنة لا أريدها دونك أو لا أدخلها مع فلان أو لو أعطاني الله الجنة لأجلك أو لأجل هذا العمل لا أريدها وأريد رؤيته وبقوله لا أترك النقد لأجل النسيئة جوابا لقوله دع الدنيا للآخرة وبقوله لو أمرني الله بالزكاة أكثر من خمسة دراهم أو بالصوم أكثر من شهر لا أفعل وبقوله الإيمان يزيد وينقص وبقوله لا أدري الكافر في الجنة أو في النار أو لا أدري أين يصير الكافر‏.‏ ويقتل بقوله أنا ألعن المذهبين جوابا لقوله على أي المذهبين أنت أبي حنيفة أو الشافعي وإن تاب عزر ويكفر بإنكاره أصل الوتر والأضحية وباستحلال وطء الحائض لا بقوله ليس لي موضع شبر في الجنة لاستقلاله العمل ولا بقوله لا تكتب الحفظة على هذا الرجل ولا بقوله هذا مكان لا إله فيه ولا رسول إلا إذا قصد به إنكار الدين ولا بقول المرأة لا أتعلم ولا أصلي جوابا لقول الزوج تعلمي ولا بإنكار العشر أو الخراج ولا يفسق خصوصا في هذا الزمان ولا بقوله من أكل حراما فقد أكل ما رزقه الله لكنه أثم ويكفر باستحلاله حراما علمت حرمته من الدين من غير ضرورة لا بفعله من غير استحلال خلافا لما عن محمد رحمه الله في أكل الخنزير ولما عن أبي حفص في الخمر والفتوى على الأول ويكفر بقوله للقبيح إنه حسن وبقوله لغيره رؤيتي إياك كرؤية ملك الموت عند البعض خلافا للأكثر وقيل به إن قاله لعداوته لا لكراهة الموت وبقوله لا أسمع شهادة فلان وإن كان جبريل أو ميكائيل عليهما السلام وبعيبه ملكا من الملائكة أو الاستخفاف به لا بقوله أنا أظن أن ملك الموت توفي ولا يقبض روحي مجازا عن طول عمره إلا أن يعني به العجز عن توفيه ويكفر إذا أنكر آية من القرآن أو سخر بآية منه إلا المعوذتين ففي إنكارهما اختلاف‏.‏ والصحيح كفره وقيل لا وقيل إن كان عاميا يكفر وإن كان عالما لا وبوضع رجله على المصحف عند الحلف مستخفا وبقراءة القرآن على ضرب الدف أو القضيب وباعتقاد أن القرآن مخلوق حقيقة والمزاح بالقرآن كقوله‏:‏ ‏{‏التفت الساق بالساق‏}‏ أو ملأ قدحا وجاء به وقال ‏{‏وكأسا دهاقا‏}‏ أو قال عند الكيل أو الوزن ‏{‏وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون‏}‏ وقيل إن كان جاهلا لا يكفر وبقوله القرآن أعجمي ولو قال فيه كلمة أعجمية ففي أمره نظر وفي تسميته آلة الفساد كراسته وبقراءة القارئ ‏{‏يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم‏}‏ مريدا مدرسا اسمه إبراهيم وبنظمه القرآن بالفارسية وببراءته من القرآن لأمر خافه لكن قال الوبري أخاف كفره وبإنكاره القراءة في الصلاة وقيل لا وبقول المريض لا أصلي أبدا جوابا لمن قال له صلي وقيل لا وكذا قوله لا أصلي حين أمر بها وقيل إنما يكفر إذا قصد نفي الوجوب وبقول العبد لا أصلي فإن الثواب يكون للمولى وبقوله جوابا لصل إن الله نقص من مالي فأنا أنقص من حقه وبقول مصلي رمضان فقط إن الصلاة في رمضان تساوي سبعين صلاة وبترك الصلاة متعمدا غير ناو للقضاء وغير خائف من العقاب وبصلاته لغير القبلة متعمدا أو في ثوب نجس أو بغير وضوء عمدا‏.‏ والمأخوذ به الكفر في الأخيرة فقط وقيل لا في الكل ومحل الاختلاف إذا لم يكن استخفافا بالدين لا بسجوده بغير طهارة ويكفر بإتيانه عيد المشركين مع ترك الصلاة تعظيما لهم وبقوله لا أؤدي الزكاة بعد الأمر بأدائها على قول ولو تمنى أن لا يفرض رمضان فالصواب أنه على نيته ويكفر بقوله جاء الشهر الثقيل إلا إذا أراد التعب لنفسه وباستهانته للشهور المفضلة وبقوله إن هذه الطاعات جعلها الله تعالى عذابا علينا بلا تأويل أو قال لو لم يفرض الله هذه الطاعات لكان خيرا لنا وبالاستهزاء بالأذكار وبتسميته عند أكل الحرام أو فعل حرام كالزنا واختلف في تحميده عند الفراغ منه وبقوله لا أقول‏:‏ عند أمره بقوله لا إله إلا الله وقيل لا إن عنى أني لا أقول‏:‏ بأمرك ولا يكفر المريض إذا قيل له قل لا إله إلا الله فقال لا أقول‏:‏ ويكفر بالاستهزاء بالأذان لا بالمؤذن وبإنكاره القيامة أو البعث أو الجنة أو النار أو الميزان أو الحساب أو الصراط أو الصحائف المكتوب فيها أعمال العباد لا إذا أنكر بعث رجل بعينه واختلف في تكفير امرأة لا تعرف أن اليهود يبعثون‏.‏ وسئل أبو يوسف رحمه الله عن امرأة لا تعرف أن الكفار يدخلون النار فقال تعلم ولا تكفر ويكفر بإنكاره رؤية الله عز وجل بعد دخول الجنة وبإنكاره عذاب القبر وبقوله لا أعلم أن اليهود والنصارى إذا بعثوا هل يعذبون بالنار وبإنكار حشر بني آدم أو غيرهم ولا بقوله أن المثاب والمعاقب الروح فقط ولا بقوله سلمتها إلى من لا يمنع السارق جوابا لمن وضع ثيابه وقال سلمتها إلى الله ويخاف الكفر على من قال للآمر بالمعروف غوغا على وجه الرد والإنكار ويكفر بقوله له فضولي ويخاف عليه بقوله أيهما أسرع وصولا جوابا لمن قال له حلال واحد أحب إليك أم حرامان ويكفر بتصدقه على فقير بشيء حرام يرجو الثواب وبدعاء الفقير له عالما به وبتأمين المعطى وبقوله الحرام أحب إلي جوابا بالقول القائل له كل من الحلال لا بقوله إني أحتاج إلى كثرة المال والحلال والحرام عندي سواء ولا بقوله لحرام هذا حلال من غير أن يعتقده فلا يكفر السوقي بقوله هذا حلال للحرام ترويجا لشرائه والأصل أن من اعتقد الحرام حلالا فإن كان حراما لغيره كمال الغير لا يكفر‏.‏ وإن كان لعينه فإن كان دليله قطعيا كفر وإلا فلا وقيل التفصيل في العالم أما الجاهل فلا يفرق بين الحلال والحرام لعينه ولغيره وإنما الفرق في حقه إنما كان قطعيا كفر به وإلا فلا فيكفر إذا قال الخمر ليس بحرام وقيده بعضهم بما إذا كان يعلم حرمتها لا بقوله حرام ولكن ليست هذه التي تزعمون أنها حرام ويكفر من قال إن حرمة الخمر لم تثبت بالقرآن ومن زعم أن الصغائر والكبائر حلال وباستحلاله الجماع للحائض لا في الاستبراء وقيل لا في الأول وهو الصحيح ولا باستحلال سؤر كلب أو ربع أرض غصب وباستحلال اللواطة إن علم حرمته من الدين وبقوله هي لي حلال حين نهي عن تقبيله أجنبية وبقوله الشريعة كلها تلبيس أو حيل إن قال في كل الشرائع لا فيما يرجع إلى المعاملات مما تصح فيه الحيل الشرعية وقيل يكفر في الأول مطلقا ويخاف عليه الكفر إذا شتم عالما أو فقيها من غير سبب ويكفر بقوله لعالم ذكر الحمار في إست علمك مريدا به علم الدين وبجلوسه على مكان مرتفع والتشبه بالمذكرين ومعه جماعة يسألون منه المسائل ويضحكون منه ثم يضربونه بالمحراق وكذا يكفر الجميع لاستخفافهم بالشرع‏.‏ وكذا لو لم يجلس على مكان مرتفع ولكن يستهزئ بالمذكرين ويتمشى والقوم يضحكون وبإلقاء الفتوى على الأرض حين أتى بها خصمه وبقوله لا تذهب وإن ذهبت تطلق امرأتك استهزاء بالعلم والعلماء جوابا لمن قال إلى مجلس العلم جوابا لقوله أين تذهب وبقوله قصعة من ثريد خير من العلم لا بقوله خير من الله لإرادته أنها نعمة من الله والأول لا تأويل له سوى الاستخفاف بالعلم وبقول المريض المشتد مرضه إن شئت توفني مسلما وإن شئت كافرا وبقول المبتلى أخذت مالي وأخذت ولدي وأخذت كذا وكذا فماذا تفعل وماذا بقي وبقوله عمدا لا جوابا لمن قال له ألست مسلما حين ضرب عبده أو ولده ضربا شديدا لا إن غلط أو قصد الجواب وبقول الزوج ليس لي حمية ولا دين الإسلام حين قالت له امرأته ذلك وبقوله لمسلم يا كافر عند البعض ولو أحد الزوجين للآخر والمختار للفتوى أن يكفر إن اعتقده كافرا لا إن أراد شتمه وبقوله لبيك جوابا لمن قال يا كافر يا يهودي يا مجوسي وبقوله أنا ملحد لأن الملحد كافر ولو قال ما علمته لا يعذر وبقوله المعتذر لغيره كنت كافرا فأسلمت عند بعضهم وقيل لا وبقوله كنت مجوسيا أسلمت الآن وبنسيان العاصي التوبة وتحقير الذنب وعدم رؤية العقوبة بالذنب وعدم رؤية المعاصي قبيحة وبعدم رؤية الطاعة حسنا وبعدم رؤيته الثواب على الطاعة وبعدم رؤيته وجوب الطاعات وبقوله كفرت حين تكلم بكلمة زعم القوم أنها كفر وليست بكفر فقيل له كفرت وطلقت زوجتك وتكفر المرأة إذا تكلمت بالكفر لقصد أن تحرم على زوجها والإيمان مستقر في قلبها وقولها أصير كافرة حتى أتخلص من الزوج ومن قصد الكفر ساعة أو يوما فهو كافر في جميع العمر وبتمنيه الكفر أن لو كان كافرا فأسلم حين أسلم كافرا فأعطي شيئا وبتمنيه أن لم يحرم الظلم والزنا والقتل بغير حق وكل حرام لا يكون حلالا في وقت بخلاف الخمر ومناكحة المحارم وبتمنيه أن لو كان نصرانيا حتى يتزوج نصرانية سمينة رآها وبوضع قلنسوة المجوسي على رأسه على الصحيح إلا لضرورة دفع الحر أو البرد وبشد الزنار في وسطه إلا إذا فعل ذلك خديعة في الحرب وطليعة للمسلمين وبقوله معلم صبيان اليهود خير من المسلمين بكثير فإنهم يقضون حقوق معلمي صبيانهم وبقوله المجوسية خير مما أنا فيه يعني فعله وبقوله النصرانية خير من المجوسية لا بقوله المجوسية شر من النصرانية وبقوله النصرانية خير من اليهودية وينبغي أن يقول النصرانية شر من اليهودية وبقوله لمعاملة الكفر خير مما أنت تفعل عند بعضهم مطلقا‏.