فصل: باب قطع الطريق

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل في كيفية القطع وإثباته

لما كان القطع حكم السرقة ذكره عقبه؛ لأن حكم الشيء يعقبه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتقطع يمين السارق من الزند‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما‏}‏، والمعنى يديهما وحكم اللغة أن ما أضيف من الخلق إلى اثنين لكل واحد واحد أن يجمع مثل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فقد صغت قلوبكما‏}‏، وقد يثنى، والأفصح الجمع، وأما كونها اليمين فبقراءة ابن مسعود رضي الله عنه فاقطعوا أيمانهما وهي مشهورة فكان خبرا مشهورا فيقيد إطلاق النص فهذا من تقييد المطلق لا من بيان المجمل؛ لأن الصحيح أنه لا إجمال في الآية، وقد قطع عليه السلام اليمين، والصحابة رضي الله عنهم، وأما كونه من الزند وهو مفصل الرسغ ويقال الكوع وهو مذكر كما في المغرب فلأنه المتوارث ومثله لا يطلب له سند بخصوصه كالمتواتر ولا يبالى فيه بكفر الناقلين فضلا عن فسقهم أو ضعفهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتحسم‏)‏ أي تكوى كي ينقطع الدم لقوله عليه السلام فاقطعوه واحسموه ولأنه لو لم يحسم يفضي إلى التلف، والحد زاجر لا متلف كذا في الهداية وهو يقتضي وجوبه وفي المغرب الحسم أن يغمص في الدهن الذي أغلي وفي فتح القدير وثمن الزيت وكلفة الحسم على السارق عندنا، والمنقول عن الشافعي وأحمد أنه يسن تعليق يده في عنقه؛ لأنه عليه السلام أمر به رواه أبو داود وابن ماجه وعندنا ذلك مطلق للإمام إن رآه ولم يثبت عنه عليه السلام في كل من قطعه ليكون سنة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورجله اليسرى إن عاد‏)‏ لقوله عليه السلام فإن عاد فاقطعوه وعليه إجماع المسلمين ولم يذكر المصنف نهاية القطع من الرجل؛ لأنه يقطع من الكعب عند أكثر العلماء وفعل عمر رضي الله عنه ذلك وقال أبو ثور، والروافض‏:‏ يقطع من نصف القدم من معقد الشراك؛ لأن عليا كان يفعل كذلك ويدع له عقبا يمشي عليها‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن سرق ثالثا حبس حتى يتوب ولم يقطع‏)‏ لقول علي رضي الله عنه فيه إني لأستحيي من الله أن لا أدع له يدا يأكل بها ويستنجي بها ورجلا يمشي عليها فلهذا حاج بقية الصحابة رضي الله عنهم فجمعهم فانعقد إجماعا ولأنه إهلاك معنى لما فيه من تفويت جنس المنفعة، والحد زاجر ولأنه نادر الوجود، والزجر فيما يغلب بخلاف القصاص؛ لأنه حق العبد فيستوفى ما أمكن جبرا لحقه وما ورد من الحديث من قطع يده اليسرى في الثالثة، والرجل اليمنى في الرابعة فقد طعن الطحاوي أو نحمله على السياسة وتمامه في الأصول من بحث الأمر وفي الفتاوى السراجية للإمام أن يقتله سياسة كذا في شرح مسكين ولم يذكر المصنف ضربه مع الحبس وأثبته في المجتبى ولم يذكروا متى تقبل توبته وتظهر وفي غاية البيان معزيا إلى النافع أنه يحبس حتى يتوب أو تظهر عليه سيما رجل صالح‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ كمن سرق وإبهامه اليسرى مقطوعة أو شلاء أو أصبعان منها سواها أو رجله اليمنى مقطوعة‏)‏ يعني لا يقطع في هذه المسائل لما فيه من تفويت جنس المنفعة بطشا أو مشيا وكذا إذا كانت رجله اليمنى شلاء لما قلنا وقوام البطش بالإبهام قيد بالإبهام؛ لأنه لو كان المقطوع أصبعا غير الإبهام أو أشل، فإنه يقطع؛ لأن فوتها لا يوجب خللا في البطش ظاهرا وقيد باليد اليسرى؛ لأنه لو كانت يده اليمنى شلاء أو ناقصة الأصابع تقطع في ظاهر الرواية؛ لأن المستحق بالنص قطع اليمنى واستيفاء الناقص عند تعذر الكامل جائز وقيد بقطع الرجل اليمنى؛ لأنه لو كانت رجله اليمنى مقطوعة الأصابع، فإن كان يستطيع القيام، والمشي عليها قطعت يده، وإن كان لا يستطيع القيام، والمشي لم تقطع يده كذا في غاية البيان وفي الكافي، وإذا حبس السارق ليسأل عن الشهود فقطع رجل يده اليمنى عمدا فعليه القصاص، وقد بطل الحد عن السارق وكذلك إن كان قطع يده اليسرى، وإن حكم عليه بالقطع في السرقة فقطع رجل يده اليمنى من غير أن يؤمر بذلك فلا شيء عليه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويضمن بقطع اليسرى من أمر بخلافه‏)‏ أي إذا قال الحاكم للجلاد اقطع يمين هذا في سرقة سرقها فقطع يساره عمدا فلا شيء عليه عند أبي حنيفة وقالا‏:‏ لا شيء عليه في الخطأ ويضمن في العمد وقال في زفر يضمن في الخطأ أيضا وهو القياس، والمراد هو الخطأ في الاجتهاد، وأما الخطأ في معرفة اليمين، واليسار ولا يجعل