فصل: فصل في (اختصاص المسجد بأحكام تخالف أحكام مطلق الوقف)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل في ‏[‏اختصاص المسجد بأحكام تخالف أحكام مطلق الوقف‏]‏

لما اختص المسجد بأحكام تخالف أحكام مطلق الوقف أفرده بفصل على حدة وأخره قوله‏:‏ ‏(‏ومن بنى مسجدا لم يزل ملكه حتى يفرزه عن ملكه بطريقه ويأذن بالصلاة فيه وإذا صلى فيه واحد زال ملكه‏)‏ أما الإفراز فإنه لا يخلص لله تعالى إلا به وأما الصلاة فيه فلأنه لا بد من التسليم عند أبي حنيفة ومحمد فيشترط تسليم نوعه وذلك في المسجد بالصلاة فيه أو لأنه لما تعذر القبض يقام تحقق المقصود مقامه ثم يكتفى بصلاة الواحد لأن فعل الجنس يتعذر فيشترط أدناه وعن محمد تشترط الصلاة بالجماعة لأن المسجد مبني لذلك في الغالب وصححها الزيلعي تبعا لما في الخانية لأن قبض كل شيء وتسليمه يكون بحسب ما يليق به وذلك في المسجد بأداء الصلاة بالجماعة أما الواحد يصلي في كل مكان‏.‏ وقال أبو يوسف يزول ملكه بقوله جعلته مسجدا لأن التسليم عنده ليس بشرط لأنه إسقاط لملك العبد فيصير خالصا لله تعالى بسقوط حق العبد وصار كالإعتاق‏.‏ والحاصل أن المسجد مخالف لمطلق الوقف عند الكل أما عند الأول فلا يشترط القضاء ولا التعليق بالموت وأما عند الثاني فلا يجوز في المشاع وأما عند الثالث فلا يشترط التسليم إلى المتولي أطلق الواحد فشمل الباني وهو قول البعض والأصح أنه لا يكفي لأن الصلاة إنما تشترط لأجل القبض على العامة وقبضه لا يكفي فكذا صلاته كذا في الخانية وشمل ما إذا صلى واحد بغير أذان وإقامة وهو ظاهر الرواية كذا في الخانية‏.‏ ولو قال المصنف رحمه الله ومن جعل أرضه مسجدا بدل قومه ومن بنى لكان أولى لأنه لو كان له ساحة لا بناء فيها فأمر قومه أن يصلوا فيها بجماعة قالوا إن أمرهم بالصلاة فيها أبدا أو أمرهم بالصلاة فيها بالجماعة ولم يذكر أبدا إلا أنه أراد بها الأبد ثم مات لا يكون ميراثا عنه وإن أمرهم بالصلاة شهرا أو سنة ثم مات تكون ميراثا عنه لأنه لا بد من التأبيد والتوقيت ينافي التأبيد كذا في الخانية وأفاد باشتراط الصلاة فيه أنه لو بنى مسجدا وسلمه إلى المتولي لا يصير مسجدا بالتسليم إلى المتولي وهو قول البعض واختاره شمس الأئمة السرخسي لأن قبض كل شيء يكون بما يليق به كقبض الخان يكون بنزول واحد من المارة فيه بإذنه وفي الحوض والبئر والسقاية بالاستقاء وقال بعضهم يصير مسجدا كسائر الأوقاف كذا في الخانية وفي فتح القدير‏.‏ والوجه الصحة لأن بالتسليم إلى المتولي أيضا يحصل تمام التسليم إليه تعالى لرفع يده عنه فكأنه لم يطلع على تصحيح وفي الاختيار والصحيح أنه يصير مسجدا وكذا إذا سلمه إلى القاضي أو نائبه كذا في الإسعاف وقيد بإذن الباني لأن متولي المسجد إذا جعل المنزل الموقوف على المسجد مسجدا وصلى فيه سنين ثم ترك الصلاة فيه وأعيد منزلا مستغلا جاز لأن المتولي وإن جعله مسجدا لا يصير مسجدا كذا في الخانية وأطلق في المسجد فشمل المتخذ لصلاة الجنازة أو العيد وفي الخانية مسجدا اتخذ لصلاة الجنازة أو لصلاة العيد هل يكون له حكم المسجد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم يكون مسجدا حتى لو مات لا يورث عنه‏.‏ وقال بعضهم ما اتخذ لصلاة الجنازة فهو مسجد لا يورث عنه وما اتخذ لصلاة العيد لا يكون مسجدا مطلقا وإنما يعطى له حكم المسجد في صحة الاقتداء بالإمام وإن كان منفصلا عن الصفوف وأما فيما سوى ذلك فليس له حكم المسجد وقال بعضهم له حكم المسجد حال أداء الصلاة لا غير وهو والجبانة سواء ويجنب هذا المكان كما يجنب المسجد احتياطا‏.‏ ا هـ‏.‏ فأفاد بالاقتصار على الشروط الثلاثة أنه لا يحتاج في جعله مسجدا إلى قوله وقفته ونحوه لأن العرف جار بالإذن في الصلاة على وجه العموم والتخلية بكونه وقفا على هذه الجهة فكان كالتعبير به فكان كمن قدم طعاما إلى ضيفه أو نثر نثارا كان إذنا في أكله والتقاطه بخلاف الوقف على الفقراء لم تجر عادة فيه بالتخلية والإذن بالاستغلال ولو جرت به في عرف اكتفينا بذلك كمسألتنا وبقولنا قال مالك وأحمد خلافا للشافعي

وأفاد أيضا أنه لو قال وقفته مسجدا ولم يأذن بالصلاة فيه ولم يصل فيه أحد لا يصير مسجدا بلا حكم وهو بعيد ذكر في فتح القدير أن هذا مقتضى كلامهم ولم يعزه إلى النقل وفي الحاوي القدسي ومن بنى مسجدا في أرض مملوكة له إلى آخره فأفاد أن من شرطه ملك الأرض ولذا قال في الخانية ولو أن سلطانا أذن لقوم أن يجعلوا أرضا من أراضي البلدة حوانيت موقوفة على المسجد أو أمرهم أن يزيدوا في مسجدهم قالوا إن كانت البلدة فتحت عنوة وذلك لا يضر بالمارة والناس ينفذ أمر السلطان فيها وإن كانت البلدة فتحت صلحا لا ينفذ أمر السلطان لأن في الأول تصير ملكا للغانمين فجاز أمر السلطان فيها وفي الثاني تبقى على ملك ملاكها فلا ينفذ أمره فيها ا هـ‏.‏ ولذا قالوا لو اشترى دارا لها شفيع فجعلها مسجدا كان للشفيع أن يأخذها بالشفعة وكذا إذا كان للبائع حق الاسترداد كان له أن يبطل المسجد كذا في فتح القدير وأشار بإطلاق قوله ويأذن للناس في الصلاة أنه لا يشترط أن يقول أذنت فيه بالصلاة جماعة أبدا بل الإطلاق كاف لكن لو قال صلوا فيه جماعة صلاة أو صلاتين يوما أو شهرا لا يكون مسجدا كما صرح به في الذخيرة وقدمناه عن الخانية في الرحبة وفي القنية اختلف في مسجد الدار والخان والرباط أنه مسجد جماعة أم لا والأصح ما روي عن أبي يوسف أنه إذا أغلق باب الدار فهو مسجد جماعة للجماعة التي في الدار إذا لم يمنعوا غيرهم من الصلاة فيه في سائر الأوقات لأن مسجد الزقاق الذي ليس بنافذ مسجد جماعة فإن صلوا فيه في وقت أغلقوا باب الزقاق كذا هذا وعنه إن كان فيه جماعة ممن في الدار بعد الإغلاق لا يمنعون غيرهم في الأوقات الأخر فهو مسجد جماعة وإلا فلا ‏(‏فخ‏)‏ مثله‏.‏ وعن محمود الأوزجندي لا يجوز الاعتكاف في مسجد زقاق غير نافذ لأن طريقه مملوك لأهله إلا إذا كان له حائط إلى طريق نافذ فحينئذ يمكن التطرق إليه من حق العامة فيخلص لله تعالى فيصير مسجدا قال رضي الله تعالى عنه والذي اختاره ‏(‏فخ‏)‏ أصح وقد رأينا ببخارى وغيرها في دور وسكك في أزقة غير نافذة من غير شك الأئمة والعوام في كونها مساجد فعلى هذا المساجد التي في المدارس بجرجانية خوارزم مساجد لأنهم لا يمنعون الناس من الصلاة فيها وإذا أغلقت يكون فيها جماعة من أهلها‏.‏ ا هـ‏.