‏ وقيده الفقيه أبو الليث بأن يقصد تحسين الكفر لا تقبيح معاملته وبخروجه إلى نيروز المجوس والموافقة معهم فيما يفعلون في ذلك اليوم وبشرائه يوم النيروز شيئا لم يكن يشتريه قبل ذلك تعظيما للنيروز لا للأكل والشرب وبإهدائه ذلك اليوم للمشركين ولو بيضة تعظيما لذلك اليوم لا بإجابته دعوة مجوسي حلق رأس ولده وبتحسين أمر الكفار اتفاقا حتى قالوا لو قال ترك الكلام عند أكل الطعام من المجوسي حسن أو ترك المضاجعة حالة الحيض منهم حسن فهو كافر وبذبحه شيئا في وجه إنسان وقت الخلعة أو للقادم من الحج أو الغزو والمذبوح ميتة وقيل لا يكفر وقوله لسلطان زماننا عادل وقيل لا وعلى هذا الاختلاف قول الخطباء في ألقاب السلطان العادل الأعظم مالك رقاب الأمم سلطان أرض الله مالك بلاد الله وبقوله لا تقل للسلطان هذا حين عطس السلطان فقال له رجل يرحمك الله ويسقي ولده الخمر فجاء أقرباؤه ونثروا الدراهم والسكر كفر الكل وكذا لو لم ينثروا الدراهم ولكنهم قالوا مبارك واختلفوا فيما إذا قال أحب الخمر فلا أصبر عنها ويكفر بتلقين كلمة الكفر ليتكلم بها ولو على وجه اللعب وبأمره امرأة بالارتداد لتبين من زوجها وبالإفتاء بذلك وإن لم تكفر المرأة بناء على أن الرضا بكفر غيره كفر وقيل لا وبعزمه على أن يأمر بالكفر وبقوله لمن ينازعه أفعل كل يوم عشرة أمثالك من الطين أو لم يقل من الطين قاصدا من حيث الخلقة لا من حيث بيان صنعته ولا بقوله قد خلقت هذه الشجرة لأنه يراد به عادة الفرس حتى لو عنى به حقيقة الخلق يكفر ولا بقوله لغيره ينبغي لك أن تسجد لي سجدة لأن المراد منه الشكر والمنة‏.‏ ويكفر بقوله أي شيء أصنع إذا لزمني الكفر جوابا لمن قال له أي شيء تصنع قد لزمك الكفر وبإبداله حرفا أو آية من القرآن عمدا وباعتقاد أن الخراج ملك السلطان لا بقوله أنا فرعون أو إبليس إلا إذا قال اعتقادي كاعتقاد فرعون ومن حسن كلام أهل الأهواء وقال معنوي أو كلام له معنى صحيح إن كان ذلك كفرا من القائل كفر المحسن وكذا من حسن رسوم الكفرة واختلفوا في تكفير من قال إن إبراهيم بن أدهم رأوه بالبصرة يوم التروية وفي ذلك اليوم بمكة ومسألة ثبوت النسب بين المشرقي وبين المغربية تؤيد القائل بعدمه ويخاف الكفر على من قال بحياتي وحياتك وأجمعوا على أن من شك في إيمانه فهو كافر وهو أن يكون مصدقا لكن يشك أن هذا التصديق إيمان أو كفر واختلفوا في أنا مؤمن إن شاء الله هذا كله حاصل ما في التتارخانية من الفصول من باب ألفاظ التكفير سوى الفارسي وفي الخلاصة يكفر بقوله أنا بريء من الثواب والعقاب وبقوله لو عاقبني الله مع ما بي من المرض ومشقة الولد فقد ظلمني وبشد المرأة حبلا في وسطها وقالت هذا زنار ومن أبغض عالما من غير سبب ظاهر خيف عليه الكفر ولو صغر الفقيه أو العلوي قاصدا الاستخفاف بالدين كفر لا إن لم يقصده والسجود للجبابرة كفر إن أراد به العبادة لإن أراد به التحية على قول الأكثر وفي البزازية قال علماؤنا من قال أرواح المشايخ حاضرة تعلم يكفر ومن قال بخلق القرآن فهو كافر‏.‏ ومن قال إن الإيمان مخلوق فهو كافر كذا في كثير من الفتاوى وهو محمول على أنه بمعنى هداية الرب وأما فعل العبد فهو مخلوق وإذا أخذ أحد المكس مقاطعة فقالوا له مبارك كفروا ووقعت بسراي الجديدة واقعة وهي أن واحدا قاطع على مال معلوم احتسابا بها أعني الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فضربوا على بابه طبولات وبوقات ونادوا مبارك باد لمقاطعته الاحتساب وكان إمام الجامع فامتنعنا من الصلاة خلفه حتى عرض على نفسه الإسلام أخذا من هذه المسألة قال لرجل يا أحمر قال خلقني الله من سويق التفاح وخلقك من طين كفر قال واحد من الفسقة لو وضعت هذه الخمرة بين يدي جبريل عليه السلام لرفعها على جناحه يكفر ولا يكفر بقوله يا حاضر يا ناظر ولا بقوله درويش درويشان والقول بالكفر بكل منهما باطل وفي جامع الفصولين روى الطحاوي عن أصحابنا لا يخرج الرجل من الإيمان إلا جحود ما أدخله فيه ما تيقن أنه ردة يحكم بها به وما يشك أنه ردة لا يحكم بها إذ الإسلام الثابت لا يزول بشك مع أن الإسلام يعلو وينبغي للعالم إذا رفع إليه هذا أن لا يبادر بتكفير أهل الإسلام مع أنه يقضي بصحة إسلام المكره أقول‏:‏ قدمت هذه لتصير ميزانا فيما نقلته في هذا الفصل من المسائل فإنه قد ذكر في بعضها أنه كفر مع أنه لا يكفر على قياس هذه المقدمة فليتأمل ا هـ‏.‏ وفي الفتاوى الصغرى الكفر شيء عظيم فلا أجعل المؤمن كافرا متى وجدت رواية أنه لا يكفر ا هـ‏.‏ وقال قبله وفي الجامع الأصغر إذا أطلق الرجل كلمة الكفر عمدا لكنه لم يعتقد الكفر قال بعض أصحابنا لا يكفر لأن الكفر يتعلق بالضمير ولم يعقد الضمير على الكفر وقال بعضهم يكفر وهو الصحيح عندي لأنه استخف بدينه ا هـ‏.‏ وفي الخلاصة وغيرها إذا كان في المسألة وجوه توجب التكفير ووجه واحد يمنع التكفير فعلى المفتي أن يميل إلى الوجه الذي يمنع التكفير تحسينا للظن بالمسلم زاد في البزازية إلا إذا صرح بإرادة موجب الكفر فلا ينفعه التأويل حينئذ وفي التتارخانية لا يكفر بالمحتمل لأن الكفر نهاية في العقوبة فيستدعي نهاية في الجناية ومع الاحتمال لا نهاية ا هـ‏.‏ والحاصل أن من تكلم بكلمة الكفر هازلا أو لاعبا كفر عند الكل ولا اعتبار باعتقاده كما صرح به قاضي خان في فتاويه ومن تكلم بها مخطئا أو مكرها لا يكفر عند الكل ومن تكلم بها عالما عامدا كفر عند الكل ومن تكلم بها اختيارا جاهلا بأنها كفر ففيه اختلاف والذي تحرر أنه لا يفتى بتكفير مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن أو كان في كفره اختلاف ولو رواية ضعيفة فعلى هذا فأكثر ألفاظ التكفير المذكورة لا يفتى بالتكفير بها ولقد ألزمت نفسي أن لا أفتي بشيء منها وأما مسألة تكفير أهل البدع المذكورة في الفتاوى فقد تركتها عمدا لأن محلها أصول الدين وقد أوضحها المحقق في المسايرة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ بعرض الإسلام على المرتد‏)‏ أي يعرضه الإمام والقاضي وهو مروي عن عمر رضي الله عنه لأن رجاء العود إلى الإسلام ثابت لاحتمال أن الردة كانت باعتراض شبهة لم يبين صفته وظاهر المذهب استحبابه فقط ولا يجب لأن الدعوة قد بلغته وعرض الإسلام هو الدعوة إليه ودعوة من بلغته الدعوى غير واجبة ولم يذكر تكرار العرض عليه وفي الخانية يعرض عليه الإسلام في كل يوم من أيام التأجيل‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتكشف شبهته‏)‏ بيان لفائدة العرض أي فإن كان له شبهة أبداها كشفت عنه لأنه عساه اعترضت له شبهة فتزاح عنه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويحبس ثلاثة أيام فإن أسلم وإلا قتل‏)‏ لأنها مدة ضربت لإبداء الأعذار وهو مروي عن عمر رضي الله عنه أطلقه فأفاد أنه يمهل وإن لم يطلبه وهو رواية وظاهر الرواية أنه لا يمهل بدون استمهال بل يقتل من ساعته كما في الجامع الصغير إلا إذا كان الإمام يرجو إسلامه كما في البدائع وإذا استمهل فظاهر المبسوط الوجوب فإنه قال إذا طلب التأجيل كان على الإمام أن يمهله وعن الإمام الاستحباب مطلقا وأفاد بإطلاقه أنه يفعل به ذلك إذا ارتد ثانيا إلا أنه إذا تاب ضربه الإمام وخلى سبيله وإن ارتد ثالثا ثم تاب ضربه الإمام ضربا وجيعا وحبسه حتى تظهر عليه التوبة ويرى أنه مسلم مخلص ثم خلى سبيله فإن عاد فعل به هكذا كذا في التتارخانية‏.‏

وأفاد بإطلاقه أنه لا فرق بين ردة وردة من أنه إذا أسلم ويستثنى منه مسائل الأولى الردة بسبه صلى الله عليه وسلم قال في فتح القدير كل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلبه كان مرتدا فالساب بطريق أولى ثم يقتل حدا عندنا فلا تقبل توبته في إسقاطه القتل قالوا هذا مذهب أهل الكوفة ومالك ونقل عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولا فرق بين أن يجيء تائبا من نفسه أو شهد عليه بذلك بخلاف غيره من المكفرات فإن الإنكار فيها توبة فلا تعمل الشهادة معه حتى قالوا يقتل وإن سب سكران ولا يعفى عنه ولا بد من تقييده بما إذا كان سكره بسبب محظور باشره مختارا بلا إكراه وإلا فهو كالمجنون قال الخطابي لا أعلم أحدا خالف في وجوب قتله وأما مثله في حقه تعالى فتقبل توبته في إسقاط قتله ا هـ‏.‏ وعلله البزازي بأنه حق تعلق به حق العبد فلا يسقط بالتوبة كسائر حقوق الآدميين وكحد القذف لا يزول بالتوبة وصرح بأن سب واحد من الأنبياء كذلك وقوله في فتح القدير في إسقاط القتل يفيد أن توبته مقبولة عند الله تعالى وهو مصرح به‏.‏

الثانية الردة بسب الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وقد صرح في الخلاصة والبزازية بأن الرافضي إذا سب الشيخين وطعن فيهما كفر وإن فضل عليا عليهما فمبتدع ولم يتكلما على عدم قبول توبته وفي الجوهرة من سب الشيخين أو طعن فيهما كفر ويجب قتله ثم إن رجع وتاب وجدد الإسلام هل تقبل توبته أم لا قال الصدر الشهيد لا تقبل توبته وإسلامه ونقتله وبه أخذ الفقيه أبو الليث السمرقندي وأبو نصر الدبوسي وهو المختار للفتوى ا هـ‏.‏ وحيث لا تقبل توبته علم أن سب الشيخين كسب النبي صلى الله عليه وسلم فلا يفيد الإنكار مع البينة كما تقدم عن فتح القدير لأنا نجعل إنكار الردة توبة إن كانت مقبولة كما لا يخفى‏.‏