عفوا وقيل يجعل عذرا أيضا له أنه قطع يداه معصومة، والخطأ في حق العباد غير مضمون فيضمنها قلنا‏:‏ إنه أخطأ في اجتهاده إذ ليس في النص تعيين اليمين، والخطأ في الاجتهاد موضوع ولهما أنه قطع طرفا معصوما بغير حق ولا تأويل له؛ لأنه تعمد الظلم فلا يعفى، وإن كان في المجتهدات وكان ينبغي أن يجب القصاص إلا أنه امتنع القصاص للشبهة ولأبي حنيفة أنه أتلف وأخلف من جنسه ما هو خير منه فلا يعد إتلافا كمن شهد على غيره ببيع ماله بمثل قيمته ثم رجع وعلى هذا لو قطعه غير الجلاد لا يضمن أيضا هو الصحيح قيد بالأمر؛ لأنه لو قطعه أحد قبل الأمر، والقضاء وجب القصاص في العمد، والدية في الخطأ اتفاقا وسقط القطع عن السارق؛ لأن مقطوع اليد لا يجب عليه القطع حدا، وقضاء القاضي بالحد كالأمر على الصحيح فلا يرد على المصنف وقيد بقوله‏:‏ بخلافه؛ لأن الحاكم لو أطلق وقال‏:‏ اقطع يده ولم يعين اليمنى فلا ضمان على القاطع اتفاقا لعدم المخالفة إذ اليد تطلق عليهما وكذلك لو أخرج السارق يده فقال هذه يميني؛ لأنه قطعه بأمره وقيد بعدم الضمان؛ لأنه يعزر إذا كان عمدا كما في فتح القدير‏.‏ ولم يذكر المصنف أن هذا القطع وقع حدا أو لا قالوا فعلى طريقة أنه وقع حدا فلا ضمان على السارق لو كان استهلك العين ؛ لأن القطع، والضمان لا يجتمعان وعلى طريقة عدم وقوعه حدا فهو ضامن في العمد، والخطأ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وطلب المسروق منه شرط القطع‏)‏ أي وطلبه المال فلا قطع بدونه؛ لأن الخصومة شرط لظهورها أطلقه فشمل ما إذا أقر أو أقيمت عليه البينة لاحتمال أن يقر له بالملك فيسقط القطع فلا بد من حضوره عند الأداء، والقطع لتنتفي تلك الشبهة وبما ذكرنا ظهر أن ما في التبيين معزيا إلى البدائع من أنه إذا أقر أنه سرق من فلان الغائب قطع استحسانا ولا ينتظر حضور الغائب وتصديقه، فإنما هو رواية عن أبي يوسف وليست هذه عبارة البدائع، فإن عبارته قال أبو حنيفة ومحمد الدعوى في الإقرار شرط حتى لو أقر السارق أنه سرق مال فلان الغائب لم يقطع ما لم يحضر المسروق منه ويخاصم عندهما وقال أبو يوسف الدعوى في الإقرار ليست بشرط إلى آخره وفي البدائع أيضا قال محمد لو قال سرقت هذه الدراهم ولا أدري لمن هي أو قال سرقتها ولا أخبرك من صاحبها لا يقطع؛ لأن جهالة المسروق منه فوق غيبته ثم الغيبة لما منعت القطع على أصله فالجهالة أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم يعين يعني المصنف مطلوب المسروق منه فاحتمل شيئين أحدهما‏:‏ طلب المال وبه جزم الشارح ثانيهما‏:‏ طلب القطع وأشار الشمني إلى أنه لا بد من الطلبين وأن أحدهما لا يكفي لكن ذكره في الكشف الكبير قبيل بحث الأمر أن وجوب القطع حق الله تعالى على الخلوص ولهذا لم يتقيد بالمثل وما يجب حقا للعبد يتقيد به مالا كان أو عقوبة كالغصب، والقصاص ولهذا لا يملك المسروق منه الخصومة بدعوى الحد وإثباته ولا يملك العفو بعد الوجوب ولا يورث عنه‏.‏ ا هـ‏.‏ فقد صرح بأنه لا يملك طلب القطع إلا أن يقال‏:‏ إنه لا يملك طلب القطع مجردا عن طلب المال، والظاهر أن الشرط إنما هو طلب المال ويشترط حضرته عند القطع لا طلبه القطع إذ هو حق الله تعالى فلا يتوقف على طلب العبد‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو مودعا أو غاصبا أو صاحب الربا‏)‏ أي ولو كان المسروق منه، والأصل فيه أن كل من كان له يد صحيحة يملك الخصومة ومن لا فلا فللمالك أن يخاصم السارق إذا سرق منه وكذا المودع بفتح الدال، والمستعير، والمضارب، والمبضع، والغاصب، والقابض على سوم الشراء، والمرتهن ومتولي المسجد، والأب، والوصي فتعتبر خصومتهم في ثبوت ولاية الاسترداد وفي حق القطع وأراد بصاحب الربا أن يبيع عشرة بعشرين وقبض العشرين فسرق منه العشرون فيقطع السارق بخصومته عندنا؛ لأن هذا المال في يده بمنزلة المغصوب إذ الشراء فاسد بمنزلته، وأما العاقد الآخر من عاقدي الربا، فإنه بالتسليم لم يبق له ملك ولا يد فلا يكون له ولاية الخصومة ذكره الشمني‏.‏ وفي فتاوى قاضي خان من اللقطة رجل التقط لقطة فضاعت منه فوجدها في يد غيره فلا خصومة بينه وبين ذلك الرجل بخلاف الوديعة، فإن في الوديعة يكون المودع أن يأخذها من الثاني؛ لأن في اللقطة الثاني كالأول وفي ولاية أخذ اللقطة وليس الثاني كالأول في ولاية إثبات اليد على الوديعة‏.‏ ا هـ‏.