‏ وقد قدمنا شيئا من أحكام المسجد عند قوله ولا نقشه بالجص وماء الذهب من مكروهات الصلاة وفي المجتبى لا يجوز لقيم المسجد أن يبني حوانيت في حد المسجد أو فنائه قيم يبيح فناء المسجد ليتجر فيه القوم أو يضع فيه سررا أجرها ليتجر فيها الناس فلا بأس إذا كان لصلاح المسجد ويعذر المستأجر إن شاء الله تعالى إذا لم يكن ممر العامة، وفناء المسجد ما كان عليه ظلة المسجد إذا لم يكن ممرا لعامة المسلمين ولا يجوز صرف تلك الأجرة إلى نفسه ولا إلى الإمام بل يتصدق به على الفقراء ولا بأس للقيم أن يخلط غلة أوقاف المسجد المختلفة اتحد الواقف أو اختلف عن مشايخ بلخ مسجد له أوقاف ولا قيم فيه فجمع بعض أهل محلته غلاتها وأنفقها في حصره وإدهانه وحشيشه لم يضمن ديانة استحسانا ولو ثبت عند الحاكم ضمنه وفي تولية أهل المحل قيما على أوقافه بدون إذن القاضي اختلاف المشايخ في فتاوى الفضلي وأفتى مشايخنا المتقدمون أنه يصير متوليا ثم اتفق المتأخرون وأستاذونا أن الأفضل أن ينصبوا متوليا ولا يعلموا به القاضي في زماننا لطمع القضاة في أموال الأوقاف تنازع أهل المحلة والباني في عمارته أو نصب المؤذن أوالإمام فالأصح أن الباني أولى به إلا أن يريد القوم ما هو أصلح منه وقيل الباني بالمؤذن أولى وإن كان فاسقا بخلاف الإمام، والباني أحق بالإمامة والآذان وولده من بعده وعشيرته أولى بذلك من غيرهم وفي المجرد عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الباني أولى بجميع مصالح المسجد ونصب الإمام والمؤذن إذا تأهل للإمامة‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي القنية من آخر الوقف بعث شمعا في شهر رمضان إلى مسجد فاحترق وبقي منه ثلثه أو دونه ليس للإمام ولا للمؤذن أن يأخذ بغير إذن الدافع ولو كان العرف في ذلك الموضع أن الإمام والمؤذن يأخذه من غير صريح الإذن في ذلك فله ذلك ا هـ‏.‏

وفيها وكرهوا إحداث الطاقات في المساجد روي ذلك عن ابن مسعود رضي الله عنه‏.‏ قيم الجامع القديم أجر موضعا تحت ظلة الباب لبعض الصكاكين لا يصح ولا يجوز إزالة الحائط التي بين المسجدين ليجعلهما واحدا إذا لم يكن فيه مصلحة ظاهرة وكذا رفع صفته ويضمن القيم ما أنفق فيه من مال المسجد بنى في فنائه في الرستاق دكانا لأجل الصلاة يصلون فيه بجماعة كل وقت فله حكم المسجد ولا يوضع الجذع على جدار المسجد وإن كان من أوقافه‏.‏ ا هـ‏.‏

وفيها من الكراهية ولو كان إلى المسجد مدخل من دار موقوفة لا بأس للإمام أن يدخل للصلاة من هذا الباب لأنه روي‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يدخل من حجرته إلى المسجد»‏.‏ له في المسجد موضع معين يواظب عليه وقد شغله غيره قال الأوزاعي له أن يزعجه وليس له ذلك عندنا ويكره تخصيص مكان في المسجد لنفسه لأنه يخل بالخشوع لا حرمة لتراب المسجد إذا جمع وله حرمة إذا بسط له متاع في المسجد يخاف عليه فإنه يتيمم ويدخل في الصلاة وإذا ضاق المسجد كان للمصلي أن يزعج القاعد من موضعه ليصلي فيه وإن كان مشتغلا بالذكر أو الدرس أو قراءة القرآن أو الاعتكاف وكذا لأهل المحلة أن يمنعوا من ليس منهم عن الصلاة فيه إذا ضاق بهم المسجد أهل المحلة قسموا المسجد وضربوا فيه حائطا ولكل منهم إمام على حدة ومؤذنهم واحد لا بأس له والأولى أن يكون لكل طائفة مؤذن كما يجوز لأهل المحلة أن يجعلوا المسجد الواحد مسجدين فلهم أن يجعلوا المسجدين واحدا لإقامة الجماعة أما للتذكير أو للتدريس فلا لأنه ما بني له وإن جاز فيه وفي شرح الآثار أن البيع وخصف النعل وإنشاد الشعر مما كان لا يعم المسجد من هذا غير مكروه وما يعمه منه أو يغلبه فمكروه ويجوز الدرس في المسجد وإن كان فيه استعمال اللبود والبواري المسبلة لأجل المسجد لو علم الصبيان القرآن في المسجد لا يجوز ويأثم وكذا التأديب فيه أي لا يجوز التأديب فيه إذا كان بأجر وينبغي أن يجوز بغير أجر وأما الصبيان فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ «جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم» وكذا لا يجوز التعليم في دكان في فناء المسجد هذا عند أبي حنيفة وعندهما يجوز إذا لم يضر بالعامة أصابه البرد الشديد في الطريق فدخل مسجدا فيه خشب الغير ولو لم يوقد نارا يهلك فخشب المسجد في الإيقاد أولى من غيره بجواز إدخال الحبوب وأثاث البيت في المسجد للخوف في الفتنة العامة ا هـ‏.‏ وفيها من الوقف اتخذا مسجدا على أنه بالخيار جاز المسجد والشرط باطل جعل وسط داره مسجدا وأذن للناس في الدخول والصلاة فيه إن شرط معه الطريق صار مسجدا في قولهم وإلا فلا عند أبي حنيفة وقالا يصير مسجدا ويصير الطريق من حقه من غير شرط كما لو أجر أرضه ولم يشترط الطريق‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الإسعاف وليس لمتولي المسجد أن يحمل سراج المسجد إلى بيته ولا بأس بأن يترك سراج المسجد فيه من المغرب إلى وقت العشاء ولا يجوز أن يترك فيه كل الليل إلا في موضع جرت العادة فيه بذلك كمسجد بيت المقدس ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الحرام أو شرط الواقف تركه فيه كل الليل كما جرت العادة به في زماننا ويجوز الدرس بسراج المسجد إن كان موضوعا فيه لا للصلاة بأن فرغ القوم من الصلاة وذهبوا إلى بيوتهم وبقي السراج فيه قالوا لا بأس بأن يدرس بنوره إلى ثلث الليل لأنهم لو أخروا الصلاة إلى ثلث الليل لا بأس به فلا يبطل حقه بتعجيلهم وفيما زاد على الثلث ليس لهم تأخيرها فلا يكون لهم حق الدرس ولو أن قوما بنوا مسجدا وفضل من خشبهم شيء قالوا يصرف الفاضل في بنائه ولا يصرف إلى الدهن والحصر هذا إذا سلموه إلى المتولي ليبني به المسجد وإلا يكون الفاضل لهم يصنعون به ما شاءوا ولو جمع مالا لينفقه في بناء المسجد فأنفق بعضه في حاجته ثم رد بدله في نفقة المسجد لا يسعه أن يفعل ذلك فإذا فعله وكان يعرف صاحبه ضمن له بدله أو استأذنه في صرف عوضه في المسجد وإن كان لا يعرفه رفع الأمر إلى القاضي ليأمره بإنفاق بدله فيه وإن لم يمكنه الرفع إليه قالوا نرجو له في الاستحسان الجواز إذا أنفق مثله في المسجد ويخرج عن العهدة فيما بينه وبين الله تعالى‏.‏ ا هـ‏.‏