الثالثة لا تقبل توبة الزنديق في ظاهر المذهب وهو من لا يتدين بدين وأما من يبطن الكفر والعياذ بالله تعالى ويظهر الإسلام فهو المنافق ويجب أن يكون حكمه في عدم قبولنا توبته كالزنديق لأن ذلك في الزنديق لعدم الاطمئنان إلى ما يظهر من التوبة إذا كان قد يخفي كفره الذي هو عدم اعتقاده دينا والمنافق مثله في الإخفاء وعلى هذا فطريق العلم بحياله إما بأن يعثر بعض الناس عليه أو يسره إلى من أمن إليه والحق أن الذي يقتل ولا تقبل توبته هو المنافق فالزنديق إن كان حكمه ذلك فيجب أن يكون مبطنا كفره الذي هو عدم التدين بدين ويظهر تدينه بالإسلام أو غيره إلى أن ظفرنا به وهو عربي وإلا لو فرضناه مظهرا لذلك حتى تاب يجب أن لا يقتل وتقبل توبته كسائر الكفار المظهرين لكفرهم إذا أظهروا التوبة وكذا من علم أنه ينكر في الباطن بعض الضروريات كحرمة الخمر ويظهر اعتقاد حرمته كذا في فتح القدير وفي الخانية قالوا إن جاء الزنديق قبل أن يؤخذ فأقر أنه زنديق فتاب عن ذلك تقبل توبته وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل ا هـ‏.‏

وتفصيل حسن موافق لما بحثه في فتح القدير هو الرابعة توبة الساحر جعله في فتح القدير كالزنديق لا تقبل توبته وفي الخانية من كتاب الحظر والإباحة الساحر إذا تاب فهو على وجوه إن كان يعتقد نفسه خالقا لما يفعل فإن تاب عن ذلك فقال خالق كل شيء هو الله تعالى وتبرأ عما كان يقول تقبل توبته ولا يقتل وإن كان الساحر يستعمل السحر بالتجربة والامتحان ولا يعتقد لذلك أثرا لا يقتل لأنه ليس بكافر وساحر يجحد السحر ولا يدري كيف يفعل ولا يقربه قالوا لا يستتاب بل يقتل إذا ثبت أنه يستعمل السحر وفي بعض المواضع ذكر أن الاستتابة أحوط وقال الفقيه أبو الليث إذا تاب الساحر قبل أن يؤخذ تقبل توبته ولا يقتل وإن أخذ ثم تاب لم تقبل توبته ويقتل وكذا الزنديق المعروف الداعي والفتوى على هذا القول ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وتقبل الشهادة بالردة من عدلين ولا يعلم مخالف إلا الحسن قال لا يقبل في القتل إلا أربعة قياسا على الزنا وإذا شهدوا على مسلم بالردة وهو منكر لا يتعرض له لا لتكذيب الشهود العدول بل لأن إنكاره توبة ورجوع ا هـ‏.‏ وهذا معنى قوله فيما نقلناه آنفا عنه أن الشهادة لا تعمل مع الإنكار وليس المراد أن ردته لا تثبت بالشهادة مع الإنكار بل تثبت ويحكم بها حتى تبين زوجته منه ويجب تجديد النكاح وإنما يمتنع القتل فقط للتوبة بالإنكار وقد رأيت من يغلط في هذا المحل وقد ذكر المصنف للردة أحكاما أربعة العرض والكشف والحبس والقتل إن لم يسلم وقد بقي لها أحكام كثيرة منها حبط العمل عندنا بنفس الردة وعند الشافعي بشرط الموت عليها كذا في البدائع أي إبطال العبادات وفي الخلاصة من ارتد ثم أسلم وهو قد حج مرة فعليه أن يحج ثانيا وليس عليه إعادة الصلوات والزكوات والصيامات لأن بالردة كأنه لم يزل كافرا فإذا أسلم وهو غني فعليه الحج وليس عليه قضاء سائر العبادات ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية معزيا إلى اليتيمة قيل له لو تاب أتعود حسناته قال هذه المسألة مختلفة فعند أبي علي وأبي هاشم وأصحابنا أنها تعود وعند أبي قاسم الكعبي أنها لا تعود ونحن نقول أنه لا يعود ما بطل من ثوابه لكنه تعود طاعاته المتقدمة مؤثرة في الثواب بعد ا هـ‏.‏ وفيها معزيا إلى السراجية من ارتد ثم أسلم ثم ارتد ومات فإنه يؤاخذ بعقوبة الكفر الأول والثاني وهو قول الفقيه أبي الليث ومن العبادات التي بطلت بردته وقفه الذي وقفه حال إسلامه سواء كان على قربة ابتداء أو على ذريته ثم على المساكين لأنه قربة ولا بقاء لها مع وجود الردة وإذا عاد مسلما لا يعود وقفه إلا بتجديد منه وإذا مات أو قتل أو لحق كان الوقف ميراثا بين ورثته كما أوضحه الخصاف في آخر أوقافه ومنها بقاء المعصية مع الردة ولذا قال في الخانية إذا كان على المرتد قضاء صلوات أو صيامات تركها في الإسلام ثم أسلم قال شمس الأئمة الحلواني عليه قضاء ما ترك في الإسلام لأن ترك الصلاة والصيام معصية والمعصية تبقى بعد الردة ا هـ‏.‏ ومنها أنه لا يجب عليه شيء من العبادات عندنا لعدم خطاب الكفار بالشرائع عندنا فلا يقضي ما فاته زمن ردته بعد إسلامه ومنها ما في الخانية مسلم أصاب مالا أو شيئا يجب به القصاص أو حد قذف ثم ارتد وأصاب ذلك وهو مرتد في دار الإسلام ثم لحق بدار الحرب وحارب المسلمين زمانا ثم جاء مسلما فهو مأخوذ بجميع ذلك ولو أصاب ذلك بعدما لحق بدار الحرب مرتدا وأسلم فذلك كله موضوع عنه لأنه أصابه وهو حربي في دار الحرب والحربي لا يؤاخذ بعد الإسلام بما كان أصابه حال كونه محاربا وما أصاب المسلم من حدود الله تعالى كالزنا والسرقة وقطع الطريق ثم ارتد أو أصاب ذلك بعد الردة ثم لحق بدار الحرب ثم جاء مسلما فكل ذلك يكون موضوعا عنه إلا أنه يضمن المال في السرقة وإذا أصاب دما في الطريق كان عليه القصاص لأن ما كان من حقوق العباد كان المرتد مأخوذا بذلك وما أصاب في قطع الطريق من القتل خطأ ففيه الدية على عاقلته إن أصابه قبل الردة وفي ماله إن أصابه بعد الردة‏.‏ وإن وجب على المسلم حد الشرب من الخمر أو المسكر ثم ارتد ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فإنه لا يؤاخذ بذلك لأن الكفر يمنع وجوب هذا الحد ابتداء حتى لا يجب على الذمي والمستأمن فإذا اعترض الكفر بعد الوجوب يمنع البقاء وإن أصاب ذلك والمرتد محبوس في يد الإمام فإنه لا يؤاخذ بحد الخمر والسكر وهو مؤاخذ بما سوى ذلك من حدود الله تعالى ويتمكن الإمام من إقامة هذا الحد إذا كان في يده فإن لم يكن في يده حين أصاب ذلك ثم أسلم قبل اللحوق بدار الحرب فذلك موضوع عنه أيضا ا هـ‏.‏ وسيأتي حكم تصرفاته وأملاكه وجنايته وأولاده في الكتاب وأشار بقوله وإلا قتل إلى أنه لا يجوز استرقاقه وإن لحق بدار الحرب لأنه لم يشرع فيه إلا الإسلام أو السيف وفي الخانية لا يترك على ردته بإعطاء الجزية ولا بأمان موقت ولا بأمان مؤبد ولا يجوز استرقاقه بعد اللحاق مرتدا إذا أخذه المسلمون أسيرا ويجوز استرقاق المرتدة بعد اللحاق ا هـ‏.‏ ومن أحكامه أنه لا عاقلة له لأنها للمعونة وهو لا يعاون كذا في البدائع وقد مضى في باب نكاح الكافر وقوع الفرقة بردة أحد الزوجين وفي المحرمات أنه لا ينكح ولا ينكح وسيأتي أنه لا يرث من أحد لانعدام الملة والولاية فقد ظهر أن الردة أفحش من الكفر الأصلي في الدنيا والآخرة وأطلق في القتل فشمل الحر والعبد فولاية قتل العبد المرتد للإمام لا للمولى لإطلاق النصوص وفي الولوالجية إذا باع عبده المرتد أو أمته المرتدة جاز والردة عيب لأنه مملوك له فيجوز بيعه وفي حق العبد يوجب استحقاق القتل عليه فيكون عيبا وردة الأمة تفوت على المشتري منفعة الوطء فيكون عيبا أيضا ا هـ‏.‏ وفي شرح المجمع معزيا إلى الحقائق ولا تجالس ولا تواكل ولا تباع ا هـ‏.‏ ويشترط في جواز قتل المرتد أن لا يكون إسلامه بطريق التبعية ولذا قال في البدائع صبي أبويه مسلمان حتى حكم بإسلامه تبعا لأبويه فبلغ كافرا ولم يسمع منه إقرار باللسان بعد البلوغ لا يقتل لانعدام الردة منه إذ هي اسم للتكذيب بعد سابقة التصديق ولم يوجد منه التصديق بعد البلوغ حتى لو أقر بالإسلام ثم ارتد يقتل ولكنه في الأولى يحبس لأنه كان له حكم الإسلام قبل البلوغ تبعا والحكم في إكسابه كالحكم في إكساب المرتد لأنه مرتد حكما ا هـ‏.‏ وأن لا يكون في إسلامه شبهة لأن السكران لو أسلم صح إسلامه فإن رجع مرتدا لا يقتل كالصبي العاقل إذا ارتد كذا في التتارخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإسلامه أن يتبرأ عن الأديان كلها أو عما انتقل إليه‏)‏ أي إسلام المرتد بذلك ومراده أن يتبرأ عن الأديان كلها سوى دين الإسلام وتركه لظهوره ولم يذكر الشهادتين وصرح في العناية بأن التبرؤ بعد الإتيان بالشهادتين وفي شرح الطحاوي سأل أبو يوسف كيف يسلم فقال‏:‏ إن يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقر بما جاء من عند الله ويتبرأ من الذي انتحله وقال لم أدخل في هذا الدين قط وأنا بريء منه وقوله قط يريد منه معنى أبدا لأن قط ظرف لما مضى لا لما يستقبل كذا في فتح القدير والإقرار بالبعث والنشور مستحب وقوله عما انتحله أي ادعاه لنفسه كاليهود والنصارى كذا في الظهيرية وأفاد باشتراط التبري أنه لو أتى بالشهادتين على وجه العادة لم ينفعه ما لم يرجع عما قال إذ لا يرتفع بهما كفره كذا في البزازية وجامع الفصولين‏.