‏ فينبغي أن لا يقطع بطلب الملتقط كما لا يخفى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويقطع بطلب المالك لو سرق منهم‏)‏ أي من هؤلاء الثلاثة؛ لأن الخصومة إنما شرطت ليعلم أن المسروق ملك غير السارق وهذا يحصل بخصومة المالك ولم يذكر المصنف الراهن، والمرتهن للاختلاف فروى ابن سماعة عن محمد أنه لا يقطع بطلب الراهن في غيبة المرتهن بل لا بد من حضرته وصرح في الجامع الصغير بأنه يقطع في غيبته؛ لأنه هو المالك وكذا الخلاف لو حضر المغصوب منه وغاب الغاصب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا بطلب المالك أو السارق لو سرق من سارق بعد القطع‏)‏ يعني لو قطع سارق بسرقة فسرقت منه لم يكن له ولا لمالك العين المسروقة أن يقطع السارق الثاني؛ لأن المال غير متقوم في حق السارق حتى لا يجب عليه الضمان بالهلاك فلم تنعقد موجبة في نفسها وللأول ولاية الخصومة في الاسترداد لحاجته إذ الرد واجب عليه قيد بقوله بعد القطع؛ لأنه لو سرق الثاني قبل أن يقطع الأول أو بعدما درئ القطع بشبهة يقطع بخصومة الأول؛ لأن سقوط التقوم ضرورة القطع ولم يوجد فصار كالغاصب كذا في الهداية وأطلق الكرخي والطحاوي عدم قطع السارق من السارق؛ لأن يده ليست يد أمانة ولا ملك فكان ضائعا ولا قطع في أخذ مال ضائعا قلنا‏:‏ بقي أن يكون يد غصب، والسارق منه يقطع فالحق ما في الهداية من التفصيل واختاره في فتح القدير في مسألة ولاية الاسترداد أن الوجه أنه إذا ظهر هذا الحال للقاضي لا يرده إلى الأول ولا إلى الثاني إذا رده لظهور خيانة كل منهما بل يرده من يد الثاني إلى المالك إن كان حاضرا وإلا حفظه كما يحفظ أموال الغيب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه أو ملكه بعد القضاء أو ادعى أنه ملكه أو نقصت قيمته عن النصاب لم يقطع‏)‏ بيان لأربع مسائل لا قطع فيها الأولى‏:‏ لو سرق شيئا ورده قبل الخصومة إلى مالكه فلا قطع؛ لأن الخصومة شرط لظهور السرقة؛ لأن البينة إنما جعلت حجة ضرورة قطع المنازعة، وقد انقطعت الخصومة قيد بالرد بما قبل الخصومة أي قبل المرافعة إلى القاضي؛ لأنه لو ورد بعد المرافعة إلى القاضي قطع لانتهاء الخصومة لحصول مقصودها فتبقى تقديرا كذا في الهداية وهو شامل لما إذا رده بعد القضاء بالقطع وما إذا رده بعدما شهد الشهود ولم يقض القاضي استحسانا؛ لأن السرقة قد ظهرت عند القاضي بما هو حجة بناء على خصومة معتبرة كذا في التبيين فالمراد بالخصومة الدعوى، والشهادة أو الإقرار فلو ادعى ولم يثبت ثم رده ينبغي أن لا قطع لعدم ظهورها عند القاضي فهي رباعية‏.‏ لأن الرد إما أن يكون بعد الترافع إلى القاضي قبل الدعوى أو بعدها قبل الثبوت أو بعدهما قبل القضاء أو بعد الثلاثة فلا قطع في الأوليين ويقطع في الأخريين وأطلق في الرد فشمل الرد حقيقة، والرد حكما كما إذا رده إلى أصوله، وإن علا كوالده وجده ووالدته وجدته سواء كانوا في عيال المالك أو لا؛ لأن لهؤلاء شبهة الملك فيثبت به شبهة الرد بخلاف ما إذا رده إلى عيال أصوله، فإنه يقطع؛ لأنه شبهة الشبهة وهي غير معتبرة ومن الرد الحكمي إليه الرد إلى فرعه وكل ذي رحم محرم منه بشرط أن يكون في عياله وإلا فليس برد ومنه الرد إلى مكاتبه وعبده ومنه الرد إلى مولاه لو كان مكاتبا؛ لأن ماله له رقبة ومنه إذا سرق من العيال ورد إلى من يعولهم؛ لأن يده عليهم فوق أيديهم في ماله‏.‏ الثانية‏:‏ لو ملكه بعد القضاء بالقطع فلأن الإمضاء من القضاء في هذا الباب لوقوع الاستغناء عنه بالاستيفاء إذ القضاء للإظهار، والقطع حق الله تعالى وهو ظاهر عنده، وإذا كان كذلك يشترط قيام الخصومة عند الاستيفاء وصار كما إذا ملكها منه قبل القضاء أطلقه فشمل البيع، والهبة لكن بشرط القبض فيها ليحصل الملك كما في الهداية‏.‏ الثالثة‏:‏ لو ادعى السارق أن المسروق ملكه بعدما ثبتت السرقة عليه بالبينة أو بالإقرار فلا قطع سواء أقام بينة أو لم يقم؛ لأن الشبهة دارئة للحد فتتحقق بمجرد الدعوى بدليل صحة الرجوع بعد الإقرار‏.‏ الرابعة‏:‏ إذا سرق شيئا قيمته نصاب ثم نقصت قيمته بعد القضاء لم يقطع؛ لأن كمال النصاب لما كان شرطا يشترط قيامه عند الإمضاء لما ذكرنا أطلقه فشمل ما إذا تغير السعر في بلد أو بلدين حتى إذا سرق ما قيمته نصاب في بلد وأخذ في بلد آخر القيمة فيه أنقص لم يقطع كما في شرح الطحاوي وقيد بنقصان القيمة؛ لأن العين لو نقصت، فإنه يقطع؛ لأنه مضمون عليه فكمل النصاب عينا ودينا كما إذا استهلكه كله أما نقصان السعر فغير مضمون فافترقا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أقرا بسرقة ثم قال أحدهما هو مالي لم يقطعا‏)‏ أي السارقان المقران؛ لأن الرجوع عامل في حق الراجع ومورث للشبهة في حق الآخر؛ لأن السرقة قد ثبتت بإقرارهما على الشركة أطلقه فشمل ما إذا كان قبل القضاء أو بعده وقيد بإقرارهما؛ لأنه لو أقر أنه سرق هو وفلان كذا فأنكر فلان، فإنه يقطع المقر لعدم الشركة بتكذيبه بقوله‏:‏ قتلت أنا وفلان وزنيت أنا وفلان اقتصر على المقر، وإن أنكر فلان‏.