وفي البزازية أرادوا نقض المسجد وبناؤه أحكم من الأول إن لم يكن الباني من أهل المحلة ليس لهم ذلك وإن كان من أهل المحلة لهم ذلك ا هـ‏.‏ وفي الحاوي ولا بأس أن يدخل الكافر وأهل الذمة المسجد الحرام وبيت المقدس وسائر المساجد لمصالح المسجد وغيرها من المهمات ويكره أن يكون محراب المسجد نحو المقبرة أو الميضأة أو الحمام ويكره التوضؤ في المسجد كالبزق والمخط لما فيه من الاستخفاف وكذا يكره أن يتخذ طريقا ويحدث فيه حديث الدنيا أو يشهر فيه السلاح فإن كان معه شيء منه يستحب أن يأخذ بنصله ويكره الدخول فيه بغير طهارة وإذا رأى حشيش المسجد فرفعه إنسان جاز إن لم يكن له قيمة فإن كان له أدنى قيمة لا يأخذه إلا بعد الشراء من المتولي أو القاضي أو أهل المسجد أو الإمام وكذا الجنائز العتق أو الحصر المقطعة والمنابر و القناديل المكسرة والأولى أن تكون حيطان المسجد أبيض غير منقوشة ولا مكتوب عليها ويكره أن تكون منقوشة بصور أو كتابة‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن جعل مسجدا تحته سرداب أو فوقه بيت وجعل بابه إلى الطريق وعزله أو اتخذ وسط داره مسجدا وأذن للناس بالدخول فله بيعه ويورث عنه‏)‏ لأنه لم يخلص لله تعالى لبقاء حق العبد متعلقا به والسرداب بيت يتخذ تحت الأرض لغرض تبريد الماء وغيره كذا في فتح القدير وفي المصباح السرداب المكان الضيق يدخل فيه والجمع سراديب‏.‏ ا هـ‏.‏ وحاصله أن شرط كونه مسجدا أن يكون سفله وعلوه مسجدا لينقطع حق العبد عنه لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وأن المساجد لله‏}‏ بخلاف ما إذا كان السرداب أو العلو موقوفا لمصالح المسجد فإنه يجوز إذ لا ملك فيه لأحد بل هو من تتميم مصالح المسجد فهو كسرداب مسجد بيت المقدس هذا هو ظاهر المذهب وهناك روايات ضعيفة مذكورة في الهداية وبما ذكرناه علم أنه لو بنى بيتا على سطح المسجد لسكنى الإمام فإنه لا يضر في كونه مسجدا لأنه من المصالح فإن قلت‏:‏ لو جعل مسجدا ثم أراد أن يبني فوقه بيتا للإمام أو غيره هل له ذلك قلت‏:‏ قال في التتارخانية إذا بنى مسجدا وبنى غرفة وهو في يده فله ذلك وإن كان حين بناه خلى بينه وبين الناس ثم جاء بعد ذلك يبني لا يتركه وفي جامع الفتوى إذا قال عنيت ذلك فإنه لا يصدق‏.‏ ا هـ‏.‏ فإذا كان هذا في الواقف فكيف بغيره فمن بنى بيتا على جدار المسجد وجب هدمه ولا يجوز أخذ الأجرة وفي البزازية ولا يجوز للقيم أن يجعل شيئا من المسجد مستغلا ولا مسكنا وقدمناه ولم يذكر المصنف حكم المسجد بعد خرابه وقد اختلف فيه الشيخان فقال محمد إذا خرب وليس له ما يعمر به وقد استغنى الناس عنه لبناء مسجد آخر أو لخراب القرية أو لم يخرب لكن خربت القرية بنقل أهلها واستغنوا عنه فإنه يعود إلى ملك الواقف أو ورثته‏.‏ وقال أبو يوسف هو مسجد أبدا إلى قيام الساعة لا يعود ميراثا ولا يجوز نقله ونقل ماله إلى مسجد آخر سواء كانوا يصلون فيه أو لا وهو الفتوى كذا في الحاوي القدسي وفي المجتبى وأكثر المشايخ على قول أبي يوسف ورجح في فتح القدير قول أبي يوسف بأنه الأوجه قال وأما الحصر والقناديل فالصحيح من مذهب أبي يوسف أنه لا يعود إلى ملك متخذه بل يحول إلى مسجد آخر أو يبيعه قيم المسجد للمسجد وفي الخلاصة قال محمد في الفرس إذا جعله حبيسا في سبيل الله فصار بحيث لا يستطاع أن يركب يباع ويصرف ثمنه إلى صاحبه أو ورثته كما في المسجد وإن لم يعلم صاحبه يشتري بثمنه فرسا آخر يغزى عليه ولا حاجة إلى الحاكم ولو جعل جنازة وملاءة ومغتسلا وقفا في محلة ومات أهلها كلهم لا ترد إلى الورثة بل تحمل إلى مكان آخر فإن صح هذا عن محمد فهو رواية في البواري والحصر أنها لا تعود إلى الورثة‏.‏ وهكذا نقل عن الشيخ الإمام الحلواني في المسجد والحوض إذا خرب ولا يحتاج إليه لتفرق الناس عنه أنه تصرف أوقافه إلى مسجد آخر أو حوض آخر واعلم أنه يتفرع على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد فيما إذا استغنى عن المسجد لخراب المحلة والقرية وتفرق أهلها ما إذا انهدم الوقف وليس له من الغلة ما يمكن به عمارته به أنه يبطل الوقف ويرجع النقض إلى بانيه أو ورثته عند محمد خلافا لأبي يوسف‏.‏ وكذا حانوت في سوق احترق وصار بحيث لا ينتفع به ولا يستأجر بشيء ألبتة يخرج عن الوقفية وكذا في حوض محلة خرب وليس له ما يعمر به عاد لورثته فإن لم يعرف فهو لقطة وكذا الرباط إذا خرب يبطل الوقف ويصير ميراثا ولو بنى رجل في هذه الأرض فالبناء للباني وأصل الوقف لورثة الواقف عند محمد فقول من قال في جنس هذه المسائل نظر فليتأمل عند الفتوى غير واقع موقعه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأراد الرد على الصدر الشهيد وأقول‏:‏ بل النظر واقع موقعه لأن الفتوى على قول أبي يوسف في المسجد فكذا فيما يبتني عليه ومحمد يقول بجواز الاستبدال عند الخراب فكيف ينقل عنه القول ببطلان الوقفية في مسألة الحانوت ولقد رجع في فتح القدير إلى الحق حيث قال وفي الفتاوى الظهيرية سئل الحلواني عن أوقاف المسجد إذا تعطلت وتعذر استغلالها هل للمتولي أن يبيعها ويشتري بثمنها أخرى قال نعم وروى هشام عن محمد إذا صار الوقف بحيث لا ينتفع به المساكين فللقاضي أن يبيعه ويشتري بثمنه غيره وعلى هذا فينبغي أن لا يفتى على قوله برجوعه إلى ملك الواقف وورثته بمجرد تعطله أو خرابه بل إذا صار بحيث لا ينتفع به يشترى بثمنه وقف يستغل ولو كانت غلته دون غلة الأولى في فتاوى قاضي خان وقف على مسمين خرب ولا ينتفع به ولا يستأجر أصله يبطل الوقف ويجوز بيعه وإن كان أصله يستأجر بشيء قليل يبقى أصله وقفا‏.‏ ا هـ‏.‏ ويجب حفظ هذا فإنه قد تخرب الدار وتصير كوما وهي بحيث لو نقل نقضها استأجر أرضها من يبني أو يغرس ولو بقليل فيغفل عن ذلك وتباع كلها للواقف مع أنه لا يرجع منها إليه إلا النقض فإن قلت‏:‏ على هذا تكون مسألة الرباط التي ذكرناها مقيدة بما إذا لم تكن أرضه بحيث تستأجر قلنا لا لأن الرباط موقوف للسكنى وامتنعت بانهدامه بخلاف هذه فإن المراد وقف لاستغلال الجماعة المسلمين‏.‏ ا هـ‏.‏ ما في الفتح وفي الخانية رجل بسط من ماله حصيرا للمسجد فخرب المسجد ووقع الاستغناء عنه فإن ذلك يكون له إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا وإن بلى ذلك كان له أن يبيع ويشتري بثمنه حصيرا آخر وكذا لو اشترى حشيشا أو قنديلا فوقع الاستغناء عنه كان ذلك له إن كان حيا ولورثته إن كان ميتا وعند أبي يوسف يباع ذلك ويصرف ثمنه إلى حوائج المسجد فإن استغنى عنه هذا المسجد يحول إلى مسجد آخر والفتوى على قول محمد ولو كفن ميتا فافترسه سبع فإن الكفن يكون للمكفن إن كان حيا ولوارثه إن كان ميتا ولو أن أهل المسجد باعوا حشيش المسجد أو جنازة أو نعشا صار خلقا ومن فعل ذلك غائب اختلفوا فيه قال بعضهم يجوز والأولى أن يكون بإذن القاضي وقال بعضهم لا يجوز إلا بإذن القاضي وهو الصحيح‏.‏ ا هـ‏.