‏ وقيد بإسلام المرتد لأن في إسلام غيره من الكفار تفصيلا فإن كان الكافر جاحدا للباري سبحانه وتعالى كعبدة الأوثان أو مقرا بالباري مشركا غيره معه كالثنوية فإنه يكون مسلما بإحدى الشهادتين وكذا إذا قال أنا على دين الإسلام أو على الحنيفية وإن كان موحدا جاحدا للرسالة فلا يصير مسلما بكلمة التوحيد حتى يقول محمد رسول الله وفي مجموع النوازل قال مجوسي صلى الله على محمد لا يكون مسلما ولو قال أسلمت فهو إسلام وفي الروضة لو قال الكافر آمنت بما آمن به الرسل صار مسلما وفي مجموع النوازل إذا قال الكافر الله واحد يصير مسلما ولو قال لمسلم دينك حق لا يصير مسلما وقيل يصير مسلما إلا إذا قال حق ولكن لا أؤمن به ولو قال برئت من اليهودية ولم يقل دخلت في دين الإسلام لا يكون مسلما وفي التجريد لو قال اليهودي أو النصراني لا إله إلا الله وتبرأ من النصرانية فليس بإسلام ولو قال مع ذلك ودخلت في دين الإسلام أو دين محمد صلى الله عليه وسلم كان مسلما الكل من الخلاصة وفي المحيط من يقر من اليهود والنصارى برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ولكنهم يزعمون أنه رسول إلى العرب لا إلى بني إسرائيل كما في بلاد العراق فإنه لا يكون مسلما بإقراره أن محمدا رسول الله حتى يتبرأ من دينه ذلك أو يقر بأنه دخل في دين الإسلام ا هـ‏.‏ ثم اعلم أن الإسلام يكون بالفعل أيضا كالصلاة بجماعة أو الإقرار بها أو الأذان في بعض المساجد أو الحج وشهود المناسك لا الصلاة وحده ومجرد الإحرام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكره قتله قبله‏)‏ أي قبل عرض الإسلام لأن إسلامه مرجو قال في الهداية ومعنى الكراهة هنا ترك المستحب ا هـ‏.‏ يعني‏:‏ فهي كراهة تنزيه وهو مبني على القول باستحباب العرض وأما من قال بوجوبه فهي كراهة تحريم كما في فتح القدير أطلقه فشمل قتل الإمام وغيره لكن إن قتله غيره أو قطع عضوا منه بغير إذن الإمام أدبه الإمام كما في شرح الطحاوي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يضمن قاتله لأن الكفر مبيح للقتل‏)‏ وكل جناية على المرتد فهي هدر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا تقتل المرتدة بل تحبس حتى تسلم‏)‏ لنهيه صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء ولأن الأصل تأخير الأجزية إلى دار الآخرة إذ تعجيلها يخل بمعنى الابتلاء وإنما عدل عنه دفعا لشر ناجز وهو الحراب ولا يتوجه ذلك من النساء لعدم صلاحية البنية بخلاف الرجال فصارت كالمرتدة الأصلية أطلقها فشمل الحرة والأمة ويستثنى منه المرتدة بالسحر لما في المحيط والساحرة تقتل إذا كانت تعتقد أنها هي الخالقة لذلك لتصير مرتدة وإن كانت المرتدة لا تقتل لما جاء من الأثر من أن عمر رضي الله عنه كتب إلى عماله أن اقتلوا الساحر والساحرة وذكر في المنتقى أن الساحرة لا تقتل ولكنها تحبس وتضرب كالمرتدة والأول أصح لأن ضرر كفرها وهو سحرها يتعدى إلى الحي المعصوم بفوات حياته فتقتل كالرجل ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية الخنثى المشكل إذا ارتد لم يقتل ويحبس ويجبر على الإسلام ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف حكم قاتلها قال في فتح القدير ولو قتلها قاتل لا شيء عليه حرة كانت أو أمة ذكره في المبسوط ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية معزيا إلى العتابية وفي الأمة يضمن لمولاها ا هـ‏.‏ وفي الولوالجية وإن قتلها قاتل لم يضمن شيئا لأن قيمة الدم بالإسلام وقد زال ويؤدب على ذلك لارتكابه ما لا يحل ا هـ‏.‏ وظاهر كلامه أنه لا فرق بين الحرة والأمة في عدم الضمان فإنه قال أولا ومن قتل حرة مرتدة لم يضمن ثم قال وكذا الأمة وأطلق في حبسها فشمل الأمة لكن الأمة تدفع إلى مولاها فيجعل حبسها بيت السيد سواء طلب هو ذلك أم لا في الصحيح ويتولى هو جبرها جمعا بين حق الله وحق السيد في الاستخدام فإنه لا منافاة بخلاف العبد المرتد لأنه لا فائدة في دفعه إليه لأنه يقتل‏.‏ ويستثنى من خدمته لها وطؤها فقد صرح الإسبيجابي بأنه لا يطؤها وقدمنا عن الولوالجي ما يفيده وأفاد بقوله تحبس أنها لا تسترق في دار الإسلام وقدمنا فيه رواية في باب نكاح الكافر مع بقية أحكام ردتها فارجع إليه ولم يذكر المصنف أنها تضرب لأنه لم يذكر في الجامع الكبير ولا في ظاهر الرواية وقد نقل الشارحون في باب نكاح الكافر أنها إذا ارتدت تضرب خمسة وسبعين وهو اختيار لقول أبي يوسف في نهاية التعزير وهو المأخوذ به في كل تعزير بالضرب كما في الحاوي القدسي وذكر في فتح القدير هنا ويروى عن أبي حنيفة أنها تضرب في كل يوم وقدرها بعضهم بثلاثة وعن الحسن تضرب في كل يوم تسعة وثلاثين سوطا إلى أن تموت أو تسلم ولم يخصه بحرة ولا أمة وهذا قتل معنى لأن موالاة الضرب تفضي إليه ا هـ‏.‏ وأطلق في حبسها فشمل ما إذا لحقت بدار الحرب ثم سبيت واسترقت فإنها تجبر على الإسلام بالضرب والحبس ولا تقتل كما صرح به في البدائع ولا يكون استرقاقها مسقطا عنها الجبر على الإسلام كما لو ارتدت الأمة ابتداء فإنها تجبر على الإسلام وشمل ما إذا كانت صغيرة عاقلة لما في المحيط من باب ما يجب للمطلقة قبل الدخول ما يجب جزاء على الردة يجوز أن تؤاخذ الصغيرة به ألا ترى أنها تحبس على الردة كما تحبس الكبيرة والحبس جزاء الردة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويزول ملك المرتد عن ماله زوالا موقوفا فإن أسلم عاد ملكه‏)‏ قالوا وهذا عند أبي حنيفة وعندهما لا يزول ملكه لأنه مكلف محتاج فإلى أن يقتل يبقى ملكه كالمحكوم عليه بالرجم والقصاص وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا حتى يقتل ولا يقتل إلا بالحراب وهذا يوجب زوال ملكه ومالكيته غير أنه مدعو إلى الإسلام بالإجبار عليه ويرجى عوده إليه فتوقفنا في أمره فإن أسلم جعل العارض كأن لم يكن في حق هذا الحكم فصار كأن لم يزل مسلما ولم يعمل بالسبب وإن مات أو قتل على ردته أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه استقر أمره فعمل السبب عمله وزال ملكه ثم اختلف الشيخان في حكم تبرعاته فقال أبو يوسف من جميع المال كتصرف من وجب عليه القصاص وقال محمد هو بمنزلة المريض فتكون من الثلث لكونه على شرف التلف وفي البدائع لا خلاف أنه إذا أسلم أن أمواله باقية على حكم ملكه وأنه إذا مات أو قتل أو لحق بدار الحرب أنها تزول عن ملكه وإنما الخلاف في زوالها بهذه الأشياء الثلاثة مقصورا على الحال وهو قولهما أو مستندا إلى وقت وجود الردة وهو قوله وثمرته تظهر في تصرفاته فعندهما نافذة قبل الإسلام وعنده موقوفة لوقوف أملاكه ا هـ‏.‏ قيد بالملك لأنه لا توقف في إحباط طاعاته ووقوع الفرقة بينه وبين امرأته وتجديد الإيمان فإن الارتداد بالنسبة إليها قد عمل عمله كذا في العناية وذكر في الخانية إذا استأجر المسلم دارا أو عقارا أو منقولا ثم ارتد والعياذ بالله تعالى ولحق بدار الحرب وقضى القاضي بلحاقه تبطل إجارته كأنه مات وكذا إذا استأجر ثم ارتد‏.‏ ولو أوصى لرجل بثلث ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطلت وصيته وكذا لو أوصى إلى رجل وجعله قيما في ماله ثم ارتد ولحق بدار الحرب أو لم يلحق بطل إيصاؤه وإن وكل رجلا ثم ارتد الموكل ولحق بدار الحرب ينعزل وكيله في قولهم وإن عاد إلينا مسلما هل يعود وكيلا ذكر في الوكالة أنه لا يعود وذكر في السير أنه يعود ولو ارتد الوكيل ولحق وقضى به ثم عاد مسلما قال أبو يوسف لا يعود وكيلا وقال محمد يعود ا هـ‏.‏ والحاصل أنه لا توقف في إبطال عباداته وبينونة امرأته وإيجاره واستئجاره ووصيته وإيصائه وتوكيله ووكالته وقدمنا أن من عباداته التي يطلب بردته وقفه وأنه لا يعود بإسلامه وقيد بالمرتد لأن المرتدة لا يزول ملكها عن مالها بلا خلاف فيجوز تصرفاتها في مالها بالإجماع لأنها لا تقتل فلم تكن ردتها سببا لزوال ملكها كذا في البدائع وينبغي أن يلحق بها المرتد إذا لم يقتل وهو من كان في إسلامه شبهة كما قدمناه بجامع عدم القتل ولم أره صريحا وفي الزيادات المرتدة إذا تصرفت إن كان تصرفا ينفذ من المسلم ينفذ منها وإن كان تصرفا لا ينفذ من المسلم لكن يصح ممن هو على ملة انتحلت إليها كاليهود والنصارى نفذ تصرفاتها عندهما وعنده اختلف المشايخ قال بعضهم يصح وقال بعضهم لا يصح منها إلا ما يصح من المسلم كذا في التتارخانية وثمرته في بيعها الخمر والخنزير وأفاد بقوله ملك المرتد عن ماله أن الكلام في الحر فلا يزول ما ملكه المكاتب من اليد بردته ولذا قال في الخانية وتصرفات المكاتب في ردته نافذة في قولهم ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن مات أو قتل على ردته ورث كسب إسلامه وارثه المسلم بعد قضاء دين إسلامه وكسب ردته فيء بعد قضاء دين ردته‏)‏ بيان لميراث المرتد بعد موته حقيقة وحاصله أن ما كان كسبا له زمن إسلامه فهو ميراث لورثته المسلمين اتفاقا ولا يكون فيئا عندنا خلافا للأئمة الثلاثة لأنه مات كافرا والمسلم لا يرث الكافر وهو مال حربي لا أمان له فكان فيئا ولنا أن ملكه بعد الردة باق فينتقل بموته إلى ورثته مستندا إلى ما قبيل ردته إذ الردة سبب للموت فيكون توريث المسلم من المسلم والاستناد لازم له على قول الأئمة الثلاثة أيضا لأن أخذ المسلمين له إذا لم يكن له وارث بطريق الوراثة وهو يوجب الحكم باستناده شرعا إلى ما قبيل ردته وإلا كان توريثا للكافر من المسلم ومحمل الحديث الكافر الأصلي الذي لم يسبق له إسلام فساوت قرابته المسلمين في ذلك فترجحت قرابته بجهة القرابة وتمامه في فتح القدير واستدل في البدائع بأن عليا رضي الله عنه لما قتل المستورد العجلي بالردة قسم ماله بين ورثته للمسلمين وكان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم من غير إنكار فكان إجماعا وأشار بقوله وارثه إلى أن المعتبر وجود الوارث عند الموت أو القتل أو الحكم باللحاق وهو رواية محمد عن الإمام وهو الأصح كما في النهاية وفتح القدير لأن الحادث بعد انعقاد السبب قبل تمامه كالحادث قبل انعقاده بمنزلة الولد الحادث من المبيع قبل القبض وذكر في الهداية فيه ثلاث روايات‏.