‏ وقوله‏:‏ قال أحدهما‏:‏ هو مالي تمثيل وإلا فالمراد أن أحدهما إذا ادعى شبهة أي شبهة كانت، فإنه يسقط القطع عنهما كما في شرح الطحاوي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو سرقا وغاب أحدهما وشهد على سرقتهما قطع الآخر‏)‏ أي الحاضر؛ لأن الغيبة تمنع ثبوت السرقة على الغائب فيبقى معدوما، والعدم لا يورث الشبهة ولا معتبر بتوهم حدوث الشبهة؛ لأنه شبهة الشبهة وبيانه أن الغائب لو حضر وادعى كان شبهة للحاضر واحتمال دعوى الغائب شبهة الشبهة فلا تعتبر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أقر عبد بسرقة قطع وترد السرقة إلى المسروق منه‏)‏؛ لأن إقرار العبد على نفسه بالحدود، والقصاص صحيح من حيث إنه آدمي ثم يتعدى إلى المالية فيصح من حيث إنه مال ولأنه لا تهمة في هذا الإقرار لما يشتمل عليه من الأضرار ومثله مقبول على الغير فيقطع العبد، وإذا صح الإقرار بالقطع صح بالمال بناء عليه؛ لأن الإقرار يلاقي حالة البقاء، والمال في حالة البقاء تابع فقط حتى تسقط عصمة المال باعتباره ويستوفى القطع بعد استهلاكه أطلق العبد فشمل المأذون، والمحجور عليه وخالف محمد في المحجور فقال لا يقطع وخالفه أبو يوسف واتفقا على أن المال للمولى وأطلق في القطع فشمل ما إذا صدقه المولى وكذبه، والخلاف فيه فقط وأطلق في السرقة فشمل القائمة، والمستهلكة وأشار بالرد المقيد لبقائها إلى أنها لو كانت مستهلكة فلا ضمان ويقطع اتفاقا وأشار بالقطع إلى أن العبد كبير إذ لا قطع إلا على مكلف، فإذا أقر عبد صغير بسرقة فلا قطع غير أنه إذا كان مأذونا برد المال إلى المسروق منه إن كان قائما، وإن كان هالكا يضمن، وإن كان محجورا، فإن صدقه المولى يرد المال إلى المسروق منه إن كان قائما ولا ضمان عليه إن كان هالكا ولا بعد العتق كذا في فتح القدير وقيد بالإقرار ليفيد أن السرقة لو ثبتت عليه بالبينة، فإنه يقطع بالأولى ويرد المال إلى المسروق منه كما في الذخيرة لكن يشترط حضرة المولى عند إقامة البينة عند أبي حنيفة ومحمد‏.‏ وقال أبو يوسف ليست بشرط، وأما حضرته عند الإقرار بالحدود فليست بشرط اتفاقا كذا في شرح الطحاوي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لا يجتمع قطع وضمان وترد العين لو قائمة‏)‏ لقوله عليه السلام‏:‏ «لا غرم على السارق بعدما قطعت يمينه» ولأن وجوب الضمان ينافي القطع؛ لأنه يتملكه بأداء الضمان مسندا إلى وقت الأخذ فتبين أنه ورد على ملكه فينتفي القطع وما يؤدي إلى انتفائه فهو المنتفي، أو لأن المحل لا يبقى معصوما حقا للعبد إذ لو بقي كان مباحا في نفسه فينتفي القطع للشبهة فيصير محرما حقا للشرع كالميتة ولا ضمان فيه أطلقه فشمل ما إذا هلكت العين أو استهلكها وهو ظاهر الرواية وسواء كان الاستهلاك قبل القطع أو بعده كما في المجتبى وفرق في رواية الحسن بين الهلاك، والاستهلاك؛ لأن العصمة لا يظهر سقوطها في حق الاستهلاك؛ لأنه فعل آخر غير السرقة ولا ضرورة في حقه وكذا الشبهة تعتبر فيما هو السبب دون غيره ووجه المشهور أن الاستهلاك إتمام المقصود فتعتبر الشبهة فيه وكذا يظهر سقوط العصمة في حق الضمان؛ لأنه من ضرورة سقوطها في حق الهلاك لانتفاء المماثلة‏.‏ وفي التبيين عن محمد أن السارق يفتى بأداء القيمة، وإن لم يقض به كقطع الطريق، والباغي يفتيان بأداء الضمان، والأموال، والدية في النفوس وفي الكافي هذا إذا كان بعد القطع، وإن كان قبله، فإن قال المالك‏:‏ أنا أضمنه لم يقطع عندنا، وإن قال أنا أختار القطع يقطع ولا يضمن‏.‏ ا هـ‏.‏ لأنه في الأولى تضمن رجوعه عن دعوى السرقة إلى دعوى المال وأطلق في قيام العين فشمل ما إذا كان السارق لم يتصرف فيها أو باعها أو وهبها، فإنها تؤخذ من المشتري، والموهوب له بلا خلاف لبقائها على ملك مالكها وفي الإيضاح قال أبو حنيفة لا يحل للسارق الانتفاع به بوجه من الوجوه؛ لأنه على ملك المسروق منه وكذا لو خاطه قميصا لا يحل له الانتفاع به وفي المجتبى لو قطع السارق ثم استهلك السرقة غيره لم يضمن لأحد، وكذا لو هلك في يد المشتري منه أو الموهوب له ولو استهلكه فللمالك تضمينه ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو قطع لبعض السرقات لا يضمن شيئا‏)‏ يعني عند الإمام وقالا يضمن