‏ وبه علم أن الفتوى على قول محمد في آلات المسجد وعلى قول أبي يوسف في تأبيد المسجد وأما قياسه في فتح القدير الحصير على الجنازة والنعش فغير صحيح لما في الخانية إذا وقف جنازة أو نعشا أو مغتسلا وهو التور العظيم في محلة خربت المحلة ولم يبق أهلها قالوا لا ترد إلى ورثة الواقف بل تحول إلى محلة أخرى أقرب إلى هذه المحلة فرقوا بين هذا وبين المسجد إذا خرب ما حوله على قول محمد يصير ميراثا لأن المسجد مما لا ينقل إلى مكان آخر وهذه الأشياء مما تنقل ا هـ‏.‏ وفي القنية حوض أو مسجد خرب وتفرق الناس عنه فللقاضي أن يصرف أوقافه إلى مسجد آخر ولو خرب أحد المسجدين في قرية واحدة فللقاضي صرف خشبه إلى عمارة المسجد الآخر إذا لم يعلم بانيه ولا وارثه وإن علم يصرفها هو بنفسه قلت‏:‏ إن شاء ولو خرب الحوض العام فكبسه إنسان وبنى عليه حوانيت فللقاضي أن يأخذ أجر مثل الأرض ويصرفه إلى حوض آخر من تلك القرية ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ومن بنى سقاية أو خانا أو رباطا أو مقبرة لم يزل ملكه عنه حتى يحكم به حاكم‏)‏ يعني عند أبي حنيفة لأنه لم ينقطع عنه حق العبد ألا ترى أن له أن ينتفع به ويسكن في الخان وينزل في الرباط ويشرب من السقاية ويدفن في المقبرة فيشترط حكم الحاكم أو الإضافة إلى ما بعد الموت كما في الوقف على الفقراء بخلاف المسجد لأنه لم يبق له حق الانتفاع به فخلص لله تعالى من غير حكم الحاكم وعند أبي يوسف يزول ملكه بالقول كما هو أصله إذ التسليم عنده ليس بشرط والوقف لازم‏.‏ وفي فتاوى قاضي خان ونأخذ في ذلك بقول أبي يوسف وعند محمد إذا استقى الناس من السقاية وسكنوا الخان والرباط ودفنوا في المقبرة زال الملك لأن التسليم عنده شرط والشرط تسليم نوعه وذلك بما ذكرناه ويكتفى بالواحد لتعذر فعل الجنس كله وعلى هذا البئر والحوض ولو سلم إلى المتولي صح التسليم في هذه الوجوه لأنه نائب عن الموقوف عليه وفعل النائب كفعل المنوب عنه وأما في المسجد فقدمنا الخلاف فيما إذا سلمه إلى المتولي والمقبرة في هذا بمنزلة المسجد على ما قيل لأنه لا متولي له عرفا‏.‏ وقد قيل إنه بمنزلة السقاية والخان فيصح التسليم إلى المتولي لأنه لو نصب المتولي يصح وإن كان على خلاف العادة ولو جعل دارا له بمكة سكنى لحاج بيت الله الحرام والمعتمرين أو جعل داره في غير مكة سكنى للمساكين أو جعلها في ثغر من الثغور سكنى للغزاة والمرابطين أو جعل غلة أرضه للغزاة في سبيل الله تعالى ودفع ذلك إلى وال يقوم عليه فهو جائز ولا رجوع فيها لما بينا إلا أن في الغلة تحل للفقراء دون الأغنياء وفيما سواه من سكنى الخان والاستقاء من البئر والسقاية وغير ذلك يستوي فيه الفقير والغني والفارق هو العرف بين الفصلين فإن أهل العرف يريدون بذلك في الغلة للفقراء وفي غيرها التسوية بينهم وبين الأغنياء ولأن الحاجة تشمل الغني والفقير في النزول والشرب والغني لا يحتاج إلى صرف هذه الغلة لغناه‏.‏ كذا في الهداية وبما قررناه علم أن اقتصار المصنف على حكم الحاكم ليس بجيد لأن الإضافة إلى ما بعد الموت كالحكم وهي وصية فلا تلزم إلا بعد الموت وله الرجوع عنها في حياته كما في فتح القدير وظاهر قول المصنف أن له الرجوع في المقبرة قبل الحكم وبعد الدفن بها على قول الإمام وفي فتح القدير ثم روى الحسن عنه أنه إذا رجع بعد الدفن لا يرجع في المحل الذي دفن فيه ويرجع فيما سواه ثم إذا رجع في المقبرة بعد الدفن لا ينبشها لأن النبش حرام ولكن يسوي ويزرع وهذا على غير رواية الحسن والفتوى في ذلك كله خلاف قول أبي حنيفة للتعامل المتوارث هذا وتفارق المقبرة غيرها بأنه لو كان في المقبرة أشجار وقت الوقف كان للورثة أن يقطعوها لأن موضعها لم يدخل في الوقف لأنه مشغول بها كما لو جعل داره مقبرة لا يدخل موضع البناء في الوقف بخلاف غير المقبرة فإن الأشجار والبناء إذا كانت في عقار وقفه دخلت في الوقف تبعا ولو نبتت فيها بعد الوقف إن علم غارسها كانت للغارس وإن لم يعلم فالرأي فيها إلى القاضي إن رأى بيعها وصرف ثمنها على عمارة المقبرة فله ذلك ويكون في الحكم كأنه وقف ولو كانت قبل الوقف لكن الأرض موات ليس لها مالك فاتخذها أهل القرية مقبرة فالأشجار على ما كانت عليه قبل جعلها مقبرة ولو بنى رجل بيتا في المقبرة لحفظ اللبن ونحوه إن كان في الأرض سعة جاز وإن لم يرض بذلك أهل المقبرة لكن إذا احتيج إلى ذلك المكان بدفع البناء ليقبر فيه ومن حفر لنفسه قبرا فلغيره أن يقبر فيه وإن كان في الأرض سعة إلا أن الأولى أن لا يوحشه إن كان فيه سعة‏.‏ كمن بسط سجادة في المسجد أو نزل في الرباط فجاء آخر لا ينبغي أن يوحش الأول إن كان في المكان سعة وذكر الناطفي أنه يضمن قيمة الحفر ليجمع بين الحقين ولا يجوز لأهل القرية الانتفاع بالمقبرة الدائرة فلو كان فيها حشيش يحش ويرسل إلى الدواب ولا ترسل الدواب فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الخانية امرأة جعلت قطعة أرض مقبرة وأخرجتها من يدها ودفن فيه ابنها وهذه الأرض غير صالحة للقبر لغلبة الماء عليها قال الفقيه أبو جعفر إن كانت الأرض بحال يرغب الناس عن دفن الموتى فيها لفسادها لم تصر مقبرة وكان للمرأة أن تبيعها وإذا باعت كان للمشتري أن يرفع الميت عنها أو يأمر برفع الميت عنها ولو جعل أرضه مقبرة أو خانا للغلة أو مسكنا سقط الخراج عنه إن كانت خراجية وقيل لا تسقط والصحيح هو الأول‏.‏ ولو بنى رباطا على أن يكون في يده ما دام حيا قال أبو القاسم يقر في يده ما لم يستوجب الإخراج عن يده‏.‏ قوم عمروا أرض موات على شط جيحون وكان السلطان يأخذ العشر منهم لأن على قول محمد ماء الجيحون ليس ماء الخراج وبقرب ذلك رباط فقام متولي الرباط إلى السلطان فأطلق السلطان له ذلك العشر هل يكون للمتولي أن يصرف ذلك العشر إلى مؤذن يؤذن في هذا الرباط يستعين بهذا على طعامه وكسوته هل يجوز له ذلك وهل يكون للمؤذن أن يأخذ ذلك العشر الذي أباح السلطان للرباط قال الفقيه أبو جعفر لو كان المؤذن محتاجا يطيب له ولا ينبغي له أن يصرف ذلك العشر إلى عمارة الرباط وإنما يصرف إلى الفقراء لا غير ولو صرف إلى المحتاجين ثم إنهم أنفقوا في عمارة الرباط جاز ويكون ذلك حسنا‏.‏ رباط على بابه قنطرة على نهر عظيم خربت القنطرة ولا يمكن الوصول إلى الرباط إلا بمجاوزة النهر وبدون القنطرة لا يمكن المجاوزة هل تجوز عمارة القنطرة بغلة الرباط قال الفقيه أبو جعفر إن كان الواقف على مصالح الرباط لا بأس به وإلا فلا لأن الرباط للعامة والقنطرة كذلك‏.‏ متولي الرباط إذا صرف فضل غلة الرباط في حاجة نفسه قرضا لا ينبغي له أن يفعل ولو فعل ثم أنفق من مال نفسه في الرباط رجوت له أن يبرأ وإن أقرض ليكون أحرز من الإمساك عنده قال رجوت أن يكون واسعا له ذلك‏.