‏ وحاصله كما في النهاية أن على رواية الحسن يشترط الوصفان وهما كونه وارثا وقت الردة وكونه باقيا إلى وقت الموت أو القتل حتى لو كان وارثا وقت الردة ثم مات قبل موت المرتد أو حدث وارث بعد الردة فإنهما لا يرثان وعلى رواية أبي يوسف يشترط الوصف الأول دون الثاني وعلى رواية محمد يشترط الوصف الثاني دون الأول ا هـ‏.‏ فعلى الأصح لو كان من بحيث يرثه كافرا أو عبدا يوم ارتد فعتق بعد الردة قبل أن يموت أو يلحق أو أسلم ورثه كذا في فتح القدير وكذا لو ولد له ولد من علوق حادث بعد الردة إذا كان مسلما تبعا لأمه بأن علق من أمة مسلمة له وفي الخانية مسلم ارتد أبوه فمات الابن وله معتق ثم مات الأب وله معتق مسلم فإن ميراث الأب لمعتقه لا لمعتق ابنه لأن الابن إنما يرث من أبيه المرتد عند موت المرتد فإذا مات الابن قبل موت الأب لم يرثه الابن ا هـ‏.‏ وهو مفرع على غير رواية أبي يوسف أما عليها فالمال لمعتق الابن كما لا يخفى وأطلق الوارث فشمل المرأة فترثه امرأته المسلمة إذا مات أو قتل وهي في العدة لأنه يصير فارا إن كان صحيحا وقت الردة كذا في الهداية والتحقيق أن يقال أنه بالردة كأنه مرض مرض الموت باختياره بسبب المرض ثم هو بإصراره على الكفر مختارا في الإصرار الذي هو سبب القتل حتى قتل بمنزلة المطلق في مرض موته ثم يموت قتلا أو حتف أنفه أو بلحاقه فيثبت حكم الفرار كذا في فتح القدير‏.‏ ثم اعلم أن اشتراط قيام العدة لإرثها إنما هو على غير رواية أبي يوسف أما عليها فترثه وإن كانت منقضية العدة لكونها وارثة وقت الردة وهو مروي أيضا ثم اعلم أن اشتراط قيام العدة يقتضي أنها موطوءة فلا ترث غير المدخولة وهو كذلك وذلك لأن بمجرد الردة تبين غير المدخولة لا إلى عدة فتصير أجنبية ولما لم تكن الردة موتا حقيقيا حتى أن المدخولة إنما تعتد فيها بالحيض لا بالأشهر لم تنتهض سببا للإرث إذا لم يكن عند موت الزوج أو لحاقه أثر من آثار النكاح لأن الإرث وإن استند إلى الردة لكن يتقرر عند الموت وبهذا أيضا لا ترث المنقضية عدتها كذا في فتح القدير وينبغي أن يكون مفرعا أيضا على غير رواية أبي يوسف أما عليها فلا فرق بين المدخولة وغيرها وقيد الوارث بالإسلام لأن الكافر لا يرث المرتد وفي البدائع ولو ارتد الزوجان معا ثم جاءت بولد ثم قتل الأب على ردته فإن جاءت به لأقل من ستة أشهر من وقت الردة يرثه لأنه علم أن العلوق حصل في حالة الإسلام قطعا وإن جاءت به لستة أشهر فصاعدا من وقت الردة لم يرثه لأنه يحتمل أنه علق في حالة الردة فلا يرث مع الشك ولو ارتد الزوج دون المرأة أو كانت له أم ولد مسلمة ورثه مع ورثته المسلمين‏.‏ وإن جاءت به لأكثر من ستة أشهر لأن الأم مسلمة فكان الولد على حكم الإسلام تبعا لأمه فيرث أباه ا هـ‏.‏ وأما ما كان كسبا له زمن ردته ففيه اختلاف فقالا هو كالأول ميراث لأن ملكه باق بعد الردة فينتقل بموته إلى ورثته مستندا إلى ما قبيل ردته وقال الإمام أنه فيء يوضع في بيت مال المسلمين كاللقطة لأنه إنما يمكن الاستناد في كسب الإسلام لوجوده قبل الردة ولا يمكن الاستناد في كسب الردة لعدمه قبلها ومن شرط استناد التوريث وجوده قبلها وحاصله أنه لا ملك له فيما اكتسبه زمن ردته حيث مات أو قتل وما ليس بمملوك له لا يورث عنه وهما لما قالا بأن أملاكه لا تزول بردته قالا بأن كسبه زمنها مملوك له فيورث عنه فالخلاف هنا مبني على الخلاف السابق في زوال أملاكه بالردة وفي القاموس الفيء ما كان شمسا فينسخه الظل والغنيمة والخراج والقطعة من الطير والرجوع ا هـ‏.‏ فله خمسة معان لغة وأما اصطلاحا فما يوضع في بيت مال المسلمين‏.‏ وأما حكم ديونه فأفاد أن ديون إسلامه تقضى من كسب إسلامه وأن دين ردته يقضى من كسب ردته وحاصله أن على قولهما تقضى ديونه من الكسبين لأنهما جميعا ملكه حتى يجري الإرث فيهما وأما على قول الإمام ففيه روايتان ففي رواية أبي يوسف عنه أنه في كسب الردة إلا أن لا يفي به فيقضي الباقي من كسب الإسلام وفي رواية الحسن عنه أنه في كسب الإسلام إلا أن لا يفي به فيقضي الباقي من كسب الردة وهو الصحيح لأن دين الإنسان يقضى من ماله لا من مال غيره وكذا دين الميت يقضى من ماله لا من مال وارثه وماله كسب الإسلام فأما كسب الردة فمال جماعة المسلمين فلا يقضى منه الدين إلا لضرورة فإذا لم يف به كسب الإسلام تحققت الضرورة فيقضى الباقي منه كذا في البدائع وهكذا صحح الولوالجي فقد علمت أن ما في المتن ليس على قول من الأقوال الثلاثة وإنما ذكره في البدائع قولا للحسن وزفر فقال وقال الحسن دين الإسلام في كسب الإسلام ودين الردة في كسب الردة وهو قول زفر ا هـ‏.‏ والحق أنها رواية زفر عن الإمام أيضا كما في النهاية وقوله في الهداية أنها رواية عن أبي حنيفة أي رواية زفر عنه لكنها ضعيفة كما علمت وظاهر الولوالجية أنه لو لم يكن له إلا أحد النوعين يقضي الدينان منه اتفاقا وسنوضحه من بعد إن شاء الله تعالى وقدمنا أن الكلام إنما هو في الحر‏.‏ وأن المكاتب خارج عن هذه الأحكام فلذا قال في الجوهرة أن ما اكتسبه المكاتب في حال ردته لا يكون فيئا وإنما يكون لمولاه لتعلق حقه به وسنوضحه من بعد إن شاء الله تعالى وقيد بالمرتد لأن المرتدة كسباها لورثتها لأنه لا حراب منها فلم يوجد سبب الفيء بخلاف المرتد عند أبي حنيفة ويرثها زوجها المسلم إن ارتدت وهي مريضة لقصدها إبطال حقه وإن كانت صحيحة لا يرثها لأنها لا تقتل فلم يتعلق حقه بما لها بالردة بخلاف المرتد‏.‏ والحاصل أن زوجة المرتد ترث منه مطلقا وزوج المرتدة لا يرثها إلا إذا ارتدت مريضة والكسب بفتح الكاف وكسرها الجمع كسبة جمعه كذا في القاموس وقد قدمنا حكم المرتدة في النكاح والعدة بأن نكاح الكافر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن حكم بلحاقه عتق مدبروه وأم ولده وحل دينه‏)‏ لأنه باللحاق صار من أهل الحرب وهم أموات في حق أحكام الإسلام لانقطاع ولاية الإلزام كما هي منقطعة عن الموتى فصار كالموت إلا أنه لا يستقر لحاقه إلا بقضاء القاضي لاحتمال العود إلينا فلا بد من القضاء وهو باتفاق الإمام وصاحبيه كما في الجوهرة وإذا تقرر موته تثبت الأحكام المتعلقة به من عتق المدبر وأم الولد وسقوط الأجل كما في الموت الحقيقي والمرتدة إذا لحقت بدار الحرب فهي على هذا من عتق مدبريها وحلول دين عليها ولم يذكر قسمة ماله بين ورثته لظهوره ولما سيشير إليه عند قوله فما وجده في يد وارثه ولم يذكر حكم مكاتبه وحكمه كما في البدائع أنه يؤدي إلى الورثة فيعتق وإذا عتق فولاؤه للمرتد لأنه المعتق ا هـ‏.‏ وفي المجتبى بعلامة حس ظ القضاء باللحاق ليس بشرط وإنما يشترط قضاؤه بشيء من أحكام الموتى وعامتهم على أنه يشترط القضاء باللحاق سابقا على قضائه بهذه الأحكام وإليه أشار محمد في كثير من المواضع ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وإذا صار اللحاق كالموت لا أنه حقيقة الموت لا يستقر حتى يقضي به سابقا على القضاء بشيء من هذه الأحكام المذكورة في الصحيح لا أن القضاء بشيء منها يكفي بل يسبق القضاء باللحاق ثم تثبت الأحكام المذكورة ا هـ‏.