كلها إلا التي قطع فيها؛ لأن الحاضر ليس بنائب عن الغائب ولا بد من الخصومة لتظهر السرقة فلما لم تظهر السرقة من الغائبين فلم يقع القطع لهم فبقيت أموالهم معصومة وله أن الواجب بالكل قطع واحد حقا لله تعالى؛ لأن مبنى الحدود على التداخل، والخصومة شرط للظهور عند القاضي أما الوجوب بالجناية، وإذا استوفى فالمستوفى كل الواجب ألا ترى أنه يرجع نفعه إلى الكل فيقع عن الكل وعلى هذا الخلاف إذا كانت العين كلها لواحد وسرقها منه مرارا فخاصم في البعض ولذا أطلق المصنف فشمل ما إذا كان الكل لواحد كما شمل ما إذا كان لمتعدد وحضر الكل وقطع بالبعض أو حضر البعض فقط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو شق ما سرقه في الدار ثم أخرجه قطع‏)‏ كما إذا سرق ثوبا فشقه نصفين ثم أخرجه وعن أبي يوسف عدمه لشبهة الملك، فإن الخرق الفاحش يوجب القيمة فيملك المضمون وصار كالمشتري إذا سرق مبيعا فيه خيار البائع ولهما أن الأخذ وضع سببا للضمان لا للملك، وإنما يثبت الملك ضرورة إذ الضمان كي لا يجتمع البدلان في ملك واحد ونفسه لا يورث الشبهة كنفس الآخذ وكما إذا سرق البائع مبيعا باعه بخلاف ما ذكر؛ لأن البيع وضع لإفادة الملك أطلق الشق فشمل ما إذا كان فاحشا أو يسيرا لكن لا خلاف في القطع إذا كان يسيرا لعدم وجوب الضمان وترك الثوب عليه، وإنما يضمن النقصان مع القطع وكذا إذا كان الخرق فاحشا وصحح الخبازي عدم وجوب الضمان؛ لأنه لا يجتمع مع القطع ورجح في فتح القدير الضمان تبعا لقاضي خان وقال إنه الحق لوجوب الضمان بالخرق قبل الإخراج واختلفوا في الفرق بين الفاحش، واليسير، والصحيح أن الفاحش ما يفوت به بعض العين وبعض المنفعة، واليسير ما لا يفوت به شيء من المنفعة بل يتعيب به فقط ويرد على المصنف رحمه الله شيئان أحدهما أن القطع مقيد بما إذا اختار تضمين النقصان وأخذ الثوب، وإن اختار تضمين القيمة وترك الثوب عليه فلا قطع اتفاقا؛ لأنه ملكه مستندا إلى وقت الأخذ، وقد يجاب بأن هذا الاختيار مسقط للقطع بعد وجوبه فصار كما إذا وهبه العين بل أولى لاستناده واقتصار الهبة، وكلام المصنف في الوجوب‏.‏ ثانيهما‏:‏ أن الشق لو كان إتلافا فله تضمين القيمة من غير خيار ويملك السارق الثوب ولا يقطع وحد الإتلاف أن ينقص أكثر من نصف القيمة فلو قال المصنف قطع ما لم يكن إتلافا لكان أولى ولا بد أن تكون قيمة الثوب نصابا بعد الشق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو سرق شاة فذبحها فأخرجها لا‏)‏ أي لا قطع عليه؛ لأن السرقة تمت على اللحم ولا قطع فيه أطلقه فشمل ما إذا ساوت نصابا بعد الذبح وقيد بعدم القطع؛ لأنه يضمن قيمتها للمسروق منه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو صنع المسروق دراهم أو دنانير قطع وردها‏)‏ أي لو صنع السارق وهذا عند أبي حنيفة وقالا لا سبيل للمسروق منه عليها وأصله في الغصب فهذه صنعة متقومة عندهما خلافا له ثم وجوب القطع لا يشكل على قوله؛ لأنه لم يملكه وقيل على قولهما لا يجب؛ لأنه ملكه قبل القطع وقيل يجب؛ لأنه صار بالصنعة شيئا آخر فلم يملك عينه وأشار إلى أنه لو صنع المسروق من النقد آنية كان كذلك بالأولى وقيد بالنقد؛ لأنه في الحديد، والرصاص، والصفران جعله أواني، فإن كان يباع عددا فهو للسارق بالإجماع، وإن كان يباع وزنا فهو على الاختلاف بينهم في الذهب، والفضة كذا في شرح المختار وذكر الإسبيجابي أنه لو سرق حنطة فطحنها تكون للسارق بعد القطع‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو صبغه أحمر فقطع لا يرد ولا يضمن‏)‏ بيان لثلاثة أحكام الأول وجوب القطع؛ لأن قطع السارق باعتبار سرقة الثوب الأبيض وهو لم يملكه أبيض بوجه ما، والمملوك للسارق إنما هو المصبوغ فصار كما إذا سرق حنطة فطحنها، فإنه يقطع بالحنطة، وإن ملك الدقيق الثاني‏:‏ عدم رده إلى المسروق منه وهو قولهما وقال محمد يؤخذ منه الثوب ويعطى ما زاد الصبغ فيه اعتبارا للغصب، والجامع كون الثوب أصلا قائما وكون الصبغ تابعا ولهما أن الصبغ قائم صورة ومعنى حتى لو أراد أخذه مصبوغا يضمن ما زاد الصبغ فيه وحق المالك في الثوب قائم صورة لا معنى ألا ترى أنه غير مضمون على السارق بالهلاك وهو الحكم الثالث الذي أفاده بقوله ولا يضمن أي لا يرده حال قيامه ولا يضمنه حال استهلاكه بخلاف الغصب؛ لأن حق كل واحد قائم صورة ومعنى فاستويا من هذا الوجه ورجحنا جانب المالك لما ذكرنا قيد بكونه صبغه قبل القطع بدليل فاء التعقيب؛ لأنه لو صبغه بعد القطع يرده؛ لأن الشركة بعد القطع لا تسقط القطع كذا في شرح المختار وذكر في الهداية الصبغ بعد القطع، فإنه قال‏:‏ وإن سرق ثوبا فقطع فصبغه أحمر لم يؤخذ منه الثوب ولا يضمن‏.