‏ رباط استغنى عنه المارة وبقربه رباط آخر قال الفقيه أبو جعفر تصرف غلة الرباط الأول إلى الرباط الثاني وإن لم يكن بقربه رباط يعود الوقف إلى ورثة من بنى الرباط رجل أوصى بثلث ماله للرباط فإلى من يصرف قال الفقيه أبو جعفر إن كان هناك دلالة أنه أراد به المقيمين يصرف إليهم وإلا يصرف إلى عمارة الرباط‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المصباح السقاية بالكسر الموضع يتخذ لسقي الناس والرباط اسم من رابط مرابطة من باب قاتل إذا لازم ثغر العدو والرباط الذي يبنى للفقراء مولد ويجمع في القياس على ربط بضمتين ورباطات وفي المجتبى اتخذ مشرعة أو مكتبا لا يتم حتى يشرع فيها إنسان أو يقرأ فيها إنسان وقال أبو يوسف الإشهاد في ذلك كله يكفي ولا بأس أن يشرب من الحوض والبئر ويسقي دابته ويتوضأ منه وفي التوضؤ من السقاية إذا اتخذها للشرب اختلاف المشايخ ولو اتخذها للتوضؤ لا يجوز الشرب منه بالإجماع وفي الاستقاء من السقاية وإسقاء الدواب اختلاف والأصح أنه لا يجوز إلا الاستقاء للشرب إذا كان قليلا لأنه في معنى الشرب والأصح عدم جواز أخذ الجمد إلى بيته لأن الجمد لتبريد ماء السقاية لا للأخذ مقبرة للمشركين أراد أن يتخذها مقبرة للمسلمين لا بأس به إن كانت قد اندرست آثارهم فإن بقي شيء من عظامهم تنبش وتقبر ثم تجعل مقبرة للمسلمين فإن موضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مقبرة للمشركين فنبشه واتخذه مسجدا استغني عن مسجد لا يجوز اتخاذه مقبرة ولو وقف أرضا على المقبرة أو على صوفي خانه بشرائطه لا يصح‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي الظهيرية وإذا اشترى الرجل موضعا وجعله طريقا للمسلمين وأشهد عليه صح ويشترط لإتمامه مرور واحد من المسلمين على قول من يشترط التسليم في الأوقاف وفي النوادر عن أبي حنيفة أنه أجاز وقف المقابر والطرق قال هلال وكذلك القنطرة يتخذها الرجل للمسلمين ويتطرقون فيها لا يكون بناؤها ميراثا للورثة وقد صار وقفا ودلت المسألة على جواز وقف البناء وفي القنية صغير كان يأخذ من السقاية ماء لإصلاح الدواة أو قصعة للشرب ثم بلغ فندم لا يكفيه الندم بل يرد الضمان إلى القيم ولا يجزيه صب مثله في السقاية أخذ من السقاية ماء مرة بعد أخرى حتى بلغ جرة مثلا وكان القيم قد صب في تلك السقاية خمسين جرة فصب هو جرة قضاء للحق بعد إذن القيم صار ضامنا للكل دار موقوفة للماء والجمد ليس للقيم أن يشتري من غلتها خابية ليسقي الماء وقف أرضا على أن يدفن فيها أقرباؤه فإذا انقطعوا فأخره للفقراء ودفن فيها من أقربائه حال حياته صح الوقف‏.‏ ولو وقف مقبرة أو خانا بعد موته فلوارثه أن يدفن فيها أو ينزل فيه‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن جعل شيء من الطريق مسجدا صح كعكسه‏)‏ يعني إذا بنى قوم مسجدا واحتاجوا إلى مكان ليتسع فأدخلوا شيئا من الطريق ليتسع المسجد وكان ذلك لا يضر بأصحاب الطريق جاز ذلك وكذا إذا ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل تؤخذ أرضه بالقيمة كرها لما روي عن الصحابة رضي الله عنهم لما ضاق المسجد الحرام أخذوا أرضين بكره من أصحابها بالقيمة وزادوا في المسجد الحرام ومعنى قوله كعكسه أنه إذا جعل في المسجد ممرا فإنه يجوز لتعارف أهل الأمصار في الجوامع وجاز لكل أحد أن يمر فيه حتى الكافر إلا الجنب والحائض والنفساء لما عرف في موضعه وليس لهم أن يدخلوا فيه الدواب‏.‏ كذا ذكره الشارح رحمه الله وفي الخانية طريق للعامة وهي واسعة فبنى فيه أهل المحلة مسجدا للعامة ولا يضر ذلك بالطريق قالوا لا بأس به وهكذا روي عن أبي حنيفة ومحمد لأن الطريق للمسلمين والمسجد لهم أيضا وإن أراد أهل المحلة أن يدخلوا شيئا من الطريق في دورهم وذلك لا يضر بالطريق لا يكون لهم ذلك ولأهل المحلة تحويل باب المسجد من موضع إلى موضع آخر‏.‏ قوم بنوا مسجدا واحتاجوا إلى مكان ليتسع المسجد فأخذوا من الطريق وأدخلوه في المسجد إن كان ذلك يضر بالطريق لا يجوز وإلا فلا بأس به ولو ضاق المسجد على الناس وبجنبه أرض لرجل تؤخذ أرضه بالقيمة كرها ولو كان بجنب المسجد أرض وقف على المسجد فأرادوا أن يزيدوا شيئا في المسجد من الأرض جاز ذلك بأمر القاضي‏.‏ ا هـ‏.‏ وقدمنا حكم ما إذا أمر السلطان بزيادة المسجد من الطريق والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب‏.‏

كتاب البيع

قدمنا في الطهارة أن المشروعات أربعة‏:‏ حقوق الله تعالى خالصة وحقوق العباد خالصة وما اجتمعا وغلب حق الله تعالى وما اجتمعا وغلب حق العبد وقدم الأول؛ لأنه المقصود من خلق الثقلين، ثم شرع في المعاملات فبدأ بالنكاح وما يتبعه لما فيه من معنى العبادة، وذكر العتاق لمناسبة الطلاق في الإسقاط، ثم الأيمان لمناسبتها لكليهما، ثم الحدود لمناسبتها لليمين من جهة الكفارة، فإنها دائرة بين العبادة والعقوبة والحدود عقوبات، ثم ذكر السير بعدها للاشتراك في المقصود وهو إخلاء العالم عن الفساد وقدم الأول؛ لأنه معاملة مع المسلمين‏.‏ والثاني مع الكفار، ثم اللقيط للاشتراك في كون النفوس عرضة للفوات، ثم اللقطة للاشتراك في كون الأموال كذلك، وكذا في الإباق والمفقود، ثم ذكر الشركة؛ لأن المال لما كان فيها أمانة في يد الشريك كان بعرضية التوى، ثم الوقف بعدها للاشتراك في استيفاء الأصل مع الانتفاع بالزيادة، ثم البيوع؛ لأن الوقف إزالة الملك لا إلى مالك وفي البيوع إليه فكان الوقف بمنزلة البسيط والبيع كالمركب والكلام فيه يقع في عشرة مواضع‏:‏ الأول في معناه لغة وشريعة فالمقصود مقابلة شيء بشيء سواء كان مالا أو لا، ولذا قال تعالى‏:‏ ‏{‏وشروه بثمن بخس دراهم معدودة‏}‏ كما في المحيط، وقال في المصباح باعه يبيعه بيعا ومبيعا فهو بائع وبيع والبيع من الأضداد مثل الشراء ويطلق على كل واحد من المتعاقدين أنه بائع لكن إذا أطلق البائع فالمتبادر إلى الذهن باذل السلعة ويطلق البيع على المبيع فيقال بيع جيد ويجمع على بيوع وأبعته بالألف لغة قال ابن القطاع وبعت زيدا الدار يتعدى إلى مفعولين وقد تدخل من على المفعول الأول على وجه التأكيد فيقال بعت من زيد الدار وربما دخلت اللام مكان من فيقال بعتك الشيء وبعت لك فهي زائدة وابتاع زيد الدار بمعنى اشتراها وباع عليه القاضي أي من غير رضاه وفي الحديث‏:‏ «لا يبع أحدكم» أي لا يشتري؛ لأن النهي فيه على المشتري لا على البائع بدليل رواية البخاري‏:‏ «لا يبتاع أحدكم» ويريد يحرم سوم الرجل على سوم أخيه والأصل في البيع مبادلة مال بمال لقولهم بيع رابح وبيع خاسر وذلك حقيقة في وصف الأعيان لكنه أطلق على العقد مجازا؛ لأنه سبب التمليك والتملك وقولهم صح البيع أو بطل أي صيغته لكنه لما حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وهو مذكر أسند الفعل إليه ا هـ‏.