‏ وظاهرهما أن القضاء باللحاق قصدا صحيح وينبغي أن لا يصح إلا في ضمن دعوى حق للعبد وقد قالوا أن يوم الموت لا يدخل تحت القضاء ويوم القتل يدخل كما في جامع الفصولين والبزازية واللحاق موت حكما فينبغي أن لا يدخل تحت القضاء قصدا فينبغي أنه لو حكم بعتق مدبره لثبوت لحاقه مرتدا ببينة عادلة فإنه صحيح ولا يشترط له تقدم الحكم بلحاقه ولم أر إلى الآن من أوضح هذا المحل وقوله عتق مدبروه معناه من ثلث ماله وإنما لم يصرح به لما تقدم في باب التدبير وقوله في الجوهرة بعد عتق المدبر وأم الولد يعني من الثلث تسامح لأن أم الولد تعتق من جميع المال كما علم في بابها ثم اختلف الشيخان في الوقت الذي يعتبر فيه كونه وارثا له فقال أبو يوسف يقضى به لمن كان وارثا وقت القضاء بلحاقه لأنه حينئذ يصير موتا وقال محمد يعتبر وقت لحاقه لأنه السبب كذا في المجتبى وفي التتارخانية وإذا ارتد الأب مع بعض أولاده ولحقوا بدار الحرب فرفع ميراث المرتد إلى الإمام فإنه يقسم ميراثه بين ورثته المسلمين ولا شيء من ميراثه للذي ارتد من أولاده هذا في كسب الإسلام وأما كسب الردة ففيء عند الإمام وأما ما اكتسبه في دار الحرب فهو للابن الذي ارتد ولحق معه إذا مات مرتدا فإن لحق أحد من أولاده مسلما معه فإنه يرث كسب إسلامه فقط ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتوقف مبايعته وعتقه وهبته فإن آمن نفذ وإن هلك بطل‏)‏ بيان لتصرفه حال ردته بعد بيان حكم إملاكه قبل ردته وهذا عند الإمام وقالا هو جائز مطلقا لأن الصحة تعتمد الأهلية وهي موجودة لكونه مخاطبا والنفاذ يعتمد الملك وهو موجود لقيامه قبل موته إلا أن عند أبي يوسف تصح كما تصح من الصحيح لأن الظاهر عوده إلى الإسلام وعند محمد كما تصح من المريض لأنه يفضي إلى القتل ظاهرا وله أنه حربي مقهور تحت أيدينا على ما قررناه في توقف الملك وتوقف التصرفات بناء عليه فصار كالحربي يدخل دارنا بغير أمان فيؤسر فتتوقف تصرفاته لتوقف حاله حيث كان للإمام الخيار بين استرقاقه وقتله فإن قتل أو أسر لم تنفذ منه هذه أو أسلم لم يؤخذ له مال فكذا هذا وفي الأهلية خلل لاستحقاقه القتل لبطلان سبب العصمة بخلاف الزاني وقاتل العمد لأن استحقاق القتل جزاء على الجناية قال أبو اليسر ما قالاه أحسن لأن المرتد لا يقبل الرق والقهر يكون حقيقيا لا حكميا والملك يبطل بالقهر الحكمي لا الحقيقي ولهذا المعنى لا يبطل ملك المقضي عليه بالرجم وحاصل مراده أن المنافي للملك الاسترقاق ليس غير لكنه ممنوع عند أبي حنيفة بل نقول إنما أوجب استرقاق ذلك في الأصل للقهر الكائن بسبب حرابته وهو موجود في المرتد فيثبت فيه ذلك بطريق الأولى لأن الرق يتصور معه ملك النكاح بخلاف قهر المرتد كذا في فتح القدير أطلق المبايعة فشملت البيع والشراء والإجارة لأنها بيع المنافع وأشار بالعتق إلى ما هو من حقوقه كالتدبير والكتابة فهما موقوفان أيضا لكن لا يدخل الاستيلاد لأنه منه نافذ اتفاقا لأنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك حتى صح في جارية الابن وأشار بالهبة إلى كل تمليك هو تبرع فدخلت الوصية فإنها موقوفة أيضا‏.‏ ولما كان الرهن من المعاوضات في المال كالبيع كان داخلا فتوقف رهنه أيضا ولما كان قبض الدين مبادلة حكما دخل تحت المبايعة فتوقف قبضه الدين أيضا‏.‏ والحاصل أن ما يعتمد الملة لا يصح منه اتفاقا وهي خمسة النكاح والذبيحة والصيد بالكلب والبازي والرمي والإرث والشهادة وما لا يعتمد الملة ولاية ولا حقيقة ملك فإنه صحيح منه اتفاقا وهي خمس أيضا الاستيلاد والطلاق وقبول الهبة وتسليم الشفعة والحجر على عبده المأذون وصورة الاستيلاد ما في الخانية إذا جاءت جاريته بولد فادعى الولد يثبت نسبه منه ويرث ذلك الولد مع ورثته وتصير الجارية أم ولد له ا هـ‏.‏ وأورد كيف يقع طلاقه وقد بانت بردته وأجيب بأنه لا يلزم من وقوع البينونة امتناع الطلاق وقد سلف أن المبانة يلحقها الصريح في العدة وأورد طلب الفرق بين طلاقه وعتقه والفرق أن الطلاق لا يعتمد كمال الولاية بخلاف العتق بدليل وقوع طلاق العبد دون عتقه وفي الخانية وإذا أعتق المرتد عبده ثم أعتقه ابنه المسلم وليس له وارث سواه لا يجوز عتق واحد منهما لأن الابن إنما يرث بعد الموت لا قبله وإعتاقه سابق على ملكه فلا يعتق وهو بخلاف ما إذا مات الرجل وترك عبدا وتركته مستغرقة بالدين فأعتقه الوارث ثم سقط دين الغرماء فإنه ينفذ إعتاق الوارث لأن ثمة سبب الملك للوارث تام وإنما توقف الملك لحق الغرماء فإذا سقط حق الغرماء فإن إعتاق الوارث ينفذ وأما في المرتد سبب الملك للوارث إنما يتم بعد موت المرتد ا هـ‏.‏ ولا يمكن توقف التسليم لأنها بطلت به مطلقا وأما الحجر فيصح بحق الملك فبحقيقة الملك الموقوف أولى وفي المحيط في مسألة عتقه وإعتاق ابنه أنه على الرواية التي عند أبي حنيفة يعتبر كونه وارثا وقت الردة فيجب أن ينفذ عتقه لأنه يملكه من وقت الردة ا هـ‏.‏ وقد يقال أنه إنما يملكه من وقت الردة على تلك الرواية إذا مات أو قتل والكلام هنا قبله وأما ما يعتبر المساواة من التصرف أو ولاية متعدية فإنه لا ينفذ منه اتفاقا فالأول المفاوضة فإذا فاوض مسلما توقفت اتفاقا إن أسلم نفذت وإن هلك بطلت وتصير عنانا من الأصل عندهما وتبطل عنده كذا في الخانية والثاني التصرف على ولده الصغير وفي مال ولده موقوف اتفاقا فقد ظهر أن تصرفاته على أربعة أقسام ولم أر حكم التقاطه لقيطا أو لقطة وفي غاية البيان من باب الاستيلاد الجد إذا وطئ جارية ابن ابنه والأب مرتد فادعاه الجد بعد الولادة لم تصلح دعوى الجد عندهما وعند أبي حنيفة موقوفة فإن أسلم الأب لم تصح دعوى الجد وإن مات على الردة أو لحق بدار الحرب وحكم بلحاقه تصح ا هـ‏.‏ وهذه لا ترد على ما في الكتاب لأنها تصرف المسلم وهو الجد لا تصرف المرتد وقيد بالمرتد لأن تصرفات المرتدة نافذة عند الكل لأنها لا تقتل وقد قدمناه مع بيان تصرفات المكاتب المرتد وأطلق الهلاك فشمل الحقيقي بالموت أو القتل والحكمي بالقضاء بلحاقه بدار الحرب كما في الخانية وعبر بالإيمان في قوله فإن آمن وأراد الإسلام فإنه المراد هنا كما عبر به في الهداية والخانية فإنه الانقياد الظاهر الذي تبتنى عليه الأحكام‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن عاد مسلما بعد الحكم بلحاقه فما وجده في يد وارثه أخذه وإلا لا‏)‏ أي وإن لم يجده قائما في يده فليس له أخذ بدله منه لأن الوارث إنما يخلفه فيه لاستغنائه وإذا عاد مسلما يحتاج إليه فيقدم عليه وعلى هذا لو أحيا الله ميتا حقيقة وأعاده إلى دار الدنيا كان له أخذ ما في يد ورثته وأطلق في قوله وإلا لا فشمل ما إذا كان هالكا أو أزاله الوارث عن ملكه وهو قائم سواء كان بسبب يقبل الفسخ كبيع أو هبة أو يقبله كعتق وتدبير واستيلاد فإنه يمضي ولا عود له فيه ولا يضمنه وشمل ما لم يدخل في يد وارثه أصلا كمدبريه وأمهات أولاده المحكوم بعتقهم بسبب الحكم بلحاقه فإنهم لا يعودون في الرق لأن القضاء بعتقهم قد صح بدليل مصحح له والعتق بعد نفاذه لا يقبل البطلان وولاؤهم لمولاهم أعني المرتد الذي عاد مسلما وكذلك مكاتبه إذا كان أدى المال إلى الورثة لا سبيل عليه أيضا لأنه عتق بأداء المال والعتق لا يحتمل الفسخ وما أدى إلى الورثة إن كان قائما أخذه وإن زال ملكهم عنه لا ضمان عليه كسائر أمواله وإن كان لم يؤد بدل الكتابة يأخذها منه وإن عجز عاد رقيقا له كذا في البدائع وفي الخانية إذا عاد مسلما بعد الحكم بحل ديونه وعتق مدبريه وأم ولده لا يملك أن يبطل شيئا إلا شيئان الأول الميراث يبطله ويسترد ماله إن كان قائما والثاني إذا كاتب ورثته عبدا من ماله ثم رجع فإن رجع بعدما أدى بدل الكتابة لا يملك إبطالها فإن رجع قبل أن يؤدي جميع بدل الكتابة كان له أن يبطل الكتابة ا هـ‏.‏ وظاهر الكتاب أنه يأخذ ما في يد الوارث بغير قضاء ولا رضا والمنقول لأنه قال في التتارخانية وما كان قائما في يد الورثة إنما يعود إلى ملكه بقضاء أو رضا فإنه ذكر في السير الكبير أن وارث المرتد إذا تصرف في المال الذي ورثه بعدما عاد المرتد مسلما نفذ تصرفه ا هـ‏.‏ وجزم به الزيلعي معللا بأنه دخل في ملكه بحكم شرعي فلا يخرج عن ملكه إلا بطريقه ا هـ‏.‏ وقد يقال طريقه عوده مسلما فإن الحكم الشرعي على الموجب لدخول الحكم بخلافته عنه بعد موته حكما وقد بطلت فبطل ما ابتنى عليه وقد قدمنا عن التتارخانية أن كسب ردته فيء بعد الحكم بلحاقه كموته حقيقة لكن لم أر حكم ما إذا عاد مسلما ووجد كسب ردته قائما عند الإمام فهل يسترده كما يسترد من وارثه كسب إسلامه الظاهر أنه لا يسترده لأن أخذه ليس بطريق الخلافة بل لكونه مال حربي كما قدمناه فصار لبيت المال فلا يسترده كما أن الحربي الحقيقي لا يسترد ماله بعد إسلامه وقيد بقوله بعد الحكم بلحاقه لأنه لو عاد مسلما قبله فحكمه كما إذا لم يرتد فلا يعتق مدبره وأم ولده ولا تحل ديونه وله إبطال ما تصرف فيه الوارث لكونه فضوليا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ولدت أمة له نصرانية لستة أشهر منذ ارتد فادعاه فهي أم ولده وهو ابنه حر ولا يرثه ولو مسلمة ورثه الابن إن مات على الردة أو لحق بدار الحرب‏)‏ أما صحة الاستيلاد فلما قدمنا أنه لا يفتقر إلى حقيقة الملك وأما الإرث فلأن الأم إذا كانت نصرانية فالولد تبع له لقربه إلى الإسلام للجبر عليه فصار في حكم المرتد والمرتد لا يرث أحدا ولم يجعل مسلما تبعا للدار لأنها عند عدم الأبوين فقط أما إذا كانت مسلمة فالولد مسلم تبعا لها لأنها خيرهما دينا والمسلم يرث المرتد أراد بالنصرانية الكتابية ولو يهودية والتقييد بالستة لنفي الأقل فإنها إذا جاءت به لأقل منها فالولد يرث من أبيه المرتد للتيقن بوجوده في البطن قبل الردة فيكون مسلما تبعا للأب بخلافه للستة لعدم التيقن كما في النهاية لا لنفي الأكثر ولذا عبر في الهداية بالأكثر زاد في فتح القدير ولو إلى عشر سنين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لحق المرتد بماله فظهر عليه فهو فيء‏)‏ أي ماله غنيمة يوضع في بيت المال بالإجماع لا لورثته لسقوط عصمة ماله تبعا لعصمة نفسه وقيد بالمال لأن المرتد بعد الظهور لا يسترق وإنما يقتل إن لم يسلم ولا يشكل كون ماله فيئا دون نفسه لأن مشركي العرب كذلك وفي المغرب ظهر عليه غلب وظهر على اللص غلب وهو من قولهم ظهر فلان السطح إذا علاه وحقيقته صار على ظهره ا هـ‏.