‏ ا هـ‏.‏ وهو مفيد؛ لأنه لو صبغه قبل لا قطع فالحكم كذلك بالأولى وكلام محمد دليل عليه أيضا، فإنه قال سرق الثوب فقطعت يده، وقد صبغ الثوب أحمر لم يؤخذ منه الثوب‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أسود يرد‏)‏ أي لو صبغه السارق أسود يرده على المالك يعني عند أبي حنيفة ومحمد وعند أبي يوسف هذا والأول سواء؛ لأن السواد عنده زيادة كالحمرة وعند محمد زيادة أيضا كالحمرة لكنه لا يقطع حق المالك لما مر وعند أبي حنيفة السواد نقصان فلا يوجب انقطاع حق المالك قالوا‏:‏ وهذا اختلاف عصر وزمان لا حجة وبرهان، فإن الناس كانوا لا يلبسون السواد في زمنه ويلبسونه في زمنهما وفي شرح الطحاوي لو سرق سويقا فلته بسمن أو عسل فهو مثل الاختلاف في الصبغ الأحمر والله أعلم‏.‏

باب قطع الطريق

بيان للسرقة الكبرى وإطلاق السرقة عليه مجاز ولذا لزم التقييد بالكبرى قالوا‏:‏ إن الشرائط المختصة بها ثلاثة في ظاهر الرواية الأول أن يكون من قوم لهم قوة وشوكة أو واحد كذلك الثاني أن لا يكون في مصر أو ما هو بمنزلته كما بين المصرين أو القريتين‏.‏ الثالث‏:‏ أن يكون بينهم وبين المصر مسيرة سفر وعن أبي يوسف اعتبار الشرط الأول فقط فيتحقق في المصر ليلا وعليه الفتوى لمصلحة الناس‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أخذ قاصد قطع الطريق قبله حبس حتى يتوب، وإن أخذ مالا معصوما وما قطع يده ورجله من خلاف، وإن قتل قتل حدا، وإن عفا الولي، وإن قتل وأخذ قطع وقتل أو صلب أو قتل وصلب‏)‏ بيان لأحوال قاطع الطريق فبين أنها أربع الأولى‏:‏ لو أمسك بعدما قصد قطع الطريق ولم يقطعها على أحد وحكمه الحبس حتى يتوب وهو المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو ينفوا من الأرض‏}‏ فالنفي بمعنى الحبس؛ لأنه نفي عن وجه الأرض، وقد عهد عقوبة في الشرع ولم يذكر المصنف التعزير وفي الهداية ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكر الإخافة ا هـ‏.‏ وأطلق في أخذه فشمل ما إذا كان بإذن الإمام أو لا ولم يبينوا بماذا يتحقق قصده لظهور أنه يحصل بوقوفه على الطريق لإخافة المارين، وأما قطع الطريق حقيقة فبالقتل أو أخذ المال وأن يكون بالإضافة فقط فالضمير في قوله قبله عائدا إلى قطع الطريق لا كما قال الشارح إنها ترجع إلى غير مذكور وكلامه مبني على أن مجرد الإخافة قطع وليس كذلك‏.‏ والتوبة، وإن كانت متعلقة بالقلب لكن لحصولها أمارات ظاهرة فصح أن تكون غاية للحبس‏.‏ الثانية‏:‏ أن يؤخذ بعدما أخذ المال ولم يقتل النفس وحكمه أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى بشرطين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن يكون ذلك المال معصوما وهو أن يكون لمسلم أو ذمي فخرج مال الحربي المستأمن‏.‏ الثاني‏:‏ أن يكون نصابا ولم يصرح به للاكتفاء بذكره في السرقة الصغرى فلا قطع على من أصابه أقل من نصاب وهو المراد بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف‏}‏ بناء على أن الأجزية متوزعة على الأحوال كما علم في الأصول ولما كانت جنايته أفحش من السرقة الصغرى كانت عقوبته أغلظ، وإنما كان من خلاف لئلا تفوت جنس المنفعة ولذا لو كانت يده مقطوعة أو شلاء أو رجله اليمنى كذلك لا يقطع‏.‏ الثالثة‏:‏ أن يؤخذ بعدما قتل نفسا معصومة ولم يأخذ مالا وحكمه أن الإمام يقتله حدا لله تعالى لا قصاصا حتى لو عفا الأولياء لا يلتفت إلى عفوهم وأشار بكونه حدا إلى أنه لا يشترط في القتل أن يكون موجبا للقصاص من مباشرة الكل، والآلة؛ لأنه وجب في مقابلة الجناية على حق الله تعالى بمحاربته ولذا قال في المجتبى ويقتل الكل في الحالة الثالثة حدا، القاتل والمعين فيه سواء، وإنما الشرط القتل من أحدهم وسواء قتلهم بسيف أو حجر أو عصا أو غيرها ويصير كالجماعة قتلوا واحدا به قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحاب أبي بردة‏.‏ ا هـ‏.