‏ وفي القاموس باعه يبيعه بيعا أو مبيعا والقياس مباعا إذا باعه، وإذا اشتراه ضد وهو مبيع ومبيوع وبيع الشيء قد تضم باؤه فيقال بوع ا هـ‏.‏ وفي الشريعة ما ذكره المصنف رحمه الله تعالى بقوله‏:‏ ‏(‏هو مبادلة المال بالمال بالتراضي‏)‏ من استبدلت الثوب بغيره أو بدلت الثوب بغيره أبدله من باب قتل، كذا في المصباح وفي المعراج ما يدل على أنها بمعنى التمليك؛ لأن بعضهم زاد على جهة التمليك، فقال فيه لا حاجة إليه؛ لأن المبادلة تدل عليه والمال في اللغة ما ملكته من شيء والجمع أموال، كذا في القاموس وفي الكشف الكبير المال ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره لوقت الحاجة والمالية إنما ثبت بتمول الناس كافة أو بتقوم البعض والتقوم يثبت بها وبإباحة الانتفاع له شرعا فما يكون مباح الانتفاع بدون تمول الناس لا يكون مالا كحبة حنطة وما يكون مالا بين الناس ولا يكون مباح الانتفاع لا يكون متقوما كالخمر، وإذا عدم الأمر إن لم يثبت واحد منهما كالدم‏.‏ ا هـ‏.‏ وصرح في المحيط بأن الخمر ليس بمال وأن العقد عليه لم ينعقد بخلاف ما لو باع شيئا بخمر، فإنه ينعقد في ذلك الشيء بالقيمة وسيأتي بيانه إن شاء الله وفي الحاوي القدسي‏.‏ المال اسم لغير الآدمي خلق لمصالح الآدمي وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار والعبد، وإن كان فيه معنى المالية ولكنه ليس بمال حقيقة حتى لا يجوز قتله وإهلاكه‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي شرح الوقاية لم يقل على سبيل التراضي ليشمل ما لا يكون بتراض كبيع المكره، فإنه ينعقد ا هـ‏.‏ وأجاب عنه في شرح النقاية بأن من ذكره أراد تعريف البيع النافذ ومن تركه أراد تعريف البيع مطلقا نافذا كان أو غير نافذ وأقول‏:‏ بيع المكره فاسد موقوف لا أنه موقوف فقط كبيع الفضولي كما يفهم من كلامه، وقد عرفه فخر الإسلام بأنه في اللغة والشريعة المبادلة وزيد فيها التراضي ورده في فتح القدير بأنه إذا فقد الرضا لا يسمى في اللغة بيعا بل غصبا، ولو أعطاه شيئا آخر مكانه وعرفه في البدائع بأنه مبادلة شيء مرغوب فيه بشيء مرغوب فيه وذلك قد يكون بالقول، وقد يكون بالفعل فالأول الإيجاب والقبول‏.‏ والثاني التعاطي ا هـ‏.‏ وبهذا ظهر أنه لا منافاة بين قولهم أن معناه المبادلة وبين قولهم أن ركنه الإيجاب والقبول وما في المستصفى من أنه معنى شرعي يظهر أثره في المحل عند الإيجاب والقبول فرده في فتح القدير بأنه نفس حكمه وهو الملك، فإنه القدرة على التصرف ابتداء إلا لمانع فخرج بالابتداء قدرة الوكيل والوصي والمتولي وبقولنا إلا لمانع المبيع المنقول قبل القبض، فإن عدم القدرة على بيعه لمانع النهي وفي الحاوي الملك الاختصاص الحاجز وأنه حكم الاستيلاء؛ لأنه به ثبت لا غير إذ المملوك لا يملك؛ لأن اجتماع الملكين في محل واحد محال فلا بد وأن يكون المحل الذي ثبت الملك فيه خاليا عن الملك والخالي عن الملك هو المباح والمثبت للملك في المباح الاستيلاء لا غير‏.‏ وهو طريق الملك في جميع الأموال؛ لأن الأصل الإباحة فيها وبالبيع والهبة ونحوهما ينتقل الملك الحاصل بالاستيلاء إليه فمن شرط البيع شغل المبيع بالملك حالة البيع حتى لم يصح في مباح قبل الاستيلاء، ومن شرط الاستيلاء خلو المحل عن الملك وقته وبالإرث والوصية تحصل الخلافة عن الميت حتى كأنه حي لا الانتقال حتى ملك الوراث الرد بالعيب دون المشتري فالأسباب ثلاثة مثبت للملك وهو الاستيلاء وناقل للملك وهو البيع ونحوه وخلافة وهو الميراث والوصية وما أريد لأجله حكم التصرف حكمة وثمرة فحكم البيع الملك وحكمته إطلاق الانتفاع والعقود تبطل إذا خلت عن الأحكام ولا تبطل بخلوها عن الحكم ا هـ‏.‏ ومما ظهرت فيه فائدة الخلافة جواز إقالة الوارث والموصى له، ومنها الخصومة في إثبات الدين كما في دعوى البزازية وعرفه في الإيضاح بأنه عقد متضمن مبادلة مال بمال ولا حاجة إلى زيادته شرعا لما سمعت من أن المبادلة تكون بالقول وبالفعل، وإنما زاد لما قدمناه عن المصباح أن المبادلة حقيقة للأعيان وللعقد مجاز، ثم اعلم أن البيع، وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن‏.‏

وأما ركنه ففي البدائع ركنه المبادلة المذكورة وهو معنى ما في فتح القدير من أن ركنه الإيجاب والقبول الدالان على التبادل أو ما يقوم مقامهما من التعاطي فركن الفعل الدال على الرضا بتبادل الملكين من قول أو فعل‏.‏ وأما شرائطه فأنواع أربعة‏:‏ شرط انعقاد وشرط صحة وشرط نفاذ وشرط لزوم فالأول أربعة أنواع في العاقد وفي نفس العقد وفي مكان العقد وفي المعقود عليه فشرائط العاقد‏:‏ العقل فلا ينعقد بيع المجنون والصبي الذي لا يعقل، والعدد في العاقد فلا ينعقد بالوكيل من الجانبين إلا في الأب ووصيه، والقاضي فإنه يتولى الطرفين في مال الصغير إذا باعوا أموالهم منه أو اشتروا بشرط أن يكون فيه نفع ظاهر لليتيم في الوصي وزاد في المعراج شراء العبد نفسه من مولاه بأمره‏.‏ وأما القاضي، فإنه لا يعقد لنفسه؛ لأن فعله قضاء وقضاؤه لنفسه لا يجوز‏.‏ كذا في الخزانة وغيرها وهو مخالف لما في البدائع وفي الخانية من الوكالة الواحد لا يتولى العقد من الجانبين إلا في الأب فإنه يكتفى بلفظ واحد، وقال خواهر زاده هذا إذا أتى بلفظ يكون أصيلا في ذلك اللفظ بأن قال بعت هذا من ولدي فيكتفى به‏.‏ وأما إذا أتى بلفظ لا يكون أصلا فيه بأن قال اشتريت هذا المال لولدي لا يكتفى بقوله اشتريت ولا بد أن يقول بعت وهو في الوجهين يتولى العقد من الجانبين‏.‏ ومنها الوصي لنفسه، ومنها الوصي يبيع للقاضي، ومنها العبد يشتري نفسه من مولاه بأمره ا هـ‏.‏ فيحمل ما في البدائع على أن القاضي باع مال يتيم من آخر أو اشترى توفيقا بينه وبين ما في الخزانة وفي البزازية، ولو أمر إنسان الوصي أن يشتري له مال اليتيم فاشترى لم يجز بخلاف ما إذا اشترى لنفسه مع النفع وفي وصايا الخانية فسر شمس الأئمة السرخسي الخيرية، فقال إذا اشترى الوصي مال اليتيم لنفسه ما يساوي عشرة بخمسة عشر يكون خيرا لليتيم، وإذا باع مال نفسه من اليتيم ما يساوي خمسة عشر بعشرة كان خيرا لليتيم‏.‏ وقال بعضهم إن باع ما يساوي عشرة بثمانية أو اشترى ما يساوي ثمانية بعشرة كان خيرا لليتيم‏.‏ والوكيل بالبيع أو بالشراء إذا اشترى لنفسه أو باع مال الموكل لم يجز عندهم جميعا سواء كان شرا أو خيرا أو في الأب لا يشترط أن يكون خيرا ا هـ‏.‏ وإلا في الرسول من الجانبين‏.‏ وليس من شرائط العاقد البلوغ فانعقد بيع الصبي وشراؤه موقوفا على إجازة وليه إن كان شراؤه لنفسه ونافذا بلا عهدة عليه إن كان لغيره وليس من شرائطه الحرية فانعقد بيع العبد كالصبي في النوعين وليس منه الإسلام والنطق والصحو‏.‏