‏ فعلى هذا ظهر في كلام المصنف بالبناء للمفعول‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن رجع وذهب بماله وظهر عليه فلوارثه‏)‏ لأنه انتقل إليهم بقضاء القاضي بلحاقه فكان الوارث مالكا قديما وحكمه أنه إن وجده قبل القسمة أخذه بغير بدل وإن وجده بعدها أخذه بقيمته إن شاء وإن كان مثليا فقد تقدم أنه لا يؤخذ لعدم الفائدة كذا في فتح القدير والمثلي وارد على المصنف مع أن في عبارته إيهاما أن يأخذه بغير شيء مطلقا ولم يقيد المصنف أن يكون رجوعه بعد الحكم بلحاقه تبعا للجامع الصغير فأفاد أنه لا فرق بين أن يكون بعده أو قبله أما إذا كان بعده فظاهر لتقرر الملك للوارث بالقضاء بلحاقه وأما قبله فلأن عوده وأخذه ولحاقه ثانيا يرجح جانب عدم العود ويؤكده فيتقرر موته وما احتيج للقضاء باللحاق لصيرورته ميراثا إلا ليترجح عدم عوده فيتقرر إقامته ثمة فيتقرر موته فكان رجوعه ثم عوده ثانيا بمنزلة القضاء وفي بعض روايات السير جعله فيئا لأن بمجرد اللحاق لا يصير المال ملكا للورثة والوجه ظاهر الرواية كذا في فتح القدير تبعا لما في النهاية والعناية وهما تبعا فخر الإسلام البزدوي في شرح الجامع الصغير من أن ظاهر الرواية الإطلاق وقيد الفقيه أبو الليث في شرح الجامع الصغير بأن يكون الرجوع بعد القضاء أما قبله ففيء وحمل في غاية البيان إطلاق الكتاب على مذهب محمد وما في بعض روايات السير على مذهب أبي يوسف وبما قررناه سقط إشكال الزيلعي على النهاية لأنه حيث كان ظاهر الرواية الإطلاق وكان له وجه ظاهر فلا محل للإشكال فلذا قال في الفتح والوجه ظاهر الرواية واعتمده المصنف في الكافي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لحق وقضى بعبده لابنه فكاتبه فجاء مسلما فالمكاتبة والولاء لمورثه‏)‏ وهو المرتد الذي عاد مسلما لأنه لا وجه إلى إبطال الكتابة لنفوذها بدليل منفذ وهو القضاء بلحاقه فجعلنا الوارث الذي هو خلفه كالوكيل من جهته وحقوق العقد فيه ترجع إلى الموكل والولاء لمن يقع العتق عنه نظيره المكاتب إذا كاتب عبده ثم عجز وفسخت الكتابة الأولى تبقى الثانية على حالها ويكون بدل الكتابة وولاؤه لمولاه وليس انتقال الكتابة إلى المرتد الذي أسلم بسبب انتقال المكاتب من ملك الابن إليه وإنما هو لسقوط ولاية الخلف عند ظهور ولاية الأصل وأشار بفاء التعقيب في قوله فجاء مسلما إلى أن مجيئه عقيب كتابته يعني من غير أداء بدل الكتابة إلى الابن فلو أداها إليه ثم جاء مسلما فإنه عتق على الابن حين أدى وكان الولاء له فلا ينتقل بعده إلى أبيه كما لو أعتق الابن عبده ثم جاء مسلما والمكاتبة بدل الكتابة وقيد بالكتابة لأن الابن إذا دبره ثم جاء الأب مسلما فإن الولاء لا يكون للأب كما في التتارخانية وأشار بكون البدل والولاء فقط للأب إلى أنه لا يمكن فسخ الكتابة لصدورها عن ولاية شرعية وقد صرح به الشارح وقدمنا عن الخانية أنه يملك إبطال كتابة الوارث قبل أداء جميع البدل إلا أن يقال أن مرادهم أنه لا يمكن فسخها بمجرد مجيئه من غير أن يفسخها أما إذا فسخها انفسخت إلا أن جعلهم الوارث كالوكيل من جهته يأباه وقدمنا حكم ما إذا كاتب ثم ارتد ثم لحق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن قتل مرتد رجلا خطأ ولحق أو قتل فالدية في كسب الإسلام خاصة‏)‏ بيان لحكم جنايته وهذا عند الإمام وقالا الدية فيما اكتسبه في الإسلام والردة لأن الكسبين ماله لنفوذ تصرفه في المالين ولذا يجري الإرث فيهما عندهما وعنده ماله هو المكتسب في الإسلام لنفوذ تصرفه فيه دون المكسوب في الردة لتوقف تصرفه ولذا كان الأول ميراثا عنه والثاني فيئا واتفقوا أنه لا عاقلة له لانعدام النصرة فتكون الدية في ماله قيد بلحاقه أو قتله يعني على الردة لأنه لو أسلم تكون الدية في الكسبين جميعا مات أو لم يمت وأشار بقوله خاصة إلى أنه لو لم يكن له كسب إسلام وإنما له كسب الردة فإن الجناية هدر عنده خلافا لهما كذا في فتح القدير وفيه نظر والصواب أن الدية في كسب الردة لأنها كالدين وقدمنا عن أبي حنيفة في الدين ثلاث روايات في رواية يقضي دين الإسلام من كسبه ودين الردة من كسبها وفي رواية يقضي من كسب الردة إلا أن لا يفي فمن كسب الإسلام وفي رواية عكسه وهي الصحيحة فلم يرد أن دين الردة هدر فكيف يقال في جنايته مع وجود كسب الردة أنها هدر والظاهر أنه سهو ولذا قال في التتارخانية والولوالجية فإن لم يكن له إلا كسب الإسلام أو إلا كسب الردة تستوفى الدية منه وإن كان له الكسبان قالا يستوفي منهما وقال الإمام تستوفى من كسب الإسلام أولا فإن فضل شيء استوفى الفضل من كسب الردة ا هـ‏.‏ وفي فتح القدير وعلى هذا لو غصب مالا فأفسده يجب ضمانه في مال الإسلام وعندهما في الكل ا هـ وفي غاية البيان أن حكم ما اغتصبه أو أتلفه كذلك عنده في كسب الإسلام فإن فضل شيء كان في كسب الردة وفي التتارخانية هذا إذا ثبت الغصب والإتلاف بالمعاينة فإن ثبت بإقرار المرتد فعندهما يستوفي من الكسبين وعنده من كسب الردة كذا ذكر شيخ الإسلام ا هـ‏.‏ وينبغي أن يكون القتل خطأ كذلك لكونه منهما في إقراره لحق الورثة وفي فتح القدير والولوالجية وجناية العبد والأمة والمكاتب المرتدين كجنايتهم في غير الردة لأن الملك فيهما قائم بعد الردة والمكاتب يملك أكسابه في الردة فيكون موجب جنايته في كسبه والجناية على المماليك المرتدين هدر ا هـ‏.‏ ولم يذكر المصنف حكم الجناية على المرتد بقطع يده أو رجله لكونه قد علم من قوله أولا لا يضمن قاتله بالأولى وذكر محمد في الأصل أن الجاني لا يضمن سواء مات المرتد من ذلك القطع على الردة أو مات مسلما حيث كان القطع وهو مرتد وأما إذا كان القطع وهو مسلم والسراية إلى النفس وهو مرتد فهي المسألة الآتية والواو في قوله ولحق بمعنى ثم وقيد به لأنه لو قتل في دار الحرب ثم جاء تائبا فلا شيء عليه وكذا لو غصب أو قذف لأن فعله لم ينعقد موجبا لصيرورته في حكم أهل الحرب وأما إذا فعل شيئا قبل اللحاق ثم لحق فما كان من حقوق العباد كالقتل والغصب والقذف يؤخذ به وما كان من حقوق الله تعالى كبقية الحدود فإنه يسقط لأن اللحاق كالموت يورث شبهة كذا في البدائع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ارتد بعد القطع عمدا أو مات أو لحق وجاء مسلما فمات منه ضمن القاطع نصف الدية في ماله لورثته‏)‏ بيان المسألتين إحداهما إذا قطعت يد المسلم عمدا ثم ارتد المقطوعة يده ثم سرى القطع إلى النفس ثانيهما إذا لحق المقطوع يده بدار الحرب ثم عاد مسلما ثم سرى القطع إلى النفس والحكم فيهما ضمان دية اليد فقط ولا يضمن القاطع بالسراية إلى النفس شيئا أما في الأولى فلأن السراية حلت محلا غير معصوم فانهدرت بخلاف ما إذا قطع يد المرتد ثم أسلم فمات من ذلك فإنه يضمن شيئا لأن الإهدار لا يلحقه الاعتبار أما المعتبر قد يهدر بالإبراء وبالإعتاق وبالبيع كما لو قطع يد عبد ثم باعه مولاه ثم رد عليه بالعيب ثم مات العبد من القطع فإن الجاني لا يضمن للبائع ضمان النفس فلذا يهدر بالردة وأما الثانية فقال في الهداية معناه إذا قضى بلحاقه لأنه صار ميتا تقديرا والموت يقطع السراية وإسلامه حياة حادثة في التقدير فلا يعود حكم الجناية الأولى وإن لم يقض بلحاقه حتى عاد مسلما فهو على الخلاف الآتي في الآتية على الصحيح فعند محمد يجب نصف الدية وعندهما دية‏.