‏ الرابعة أن يؤخذ، وقد قتل النفس وأخذ المال فذكر المصنف أن الإمام مخير بين ثلاثة أشياء إما أن يجمع بين الثلاثة‏:‏ قطع اليد، والرجل من خلاف، والقتل، والصلب، وإما أن يقتصر على القتل وإما أن يقتصر على الصلب وهكذا في الهداية ومنع محمد القطع؛ لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة، والرجم ولهما أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لتغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ولهذا كان قطع اليد، والرجل معا في الكبرى حدا واحدا، وإن كان في الصغرى حدين، والتداخل في الحدود لا في حد واحد ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه وهو ظاهر الرواية وعن أبي يوسف أنه لا يتركه؛ لأنه منصوص عليه، والمقصود التشهير ليعتبر به غيره ونحن نقول أصل التشهير بالقتل، والمبالغة بالصلب فيخير فيه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ويصلب حيا ثلاثة أيام ويبعج بطنه برمح حتى يموت‏)‏ تشهيرا له واستعجالا لموته ومعنى يبعج يشق كذا في المغرب، والصلب حيا ظاهر المذهب كما في المجتبى وهو الأصح وعند الطحاوي أنه يقتل ثم يصلب وقيد بالثلاثة؛ لأنه لا يصلب أكثر منها توقيا عن تأذي الناس، فإذا تم له ثلاثة من وقت موته يخلى بينه وبين أهله ليدفنوه وعن أبي يوسف أنه يترك على الخشبة حتى يتقطع فيسقط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يضمن ما أخذ‏)‏ يعني بعدما أقيم عليه الحد كما في السرقة الصغرى ولو قال ولم يضمن ما فعل لكان أولى؛ لأنه لا يضمن ما قتل وما جرح لذلك المعنى‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وغير المباشر كالمباشر‏)‏ يعني في الأخذ، والقتل حتى تجري الأحكام على الكل بمباشرة البعض؛ لأنه جزاء المحاربة وهي تتحقق بأن يكون البعض ردا للبعض حتى إذا زالت أقدامهم انحازوا إليهم، وإنما الشرط القتل من واحد منهم، وقد تحقق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والعصا، والحجر كالسيف‏)‏؛ لأنه يقع قطعا للطريق بقطع المارة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أخذ مالا وجرح قطع وبطل الجرح‏)‏ بيان للحالة الخامسة لهم وهي أن يأخذ المال ويجرح إنسانا فتقطع يده ورجله من خلاف ولا يجب شيء لأجل الجرح؛ لأنه لما وجب الحد حقا لله تعالى سقطت عصمة النفس حقا للعبد كما تسقط عصمة المال‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن جرح فقط أو قتل فتاب أو كان بعض القطاع غير مكلف أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه أو قطع بعض القافلة على البعض أو قطع الطريق ليلا أو نهارا بمصر أو بين مصرين لم يحد فأقاد الولي أو عفا‏)‏ بيان المسائل التي لا حد فيها وهي ست مسائل‏:‏ الأولى‏:‏ لو جرح ولم يقتل ولم يأخذ مالا فلأنه لا حد في هذه الجناية فيظهر حق العبد فيقتص منه مما فيه القصاص وأخذ الأرش منه مما فيه الأرش وذلك إلى الأولياء كذا في الهداية وفيه نظر؛ لأن ذلك للمجروح لا لوليه، فإن أفضى الجرح إلى القتل ينبغي أن يجب الحد ولما كان أخذ المال الموجب للحد هنا هو النصاب كأن أخذ ما دونه بمنزلة العدم، فإذا أخذ ما دون النصاب وجرح فهو داخل تحت قوله‏:‏ وإن جرح فقط وكذا إذا أخذ مالا يقطع فيه كالأشياء التي يتسارع إليها الفساد قال الشارح‏:‏ ولو كان مع هذا الأخذ قتل لا يجب الحد أيضا وهي طعن عيسى، فإنه قال‏:‏ القتل وحده يوجب الحد فكيف يمتنع مع الزيادة فجوابه أن قصدهم المال غالبا فينظر إليه لا غير بخلاف ما إذا اقتصروا على القتل؛ لأنه تبين أن مقصدهم القتل دون المال فيحدون فعدت هذه من الغرائب وأمر بحفظها في الفوائد الظهيرية وعدها من أعجب المسائل من حيث إن ازدياد الجناية أورث الخفة الثانية لو قتل فتاب قبل الأخذ لا حد؛ لأن هذه الجناية لا تقام بعد التوبة للاستثناء المذكور في النص أو لأن التوبة تتوقف على رد المال ولا قطع في مثله فظهر حق العبد في النفس، والمال حتى يستوفي الولي القصاص أو يعفو ويجب الضمان إذا هلك في يده أو استهلكه كذا في الهداية‏.‏ وإنما قيد بالمختص بالقتل ليعلم حكم أخذ المال بالأولى وفي المبسوط، والمحيط رد المال من تمام توبتهم لتنقطع خصومة صاحبه ولو تاب ولم يرد المال لم يذكره في الكتاب واختلفوا فيه فقيل لا يسقط الحد كسائر الحدود ولا تسقط بالتوبة وقيل يسقط أشار إليه محمد في الأصل‏.‏ الثالثة، والرابعة‏:‏ لو كان بعض القطاع غير مكلف كالصبي، والمجنون أو ذا رحم محرم من المقطوع عليه، فإن القطع يسقط عن الكل؛ لأنه جناية واحدة قامت بالكل، فإذا لم يقع فعل بعضهم موجبا كان فعل الباقين بعض العلة وبه لا يثبت الحكم فصار كالخاطئ مع العامد أطلق في ذي الرحم المحرم فشمل ما إذا لم يكن مشتركا بين المقطوع عليهم وهو الأصح‏.