وأما شرط العقد فموافقة القبول للإيجاب بأن يقبل المشتري ما أوجبه البائع بما أوجبه، فإن خالفه بأن قبل غير ما أوجبه أو بعض ما أوجبه أو بغير ما أوجبه أو ببعض ما أوجبه لم ينعقد لتفرق الصفقة، وإنه لا يجوز إلا في الشفعة بأن باع عبدا و عقارا فطلب الشفيع أخذ العقار وحده فله ذلك، وإن تفرقت الصفقة على البائع كما في الفتاوى الولوالجية من الشفعة وستأتي تفاريعه إلا فيما إذا كان الإيجاب من المشتري فقبل البائع بأنقص من الثمن أو كان من البائع فقبل المشتري بأزيد انعقد، فإن قبل البائع الزيادة في المجلس جازت كما في التتارخانية، وفي الآلة أن تكون بلفظ الماضي إن عقد بالقول، كذا في البدائع‏.‏ وأما شرط مكانه فواحد وهو اتحاد المجلس بأن كان الإيجاب والقبول في مجلس واحد، فإن اختلف لم ينعقد‏.‏ وأما شرائط المعقود عليه فأن يكون موجودا مالا متقوما مملوكا في نفسه وأن يكون ملك البائع فيما يبيعه لنفسه وأن يكون مقدور التسليم فلم ينعقد بيع المعدوم وما له خطر العدم كنتاج النتاج والحمل واللبن في الضرع والثمر والزرع قبل الظهور والبزر في البطيخ والنوى في التمر واللحم في الشاة الحية والشحم والألية فيها وأكارعها ورأسها والسجير في السمسم، وهذا الفص على أنه ياقوت فإذا هو زجاج أو هذا الثوب الهروي فإذا هو مروي أو هذا العبد فإذا هو جارية أو دار على أن بناءها آجر فإذا هو لبن أو ثوب على أنه مصبوغ بعصفر فإذا هو بزعفران أو هو حنطة في جوالق فإذا هي دقيق أو دقيق فإذا هي خبز أو هذا الثوب القز فإذا لحمته من ملحم‏.‏ ولو كان سداه من قز وصح لو كان عكسه مع الخيار إذا اللحمة هي الأصل أو هذا الثوب على أن ظهارته وبطانته وحشوه من كذا فإذا الظهارة من غير المعين بخلاف ما إذا كانت البطانة من غير المعين، فإنه ينعقد مع الخيار ومما تسامحوا فيه وأخرجوه عن هذه القاعدة ما في القنية الأشياء التي تؤخذ من البياع على وجه الخرج كما هو العادة من غير بيع كالعدس والملح والزيت ونحوها، ثم اشتراها بعدما انعدمت صح ا هـ‏.‏ فيجوز بيع المعدوم هنا، ولم ينعقد بيع ما ليس بمال متقوم كبيع الحر والمدبر المطلق وأم الولد والمكاتب ومعتق البعض وأولادهم إلا ولد المكاتب المشترى في كتابته والميتة والدم وذبيحة المجوسي والمرتد والمشرك والصبي الذي لا يعقل والمجنون ومذبوح صيد المحرم سواء كان من الحل أو الحرم ومذبوح صيد الحرم وصيد المحرم إلا بيع وكيله، وجلد الميتة قبل الدبغ وجلد الخنزير مطلقا وعظمه وشعره وعصبه على الصحيح كشعر الآدمي وعظمه وفي عظم الكلب روايتان، ولم ينعقد بيع الخمر والخنزير في حق المسلم‏.‏ وأما في حق الذمي فينعقد ولكن اختلفوا في كونه مباحا له أو محرما والصحيح الثاني كما في البدائع لكونهم يتمولونها، وإن تبايعا، ثم أسلم أحدهما قبل القبض انفسخ البيع‏.‏ ولو تقارضا، ثم أسلم المقرض فلا شيء له من الخمر، وإن أسلم المستقرض كان عليه القيمة في رواية وفي أخرى كالأول، ولم ينعقد بيع النحل ودود القز إلا تبعا ولا بيع العذرة الخالصة بخلاف السرقين والمخلوطة بتراب، وكذا بيع آلات الملاهي عندهما خلافا للإمام، ولم ينعقد بيع الملاقيح والمضامين وعسب الفحل ولبن المرأة وفي التلويح المتقوم ما يجب إبقاؤه بعينه أو بمثله أو بقيمته والخمر يجب اجتنابها بالنص فلم تكن متقومة ا هـ‏.‏ وفي القنية أدنى القيمة التي تشترط لجواز البيع فلس، ولو كانت كسرة خبز لا يجوز شراء البراءات التي يكتبها الديوان على العمال لا يصح قيل له أئمة بخارى جوزوا بيع حظوظ الأئمة قال؛ لأن مال الوقف قائم ثمة ولا كذلك هنا ا هـ‏.‏ فعلى هذا يجوز للمستحق في المدارس بيع خبزه قبل قبضه من المشرف بخلاف الجندي إذا باع الشعير المعين لعلف دابته قبل قبضه وخرج بالمملوك بيع ما لا يملكه فلم ينعقد بيع الكلأ، ولو في أرض مملوكة له والماء في نهره أو في بئره وبيع الصيد والحطب والحشيش قبل الإحراز وبيع أرض مكة عند الإمام وأرض أحياها بغير إذن الإمام عند الإمام وحوانيت السوق التي عليها غلة للسلطان لعدم الملك؛ لأن السلطان إنما أذن لهم في البناء، ولم يجعل البقعة لهم كما في البدائع وفي القنية حفر موضعا من المعدن، ثم باع تلك الحفيرة أو أجرها لا يصح؛ لأنه إنما ملك من المعدن ما يخرج ويؤخذ وما بقي فيه بقي على الإباحة‏.‏ قال رضي الله تعالى عنه وهذه رواية في واقعة بلغتني عن بعض المفتين المجازفين أنه أفتى فيمن حفر في جبل حجرا يتخذ منه القدور، ثم مات ونحت غيره منه قدورا بأن لورثة الحافر المنع تاب الله عليه وعلينا وهداه وإيانا‏.‏ والصواب ليس لهم المنع؛ لأن الحجر الباقي، وإن ظهر بحفره بقي على أصل الإباحة‏.‏ ا هـ‏.‏ وخرج بقولنا وأن يكون ملكا للبائع ما ليس كذلك فلم ينعقد بيع ما ليس بمملوك له، وإن ملكه بعده إلا السلم والمغصوب لو باعه الغاصب، ثم ضمن الغاصب قيمته نفذ بيعه لاستناد الملك إلى وقت البيع فتبين أنه باع ملك نفسه وقلنا فيما يبيعه لنفسه ليخرج النائب والفضولي فالأول نافذ‏.‏ والثاني منعقد موقوفا وقلنا وأن يكون مقدور التسليم فلم ينعقد بيع معجوز التسليم عند البائع كبيع الآبق في ظاهر الرواية، فإن حضر احتيج إلى تجديد الركن قولا أو فعلا، وكذا بيع الطير في الهواء بعد أن كان في يده وطار والسمك بعد الصيد والإلقاء في الحظيرة إذا كان لا يمكن أخذه إلا بصيد ولا ينعقد بيع الدين من غير من عليه الدين‏.‏ ويجوز من المديون لعدم الحاجة إلى التسليم، ولم ينعقد بيع المغصوب من غير الغاصب إذا كان الغاصب منكرا له ولا بينة وإلى هنا صارت شرائط الانعقاد أحد عشر اثنان في العاقد واثنان في العقد وواحد في مكانه وستة في المعقود عليه‏.‏