‏ وحاصله أنه بعد اللحاق قبل القضاء كما قبل اللحاق قيد بقوله عمدا ليكون ضمان دية اليد في ماله لأنه لو كان خطأ فهو على العاقلة كما في الولوالجية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن لم يلحق وأسلم ومات ضمن الدية‏)‏ أي كاملة عندهما وقال محمد النصف لأن اعتراض الردة أهدر السراية فلا ينقلب بالإسلام إلى الضمان كما إذا قطع يد مرتد فأسلم ولهما أن الجناية وردت على محل معصوم وتمت فيه فيجب ضمان النفس كما إذا لم تتخلل الردة وهذا لأنه لا معتبر لقيام العصمة في حال بقاء الجناية وإنما المعتبر قيامها في حال انعقاد السبب وفي حال ثبوت الحكم وحالة البقاء بمعزل من ذلك وصار كقيام الملك في حال بقاء اليمين قيد بكون المقطوع هو المرتد لأنه لو لم يرتد وإنما ارتد القاطع بعد القطع ثم قتل القاطع أو مات ثم سرى القطع إلى النفس فإن كان القطع عمدا فلا شيء على أحد لفوت محل القصاص وإن كان خطأ وجبت الدية بتمامها على عاقلة القاطع في ثلاث سنين من يوم قضاء القاضي عليهم كذا في الخانية لأنه حين القطع كان مسلما وتبين أن الجناية قتل بخلاف ما إذا قطعها وهو مرتد فإنه لا شيء على العاقلة لأن المرتد لا عاقلة له وأشار بإضافة الضمان إليه إلى أنه في ماله لأنه عمد والعاقلة لا تعقله فلو كان القطع خطأ وجبت الدية على العاقلة كذا في الولوالجية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ارتد مكاتب ولحق وأخذ بماله وقتل فمكاتبته لمولاه وما بقي لورثته‏)‏ أما على أصلهما فظاهر لأن كسب الردة ملكه إذا كان حرا فكذا إذا كان مكاتبا وأما عند أبي حنيفة فلأن المكاتب إنما يملك أكسابه بالكتابة والكتابة لا تتوقف بالردة فكذا أكسابه ألا ترى أنه لا يتوقف تصرفه بالأقوى وهو الرق فكذا بالأدنى وهو الردة ومعنى قوله أخذ بماله بالبناء للمفعول أنه أسر مع ماله وأبى أن يسلم فقتل وأورد عليه أنه إذا وفيت كتابته حكم بحريته في آخر جزء من أجزاء حياته فيتبين أن كسبه كسب مرتد حر فيكون فيئا عنده وأجيب بأن الحكم بحريته إنما هو في الحقوق المستحقة بالكتابة وهي حرية نفسه وأولاده وملك كسبه رقبة وفيما عدا ذلك من الأحكام يعتبر عبدا ألا ترى أنه لا تصح وصيته وإن ترك وفاء لأن الوصية ليست من الحقوق المستحقة بالكتابة فكذا كسبه لا يكون فيئا لأن كسب العبد المرتد لا يكون فيئا فلا يجعل حرا في حقه والمكاتبة بدل الكتابة وفي القاموس المكاتبة التكاتب وأن يكاتبك عبدك على نفسه بثمنه فإذا أداه عتق ا هـ‏.‏ فإطلاق المكاتبة على البدل مجاز كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو ارتد الزوجان ولحقا فولدت ولدا وولد له ولد فظهر عليهم فالولدان فيء ويجبر الولد على الإسلام لا ولد الولد‏)‏ بيان لحكم ولد المرتدة وحاصله أنه إما أن يكون موجودا منفصلا حين الردة أو لا فإن كان الأول فإنه لا يكون مرتدا بردتهما معا لأنه ثبت له حكم الإسلام بالتبعية فلا تزول بردتهما إلا إذا لحقا به أو أحدهما إلى دار الحرب فإنه خرج عن الإسلام لأنه كان بالتبعية لهما أو للدار وقد انعدم الكل فيكون الولد فيئا ويجبر على الإسلام إذا بلغ كما تجبر الأم عليه فإن كان الأب ذهب به وحده والأم مسلمة في دار الإسلام لم يكن الولد فيئا لأنه بقي مسلما تبعا لأمه وإن كان الثاني بأن ولد لهما ولد بعد لحوقهما فحكمه حكمهما من كونه فيئا ومن الجبر على الإسلام سواء كان الحبل في دار الحرب أو في دار الإسلام ولذا أطلقه المصنف وتقييده في الهداية بكون الحبل في دار الحرب اتفاقي ليعلم حكم ما إذا حبلت به في دار الإسلام بالأولى لأنه إذا أجبر على الإسلام مع بعده عنه ببعده عن داره فمع كونه أقرب إليه أولى كما في النهاية لكن ليس حكم هذا الولد كحكمهما من جهة القتل ولذا قال الولوالجي لا يقتل لو أبى كولد المسلم إذا بلغ ولم يصف الإسلام يجبر عليه ولا يقتل وإنما لم يجبر ولد الولد لأنه إما بالتبعية لجده أو لأبيه لا سبيل إلى الأول مع وجود أبيه ولا إلى الثاني لأن ردة أبيه كانت تبعا والتبع لا يستتبع خصوصا وأصل التبعية ثابتة على خلاف القياس لأنه لم يرتد حقيقة ولذا يجبر بالحبس لا بالقتل بخلاف أبيه وإذا لم يتبع الجد فيسترق أو توضع عليه الجزية أو يقتل لأن حكمه حينئذ حكم سائر أهل الحرب إذا أسروا وأما الجد فيقتل لا محالة لأنه المرتد بالأصالة أو يسلم كذا في فتح القدير‏.‏ واعلم أن الجد ليس كالأب في ظاهر الرواية في ثمان مسائل أربعة في الفرائض وأربعة في غيرها أما الثاني فالأولى أنه لا يكون مسلما بإسلام جده في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن يتبعه وهذه وهو أن ولد الولد لا يجبر كجده مبنية عليها والثانية صدقة الفطر للولد الصغير إذا كان جده موسرا أو لا أب له أو له أب معسر أو عبد لا تجب على الجد في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن تجب عليه والثالثة جر الولاء صورتها معتقة تزوجت بعبد وله أب عبد فولدت منه فالولد حر تبعا لأمه وولاؤه لمولى أمه فإذا عتق جده لا يجر ولاء حافده إلى مواليه عن موالي أمه في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن يجره كما لو أعتق أبوه والرابعة الوصية للقرابة لا يدخل الولدان ويدخل الجد في ظاهر الرواية وفي رواية الحسن لا يدخل كالأب وأما الأربعة التي في الفرائض فرد الأم إلى ثلث ما بقي وحجب أم الأب والإخوة لا تسقط بالجد عندهما وتسقط بالأب اتفاقا والرابعة ابن المعتق يحجب الجد عن ميراث المعتق اتفاقا ولا يحجب الأب عند أبي يوسف فله السدس والباقي للابن ذكر هذه الأربعة الأكمل في شرح السراجية وذكروا هنا الأربعة الأولى وينبغي أن يزاد مسألتنا مذكورتان في النفقات الأولى الأم تشارك الجد في نفقة الصغير أثلاثا بخلاف الأب، الثانية لا تفرض النفقة على الجد المعسر بخلاف الأب فصارت المسائل عشرا وقد يزاد أخرى هي أن الصغير لا يتصف بعدم اليتم بحياة جده ويتصف به بحياة أبيه كما في الخانية من الوقف‏.‏ قيد بردتهما لما في البدائع لو مات مسلم عن امرأته وهي حامل فارتدت ولحقت بدار الحرب فولدت هناك ثم ظهر على الدار فإنه لا يسترق ويرث أباه لأنه مسلم تبعا لأبيه ولو لم تكن ولدته حتى سبيت ثم ولدته في دار الإسلام فهو مسلم تبعا لأبيه مرقوق تبعا لأمه ولا يرث أباه لأن الرق من أسباب الحرمان ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وارتداد الصبي العاقل صحيح كإسلامه ويجبر عليه ولا يقتل‏)‏ بيان لإسلام الصبي وردته أما الأول ففيه خلاف زفر والشافعي نظرا إلى أنه في الإسلام تبع لأبويه فيه فلا يجعل أصلا ولا نلزمه أحكاما يشوبها المضرة فلا يؤهل له ولنا أن «عليا رضي الله عنه أسلم في صباه وصحح النبي صلى الله عليه وسلم إسلامه» وافتخاره بذلك مشهور ولأنه أتى بحقيقة الإسلام وهو التصديق والإقرار معه لأن الإقرار عن طوع دليل على الاعتقاد على ما عرف والحقائق لا ترد وما يتعلق به سعادة أبدية ونجاة عقباوية وهو من أجل المنافع وهو الحكم الأصلي ثم يبتنى عليه غيرها فلا يبالي بما يشوبه وفي فتح القدير مقتضى الدليل أن يجب عليه بعد البلوغ فيجب القصد إلى تصديق وإقرار يسقط به ولا يكفيه استصحاب ما كان عليه من التصديق والإقرار غير المنوي به إسقاط الفرض كما أنه لو كان يواظب على الصلاة قبل بلوغه لا يكون كما كان يفعله بل لا يكفيه بعد بلوغه منها إلا ما قرنه بنية أداء الواجب امتثالا لكنهم اتفقوا على أنه لا يجب بل يقع فرضا قبل البلوغ أما عند فخر الإسلام فلأنه يثبت أصل الوجوب على الصبي بالسبب وهو حدث العالم وعقلية دلالته دون وجوب الأداء لأنه بالخطاب وهو غير مخاطب فإذا وجد بعد السبب وقع الفرض كتعجيل الزكاة‏.‏ وأما عند شمس الأئمة لا وجوب أصلا لعدم حكمه وهو وجوب الأداء فإذا وجد كالمسافر يصلي الجمعة فيسقط فرضه وليست الجمعة فرضا عليه لكن ذلك للترفية عليه بعد سببها فإذا فعلها تم ولا نعلم خلافا بين المسلمين في عدم وجوب نية فرض الإيمان بعد البلوغ على قول من حكم بصحة إسلامه صبيا تبعا لأبويه المسلمين أو لإسلامه وأبواه كافران ولو كان ذلك فرضا لم ينقله أهل الإجماع عن آخرهم ا هـ‏.‏ ولم يذكر القول الثالث المختار عند أبي منصور الماتريدي وهو أن الصبي العاقل مخاطب بأداء الإيمان كالبالغ حتى لو مات بعده بلا إيمان خلد في النار ذكره في التجريد وأما الثاني أعني ردته ففيها خلاف أبي يوسف نظرا إلى أنها مضرة محضة ولهما أنها موجودة حقيقة ولا مرد للحقيقة كما قلنا في الإسلام والخلاف في أحكام الدنيا ولا خلاف أنه مرتد في أحكام الآخرة كما بيناه في شرح المنار المسمى بتعليق الأنوار في أصول المنار معزيا إلى التلويح وبه ظهر ما في النهاية والعناية وفتح القدير بأنه إذا ارتد كان معذبا في الآخرة مخلدا ونقلوه عن الأسرار والمبسوط وجامع التمرتاشي وأحال التمرتاشي هذه الرواية إلى التبصرة‏.‏ وإنما لا يقتل إذا أبى عن الإسلام لاختلاف العلماء في صحة إسلامه لكنه يجبر على الإسلام لما فيه من النفع المتيقن وهنا مسائل لا يقتل فيها المرتد الأولى هذه والثانية الذي إسلامه بالتبعية لأبويه إذا بلغ مرتدا استحسانا لأن إسلامه لما كان بطريق التبعية صار شبهة في إسقاط القتل الثالثة إذا أسلم في صغره ثم بلغ مرتدا استحسانا لقيام الشبهة باختلاف العلماء في إسلامه الرابعة المكره على الإسلام إذا ارتد لا يقتل استحسانا لأن الشبهة بالإكراه مسقطة للقتل وفي الكل يجبر على الإسلام ولو قتله قاتل قبل أن يسلم لا يلزمه شيء كذا في المبسوط وزاد في فتح القدير خامسة اللقيط في دار الإسلام محكوم بإسلامه ولو بلغ كافرا أجبر على الإسلام ولا يقتل كالمولود بين المسلمين إذا بلغ كافرا ا هـ‏.‏ وقد قدمنا أن السكران إذا أسلم ثم ارتد لا يقتل قيد بالعاقل لأن ارتداد الصبي الذي لا يعقل غير صحيح كإسلامه لأن إقراره لا يدل على تغيير العقيدة وكذا المجنون والسكران الذي لا يعقل وقدمنا حكم من جنونه متقطع وخرج عن هذا إسلام السكران فإنه صحيح كما ذكره الشارح والله أعلم‏.‏