‏ لأن الجناية واحدة فالامتناع في حق البعض يوجب الامتناع في حق الباقين بخلاف ما إذا كان فيهم مستأمن؛ لأن الامتناع في حقه لخلل في العصمة وهو يخصه أما هنا الامتناع لخلل في الحرز، والقافلة حرز واحد، وإذا سقط الحد صار القتل إلى الأولياء لظهور حق العبد على ما ذكرنا، وإن شاءوا قتلوه، وإن شاءوا عفوا وأشار بذي الرحم المحرم إلى أنه لو كان في المقطوع عليهم شريك مفاوض لبعض القطاع لا يحدون كذي الرحم المحرم وفي المبسوط تابوا وفيهم عبد قطع يد حر دفعه مولاه أو فداه كما فعله في غير قطع الطريق وهذا؛ لأنه لا قصاص بين العبيد، والأحرار فيما دون النفس فيبقى حكم الدفع، والفداء، فإن كانت فيهم امرأة فعلت ذلك فعليها دية اليد في مالها؛ لأنه لا قصاص بين الرجال، والنساء في الأطراف، والواقع منها عمدا لا تعقله العاقلة الخامسة لو قطع بعض القافلة على البعض لم يجب الحد؛ لأن الحرز واحد فصارت القافلة كدار واحدة، وإذا لم يجب الحد وجب القصاص في النفس إن قتل عمدا بحديدة أو بمثقل عندهما ورد المال إن أخذه وهو قائم في يده وضمانه إن هلك أو استهلك‏.‏ السادسة‏:‏ لو قطع الطريق بمصر ليلا أو نهارا أو بين مصرين فليس بقاطع الطريق استحسانا وفي القياس أن يكون قاطع الطريق وهو قول الشافعي لوجوده حقيقة وقدمنا المفتى به‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن خنق في المصر غير مرة قتل به‏)‏ أي مرارا كذا في شرح مسكين؛ لأنه صار ساعيا في الأرض بالفساد فيدفع شره بالقتل، والخنق عصر الحلق قيد بتعدده؛ لأنه لو خنق مرة واحدة فلا قتل عند الإمام، وإنما تجب الدية على العاقلة وهي نظير مسألة القتل بالمثقل وصرح الشارح بأن القتل عند التكرار إنما هو بطريق السياسة ومنها ما حكي عن الفقيه أبي بكر الأعمش أن المدعى عليه السرقة إذا أنكر فللإمام أن يعمل فيه بأكبر رأيه، فإن غلب على ظنه أنه سارق وأن المال المسروق عنده عاقبه، ويجوز ذلك كما لو رآه الإمام جالسا مع الفساق في مجلس الشراب وكما لو رآه يمشي مع السراق وبغلبة الظن أجازوا قتل النفس كما إذا دخل عليه رجل شاهر سيفه وغلب على ظنه أنه يقتله وحكي عن عصام بن يوسف أنه دخل على أمير بلخ فأتي بسارق فأنكر السرقة فقال الأمير لعصام ماذا يجب عليه فقال على المدعي البينة وعلى المنكر اليمين فقال الأمير هاتوا بالسوط فما ضرب عشرة حتى أقر وأحضر السرقة فقال عصام ما رأيت جورا أشبه بالعدل من هذا‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي التجنيس رجل ادعى على آخر بسرقة كان على المدعي البينة وعلى السارق اليمين، والضرب خلاف الشرع فلا يفتى به؛ لأن فتوى المفتي يجب أن يطابق الشرع لص هو معروف بالسرقة وجده رجل يذهب في حاجته غير مشغول بالسرقة ليس له أن يقتله وله أن يأخذه وللإمام أن يحبسه حتى يتوب؛ لأن الحبس للزجر لتوبته مشروع رجل استقبله اللصوص ومعه مال لا يساوي عشرة حل له أن يقاتلهم لقوله عليه السلام‏:‏ «قاتل دون مالك» واسم المال يقع على القليل، والكثير اللص إذا دخل دار رجل وأخذ المتاع فله أن يقتله ما دام المتاع معه لقوله عليه السلام‏:‏ «قاتل دون مالك»، فإن رمى به ليس له أن يقتله؛ لأنه لا يتناوله الحديث ا هـ‏.‏ وفي الذخيرة رجل ادعى على رجل سرقة وقدمه إلى السلطان وطلب من السلطان أن يضربه فضربه السلطان مرة أو مرتين ثم أعيد إلى السجن من غير أن يعذبه فخاف المحبوس من التعذيب، والضرب فصعد السطح ليفر فسقط من السطح ومات، وقد لحقه غرامة في هذه الحادثة، وقد ظهرت السرقة على يدي رجل آخر كان للورثة أن يأخذوا صاحب السرقة بدية أبيهم وبالغرامة التي أداها إلى السلطان؛ لأن الكل حصل بتسبيبه وهو متعد في هذا التسبيب هكذا ذكر في مجموع النوازل قيل هذا الجواب مستقيم في حق الغرامة أصله مسألة السعاية غير مستقيم في حق الدية؛ لأنه صعد السطح باختياره وقيل هو مستقيم في حق الدية أيضا؛ لأنه مكره على الصعود للفرار من حيث المعنى؛ لأنه إنما قصد الفرار خوفا على نفسه من التعذيب‏.‏ ا هـ‏.‏ ولم أر في كلام مشايخنا تعريف السياسة قال المقريزي في الخطط يقال ساس الأمر سياسة بمعنى قام به وهو سائس من قولهم ساسه وسوسه القوم جعلوه يسوسهم، والسوس الطبع، والخلق يقال الفصاحة من سوسه، والكرم من سوسه أي من طبعه فهذا أصل وضع السياسة في اللغة ثم رسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب، والمصالح وانتظام الأموال، والسياسة نوعان سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر فهي من الشريعة علمها من علمها وجهلها من جهلها، وقد صنف الناس في السياسة الشرعية كتبا متعددة، والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها إلى آخر ما ذكره من النصف الثاني عند ذكر جيوش الدولة التركية والله تعالى أعلم‏.‏