وأما شرائط النفاذ فالملك أو الولاية فلم ينعقد بيع الفضولي عندنا‏.‏ وأما شراؤه فنافذ كما سيأتي والولاية أما بإنابة المالك أو الشارع فالأول الوكالة‏.‏ والثاني ولاية الأب ومن قام مقامه بشرط إسلام الولي وحريته وعقله وبلوغه وصغر المولى عليه وأولى الأولياء في المال الأب ثم وصيه، ثم وصي وصيه، ثم الجد أبو الأب، ثم وصيه، ثم وصي وصيه، ثم القاضي، ثم من نصبه القاضي وليس لمن سواهم ولاية في المال من الأم والأخ والعم ولوصيهم ولاية بيع المنقول للحفظ والعقار لقضاء دين الميت خاصة وليس له التصرف‏.‏ وأما وصي المكاتب فلا يملك إلا قضاء دين المكاتب فيبيع له ولا يملك بعده إلا الحفظ في رواية الزيادات وفي رواية كتاب القسمة جعله كوصي الأب هذا إذا مات قبل الأداء‏.‏ وأما بعده فوصيه كوصي الأحرار فانعقد بيع الصبي العاقل عندنا موقوفا إن كان محجورا و نافذا إن كان مأذونا الثاني أن لا يكون في المبيع حق لغير البائع، فإن كان لا ينفذ كالمرهون والمستأجر واختلفت عبارات الكتب فيها ففي بعضها أنه فاسد والصحيح أنه موقوف ويحمل الفساد على أنه لا حكم له ظاهر أو هو تفسير الموقوف عندنا ويملكان الإجازة دون الفسخ ويفسخه المشتري إن لم يعلم به أولا‏.‏ وأما بيع عبد وجب عليه قود فنافذ كبيع المرتد والجاني ومن وجب عليه حد‏.‏ وأما شرائط الصحة فعامة وخاصة فالعامة لكل بيع ما هو شرط الانعقاد؛ لأن ما لا ينعقد لم يصح ولا ينعكس، فإن الفاسد عندنا منعقد نافذ إذا اتصل به القبض، ومنها أن لا يكون مؤقتا، فإن أقته لم يصح بخلاف الإجارة، فإن التأقيت شرطها، ومنها أن يكون المبيع معلوما والثمن معلوما علما يمنع من المنازعة فالمجهول جهالة مفضية إليها غير صحيح كشاة من هذا القطيع وبيع الشيء بقيمته وبحكم فلان، ومنها خلوه عن شرط مفسد وهو أنواع شرط في وجوده غرر كاشتراط حمل البهيمة واختلفت الروايات في اشتراط حمل الجارية‏.‏ ورجح بعضهم أن الشارط له إن كان البائع صح وكان تبريا منه، وإن كان المشتري ليتخذها ظئرا فسد، ومنه ما إذا اشترى كبشا على أنه نطاح، ومنه شرط لا يقتضيه العقد وفيه منفعة لأحديهما وسيأتي تفصيله، ومنه شرط الأجل في المبيع المعين والثمن المعين، وإنما يجوز في الدين، ومنه شرط خيار مؤبد، ومنه شرط خيار مؤقت مجهول، ومنه شرط خيار مطلق، ومنه شرط خيار مؤقت معلوم زائد على الثلاثة، ومنه استثناء حمل الجارية‏.‏ ومنه الرضا ففسد بيع المكره وشراؤه، وكذا البيع تلجئة يملك الأول بالقبض دون الثاني، ومنها الفائدة فبيع ما لا فائدة فيه وشراؤه فاسد ففسد بيع درهم بدرهم استويا وزنا وصفة، كذا في الذخيرة‏.‏ وأما الخاصة فمنها معلومية الأجل في البيع بثمن مؤجل ففسد إن كان مجهولا، ومنها القبض في بيع المشترى المنقول وفي الدين فبيع الدين قبل قبضه فاسد كالمسلم فيه ورأس المال، ولو بعد الإقالة وبيع شيء بالدين الذي على فلان بخلاف ما إذا كان على البائع، ومنها أن يكون البدل مسمى في أحد نوعي المبادلة وهي القولية، فإن سكت عنه فسد وملك بالقبض، وإن نفاه قيل فسد وقيل بطل فلا يملك بالقبض وفي التتمة باعه بدين عليه وهما يعلمان أن لا دين عليه لم يصح، ومنها المماثلة بين البدلين في أموال الربا وسيأتي تفصيله في بابه‏.‏ ومنها الخلو عن شبهة الربا، ومنها وجود شرائط السلم الآتية، ومنها القبض في الصرف قبل الافتراق، ومنها أن يكون الثمن الأول معلوما في بيع المرابحة والتولية والإشراك والوضيعة‏.‏ وأما شرائط اللزوم بعد الانعقاد والنفاذ فخلوه من الخيارات الأربعة المشهورة ويزاد خيار الكمية وخيار الغبن إذا كان فيه غرور وخيار استحقاق بعض المبيع القيمي مطلقا والمثلي قبل القبض وخيار الخيانة في المرابحة وخيار نقد الثمن وعدمه وخيار كشف الحال وخيار فوات وصف مرغوب فيه وخيار إجازة بيع الفضولي وخيار هلاك بعض المبيع فهي ثلاثة عشر، وقد صارت جملة الشرائط ستة وسبعين فشرائط الانعقاد أحد عشر وشرائط النفاذ اثنان وشرائط الصحة خمسة وعشرون وشرط اللزوم واحد بعد اجتماع الكل فعلى هذا شرائط اللزوم تسعة وثلاثون والكل من غير تداخل ثمانية وسبب شرعيته تعلق البقاء المعلوم فيه لله تعالى على وجه جميل‏.‏ وأما أحكامه فالأصلي له الملك في البدلين لكل منهما في بدل وهو في اللغة القوة والقدرة وشرعا ما قدمناه والتابع وجوب تسليم المبيع والثمن ووجوب استبراء الجارية على المشتري وملك الاستمتاع بالجارية وثبوت الشفعة لو كان عقارا وعتق المبيع لو كان محرما من البائع‏.‏ وأما صفة ذلك الحكم فاللزوم عند عدم خيار فليس لأحدهما فسخه فالبيع عند عدم الخيار من العقود اللازمة والعقود ثلاثة لازم من الطرفين وهو البيع والسلم والإجارة، وإن قلنا بفسخها بالأعذار والصلح والحوالة والمساقاة والوصية بعد القبول بعد موت الموصي والنكاح والصداق والصدقة المقبوضة والهبة المقبوضة إذا وجد مانع من الموانع السبعة الآتية ولازم من أحد الجانبين وهو الرهن، فإنه لازم من جهة الراهن بعد التسليم دون المرتهن وجائز من الطرفين فلكل منهما فسخه وهو الشركة والوكالة والعارية لغير الراهن والمضاربة الوديعة والقضاء والوصاية قبل قبول الوصي‏.‏ وأما بعده فلازمة والوصية قبل موت الموصي‏.‏

وأما أنواعه فبالنظر إلى مطلق البيع أربعة نافذ وموقوف وفاسد وباطل فالنافذ ما أفاد الحكم للحال والموقوف ما أفاده عند الإجازة والفاسد ما أفاده عند القبض والباطل ما لم يفده أصلا، كذا في الحاوي وغيره وهو ظاهر في أن الموقوف ليس من الفاسد، وإنما هو إما من قسم الصحيح أو قسم برأسه وهو ظاهر كلامهم وبالنظر إلى المبيع أربعة مقايضة وهي بيع العين بالعين وبيع الدين بالدين وهو الصرف وبيع الدين بالعين وهو السلم وعكسه وهو بيع العين بالدين كأكثر البياعات وبالنظر إلى الثمن خمسة مرابحة وتولية وإشراك ووضيعة ومساومة وستأتي البيوع المكروهة‏.‏ وأما محاسنه فمنها التوصل إلى الأغراض وإخلاء العالم عن الفساد وفي آخر بيوع البزازية قيل للإمام محمد ألا تصنف في الزهد قال حسبكم كتاب البيوع وكان التجار في القديم إذا سافروا استصحبوا معهم فقيها يرجعون إليه وعن أئمة خوارزم أنه لا بد للتاجر من فقيه صديق ا هـ‏.‏ قال الشمني رحمه الله تعالى، وقد صح عند أصحاب السير أن «النبي صلى الله عليه وسلم اتجر لخديجة رضي الله تعالى عنها» لكن قبل البعثة بخمسة عشر سنة، فإنه بعث على رأس الأربعين وخرج تاجرا إلى الشام لخديجة رضي الله تعالى عنها لما بلغ خمسا وعشرين سنة قبل أن يتزوجها بشهرين وخمسة وعشرين يوما وكان أبو بكر رضي الله تعالى عنه تاجرا في البز وكان عمر رضي الله تعالى عنه في الطعام وعثمان رضي الله تعالى عنه في التمر والبز وعباس رضي الله عنه في العطر، ومن هنا قال أصحابنا أفضل الكسب بعد الجهاد التجارة، ثم الحراثة، ثم الصناعة ا هـ‏.‏ وأما دليله فالكتاب والسنة والإجماع والمعقول وهو العاشر من مواضعه‏.‏ ‏(‏فرع حسن‏)‏ من خزانة الفتاوى بيع ما يساوي درهما بألف درهم في غير رواية الأصول يجوز ولا يلزم في قول أبي يوسف، وقال محمد يكره ا هـ‏.‏